قال الاميني: ان اثبات مشاركة هرمزان ابا لؤلؤة في قتل
الخليفة على سبيل البت لمحض ما قاله عبدالرحمن‏بن ابي بكر
من انه رآهما متناجيين وعند ابي لؤلؤة خنجر له راسان دونه
خرط القتاد، فان من المحتمل انهماكانا يتشاوران في امر آخر
بينهما، او ان ابا لؤلؤة استشاره فيما يريد ان يرتكب فنهاه عنه
الهرمزان، لكنه لم‏يصغ الى‏قيله فوقع القتل غدا، الى امثال
هذين من المحتملات، فكيف يلزم الهرمزان والحدود
تدرابالشبهات ((630))؟
هب ان عبدالرحمن شهد بتلك المشاركة، وادعى انه شاهد
الوقفة بعينه، فهل يقتل مسلم بشهادة رجل‏واحد في دين اللّه؟
ولم تنعقد البينة الشرعية مصافقة لتلك الدعوى، ولهذا لما
انهيت القضية من اختلاءالهرمزان بابي لؤلؤة الى آخرها الى عمر
نفسه قال: ما ادري هذا، انظروا اذا انا مت فاسالوا عبيداللّه
البينة‏على الهرمزان، هو قتلني؟ فان اقام البينة فدمه بدمي،
واذا لم يقم البينة فاقيدوا عبيداللّه من الهرمزان.
وهب ان البينة قامت عند عبيد اللّه على المشاركة، فهل له ان
يستقل بالقصاص؟ او انه يجب عليه ان يرفع‏امره الى اولياء الدم؟
لاحتمال العفو في بقية الورثة مضافا الى القول بانه من وظائف
السلطان او نائبه، وعلى‏هذا الاخير الفتوى المطردة بين العلماء
. ((631))
على انه لو كانت لعبيداللّه او لمن عطل القصاص منه معذرة
كهذه لابدياها امام الملا المنتقد، ولما قال مولاناامير
المؤمنين: «اقتل هذا الفاسق‏»، ولما تهدده بالقتل متى ظفر به،
ولما طلبه ليقتله ابان خلافته، ولما هرب‏عنه عبيداللّه الى
معاوية، ولما اقتصر عثمان بالعذر بانه ولي الدم، وان المسلمين
كلهم اولياء المقتول، ولما وهبه‏واستوهب المسلمين، ولما كان
يقع الحوار بين الصحابة الحضور في نفس المسالة، ولما قام
اليه سعد بن ابي‏وقاص وانتزع السيف من يده وجره من شعره
حتى اضجعه وحبسه في داره.
وهب انه تمت لعبيداللّه هذه المعذرة فبماذا كان اعتذاره في
قتل بنت ابي لؤلؤة المسكينة الصغيرة، وتهديده‏الموالي كلهم
بالقتل ((632))؟
2 انا لا ادري من اين جاء المحب بهذا التاريخ الغريب من
نهضة تيم وعدي ومنعهم من قتل عبيد اللّه،وجنوح الامويين
اليهم بصورة عامة، حتى خافهم الخليفة الجديد. واي خليفة
هذا يستولي عليه الفرق من‏اول يومه؟ فاذا تبينت عليه هذه
الضؤولة في مفتتح خلافته، فباي هيبة يسوس المجتمع بعده؟
ويقتص‏القاتل،ويقيم الحدود، ولكل مقتص منه او محدود قبيلة
تغضب له، ولها احلاف يكونون عند مرضاتها.
ليس في كتب التاريخ والحديث اي اثر مما ادعاه المحب
المعتذر، والا لكان سعد ابن ابي وقاص اولى بالخشية‏يوم قام
الى عبيداللّه وجر شعره، وحبسه في داره، ولم ير اي تيمي
طرق باب سعد، ولا عدوي‏انكر عليه،ولا اموي اظهر مقته على
ذلك، لكن المحب يريد ان يستفزهم وهم رمم بالية.
ثم لو كان عند من ذكرهم جنوح الى تعطيل هذا الحكم الالهي
حتى اوجب ذلك حذار الخليفة من‏بوادرهم، فانه معصية تنافي
عدالة الصحابة، وقد اطبق القوم على عدالتهم. ولو كان
الخليفة يروعه انكارالمنكرين على ما يريد ان يرتكب فلماذا لم
يرعه انكار الصحابة على الاحداث في اخرياته؟ حتى اودت
به،اكان هيابا ثم تشجع؟ سل عنه المحب الطبري.

(8) راي الخليفة في الجنابة
اخرج مسلم في الصحيح بالاسناد عن عطاء بن يسار: ان زيد بن
خالد الجهني اخبره انه سال عثمان بن‏عفان قال: قلت: ارايت
اذا جامع الرجل امراته ولم يمن؟ قال عثمان: يتوضا كما يتوضا
للصلاة، ويغسل‏ذكره. قال عثمان: سمعته من رسول اللّه (ص)
. ((633))
واخرجه البخاري في صحيحه، وزاد عليه، ولفظه: سئل عثمان
بن عفان عن الرجل يجامع فلا ينزل، فقال:ليس عليه غسل. ثم
قال: سمعته من رسول اللّه (ص). قال: فسالت بعد ذلك علي
بن ابي طالب والزبير بن‏العوام وطلحة بن عبيداللّه وابي ابن
كعب فقالوا مثل ذلك عن النبي (ص). واخرجه بطريق آخر
وفيه:فامروه بذلك، بدل قوله: فقالوا مثل ذلك عن النبي
. ((634))
واخرجه احمد في مسنده ((635)) (1/63، 64) وفيه: فسالت
عن ذلك علي بن ابي طالب (رضي اللّه عنه)، والزبيربن العوام،
وطلحة بن عبيداللّه، وابي بن كعب فامروه بذلك. فليس في
لفظه (عن رسول اللّه) وبالالفاظ‏الثلاثة ذكره البيهقي في
السنن الكبرى(1/164، 165).
قال الاميني: هذا مبلغ فقه الخليفة ابان خلافته وبين يديه
قوله تعالى: (لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى‏حتى‏تعلموا ما
تقولون ولا جنبا الا عابري سبيل حتى تغتسلوا) ((636)).
قال الشافعي في كتاب الام ((637)) (1/31): فاوجب اللّه عز
وجل الغسل من الجنابة، فكان معروفا في لسان‏العرب ان
الجنابة الجماع وان لم يكن مع الجماع ماء دافق، وكذلك ذلك
في حد الزنا وايجاب المهر وغيره،وكل من خوطب بان فلانا
اجنب من فلانة عقل انه اصابها وان لم يكن مقترفا، قال الربيع:
يريد انه لم‏ينزل.
ودلت السنة على ان الجنابة ان يفضي الرجل من المراة حتى
يغيب فرجه في فرجها الى ان يواري حشفته،او ان يرى الماء
الدافق، وان لم يكن جماع. انتهى.
وقال في اختلاف الحديث في هامش كتاب الام ((638))
(1/34): فكان الذي يعرفه من خوطب بالجنابة من‏العرب انها
الجماع دون الانزال، ولم تختلف العامة ان الزنا الذي‏يجب به
الحد الجماع دون الانزال، وان من‏غابت حشفته في فرج امراة
وجب عليه الحد، وكان الذي يشبه ان الحد لا يجب الا على من
اجنب من‏حرام. انتهى.
وفي تفسير القرطبي ((639)) (5/204): الجنابة: مخالطة
الرجل المراة. والجمهور من الامة على ان الجنب هو غيرالطاهر
من انزال او مجاوزة ختان. انتهى.
