واخذ من الاعطية زكاة، وهو اول من احدثها، كما في كتاب
الام ((535)) (2/14).
وهو اول من نقص التكبير، كما اخرجه ابن ابي شيبة.
واتي اليه بلصوص، فقطع بعضهم، وعفى عن احدهم لسماعه
منه ومن امه كلاما يروقه، كما ذكره الماوردي في‏الاحكام
السلطانية ((536)) (ص‏219)، وابن كثير في تاريخه ((537))
(8/136).
وقدم الخطبة على الصلاة في العيدين كما ياتي تفصيله
والمسنون خلافه.
وسن لعن امير المؤمنين علي (ع)، وامر به الخطباء وائمة
الجمعة والجماعة في جميع الحواضر الاسلامية.
فكن على بصيرة من امرك (ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون)
((538))، (واحذرهم ان يفتنوك) ((539))،(سواءمحياهم
ومماتهم ساء ما يحكمون) ((540)).

(3) ابطال الخليفة الحدود
اخرج البلاذري في الانساب (5/33) من طريق محمد بن سعد،
بالاسناد عن ابي اسحاق الهمداني: ان‏الوليدبن عقبة شرب
فسكر فصلى بالناس الغداة ركعتين ((541))
ثم التفت فقال: ازيدكم؟ فقالوا: لا قد قضينا صلاتنا، ثم دخل
عليه بعد ذلك ابو زينب وجندب بن زهيرالازدي وهو سكران
فانتزعا خاتمه من يده وهو لا يشعر سكرا.
قال ابو اسحاق: واخبرني مسروق انه حين صلى لم يرم حتى
قاء، فخرج في امره الى عثمان اربعة نفر: ابوزينب، وجندب بن
زهير، وابو حبيبة الغفاري، والصعب بن جثامة، فاخبروا عثمان
خبره، فقال عبدالرحمن‏بن عوف: ماله؟ اجن؟ قالوا: لا، ولكنه
سكر. قال: فاوعدهم عثمان وتهددهم، وقال لجندب: انت
رايت‏اخي ((542)) يشرب الخمر؟ قال. معاذ اللّه، ولكني اشهد
اني رايته سكران يقلسها من جوفه، واني اخذت‏خاتمه من يده
وهو سكران لا يعقل.
قال ابو اسحاق: فاتى الشهود عائشة فاخبروها بما جرى بينهم
وبين عثمان، وان عثمان زبرهم، فنادت‏عائشة: ان عثمان ابطل
الحدود وتوعد الشهود.
وقال الواقدي: وقد يقال: ان عثمان ضرب بعض الشهود
اسواطا، فاتوا عليا فشكوا ذلك اليه. فاتى عثمان‏فقال: «عطلت
الحدود وضربت قوما شهدوا على اخيك فقلبت الحكم، وقد
قال عمر: لا تحمل بني امية‏وآل ابي معيط خاصة على رقاب
الناس‏» قال: فما ترى؟ قال: «ارى ان تعزله ولا توليه شيئا من
امورالمسلمين، وان تسال عن الشهود فان لم يكونوا اهل ظنة
ولا عداوة اقمت على صاحبك الحد».
قال: ويقال: ان عائشة اغلظت لعثمان واغلظ لها، وقال: وما انت
وهذا؟ انما امرت ان تقري في بيتك. فقال‏قوم مثل قوله: وقال
آخرون: ومن اولى بذلك منها، فاضطربوا بالنعال، وكان ذلك
اول قتال بين المسلمين‏بعد النبي (ص).
واخرج من عدة طرق: ان طلحة والزبير اتيا عثمان فقالا له: قد
نهيناك عن تولية الوليد شيئا من امورالمسلمين فابيت وقد
شهد عليه بشرب الخمر والسكر فاعزله، وقال له علي: «اعزله
وحده اذا شهد الشهودعليه في وجهه‏». فولى عثمان سعيد بن
العاص الكوفة وامره باشخاص الوليد، فلما قدم سعيد الكوفة
غسل‏المنبر ودار الامامة واشخص الوليد، فلما شهد عليه في
وجهه واراد عثمان ان يحده البسه جبة حبر وادخله‏بيتا، فجعل
اذا بعث اليه رجلا من قريش ليضربه قال له الوليد: انشدك اللّه
ان تقطع رحمي وتغضب اميرالمؤمنين عليك. فيكف. فلما راى
ذلك علي ابن ابي طالب اخذ السوط ودخل عليه ومعه ابنه
الحسن، فقال‏له الوليد مثل تلك المقالة، فقال له الحسن:
صدق يا ابت، فقال علي: ما انا اذا بمؤمن. وجلده بسوط
له‏شعبتان، وفي لفظ: فقال علي للحسن ابنه: قم يا بني
فاجلده، فقال عثمان: يكفيك ذلك بعض من ترى، فاخذعلي
السوط ومشى اليه فجعل يضربه والوليد يسبه، وفي لفظ
الاغاني: فقال له الوليد: نشدتك باللّهوبالقرابة، فقال له علي:
«اسكت ابا وهب فانما هلكت بنو اسرائيل بتعطيلهم الحدود»
فضربه وقال:«لتدعوني قريش بعد هذا جلادها».
قالوا: وسئل عثمان ان يحلق، وقيل له: ان عمر حلق مثله،
فقال: قد كان فعل ذلك ثم تركه.
وقال ابو مخنف وغيره: خرج الوليد بن عقبة لصلاة الصبح وهو
يميل فصلى‏ركعتين ثم التفت الى الناس‏فقال: ازيدكم؟ فقال
له عتاب بن علاق احد بني عوافة بن سعد وكان شريفا: لا زادك
اللّه مزيد الخير،ثم‏تناول حفنة من حصى فضرب بها وجه الوليد
وحصبه الناس وقالوا: واللّه ما العجب الا ممن ولاك، وكان‏عمر
بن الخطاب فرض لعتاب هذا مع الاشراف في الفين
وخمسمائة. وذكر بعضهم: ان القي‏ء غلب على الوليدفي مكانه،
وقال يزيد بن قيس الارحبي ومعقل بن قيس الرياحي: لقد اراد
عثمان كرامة اخيه بهوان امة‏محمد (ص). وفي الوليد يقول
الحطيئة جرول بن اوس بن مالك العبسي:
شهد الحطيئة يوم يلقى ربه
ان الوليد احق بالعذر
نادى وقد نفدت ((543)) صلاتهم
ا ازيدكم؟ ثملا وما يدري
ليزيدهم خيرا ولو قبلوا
منه لزادهم على عشر
فابوا ابا وهب ولو فعلوا
لقرنت بين الشفع والوتر
حبسوا عنانك اذ جريت ولو
خلوا عنانك لم تزل تجري ((544))
وذكر ابو الفرج في الاغاني ((545)) (4/178)، وابو عمر في
الاستيعاب ((546)) بعد هذه الابيات للحطيئة ايضاقوله:
تكلم في الصلاة وزاد فيها
علانية وجاهر بالنفاق
ومج الخمر في سنن المصلى
ونادى والجميع الى افتراق
ازيدكم على ان تحمدوني
فما لكم ومالي من خلاق
ثم قال ابو عمر: وخبر صلاته بهم وهو سكران وقوله: ازيدكم؟
بعد ان صلى‏الصبح اربعا مشهور من رواية‏الثقات من نقل اهل
الحديث واهل الاخبار.
وهكذا جاء ((547)) في مسند احمد (1/144)، سنن البيهقي
(8/318)، تاريخ اليعقوبي (2/142) وقال: تهوع في‏المحراب.
