وتراهم بالغوا في الثناء على الشاعر وقصيدته هذه كانه جاء للامة
بعلم جم، او راي صالح جديد، اواتى‏لعمر بفضيلة رابية تسر بها
الامة ونبيها المقدس، فبشرى بل بشريان للنبي الاعظم بان
بضعته الصديقة‏لم تكن لها اي حرمة وكرامة عند من يلهج بهذا
القول، ولم يكن سكناها في دار طهر اللّه اهلها يعصمهم
منه‏ومن حرق الدار عليهم. فزه زه بانتخاب هذا شانه، وبخ بخ
ببيعة تمت بذلك الارهاب، وقضت بتلك‏الوصمات.
لاتهمنا هذه كلها وانما يهمنا الساعة بعد ان درسنا تاريخ حياة
الخليفة الاول فوجدناه لدة غيره من الناس‏العاديين في
نفسياته قبل اسلامه وبعده، وانما سنمه عرش الخلافة
الانتخاب فحسب البحث في‏موضوعين، الا وهما: فضائله
الماثورة وملكاته النفسية.
(1) فضائله الماثورة
هل صح عن النبي الاعظم (ص) فيه حديث فضيلة؟ وهل
صحيح ما رووه فيه من الثناء الكثير الحافل؟نحن ها هنا نقف
موقف المستشف للحقيقة، ولا ننبس في القضاء ببنت شفة، غير
ما ننقله عن ائمة فن‏الحديث المميزين بين صحيحه وسقيمه.
ثم نردفه بالاعتبار الذي يساعده.
قال الفيروزآبادي في خاتمة كتابه سفر السعادة((332))
المطبوع: خاتمة الكتاب في الاشارة الى ابواب روي
فيهااحاديث وليس منها شي‏ء صحيح، ولم يثبت منها عند
جهابذة علماء الحديث شي‏ء. ثم عد ابوابا الى ان‏قال((333)):
باب فضائل ابي بكر الصديق (رضي اللّه عنه). اشهر المشهورات
من الموضوعات ان اللّه يتجلى للناس عامة‏ولابي بكر خاصة.
وحديث: ما صب اللّه في صدري شيئا الا وصبه في صدر ابي
بكر. وحديث: كان (ص)اذا اشتاق الجنة قبل شيبة ابي
بكر.وحديث: انا وابو بكر كفرسي رهان. وحديث: ان اللّه لما
اختار الارواح‏اختار روح ابي بكر. وامثال هذا من المفتريات
المعلوم بطلانها ببديهة العقل. انتهى.
وعد العجلوني في كتابه كشف الخفاء (ص‏2/ 419 424) مائة
باب من ابواب الفقه وغيره فقال: لم‏يصح‏فيه حديث. او: ليس
فيه حديث صحيح. وما يقاربهما وقال في (ص‏419): باب
فضائل ابي بكر الصديق (رضي اللّه عنه) اشهر المشهورات من
الموضوعات كحديث: ان اللّه يتجلى للناس عامة ولابي
بكرخاصة. الى آخر عبارة الفيروزآبادي المذكورة.
وذكر السيوط‏ي في اللالئ المصنوعة (1/ 286 302) ثلاثين
حديثا من اشهر فضائل ابي بكر مما اتخذه‏المؤلفون في القرون
الاخيرة من المتسالم عليه، وارسلوه ارسال المسلم بلا اي سند
او اي مبالاة وزيفهاوحكم فيها بالوضع وذكر راي الحفاظ فيها.
كان السيوط‏ي يهملج وراء القوم فبهظه ان لا يستصح حتى
حديثا واحدا من تلكم الثلاثين فقال في(ص‏296) فيما عزا اليه
(ص) من قوله: عرج بى الى السماء فما مررت بسماء الا وجدت
فيها مكتوبا: محمدرسول اللّه، ابو بكر الصديق من خلفي بعدما
حكم عليه بالوضع لمكان عبداللّه بن
ابراهيم‏الغفاري((334))الوضاع. ومكان شيخه عبدالرحمن بن
زيد المتفق على ضعفه بنص منه عليهما بذلك ما لفظه:
قلت: الذي استخير اللّه فيه الحكم على هذا الحديث بالحسن لا
بالوضع ولا بالضعف لكثرة شواهده. ثم‏ذكرشواهد عن طرق لا
يصح شي‏ء منها، وفي كل واحد منها وض اع او كذاب، او من
اتفق على ضعفه، اومجهول لا يعرف يروي عن مجهول مثله،
وقد عزب عنه ان الاستخارة لا تقلب الشر خيرا، ولا يعيد
السقيم‏صحيحا ولا المنكر معروفا.
وراحت الى العطار تبغي شبابها
فهل يصلح العطار ما افسد الدهر
واللّه سبحانه لا يجازف في اسداء الخير، والشواهد المكذوبة لا
تقوي الضعف مع نص الحفاظ على كل واحدمنها بالوضع او
الضعف، واليك بيان طرق تلك الشواهد.
1 طريق الخطيب البغدادي، مر في الجزء الخامس (ص‏303،
325) الطبعة الثانية.
2 طريق البزار في مسنده وفيه عبداللّه بن ابراهيم الغفاري
الوضاع، وشيخه عبدالرحمن بن زيد المتفق‏على‏ضعفه كما في
تهذيب التهذيب((335)) (6/ 178)، واللالئ المصنوعة (1/
296).
3 طريق ابن شاهين في السنة وهو طريق الخطيب البغدادي
وحديثه، وقد حكم الذهبي((336)) وابن‏حجر((337))ببطلانه
كما مر في الجزء الخامس.
4 طريق الدارقطني في الافراد، قال السيوط‏ي في اللالئ
(1/297) بعد ذكره: قال الدارقطني: تفرد به محمدبن فضيل
عن ابن جريج لا اعلم احدا حدث به غير هذين. واورده المؤلف
في الواهيات من طريق السري‏وقال: لا يصح. قال ابن
حبان((338)): لا يحل الاحتجاج بالسري بن عاصم.
قال الاميني : السري بن عاصم راوي الحديث احد الكذابين
مرت ترجمته في الجزء الخامس
(ص‏231)،وللدارقطني((339))طريق آخر وفيه عمر بن
اسماعيل بن مجالد احد الكذابين((340)) وبهذا الطريق ذكره
السيوط‏ي‏في اللالئ (1/ 309) فقال: لا يصح، آفته عمر كذاب.
5 طريق الديلمي في مسند الفردوس، فيه بعد رجال مجاهيل
عبد المنعم بن بشير ابو الخير الكذاب‏الوضاع الذي له مائتا
حديث كذب((341))، وعبدالرحمن بن زيد ابن اسلم المجمع
على ضعفه كما مر.
6 طريق الختلي في ديباجه عن نصر بن حريش((342)) عن
ابي سهل مسلم الخراساني عن عبداللّه بن‏اسماعيل عن الحسن
البصري قال: قال رسول اللّه (ص):
مكتوب على ساق العرش: لا اله الا اللّه وحده لا شريك له،
محمد رسول اللّه، ووزيراه ابو بكر الصديق‏وعمر الفاروق.
