جاء العلامة‏الحريفيش في القرن الثامن واتى في كتابه الروض
الفائق (ص‏388) بحديث مختلق في فضيلة‏مولانا امير
المؤمنين وابي بكر وجعل هذه الرواية في فضل ابي بكر عن
لسان علي (ع)، قال :روى‏ابوهريرة: ان ابا بكر الصديق وعلي بن
ابي طالب غ قدما يوما الى حجرة رسول اللّه (ص) فقال
:علي‏لابي بكر غ: تقد م فكن اول قارع يقرع الباب والح عليه،
فقال ابو بكر: تقدم انت يا علي، فقال علي:ما كنت بالذي يتقدم
على رجل سمعت رسول اللّه (ص) يقول في حقه: ما طلعت
الشمس ولا غربت من‏بعدي على رجل افضل من ابي بكر
الصديق. فقال ابو بكر:ما كنت بالذي يتقدم على رجل قال في
حقه‏رسول اللّه (ص): اعطيت خير النساء لخير الرجال. الى
آخره. وفيه مناقب ست‏لابي بكر، على لسان علي‏وكذلك لعلي
على لسان ابي بكر لم يذكر السيوط‏ي شيئا منها في عد احاديث
ابي بكر مع اهتمامه باكثارعددها وذلك لبداهة الكذب فيه،
وركة لفظه، ووضوح الاختلاق في معانيه والفاظه، وظهور
التهافت بين‏جمله كما ترى. نعم لكل من الوضاعين في وضع
الحديث ذوق، ولكل واحد منهم طريقة وسليقة، وليس‏امرهم
سلكى((497)).
اما الحديث الثالث :
فمن المنكر الواضح وهو لدة ما سبق عن عمر في الجزء
السادس صفحة (162) من قوله: ان الميت يعذب‏ببكاء الحي.
وقد انكرته عليه عائشة، وهو مخالف للكتاب المجيد حيث
يقول: ( ولاتزر وازرة وزراخرى)((498))، وامثالها، وقد فصلنا
القول فيه تفصيلا في الجزء السابق فراجع (ص‏159 167).
ومخالف للعدل، فان تعذيب اي احد لما اجترحه غيره من سيئة
بعد تسليم كون البكاء عليه سيئة آيرفضه ناموس العدل
الالهي، وتلفظه العقول السليمة، ويتوجه الى قائله اللوم من كل
ذي مسكة، تعالى اللّهعما يقولون علوا كبيرا.
اما الحديث الرابع انما حر جهنم على امتي مثل الحمام:
فانه اشبه شي‏ء بمخاريق المعتوهين، او من يريد تحطيما من
عظمة امر المولى سبحانه، او اغراء لبسطاء الامة‏على اقتحام
الجرائر، بحسبان ان حر الجحيم الشديد الذي اوقده المنتقم
الجبار للعصاة عامة لا يصيب هذه‏الامة، وانما هو للامم السابقة
ومن لم يعتنق الاسلام من الموجودين، وانت اذا تاملت في: (
نار اللّه الموقدة #التي تطلع على الافئدة)((499))، (التي وقودها
الناس والحجارة)((500))، ( يوم يحمى عليها في نار جهنم
فتكوى‏بها جباههم وجنوبهم)((501))، (واذا الجحيم
سعرت)((502))، (و برزت الجحيم لمن يرى)((503))، ( ترمي
بشرركالقصر # كانه جمالة صفر)((504))، ( كلا انها
لظ‏ى # نزاعة للشوى)((505))، (يوم يسحبون في النار على
وجوههم ذوقوا مس سقر)((506))، (وما ادراك ما سقر# لا تبقي
ولا تذر # لواحة للبشر # عليها تسعة عشر)((507))، قالوا (ما
سلككم في سقر # قالوا لم نك من‏المصلين # ولم نك نطعم
المسكين # وكنا نخوض مع الخائضين)((508))، ( ان شجرة
الزقوم # طعام الاثيم #كالمهل يغلي في البطون # كغلي
الحميم)((509)).
او تاملت فيما هدد به المولى سبحانه المتثاقلين عن النفر
للجهاد في الحر بقوله: (قل نار جهنم اشد حرا لوكانوايف
قهون)((510)) ومن ياكل اموال اليتامى بقوله: (انما ياكلون في
بطونهم نارا وسيصلون سعيرا)((511))الى كثيرمن امثال هذه
لا ترتاب في ان الامم كلها بالنسبة اليها شرع سواء، بل ان توجيه
تلكم الخطابات الى الامة‏المرحومة المعنية بالتهذيب وايقافها
عن المعصية بالتهديد اولى من توجيهها الى الامم البائدة
التي‏جرى‏عليها ما جرى من عاقبة طاعة، اومغبة عصيان،
فذهبوا رهائن اعمالهم، وبه يتم اللطف، وتحسن‏التربية، وهو
الذي كان يبكي الصالح، ويفجع المتقين، ويدر عبرات الاولياء،
ويجعل سيدهم امير المؤمنين‏يتململ في جنح الليل البهيم
تململ السليم قابضا على لحيته، يبكي بكاء الحزين وهو يقول:
«يا ربنا! يا ربنا! يتضرع اليه ثم يقول للدنيا: الي تغررت؟ الي
تشوقت؟ هيهات هيهات، غري غيري‏قد بتتك ثلاثا، فعمرك
قصير، ومجلسك حقير، وخطرك يسير، آه آه من قلة الزاد،
وبعد السفر، ووحشة‏الطريق‏»((512)).
ثم اي مشابهة بين ذلك اللهب المصطلم وبين الحمام الذي لا
يكون الحر فيه الا صحيا، تزاح به الاوساخ،وتعرق به الابدان،
وترفع به الاتعاب، وترتاح به الاجسام؟ وهل يهدد بمثله عصاة
البشر الذي خلق‏ظلوما جهولا جموحا، البشر الذي هذا عقله
ورشده وحديثه؟
غاية جهد الباحث
هذه غاية جهد الباحث عن علم الخليفة بالسنة وهذه سعة
اطلاعه عليها،
فنحن اذا قسنا مجموع ما ورد عن الخليفة من الصحيح
والموضوع في التفسير والاحكام والفوائد من المائة‏واربعة
احاديث او المائة واثنين واربعين حديثا الى ما جاء عن النبي
الاقدس من السنة الشريفة لتجدهاكقطرة من بحر لجي، لا
تقام بها قائمة للاسلام، ولا تدعم بها اي دعامة للدين، ولا تروى
بها غلة صاد، ولاتنحل بها عقدة اية مشكلة. هذا ابو هريرة، وانس
بن مالك، وعبداللّه بن عمر، وعبداللّه بن العباس، وعبداللّهبن
عمرو بن العاص، وعبداللّه بن مسعود، و و و يروون آلافا من
السنة النبوية، فقد اخرج تقي بن مخلد في‏مسنده من حديث
ابي هريرة فحسب خمسة آلاف وثلاثمائة حديث
وكسرا((513))، وابو هريرة لم يصحب‏النبي الا ثلاث سنين.
وهذا احمد بن الفرات كتب الف الف وخمسمائة الف حديث،
وانتخب منها ثلاثمائة الف في التفسير والاحكام‏والفوائد.
خلاصة التهذيب((514)) (ص‏9).
وهذا حرملة بن يحيى ابو حفص المصري صاحب الشافعي
يروي عن طريق‏ابن وهب فحسب مائة الف‏حديث. خلاصة
التهذيب((515)) (ص‏63).
وهذا ابو بكر الباغندي يجيب عن ثلاثمائة الف مسالة في حديث
رسول اللّه(ص). تاريخ بغداد (3/210).
