هذا ما تسالمت عليه الامة سلفا وخلفا، لكن معاوية جاء متهاونا
بالسنة لمحض ان عليا (ع) كان ملتزمابها،فحدته بغضاؤه الى
مضادته ولو لزمت مضادة السنة، ومحو زينة الحج، هذه نظرية
خليفة المسلمين فيماحسبوه، وهذا مبلغه من الدين ومبوؤه
من الاخذ بسنة نبيه(ص) فلهفي على المسلمين من متغلب
عليهم‏باسم الخلافة.
واني لست ادري اكان من السائغ الجائز لعن ابن عباس وهو
محرم في ذلك الموقف العظيم، في مثل يوم عرفة‏اليوم
المشهود معاوية مبغض علي امير المؤمنين ومناوئه تارك سنة
محمد(ص)؟ هلا كان حبر الامة يعلم ان‏الصحابة كلهم عدول؟
او ان الصحابي كائنا من كان لا يجوز سبه؟ او ان معاوية مجتهد
وللمخطئ من‏المجتهدين اجر واحد؟ انا لا ادري، غير ان ابن
عباس لا يقول بالتافه ولا يخبت الى الخرافة.
وما اظلم معاوية الجاهل باءحكام اللّه! فانه يخالف هاهنا عليا (ع)
وهو بكله حاجة وافتقار الى علم الامام‏الناجع، قال سعيد بن
المسيب: ان رجلا من اهل الشام وجد رجلا مع امراته فقتله
وقتلها، فاءشكل على‏معاوية الحكم فيه، فكتب الى ابي موسى
ليساءل له علي بن ابي طالب غ، فقال له علي
(رضى‏ا...عنه):((هذا شي‏ء ما وقع باءرضي عزمت عليك
لتخبرني)). فقال له ابو موسى: ان معاوية كتب الي به ان
اساءلك‏فيه. فقال علي (رضى‏ا...عنه) ((انا ابو الحسن ان لم ياءت
باءربعة شهداء فليعط برمته((1095)))).
اخرجه((1096)): مالك في الموطاء (2/117)، سنن البيهقي
(8/231)، تيسير الوصول (4/73).
لفت نظر : هذه النزعة الاموية الممقوتة بقيت موروثة عند من
تولى معاوية جيلا بعد جيل، فترى القوم‏يرفعون اليد عن السنة
الثابتة خلافا لشيعة امير المؤمنين(ع)، او احياء لما سنته يد
الهوى تجاه الدين‏الحنيف. كما كان معاوية يفعل ذلك احياء لما
احدثه خليفة بيته الساقط تارة، كما مر في الاتمام في
السفرومواضع اخرى، وخلافا للامام آونة، كما في التلبية
وغيرها.
قال الشيخ محمد بن عبدالرحمن الدمشقي في كتاب رحمة
الامة في اختلاف الائمة المطبوع بهامش الميزان‏للشعراني
(1/88): السنة في القبر التسطيح، وهو اولى على الراجح من
مذهب الشافعي. وقال ابو حنيفة‏ومالك واحمد: التسنيم اولى،
لان‏التسطيح صار شعارا للشيعة.
وقال الغزالي والماوردي: ان تسطيح القبور هو المشروع، لكن
لما جعلته الرافضة شعارا لهم، عدلنا عنه الى‏التسنيم.
وقال مصنف الهداية من الحنفية: ان المشروع التختم في
اليمين، ولكن لما اتخذته الرافضة جعلناه في اليسار.انتهى.
واول من اتخذ التختم باليسار خلاف السنة هو معاوية. كما في
ربيع الابرار للزمخشري((1097)).
وقال الحافظ العراقي في بيان كيفية اسدال طرف العمامة:
فهل المشروع ارخاؤه من الجانب الايسر كما هوالمعتاد او
الايمن لشرفه؟ لم ار ما يدل على تعيين الايمن الا في حديث
ضعيف عند الطبراني، وبتقدير ثبوته‏فلعله كان يرخيها من
الجانب الايمن ثم يردها الى الجانب الايسر كما يفعله بعضهم،
الا انه صارشعاراللامامية، فينبغي تجنبه لترك التشبه بهم.
شرح المواهب للزرقاني (5/13).