كامل ابن الاثير (3/42)، اسد الغابة (5/91، 92) وقال: قوله لهم:
ازيدكم؟ بعد ان صلى الصبح‏اربعا مشهور من رواية الثقات من
اهل الحديث. ثم ذكر حديث الطبري ((548)) في تعصب القوم
على الوليدوقول عثمان له: يا اخي اصبر فان اللّه يؤجرك ويبوء
القوم باثمك. فقال: قال ابو عمر ((549)): والصحيح عنداهل
الحديث انه شرب الخمر وتقياها، وصلى الصبح اربعا.
تاريخ ابي الفدا (1/176)، الاصابة (3/638) وقال: قصة صلاته
بالناس الصبح اربعا وهو سكران مشهورة‏مخرجة، تاريخ الخلفاء
للسيوط‏ي ((550)) (ص‏104)، السيرة الحلبية ((551))
(2/314) وقال: صلى باهل الكوفة‏اربع ركعات وصار يقول في
ركوعه وسجوده: اشرب واسقني. ثم قاء في المحراب ثم سلم
وقال: هل‏ازيدكم؟ فقال له ابن مسعود (رضي اللّه عنه): لا
زادك اللّه خيرا ولا من بعثك الينا، واخذ فردة خفه وضرب‏به
وجه الوليد وحصبه الناس، فدخل القصر والحصباء تاخذه وهو
مترنح. الخ.
وحكى ابو الفرج في الاغاني ((552)) (4/178) عن ابي عبيد
والكلبي والاصمعي: ان الوليد بن عقبة كان‏زانياشريب خمر
فشرب الخمر، بالكوفة وقام ليصلي بهم الصبح في المسجد
الجامع، فصلى بهم اربع ركعات‏ثم‏التفت اليهم وقال لهم:
ازيدكم؟ وتقى ا في المحراب وقرا بهم في الصلاة وهو رافع
صوته:
علق القلب الربابا
بعد ما شابت وشابا
وذكره في (ص‏179) نقلا عن عمر بن شبة، وروى من طريق
المدائني في صفحة (180) عن الزهري انه‏قال: خرج رهط من
اهل الكوفة الى عثمان في امر الوليد فقال: اكلما غضب رجل
منكم على اميره رماه‏بالباطل؟ لئن اصبحت لكم لانكلن بكم،
فاستجاروا بعائشة واصبح عثمان فسمع من حجرتها
صوتاوكلامافيه بعض الغلظة، فقال: اما يجد مراق اهل العراق
وفساقهم ملجا الا بيت عائشة. فسمعت فرفعت نعل‏رسول اللّه
(ص) وقالت: تركت سنة رسول اللّه صاحب هذا النعل. فتسامع
الناس فجاءوا حتى ملاواالمسجد فمن قائل: احسنت، ومن
قائل: ما للنساء ولهذا؟ حتى تحاصبوا وتضاربوا بالنعال، ودخل
رهط من‏اصحاب رسول اللّه على‏عثمان فقالوا له: اتق اللّه لا
تعطل الحد واعزل اخاك عنهم، فعزله عنهم.
واخرج من طريق مطر الوراق قال: قدم رجل المدينة فقال
لعثمان (رضي اللّه عنه): اني صليت الغداة خلف‏الوليد بن عقبة
فالتفت الينا فقال: ازيدكم؟ اني اجد اليوم نشاطا ، وانا اشم منه
رائحة الخمر. فضرب عثمان‏الرجل، فقال الناس: عطلت
الحدود، وضربت الشهود.
وروى ابن عبد ربه قصة الصلاة في العقد الفريد ((553))
(2/273) وفيه: صلى بهم الصبح ثلاث ركعات وهوسكران. الخ.
وجاء في صحيح البخاري ((554)) في مناقب عثمان في
حديث: قد اكثر الناس فيه. قال ابن حجر في فتح
الباري((555)) (7/44) في شرح الجملة المذكورة: و وقع في
رواية معمر: وكان اكثر الناس فيما فعل به، اي من تركه‏اقامة
الحد عليه على الوليد وانكارهم عليه عزل سعد بن ابي
وقاص.
قال الاميني: الوليد هو هذا الذي تسمع حديثه وسنوقفك في
هذا الجزء والاجزاء الاتية ان شاء اللّه على‏حقيقته حتى كانك
مطل عليه من امم، تراه يشرب الخمر، ويقي‏ء في محرابه، ويزيد
في الصلاة من سورة‏السكر، وينتزع خاتمه من يده فلا يشعر به
من شدة الثمل، وقد عرفه اللّه تعالى قبل يومه هذا بقوله عز
من‏قائل (افمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا لا يستوون) سورة
السجدة: (18) ((556)). وبقوله (ان جاءكم فاسق بنبافتبينوا)
. وقال ابن عبدالبر في الاستيعاب ((558)) (2/620): ((557))
لا خلاف بين اهل العلم بتاويل القرآن فيماعلمت ان قوله عز
وجل (ان جاءكم فاسق بنبا) نزلت في الوليد. وحكاها عنه ابن
الاثير في اسد الغابة((559))(5/90).
فهل من الممكن ان يحوز مثله حنكة الولاية عن امام
المسلمين؟ فيحتنك النفوس ويستحوذ على الاموال،ويستولي
على النواميس والاعراض، وتؤخذ منه الاحكام وتلقى اليه ازمة
البسط والقبض في حاضرة‏المسلمين، ويؤمهم على الجمعة
والجماعة؟ هل هذا شي‏ء يكون في الشريعة؟ اعزب عني واسال
الخليفة‏الذي ولاه وزبر الشهود عليه وتوعدهم او ضربهم
بسوطه.
وهب ان الولاية سبقت منه لكن الحد الذي ثبت موجبه وليم
على تعطيله ما وجه ارجائه الى حين ادخال‏الرجل في البيت
مجللا بجبة حبر وقاية له عن الم السياط؟
ثم من دخل عليه ليحده دافعه المحدود بغضب الخليفة وقطع
رحمه، فهل كان الخليفة يعلم بنسبة الغضب اليه‏على اقامه حد
اللّه وايثار رحمه على حكم الشريعة؟ فيغض الطرف عنه رضا
منه بما يقول، اولا يبلغه؟ وهوخلاف سياق الحديث الذي ينم
عن اطلاعه على كل ما هنالك، وكان يتعلل عن اقامة الحد بكل
تلكم‏الاحوال، حتى انه منع السبط المجتبى الحسن (ع) لما
علم انه لا يجنح الى الباطل بالرقة عليه واحب ان يجلده‏زبانيته
الذين يتحرون مرضاته، لكن غلب امر اللّه ونفذ حكمه بمولانا
امير المؤمنين الذي باشر الحدبنفسه‏والظالم يسب ه وهو سلام
اللّه عليه لا تاخذه في اللّه لومة لائم، او امر سلام اللّه عليه
عبداللّه بن جعفرفجلده وهو (ع) يعد كما في الصحيح لمسلم
والاغاني ((561)) وغيرهما. ((560))
وهل الحد يعطل بعد ثبوت ما يوجبه، حتى يقع عليه الحجاج،
ويحتدم الحوار فيعود الجدال جلادا، وتتحول‏المكالمة ملاكمة،
وتعلو النعال والاحذية، ويشكل اول قتال بين المسلمين بعد
رسول اللّه (ص) وعقيرة‏ام‏المؤمنين مرتفعة: ان عثمان عطل
الحدود وتوعد الشهود. ويوبخه على ذلك سيد العترة صلوات
اللّه عليه آبقوله: «عطلت الحدود وضربت قوما شهدوا على
اخيك‏» وهل بعد هذه كلها يستاهل مثل هذا الفاسق‏المهتوك
بلسان الكتاب العزيز ان يبعث على الاموال؟ كما فعله عثمان
وبعث الرجل بعد اقامة الحد عليه على‏صدقات كلب وبلقين
، وهل آصرة الاخاء تستبيح ذلك كله؟ ((562))
ليست ذمتي رهينة بالجواب عن هذه الاسئلة وانما علي سرد
القصة مشفوعة بالتعليل والتحليل، واماالجواب فعلى عهدة
انصار الخليفة، او ان المحكم فيه هو القارئ الكريم.