ثم كيف عزب عن الخليفة حكم المسالة، وقد مرنته الاسؤلة،
وعلمته الجوابات النبوية، وبمسمع منه‏مذاكرات الصحابة لما
وعوه عن رسول اللّه (ص) واليك جملة منها:
1 عن ابي هريرة مرفوعا: «اذا قعد بين شعبها الاربع والزق
الختان بالختان فقد وجب الغسل‏».
وفي لفظ «اذا قعد بين شعبها الاربع، ثم اجهد نفسه، فقد وجب
الغسل انزل او لم ينزل‏».
وفي لفظ ثالث: «اذا التقى الختان بالختان وجب الغسل انزل او
لم ينزل‏».
وفي لفظ احمد: «اذا جلس بين شعبها الاربع، ثم جهد، فقد
وجب الغسل‏».
صحيح البخاري (1/108) صحيح مسلم (1/142)، سنن الدارمي
(1/194)، سنن البيهقي (1/163)، مسنداحمد (2/234، 347،
393)، المحلى لابن حزم (2/3)، مصابيح السنة (1/30)،
الاعتبار لابن حازم (ص‏30)،تفسير القرطبي (5/200)، تفسير
الخازن (1/375) ((640)).
2 عن ابي موسى: انهم كانوا جلوسا فذكروا ما يوجب الغسل،
فقال من حضره من المهاجرين: اذامس‏الختان الختان وجب
الغسل. وقال من حضره من الانصار: لا حتى يدفق. فقال ابو
موسى: انا آتي‏بالخبر، فقام الى عائشة فسل م ثم قال: اني اريد
ان اسالك عن شي‏ء وانا استحييك، فقالت: لا تستحي ان‏تسالني
عن شي‏ء كنت سائلا عنه امك التي ولدتك انما انا امك. قال:
قلت: ما يوجب الغسل؟ قالت: على‏الخبير سقطت، قال رسول
اللّه (ص): «اذا جلس بين شعبها الاربع ومس الختان الختان
وجب الغسل‏».
صحيح مسلم (1/143)، مسند احمد (6/116)، الموطا لمالك
(1/51)، كتاب الام للشافعي (1/31، 33)، سنن‏البيهقي
(1/164)، المحلى لابن حزم (2/2)، المصابيح للبغوي (1/32)،
سنن النسائي، وصححه ابن حبان،وابن القطان، الاعتبار لابن
حازم (ص‏30) ((641)).
3 عن ام كلثوم عن عائشة: ان رجلا سال النبي (ص) عن
الرجل يجامع اهله [ثم] ((642)) يكسل هل عليه‏من غسل؟
وعائشة جالسة، فقال رسول اللّه (ص): «اني لافعل ذلك انا
وهذه [ثم] ((643)) نغتسل‏».
صحيح مسلم (1/143)، سنن البيهقي (1/164)، المدونة
الكبرى (1/34) ((644)).
4 عن الزهري: ان رجالا من الانصار فيهم ابو ايوب وابو سعيد
الخدري كانوا يفتون: الماء من الماء، وانه‏ليس على من اتى
امراته فلم ينزل غسل، فلما ذكر ذلك لعمر، وابن عمر، وعائشة
انكروا ذلك، وقالوا: اذاجاوز الختان الختان وجب الغسل.
صحيح الترمذي ((645)) (1/16)، وصححه فقال: وهو قول
اكثر اهل العلم من اصحاب رسول اللّه (ص). سنن‏البيهقي
(1/165).
5 عن عائشة قالت: «اذا التقى الختانان فقد وجب الغسل،
فعلته انا ورسول اللّه فاغتسلنا».
وفي‏لفظ: «اذا قعد بين‏الشعب‏الاربع، ثم‏الزق الختان بالختان
فقد وجب‏الغسل‏».
سنن ابن ماجة ((646))، مسند احمد ((647)) (6/47، 112،
161).
6 عن عمرو بن شعيب بن عبداللّه بن عمرو بن العاصي عن
ابيه مرفوعا عن جده: «اذا التقى الختانان‏وتوارت الحشفة فقد
وجب الغسل‏». وزاد في المدونة: «انزل او لم ينزل‏».
سنن ابن ماجة (1/212)، المدونة الكبرى (1/34)، مسند احمد
(2/178)، واخرجه ابن ابي شيبة كما في نيل‏الاوطار (1/278)
. ((648))
وكان الخليفة كان بمنتاى عن هذه الاحاديث فلم يسمعها ولم
يعها، او انه سمعها لكنه ارتاى فيها رايا تجاه‏السنة المحققة، او
انه ادرك من اوليات الاسلام ظرفا لم يشرع فيه حكم الغسل،
وهو المراد مما زعم انه سمعه‏من رسول اللّه فحسب انه
مستصحب الى آخر الابد حيث لم يتحر التعلم، ولم يصخ الى
المحاورات الفقهية‏حتى‏يقف على تشريع الحكم الى ان تقلد
الخلافة على من يعلم الحكم وعلى من لا يعلمه، فالهته عن
الاخذوالتعلم، ثم اذ لم يجد منتدحا عن الفتيا في مقام السؤال
فاجاب بما ارته او بما علق في خاطره منذ دهرطويل قبل
تشريع الحكم.
او انه كان سمع حكما منسوخا وعزب عنه‏ناسخه بزعم من‏يرى
ان قوله(ص) «الماء من الماء» ((649)) ومايشابهه في المعنى
من قوله: «اذا اعجلت او اقحطت ((650)) فلا غسل عليك
وعليك، الوضوء» ((651)) قد نسخ‏بتشريع الغسل ان كان
الاجتزاء بالوضوء فحسب حكما لموضوع المسالة، وكان قوله
(ص): «الماء من الماء»واردا في الجماع. واما على ما ذهب اليه
ابن عباس من انه ليس منسوخا بل المراد به نفي وجوب
الغسل‏بالرؤية في النوم اذا لم يوجد احتلام ((652)) كما هو
صريح قوله(ص): «ان راى احتلاما ولم ير بللا فلا غسل‏عليه‏»
((653)) فمورد سقوط الغسل اجنبي عن المسالة هذه فلا
ناسخ ولا منسوخ.
قال القسطلاني في ارشاد الساري ((654)) (1/331)، والنووي
في شرح مسلم هامش الارشاد ((655)) (2/426):الجمهور من
الصحابة ومن بعدهم قالوا: انه منسوخ ويعنون بالنسخ ان
الغسل من الجماع بغير انزال كان‏ساقطا ثم صار واجبا، وذهب
ابن عباس وغيره الى انه ليس منسوخا بل المراد نفي وجوب
الغسل بالرؤية‏في النوم اذا لم ينزل، وهذا الحكم باق بلا شك.
انتهى.
واما ما مر في روايات اول‏العنوان من موافقة مولانا
اميرالمؤمنين علي(ع) وابي ابن كعب وآخرين‏لعثمان‏في‏الفتيا،
فمكذوب‏عليهم سترا على عوار جهل‏الخليفة بالحكم في مسالة
سمحة سهلة كهذه، اما الامام (ع)فقد مر في الجزء السادس
(ص‏244) ((656))
رده على الخليفة الثاني في نفس المسالة وقوله: «اذا جاوز
الختان الختان فقد وجب الغسل‏». فارسل عمر الى‏عائشة فقالت
مثل قول علي (ع) فاخبت اليه الخليفة فقال: لا يبلغني ان احدا
فعله ولا يغسل الاانهكته‏عقوبة.