قال الدارقطني كما في تاريخ بغداد (13/286): هذا اسناد
ضعيف لا يثبت،ابو سهل ونصر بن حريش‏ضعيفان. وقال
العقيلي((343)) كما في لسان الميزان((344)) (3/26):
عبداللّه بن اسماعيل منكر الحديث لا يتابع على شي‏ء من
حديثه. والحديث مع هذا مرسل والحسن البصري‏لا يروي عن
رسول اللّه ولم يدركه وللخطيب طريق بهذا اللفظ ليست فيه
كلمة: ساق، ووزيراه. وفي اسناده‏احمد بن رجاء بن عبيدة، قال
الخطيب في تاريخه (4/158): مجهول.
7 طريق ابن عساكر فيه عبدالعزيز الكتاني، لينه
الذهبي((345)) كما في لسان الميزان((346)) (4/33)،
وفيه‏الحارث بن زياد المحاربي، قال الذهبي((347)) وغيره:
ضعيف مجهول كما في اللسان((348)) (2/149)، وفيه من
لايعرف ولا توجد له ترجمة في المعاجم.
ولابن عساكر((349)) طريق آخر بالاسناد عن محمد بن عبد
بن عامر المعروف بوضع الحديث((350)) عن عصام‏بن يوسف
ضعفه ابن سعد، وخطاه ابن حبان((351)) ، وقال ابن
عدي((352)): روى احاديث لا يتابع عليها. كما في‏لسان
الميزان((353))(4/168).
ويرشدك الى صحة قول الفيروزآبادي والعجلوني ما اوضحناه
في الجزء الخامس (ص‏297 332) من‏تفنيد مائة منقبة
مكذوبة على رسول اللّه (ص) مختلقة لابي بكر ولزبائنه بحكم
الائمة والحفاظ. وكذا مازيفناه من خمس واربعين رواية
موضوعة في الخلافة في صفحة (333 356) كل ذلك بقضاء
من رجالات‏الفن نظراء: ابن عدي، الطبراني، ابن حبان،
النسائي، الحاكم،الدارقطني، العقيلي، ابن المديني، ابو
عمر،الجوزقاني، المحب الطبري، الخطيب البغدادي، ابن
الجوزي، ابو زرعة، ابن عساكر، الفيروزآبادي، اسحاق‏الحنظلي،
ابن كثير، ابن القيم، الذهبي، ابن تيمية، ابن ابي الحديد، ابن
حجر الهيثمي، ابن حجر العسقلاني،الحافظ المقدسي،
السيوط‏ي، الصغاني، الملا علي القاري، العجلوني، ابن درويش
الحوت، وغيرهم.
ويشهد لبطلان تلكم الروايات الجمة في فضائل الخليفة الاول
خلو الصحاح الستة والسنن والمسانيد القديمة‏منها، فلو كان
مؤلفوها يجدون على شي‏ء منها مسحة من الصحة بل لو كانوا
واقفين عليها ولو على واحدة‏منها لما اجمعوا على
تركهافيرويها متحرو الزوايا، ونباشة الدفائن، فيبرزونها الى
الملا من تحت غبار الهجر،او وراء نسج عناكب النسيان،
فيرشدنا ذلك الى‏ان مواليد هذه الروايات متاخر تاريخها عن
عهد ارباب‏الصحاح وحسبها ذلك مهانة وضعة. كما ان ما في
الصحاح من النزر اليسير ولائد متاخرة عن عهد النبي‏الاعظم
(ص).
على ان الخليفة نفسه لو كان على ثقة من صدور شي‏ء من تلكم
الاحاديث ولو يسيرا منها من قائلها (ص)لما كان يرى مثل ابي
عبيدة الجراح حفار القبور اولى منه بالخلافة، ولما قدمه على
نفسه، ولما ترك‏الاحتجاج بها يوم كانت حاجته اليه مسيسة،
ويوم كان الحوار في امر الخلافة قائما على قدم وساق،
وطفق‏كل ذي فضل يدلي بحججه، وقد احتدم الجدال حتى
كاد ان يكون جلادا، واستحر الحجاج حتى عادلجاجا، لكن
الرجل لم يكن عنده حجة ولا لزبانيته الا انه صاحب رسول
اللّه(ص) وثاني اثنين اذ هما في‏الغار، وانه اكبر القوم سنا وكان
ابوه اكبر منه لا محالة وقد اختارته الجماعة وانعقدت له
البيعة بعد هوس‏وهياج ركونا الى امثال هذه مما لا تثبت بها
حجة، ولا يخضع لها ذو مسكة، ولا يصلح بها شان الامة،
ولايجمع بها شمل، ولا يتم بها الامر.
نعم، روي عن ابي بكر انه ذكر في الحجاج له اشياء حذفتها
الرواة ولم يذكروا منها الا انه اول من اسلم. او:اول من صلى.
عن ابي سعيد الخدري قال: قال ابو بكر: الست احق الناس بها؟
الست اول من اسلم؟الست صاحب كذا؟ الست صاحب
كذا؟((354))
وعن ابي نضرة((355)) قال: لما ابطا الناس عن ابي بكر قال:
من احق بهذا الامر مني؟ الست اول من صلى؟الست؟ الست؟
الست؟ فذكر خصالا فعلها مع النبي(ص)((356)).
ونحن لا نعرف شيئا مما حذفوه من فضائله المزعومة او اختلقوا
نسبته اليه اذمن الممكن بل المحقق انه لم‏يقل شيئا، وانما
اصطنعوا له هذه الصورة لايهام انه كانت له يوم ذاك فضائل
مسلمة، لكن نعطف النظرة على‏المذكور من تلك المناقب وهو
كون الخليفة اول من اسلم. او: اول من صلى، ولم يكن كذلك.
والقول به‏يخالف راي النبي الاعظم ونصوص الصحابة، وقد
فصلنا القول فيه في الجزء الثالث (ص‏219 243)وذكرنا مائة
نص عن النبي الاقدس وامير المؤمنين صلوات اللّه عليهما
وآلهما، وعن الصحابة الاولين‏والتابعين لهم باحسان على ان
اول من اسلم واول من صلى من ذكر هو مولانا امير المؤمنين
(ع). واوضحناهنالك ان ابا بكر ليس اول من اسلم. او: صلى. بل
في صحيحة الطبري((357)): انه اسلم بعد اكثر من
خمسين‏رجلا، فراجع.
ولو كانت الصحابة الاولون يعرفون شيئا من تلكم الموضوعات
الجمة لما تركوا الاحتجاج به يوم ذاك في‏اخضاع الناس بدلا
عن اشفاع الدعوة بالارهاب والترعيد، ولما اقتصر عمر بن
الخطاب يوم السقيفة بقوله:من له مثل هذه الثلاث: ثاني اثنين
اذ هما في الغار، اذ يقول لصاحبه لا تحزن، ان اللّه معنا.
وبقوله: ان اولى الناس بامر نبي اللّه ثاني اثنين اذ هما في الغار،
وابو بكر السباق المسن.
وبقوله يوم بيعة العامة: ان ابا بكر صاحب رسول اللّه، وثاني اثنين
اذ هما في الغار((358)).
ولما قال سلمان للصحابة: اصبتم ذا السن منكم ولكنكم
اخطاتم اهل بيت نبيكم((359)).
ولما اكتفى عثمان بن عفان في الدعوة الى ابي بكر بقوله: ان ابا
بكر الصديق احق الناس بها، انه لصديق وثاني‏اثنين وصاحب
رسول اللّه (ص)((360)).
ولما فاه المغيرة بن شعبة بمقاله لابي بكر وعمر: تلقوا العباس
فتجعلوا له في هذا الامر نصيبا، فيكون له‏ولعقبه، فتقطعوا به
من ناحية علي ويكون لكم حجة عند الناس على علي اذا مال
معكم العباس.