(4) النداء الثالث بامر الخليفة
اخرج البخاري وغيره بالاسناد عن السائب بن يزيد: ان النداء
يوم الجمعة كان اوله في زمان رسول اللّه(ص) وفي زمان ابي
بكر وفي زمان عمر اذا خرج الامام، واذا قامت الصلاة، حتى كان
زمان عثمان فكثرالناس فزاد النداء الثالث على الزوراء فثبتت
حتى الساعة ((563)).
وفي لفظ البخاري وابي داود: ان الاذان كان اوله حين يجلس
الامام على المنبر يوم الجمعة في عهدالنبي(ص) وابي بكر
وعمر غ، فلم ا كان خلافة عثمان وكثر الناس، امر عثمان يوم
الجمعة بالاذان الثالث،فاذن به على الزوراء ((564)) فثبت
الامر على ذلك.
وفي لفظ النسائي: امر عثمان يوم الجمعة بالاذان الثالث فاذن
به على الزوراء.
وفي لفظ له ايضا: كان بلال يؤذن اذا جلس رسول اللّه (ص)
على المنبر يوم الجمعة فاذا نزل اقام، ثم كان‏كذلك في زمن
ابي بكر وعمر.
وفي لفظ الترمذي: كان الاذان على عهد رسول اللّه (ص) وابي
بكر وعمر اذا خرج الامام اقيمت الصلاة،فلما كان عثمان زاد
النداء الثالث على الزوراء.
وفي لفظ البلاذري في الانساب (5/39) عن السائب بن يزيد:
كان رسول‏اللّه(ص) اذا خرج للصلاة اذن‏المؤذن ثم يقيم،
وكذلك كان الامر على عهد ابي بكر وعمر، وفي صدر من ايام
عثمان، ثم ان عثمان نادى النداءالثالث في السنة السابعة
فعاب الناس ذلك وقالوا: بدعة. ((565))
وقال ابن حجر في فتح الباري ((566)) (2/315): والذي يظهر
ان الناس اخذوا بفعل عثمان في جميع البلاد اذ ذاك‏لكونه
خليفة مطاع الامر، لكن ذكر الفاكهاني: ان اول من احدث
الاذان الاول بمكة الحجاج وبالبصرة‏زياد، وبلغني ان اهل
المغرب الادنى الان لا تاذين عندهم سوى مرة، وروى ابن ابي
شيبة ((567)) من طريق‏ابن عمر قال: الاذان الاول يوم
الجمعة بدعة. فيحتمل ان يكون قال ذلك على سبيل الانكار،
ويحتمل ان‏يريد انه لم يكن في زمن النبي (ص)، وكل ما لم
يكن في زمنه يسمى‏بدعة.
وحكى ما في الفتح، الشوكاني في نيل الاوطار ((568))
(3/332)، وذكر العيني في عمدة القاري ((569)) حديث
ابن‏عمر من ان الاذان الاول يوم الجمعة بدعة، وروى عن
الزهري قوله: ان اول من احدث الاذان الاول عثمان‏يؤذن لاهل
الاسواق. وقال: وفي لفظ: فاحدث عثمان التاذينة الثالثة على
الزوراء ليجتمع الناس الى ان‏قال : وقيل: ان اول من احدث
الاذان الاول بمكة الحجاج وبالبصرة زياد.
قال الاميني: ان اول ما يستفهم من رواة هذه الاحاديث ان
المراد من كثرة الناس الموجبة لتكرر الاذان هل‏هو كثرتهم في
مركز الخلافة المدينة المنورة او كثرتهم في العالم؟ اما الثاني
فلم يكن يجديهم فيه الف اذان، فان‏صوت مؤذن المدينة لا
يبلغ المدن والامصار، ولا ان اولئك مكلفون بالاصغاء الى اذان
المدينة ولا الصلاة‏معه.
واما كثرة الناس في المدينة نفسها لو تم كونها مصححا للزيادة
في النداء، فانما يصحح تكثير المؤذنين في‏انحاء البلد في وقت
واحد لا الاذان بعد الاقامة الفاصل بينها وبين الصلاة، وقد ثبت
في السنة خلافه في‏الترتيب، واحدوثة الخليفة انما هي الزيادة
في النداء بعد الاقامة لا اكثار المؤذنين، كما نبه اليه التركماني
في‏شرح السنن الكبرى للبيهقي (1/429)، ولذلك عابه عليه
الصحابة، وحسبوه بدعة، ولا يخص تعدد المؤذنين‏بايام عثمان
فحسب، وقد كان في ايام رسول اللّه (ص) يؤذن بلال وابن ام
مكتوم، واتخذ عثمان اربعة للحاجة‏اليها حين كثر الناس كما
في شرح الابي على صحيح مسلم ((570)) (2/136)، ولا اجد
خلافا في جواز تعددالمؤذنين، بل رتبوا عليه احكاما مثل قولهم
هل الحكاية المستحبة او الواجبة كما قيل تتعدد بتعدد
المؤذنين ام‏لا؟ وقولهم: اذا اذن المؤذن الاول، هل للامام ان
يبطئ بالصلاة ليفرغ من بعده؟ او له ان يخرج ويقطع من‏بعده
اذانه؟ وقولهم: اذا تعدد المؤذنون لهم ان يؤذن واحد بعد واحد،
او يؤذن كلهم في اول الوقت؟ وقال‏الشافعي في كتاب الام
((571)) (1/72): ان كان مسجدا كبيرا له مؤذنون عدد فلا
باس ان يؤذن في كل منارة له‏مؤذن فيسمع من يليه في وقت
واحد.