وقد علم يوم ذاك حكم المسالة كل جاهل به ورفع الخلاف
فيها، قال القرطبي في تفسيره ((657)) (5/205):على هذا
جماعة العلماء من الصحابة والتابعين وفقهاء الامصار، وان
الغسل يجب بنفس التقاء الختانين وقدكان فيه خلاف بين
الصحابة ثم رجعوا فيه الى رواية عائشة عن النبي (ص). اترى
عليا (ع) وافق عثمان‏وحكم خلاف ما انزل اللّه تعالى بعد افتائه
به، وسوق الناس اليه، واقامة الحجة عليه بشهادة من سمعه
عن‏النبي‏الاعظم؟ (ان يتبعون الا الظن وما تهوى الانفس)
. ((658))
وام ا ابي بن كعب فقد جاء عنه من طرق صحيحة قوله: ان
الفتيا التي كانت الماء من الماء رخصة ارخصهارسول اللّه في
اول الاسلام ثم امر بالغسل.
وفي لفظ: انما كانت الفتيا في الماء من الماء في اول الاسلام ثم
نهي عنها.
وفي لفظ: ان رسول اللّه (ص) انما جعل ذلك رخصة للناس في
اول الاسلام لقلة الثياب، ثم امر بالغسل. وفي‏لفظ: ثم امر
بالاغتسال بعد ((659)).
فليس من الممكن ان ابيا يروي هذه كلها، ثم يوافق عثمان
على سقوط الغسل بعد ما تبين حكم المسالة‏وشاع وذاع في ايام
الخليفة الثاني.
واما غيرهما: ففي فتح الباري ((660)) (1/315) عن احمد انه
قال: ثبت عن هؤلاء الخمسة الفتوى بخلاف ما في‏هذا الحديث.
فنسبة القول بعدم وجوب الغسل في التقاء الختانين الى الجمع
المذكور بهت وقول زور، وقد ثبت منهم‏خلافه، تقول القوم
عليهم لتخفيف الوطاة على الخليفة، وافتعلوا للغاية نفسها
احاديث منها ما في المدونة‏الكبرى ((661)) (1/34) من طريق
ابن المسيب قال: ان عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان،
وعائشة كانوايقولون: اذا مس الختان الختان فقد وجب الغسل.
حسب المغفل انه باختلاق هذه الرواية يمحو ما خطته يد
التاريخ والحديث في صحائفهما من جهل الرجلين‏بالحكم،
ورايهما الشاذ عن الكتاب والسنة.
واعجب من هذا عد ابن حزم في المحلى (2/4) عليا وابن
عباس وابيا وعثمان وعدة اخرى وجمهور الانصار،ممن راى ان
لا غسل من الايلاج ان لم يكن انزل، ثم قال: وروي الغسل في
ذلك عن عائشة وابي بكر وعمروعثمان وعلي وابن مسعود
وابن عباس الخ. كل هذه آراء متضاربة ونسب مفتعلة لفقها
امثال ابن حزم‏لتزحزح فتوى الخليفتين عن الشذوذ.
واخرج احمد في مسنده ((662)) (4/143) من طريق رشدين
بن سعد، عن موسى ابن ايوب الغافقي، عن بعض‏ولد رافع بن
خديج، عن رافع بن خديج قال: ناداني رسول اللّه (ص)، وانا
على بطن امراتي، فقمت ولم‏انزل، فاغتسلت وخرجت الى
رسول اللّه(ص) فاخبرته انك دعوتني وانا على بطن امراتي،
فقمت ولم انزل،فاغتسلت، فقال رسول اللّه (ص) لا عليك، الماء
من الماء. قال رافع: ثم امرنا رسول اللّه (ص) بعد ذلك‏بالغسل.
هذه الرواية افتعلها واضعها لابطال تاويل ابن عباس واثبات
النسخ ذاهلا عن ان هذا لا يبرر ساحة عثمان‏من لوث الجهل
ايام خلافته بالحكم الناسخ.
وهل في وسع ذي مرة تعقل حكاية ابن خديج قصته لرسول اللّه
(ص)؟ وانه كان على بطن امراته لما دعاه،وانه قام ولم ينزل؟
هل العادة قاضية لنقل مثل هذه لمثل رسول اللّه (ص)؟ ثم ان
كان الرجل قام من فوره‏لدعوة نبيه، ولم يقض من حليلته
وطره، فلماذا ارجا اجابة تلك الدعوة بالاغتسال ولم يكن
واجبا؟ فممن‏اخذه؟ ولماذا اغتسل ولما امروا به بعد؟
والنظرة في‏اسناد الرواية تغنيك عن البحث عما في‏متنها
لمكان رشدين بن سعد ابي الحجاج المصري، ضعفه‏احمد
((662))، وقال ابن معين ((664)): لا يكتب حديثه، ليس
بشي‏ء، وقال ابو زرعة: ضعيف الحديث. وقال ابوحاتم ((665)):
منكر الحديث فيه غفلة ويحدث بالمناكير عن‏الثقات، ضعيف
الحديث. وقال الجوزقاني: عنده‏معاضيل ومناكير كثيرة وقال
النسائي ((666)): متروك الحديث ضعيف لا يكتب حديثه.
وقال ابن عدي ((667)):احاديثه ما اقل من يتابعه عليها. وقال
ابن سعد ((668)): كان ضعيفا. وقال ابن قانع، والدارقطني
((669))، وابوداود: ضعيف الحديث. وقال يعقوب بن سفيان:
رشدين اضعف واضعف.
عن: موسى بن ايوب الغافقي وهو وان حكيت ثقته عن ابن
معين، غير انه نقل عنه ايضا قوله فيه: منكرالحديث، وكذا قال
الساجي، وذكره العقيلي ((670)) في الضعفاء ((671)).
عن: بعض ولد رافع، مجهول لا يعرف، فالرواية مرسلة باسناد لا
يعول عليه، قال الشوكاني في نيل‏الاوطار ((672)) (1/280):
حسنه الحازمي، وفي تحسينه نظر، لان في اسناده رشدين،
وليس من رجال الحسن،وفيه ايضا مجهول لانه قال عن بعض
ولد رافع بن خديج، فالظاهر ضعف الحديث لا حسنه. انتهى.
واما تبرير عثمان بتوهم كون السؤال عنه والجواب قبل تشريع
الحكم، او قبل نسخه السابق في اول الاسلام‏على العهد النبوي،
كما يعرب عنه كلام القسطلاني في ارشاد الساري ((673))
(1/332)، فمن المستبعد جدا، فان‏المسؤول يومئذ عن الاحكام
وعن كل مشكلة هو رسول اللّه لا غيره، فما كان عثمان يسال
عن حكم حتى‏اذا جهله رجع السائل الى افراد آخرين، فتصل
النوبة الى طلحة والزبير دون رسول اللّه، واين كان‏الشيخان يوم
ذاك؟ وقد رووا عن ابن عمر انه لم يك يفتي على عهد رسول
اللّه احد الا ابو بكر وعمر كمامرفي (7/182)، فلا يسع لاي احد
الدفاع عن الخليفة بهذا التوهم.
وان تعجب فعجب قول البخاري ((674)): الغسل احوط، وذاك
الاخير انما بيناه لاختلافهم. قاله بعد اخراج‏رواية ابي هريرة
الموجبة للغسل المذكورة (ص‏144)، وفتوى عثمان المذكورة
وحديث ابي الموافق معه،فجنح الى راي عثمان، وضرب عما
جاء به نبي الاسلام، واجمعت عليه الصحابة والتابعون والعلماء،
كما سمعت‏عن القرطبي، وقال النووي في شرح مسلم
((675)) هامش ارشاد الساري (2/425): ان الامة مجتمعة الان
على‏وجوب الغسل بالجماع، وان لم يكن معه انزال، وعلى
وجوبه بالانزال. انتهى.