وهذا الحافظ روح بن عبادة القيسي له اكثر من مائة الف
حديث. ميزان الاعتدال((516))(1/342).
وهذا الحافظ مسلم صاحب الصحيح عنده ثلاثمائة الف حديث
مسموعة. طبقات الحفاظ((517))(2/151).
وهذا الحافظ ابو محمد عبدان الاهوازي يحفظ مائة الف حديث.
تاريخ ابن عساكر((518))(7/288).
وهذا الحافظ ابو بكر بن الانباري يحفظ ثلاثمائة الف بيت شاهد
في القرآن، وكان يحفظ مائة وعشرين‏تفسيرا باسانيدها. شذرات
الذهب((519)) (2/316).
وهذا الحافظ ابو زرعة حفظ مائة الف حديث كما يحفظ الانسان
قل هو اللّه احد، ويقال: سبعمائة الف‏حديث. تاريخ ابن
كثير((520))(11/37)، تهذيب التهذيب((521))(7/33).
وهذا الحافظ ابن عقدة يجيب في ثلاثمائة الف حديث من
حديث اهل البيت(ع) وبني هاشم حدث بها عنه‏الدارقطني.
تذكرة الحفاظ((522)) (3/56).
وهذا الحافظ ابو العباس احمد بن منصور الشيرازي كتب عن
الطبراني‏ثلاثمائة الف حديث. تذكرة‏الحفاظ((523)) (3/122).
وهذا الحافظ ابو داود السجستاني كتب عن النبي (ص)
خمسمائة الف حديث. تذكرة الحفاظ((524))(2/154).
وهذا عبداللّه ابن امام الحنابلة احمد سمع من ابيه مائة الف
وبضعة احاديث. طبقات الحفاظ((525))(2/214).
وهذا ثعلب البغدادي سمع من القواريري مائة الف حديث.
طبقات الحفاظ((526))(2/ 214).
وهذا ابو داود الطيالسي يملي من حفظه مائة الف حديث.
شذرات الذهب((527))(2/12).
وهذا ابو بكر الجعابي يحفظ اربعمائة الف حديث باسانيدها
ومتونها ويذاكر ستمائة الف حديث، ويحفظ من‏المراسيل
والمقاطيع والخطابات قريبا من ذلك. تاريخ ابن كثير((528))
(11/261).
وهذا امام الحنابلة احمد عنده اكثر من سبعمائة وخمسين الفا.
راجع آخر الجزء الاول من مسنده((529)).
وهذا الحافظ ابو عبداللّه الختلي يحدث من حفظه بخمسين
الف حديث. تاريخ ابن كثير((530))(11/217).
وهذا يحيى بن يمان العجلي يحفظ عن سفيان اربعة آلاف
حديث في التفسير فقط. تاريخ بغداد (14/122).
وهذا الحافظ ابن ابي عاصم يملي من ظهر قلبه خمسين الف
حديث بعد ماذهبت كتبه. تذكرة‏الحفاظ((531))(2/194).
وهذا الحافظ ابو قلابة عبدالملك حدث من حفظه ستين الف
حديث. طبقات الحفاظ((532))(2/143).
وهذا ابوالعباس السراج كتب لمالك سبعين الف مسالة. تاريخ
بغداد (1/251).
وهذا الحافظ ابن راهويه يملي سبعين الف حديث من حفظه.
تاريخ ابن عساكر((533)) (2/413).
وهذا الحافظ اسحاق الحنظلي يحفظ سبعين الف حديث. تاريخ
الخطيب (6/352).
وهذا اسحاق بن بهلول التنوخي يحدث من حفظه خمسين
الف حديث. تاريخ الخطيب (6/368).
وهذا محمد بن عيسى الطباع كان يحفظ نحوا من اربعين الف
حديث. تاريخ بغداد (2/396).
وهذا الحافظ ابن شاهين يكتب من حفظه بعد ما ذهبت كتبه
عشرين او ثلاثين الف حديث. تاريخ بغداد(11/268).
وهذا الحافظ يزيد بن هارون يحفظ اربعة وعشرين الف حديث
باسنادها. شذرات الذهب((534))(2/16).
فهلم معي نر ان اسلاما هذه سعة نطاق علمه، وكثرة طقوسه
وسننه، وغزارة فنونه وعلومه، ونبيا هذاحديثه وسنته، وهذه
ودائعه المصلحة لامته، وهذا شان الاعلام امناء ودائع العلم
والدين، وهذه سيرة‏حفظة السنة الشريفة، كيف يجب ان
يتحلى خليفة ذلك النبي الاقدس بابراد علوم الكتاب والسنة؟
وكيف‏يحق ان يكون حاملا لاعباء علوم مستخلفه ومعالمه، وارثا
مثره وآثاره؟ افهل يقتصر منه على مائة‏واربعة احاديث؟ او تقبل
الامة المسكينة او تجديها هذه الكمية اليسيرة من ذلك
الحوش الحائش؟ اويسدذلك الفراغ، ويمث ل تلك العلوم
الاسلامية الجمة من هذا شانه وشعاره، وهذه سيرته وسنته،
وهذاعلمه وحديثه؟ او يتلقى بالقبول عذر المدافع عن الخليفة
بان قلة حديثه لقصر مدة خلافته؟
اي صلة بين قصر العمر بعد النبي(ص) وقلة الرواية؟ فان رواة
الاحاديث على العهد النبوي ما كان حجرعليها، ولم يكن عقال
في السن اولئك الصحابة الاولين، ولا على الافواه اوكية عن
بث العلم من الكتاب‏والسنة طيلة حياة النبي الاقدس.
ولم يكن المكثرون من الرواية قصروا احاديثهم على ما بعد
ايامه (ص)، فقلة حديث الرجل ان هي الا لقلة‏تلقيه، وقصر
حفظه، انما الاناء ينضح بما فيه، والاوعية اذا طفحت فاضت.
ثم انى يسوغ للخليفة ان تثقله اعباء الخلافة، وتعييه معضلات
المسائل ويتترس بمثل قوله: اي سماء تظلني.الخ؟ او قوله:
ساقول فيها برايي.
او يخطب بعد ايام قلائل من خلافته وقد احرجته المواقف،
ويتطلب الفوز منها بقوله: لوددت ان هذا كفانيه‏غيري، ولئن
اخذتموني بسنة نبيكم (ص) لا اطيقها، ان كان لمعصوما من
الشيطان، وان كان لينزل عليه‏الوحي من السماء((535)).
او بقوله: اما واللّه ما انا بخيركم، ولقد كنت لمقامي هذا كارها،
ولوددت ان فيكم من يكفيني، افتظنون اني‏اعمل فيكم بسنة
رسول اللّه (ص)؟ اذن لا اقوم بها. ان رسول اللّه كان يعصم
بالوحي، وكان معه ملك،وان‏لي شيطانا يعتريني، فاذا غضبت
فاجتنبوني ان لا اؤثر في اشعاركم وابشاركم، الا فراعوني
فان‏استقمت فاعينوني وان زغت فقوموني.
وفي لفظ ابن سعد: الا وان ما انا بشر ولست بخير من احد منكم
فراعوني، فاذا رايتموني استقمت فاتبعوني‏وان رايتموني زغت
فقوموني، واعلموا ان لي شيطانا يعتريني، فاذا رايتموني غضبت
فاجتنبوني لا اؤثر في‏اشعاركم وابشاركم((536)).
او بقوله: اني وليت عليكم ولست بخيركم، فان رايتموني على
الحق فاعينوني وان رايتموني على الباطل‏فسددوني((537)).