وظاهر ما مر في الصحيح من انه زاد النداء الثالث هو احداث
الاذان بعد الاذان والاقامة لا الاذان قبلهما كماياتي عن
الطبراني ((572))، ويومي اليه قول بعض شراح الحديث من ان
النداء الثالث ثالث باعتبار الشرعية‏لكونه مزيدا على الاذان بين
يدي الامام وعلى الاقامة للصلاة ((573))، نعم: قال ابن حجر
في فتح الباري((574))(2/315): تواردت الشراح على ان
معنى قوله: الاذان الثالث، ان الاولين الاذان والاقامة، فتسمية
ماامر به عثمان ثالثا يستدعي سبق اثنين قبله. وقال العيني في
عمدته ((575)) (2/290): انما اطلق الاذان على‏الاقامة لانها
اعلام كالاذان، ومنه قوله(ص): «بين كل اذانين صلاة لمن شاء»
، ويعني به بين الاذان‏والاقامة. ((576))
وعلى تقدير ايجاب كثرة الناس الزيادة في النداء يلزم كما قلنا
ان يكون الاذان الزائد في اطراف البلدواقاصيه عن المسجد
ليبلغ من لا يبلغه اذان المسجد الذي كان يؤذن به على باب
المسجد على العهدالنبوي‏ودور الشيخين، كما ورد في سنن
ابي داود ((577)) (1/171)، لا في الزوراء التي هي دار بقرب
المسجد كمافي القاموس ((578))، وتاج العروس ((579))،
سواء كانت هي دار عثمان بن عفان التي ذكرها الحموي في
المعجم((580)) (4/412)، وقال الطبراني ((581)): فامر
عثمان بالنداء الاول على دارله يقال لها الزوراء فكان يؤذن له
عليها((582))، او موضع عند سوق المدينة بقرب المسجد كما
ذكره الحموي ايضا، او حجر كبير عند باب المسجدعلى ما جزم
به ابن بطال كما في فتح الباري (2/315)، وعمدة القاري
(3/291). فالنداء في الزوراء على كل‏حال كالنداء في باب
المسجد في مدى الصوت ومبلغ الخبر، فاي جدوى في هذه
الزيادة المخالفة للسنة؟
ثم ان كثرة الناس على فرضها في المدينة هل حصلت فجائية
في السابعة من خلافة عثمان؟ او ان الجمعية‏كانت الى التكثر
منذ عادت عاصمة الخلافة الاسلامية؟ فما ذلك الحد الذي
اوجب مخالفة السنة او ابتداع‏نداء ثالث؟ وهل هذه السنة
المبتدعة يجري ملاكها في العواصم والاوساط الكبيرة التي
تحتوي اضعاف ماكان بالمدينة من الناس فيكرر فيها الاذان
عشرات او مئات؟ سل الخليفة وانصاره المبررين لعمله.
على ان كثرة الناس في المدينة ان كانت هي الموجبة للنداء
الثالث فلماذا اخذ فعل الخليفة اهل البلاد جمعاءوعمل به؟ ولم
يكن فيها التكثر، وكان على الخليفة ان ينهاهم عنه وينوه بان
الزيادة على الاذان المشروع‏تخص بالمدينة فحسب، او يؤخذ
بحكمها في كل بلدة كثر الناس بها.
نعم، فتح الخليفة باب الجراة على اللّه فجاء بعده معاوية ومروان
وزياد والحجاج ولعبوا بدين اللّه على‏حسب ميولهم وشهواتهم
والبادي اظلم.

(5) توسيع الخليفة المسجد الحرام
قال الطبري في تاريخه ((583)) (5/47) في حوادث سنة
(26) الهجرية: وفيها زاد عثمان في المسجد الحرام‏ووسعه،
وابتاع من قوم وابى آخرون، فهدم عليهم ووضع الاثمان في
بيت المال، فصاحوا بعثمان فامر بهم‏الحبس وقال: اتدرون ما
جراكم علي؟ ما جراكم علي الا حلمي، قد فعل هذا بكم عمر
فلم تصيحوا به. ثم‏كلمه فيهم عبداللّه بن خالد بن اسيد
فاخرجوا. وذكره هكذا اليعقوبي في تاريخه ((584)) (2/142)،
وابن الاثيرفي الكامل ((585)) (3/39).
واخرج البلاذري في الانساب (5/38) من طريق مالك عن
الزهري قال: وسع عثمان مسجد النبي (ص)فانفق عليه من
ماله عشرة آلاف درهم، فقال الناس: يوسع مسجد رسول اللّه
ويغير سنته.
قال الاميني: كان الخليفة لم يكن يرى لليد ناموسا مطردا في
الاسلام، ولا للملك والمالكية قيمة ولا كرامة في‏الشريعة
المقدسة، وكانه لم يقرع سمعه قول نبي العظمة(ص): «لا يحل
مال امرئ مسلم الا عن طيب نفس‏منه‏» ((586)).
وان من العجب العجاب ان الخليفة نفسه ادرك عهد عمر
وزيادته في المسجد، وشاهد محاكمة العباس بن‏عبدالمطلب
معه واباءه عن اعطاء داره، ورواية ابي بن كعب وابي ذر الغفاري
وغيرهما حديث بناء بيت‏المقدس عن داود (ع)، وقد خصمه
العباس بذلك، وثبتت عند عمر السنة الشريفة فخضع لها، كما
مرتفصيله‏في الجزء السادس (ص‏262 266). غير ان الرجل لم
يكترث لذلك كله ويخالف تلك السنة الثابتة، ثم‏يحتج‏بفعل
عمر وهيبة الناس لكن ه حلم فلم يهابوه، فهدم دور الناس من
دون رضاهم وسجن من حاوره اوفاوضه في ذلك، ووضع
الاثمان في بيت المال حتى‏قال الناس: يوسع مسجد رسول اللّه
ويغير سنته.

(6) راي الخليفة في متعة الحج
اخرج‏البخاري في الصحيح بالاسناد عن مروان بن الحكم قال:
((587))
((587)) عثمان وعليا غبين مكة والمدينة، سمعت
وعثمان ينهى عن المتعة وان يجمع بينهما، فلما
راى‏ذلك علي اهل بهما جميعا، قال: «لبيك بعمرة وحجة معا»
قال:فقال عثمان: تراني انهى الناس عن شي‏ء وتفعله انت؟ قال:
«لم اكن لادع سنة رسول اللّه (ص) لقول احد من‏الناس‏».
وفي لفظ احمد: كنا نسير مع عثمان (رضي اللّه عنه)، فاذا رجل
يلبي بهما جميعا، فقال عثمان(رضي اللّه عنه): من‏هذا؟ فقالوا:
علي. فقال. الم تعلم اني قد نهيت عن هذا؟ قال: «بلى . ولكن لم
اكن لادع قول رسول اللّه (ص)لقولك‏».
واخرج الشيخان بالاسناد عن سعيد بن المسيب قال: اجتمع
علي وعثمان غ بعسفان، وكان عثمان‏ينهى‏عن‏المتعة، فقال‏له
علي‏«ما تريد الى‏امر فعله رسول‏اللّه(ص) تنهى عنه؟» قال: دعنا
منك، قال: «اني لا استطيع‏ان ادعك‏». فلما راى ذلك علي اهل
بهما جميعا.
واخرج مسلم من طريق عبداللّه بن شقيق قال: كان عثمان
(رضي اللّه عنه) ينهى عن المتعة وكان علي(رضي‏اللّه عنه)
يامر بها، فقال عثمان لعلي كلمة، ثم قال علي: «لقد علمت انا
قد تمتعنا مع رسول اللّه (ص)» قال:اجل ولكنا كنا خائفين.
راجع ((588)): صحيح البخاري (3/69، 71)، صحيح مسلم
(1/349)، مسند احمد (1/61، 95)، سنن النسائي(5/148،
152)، سنن البيهقي (4/352 و 5/22)، مستدرك الحاكم
(1/472)، تيسير الوصول (1/282).
قال الاميني: لقد فصلنا القول في هذه المسالة في نوادر الاثر
من الجزء السادس (ص‏198 205 و 213 آ220)، تفصيلا وذكرنا
هنالك احاديث جمة ان متعة الحج ثابتة بالكتاب والسنة، ولم
تنزل آية تنسخ متعة‏الحج ولم ينه عنها رسول اللّه (ص) حتى
مات، وانما النهي عنها راي رآه الخليفة الثاني كما اخرجه
الشيخان‏وجمع من ائمة الحديث من طرقهم المتكثرة. ولقد
شاهد عثمان تلكم المواقف وما وقع فيها من الحوار وماانكره
الصحابة على من نهى عنها، وكان كل حجته: اني لو رخصت
في المتعة لهم لعرسوا بهن في الاراك‏ثم‏راحوا بهن حجاجا.