وهذا الاجماع من عهد الصحابة وهلم جرا، وقال القاضي عياض:
لا نعلم احدا قال به بعد خلاف‏الصحابة‏الا ما حكي عن الاعمش،
ثم بعده داود الاصبهاني.
وقال القسطلاني في الارشاد ((676)) (/3331): قال البدر
الدماميني كالسفاقسي: فيه جنوح لمذهب داود،وتعقب هذا
القول البرماوي بانه انما يكون ميلا لمذهب داود، والجمهور
على ايجاب الغسل بالتقاء الختانين‏وهو الصواب.
وقال ابن حجر في فتح الباري ((677)) (1/316): قال ابن
العربي: ايجاب الغسل اطبق عليه الصحابة ومن‏بعدهم، وما
خالف فيه الا داود، ولا عبرة بخلافه، وانما الامر الصعب مخالفة
البخاري وحكمه بان الغسل‏مستحب، وهو احد ائمة الدين
واجلة علماء المسلمين. انتهى.
فلا تعجب عن بخاري يقدم في الفتوى راي مثل عثمان على ما
جاء به رسول اللّه(ص) بعد اجماع الامة عليه‏تقديمه نظراء
عمران بن حطان الخارجي على الامام الصادق جعفر بن محمد
في الرواية: (ولئن اتبعت‏اهواءهم من بعد ما جاءك من العلم
انك اذا لمن الظالمين) ((678)).

(9) كتمان الخليفة حديث النبي(ص)
اخرج احمد في مسنده ((679)) (1/65) عن ابي صالح قال:
سمعت عثمان (رضي اللّه عنه) يقول على المنبر: ايهاالناس اني
كتمتكم حديثا سمعته من رسول اللّه (ص) كراهية تفرقكم
عني، ثم بدا لي ان احدثكموه ليختارامرؤ لنفسه ما بدا له،
سمعت رسول اللّه (ص) يقول: «رباط يوم في سبيل اللّه تعالى
خير من الف يوم فيماسواه من المنازل‏».
واخرج في المسند ((680)) (1/61، 65) عن مصعب قال: قال
عثمان بن عفان (رضي اللّه عنه) وهو يخطب على‏منبره: اني
محدثكم حديثا سمعته من رسول اللّه (ص) ما كان يمنعني ان
احدثكم الا الضن بكم، واني سمعت‏رسول اللّه (ص) يقول:
«حرس ليلة في سبيل اللّه تعالى افضل من الف ليلة يقام ليلها
ويصام نهارها».
واخرج في المسند ((681)) (1/57) عن حمران قال: توضا
عثمان (رضي اللّه عنه) على البلاط ثم قال: لاحدثنكم‏حديثا
سمعته من رسول اللّه (ص) لولا آية في كتاب اللّه ما حدثتكموه،
سمعت النبي (ص) يقول: «من توضافا حسن الوضوء ثم دخل

فصلى غفر له ما بينه وبين الصلاة الاخرى حتى يصليها».
وذكرها غير واحد من الحفاظ اخذا من مسند احمد.
قال الاميني: ليت مخبرا يخبرني عن مبرر هذا الشح عن تعليم
امة محمد (ص) بتلكم الاحاديث، والناس في‏حاجة اكيدة الى
الحديثين في فضل الجهاد والمرابطة اللذين بهما قام عمود
الدين، ومطط اديمه، ودخلت‏هيبته القلوب، وكانوا يومئذ
يتسابقون على الجهاد لكثرة ما انتهى اليهم من فضله، ولتعاقب
الفتوح التي‏مرنتهم على الغزو وشوقتهم الى توسيع دائرة
المملكة، وحيازة الغنائم، فلو كان الخليفة يروي لهم شيئا مما
لم‏يزل له نقر في آذانهم، ونكت في قلوبهم لازدادوا اليه شوقا،
وازدلفوا اليه رغبة، وكان يعلم العالم منهم من لم‏يعلم، لا انهم
كانوا يتفرقون عنه كما حسبه الخليفة، ولو كان يريد تفرقهم
عنه الى الجهاد فهو حاجة الخليفة‏الى مجتمعه وحاجة
المجتمع الى الخليفة الذي يكتنفون به، فهي مقصورة من
الجانبين على التسرب الى الجهادوالدفاع والدعوة الى اللّه
تعالى، والى دينه الحق وصراطه المستقيم، لا ان يجتمعوا حوله
فيؤنسونه بالمعاشرة‏والمكاشرة، اذن فلا وجه للضنة بهم عن
نقل تلكم الروايات.
واما ثالث الاحاديث فهو من حاجة الناس الى اميرهم في ساعة
السلم، واي نجعة في الامير هي خير من‏بعث الامة على احسان
الوضوء، والصلاة بعده التي هي خير موضوع وهي عماد الدين،
ووسيلة الى المغفرة،ونجح الطلبات، واحد اصول الاسلام،
فلماذا يشح به الخليفة فيحرم امته عن تلكم المثوبات
والاجور؟
واما الاية التي بعثته على التنويه بالحديث، فليته كان يدلنا
عليها ويعرب عنها، وقد كانت موجودة منذنزولها، وفي ابان شح
الخليفة على رواية الحديث، فما الذي جعجع به الى هذا
التاريخ، وارجا روايته الى‏الغاية المذكورة؟ ولعله اراد ما نص
عليه ابو هريرة، فيما اخرجه الجصاص في آيات الاحكام
((682)) (1/116)عن ابي هريرة انه قال: لولا آية في كتاب اللّه
عز وجل ما حدثتكم، ثم تلا: (ان الذين يكتمون ما انزلنا
من‏البينات والهدى) ((683)). قال‏الجصاص: فاخبر ان الحديث
عن رسول‏اللّه(ص) من البينات والهدى الذي انزله‏اللّه تعالى.
وهب ان الاية لم تنزل، فهل الحكم الذي هتف به رسول اللّه
(ص) يسدل عليه ستار الاخفاء الى ان يرتئي‏الخليفة ان يبوح
به؟ انا لا ادري السر في هذه كلها، ولعل عند الخليفة ما لا
اعلمه.
وهل كان مبلغ جهل الصحابة الاولين بالسنة هذا الحد بحيث
كان يخفى عليهم مثل الحديثين، وكان علمهمايخص بالخليفة
فحسب والخليفة مع هذا كان يعلم جهل جميعهم بذلك وانه
لو كتمه لما بان؟
على ان كاتم العلم وتعاليم النبوة بين اثنين: رحمة تزوى عنه،
وذموم تتوجه اليه. واليك في المقامين احاديث‏جمة، فمن
الفريق الثاني ما ورد:
1 عن ابن عمر مرفوعا: «علم لا يقال به، ككنز لا ينفق منه‏»
. اخرجه ابن عساكر. ((684))
2 عن ابن مسعود مرفوعا: «علم لا ينفع، ككنز لا ينفق منه‏»
. اخرجه القضاعي. ((685))
3 عن ابي هريرة مرفوعا: «مثل الذي يتعلم العلم، ثم لا يحدث
به، كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه‏»((686)). اخرجه
الطبراني في الاوسط ((687)) والمنذري.