وفي لفظ ابن الجوزي في صفة الصفوة((538)) (1/98): قد
وليت امركم ولست بخيركم، فان احسنت فاعينوني،وان زغت
فقوموني.
وهل الخليفة حري بان ترعاه امته ورعيته فتعينه وتسدده
وتقومه عند الخطا والزيغ؟ وكيف لا يؤاخذالخليفة بالسنة وهو
وارث علم النبي وحامل سنته؟ وقد اكمل اللّه دينه واوحى الى
نبيه ما تحتاج اليه امته،وبلغ (ص) كل ما جاء حتى حق له ان
ينهى عن الراي والقياس في دين اللّه، او يقول: «ما تركت شيئا
مماامركم اللّه به الا وقد امرتكم به، ولا تركت شيئا مما نهاكم
عنه الا وقد نهيتكم عنه‏»((539)).
وقد فتح الخليفة لقصر باعه في علوم الكتاب والسنة باب القول
بالراي بمصراعيه بعدما سده النبي الاعظم‏على امته، ولم تكن
عند الخليفة مندوحة سواه، قال ابن سعد في
الطبقات((540))، وابو عمر في كتاب‏العلم((541))(2/51)،
وابن القيم في اعلام الموقعين((542)) (ص‏19): ان ابا بكر
نزلت به قضية فلم يجد في كتاب اللّهمنها اصلا، ولا في السنة
اثرا، فاجتهد رايه ثم قال: هذا رايي فان يكن صوابا فمن اللّه، وان
يكن خطا فمني‏واستغفر اللّه. وذكره السيوط‏ي في تاريخ الخلفاء
عن ابن سعد((543))(ص‏71).
وقال ميمون بن مهران: كان ابو بكر اذا ورد عليه الخصم فان
وجد في الكتاب او علم من رسول اللّه مايقضي بينهم قضى به،
فان اعياه خرج فسال‏المسلمين وقال: اتاني كذا وكذا فهل
علمتم ان رسول اللّه قضى‏في‏ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع اليه
النفر كلهم يذكر من رسول اللّه (ص) فيه قضاء، فيقول ابو بكر:
الحمد للّهالذي جعل فينا من يحفظ على نبينا، فان اعياه ان
يجد فيه سنة من رسول اللّه (ص) جمع رؤوس الناس‏وخيارهم
فاستشارهم فاذا اجتمع رايهم على امر قضى به((544)).
هكذا كان شان الخليفة في القضاء، وهذا مبلغ علمه، وهذه
سيرته في العمل بالراي المجرد وقد قال عمر بن‏الخطاب:
اصبح اهل الراي اعداء السنن اعيتهم الاحاديث ان يعوها،
وتفلتت منهم ان يرووها، فاشتقواالراي، ايها الناس ان الراي انما
كان من رسول اللّه مصيبا، لان اللّه كان يريه، وانما هو
مناالظن‏والتكلف((545)).
ثم ما المسوغ لمن سد فراغ النبي واشغل منصته ان يسال
الناس عن السنة الشريفة، وياخذها ممن هوخليفة عليه؟ ولماذا
خالف سيرته هذه لما سئل عن الاب والكلالة وترك سؤال
الصحابة واستشارتهم فافتى‏برايه ما افتى، وقال بحريته ما قال.
وفيما اتفق لابي بكر من القضايا غير ما مر مع قلته غنية وكفاية
في عرفان مبلغ علمه، واليك منها:
(1) راي الخليفة في الجدة
عن قبيصة بن ذؤيب قال: جاءت الجدة الى ابي بكر الصديق
(رضي اللّه عنه) تساله عن ميراثها، فقال لهاابو بكر: مالك في
كتاب اللّه شي‏ء، وما علمت لك في سنة رسول اللّه(ص) شيئا
فارجعي حتى اسال الناس.فقال المغيرة بن شعبة: حضرت
رسول اللّه(ص)اعطاها السدس. فقال ابو بكر: هل معك غيرك؟
فقام محمدبن مسلمة الانصاري فقال مثل ما قال المغيرة.
فانفذه لها ابو بكر (رضي اللّه عنه). الحديث((546)).
فانظر الى ما عزب عنه علم الخليفة في مسالة تكثر بها البلوى
ويطرد الحكم فيها، حتى اضطرته الحاجة‏الى الركون الى رواية
مثل المغيرة ازنى ثقيف واكذب الامة((547))، وكان من
تغييره للسنة ولعبه بها انه‏صلى‏صلاة العيد يوم عرفة مخافة ان
يعزل سنة اربعين((548))، وكان ينال من امير المؤمنين (ع)
كلما رقى صهوة‏المنبر((549)).
(2) راي الخليفة في الجدتين
عن القاسم بن محمد انه قال: اتت الجدتان الى ابي بكر الصديق
(رضي اللّه عنه) فاراد ان يجعل السدس للتي‏من قبل الام، فقال
له رجل من الانصار: اما انك تترك التي لو ماتت وهو حي كان
اياها يرث، فجعل ابوبكر السدس بينهما.
لفظ آخر :
ان جدتين اتتا ابا بكر الصديق (رضي اللّه عنه) ام الام وام الاب،
فاعط‏ى الميراث ام الام دون ام الاب، فقال‏له عبدالرحمن بن
سهيل سهل اخو بني حارثة: يا خليفة رسول‏اللّه لقد اعطيت
التي لو انها ماتت لم‏يرثها. فجعله ابو بكر بينهما يعني، السدس.
راجع((550)) موطا مالك (1/335)، سنن البيهقي (6/235)،
بداية المجتهد (2/344)، الاستيعاب (2/400)،الاصابة (2/402)
وقال: رجاله ثقات، كنز العمال (6/6) نقلا عن مالك، وسعيد بن
منصور، وعبد الرزاق،والدارقطني، والبيهقي.
قال الاميني : اولا تعجب من جهل الرجل بحكم ارث الجدتين،
وسرعة انقلابه عما ارته اولا بنقد رجل من‏الانصار او اخي بني
حارثة؟ وكان ذلك النقد يستدعي حرمان الجدة من قبل الام
لكنه شركهما في الميراث‏واتخذته الفقهاء مصدرا لحكمهم،
واصل الحكم ماخوذ من رواية المغيرة المخصوصة بالجدة
الواحدة فانظرواعتبر.
واما راي الرجل الانصاري في الجدة الذي زحزح الخليفة عن
حكمه فلم يكن اخذا بالكتاب والسنة بل‏كان مخالفا لهما وفقا
لقول الشاعر:
بنونا بنو ابنائنا وبناتنا
بنوهن ابناء الرجال الاباعد
فخص القوم به قول اللّه تعالى: (يوصيكم اللّه في اولادكم للذكر
مثل حظ
الانثيين)((551))لعقب الابناء دون من عقبته البنات، وذهبوا
الى عدم شمول احكام الاولاد في الفروض‏وغيرها على وليد
بنت الرجل محتجين بقول الشاعر.
قال ابن كثير في تفسيره (2/155): قالوا: اذا اعط‏ى الرجل بنيه
او وقف عليهم فانه يختص بذلك بنوه لصلبه‏وبنو بنيه واحتجوا
بقول الشاعر:
بنونا بنو ابنائنا وبناتنا
بنوهن ابناء الرجال الاباعد
وقال البغدادي في خزانة الادب((552)) (1/300): هذا البيت لا
يعرف قائله مع شهرته في كتب النحاة‏وغيرهم. قال العيني: هذا
البيت استشهد به النحاة على جواز تقديم الخبر، والفرضيون
على دخول ابناءالابناء في الميراث، وان الانتساب الى الاباء،
والفقهاء كذلك في الوصية، واهل المعاني والبيان في التشبيه،
ولم‏ار احدا منهم عزاه الى قائله.