وقال الزمخشري في تفسيره((1098)) (2/439): القياس جواز
الصلاة على كل مؤمن، لقوله تعالى: ( هو الذي‏يصلي عليكم
)((1099)) وقوله تعالى: ( وصل عليهم ان صلا تك سكن لهم
)((1100)) وقوله(ص): ((اللهم صل على آل‏ابي اوفى)). ولكن
للعلماء تفصيلا في ذلك وهو: انها ان كانت على سبيل التبع
كقولك صلى اللّه على النبي‏وآله‏فلا كلام فيها، وام ا اذا افرد
غيره من اهل البيت بالصلاة كما يفرد هو فمكروه، لان
ذلك‏«صار»((1101))شعارالذكر رسول اللّه(ص) ولانه يؤدي الى
الاتهام بالرفض، وقال رسول‏اللّه(ص): ((من كان‏يؤمن باللّه
واليوم الاخر فلا يقفن مواقف التهم)).
وقال ابن تيمية في منهاجه((1102)) (2/143) عند بيان التشبه
بالروافض: ومن هنا ذهب من ذهب من الفقهاءالى ترك بعض
المستحبات اذا صارت شعارا لهم، فانه وان لم يكن الترك واجبا
لذلك لكن في اظهار ذلك‏مشابهة لهم، فلا يتميز السني من
الرافضي، ومصلحة التمييز عنهم لاجل هجرانهم ومخالفتهم،
اعظم من‏مصلحة هذا المستحب.
ثم جعل هذا كالتشبه بالكفار في وجوب التجنب عن شعارهم،
وسيوافيك‏التفصيل في بيان هذه كلهاونظرائها عند الكلام
على الفتاوى الشاذة عن الكتاب والسنة ان شاء اللّه تعالى.
وقال الشيخ اسماعيل البروسوي في تفسيره روح البيان
(4/142): قال في عقد الدرر واللالئ((1103)):المستحب‏في
ذلك اليوم يعني يوم عاشوراء فعل الخيرات من الصدقة
والصوم والذكر وغيرهما، ولا ينبغي‏للمؤمن ان يتشب ه بيزيد
الملعون في بعض الافعال، وبالشيعة والروافض والخوارج ايضا.
يعني لا يجعل‏ذلك اليوم يوم عيد او يوم ماءتم، فمن اكتحل يوم
عاشوراء فقد تشبه بيزيد الملعون وقومه، وان كان‏للاكتحال في
ذلك اليوم اصل صحيح، فان ترك السنة سنة اذا كان شعارا
لاهل البدعة كالتختم باليمين، فانه‏في الاصل سنة لكنه لما
كان شعار اهل البدعة والظلمة، صارت السنة ان يجعل الخاتم
في خنصر اليداليسرى في زماننا، كما في شرح القهستاني.
ومن قرا يوم عاشوراء واوائل المحرم مقتل الحسين
(رضى‏ا...عنه)، فقد تشبه بالروافض، خصوصا اذا كان‏باءلفاظ
مخلة بالتعظيم لاجل تحزين السامعين، وفي كراهية
القهستاني: لو اراد ذكر مقتل الحسين، ينبغي ان‏يذكر اولا
مقتل سائر الصحابة لئلا يشابه الروافض.
وقال حجة الاسلام الغزالي:يحرم على الواعظ وغيره رواية
مقتل الحسين وحكايته وما جرى بين الصحابة‏من التشاجر
والتخاصم، فانه يهيج بغض الصحابة والطعن فيهم، وهم اعلام
الدين، وما وقع بينهم من‏المنازعات فيحمل على محامل
صحيحة، ولعل ذلك لخطاء في الاجتهاد، لا لطلب الرئاسة
والدنيا كما لا يخفى.انتهى.
وقال ابن حجر في فتح الباري((1104)) (11/142): تنبيه:
اختلف في السلام على غير الانبياء بعد الاتفاق على‏مشروعيته
في تحية الحي، فقيل: يشرع مطلقا. وقيل: بل تبعا ولا يفرد
لواحد لكونه صار شعارا للرافضة.ونقله النووي عن الشيخ ابي
محمد الجويني.
10 احدوثة تقديم الخطبة على الصلاة
قال الزرقاني في شرح الموطاء((1105)) (1/324) في بيان كون
الصلاة قبل الخطبة في العيدين: ففي‏الصحيحين((1106)) عن
ابن عباس: شهدت العيد مع رسول اللّه(ص) وابي‏بكر وعمر
«وعثمان‏»((1107))، فكلهم كانوايصلون قبل الخطبة، واختلف
في اول من غير ذلك، ففي مسلم، عن طارق بن شهاب: اول
من بدا بالخطبة‏يوم العيد قبل الصلاة مروان. وفي رواية ابن
المنذر بسند صحيح عن الحسن البصري: اول من خطب
قبل‏الصلاة عثمان، صلى بالناس ثم خطبهم اي على العادة،
فراى ناسا لم يدركوا الصلاة ففعل ذلك اي صاريخطب قبل
الصلاة، وهذه العلة غير التي اعتل بها مروان، لان عثمان راعى
مصلحة الجماعة في ادراكهم‏الصلاة، واما مروان فراعى
مصلحتهم في اسماعهم الخطبة، لكن قيل: انهم في زمنه كانوا
يتعمدون ترك‏سماعهم لما فيها من سب من لا يستحق السب،
والافراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا انما راعى
مصلحة‏نفسه، ويحتمل ان‏عثمان فعل ذلك احيانا بخلاف
مروان، فواظب عليه فلذا نسب اليه، و«روي‏»((1108)) عن
عمرمثل فعل عثمان، قال عياض ومن تبعه: لا يصح عنه.