ولما دخل ابو بكر وعمر وابو عبيدة والمغيرة على العباس ليلا،
ولما قال ابو بكر له: لقد جئناك ونحن نريدان نجعل لك في
هذا الامر نصيبا يكون لك ويكون لمن بعدك من عقبك اذ
كنت عم رسول اللّه((361)).
ولما تم الامر له ببيعة اثنين فحسب: عمر وابي عبيدة. او: ببيعة
اربعة: هما مع اسيد وبشر. او بخمسة: هم مع‏سالم مولى ابي
حذيفة كما ياتي تفصيله.
ولما تخلف عن بيعته رؤوس المهاجرين والانصار: علي وابناه
السبطان، والعباس وبنوه في بني هاشم، وسعدبن عبادة وولده
واسرته، والحباب بن المنذر وتابعوه، والزبير، وطلحة، وسلمان،
وعمار، وابو ذر، والمقداد،وخالد بن سعيد، وسعد بن ابي وقاص،
وعتبة بن ابي لهب، والبراء بن عازب، وابى بن كعب، وابو
سفيان‏بن حرب وغيرهم((362)).
ولما كان مجال لقول محمد بن اسحاق: كان عامة المهاجرين
وجل الانصار لايشكون ان عليا صاحب‏الامربعد رسول‏اللّه(ص).
شرح ابن ابي الحديد((363))(2/8).
ولما قال عتبة بن ابي‏لهب يوم ذاك بملا من مدعي الفضائل:
ما كنت احسب ان الامر منصرف
عن هاشم ثم منها عن ابي حسن
عن اول الناس ايمانا وسابقة
واعلم الناس بالقرآن والسنن
وآخر الناس عهدا بالنبي ومن
جبريل عون له في الغسل والكفن
من فيه ما فيهم لا يمترون به
وليس في القوم ما فيه من الحسن
ماذا الذي ردكم عنه فنعلمه
ها ان بيعتكم من اول الفتن((364))
ولما قال قصي يوم ذاك:
بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم
ولا سيما تيم بن مرة او عدي
فما الامر الا فيكم واليكم
وليس لها الا ابو حسن علي
ابا حسن فاشدد بها كف حازم
فانك بالامر الذي يرتجى ملي
وان امرا يرمي قصي وراءه
عزيز الحمى والناس‏من‏غالب قصي((365))
(2) ملكاته ونفسياته
يهمنا النظر الى ملكات الخليفة وما انحنت عليه اضالعه من
علوم او نفسيات حتى نعلم انها هل تجعل له‏صلة بفضيلة؟ او
تقرب مبواه من التاهل لهاتيك المرويات؟ او تعين له حدايكون
التفريط به اجحافا به،وبخسا بحقه، وتحطيما لمقامه؟ او يعرف
الغلو بالافراط فيه؟
اما هو قبل الاسلام فلا نفيض عنه قولا لان الاسلام يجب ما
قبله، فلا التفات اذن الى ما جاء به عكرمة‏من قوله: كان ابو بكر
(رضي اللّه عنه) يقامر ابي بن خلف وغيره من المشركين وذلك
قبل ان يحرم القمار.ذكره الامام الشعراني في كتابه كشف
الغمة (2/154).
وقال الامام ابو بكر الجصاص الرازي الحنفي المتوفى (370)
في احكام القرآن((366)) (1/388): لا خلاف بين‏اهل العلم في
تحريم القمار وان المخاطرة من القمار، قال ابن عباس: ان
المخاطرة قمار، وان اهل الجاهلية كانوايخاطرون على المال
والزوجة وقد كان ذلك مباحا الى ان ورد تحريمه، وقد خاطر
ابو بكر الصديق المشركين‏حين نزلت: الم غلبت الروم.
كما لا يلتفت الى ما ذكره ابو بكر الاسكافي في الرد على
الرسالة العثمانية للجاحظ((367)) من ان ابا بكر كان‏قبل
اسلامه مذكورا ورئيسا معروفا، يجتمع اليه كثير من اهل مكة
فينشدون الاشعار، ويتذاكرون الاخبار،ويشربون الخمر، وقد
سمع دلائل النبوة وحجج الرسالة، وسافر الى البلدان، ووصلت
اليه الاخبار.
واخرج الفاكهي في كتاب مكة باسناده عن ابي القموص، قال:
شرب ابو بكر الخمر في الجاهلية((368))فانشايقول:
تحيي ام بكر بالسلام
وهل لي بعد قومك من سلام
الابيات
فبلغ رسول اللّه (ص) فقام يجر ازاره حتى دخل، فتلقاه عمر
وكان مع ابي بكر، فلما نظر الى وجهه محمراقال:نعوذ باللّه من
غضب رسول اللّه (ص)، واللّه لا يلج لنا راسا ابدا، فكان اول من
حرمها على‏نفسه.
وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الاصول((369)) (ص‏66)
فقال: هو مما تنكره القلوب، فكان الحكيم وجدالحديث دائرا
سائرا في الالسن غير انه راى القلوب تنكره.
وذكره ابن حجر في الاصابة (4/22) فقال: واعتمد نفطويه على
هذه الرواية فقال: شرب ابو بكر الخمر قبل‏ان تحرم ورثى قتلى
بدر من المشركين.
وحديث ابي القموص هذا اخرجه الطبري في
تفسيره((370))(2/203)، وفي طبعة (211) عن ابن
بشار((371))،عن عبدالوهاب((372))، عن عوف((373))، عن
ابي القموص زيد ابن علي((374)) قال: انزل اللّه ف في الخمر
ثلاث‏مرات، فاول ما انزل قال اللّه: (يسالونك عن الخمر والميسر
قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر
من‏نفعهما)((375))قال: فشربها من المسلمين من شاء اللّه
منهم على ذلك حتى شرب رجلان فدخلا في الصلاة‏فجعلا
يهجران كلاما لا يدري عوف ما هو، فانزل اللّه غ فيها: (يا ايها
الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة‏وانتم‏سكارى حتى تع لموا ما
تقولون)((376))فشربها من شربها منهم وجعلوا يتقونها عند
الصلاة حتى شربهافيما زعم ابو القموص رجل فجعل ينوح على
قتلى بدر:
تحيي بالسلامة ام عمرو
وهل لك بعد رهطك من سلام
ذريني اصطبح بكرا فاني
رايت الموت نقب عن هشام
وود بنو المغيرة لو فدوه
بالف من رجال او سوام
كاني بالطوي طوي بدر
من الشيزى يكلل بالسنام
كاني بالطوي طوي بدر
من الفتيان والحلل الكرام
قال: فبلغ ذلك رسول اللّه (ص) فجاء فزعا يجر رداءه من الفزع
حتى انتهى اليه، فلما عاينه الرجل فرفع‏رسول اللّه (ص) شيئا
كان بيده ليضربه قال: اعوذ باللّه من غضب اللّه ورسوله، واللّه لا
اطعمها ابدا فانزل اللّهتحريمها: (يا ايها الذين آمنوا انما الخمر
والميسر والانصاب والازلام رجس). الى‏قوله: (فهل انتم
منتهون)((377)).فقال عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه):
انتهينا. انتهينا((378)).