4 عن ابي سعيد مرفوعا: «كاتم العلم يلعنه كل شي‏ء حتى
الحوت في البحر والطير في السماء» ((688)) اخرجه‏ابن
الجوزي في العلل.
5 عن ابن مسعود مرفوعا: «ايما رجل آتاه اللّه علما فكتمه
الجمه اللّه يوم القيامة بلجام من نار» ((689)).اخرجه الطبراني.
6 عن ابي هريرة مرفوعا: «ما آتى اللّه تعالى عالما علما الا اخذ
عليه الميثاق ان لا يكتمه‏» ((690)) اخرجه ابن‏النظيف وابن
الجوزي.
7 عن ابن مسعود مرفوعا: «من كتم علما عن اهله الجم
((691)) يوم القيامة لجاما من نار» ((692)). اخرجه ابن‏عدي.
8 عن ابي هريرة مرفوعا: «ما من رجل يحفظ علما فيكتمه الا
اتى ((693)) يوم القيامة ملجما بلجام من نار»((694)). اخرجه
ابن ماجة.
9 عن ابي سعيد مرفوعا: «من كتم علما مما ينفع اللّه به الناس
في امر الدين الجمه يوم القيامة بلجام من‏نار» ((695)) اخرجه
ابن ماجة والمنذري.
10 عن ابي هريرة مرفوعا: «مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث
به كمثل رجل رزقه اللّه مالا فكنزه فلم‏ينفق منه‏» ((696)).
اخرجه ابو خيثمة في العلم وابو نصر في الابانة.
11 عن ابن عمر مرفوعا: «من بخل بعلم اوتيه اتي به يوم
القيامة مغلولا ملجوما بلجام من نار»((697))اخرجه ابن
الجوزي في العلل.
12 وفي لفظ ابن النجار عن ابن عمرو: «من علم علما ثم
كتمه الجمه اللّه تعالى يوم القيامة بلجام من نار»((698)).
وفي لفظ الخطيب ((699)): «من كتم علما الجمه اللّه يوم
القيامة بلجام من نار» ((700)). اخرجه ابن حبان
والحاكم‏والمنذري.
13 عن ابن مسعود مرفوعا: «من كتم علما ينتفع به الجمه اللّه
يوم القيامة بلجام من‏نار»((701)).اخرجه‏الطبراني في‏الكبير
وابن‏عدي في‏الكامل والسجزي‏والخطيب.
14 عن ابن عباس مرفوعا: «من كتم علما يعلمه الجم يوم
القيامة بلجام من نار» ((702)). اخرجه الطبراني في‏الكبير.
15 عن قتادة: «[هذا] ((703))ميثاق اخذه اللّه على اهل العلم
فمن علم علما فليعلمه الناس، واياكم وكتمان‏العلم، فان
كتمان العلم هلكة‏» اخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن
المنذر، وابن ابي حاتم كما في تفسيرالشوكاني ((704))
(1/375).
16 عن الحسن قال: «لولا الميثاق الذي اخذه اللّه على اهل
العلم ما حدثتكم بكثير مما تسالون عنه‏».اخرجه ابن سعد
. ((705))
وحسبك من الفريق الاول قوله (ص):
1 «رحم اللّه امرا سمع مني حديثا فحفظ ((706)) حتى يبلغه
غيره‏» ((707)). اخرجه ابن حبان.
2 «رحم اللّه امرا سمع منا حديثا فوعاه ثم بلغه من هو اوعى
منه‏» ((708)) اخرجه ابن عساكر.
3 «اللهم ارحم خلفائي الذين ياتون من بعدي، يروون احاديثي
وسنتي ويعلمونها الناس‏» ((709)). اخرجه‏الطبراني في
الاوسط ((710)) والرامهرمزي والخطيب وابن النجار.
4 «رحمة اللّه على خلفائي‏»، قيل: من خلفاؤك يا رسول اللّه؟
قال: «الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس‏»((711)). اخرجه ابو
نصر في الابانة وابن عساكر والمنذري في الترغيب.
5 «نضر اللّه امرا سمع منا حديثا فبلغه غيره‏» ((712)). اخرجه
المنذري.
راجع ((713)) مسند احمد مسانيد الصحابة المذكورين، مسند
الطيالسي، الترغيب والترهيب للمنذري، كتاب‏العلم لابي عمر،
احياء العلوم للغزالي، مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي، كنز
العمال كتاب العلم.
نعم، لعل الخليفة اتبع في كتمانه سنة رسول اللّه (ص) راي
الشيخين قبله في نهيهما عن اكثار الحديث عن النبي(ص)
كما فصلنا القول فيه في (6/294)، ولست ادري ان قلة رواية
الخليفة وقد بلغت عدتها كما ذكرهاالسيوط‏ي في تاريخ الخلفاء
(ص‏100)، وابن العماد الحنبلي في الشذرات ((715)) ((714))
(1/136) مائة وستة واربعين‏حديثا اهي لقلة منته في السنة،
وصفريده من العلم بها؟ او لشحه على بثها وضنه بالامة؟ واللّه
يعلم ما تكن‏صدورهم وما يعلنون.

(10) راي الخليفة في زكاة الخيل
اخرج البلاذري في الانساب ((716)) (5/26) بالاسناد من
طريق الزهري: ان عثمان كان ياخذ من الخيل الزكاة، فانكر

ذلك من فعله وقالوا: قال رسول اللّه (ص):
«عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق‏».
وقال ابن حزم في المحلى (5/227): قال ابن شهاب: كان
عثمان بن عفان يصدق الخيل.
واخرجه عبدالرزاق ((717)) عن الزهري كما في تعاليق الاثار
للقاضي ابي يوسف (ص‏87).
قال الاميني: ليت هذه الفتوى المجردة من الخليفة كانت
مدعومة بشي‏ء من كتاب او سنة، لكن من الماسوف‏عليه ان
الكتاب الكريم خال عن ذكر زكاة الخيل، والسنة الشريفة على
طرف النقيض مما افتى به، وقد وردفيما كتبه رسول اللّه (ص)
في الفرائض قوله: «ليس في عبد مسلم ولا في فرسه شي‏ء».
وجاء عنه (ص) قوله: «عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق‏».
وفي لفظ ابن ماجة: «قد تجوزت لكم عن صدقة الخيل
والرقيق‏».
وقوله: «ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه‏».
وفي لفظ البخاري: «ليس على المسلم في فرسه وغلامه
صدقة‏».
وفي لفظ له: «ليس على المسلم صدقة في عبده وفرسه‏»
. ((718))
وفي لفظ مسلم: «ليس على المسلم في عبده ولا في ((719))
فرسه صدقة‏».
وفي لفظ له: «ليس على المرء المسلم في فرسه ولا مملوكه
صدقة‏».
وفي لفظ ابي داود: «ليس في الخيل والرقيق زكاة الا زكاة
الفطر في الرقيق‏».
وفي لفظ الترمذي: «ليس على المسلم في فرسه ولا في عبده
صدقة‏».
وفي لفظ النسائي كلفظ مسلم الاول.
وفي لفظ له: «لا زكاة على الرجل المسلم في عبده ولا فرسه‏».
وفي لفظ له: «ليس على المرء في فرسه ولا في مملوكه
صدقة‏».
وفي لفظ: «ليس على المسلم صدقة في غلامه ولا في فرسه‏».
ولفظ ابن ماجة كلفظ مسلم الاول.
وفي لفظ احمد: «ليس في عبد الرجل ولا في فرسه صدقة‏».