وفيه‏نظر لان عبدالرزاق((1109))، وابن ابي شيبة((1110))،
روياه‏جميعا عن ابن عيينة، عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن
يوسف بن عبداللّه بن سلام، وهذا اسناد صحيح،لكن يعارضه
حديثا ابن عباس وابن عمر، فان جمع بوقوع ذلك منه نادرا،
والا فما في الصحيحين اصح.
واخرج الشافعي((1111))، عن عبداللّه بن يزيد نحو حديث ابن
عباس، وزاد حتى قدم معاوية فقدم الخطبة،وهذا يشير الى ان
مروان انما فعل ذلك تبعا لمعاوية، لانه كان امين المدينة من
جهته، وروى عبدالرزاق((1112))،عن ابن جريج، عن الزهري:
اول من احدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية، وروى ابن
المنذر، عن ابن‏سيرين: اول من فعل ذلك زياد بالبصرة. قال
عياض: ولا مخالفة بين هذين الاثرين واثر مروان، لان‏كلا من
مروان وزياد كان عاملا لمعاوية، فيحمل على انه ابتدا ذلك،
وتبعه عماله. انتهى.
وقال السكتواري في محاضرة الاوائل((1113)) (ص‏144): اول
من بدا بالخطبة قبل الصلاة معاوية، وجرى ذلك‏في الامراء
المروانية، كمروان وزياد وهو فعله بالعراق، ومعاوية بالمدينة
شرفهااللّه تعالى.
قال الاميني : مر في الجزء الثامن (ص‏164 167) بيان السنة
الثابتة في خطبة العيدين، وانها بعد الصلاة كمامضى عليه
الرسول الامين(ص) واتبعه الشيخان،وعثمان ردحا من ايامه،
ثم حداه عيه عن تلفيق الخطبة‏بصورة مرضية، فكانت الناس
تتفرق عن استماعها، الى تقديمها على الصلاة ليمنعهم
انتظارهم لها عن‏الانجفال، ثم اقتص اثره عماله والمتغلبون
على الامة من بعد من بني ابيه، وان افترقت العلة فيهم عنها
فيه،فانهم لما طغوا في البلاد طفقوا يسبون امير المؤمنين
عليا (ع) في خطبهم، فكان الحضور لا يستبيحون
ذلك‏فيتفرقون، فبدا لهم تقديمها لاسماع الناس.
واول من احدث احدوثة السب هو معاوية، فالشنعة عليه في
المقام اعظم ممن بدل السنة قبله، فانه وان تابع‏البادي على
البدعة غير انه قرنها باءخرى شوهاء شنعاء، فاءمعن النظرة في
تطبيق هذه البدعة بصورتهاالاخيرة على ما صح عن
رسول‏اللّه(ص) من قوله: ((من سب عليا فقد سبني ومن سبني
فقد سب‏اللّه))((1114))وقوله(ص): ((لا تسبوا عليا فانه
ممسوس في ذات اللّه))((1115)) ثم ارجع البصر كرتين الى انه
هل يباح‏لاي‏مسلم ان يجتهد بجواز سب مولانا امير المؤمنين،
تجاه نص الكتاب العزيز في تطهيره، وولايته، ومودته،وكونه
نفس النبي الاقدس(ص)، تجاه هذا النص الجلي الخاص له (ع)
والنصوص العامة الواردة في سباب‏المؤمن مثل قوله(ص):
((سباب المسلم فسوق))((1116))؟! وهل يشك مسلم ان امير
المؤمنين اول المسلمين،واولاهم بهم من انفسهم، وهو
اميرهم وسيدهم؟
11 حد من حدود اللّه متروك
ذكر الماوردي وآخرون ان معاوية اتي بلصوص فقطعهم، حتى
بقي واحد من بينهم، فقال:
يميني امير المؤمنين اعيذها
بعفوك ان تلقى نكالا يبينها((1117))
يدي كانت الحسناء لو تم سترها
ولا تعدم الحسناء عيبا يشينها
فلا خير في الدنيا وكانت حبيبة
اذا ما شمالي فارقتها يمينها
فقال معاوية: كيف اصنع بك؟ قد قطعنا اصحابك. فقالت ام
السارق: يا اميرالمؤمنين اجعلها في ذنوبك التي‏تتوب منها.