واخرج البزار عن انس بن مالك قال: كنت ساقي القوم تينا
وزبيبا خلطناهما جميعا، وكان في القوم‏رجل‏يقال له: ابو بكر،
فلما شرب قال:
احيي ام بكر بالسلام
وهل لك بعد قومك من سلام
يحدثنا الرسول بان سحتا
وكيف حياة اصل او هشام((379))
فبينا نحن كذلك والقوم يشربون اذ دخل علينا رجل من
المسلمين فقال:
ما تصنعون؟ ان اللّه تبارك وتعالى قد نزل تحريم الخمر.
الحديث.
وقال ابن حجر في فتح الباري((380))(10/30)، والعيني في
عمدة القاري((381))(20/84): من المستغربات ما اورده‏ابن
مردويه في تفسيره من طريق عيسى بن طهمان((382)) عن
انس: ان ابا بكر وعمر كانا فيهم. وهو منكر مع‏نظافة سنده، وما
اظنه الا غلطا.
وقد اخرج ابو نعيم في الحلية((383)) في ترجمة شعبة من
حديث عائشة قالت: حرم ابو بكر الخمر على نفسه‏فلم يشربها
في جاهلية ولا اسلام.
ويحتمل ان كان محفوظا ان يكون ابو بكر وعمر زارا ابا
طلحة في ذلك اليوم ولم يشربا معهم((384)). ثم‏وجدت عند
البزار من وجه آخر عن انس قال: كنت ساقي القوم وكان في
القوم رجل يقال له ابو بكر، فلماشرب قال:
تحيي بالسلامة ام بكر
. . . . . . . . . .
فدخل علينا رجل من المسلمين فقال: قد نزل تحريم الخمر.
الحديث. وابو بكر هذا يقال له ابن شغوب،فظن بعضهم انه ابو
بكر الصديق وليس كذلك، ولكن قرينة ذكر عمر تدل‏على عدم
الغلط في وصف‏الصديق فحصلنا تسمية عشرة. انتهى.
قال الاميني : ترى ابن حجر يتلعثم في ذكر الحديث، فلا يدعه
حبه للخليفة ان يقبله، ولا تخليه صحته ان‏يصفح عنه، فجاء
يستغرب اولا ثم يستنكره مع الحكم بنظافة سنده، ويظنه غلطا
تارة ويراه محفوظااخرى،وبالاخير ياخذه صدق النبا وصحته
فيتخلص منه بالحكم بان المذكور فيه هو ابو بكر الصديق
بقرينة‏عمر، فيعد هما من الاحد عشر الذين كانوا يشربون الخمر
في دار ابي طلحة.
وابن حجر يعلم بان ما اخرجه ابو نعيم في الحلية من حديث
عائشة لا يقاوم هذا النبا الثابت‏المروي‏بالطرق الصحيحة عن
رجال الصحاح، ذكر ابو نعيم حديثه في الحلية (7/160) من
طريق عب اد بن‏زياد الساجي عن ابن عدي عن شعبة عن
محمد ابن عبدالرحمن ابي الرجال عن امه عمرة عن
عائشة.وقال: غريب من حديث شعبة لم نكتبه الا من حديث
عباد بن ابي عدي. انتهى. وفيه:
عباد بن زياد الساجي، يتهم بالقدر. قال موسى بن هارون:
تركت حديثه، وقال ابن عدي((385)): هو من اهل‏الكوفة
الغالين في التشيع له احاديث مناكير في الفضائل. تهذيب
التهذيب((386)) (5/294).
وفيه: شعبة عن محمد بن عبدالرحمن ابي الرجال. قال
الخطيب: هذا وهم شعبة لم يرو عن ابي الرجال شيئا، وكذلك
من قال فيه عن شعبة، عن محمد بن عبدالرحمن، عن امه
عمرة. تهذيب التهذيب((387))(9/295).
وقال ابن حجر والعيني: وقع عند عبدالرزاق عن معمر بن ثابت
وقتادة‏وغيرهما عن انس: ان القوم كانوااحد عشر
رجلا((388)).
نادي الخمر هذا كان عام الفتح سنة ثمان من الهجرة بالمدينة
المشرفة في دار ابي طلحة زيد بن سهل، وكانت‏السقاية لانس
كما في صحيح البخاري((389)) كتاب التفسير في سورة
المائدة في آية الخمر، وفي صحيح مسلم‏في كتاب الاشربة باب
تحريم الخمر((390))، وقال السيوط‏ي في الدر
المنثور((391))(2/321): اخرجه عبد بن حميد،وابو
يعلى((392))، وابن المنذر، وابوالشيخ، وابن مردويه عن انس.
واخرجه احمد في المسند((393))(3/181، 227)، والطبري
في تفسيره((394)) (7/24)، والبيهقي في السنن
الكبرى(8/286، 290) وابن كثير في تفسيره (2/93، 94).
وكان عدة الحضور في ذلك النادي كما مرت عن معمر وقتادة
احد عشر رجلا، ذكر منهم ابن حجر في فتح‏الباري (10/30)
عشرة انفس، وقال كما مر (ص‏98): فحصلنا تسمية عشرة،
وهم:
1 ابو بكر بن ابي قحافة، وكان يوم ذاك ابن ثمان وخمسين
سنة.
2 عمر بن الخطاب، وكان يوم ذاك ابن خمس واربعين سنة.
3 ابو عبيدة الجراح، وكان ابن ثمان واربعين سنة.
4 ابو طلحة زيد بن سهل صاحب النادي، وكان له اربع
واربعون سنة، قال ابن الجوزي في‏الصفوة((395))(1/191):
توفي سنة اربع وثلاثين وهو ابن سبعين سنة.
5 سهيل بن بيضاء، توفي بعد القضية وهو كبير السن.
6 ابي بن كعب.
7 ابو دجانة سماك بن خرشة.
8 ابو ايوب الانصاري.
9 ابو بكر بن شغوب((396)).
10 انس بن مالك ساقي القوم، كان يوم ذاك ابن ثمانية عشر
عاما على الاصح، وفي صحيحة مسلم في‏الاشربة في باب
تحريم الخمر، والبيهقي في السنن (8/290) عن انس انه قال:
اني لقائم اسقيهم وانااصغرهم.
وقد عزب عن ابن حجر حادي عشر القوم وهو: معاذ بن جبل،
كما ورد في حديث قتادة عن انس.اخرجه ابن جرير في
تفسيره((397)) (7/24)، والهيثمي في مجمع الزوائد (5/52)،
والعيني في عمدة‏القاري((398))(8/589)، والسيوط‏ي في
الدر المنثور((399))(2/321) نقلا عن ابن جرير وابي الشيخ
وابن مردويه،والنووي في شرح مسلم((400))هامش ارشاد
القسطلاني (8/232).
وكان معاذ يوم ذاك ابن ثلاث وعشرين سنة اذ توفي سنة (18)
وله (33) عاماكما ذكره ابن الجوزي في صفة‏الصفوة((401)).
وهؤلاء المذكورون من الذين كانوا يشربون الخمر بعد نزول
الايتين فيها بتاويل فيهما كما مر في الجزءالسادس (ص‏251)،
الى ان نزل آية المائدة: (يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر
والانصاب‏والازلام‏رجس من عمل الشيطان) الى قوله تعالى
(فهل انت م منتهون) وكان ذلك في عام الفتح، فلما راواغضب
رسول اللّه (ص) وعلموا من الاية الثالثة التحذير والوعيد انتهوا
وقال عمر: انتهينا، انتهينا.