وقال: رايت في شرح الكرماني في شواهد شرح الكافية
للخبيصي((553))انه قال: هذا البيت قائله ابو فراس‏همام
الفرزدق بن غالب((554)) ثم ترجمه واللّه اعلم بحقيقة الحال.
انتهى.
سبحانك اللهم ما اجراهم على هذا الراي السياسي في دين
اللّه لاخراج آل اللّه عن بنوة رسول اللّه(ص)! ما قيمة قول الشاعر
تجاه قول اللّه تعالى (فقل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا
ونساءكم)((555))فهونص صريح على ان الحسنين السبطين
ابني النبي الاقدس.
وقد سمى اللّه سبحانه اسباط نوح ذرية له، وليست الذرية الا
ولد الرجل كما في القاموس((556))(2/34) فقال‏سبحانه:
(ومن ذريته داود وسليمان الى قوله : ويحيى
وعيسى)((557)) فعد عيسى من ذرية نوح وهو ابن‏بنته مريم.
قال الرازي في تفسيره((558))، (2/488): هذه الاية يعني
آية قل تعالوا دالة على ان الحسن والحسين(ع)كانا ابني
رسول اللّه (ص)، وعد ان يدعو ابناءه، فدعا الحسن والحسين،
فوجب ان يكونا ابنيه، ومما يؤكدهذه قوله تعالى في سورة
الانعام: (ومن ذريته داود وسليمان) الى قوله: ( وزكريا ويحيى
وعيسى)، ومعلوم‏ان عيسى (ع) انما انتسب الى ابراهيم (ع)
بالام لا الاب، فثبت ان ابن البنت قد يسمى ابنا واللّه اعلم.
وقال القرطبي في تفسيره((559)) (4/104): فيها يعني آية
تعالوا دليل على ان ابناء البنات يسمون ابناء.وقال((560))
(7/31): عد عيسى من ذرية ابراهيم وانما هو ابن البنت، فاولاد
فاطمة غ ذرية النبي (ص)،وبهذا تمسك من راى ان ولد البنات
يدخلون في اسم الولد. قال ابو حنيفة والشافعي: من وقف وقفا
على‏ولده وولد ولده انه يدخل فيه ولد ولده، وولد بناته ما
تناسلوا. وكذلك اذا اوصى لقرابته يدخل فيه ولدالبنت، والقرابة
عند ابي حنيفة كل ذي رحم محرم. الى ان قال:
وقال مالك: لا يدخل في ذلك ولد البنات، وقد تقدم نحو هذا
عن الشافعي((561))(4/104)، والحجة لهما قوله‏سبحانه:
(يوصيكم اللّه في اولادكم) فلم يعقل المسلمون((562)) من
ظاهر الاية الا ولد الصلب وولد الابن‏خاصة. الى ان قال: وقال
ابن القصار: وحجة من ادخل البنات في الاقارب قوله (ع)
للحسن بن علي: «ان‏ابني هذا سيد». ولا نعلم احدا يمتنع ان
يقول في ولد البنات لانهم ولد لابي امهم. والمعنى يقتضي
ذلك، لان‏الولد مشتق من التولد وهم متولدون عن ابي امهم لا
محالة، والتولد من جهة الام كالتولد من جهة الاب،وقد دل
القرآن على ذلك، قال اللّه تعالى: (ومن ذريته داود وسليمان)
الى قوله: ( من الصالحين) فجعل‏عيسى من ذريته وهو ابن
بنته. انتهى.
واخرج ابن ابي حاتم، باسناده عن ابي حرب بن الاسود قال:
ارسل الحجاج الى يحيى بن يعمر فقال: بلغني‏انك تزعم ان
الحسن والحسين من ذرية النبي (ص). تجده في كتاب اللّه؟
وقد قراته من اوله الى آخره فلم‏اجده. قال: اليس تقرا سورة
الانعام: ( ومن ذريته داود وسليمان) حتى بلغ: (ويحيى
وعيسى)؟ قال بلى.قال: اليس عيسى من ذرية ابراهيم وليس
له اب؟ قال: صدقت.
فلهذا اذا اوصى الرجل لذريته او وقف على ذريته او وهبهم
دخل اولاد البنات فيهم. الخ. تفسير ابن كثير(2/155).
فبعد كون ذرية الرجل ولده على الاطلاق ودخل فيهم اولاد
البنات لا ينبغي‏التفكيك في الاحكام عندئذبين الذرية
والاولاد، ولا يسع لاي احد ان يرى ابناء البنات ابناء الرجال
الاباعد خارجين عن ولد الرجل‏على الحقيقة، ويصح له مع
ذلك عدهم من ذريته، وليست الا ولد الرجل.
ويشهد على لغة القرآن المجيد، وان ولد البنت ابن ابيها على
الحقيقة، قول رسول اللّه (ص):
1 «اخبرني جبريل: ان ابني هذا يعني الحسين يقتل. وفي
لفظ: ان امتي ستقتل ابني هذا»((563)).
طبقات ابن سعد، مستدرك الحاكم (3/177)، اعلام النبوة
للماوردي (ص‏83)، ذخائر العقبى (ص‏148)،الصواعق
(ص‏115).
2 وقوله: «ابني هذا يقتل بارض من العراق‏».
دلائل النبوة لابي نعيم((564)) (3/202)، ذخائر العقبى
(ص‏146).
3 وقوله للحسن السبط: «ابني هذا سيد».
المستدرك (3/175)، اعلام الماوردي((565)) (ص‏83)،
تفسير ابن كثير (2/155).
4 وقوله لعلي : «انت اخي وابو ولدي‏».
ذخائر العقبى (ص‏66).
5 وقوله: «ان جبريل اخبرني ان اللّه غ قتل بدم يحيى بن زكريا
سبعين الفا وهو قاتل بدم ولدك الحسين‏سبعين الفا».
ذخائر العقبى (ص‏150).
6 وقوله: «المهدي من ولدي وجهه كالكوكب الدري‏».
ذخائر العقبى (ص‏136).
7 «هذان ابناي من احبهما فقد احبني‏»((566)) الحسن
والحسين.
المستدرك (3/166)، تاريخ ابن عساكر (4/204)، كنز العمال
(6/221).
8 وقوله لفاطمة الصديقة: «ادعي لي ابني‏».
تاريخ ابن عساكر((567)) (4/316).
9 وقوله لانس: «ادع لي ابني‏».
تاريخ ابن كثير((568)) (8/205).
10 وقوله: «ادعوا ابني‏»، فاتى الحسن بن علي.
ذخائر العقبى (ص‏122).
11 وقوله: «اللهم ان هذا ابني الحسن وانا احبه‏فاحبه واحب
من يحبه‏».
تاريخ ابن عساكر((569))(4/203).
12 وقوله لعلي: «اي شي‏ء سميت ابني؟ قال: ما كنت لاسبقك
بذلك، فقال:
وما انا السابق ربي فهبط جبريل فقال: يا محمد ان ربك يقرئك
السلام ويقول لك: علي‏منك بمنزلة‏هارون‏من موسى‏لكن لا
نبي‏بعدك، فسم‏ابنك هذا باسم ولد هارون‏».
ذخائر العقبى (ص‏120).
13 وقوله: «اروني ابني ما سميتموه‏»((570)). قاله لما ولد
الحسن، وفي ولادة الحسين، وكذلك في ولادة‏محسن بن
علي.