وفي لفظ البيهقي: «لا صدقة على المسلم في عبده ولا في
فرسه‏».
وفي لفظ عبد اللّه بن وهب في مسنده: «لا صدقة على الرجل
في خيله ولا في رقيقه‏».
وفي لفظ ابن ابي شيبة: «ولا في وليدته‏».
وفي رواية للطبراني في الكبير والبيهقي في السنن (4/118)
من طريق عبدالرحمن بن سمرة: «لا صدقة في‏الكسعة
والجبهة والنخة‏» ((720)).
ومن طريق ابي هريرة: «عفوت لكم عن صدقة الجبهة والكسعة
والنخة‏».
راجع ((721)) صحيح البخاري (3/30، 31)، صحيح مسلم
(1/361)، صحيح الترمذي (1/80)، سنن ابي داود(1/253)،
سنن ابن ماجة (1/555، 556)، سنن النسائي (5/35، 36، 37)،
سنن البيهقي (4/117)، مسند احمد(1/62، 121، 132، 145،
146، 148 و 2/243، 249، 279، 407، 432)، كتاب الام
للشافعي (2/22)، موطامالك (1/206)، احكام القرآن للجصاص
(3/189)، المحلى لابن حزم (5/229)، عمدة القاري
للعيني(4/383).
ولو كان في الخيل شي‏ء من الزكاة لوجب ان يذكر في كتاب
رسول اللّه (ص) الذي فصل فيه الفرائض‏تفصيلا ((722))، وقد
اعطاه كبرنامج يعمل به في الفرائض وعليه كان عمل الصحابة،
ومنه اخذ ابوبكر ما كتبه‏دستورا يعول عليه في الصدقات
((723))، وكان مولانا امير المؤمنين (ع) يهتف بتلك السنة
الثابتة، وعليها كان‏عمله (ع)، وعليها اصفقت الصحابة وجرت
الفتيا من التابعين، وبها قال عمر بن عبدالعزيز، وسعيد
بن‏المسيب، وعطاء، ومكحول، والشعبي، والحسن، والحكم بن
عتيبة، وابن سيرين، والثوري، والزهري،ومالك، والشافعي،
واحمد، واسحاق، واهل الظاهر، وابو يوسف، ومحمد بن الحنفية
. ((724))
وقال‏ابن حزم: وذهب جمهور الناس الى ان لا زكاة
في‏الخيل‏اصلا. وقال مالك والشافعي، واحمد، وابويوسف،
ومحمد، وجمهور العلماء: لا زكاة في الخيل بحال.
نعم، للحنفية هاهنا تفصيل مجرد عن اي برهنة ضربت عنه
الامة صفحا قالوا: لا زكاة في الخيل الذكور،ولو كثرت وبلغت
الف فرس، وان كانت اناثا، او اناثا وذكورا سائمة غير معلوفة
فحينئذ تجب فيها الزكاة.وصاحب الخيل مخير ان شاء اعط‏ى
عن كل فرس منها دينارا او عشرة دراهم، وان شاء قومها
فاعط‏ى من‏كل مائتي درهم خمسة دراهم.
كذا حكاه ابن حزم في المحلى (5/228)، وابو زرعة في طرح
التثريب (4/14)، وملك العلماء في بدائع الصنائع(2/34)،
والنووي في شرح مسلم ((725)).
وهذا التفصيل ما كان قط يعرفه الصحابة والتابعون لانهم لم
يجدوا له اثرا في‏كتاب او سنة، وكان من الحقيق‏ان كان للحكم
مدرك يعول عليه ان يعرفوه، وان يثبته رسول اللّه (ص) في
كتابه، وكذلك ابوبكر من بعده،وهذا كاف في سقوطه، ولذلك
خالف ابا حنيفة فيه ابو يوسف ومحمد، وقالا بعدم الزكاة في
الخيل كما ذكره‏الجصاص في احكام القرآن ((726)) (3/188)،
وملك العلماء في البدائع (2/34)، والعيني في
العمدة((727))(4/383).
وغاية جهد اصحاب ابي حنيفة في تدعيم قوله بالحجة احاديث
لم يوجد في شي‏ء منها ما جاء به من الراي‏المجرد، الا وهي:
1 اخرج البخاري ((728)) ومسلم ((729)) في الصحيحين
من طريق ابي هريرة مرفوعا: ما من صاحب ذهب ولافضة لا
يؤدي منها حقها. فذكر الوعيد الذي في منع حقها وحق الابل
والبقر والغنم، وذكر في الابل: ومن‏حقها يوم وردها، ثم قال:
قيل: يا رسول اللّه. فالخيل؟ قال: الخيل لثلاثة: هي لرجل وزر،
وهي لرجل اجر،وهي لرجل ستر. فاما الذي هي له وزر: فرجل
ربطها رياء وفخرا ونواء على اهل الاسلام فهي له وزر،واما الذي
هي له ستر: فرجل ربطها في سبيل اللّه. ثم لم ينس حق اللّه في
ظهورها، ولا رقابها فهي له ستر.واما الذي هي له اجر: فرجل
ربطها في سبيل اللّه لاهل الاسلام. الحديث. وفي لفظ مسلم
بدل قوله: ثم لم‏ينس حق اللّه...
الخ: ولم ينس حق اللّه في ظهورها وبطونها، في عسرها
ويسرها.
استدل به ابن التركماني المارديني في الجوهر النقي ذيل
سنن البيهقي (4/120) وقال: يدل عليه ظاهرقوله: ثم لم
ينس حق اللّه. الخ. مع قرينة قوله في اول الحديث:
ما من صاحب كنز لايؤدي زكاته، وما من صاحب ابل لا يؤدي
زكاتها، وما من صاحب غنم لا يؤدي‏زكاته. ونحن لا نعرف وجه
الدلالة في ظاهر قوله: ثم لم ينس. مع ضم القرينة اليه على ما
افتى به ابو حنيفة،وغيرنا ايضا لا يرى فيه دلالة على الزكاة في
الخيل، كما قاله البيهقي في السنن (4/119).
2 اخرج البيهقي في سننه الكبرى (4/119) عن ابي الحسن
علي بن احمد بن عبدان عن ابيه، عن ابي‏عبداللّه محمد بن
موسى الاصطخري، عن اسماعيل بن يحيى ابن بحر الازدي،
عن الليث بن حمادالاصطخري، عن ابي يوسف القاضي، عن
غورك بن الحصرم ابي عبداللّه، عن جعفر بن محمد، عن ابيه،
عن‏جابر قال: قال رسول اللّه (ص): في الخيل السائمة في كل
فرس دينار.
قال البيهقي: تفرد به غورك، واخبرنا ابو بكر بن الحارث قال:
قال علي بن عمر الحافظ يعني الدارقطني:تفرد به غورك عن
جعفر، وهو ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء.
قال الاميني: في رجال الاسناد:
1 احمد بن عبدان: مجهول. قاله مسلمة بن قاسم.
2 محمد بن موسى الاصطخري: شيخ مجهول، روى عن
شعيب خبرا موضوعا قاله ابن حجر.
3 اسماعيل بن يحيى الازدي: ضعفه الدارقطني، وحكاه عنه
ابن حجر.
4 ليث بن حمادالاصطخري: ضعفه‏الدارقطني، ونقله عنه
الذهبي وابن حجر.
5 ابو يوسف القاضي: قال البخاري: تركوه، وعن المبارك: انه
وهاه. وعن يزيد بن هارون: لا تحل‏الرواية‏عنه. وقال الفلاس:
صدوق كثير الخطا. الى آخر ما مر من ترجمته في هذا الجزء
(ص‏30، 31).