قال الالوسي في تفسيره (2/115): شربها كبار الصحابة غ بعد
نزولها يعني آية الخمر في البقرة وقالوا:انما نشرب ما ينفعنا
ولم يمتنعوا حتى نزلت آية المائدة. انتهى.
واخرج ابن ابي حاتم من حديث انس انه قال: كنا نشرب الخمر
فانزلت: (يسالونك عن الخمروالميسر)((402))الاية. فقلنا:
نشرب منها ما ينفعنا. فانزلت في المائدة: (انما الخمر والميسر
والانصاب والازلام‏رجس )، الاية. فقالوا: اللهم قد
انتهينا((403)).
واخرج عبد بن حميد عن عطاء انه قال: اول ما نزل في تحريم
الخمر (يسالونك عن الخمر والميسر) الاية،فقال بعض الناس:
نشربها لمنافعها التي فيها. وقال آخرون: لاخير في شي‏ء فيه
اثم، ثم نزل: (يا ايها الذين‏آم‏نوا لا تقربوا الصلاة وانتم
سكارى)((404)) الاية، فقال بعض الناس: نشربها ونجلس في
بيوتنا. وقال آخرون:لا خير في شي‏ء يحول بيننا وبين الصلاة
مع المسلمين. فنزلت ( يا ايها الذين آمنوا انما الخمر والميسر)
الاية.فانتهوا((405)).
ولتعدد آيات الخمر واختلاف السلف فيها وتاويل جمع منهم
آيتي البقرة والنساء من تلكم الايات وقع‏الخلاف في تاريخ
حرمتها على اقوال:
1 الاخذ بما اخرجه الطبراني((406)) من طريق معاذ بن
جبل، من ان اول ما نهى عنه النبي (ص) حين بعث:شرب
الخمر وملاحاة الرجال((407)) فتحريم الخمر كان في اوليات
الهجرة ان لم تكن في اوليات البعثة،ويساعده ما صح عنه
(ص)من ان اعظم الكبائر شرب الخمر((408))ويبرمه النظر
في آيات الخمر، فالاية‏الاولى منها من سورة البقرة، وهي اول
سورة نزلت بالمدينة((409))، والاية الثانية في سورة النساء
وقد نزلت‏في اوائل الهجرة((410)).
ولعل هذا راي كل من راى حرمة الخمر بية البقرة، قالت
عائشة: لما نزلت‏سورة البقرة نزل فيها تحريم‏الخمر، فنهى
رسول اللّه (ص) عن ذلك((411))، وقد نزلت سورة البقرة بعد
زواج عائشة كما مر في الجزءالسادس (ص‏197).
واختار الجصاص((412)) حرمة الخمر بية البقرة كما اسلفنا
كلامه في الجزء السادس صفحة (254)، وقال‏القرطبي في
تفسيره((413)) (3/60): قال قوم من اهل النظر: حرمت الخمر
بهذه الاية يعني التي في سورة البقرة،وقال الرازي في
تفسيره((414))(2/229): ان هذه الاية يعني آية البقرة دالة
على تحريم شرب الخمر. وذكرفي (ص‏231) في وجه دلالتها
عليه وجوها.
2 راى البلاذري انه كان سنة اربع من الهجرة كما في الامتاع
للمقريزي (ص‏193)، وذكر ابن اسحاق: انه‏كان في وقعة بني
النضير سنة اربع على الراجح((415))، وقال ابن هشام في
سيرته((416)) (2/192): نزل ببني‏النضير وذلك في شهر ربيع
الاول سنة اربع فحاصرهم فيها ست ليال، ونزل تحريم
الخمر. وذكره ابن‏سيد الناس في عيون الاثر((417)) (2/48).
ويؤيد هذا الراي ما اخرجه ابن مردويه عن جابر انه قال: حرمت
الخمر بعداحد((418))، وقد وقعت غزوة‏احد في سنة ثلاث
فبعدها تكون سنة اربع تقريبا.
3 جزم الدمياط‏ي على ان تحريم الخمر كان في سنة
الحديبية سنة ست كما في‏فتح الباري (10/24)
وعمدة‏القاري((419)) (10/82).
4 حرمتها في سنة الفتح عام ثمانية من الهجرة يوم الندوة
المذكورة المنعقدة في دار ابي طلحة بية المائدة‏التي فيها
الارهاب والتحذير، وبها كف عمر ومن كان معه في تلك الندوة
عن الشرب وقال: انتهينا، انتهينا.
وهذا القول غير مدعوم بحجة، وليس الا لتصحيح شرب اولئك
الرجال من الصحابة وجعله قبل التحريم،فترى مثل ابن حجر لا
يحكم به حكما باتا بل يستظهره من حديث احمد((420))، قال
في فتح‏الباري((421))(8/274): الذي يظهر ان تحريمها كان
عام الفتح سنة ثمان لما روى احمد من طريق عبدالرحمن
بن‏وعلة، قال: سالت ابن عباس عن بيع الخمر فقال: كان
لرسول اللّه (ص) صديق من ثقيف او من دوس‏فلقيه بمكة عام
الفتح براوية خمر يهديها اليه، فقال رسول اللّه (ص): يا ابا فلان
اما علمت ان اللّه حرمها؟فاقبل الرجل على غلامه فقال: اذهب
فبعها، فقال رسول‏اللّه(ص): يا ابا فلان بماذا امرته؟ قال: امرته
ان‏يبيعها، قال: ان الذي حرم شربها حرم بيعها. فامر بها فافرغت
في البطحاء.
وقصارى ما في هذا الحديث ان تحريم الخمر بلغ الرجل في عام
الفتح لا انها حرمت فيه، لان الرجل كان في‏منتاى عن مستوى
تبليغ الاحكام، متخبطا بين اعراب البوادي، غير عارف حتى
باصول المراودة‏والتحابب، ويشهد لذلك اهداؤه الخمر لرسول
اللّه (ص)، فانها على فرض عدم حرمتها ليست مما
يهدى‏الى‏مثله(ص)، لكن الرجل كان من دهماء الناس، وجرى
على ما هو المطرد بين الرعرعة والساقة.
الخليفة في الاسلام
واما هو ابو بكر في الاسلام فلم نعهد له نبوغا في علم، او
تقدما في جهاد، او تبرزا في الاخلاق، اوتهالكا في العبادة، او
ثباتا على مبدا.
اما نبوغه في علم التفسير فلم يؤثر عنه في هذا العلم شي‏ء
يحفل به،فدونك كتب التفسير والحديث فلا تكادتجد فيها عنه
ما يروي غلة صاد، او ينجع طلبة طالب.
نعم، يروى عنه انه شارك صاحبه عمر بن الخطاب في عدم
المعرفة لمعنى الاب((422))الذي عرفه كل‏عربي‏صميم حتى
اعراب البادية، وليس من البدع ان يعرفه حتى الساقة من
الناس، فان ه لا يعدوه ان‏يكون لدة بقية الكلمات العربية التي لا
تزال العرب تلهج بها في كل حل ومرتحل، ولا
هوالدخيل((423))حتى‏يعذر فيه الجاهل به، ولا من شواذ
الكلم التي قلما تتعاطاه الجامعة العربية حتى يشذ عرفانه‏عن
بعضهم.