المستدرك (3/180)، كنز العمال (7/107، 108) عن
الدارقطني، واحمد، وابن ابي شيبة، وابن جرير، وابن‏حبان،
والدولابي، والبيهقي، والحاكم والخطيب.
14 وقوله: «اطلبوا ابني‏» لما ضل الحسن والحسين.
كنز العمال((571)) (7/ 108).
15 وقوله: «ان ابني هذين ريحانتاي من الدنيا»((572))، يعني
الحسنين.
الصواعق (ص‏114)، كنز العمال (6/220، 7/109).
16 وقوله: «ابني ارتحلني‏»((573)).
اخرجه احمد. والبغوي. والطبراني. والحاكم. والبيهقي. وسعيد
بن منصور. وابن عساكر في تاريخه (4/317)،وابن كثير في
تاريخه (8/36)، وراجع كنز العمال (6/222 و 7/109).
17 وقوله: «هاتوا ابني اعوذهما بما عوذ به ابراهيم ابنيه‏».
تاريخ ابن عساكر((574)) (4/209).
18 وقوله لانس: «ويحك يا انس دع ابني وثمرة فؤادي يعني
الحسن‏».
كنز العمال((575)) (6/222).
19 وقوله: «ابناي هذان: الحسن والحسين سيدا شباب اهل
الجنة‏».
الصواعق لابن حجر((576))(ص‏114).
20 وقوله في علي: «هذا اخي وابن عمي وصهري وابو ولدي‏».
كنز العمال((577)) (6/154).
21 وقوله: «سميت ابني هذين باسم ابني هارون شبر
وشبير»((578)).
الصواعق (ص‏115)، كنز العمال (6/222).
22 وقوله: «لو لم يبق من الدنيا الا يوم واحد لطول اللّه ذلك
اليوم حتى يبعث رجلا من ولدي اسمه‏كاسمي‏».
فقال سلمان: من اي ولدك يا رسول اللّه؟ قال: «من ولدي هذا،
وضرب بيده على الحسين‏».
ذخائر العقبى (ص‏136).
23 وقول الحسن السبط سلام اللّه عليه في خطبة له: «انا
الحسن بن علي، وانا ابن النبي، وانا ابن البشير،وانا ابن النذير،
وانا ابن الداعي الى اللّه باذنه والسراج المنير»((579)).
المستدرك (3/172)، ذخائر العقبى (ص‏138، 140)، شرح ابن
ابي الحديد (4/11)، مجمع الزوائد (9/146)،اتحاف الشبراوي
(ص‏5).
24 وقوله لابي بكر وهو في منبر جده الاقدس: «انزل عن
مجلس ابي‏». فقال ابو بكر: صدقت انه‏مجلس ابيك. وفي لفظ:
«انزل عن منبر ابي‏». فقال ابو بكر: منبر ابيك لا منبر
ابي((580)).
الرياض النضرة (1/139)، شرح ابن ابي الحديد (2/17)، الصواعق
(ص‏108)، تاريخ الخلفاء للسيوط‏ي(ص‏54)، كنز العمال
(3/132).
25 وقوله في وصيته: «ادفنوني عند ابي‏» يعني المصطفى.
اتحاف الشبراوي((581)) (ص‏11).
26 وقول الحسين السبط (ع) لعمر: «انزل عن منبر ابي‏». فقال
عمر: منبر ابيك لا منبر ابي، من امرك‏بهذا؟
تاريخ ابن عساكر((582)) (4/321).
27 وقول ابن عباس: هذان الحسن والحسين ابنا رسول
اللّه (ص).
تاريخ ابن عساكر((583)) (4/212، 322).
28 وقول زهير بن القين مخاطبا الحسين (ع): قد سمعنا
يابن رسول اللّه مقالتك. جمهرة خطب‏العرب((584))(2/40).
29 وقول الامام السبط الحسن الزكي كما في الاتحاف
للشبراوي((585)) (ص‏49):
خيرة اللّه من الخلق ابي
بعد جدي وانا ابن الخيرتين
فضة قد صيغت من ذهب
فانا الفضة ابن الذهبين
30 وقوله كما في الاتحاف((586)) (ص‏57):
انا ابن الذي قد تعلمون مكانه
وليس على الحق المبين طحاء
اليس رسول اللّه جدي ووالدي
انا البدر ان حل النجوم خفاء
31 وقول الفرزدق في مدح الامام السجاد علي بن الحسين
(ع):
هذا ابن خير عباد اللّه كلهم
هذا التقي النقي الطاهر العلم
32 وقول ابن بشر في زيد بن الحسن بن علي بن ابي طالب
(ع) يمدحه:
اذا نزل ابن المصطفى بطن تلعة
نفى جدبها واخضر بالنبت عودها
وزيد ربيع الناس في كل شتوة
اذا اخلفت ابراقها ورعودها
33 وقول ابي عاصم بن حمزة الاسلمي يمدح الحسن بن زيد
بن الحسن بن علي بن ابي طالب(ع)، كما في‏زهر الاداب
للحصري القيرواني((587)) (1/80):
ستاتي مدحتي الحسن بن زيد
وتشهد لي بصفين القبور
قبور لم تزل مذ غاب عنها
ابو حسن تعاديها الدهور
قبور لو باحمد او علي
يلوذ مجيرها حمي المجير
هما ابواك من وضعا فضعه
وانت برفع من رفعا جدير
34 وقول ابراهيم بن علي بن هرمة لما نصحه الحسن بن زيد
المذكور كما في زهر الاداب((588))(1/81):
نهاني ابن الرسول عن المدام
وادبني بداب الكرام
35 وقول ابي تمام الطائي((589)):
فعلتم بابناء النبي ورهطه
افاعيل ادناها الخيانة والغدر
36 وقول دعبل الخزاعي:
فكيف ومن انى بطالب زلفة
الى اللّه بعد الصوم والصلوات
سوى حب ابناء النبي ورهطه
وبغض بني الزرقاء والعبلات
37 وقوله:
الم يحزنك ان بني زياد
اصابوا بالترات بني النبي((590))
38 وقول الحماني:
قوم لماء المعالي في وجوههم
عند التكرم تصويب وتصعيد
يدعون احمد ان عد الفخار ابا
والعود ينسب في افنائه العود
39 وقول التنوخي:
من ابن رسول اللّه وابن وصيه
الى مدخل في عقبة الدين ناصب
40 وقول الزاهي:
بنو المصطفى تفنون بالسيف عنوة
ويسلمني طيف الهجوع فاهجع
41 وقول الناشئ:
بني احمد قلبي بكم يتقطع
بمثل مصابي فيكم ليس يسمع
42 وقول الصاحب بن عباد:
ما لعلي العلى اشباه
لا والذي لا اله الا هو
مبناه مبنى النبي تعرفه
وابناه عند التفاخر ابناه
43 وقوله:
ايجز راس ابن النبي وفي الورى
حي امام ركابه لم يقتل
44 وقوله:
محمد ووصيه وابنيهما
وبعابد وبباقرين وكاظم
45 وقوله:
بمحمد ووصيه وابنيهما
الطاهرين وسيد العباد
46 وقول الصوري((591)):
فلهذا ابناء احمد ابنا
ء علي طرائد الافاق
47 وقول مهيار الديلمي((592)):
باي حكم بنوه يتبعونكم
وفخركم انكم صحب له تبع
48 وقوله((593)):
فيوم السقيفة يابن النبي
طرق يومك في كربلا
49 وقول ابن جابر:
جعلوا لابناء الرسول علامة
ان العلامة شان من لم يشهر
50 وقال الشبراوي((594)):
يابن الرسول بامك الزهرا البتول
وجدك المامول عند الناس
وغدوت في‏الاشراف يابن المصطفى
كالعقل او كالروح او كالراس
فما المبرر عندئذ للخليفة في صفحه عما في كتاب اللّه وسنة
نبيه وتلقيه بالقبول قول الانصاري الشاذ عن‏الكتاب والسنة؟
وما عذر فقيه او حافظ اتخذ راي الانصاري دينا محتجا بقول
شاعر لم يعرف بعد، وبين يديه القرآن‏والحديث والادب؟
(3) راي الخليفة في قطع السارق
عن صفية بنت ابي عبيد: ان رجلا سرق على عهد ابي بكر
(رضي اللّه عنه) مقطوعة يد ورجله فاراد ابوبكر (رضي اللّه
عنه) ان يقطع رجله ويدع يده يستطيب بها ويتطهر بها،
وينتفع بها، فقال عمر: لا والذي‏نفسي بيده لتقطعن يده
الاخرى. فامر به ابو بكر (رضي اللّه عنه) فقطعت يده. وعن
القاسم بن محمد: ان‏ابابكر (رضي اللّه عنه) اراد ان يقطع رجلا
بعد اليد والرجل، فقال عمر (رضي اللّه عنه): السنة
اليد((595)).