وانت ترى ان هذه الحجة الداحضة لم تكن الا رايا تافها غير
مدعوم ببرهنة، بل‏منقوض بالكتاب والسنة، وكان رسول اللّه
(ص) اعرف من صاحب هذا الراي بهذه الدقيقة التي
اكتشفهابنظارته المقربة، واللّه سبحانه قبله يعلم كل ذلك، فلم
ينهيا عن متعة الحج بل اثبتاها.
ما العلم الا كتاب اللّه والاثر
وما سوى ذاك لاعين ولا اثر
الا هوى وخصومات ملفقة
فلا يغرنك من اربابها هدر ((589))
نعم، شهد عثمان كل ذلك لكنه لم يكترث لشي‏ء منها، وطفق
يقتص اثر من قبله، وكان حقا عليه ان يتبع‏كتاب اللّه وسنة نبيه
والحق احق ان يتبع، ولم يقنعه كل ذلك حتى اخذ يعاتب امير
المؤمنين عليا (ع) الذي‏هو نفس الرسول، وباب مدينة علمه،
واقضى امته واعلمها على عدم موافقته له في رايه المجرد
الشاذ عن‏حكم اللّه، حتى وقع الحوار بينهما في عسفان وفي
الجحفة وامير المؤمنين (ع) متمتع بالحج، وكاد من جراءذلك
يقتل علي سلام اللّه عليه كما مر حديثه في الجزء السادس
ص(205) [من] الطبعة الاولى و (219)من الطبعة الثانية.
ونحن لا ندري مغزى جواب الرجل لمولانا علي (ع) لما قال له:
«لقد علمت انا تمتعنا مع رسول اللّه». من‏قوله: اجل ولكنا كنا
خائفين. اي خوف كان في سنة حجة التمتع مع رسول اللّه
(ص)؟ وهي حجة الوداع‏والنبي الاقدس كان معه مائة الف او
يزيدون، وانت تجد اعلام الامة غير عارفين بهذا العذر التافه
المختلق‏ايضا، قال امام الحنابلة احمد في المسند بعد ذكر
((590)) الحديث: قال شعبة لقتادة: ما كان خوفهم. قال:
لاادري!
انا لا ادري، هذا مبلغ علم الخليفة، او مدى عقليته، او كمية
اصراره على تنفيذ ما اراد، او حد اتباعه كتاب‏اللّه وسنة نبيه، او
مقدار امانته على ودائع الدين؟ وهو خليفة المسلمين (فاسالوا
اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون)((591)).
اليس من الغلو الممقوت الفاحش عندئذ ما جاء به البلاذري في
الانساب (5/4) من قول ابن سيرين: كان‏عثمان اعلمهم
بالمناسك وبعده ابن عمر؟
ان كان اعلم الامة هذه سيرته وهذا حديثه، فعلى الاسلام
السلام.

(7) تعطيل الخليفة القصاص
اخرج الكرابيسي في ادب القضاء بسند صحيح الى سعيد بن
المسيب ان عبدالرحمن بن ابي بكر قال: لما قتل‏عمر اني
مررت بالهرمزان وجفينة وابي لؤلؤة وهم نجي، فلما راوني
ثاروا فسقط من بينهم خنجر له راسان‏نصابه في وسطه،
فنظروا الى الخنجر الذي قتل به عمر فاذا هو الذي وصفه،
فانطلق عبيداللّه بن عمر فاخذسيفه حتى سمع ذلك من
عبدالرحمن، فاتى‏الهرمزان فقتله وقتل جفينة [وقتل]
((592)) بنت ابي لؤلؤة صغيرة‏واراد قتل كل سبي بالمدينة
فمنعوه، فلما استخلف عثمان قال له عمرو بن العاص: ان هذا
الامر كان وليس‏لك على الناس سلطان فذهب دم الهرمزان
هدرا.
واخرجه الطبري في تاريخه ((593)) (5/42) بتغيير يسير
والمحب الطبري في الرياض ((594)) (2/150)، وذكره
ابن‏حجر في الاصابة (3/619) وصححه باللفظ المذكور.
وذكر البلاذري في الانساب (5/24) عن المدائني، عن غياث
بن ابراهيم: ان عثمان صعد المنبر فقال: ايهاالناس انا لم نكن
خطباء وان نعش تاتكم الخطبة على‏وجهها ان شاء اللّه، وقد كان
من قضاء اللّه ان عبيد اللّهبن عمر اصاب الهرمزان وكان
الهرمزان من المسلمين ((595)) ولا وارث له الا المسلمون
عامة وانا امامكم وقدعفوت افتعفون؟ قالوا: نعم. فقال علي:
«اقد الفاسق فانه اتى عظيما، قتل مسلما بلا ذنب‏». وقال
لعبيداللّه: «يافاسق لئن ظفرت بك يوما لاقتلنك بالهرمزان‏».
وقال اليعقوبي في تاريخه ((596))(2/141): اكثر الناس في دم
الهرمزان وامساك عثمان عبيداللّه بن عمر، فصعدعثمان المنبر
فخطب الناس، ثم قال: الا اني‏ولي دم الهرمزان وقد وهبته للّه
ولعمر وتركته لدم عمر. فقام‏المقداد بن عمرو فقال: ان
الهرمزان مولى للّه ولرسوله وليس لك ان تهب ما كان للّه
ولرسوله. قال: فننظروتنظرون، ثم اخرج عثمان عبيداللّه بن
عمر من المدينة الى الكوفة، وانزله دارا فنسب الموضع اليه
كويفة‏ابن عمر فقال بعضهم.
ابا عمرو ((597)) عبيداللّه رهن
فلا تشكك بقتل الهرمزان
واخرج البيهقي في السنن الكبرى (8/61) باسناد عن عبداللّه
((598)) بن عبيد بن عمير قال: لما طعن عمر(رضي اللّه عنه)
وثب عبيد اللّه بن عمر على الهرمزان فقتله، فقيل لعمر: ان
عبيداللّه بن عمر قتل الهرمزان.قال: ولم قتله؟ قال: انه قتل
ابي. قيل: وكيف ذاك؟ قال: رايته قبل ذلك مستخليا بابي
لؤلؤة وهو امره بقتل‏ابي. قال عمر: ما ادري ما هذا، انظروا اذا انا
مت فاسالوا عبيد اللّه البينة على الهرمزان: هو قتلني؟ فان
اقام‏البينة فدمه بدمي، وان لم يقم البينة فاقيدوا عبيداللّه من
الهرمزان. فلما ولي عثمان(رضي اللّه عنه) قيل له: الاتمضي
وصية عمر (رضي اللّه عنه) في عبيداللّه؟ قال: ومن ولي
الهرمزان؟ قالوا: انت يا امير المؤمنين. فقال قدعفوت عن
عبيداللّه بن عمر.
وفي طبقات ابن سعد ((599)) (5/8 10) طبع ليدن: انطلق
عبيداللّه فقتل ابنة ابي لؤلؤة وكانت تدعي الاسلام،واراد عبيد
اللّه الا يترك سبيا بالمدينة يومئذ الا قتله. فاجتمع المهاجرون
الاولون فاعظموا ما صنع عبيداللّهمن قبل هؤلاء واشتدوا عليه
وزجروه عن السبي، فقال: واللّه لاقتلنهم وغيرهم. يعرض
ببعض المهاجرين،فلم يزل عمرو بن العاص يرفق به حتى دفع
اليه سيفه، فاتاه سعد فاخذ كل واحد منهما براس
صاحبه‏يتناصيان ((600))، حتى حجز بينهما الناس، فاقبل
عثمان وذلك في الثلاثة الايام الشورى قبل ان يبايع له،
حتى‏اخذ براس عبيداللّه بن عمر واخذ عبيداللّه براسه ثم حجز
بينهما واظلمت الارض يومئذ على الناس، فعظم‏ذلك في
صدور الناس واشفقوا ان تكون عقوبة حين قتل عبيداللّه جفينة
والهرمزان وابنة ابي لؤلؤة.