وان تعجب فعجب اعتذار من جنح اليه((424)) بانه كان يلتزم
الحائطة في تفسيرالقرآن، ولذلك تورع عن‏الافاضة في معنى
الاب، لكن عرف من عرف ان الحائطة انما تجب في بيان
مغازي القرآن الكريم وتعيين‏ارادته، وتبيين مجمله، وتاويل
متشابهه، وما يجري مجرى ذلك مما يحظر في الدين التسرع
اليه من دون تثبت‏وتوقيف، واما معاني الفاظه العربية للعريق
في لغة الضاد، فاي حائطة تضرب على يده عن ان يفهمها
وهويعرفها بطبعه وجبلته؟
وهب ان الرجل لم يحط خبرا بلغة قومه فهلا تروى في الذكر
الحكيم في ذيل الاية الكريمة من قوله سبحانه:(متاعا لكم
ولانعامكم) بيانا للفاكهة والاب؟ ليعلم انه سبحانه وتعالى امتن
على الناس بالفاكهة لياكلوها،وبالاب لترعاه انعامهم، فتلك
فاكهة، وهذا العشب.
اخرج ابو القاسم البغوي عن ابن ابي مليكة قال: سئل ابو بكر
عن آية فقال: اي ارض تسعني او اي‏سماءتظل ني اذا قلت
في كتاب اللّه ما لم يرد اللّه؟
واخرج ابو عبيدة عن ابراهيم التيمي قال: سئل ابو بكر عن قوله
تعالى:(وفاكهة وابا) فقال: اي سماء تظلني‏ او اي ارض تقلني
ان قلت في كتاب اللّه ما لا اعلم؟
وفي لفظ القرطبي: اي سماء تظلني؟ واي ارض تقلني؟ واين
اذهب؟ وكيف اصنع؟ اذا قلت في حرف من‏كتاب اللّه بغير ما
اراد تبارك وتعالى.
ذكره((425)) القرطبي في تفسيره (1/29)، ابن تيمية في
مقدمة اصول التفسير (ص‏30)، الزمخشري في
الكشاف(3/253)، ابن كثير في تفسيره (1/5) وصححه في
(ص‏6)، ابن القيم في اعلام الموقعين (ص‏29) وصححه،الخازن
في تفسيره (4/374)، ابوالسعود في تفسيره هامش الرازي
(ص‏389)، السيوط‏ي في الدر المنثور(6/317) نقلا عن ابي
عبيد في فضائله وعبد بن حميد، ابن حجر في فتح الباري
(13/230)، واوعز اليه ابن‏جزي الكلبي في تفسيره (4/180).
الكلالة
وتجد الخليفة على شاكلة صنوه في عدم العلم بالكلالة النازلة
في آية الصيف آخر سورة النساء: (يستفتونك‏قل اللّه يفتيكم في
الكلالة ان امرؤ هلك ليس له ولد وله اخت فلها نصف ما ترك)
الاية.
اخرج ائمة الحديث باسناد صحيح رجاله ثقات عن الشعبي قال:
سئل ابو بكر(رضي اللّه عنه) عن الكلالة؟فقال: اني ساقول فيها
برايي فان يك صوابا فمن اللّه وان يك خطا فمني ومن
الشيطان، واللّه ورسوله بريئان‏منه، اراه ما خلا الولد والوالد،
فلما استخلف عمر (رضي اللّه عنه) قال: اني لاستحيي اللّه ان
ارد شيئا قاله‏ابو بكر.
اخرجه((426))سعيد بن منصور، عبدالرزاق، ابن ابي شيبة،
الدارمي في سننه (2/365)، وابن جرير الطبري في‏تفسيره
(6/30)، ابن المنذر، البيهقي في السنن الكبرى (6/223)،
وحكى عنهم السيوط‏ي في الجامع الكبيركما في ترتيبه
(6/20)، وذكره ابن كثير في تفسيره (1/460)، والخازن في
تفسيره (1/367)، وابن القيم في‏اعلام الموقعين (ص‏29).
قال الاميني : هذا رايه الثاني وكان اولا يرى ان الكلالة من لا
ولد له خاصة، وكان يشاركه في رايه هذا عمربن الخطاب ثم
رجعا عنه الى ما سمعت((427)) ثم اختلفا فيها، قال ابن عباس
كنت آخر الناس عهدا بعمر بن‏الخطاب قال: اختلفت انا وابو بكر
في الكلالة والقول ما قلت((428))، وفي صحيحة البيهقي
والحاكم والذهبي‏وابن كثير((429))عن ابن عباس قال: كنت
آخر الناس عهدابعمر فسمعته يقول: القول ما قلت. قلت:
وماقلت؟ قال: قلت: الكلالة ما لا ولد له.
هذا القول كان من عمر لما طعن بعد قوله لما استخلف: اني
لاستحيي ان اخالف فيه ابابكر كما مر. وبعدقوله: اتى علي زمان
لا ادري ما الكلالة، واذا الكلالة من لا اب له ولا ولد((430))،
وبعد هذه كلها قال ما قال‏وهو على ما يقول بصير.
انا لا ادري اين ولت تلك الحائطة التي التزمها الخليفة الاول
في معنى الاب لتلك الحدة والشدة؟ واي سماءاظلته؟ واي
ارض اقلته؟ واين ذهب؟ وكيف صنع لما قال في دين اللّه براي
لا يعرف غيه من رشده، ولايعلمه امن اللّه ام منه ومن
الشيطان؟ وكيف خفيت عليه آية الصيف؟ وقد راى النبي (ص)
فيها الكفاية في‏عرفان الكلالة كما مر (6/127)، وكيف عزب
عنه قوله تعالى (فاسالوا اهل الذكر ان كنتم لا
تعلمون)((431))ولم‏لم يسال ولم يتعلم ولم يعبا باهل الذكر
وهو يعرفه لا محالة؟ فكان الاحكام ليست بتوقيفية، وكانها
منوطة‏بالحظ والنصيب ولكل انسان ما راى، ولو صدقت هذه
الاحلام فيسع كل امرئ ان يفتي برايه فيما يسال‏عنه من
الكتاب والسنة ويقول: ان كان صوابا فمن اللّه، وان كان خطا
فمني ومن الشيطان.
نعم هذا الافتاء بالراي يفتقر الى جراة على اللّه وعلى رسوله،
وتلك لا تتاتى‏لاي احد فتخص لا محالة‏بجماعة دون اخرى،
وكان هذا هو معنى الاجتهاد عند القوم لا استنباط الاحكام من
ادلتها التفصيلية من‏الكتاب والسنة. ومن هنا يرون نظراء
عبدالرحمن بن ملجم قاتل مولانا امير المؤمنين((432)).
وابي الغادية قاتل الصحابي العظيم عمار بن ياسر سلام اللّه
عليه((433)).
ومعاوية بن ابي سفيان قاتل آلاف من الابرياء والازكياء((434)).
وعمرو بن النابغة، العاصي ابن العاصي((435)).
وخالد بن الوليد، قاتل مالك ظلما والزاني بامراته((436)).
وطلحة والزبير((437))، الخارجين على الامام الحق الثابت
امامته بالنص والاختيار. ويزيد الخمور والفجورصاحب الطامات
والصحائف السوداء((438)).
مجتهدين في دين اللّه متاولين في تلكم الاراء الشاذة عن حكم
الاسلام وشرعة الحق، ماجورين في تلك‏المظالم العادية. وقال
ابن حجر في الاصابة (4/151): والظن بالصحابة في تلك
الحروب انهم كانوا فيهامتاولين وللمجتهد المخطئ اجر، واذا
ثبت هذا في حق آحاد الناس فثبوته للصحابة بالطريق
الاولى.انتهى.