6 غورك السعدي: قال الدارقطني: ضعيف جدا، وذكره
الذهبي في الميزان ((730)).
ومما يوهن هذه الرواية عدم اخراج ابن ابي يوسف القاضي فيما
جمعه من الاحاديث عن والده واسماه‏بالاثار. وذكرها الذهبي
في الميزان ((731)) (2/323) فقال: ضعف الدارقطني الليث
وغيره في اسناده.
على ان الرواية خالية عن التفصيل الذي جاء به ابو حنيفة من
نفي الزكاة في ذكور الخيل ولو كثرت،ووجوبها ان كانت اناثا، او
اناثا وذكورا. الى آخر ما تقول به.
3 اخرج ابن ابي شيبة في مسنده من طريق عمر مرفوعا في
حديث طويل قال: فلا اعرفن احدكم ياتي‏يوم القيامة يحمل
شاة لها ثغاء ينادي: يا محمد. يامحمد، فاقول: لا املك لك من
اللّه شيئا قد بلغت. ولااعرفن احدكم ياتي يوم القيامة يحمل
فرسا له حمحمة ينادي: يا محمد. يا محمد، فاقول: لا املك لك
من‏اللّهشيئا. الحديث.
استدل به على وجوب الزكاة في الخيل ابن التركماني
المارديني في الجوهر النقي ذيل سنن البيهقي (4/120).وقال:
فدل على وجوب الزكاة في هذه الانواع. انتهى.
امعن النظر في الحديث لعلك تعرف وجه الدلالة على ما ارته
الرجل، وما احسبك ان تعرفه، غير ان‏حب‏المارديني امامه ابا
حنيفة اعماه واصم ه، فحسب انه اقام البرهنة على ما خرق به
الرجل اجماع الامة،وتقول تجاه النص الاغر، والسنة الثابتة،
وكل هذه من جراء راي من صدق الخيل بعد عفو اللّه
ورسوله‏عنها.
4 فعل عمر بن الخطاب واخذه الزكاة من الخيل، وليس في
فعله اي حجة للحنفية ولا لغيرهم، لانه لم‏يكن، فيما عمله،
التفصيل الذي ذكره القوم، على انه كان ياخذ ما اخذه من
الخيل تطوعا لا فريضة‏باستدعاء من ارباب الخيل كما مر في
الجزء السادس (ص‏155)، وما كان يخافه مولانا امير المؤمنين
(ع)،ويحذر به عمر في اخذه الزكاة من الخيل من ان يعود
جزية يوجبها اناس في المستقبل، فكان كما توسم‏سلام اللّه
عليه على عهد عثمان، فالتفصيل المذكور احدوثة في الدين
خارجة عن السنة الثابتة، وهو كما قال‏ابن حزم في المحلى
(5/228): واتوا بقول في صفة زكاتها لا نعلم احدا قاله قبلهم.
وقولهم هذا يخالف القياس الذي هو اساس مذهبهم. قال ابن
رشد في ممهدات المدونة الكبرى (1/263):والقياس انه لما
اجتمع اهل العلم في البغال والحمير على انه لا زكاة فيها وان
كانت سائمة، واجتمعوا في‏الابل، والبقر، والغنم على الزكاة فيها
اذا كانت سائمة، واختلفوا في الخيل السائمة وجب ردها الى
البغال‏والحمير لا الى الابل والبقر والغنم، لانها بها اشبه لانها
ذات حافر كما انها ذوات حوافر، وذو الحافر بذي‏الحافر اشبه
منه بذي الخف او الظلف، ولان اللّه تبارك وتعالى قد جمع
بينها فجعل الخيل والبغال والحميرصنفا واحدا لقوله: (والخيل
والبغال والحمير لتركبوها وزينة) ((732)) وجمع بين الانعام
وهي الابل والبقروالغنم فجعلها صنفا واحدا لقوله (والانعام
خلقها لكم فيها دف‏ء ومنافع ومنها تاكلون - ولكم فيها جمال
حين
تريحون وحين تسرحون) ((733)) ولقوله عز وجل: (اللّه الذي
جعل لكم الانعام لتركبوا منها ومنها تاكلون)((734)).

(11) تقديم عثمان الخطبة على الصلاة
قال ابن حجر في فتح الباري ((735)) (2/361): روى ابن
المنذر عن عثمان باسناد صحيح الى الحسن البصري‏قال: اول
من خطب قبل الصلاة عثمان، صلى بالناس ثم خطبهم
((736)) فراى ناسا لم يدركوا الصلاة، ففعل ذلك،اي صار
يخطب قبل الصلاة، وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان، لان
عثمان راى مصلحة الجماعة في‏ادراكهم الصلاة، واما مروان
فراعى مصلحتهم في اسماعهم الخطبة.
لكن قيل: انهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع
خطبته لما فيها من سب من لا يستحق السب،والافراط في
مدح بعض الناس، فعلى هذا انما راعى مصلحة نفسه، ويحتمل
ان يكون عثمان فعل ذلك‏احيانابخلاف مروان الذي واظب
عليه.
وذكره الشوكاني في نيل الاوطار ((737)) (3/362).
واخرج ابن شبة ((738)) عن ابي غسان قال: اول من خطب
الناس في المصلى على منبر عثمان بن عفان. وقال‏ابن حجر:
يحتمل ان يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى اعاده
مروان. فتح الباري ((739)) (2/359)، نيل‏الاوطار ((740))
(3/374).
وذكره السيوط‏ي في الاوائل، وتاريخ الخلفاء ((741)) (ص‏111)،
والسكتواري في محاضرة الاوائل((742))(ص‏145): ان اول
من خطب في العيدين قبل الصلاة عثمان(رضي اللّه عنه).
قال الاميني: ان الثابت في السنة الشريفة ان الخطبة في
العيدين تكون بعد الصلاة، قال الترمذي في‏الصحيح ((743))
(1/70): والعمل على هذا عند اهل العلم من اصحاب النبي
(ص) وغيرهم ان صلاة العيدين‏قبل الخطبة ويقال: ان اول من
خطب قبل الصلاة مروان بن الحكم. انتهى.
واليك جملة مما ورد فيها:
1 عن ابن عباس قال: اشهد على رسول اللّه (ص) انه صلى يوم
فطر او اضحى‏قبل الخطبة ثم‏خطب ((744)).
صحيح البخاري (2/116)، صحيح مسلم (1/325)، سنن ابي
داود (1/178، 179)، سنن ابن ماجة(1/385)، سنن النسائي
(3/184)، سنن البيهقي (3/296).
2 عن عبداللّه بن عمر قال: كان النبي (ص) ثم ابو بكر ثم عمر
يصلون العيد قبل الخطبة. وفي لفظ‏الشافعي: ان النبي وابا بكر
وعمر كانوا يصلون في العيدين قبل الخطبة، وفي لفظ
للبخاري: ان رسول اللّه(ص) كان يصلي في الاضحى والفطر ثم
يخطب بعد الصلاة ((745)).
صحيح البخاري (2/111، 112)، صحيح مسلم (1/326)، موطا
مالك (1/146)، مسند احمد (2/38)،كتاب الام للشافعي
(1/208)، سنن ابن ماجة (1/387)، سنن البيهقي (3/296)،
سنن الترمذي (1/70)،سنن النسائي (3/183)، المحلى‏لابن
حزم (5/85)، بدائع الصنائع (1/276).