ان من موارد الحيرة ان الخليفة لا يعلم حد السارق الذي هو
من اهم ما تجب عليه معرفته لحفظ الامن‏العام، وتهدئة الحالة،
وقطع جرثومة الفساد، ومن المحير ايضا تسرعه الى الحكم قبل
ما عزي اليه فيمامر(ص‏119) من الرجوع الى الكتاب والسن ة
ثم الاستعلام من الصحابة ثم المشورة.
ثم ان الذي سدده في هذه القضية لم نسي الحكم ابان خلافته
فاراد عين ما اراده صاحبه؟ راجع الجزءالسادس (ص‏136).
(4) راي الخليفة في الجد
عن ابن عباس وعثمان وابي سعيد وابن الزبير قالوا: ان ابا بكر
جعل الجد ابا((596))، يعنون انه كان يحجب‏الاخوة بالجد ولم
يشرك بينهما كما ان الاب يحجب الاخوة والاخوات.
قال الاميني : لم يكن راي الخليفة هذا متخذا من الكتاب
والسنة، ولم يكن يعمل به احد من الصحابة طيلة‏حياته، وما
اتفق لجد يرث في ايامه حتى يؤيد رايه ويقال: ان احدا من
الصحابة لم يخالف ابا بكر في حياته‏في رايه هذا كما قاله
البخاري والقرطبي((597)). واول جد كان في الاسلام واراد
ان ياخذ المال كله مال ابن ابنه‏دون اخوته هو عمر بن الخطاب،
فاتاه علي وزيد فقالا: ليس لك ذلك انما كنت كاحد الاخوين،
وقد فصلناالقول فيه في الجزء السادس (ص‏115 118). فاول
رجل خالف الخليفة في الجد هو خليفته بعده، وقداتفق علي
وعمر وعثمان وعبداللّه بن عمر وزيد بن ثابت وابن مسعود على
خلاف الخليفة على توريث‏الاخوة مع الجد((598)) وهو قول
مالك والاوزاعي وابي يوسف ومحمد والشافعي وابن ابي
ليلى((599)).
وافتعل القوم للخليفة عذرا بانه كان يرى الجد ابا لمكان قوله
تعالى : (ملة ابيكم ابراهيم)((600))وقوله: ( يا بني‏آدم) بتقرير
اطلاق الاب على الجد على الحقيقة. ولا يخفى على اي احد ان
صحة هذا الاطلاق لا توجب‏اتحاد الاب والجد في جميع
الاحكام، الا ترى ان صحة اطلاق الام على الجدة على الحقيقة
وقولهم في‏تعريف الجدة: انها الام العليا((601)) لا تستدعي
الاشتراك في النصيب فيرون مع هذه للجدة السدس
بالاتفاق.وفريضة الام هي الثلث بالكتاب والسنة.
على ان الصحابة الاولين لم يكن عندهم اي ايعاز الى هذا العذر
المنحوت، ولوكان لراي الخليفة قيمة‏وكرامة لاباحه احد منهم،
وفاه به عندما خالف علي وزيد عمر بن الخطاب ونهياه عن
اعمال هذا الراي.
بل فيما رواه الدارمي عن الحسن من ان الجد قد مضت سنته،
وان ابا بكر جعل‏الجد ابا، ولكن الناس‏تخيروا((602)). ايعاز الى
ان السنة في الجد ماضية ثابتة وقد خالفها الخليفة، وتخير
الناس فخالفوه وعملوابالسنة الشريفة.
(5) راي الخليفة في تولية المفضول
قال الحلبي في السيرة النبوية((603)) (3/386): ان ابا
بكر(رضي اللّه عنه) كان يرى جواز تولية المفضول على‏من هو
افضل منه، وهو الحق عند اهل السنة لانه قد يكون اقدر من
الافضل على القيام بمصالح الدين،واعرف بتدبير الامر، وما فيه
انتظام حال الرعية.
اجاب الحلبي بهذا عن تقديم ابي بكر عمر بن الخطاب وابا
عبيدة الجراح على نفسه في الخلافة وقوله:بايعوا اي الرجلين
ان شئتم.
وقال الباقلاني في التمهيد (ص‏195) عند الجواب عن قول ابي
بكر: وليتكم ولست بخيركم: يمكن ان يكون‏قد اعتقد ان في
الامة افضل منه الا ان الكلمة عليه اجمع والامة بنظره اصلح،
لكي يدلهم على جواز امامة‏المفضول عند عارض يمنع من
نصب الفاضل، ولهذا قال للانصار وغيرهم: قد رضيت لكم احد
هذين‏الرجلين فبايعوا احدهما: عمر بن الخطاب وابا عبيدة
الجراح، وهو يعلم ان ابا عبيدة دونه ودون عثمان‏وعلي في
الفضل، غير انه قد راى ان الكلمة تجتمع عليه، وتنحسم الفتنة
بنظره. وهذا ايضا مما لاجواب لهم‏عنه.
قال الاميني : الذي نرتئيه في الخلافة انها امرة الهية كالنبوة،
وان كان الرسول خص بالتشريع والوحي‏الالهي، وشان الخليفة
التبليغ والبيان، وتفصيل المجمل، وتفسير المعضل، وتطبيق
الكلمات بمصاديقها، والقتال‏دون التاويل((604)) كما يقاتل
النبي‏دون التنزيل، واظهار ما لم يتسن للنبي الاشادة به اما
لتاخر ظرفه، او لعدم‏تهيؤ النفوس له، او لغير ذلك من العلل،
فكل منهما داخل في اللطف الالهي الواجب عليه بمعنى تقريب
العبادالى الطاعة وتبعيدهم عن المعصية، ولذلك خلقهم
واستعبدهم وعلمهم ما لم يعلموا، فلم يدع البشر
كالبهائم‏لياكلوا ويتمتعوا ويلهيهم الامل. ولكن خلقهم ليعرفوه،
وليمكنهم من الحصول على مرضاته، وسهل لهم‏الطريق الى
ذلك ببعث الرسل، وانزال الكتب، وتواصل الوحي في الفينة بعد
الفينة.