مرحبا مرحبا بهذا الدين، وبخ بخ ما اكثر المجتهدين من امة
محمد (ص) حتى‏اصبحت غوغاء الشام، وطغام‏الامة، وحثالة
الاعراب، واجلاف الاحزاب، وابناء الطلقاء مجتهدين متاولين.
وزه زه باولئك المتحلين بابراد الاجتهاد جراثيم الفساد، قتلة
الصفوة الابرار، الهاجمين على ناموس الاسلام،وقدس صاحب
الرسالة، الخارجين عن طوع الكتاب والسنة، الفئة الباغية
الطاغية، المدربين بالشروالفساد وبغض العترة الطاهرة تحت
راية الطليق ابن الطليق، اللعين ابن اللعين بلسان النبي
الاعظم((439))،صدق رسول‏اللّه(ص) في قوله: «آفة الدين
ثلاثة: فقيه فاجر، وامام جائر، ومجتهد جاهل‏»((440)).
وحسب الاسلام عارا وشنارا اولئك الاعلام اصحاب هذه الاراء
المضلة والاقلام المسمومة التي تنزه‏ساحة المجرمين عن
دنس الفجور والنفاق، وتجعل المحسن والمسي‏ء والمبطل
والمحق، والطيب والخبيث،عكمي((441)) بعير، وتضل الامة
عن رشدها بامثال هذه الكلم التافهة، والدعاوى الفارغة، والاراء
الساقطة،وتصغر في عين المجتمع الديني تلكم الجنايات
العظيمة على اللّه وعلى رسوله وكتابه وسنته وخليفته
وعترته‏ومواليهم. (كبرت كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا
كذبا)((442)). (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره # ومن‏يعمل‏مث
قال ذرة شرا يره)((443)).
واول من فتح باب التاويل والاجتهاد، وقدس ساحة المجرمين
بذينك، وحابى رجال الجرائم والمعرات بهماهو الخليفة الاول،
فقد نزه بهذا العذر المفتعل ذيل خالد ابن الوليد عن دنس آثامه
الخطيرة، ودرا عنه‏الحدبذلك كما سنوقفك على تفصيله ان
شاء اللّه تعالى.
هذا انموذج من تقد م الخليفة في علم التفسير على قلة ما
روي عنه في ذلك. قال الحافظ جلال الدين‏السيوط‏ي في
الاتقان((444)) (2/328):
اشتهر بالتفسير من الصحابة عشرة: الخلفاء الاربعة، وابن
مسعود، وابن عباس، وابي بن كعب، وزيد بن‏ثابت، وابوموسى
الاشعري، وعبداللّه بن الزبير. اما الخلفاء فاكثر من روي عنه
منهم علي بن ابي طالب،والرواية عن الثلاثة نزرة جدا، وكان
السبب في ذلك تقدم وفاتهم، كما ان ذلك هو السبب في قلة
رواية ابي‏بكر (رضي اللّه عنه) للحديث، ولا احفظ عن ابي بكر
(رضي اللّه عنه) في التفسير الا آثارا قليلة جدا لاتكاد تجاوز
العشرة.
واما علي فروي عنه الكثير، وقد روى معمر، عن وهب بن
عبداللّه، عن ابي الطفيل قال: شهدت عليايخطب‏وهو يقول:
«سلوني فواللّه لا تسالون عن شي‏ء الا اخبرتكم، وسلوني عن
كتاب اللّه، فواللّه ما من آية الاوانا اعلم ابليل نزلت ام بنهار، ام
في سهل ام في جبل‏».
واخرج ابونعيم في الحلية((445)) عن ابن مسعود قال: ان
القرآن انزل على سبعة احرف ما منها حرف الا وله‏ظهر وبطن،
وان علي بن ابي طالب عنده منه الظاهر والباطن.
واخرج((446)) ايضا من طريق ابي بكر بن عياش، عن نصير بن
سليمان الاحمسي، عن ابيه، عن علي قال:«واللّه ما نزلت آية الا
وقد علمت فيم انزلت واين انزلت، ان ربي وهب لي قلبا عقولا
ولسانا سؤولا».
قال الاميني : ما هذا التهافت في كلام السيوط‏ي هذا؟ الا
مسائل الرجل عن ان‏الذي لم يجد له هو نفسه وهوذلك
المتتبع الضليع عشرة احاديث في علم التفسير، كيف عده
ممن اشتهر بالتفسير من الصحابة؟ نعم راقه‏الا يفرق بينه وبين
مولانا امير المؤمنين وقد روى فيه ما روى ذاهلا عن قوله
تعالى: ( هل يستوي الذين‏ى‏علمون والذين لا
يعلمون)((447)).
تقدم الخليفة في السنة :
اما تقدمه في السنة فكل ما اثبته عنه امام الحنابلة احمد في
المسند((448))(1/2 14) ثمانون حديثا، ويربوالمتكرر منها
على العشرين، فلم يصف منها الا ما يقرب الستين حديثا، وقد
التقط ما في مسنده من اكثر من‏سبعمائة وخمسين الف
حديث، وكان يحفظ الف الف حديث((449)).
وجمع ابن كثير بعد جهود جبارة احاديثه في اثنين وسبعين
حديثا وسمى مجموعه: مسند الصديق((450)).
واستدرك ما جمعه ابن كثير جلال الدين السيوط‏ي بعد تصعيد
وتصويب ومع تضلع واحاطة بالحديث،فانهى احاديثه الى مائة
واربعة، وذكرها برمتها في تاريخ الخلفاء((451)) (ص‏59 64).
وقد يروى ان له مائة واثنين واربعين حديثا اتفق الشيخان على
ستة احاديث‏منها. وانفرد البخاري باحدعشر، ومسلم
بواحد((452)).
وفي وسع الباحث المناقشة في غير واحد من تلك الاحاديث
سندا او متنا، فان من جملتها ما ليس بحديث‏وانما هو قول قاله
كقوله للحسن السبط سلام اللّه عليه:بابي شبيه بالنبي ليس
شبيها بعلي.
وقوله: شاور رسول اللّه في امر الحرب.
وقوله: ان رسول اللّه (ص) اهدى جملا لابي جهل.
ومنها ما هو محكوم عليه بالوضع، او يخالف الكتاب والسنة،
ويكذبه العقل والمنطق والطبيعة مثل قوله:
1 لو لم ابعث فيكم لبعث عمر.
2 وقوله: ما طلعت الشمس على رجل خير من عمر.
3 وقوله: ان الميت ينضح عليه الحميم ببكاء الحي.
4 وقوله: انما حر جهنم على امتي مثل الحمام.
اما الاول فله عدة طرق لا يصح شي‏ء منها. الطريق الاول لابن
عدي((453)) وفي اسناده:
1 زكريا بن يحيى الوكار. احد الكذابين الكبار، مرت ترجمته
في سلسلة الكذابين في‏الجزء الخامس(ص‏230).
2 بشر بن‏بكر.قال‏الازدي: منكر الحديث ولا
يعرف.لسان‏الميزان((454))(2/20).
3 ابو بكر بن عبداللّه بن ابي مريم الغساني. قال
احمد((455)): ضعيف، كان عيسى بن يونس لايرضاه، وعن‏ابي
داود عن احمد: انه ليس بشي‏ء. وقال ابو حاتم((456)): سالت
ابن معين عنه فضعفه. وقال ابو زرعة:ضعيف منكر الحديث.