وعن ابي وجزة عن ابيه قال: رايت عبيداللّه يومئذ وانه ليناصي
عثمان، وان عثمان ليقول: قاتلك اللّه قتلت‏رجلا يصلي وصبية
صغيرة، وآخر من ذمة رسول‏اللّه(ص) ما في الحق تركك. قال:
فعجبت لعثمان حين ولي‏كيف تركه! ولكن عرفت ان عمرو بن
العاص كان دخل في ذلك فلفته عن رايه.
وعن عمران بن مناح قال: جعل سعد بن ابي وقاص يناصي
عبيداللّه بن عمر حيث قتل الهرمزان وابنة ابي‏لؤلؤة، وجعل
سعد يقول وهو يناصيه:
لا اسد الا انت تنهت واحدا
وغالت اسود الارض عنك الغوائل ((601))
فقال عبيد اللّه:
تعلم اني لحم ما لا تسيغه
فكل من خشاش الارض ما كنت آكلا
فجاء عمرو بن العاص فلم يزل يكلم عبيداللّه، ويرفق به حتى
اخذ سيفه منه، وحبس في السجن حتى‏اطلقه عثمان حين
ولي.
عن محمود بن لبيد: كنت احسب ان عثمان ان ولي سيقتل
عبيداللّه لما كنت اراه صنع به، كان هو وسعداشداصحاب
رسول اللّه (ص) عليه.
وعن المط لب بن عبداللّه قال: قال علي لعبيداللّه بن عمر: «ما
ذنب بنت ابي لؤلؤة حين قتلتها؟». قال: فكان‏راي علي حين
استشاره عثمان وراي الاكابر من اصحاب رسول اللّه على قتله،
لكن عمرو بن العاص كلم‏عثمان حتى تركه، فكان علي يقول:
«لو قدرت على عبيد اللّه بن عمر ولي سلطان لاقتصصت منه‏».
وعن الزهري: لما استخلف عثمان دعا المهاجرين والانصار
فقال: اشيروا علي في قتل هذا الذي فتق في‏الدين ما فتق.
فاجمع راي المهاجرين والانصار على كلمة واحدة يشجعون
عثمان على قتله، وقال‏جل‏الناس: ابعد اللّه الهرمزان وجفينة
يريدون يتبعون عبيداللّه اباه. فكثر ذلك القول، فقال عمرو بن
العاص:يا امير المؤمنين ان هذا الامر قد كان قبل ان يكون لك
سلطان على الناس فاعرض عنه، فتفرق الناس عن‏كلام عمرو
بن العاص.
وعن ابن جريح: ان عثمان استشار المسلمين فاجمعوا على
ديتهما، ولا يقتل بهما عبيداللّه بن عمر، وكانا قداسلما، وفرض
لهما عمر، وكان علي بن ابي طالب لما بويع له اراد قتل
عبيداللّه بن عمر فهرب منه الى معاوية‏بن ابي سفيان، فلم يزل
معه فقتل بصفين ((602)).
وذكر الطبري في تاريخه ((603)) (5/41) قال: جلس عثمان
في جانب المسجد لما بويع ودعا عبيداللّه بن عمر،وكان
محبوسا في دار سعد بن ابي وقاص، وهو الذي نزع السيف من
يده بعد قتله جفينة والهرمزان وابنة‏ابي لؤلؤة، وكان يقول: واللّه
لاقتلن رجالا ممن شرك في دم ابي. يعرض بالمهاجرين
والانصار فقام اليه سعدفنزع السيف من يده، وجذب شعره
حتى اضجعه الى الارض، وحبسه في داره حتى‏اخرجه عثمان
اليه، فقال‏عثمان لجماعة من المهاجرين والانصار: اشيروا علي
في هذا الذي فتق في الاسلام ما فتق، فقال علي: «ارى
ان‏تقتله‏». فقال بعض المهاجرين: قتل عمر امس ويقتل ابنه
اليوم؟ فقال عمرو بن العاص: يا امير المؤمنين ان‏اللّه قد اعفاك
ان يكون هذا الحدث كان ولك على المسلمين سلطان، انما
كان هذا الحدث ولا سلطان لك،قال عثمان: انا وليهم وقد
جعلتها دية واحتملتها في مالي، قال: وكان رجل من الانصار
يقال له: زياد بن لبيدالبياضي اذا راى عبيداللّه بن عمر قال:
الا يا عبيد اللّه ما لك مهرب
ولا ملجاء من ابن اروى ((604)) ولا خفر
اصبت دما واللّه في غير حله
حراما وقتل الهرمزان له خطر
على غير شي‏ء غير ان قال قائل
اتتهمون الهرمزان على عمر
فقال سفيه والحوادث جمة
نعم اتهمه قد اشار وقد امر
وكان سلاح العبد في جوف بيته
يقلبها والامر بالامر يعتبر
قال: فشكا عبيداللّه بن عمر الى عثمان زياد بن لبيد وشعره،
فدعا عثمان زياد ابن لبيد فنهاه، قال: فانشا زياديقول في
عثمان:
ابا عمرو عبيداللّه رهن
فلا تشكك بقتل الهرمزان
فانك ان غفرت الجرم عنه
واسباب الخطا فرسا رهان
اتعفو اذ عفوت بغير حق
فما لك بالذي تحكي يدان
فدعا عثمان زياد بن لبيد فنهاه وشذبه. وذكره ابن الاثير في
الكامل ((605)) (5/31).
قال الاميني: الذي يعطيه الاخذ بمجامع هذه النقول ان
الخليفة لم يقد عبيداللّه قاتل الهرمزان وجفينة وابنة‏ابي لؤلؤة
الصغيرة، مع اصرار غير واحد من الصحابة على القصاص،
ووافقهم على ذلك مولانا اميرالمؤمنين علي (ع)، لكنه قدم
على رايه الموافق للكتاب والسنة، وهو اقضى الامة بنص النبي
الامين وعلى‏آراء الصحابة اشارة عمروبن العاصي ابن النابغة
المترجم في الجزء الثاني صفحة (120 176) بترجمة‏ضافية
تعلمك حسبه ونسبه وعلمه ودينه حيث قال له: ان هذا الامر
كان وليس لك على الناس‏سلطان... الخ. على حين ان من
كانت له السلطة عندئذ، وهو الخليفة المقتول، في آخر رمق
من حياته حكم‏بان يقتص من ابنه ان لم يقم البينة العادلة بان
الهرمزان قتل اباه، ومن الواضح انه لم يقمها، فلم يزل
عبيداللّهرهن هذا الحكم حتى اطلق سراحه، وكان عليه مع
ذلك دم جفينة وابنة ابي لؤلؤة.