وبما ان اي نبي لم ينط عمره بمنصرم الدنيا، ولا قدر له البقاء
مع الابد، وللشرائع ظروف مديدة، كماان‏للشريعة الخاتمة امد
لا منتهى له، فاذا مات الرسول ولشريعته احدى المد تين وفي
كل منهما نفوس لم‏تكمل بعد، واحكام لم تبلغ وان كانت
مشرعة، واخرى لم تات ظروفها، ومواليد قدر تاخير تكوينها،
ليس‏من المعقول بعد ان تترك الامة سدى والحالة هذه،
والناس كلهم في شمول ذلك اللطف الواجب عليه‏سبحانه
شرع سواء، فيجب عليه جلت عظمته ان يقيض لهم من يكمل
الشريعة ببيانه، ويزيح شبه‏الملحدين ببرهانه، ويجلو ظلم
الجهل بعرفانه، ويدرا عن الدين عادية اعدائه بسيفه وسنانه،
ويقيم الامت‏والعوج بيده ولسانه.
ومهما كان للمولى جلت مننه عناية بعبيده، وقد الزم نفسه
باسداء البر اليهم، وان لا يوليهم الا الخيروالسعادة، فعليه ان
يختار لهم من ينوء بذلك العب‏ء الثقيل ويمثل مخلفه الرسول
في الوظائف كلها،فينص‏عليه بلسان ذلك النبي المبعوث، ولا
يجوز ان يخلي سربهم، ويتركهم سدى، الا ترى ان عبداللّه
بن‏عمر قال لابيه: ان الناس يتحدثون انك غير مستخلف، ولو
كان لك راعي ابل او راعي غنم ثم جاء وترك‏رعيته رايت ان قد
فرط لرايت ان قد ضيع ورعية الناس اشد من رعية الابل
والغنم، ماذا تقول للّه غ‏اذ لقيته ولم تستخلف على
عباده((605))؟
وقالت عائشة لابن عمر: يابني ابلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع
امة محمد بلاراع، استخلف عليهم ولاتدعهم بعدك هملا، فاني
اخشى عليهم الفتنة((606))، فترك الناس مهملين فيه خشية
الفتنة عليهم.
وقال عبداللّه بن عمر لابيه: لو استخلفت. قال: من؟ قال:
تجتهد فانك لست لهم برب تجتهد((607)) ، ارايت لوانك
بعثت الى قيم ارضك الم تكن تحب ان يستخلف مكانه حتى
يرجع الى الارض؟ قال: بلى. قال: ارايت‏لو بعثت الى راعي
غنمك الم تكن تحب ان يستخلف رجلا حتى يرجع((608))؟
وهذا معاوية بن ابي سفيان يتمسك بهذا الحكم العقلي المسلم
في استخلاف يزيد ويقول: اني ارهب ان ادع‏امة محمد بعدي
كالضان لا راعي لها((609)).
ليت شعري هذا الدليل العقلي المتسالم عليه لم اهملته الامة
في استخلاف النبي الاعظم واتهمته بالصفح عنه؟انا لا ادري.
ولا يجوز ايضا توكيل الامر الى افراد الامة، او الى اهل الحل
والعقد منهم لان مما اوجبه العقل السليم ان‏يكون الامام
مكتنفا بشرائط بعضها من النفسيات الخفية والملكات التي لا
يعلمها الا العالم‏بالسرائر((610))كالعصمة والقداسة الروحية،
والنزاهة النفسية لتبعده عن الاهواء والشهوات، والعلم الذي
لايضل معه في شي‏ء من الاحكام الى كثير من الاوصاف التي
تقوم بها النفس، ولا يظهر في الخارج منها الاجزئيات من
المستصعب الحكم باستقرائها على ثبوت كلياتها: (وربك يعلم
ما تكن صدورهم ومايعلنون)((611)) و (اللّه اعلم حيث يجعل
رسالته)((612)).
فالامة‏المنكفئ علمها عن الغيوب لا يمكنها تشخيص من
تحلى بتلك الصفات، فالغالب على خيرتها الخطا،فاذا كان نبي
كموسى على نبينا وآله وعليه السلام تكون وليدة اختياره من
الالاف المؤلفة سبعين رجلا،وانهم لما بلغوا الميقات قالوا: ارنا
اللّه جهرة فما ظنك بافراد عاديين واختيارهم؟ واناس ماديين
وانتخابهم؟وما عساهم ان ينتخبوا غير امثالهم ممن هو واياهم
سواسية كاسنان المشط في الحاجة الى المسدد؟ وليس‏من
المامون ان يقع انتخابهم على عائث، او يكون
التياثهم((613))بمشاغب، او يكون انثيالهم وراء من يسر
على‏الامة حسوا في ارتغاء((614)) او يقع اختيارهم على جاهل
يرتبك في الاحكام فيرتكب العظام، وياتي بالجرائم،ويقترف
المثم وهو لا يعلم، او يعلم ولا يكترث لان يقول زورا، ويحكم
غرورا، فيفسدوا من حيث ارادواان يصلحوا، ويقعوا في الهلكة
وهم لا يشعرون، كما وقعت امثال ذلك في البيعة لمعاوية
ويزيد وخلفاءالامويين.
فعلى البارئ الذي يكره كل ذلك في خلقه ان لا يجعل لاحد
من خلقه الخيرة فيها وقد خلقه ظلوماجهولا((615)) (الا يعلم
من خلق وهو اللطيف الخبير)((616))، (وربك يخلق ما يشاء
ويختار ما كان لهم الخيرة)((617))في‏الامر (وما كان لمؤمن
ولا مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله اءمرا اءن يكون لهم الخيرة من
اءمرهم، ومن‏يع ص اللّهورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)((618)).
وقد اخبر به النبي الاعظم من اول يومه يوم عرض نفسه على
القبائل فبلغ بني عامر بن صعصعة ودعاهم‏الى اللّه، فقال له
قائلهم: ارايت ان نحن تابعناك على امرك ثم اظهرك اللّه على
من خالفك، ايكون لنا الامر من‏بعدك؟ قال: «ان الامر الى اللّه
يضعه حيث يشاء»((619)).
انى تسوغ ان تكون للخلق خيرة في الامر مع شيوع الغايات
والاغراض والدعاوي والميول والشهوات في‏الناس حول
الانتخاب، مع اختلاف الانظار وتضارب الاراء والمعتقدات في
تحليل نفسيات الرجال‏والشخصيات البارزة، مع كثرة الاحزاب
والفرق والاقوام والطوائف المتشاكسة، مع شقاق
القومية‏والطائفية والشعوبية الذائع الشائع في المسكين ابن
آدم من اول يومه.
وقد اقترن الانتخاب من بدء بدئه بالتحارش والتلاكم والتكالم
والتشازروالتصاخب والتخاصم حتى قدت‏برود يمانية((620))
ووقع البرح براحا((621)) وكم بالانتخاب هتكت حرمات
واهينت مقدسات، واضيعت‏حقائق، ودحض الحق الثابت،
ودحس الصالح العالم، واختل الوئام، واقلق السلام، وسفحت
دماء زكية،وتشلشلت اشلاء الاسلام الصحيح، فجاء يطمع في
الامر من لاخلاق له من سوقي بردي، او مبرطش الهاه‏الصفق
بالاسواق، او بزاز يحمل بني ابيه على رقاب الناس، او حفار قبور
لا يعرف عرضه من‏طوله، اوطليق‏غاشم، او خمار سكير، او
مستهترمشاغب، من الذين اتخذوا عباد اللّه خولا، ومال اللّه
نحلا، وكتاب اللّهدغلا، ودين اللّه حولا.
ومقتضى هذا البيان الضافي ان يكون الخليفة افضل الخليقة
اجمع في امته، لانه لو كان في وقته من يماثله في‏الفضيلة او
من ينيف عليه استلزم تعيينه الترجيح بلا مرجح او التطفيف
في كفة الرجحان.