3 عن ابي سعيد الخدري قال: كان رسول اللّه (ص) يخرج يوم
العيد فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم فيقف‏على رجليه
. انتهى. ((746))
سنن ابن ماجة (1/389)، المدونة الكبرى لمالك (1/155)،
سنن البيهقي (3/297).
4 عن عبداللّه بن السائب، قال: حضرت العيد مع رسول اللّه
(ص) فصلى بنا العيد ثم قال: «قد قضيناالصلاة فمن احب ان
يجلس للخطبة فليجلس، ومن احب ان يذهب فليذهب‏»
. ((747))
سنن ابن ماجة (1/386)، سنن ابي داود (1/180)، سنن النسائي
(3/185)، سنن البيهقي (3/301)، المحلى(5/86).
5 عن جابر بن عبداللّه قال: ان النبي (ص) قام يوم الفطر
فصلى فبدا بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب‏الناس ((748)).
صحيح البخاري (2/111)، صحيح مسلم (1/325)، سنن ابي
داود (1/178)، سنن النسائي (3/186)، سنن‏البيهقي (2/296،
698).
6 عن ابن عباس وجابر بن عبداللّه وعبداللّه بن عمر وانس بن
مالك: ان رسول اللّه (ص) كان يصلي قبل‏الخطبة. المدونة
الكبرى ((749)) (1/155).
7 عن البراء بن عازب قال: خطبنا رسول‏اللّه(ص) يوم النحر
بعد الصلاة ((750)).
صحيح البخاري (2/110)، سنن النسائي (3/185).
8 عن ابي عبيد مولى ابن ازهر قال: شهدت العيد مع علي بن
ابي طالب وعثمان محصور، فجاء فصلى‏ثم‏انصرف فخطب
. ((751))
موطا مالك (1/147)، كتاب الام للشافعي (1/171) ذكر من
طريق مالك شطرا منه.
هذه الاحاديث تكشف عن استمرار رسول اللّه (ص) على هذه
السنة المرتبة ولم يعز اليه غيرها قط، وعلى‏ذلك مضى
الشيخان ومولانا امير المؤمنين علي (ع) وعثمان نفسه ردحا
من ايامه، كما جاء في رواية ابن عمرمن ان النبي وابابكر وعمر
وعثمان كانوا يصلون في العيدين قبل الخطبة ((752)).
وظاهر هذا اللفظ وان كان‏مطلقا الا ان الجمع بينه وبين ما جاء
من مخالفة عثمان للقوم وانه اول من قدم الخطبة انه كان اولا
على‏وتيرتهم حتى بدا له ان يغير الترتيب ففعل، ويؤيده سكوت
ابن عمر نفسه عن عثمان فيما مر (ص‏161) من‏قوله: كان
النبي ثم ابو بكر ثم عمر يصلون العيد قبل الخطبة. فان كان
عثمان ايضا مستمرا على سيرتهم‏وسنتهم لذكره ولم يفصل
بينهم وبهذا يتاتى الجمع ايضا بين حديثي ابن عباس من قوله:
شهدت العيد مع‏النبي وابي بكر وعمر فبدؤا بالصلاة قبل
الخطبة. ومن قوله: صلى رسول اللّه ثم خطب وابوبكر
وعمروعثمان ((753)).
وليتني ادري كيف يتقرب الى المولى سبحانه بصلاة بدلوا فيها
سنة اللّه التي لا تبديل لها؟ قال الشوكاني في‏نيل الاوطار
((754)) (3/363): قد اختلف في صحة العيدين مع تقدم
الخطبة، ففي مختصر المزني ((755)) عن‏الشافعي ما يدل
على عدم الاعتداد بها، وكذا قال النووي في شرح المهذب: ان
ظاهر نص الشافعي انه لايعتد بها. قال: وهو الصواب.
ثم تابع عثمان المسيطرون من الامويين من بعده فخالفوا
السنة المتبعة بتقديم الخطبة لكن الوجه في فعل عثمان‏غيره
في من تبعه، اما هو فكان يرتج عليه القول فلا يروق
المجتمعين ما يتكلفه من تلفيقه غير المنسجم‏فيتفرقون عنه،
فقدمها ليصيخوا اليه وهم منتظرون للصلاة ولا يسعهم التفرق
قبلها.
قال الجاحظ: صعد عثمان بن عفان (رضي اللّه عنه) المنبر
فارتج عليه فقال: ان ابا بكر وعمر كانا يعدان لهذاالمقام مقالا،
وانتم الى امام عادل احوج منكم الى امام خطيب، وستاتيكم
الخطب على وجهها وتعلمون ان‏شاء اللّه ((756)).
وقال البلاذري في الانساب ((757)) (5/24): ان عثمان لما
بويع خرج الى الناس، فخطب فحمد اللّه واثنى عليه‏ثم‏قال: اى
ها الناس ان اول مركب صعب، وان بعد اليوم اياما، وان اعش
تاتكم الخطبة على وجهها، فما كناخطباء وسيعلمنا اللّه. وبهذا
اللفظ اخرجه ابن سعد في طبقاته ((758)): (3/43) طبع
ليدن، وفي لفظ ابي الفداءفي تاريخه: (1/166): لما بويع عثمان
رقى المنبر وقام خطيبا فحمد اللّه وتشهد ثم ارتج عليه، فقال:
ان اول‏كل‏امر صعب وان اعش فستاتيكم الخطب على وجهها.
ثم نزل.
وروى ابو مخنف كما في انساب البلاذري: ان عثمان لما صعد
المنبر قال: ايها الناس ان هذا مقام لم ازور له‏خطبة ولا اعددت
له كلاما، وسنعود فنقول ان شاءاللّه.
وعن غياث بن ابراهيم: ان عثمان صعد المنبر فقال: ايها الناس
انا لم نكن خطباء، وان نعش تاتكم الخطبة‏على وجهها ان شاء
اللّه.
وروي ان عثمان خطب فقال: ان ابا بكر وعمر كانا يعدان لهذا
المقام مقالا وسياتي اللّه به. انتهى.
وذكره اليعقوبي في تاريخه ((759)) (2/140) فقال: صعد
عثمان المنبر وجلس في الموضع الذي كان يجلس فيه‏رسول
اللّه (ص) ولم يجلس ابو بكر ولا عمر فيه، جلس ابو بكر دونه
بمرقاة، وجلس عمر دون ابي بكربمرقاة ((760)) فتكلم الناس
في ذلك فقال بعضهم: اليوم ولد الشر، وكان عثمان رجلا حييا
فارتج عليه فقام مليالا يتكلم ثم قال: ان ابا بكر وعمر كانا يعدان
لهذا المقام مقالا، وانتم الى امام عادل احوج منكم الى
امام‏يشقق الخطب، وان تعيشوا فستاتيكم الخطبة. ثم نزل.
وفي لفظ ملك العلماء في بدائع الصنائع (1/262): ان عثمان
لما استخلف خطب في اول جمعة، فلما قال: الحمدللّه. ارتج
عليه، فقال: انتم الى امام فعال احوج منكم الى امام قوال، وان
ابا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المكان‏مقالا وستاتيكم الخطب من
بعد، واستغفر اللّه لي ولكم. ونزل وصلى بهم الجمعة.
ولعله لحراجة الموقف عليه كان يماطل الخطبة باستخبار
الناس وسؤالهم عن اخبارهم واسعارهم وهو على‏المنبر، كما
اخرجه احمد في المسند ((761)) (1/73) من طريق موسى بن
طلحة. وذكره الهيثمي في المجمع (2/187)فقال: رجاله
رجال الصحيح.