وهل يشترط ناموس الاسلام للخليفة في اجرائه حدود اللّه
وقوع الحوادث عند سلطانه؟ حتى يصاخ الى‏ما جاء به ابن
النابغة، وان صحت الاحلام فاستيهاب الخليفة لماذا؟ وهب ان
خليفة الوقت له ان يهب اويستوهب المسلمين حيث لا يوجد
ولي للمقتول، ولكن هل له الغاء الحكم النافذ من الخليفة قبله؟
وهل‏للمسلمين الذين استوهبهم فوهبوا مالا يملكون رد ذلك
الحكم البات؟ وعلى تقدير ان يكون لهم ذلك، فهل‏هبة افراد
منهم وافية لسقوط القصاص، او يجب ان يوافقهم عليها عامة
المسلمين؟ وانت ترى ان في‏المسلمين من ينقم ذلك
الاسقاط وينقد من فعله، حتى ان عثمان لما راى المسلمين
انهم قد ابوا الا قتل‏عبيداللّه امره فارتحل الى الكوفة واقطعه بها
دارا وارضا، وهي التي يقال لها: كويفة ابن عمر، فعظم ذلك
عندالمسلمين واكبروه وكثر كلامهم فيه ((606)).
وكان امير المؤمنين علي (ع) وهو سيد الامة واعلمها بالحدود
والاحكام يكاشف عبيداللّه ويهدده بالقتل‏على جريمته متى
ظفر به، ولما ولي الامر تطلبه ليقتله فهرب منه الى معاوية
بالشام، وقتل بصفين، كما في‏الكامل لابن الاثير ((607))
(3/32). وفي الاستيعاب ((608)) لابن عبدالبر: انه قتل
الهرمزان بعد ان اسلم وعفا عنه‏عثمان، فلما ولي علي خشي
على نفسه فهرب الى معاوية فقتل بصفين. وفي مروج الذهب
((609))(2/24): ان‏علياضربه [ضربة ] ((610)) فقطع ما عليه
من الحديد حتى خالط سيفه حشوة جوفه، وان عليا قال
حين‏هرب فطلبه ليقيد منه بالهرمزان: «لئن فاتني في هذا
اليوم، لا يفوتني في غيره‏».
هذه كلها تنم عن ان امير المؤمنين (ع) كان مستمرا على عدم
العفو عنه، وانه لم يكن هناك حكم نافذ بالعفويتبع، والا لما
طلبه ولا تحرى قتله، وقد ذكره بذلك يوم صفين لما برز
عبيداللّه امام الناس فناداه علي:«ويحك يابن عمر علام
تقاتلني؟ واللّه لو كان ابوك حيا ما قاتلني‏». قال: اطلب ((611))
بدم عثمان. قال: «انت‏تطلب بدم عثمان، واللّه يطلبك بدم
الهرمزان‏»، وامر علي الاشتر النخعي بالخروج اليه ((612)).
الى هنا انقطعت المعاذير في ابقاء عبيداللّه والعفو عنه، لكن
قاضي القضاة اطلع راسه من مكمن التمويه، فعزاالى شيخه،
ابي علي انه قال ((613)): انما اراد عثمان بالعفو عنه ما يعود
الى عز الدين، لانه خاف ان يبلغ‏العدوقتله فيقال: قتلوا امامهم،
وقتلوا ولده، ولا يعرفون الحال في ذلك فيكون فيه شماتة.
انتهى.
اولا تسائل هذا الرجل؟ عن اي شماتة تتوجه الى المسلمين في
تنفيذهم حكم شرعهم واجرائهم قضاءالخليفة الماضي في ابنه
الفاسق قاتل الابرياء، وانهم لم تاخذهم عليه رافة في دين اللّه
لتعديه حدوده سبحانه(ومن يتعد حدود اللّه فاولئك هم
الظالمون) ((614)) ولم يكترثوا لانه في الامس اصيب بقتل
ابيه واليوم يقتل هوفتشتبك المصيبتان على اهله، هذا هو
الفخر المرموق اليه في باب الاديان لانه منبعث عن صلابة في
ايمان،ونفوذ في البصيرة، وتنمر في ذات اللّه، وتحفظ على
كتاب اللّه وسنة نبيه (ص)؟ واخذ بمجاميع الدين الحنيف،فاي
امة هي هكذا لا تنعقد عليها جمل الثناء ولا تفد اليها الفاظ
المدح والاطراء؟ وانما الشماتة في التهاون‏بالاحكام، واضاعة
الحدود بالتافهات، واتباع الهوى والشهوات، لكن الشيخ ابا علي
راقه ان يكون له حظ‏من الدفاع فدافع.
ثم ان ما ارتكبه الخليفة خلق لمن يحتذي مثاله مشكلة ارتبكوا
في التاول في تبرير عمله الشاذ عن الكتاب‏والسنة. فمن زاعم
انه عفا عنه ولولي الامر ذلك. وهم يقولون: ان الامام له ان
يصالح على الدية الا انه لايملك العفو، لان القصاص حق
المسلمين بدليل ان ميراثه لهم، وانما الامام نائب عنهم في
الاقامة، وفي العفواسقاط حقهم اصلا وراسا وهذا لا يجوز، ولهذا
لا يملكه الاب والجد وان كانا يملكان استيفاء القصاص، وله‏ان
يصلح على الدية ((615)).
وثان يحسب انه استعفى المسلمين مع ذلك واجابوه الى
طلبته وهم اولياء المقتول اذ لا ولي له. ونحن لاندري انهم هل
فحصوا عن وليه في بلاد فارس؟ والرجل فارسي هو واهله، او
انهم اكتفوا بالحكم بالعدم؟لانهم لم يشاهدوه بالمدينة، وهو
غريب فيها ليس له اهل ولا ذوو قرابة، او انهم حكموا بذلك من
تلقاءانفسهم؟ وما كان يضرهم لو ارجعوا الامر الى اوليائه، في
بلاده فيؤمنوهم حتى ياتوا الى صاحب ترتهم((616)) فيقتصوا
منه او يعفوا عنه؟
ثم متى اجاب المسلمون الى طلبة عثمان؟ وسيدهم يقول:
«اقد الفاسق فانه اتى عظيما». وقد حكم خليفة‏الوقت قبله
بالقصاص منه، ولم يكن في مجتمع الاسلام من يدافع عنه
ويعفو الا ابن النابغة، وقد مر عن ابن‏سعد قول الزهري من انه
اجمع راي المهاجرين والانصار على كلمة واحدة يشجعون
عثمان على قتله.
وثالث يتفلسف بما سمعته عن الشيخ ابي علي، وهل يتفلسف
بتلك الشماتة والوصمة والمسبة على بني امية في‏قتلهم من
العترة الطاهرة والدا وما ولد وذبحهم في يوم واحد منهم
رضيعا ويافعا وكهلا وشيخا سيد شباب‏اهل الجنة؟
وهناك من يصوغ لهرمزان وليا يسميه القماذبان، ويحسب انه
عفا بالحاح من المسلمين، اخرج الطبري في‏تاريخه ((617))
(5/43) عن السري وقد كتب اليه عن شعيب، عن سيف بن
عمر، عن ابي منصور قال: سمعت‏القماذبان يحدث عن قتل ابيه
قال: كانت العجم بالمدينة يستروح بعضها الى بعض، فمر فيروز
بابي ومعه‏خنجر له راسان فتناوله منه وقال: ما تصنع في هذه
البلاد؟ فقال ابس ((618)) به، فرآه رجل. فلما اصيب عمرقال:
رايت هذا مع الهرمزان دفعه الى فيروز، فاقبل عبيد اللّه فقتله،
فلما ولي عثمان دعاني فامكنني منه،ثم‏قال: يا بني هذا قاتل
ابيك وانت اولى به منا فاذهب فاقتله. فخرجت به وما في
الارض احد الا معي‏الاانهم يطلبون الي فيه فقلت لهم: الي
قتله؟ قالوا: نعم. وسبوا عبيد اللّه، فقلت: افلكم ان تمنعوه؟
قالوا: لا،وسبوه. فتركته للّه ولهم فاحتملوني، فواللّه ما بلغت
المنزل الا على رؤوس الرجال واكفهم.