على ان الامام لو قصر في شي‏ء من تلك الصفات لامكن حصول
حاجته الى المورد الذى نبا عنه علمه، اوتضاءلت عنه بصيرته، او
ضعفت عنه منته، فعندئذ الطامة الكبرى من الفتيا المجردة،
والراي لا عن دليل، اوالاخذ عمن يسدده، وفي الاول العيث
والفشل، وفي الثاني سقوط المكانة، وقد اخذ في الامام مثل
النبي ان‏يكون بحيث يطاع (وما ارسلنا من رسول الا ليطاع
باذن اللّه)((622)) وقرنت طاعة الامام بطاعة‏اللّه ورسوله
في‏قوله‏تعالى: (اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي الامر
منكم)((623)) وذلك ليمكنه اقامة الحدود الالهية،
ودحض‏الاباطيل، وربما تسربت الشبهة عن جهله الى نفس
الدعوة وحقيقة الدين ان كان عميده الداعي اليه يقصرعن
الدفاع عنه وازاحة الشكوك المتوجهة اليه.
فكل هذا يستدعي كماله في الصفات الكمالية كلها فيفضل
على الامة جمعاء،(قل هل يستوي الذين‏يعلمون‏والذين لا
يعلمون)((624)) (قل هل يستوي الاعمى والبصير ام هل
تستوي الظلمات والنور)((625))(افمن‏يهدي الى الحق احق
ان يتبع امن لا يهدي الا ان يهدى فما لكم كيف
تحكمون)((626)).
الخلافة عند القوم
نعم، الخلافة التي تقول بها الجماعة لا تستدعي كل ما ذكرنا،
فانهم يحسبون الخليفة اي مستحوذ على الامة‏يقطع السارق،
ويقتص القاتل، ويكلا الثغور، ويحفظ الامن العام الى ما يشبه
هذه، ولا يخلع بفسق، ولاينتقد بفاحشة مبينة، ولا يعاب
بجهل، ولا يؤاخذ بعثرة، ولا يشترط فيه اي من الملكات
الكريمة، وله‏العتبى في كل ذلك، وليس عليه من عتب.
كلمة الباقلاني
قال الباقلاني في التمهيد (ص‏181) باب الكلام في صفة الامام
الذي يلزم العقد له: فان قال قائل: فخبرونا ماصفة الامام
المعقود له عندكم؟ قيل لهم: يجب ان يكون على اوصاف: منها
ان يكون قرشيا من الصميم،ومنها: ان يكون من العلم بمنزلة
من يصلح ان يكون قاضيا من قضاة المسلمين، ومنها: ان يكون
ذا بصيرة‏بامر الحرب، وتدبير الجيوش والسرايا، وسد الثغور،
وحماية البيضة، وحفظ الامة، والانتقام من ظالمها،والاخذ
لمظلومها، وما يتعلق به من مصالحها.
ومنها: ان يكون ممن لا تلحقه رقة ولا هوادة في اقامة الحدود
ولا جزع لضرب الرقاب والابشار.
ومنها: ان يكون من امثلهم في العلم وسائر هذه الابواب التي
يمكن التفاضل فيها، الا ان يمنع عارض من‏اقامة الافضل
فيسوغ نصب المفضول، وليس من صفاته ان يكون معصوما، ولا
عالما بالغيب، ولا افرس‏الامة واشجعهم، ولا ان يكون من بني
هاشم فقط دون غيرهم من قبائل قريش.
وقال في صفحة (185): فان قالوا: فهل تحتاج الامة الى علم
الامام وبيان شي‏ء خص به دونهم، وكشف ماذهب علمه عنهم؟
قيل لهم: لا، لانه هو وهم في علم الشريعة وحكمها سيان. فان
قالوا: فلماذا يقام الامام؟قيل لهم: لاجل ما ذكرناه من قبل من
تدبير الجيوش، وسد الثغور، وردع الظالم، والاخذ للمظلوم،
واقامة‏الحدود، وقسم الفي‏ء بين المسلمين والدفع بهم في
حجهم وغزوهم، فهذا الذي يليه ويقام لاجله، فان غلط‏في شي‏ء
منه، او عدل به عن موضعه كانت الامة من ورائه لتقويمه
والاخذ له بواجبه.
وقال في (ص‏186): قال الجمهور من اهل الاثبات واصحاب
الحديث: لا ينخلع الامام بفسقه وظلمه‏بغصب الاموال، وضرب
الابشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل
الحدود، ولا يجب‏الخروج عليه، بل يجب وعظه وتخويفه وترك
طاعته في شي‏ء مما يدعو اليه من معاصي اللّه، واحتجوا
في‏ذلك باخبار كثيرة متظافرة عن النبي (ص) وعن الصحابة
في وجوب طاعة الائمة وان جاروا واستاثروابالاموال، وانه قال
(ع): اسمعوا واطيعوا ولو لعبد اجدع، ولو لعبد حبشي، وصلوا
وراء كل بر وفاجر. وروي‏انه قال: اطعهم وان اكلوا مالك،
وضربوا ظهرك، واطيعوهم ما اقاموا الصلاة. في اخبار كثيرة
وردت في هذاالباب، وقد ذكرنا ما في هذا الباب في كتاب
اكفار المتاولين، وذكرنا ما روي في معارضتها وقلنا في
تاويلهابما يغني الناظر فيه ان شاء اللّه.
وقال في (ص‏186): وليس مما يوجب خلع الامام حدوث فضل
في غيره ويصير به افضل منه، وان كان لوحصل مفضولا عند
ابتداء العقد لوجب العدول عنه الى الفاضل، لان تزايد الفضل
في غيره ليس بحدث منه‏في الدين، ولا في نفسه يوجب خلعه،
ومثل هذا ما حكيناه عن اصحابنا ان حدوث الفسق في الامام
بعدالعقد له لا يوجب خلعه، وان كان ما لو حدث فيه عند ابتداء
العقد لبطل العقد له ووجب العدول.
قال الاميني : ومما اوعز اليه الباقلاني من الاخبار الكثيرة الدالة
على وجوب طاعة الائمة وان جارواواستاثروا بالاموال، ولا
ينعزل الامام بالفسق ما يلي:
1 عن حذيفة بن اليمان قال: قلت: يا رسول اللّه انا كنا بشر،
فجاء اللّه بخير فنحن فيه، فهل من وراء هذاالخير شر؟ قال: نعم.
قلت: وهل وراء هذا الشر خير؟ قال: نعم. قلت: فهل وراء ذلك
الخير شر؟ قال: نعم.قلت: كيف يكون؟ قال: يكون بعدي ائمة لا
يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال
قلوبهم‏قلوب الشياطين في جثمان انس. قلت: كيف اصنع يا
رسول اللّه ان ادركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للاميروان
ضرب ظهرك واخذ مالك فاسمع واطع!
صحيح مسلم((627)) (2/119)، سنن البيهقي (8/157).
2 عن عوف بن مالك الاشجعي قال: سمعت رسول اللّه (ص)
يقول: خيار ائمتكم الذين تحبونهم‏ويحبونكم، وتصلون عليهم
ويصلون عليكم، وشرار ائمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم،
وتلعنونهم‏ويلعنونكم، قال: قلنا: يا رسول اللّه افلا ننابذهم عند
ذلك؟ قال: لا، ما اقاموا فيكم الصلاة، الا ومن ولي‏عليه وال فرآه
ياتي شيئا من معصية اللّه فليكره ما ياتي من معصية اللّه ولا
ينزعن يدا من طاعة.