وقال ابوحاتم: ضعيف الحديث طرقه لصوص فاخذوا متاعه
فاختلط((457)). وقال‏الجوزقاني: ليس بالقوي. وقال
النسائي((458)): ضعيف. وقال ابن سعد((459)): كان كثير
الحديث ضعيفا. وقال‏الدارقطني: متروك((460)).
الطريق الثاني لابن عدي ايضا، وفي اسناده:
1 مصعب بن سعيد، ابو خيثمة المصيصي. قال ابن
عدي((461)): يحدث عن‏الثقات بالمناكير ويصحف.
وقال:والضعف على رواياته بين. وقال ابن حبان((462)): كان
مدلسا، وقال صالح جزرة: شيخ ضرير لا يدري مايقول. وذكر
الذهبي له احاديث فقال: ما هذه الامناكير وبلايا((463)).
2 عبداللّه بن واقد. قال ابن عدي والجوزقاني
والنسائي((464)): متروك‏الحديث.وقال غيرهما: ليس
بشي‏ء.وقال الازدي: عنده مناكير. وقال احمد((465)): اظنه
كان يدلس. وقال ابو زرعة: ضعيف الحديث لا يحدث‏عنه. وقال
البخاري((466)): تركوه، منكر الحديث. وقال ابن
حبان((467)): وقع المناكير في حديثه فلا يجوزالاحتجاج
بخبره. وقال صالح جزرة‏ضعيف مهين. وقال ابو احمد الحاكم:
حديثه ليس بالقائم((468)).
3 مشرح بن عاهان((469)). قال ابن عدي((470)) وابن
حبان((471)): لا يحتج به. وقال غيرهما: يروي عن
عقبة‏مناكير لا يتابع عليهما. وقال آخرون: الصواب ترك ما
انفرد به((472)).
اورده بهذين الطريقين ابن الجوزي في الموضوعات((473))
فقال: هذان حديثان لا يصحان عن رسول اللّه(ص)، اما الاول:
فان زكريا بن يحيى كان من الكذابين. قال ابن عدي((474)):
كان يضع الحديث. واما الثاني:فقال احمد ويحيى((475)):
عبداللّه بن واقد ليس بشي‏ء. وقال النسائي: متروك. وقال ابن
حبان: انقلبت‏على‏مشرح صحائفه فبطل الاحتجاج به. انتهى
. ((476))
الطريق الثالث: لابي العباس الزوزني في كتاب شجرة العقل
بلفظ: لو لم ابعث لبعثت يا عمر، وفي اسناده:
1 عبداللّه بن واقد. وقد مر في الطريق الثاني.
2 راشد بن سعد الحمصي، ذكر الحاكم ان الدارقطني ضعفه،
وكذا ضعفه ابن حزم، وذكر البخاري((477))انه‏شهد صفين
مع معاوية((478))، فالرجل من الفئة الباغية بنص من النبي
الاعظم، وذكره الصغاني فقال:موضوع. كما في كشف الخفاء
(2/163).
الطريق الرابع للديلمي((479)): عن ابي هريرة بلفظ: لولم
ابعث فيكم لبعث عمر.
ايد اللّه عمر بملكين يوفقانه ويسددانه، فاذا اخطا صرفاه حتى
يكون صوابا.
في اسناده: اسحاق بن نجيح الملط‏ي ابو صالح الازدي. قال
احمد((480)): من اكذب الناس. وقال ابن
معين((481)):كذاب عدو اللّه رجل سوء خبيث. كان ببغداد قوم
يضعون الحديث منهم اسحاق الملط‏ي. وقال ابن ابي مريم‏عنه:
من المعروفين بالكذب ووضع الحديث. وقال علي بن المديني:
ليس بشي‏ء وضعفه، روى‏عجائب. وقال‏عمر بن علي: كذاب كان
يضع الحديث. وقال الجوزقاني: غير ثقة ولا من اوعية الامانة،
وقال: كذاب‏وضاع لا يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه
ويجب بيان امره. وقال‏الجهضمي
والبخاري((482)):منكرالحديث. وقال‏النسائي((483)): كذاب
متروك الحديث.
وقال ابن عدي((484)): احاديثه موضوعات وضعها هو وعامة
ما اتى عن ابن جريج بكل منكر ووضعه عليه،وهو بين الامر في
الضعفاء، وهو ممن يضع الحديث. وقال ابن حبان((485)):
دجال من الدجاجلة يضع الحديث‏صراحا. وقال البرقي: نسب
الى الكذب. وقال ابو سعيد النقاش: مشهور بوضع الحديث.
وقال ابن طاهر:دجال كذاب. وقال ابن الجوزي: اجمعوا على
انه كان يضع الحديث((486)).
قال الديلمي بعد ذكر الحديث بالطريق المذكور: وتابعه راشد
بن سعد عن المقدام بن معدي كرب عن ابي‏بكر الصديق واللّه
اعلم.
قال الاميني : عرفت في الطريق الثالث ضعف راشد، وان
الصغاني حكم على حديثه هذا بالوضع، واقره‏العجلوني وزيفه
في كشف الخفاء (2/154، 163). وذكره السيوط‏ي في اللالئ
المصنوعة في الاحاديث‏الموضوعة (1/302) غير انه عده بهذا
الطريق الوعر في تاريخ الخلفاء((487)) من احاديث ابي بكر،
ولاتخفى‏عليه تراجم هؤلاء الرجال امثال اسحاق الملط‏ي. نعم،
راقه ان يكثر عدد احاديث الخليفة ولو بمثل‏هذا، وقد حذف
الاسانيد منها حتى لا يقف القارئ على ما فيها من الوضع
والاختلاق واللّه من ورائه‏حسيب.
اما الحديث الثاني :
فاخرجه الحاكم في المستدرك((488)) (3/90) باسناده عن
عبداللّه بن داود الواسط‏ي‏التمار عن عبدالرحمن ابن‏اخي
محمد بن المنكدر، عن محمد بن المنكدر، عن جابر(رضي اللّه
عنه) قال: قال عمر بن الخطاب ذات يوم‏لابي بكر الصديق غ: يا
خير الناس بعد رسول اللّه، فقال ابو بكر: اما انك ان قلت ذلك
سمعت رسول اللّه(ص) يقول: ما طلعت الشمس على رجل خير
من عمر.
عقبه الذهبي في تلخيص المستدرك فقال: قلت: عبداللّه
ضعفوه، وعبدالرحمن متكلم فيه، والحديث شبه‏موضوع. وقال
في ميزان الاعتدال((489)) (2/123): رواه عبداللّه بن داود
التمار وهو هالك، عن عبدالرحمن ابن‏اخي محمد [بن]
المنكدر لا يكاد يعرف، ولا يتابع على حديثه، وقال
الترمذي((490)): ليس اسناده بذلك.
قال الاميني : اما عبداللّه بن داود التمار فقال البخاري((491)):
فيه نظر. وقال ابوحاتم((492)) ليس بقوي، في حديثه‏مناكير.
وقال الحاكم ابو احمد: ليس بالمتين عندهم، وقال
النسائي((493)): ضعيف. وقال ابن حبان((494)):
منكرالحديث جدا يروي المناكير عن المشاهير، لا يجوز
الاحتجاج بروايته. وقال الدارقطني: ضعيف((495)).
واما عبدالرحمن فقال يحيى بن معين: ما اعرف عبدالرحمن.
فقراه ابراهيم بن الجنيد الحديث، فقال يحيى: مااعرف
عبدالرحمن. وانكر الحديث ولم يعرفه((496)).