لو كان هذا الولي المزعوم موجودا عند ذاك فما معنى قول
عثمان في الصحيح المذكور على صهوة المنبر: لاوارث له الا
المسلمون عامة وانا امامكم؟ وما قوله الاخر في
حديث‏الطبري‏نفسه: انا وليهم وقد جعلته دية‏واحتملتها في
مالي؟ ولو كان يعلم بمكان هذا الوارث فلم حول القصاص الى
الدية قبل مراجعته؟ ثم لماحوله فلم لم يدفع الدية اليه
واحتملها في ماله؟ ثم اين صارت الدية وما فعل بها؟ انا لا
ادري!
ولو كان المسلمون يعترفون بوجود القماذبان وما في الارض
احد الا معه وهو الذي عفا عن قاتل ابيه، فمامعنى قول الخليفة:
وقد عفوت، افتعفون؟ وقوله في حديث البيهقي: قد عفوت عن
عبيداللّه بن عمر؟ ومامعنى استيهاب الخليفة المسلمين وولي
المقتول حي يرزق؟ وما معنى مبادرة المسلمين الى موافقته
في العفووالهبة؟ وما معنى تشديد مولانا امير المؤمنين في
النكير على من تماهل في القصاص؟ وما معنى‏قوله (ع)لعبيد
اللّه «يا فاسق لئن ظفرت بك يوما لاقتلنك بالهرمزان‏»؟ وما
معنى تطلبه لعبيد اللّه ليقتله ابان خلافته؟وما معنى هربه من
المدينة الى الشام خوفا من امير المؤمنين؟ وما معنى قول
عمرو بن العاصي لعثمان: ان هذاالامر كان وليس لك على
الناس سلطان؟ وما معنى قول سعيد بن المسيب: فذهب دم
الهرمزان هدرا؟ ومامعنى قول لبيد بن زياد وهو يخاطب
عثمان: اتعفو اذ عفوت بغير حق.. الخ؟ وما معنى ما رواه ملك
العلماءالحنفي في بدائع الصنائع (7/245) وجعله مدرك
الفتوى في الشريعة؟ قال: روي انه لما قتل سيدنا عمر(رضي
اللّه عنه) خرج الهرمزان والخنجر في يده، فظن عبيد اللّه ان
هذا هو الذي قتل سيدنا عمر (رضي اللّهعنه) فقتله، فرجع ذلك
الى سيدنا عثمان(رضي اللّه عنه) فقال سيدنا علي (رضي اللّه
عنه) لسيدنا عثمان: «اقتل‏عبيداللّه» فامتنع سيدنا
عثمان(رضي اللّه عنه) وقال: كيف اقتل رجلا قتل ابوه امس؟ لا
افعل، ولكن هذارجل من اهل الارض وانا ولية اعفو عنه واودي
ديته.
وما معنى قول الشيخ ابي علي: انه لم يكن للهرمزان ولي يطلب
بدمه والامام ولي من لا ولي له، وللولي ان‏يعفو؟
ولبعض ما ذكر زيفه ابن الاثير في الكامل ((619)) (3/32)
فقال: الاول اصح في اطلاق عبيداللّه، لان عليا لماولي الخلافة
اراد قتله فهرب منه الى معاوية بالشام، ولو كان اطلاقه بامر
ولي الدم لم يتعرض له علي.انتهى.
وقبل هذه كلها ما في اسناد الرواية من الغمز والعلة، كتبها الى
الطبري السري ابن يحيى الذي لا يوجد بهذه‏النسبة له ذكر
قط، غير ان النسائي اورد عنه حديثا لسيف بن عمر فقال: لعل
البلاء من السري ((620)) وابن‏حجر يراه السري بن اسماعيل
الهمداني الكوفي الذي كذبه يحيى بن سعيد وضعفه غير واحد
من الحفاظ،ونحن نراه السري بن عاصم الهمداني نزيل بغداد
المتوفى (258)، وقد ادرك ابن جرير الطبري شطرا من‏حياته
يربو على ثلاثين سنة، كذبه ابن خراش، ووهاه ابن عدي
، وقال: يسرق الحديث وزاد ابن حبان((622)): ويرفع ((621))
الموقوفات لا يحل الاحتجاج به، وقال النقاش في حديث:
وضعه السري ((623)) فهو مشترك بين‏كذابين لا يهمنا تعيين
احدهما.
والتسمية بابن يحيى محمولة على النسبة الى احد اجداده كما
ذكره ابن حجر في تسميته بابن سهل ((624)) هذاان لم تكن
تدليسا، ولا يحسب القارئ انه السري بن يحيى الثقة لقدم
زمانه وقد توفي سنة (167) ((625)) قبل‏ولادة الطبري
الراوي عنه المولود سنة (224) بسبع وخمسين سنة.
وفي الاسناد شعيب بن ابراهيم الكوفي المجهول، قال ابن
عدي ((626)): ليس بالمعروف وقال الذهبي: راوية كتب‏سيف
عنه فيه جهالة ((627)).
وفيه سيف بن عمر التميمي راوي الموضوعات، المتروك،
الساقط، المتسالم على ضعفه: المتهم بالزندقة، كمامرت
ترجمته في صفحة (84). وقد مر عن السيوط‏ي ((628)) انه
ذكر حديثا بهذا الطريق وقال: موضوع فيه‏ضعفاء اشدهم سيف
بن عمر.
وفيه: ابو منصور، مشترك بين عدة ضعفاء لا يعول عليهم ولا
على روايتهم.

عذر مفتعل
ان المحب الطبري اعماه الحب واصمه فجاء بعذر مفتعل غير ما
ذكر، قال في رياضه النضرة ((629)) (2/150):عنه جوابان:
الاول: ان الهرمزان شارك ابا لؤلؤة في ذلك ومالاه، وان كان
المباشر ابا لؤلؤة وحده، ولكن المعين على قتل‏الامام العادل
يباح قتله عند جماعة من الائمة، وقد اوجب كثير عن الفقهاء
القود على الامر والمامور. وبهذااعتذر عبيداللّه بن عمر وقال:
ان عبد الرحمن بن ابي بكر اخبره انه راى ابا لؤلؤة والهرمزان
وجفينة‏يدخلون في مكان يتشاورون وبينهم خنجر له راسان
مقبضه في وسطه فقتل عمر في صبيحة تلك الليلة،فاستدعى
عثمان عبد الرحمن فساله عن ذلك فقال: انظروا الى السكين
فان كانت ذات طرفين فلا ارى القوم‏الا وقد اجتمعوا على قتله.
فنظروا اليها فوجدوها كما وصف عبدالرحمن، فلذلك ترك
عثمان قتل عبيداللّه بن‏عمر لرؤيته عدم وجوب القود لذلك، او
لتردده فيه فلم ير الوجوب بالشك.
والجواب الثاني: ان عثمان خاف من قتله ثوران فتنة عظيمة
لانه كان بنوتيم وبنو عدي مانعين من قتله،ومانعين عنه،
وكان بنو امية ايضا جانحين اليه، حتى قال له عمرو بن العاص:
قتل امير المؤمنين عمربالامس، ويقتل ابنه اليوم؟ لا واللّه لا
يكون هذا ابدا، ومال في بني جمح، فلما راى عثمان ذلك
اغتنم تسكين‏الفتنة وقال: امره الي وسارضي اهل الهرمزان
منه.