فخلى سبيله، فكان اول حد ترك في الاسلام((1118)).
قال الاميني : افهل عرف معاوية من هذا اللص خصوصية
استثنته من حكم الكتاب النهائي العام (والسارق والسارقة
فاقطعوا ايديهما )((1119))؟! ام ان الرافة باءمه تركت حدا من
حدود اللّه لم يقم؟ وفي الذكرالحكيم ( ومن يتعد حدود اللّه
فقد ظلم نفسه )((1120)) ( تلك حدود اللّه فلا تعتدوها ومن
يتعد حدود اللّه فاءولئك‏هم‏الظالم ون )((1121)) (ومن يعص
اللّه ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها )((1122)) ام
انه كان‏لمعاوية‏مؤمن من العقاب غدا وان تعمد اليوم الغاء حد
من حدود اللّه؟ وهل نية التوبة عن المعصية تبيح‏اجتراح تلك
السيئة؟ ان هذا لشي‏ء عجاب، ومن ذا الذي طمنه باءنه سيوفق
للتوبة عنها ولا يحول بينه‏وبينها ذنوب تسلبه التوفيق، او
عظائم تسلبه الايمان، او استخفاف بالشريعة ينتهي به الى نار
الخلود؟ويظهر منه ان‏التعمد لاقتراف الذنوب باءمل التوبة كان
مطردا عند معاوية، وهذا مما يخل باءنظمة الشريعة،ونواميس
الدين، وطقوس الاسلام، فان النفوس الشريرة انما تترك اكثر
المعاصي خوفا من العقوبة الفعلية،فان زحزحت عنها باءمثال
هذه التافهات لم يبق محظور يفسد النفوس، ويقلق السلام،
ويعكر صفو الاسلام‏الاوقد عمل به، وهذا نقض لغاية التشريع،
واقامة الحدود الكابحة لجماح الجراة على اللّه ورسوله.
وهب ان التوبة مكفرة عن العصيان في الجملة، ولكن من ذا
الذي انباءه انها من تلك التوبة المقبولة؟ ( انماالتوبة على اللّه
للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فاءولئك يتوب
اللّه عليهم وكان اللّهعليماحكيما # وليست التوبة للذين يعملون
السيئات حتى اذا حضر احدهم الموت قال اني تبت الان ولا
الذين‏يموتون وهم كفار اولئك اعتدنا لهم عذابا
اليما)((1123)).
12 معاوية ولبسه ما لا يجوز
اخرج ابو داود من طريق خالد قال: وفد المقدام بن معدي
كرب، وعمرو بن‏الاسود، ورجل من بني اسدمن اهل قنسرين
الى معاوية بن ابي سفيان، فقال معاوية للمقدام: اعلمت ان
الحسن بن علي توفي؟فرجع((1124)) المقدام، فقال له
رجل:((1125)) اتراها مصيبة؟ فقال: ولم لا اراها مصيبة؟ وقد
وضعه رسول‏اللّه(ص) في حجره، فقال: ((هذا مني وحسين من
علي)). فقال الاسدي: جمرة اطفاءها اللّه عز وجل، قال:فقال
المقدام: اما انا فلا ابرح اليوم حتى اغيظك واسمعك ما تكره، ثم
قال: يا معاوية ان انا صدقت فصدقني،وان انا كذبت فكذبني،
قال: افعل. قال فاءنشدك باللّه: هل تعلم ان رسول اللّه(ص) نهى
عن لبس الحرير؟قال: نعم. قال: فاءنشدك باللّه: هل سمعت
رسول اللّه(ص) ينهى عن لبس الذهب؟ قال: نعم. قال:
فاءنشدك‏باللّه: هل تعلم ان رسول اللّه(ص) نهى عن لبس جلود
السباع والركوب عليها؟ قال: نعم. قال: فواللّه لقدرايت هذا كله
في بيتك يا معاوية فقال معاوية: قد علمت اني لن انجو منك يا
مقدام((1126)).
قال الاميني : هل يرجى خير ممن اعترف بكل ما قيل له من
المحظورات المتسالم عليها التي ارتكبها فهلا اقلع‏عنها لما
ذكر بحكمها الذي نسيه او لم يعباء به؟ لكن الرجل طاغوت
يعمل عمل الفراعنة ولم يكترث لمغبته،ولم يبال بمخالفة
السنة الثابتة، فزه به خليفة تولى امر الامة بغير مرضاتها، وتغلب
على امرتها من دون اي‏حنكة.
قد جاء في كتاب لامير المؤمنين (ع) الى عمرو بن العاص،
قوله: فانك قد جعلت دينك تبعا لدنيا امرئ‏ظاهر غيه، مهتوك
ستره... الى آخره.
قال ابن ابي الحديد في شرح النهج((1127)) (4/60): فاءما قوله
(ع) في معاوية: ظاهر غيه، فلا ريب في ظهورضلاله وبغيه وكل
باغ غاو. واما مهتوك ستره: فانه كان كثيرالهزل والخلاعة،
صاحب جلساء وسمار،ومعاوية لم يتوقر ولم يلزم قانون الرئاسة
الا منذ خرج على امير المؤمنين، واحتاج الى
الناموس‏والسكينة، والا فقد كان في ايام عثمان شديد التهتك،
موسوما بكل قبيح، وكان في ايام عمر يستر نفسه قليلاخوفا
منه، الا انه كان يلبس الحرير والديباج، ويشرب في آنية الذهب
والفضة، ويركب البغلات ذوات‏السروج المحلا ة بها جلال
الديباج والوشي، وكان حينئذ شابا، وعنده نزق الصبا، واثر
الشبيبة، وسكرالسلطان والامرة، ونقل الناس عنه في كتب
السيرة انه كان يشرب الخمر في ايام عثمان في الشام، واما
بعدوفاة امير المؤمنين واستقرار الامر له فقد اختلف فيه،
فقيل: انه شرب الخمر في ستر. وقيل: انه لم يشرب.ولا خلاف
في انه سمع الغناء وطرب عليه، واعط‏ى ووصل عليه ايضا.
اقرا وتبصر!
13 ماءساة الاستلحاق سنة اربع واربعين
كان من ضروريات الاسلام الى هذه السنة (44)، الى هذا اليوم
الاشنع الذي تقدم فيه ابن آكلة الاكبادببدعته الخرقاء على ما
قاله رسول اللّه(ص) بمل‏ء فمه المبارك، واتخذته الامة اصلا
مسلما في باب الانساب:الولد للفراش وللعاهر الحجر.
جاء هذا الحديث من طريق ابي هريرة في الصحاح
الستة((1128))، صحيح البخاري: (2/199) في الفرائض،صحيح
مسلم (1/471) في الرضاع، صحيح الترمذي (1/150 و 2/34)،
سنن النسائي (2/110)، سنن ابي‏داود (1/310)، سنن البيهقي
(7/402، 412).
ومن طريق عائشة اخرجه الحفاظ المذكورون الا الترمذي كما
في نصب الراية للزيلعي (3/236).
ومن طريق عمر وعثمان في سنن البيهقي (7/402)، ومن
طريق عبداللّه بن عمرو، اخرجه ابو داود في‏اللعان((1129))
(1/310)، واخرجه احمد في مسنده((1130)) من غير طريق
(1/104 و 2/409 و 5/326) وغيرها.
وصح عند الامة قول نبيها(ص): ((من ادعى ابا في الاسلام غير
ابيه فالجنة عليه حرام))((1131)).
وقوله(ص) من خطبة له بمنى: ((لعن اللّه من ادعى الى غير
ابيه، او تولى غيرمواليه، الولد للفراش وللعاهرالحجر)). وفي
لفظ:
((الولد للفراش وللعاهر الحجر، الا ومن ادعى الى غير ابيه، او
تولى غير مواليه رغبة عنهم، فعليه لعنة اللّهوالملائكة والناس
اجمعين، ولا يقبل منه صرف ولا عدل))((1132)).
وقوله(ص): ((ليس من رجل ادعى بغير ابيه وهو يعلم الا كفر،
ومن ادعى ما ليس له فليس‏منا))((1133)).
وقوله(ص): ((من ادعى الى غير ابيه لم يرح رائحة الجنة، وان
ريحها ليوجدمن قدر سبعين عاما. او: مسيرة‏سبعين
عاما))((1134)).
وقوله(ص): ((من ادعى الى غير ابيه وهو يعلم انه غير ابيه،
فالجنة عليه حرام))((1135)).
وقوله(ص): ((من ادعى الى غير ابيه، او انتمى الى غير مواليه،
فعليه لعنة اللّه المتتابعة الى يوم‏القيامة))((1136)).
لكن سياسة معاوية المتجهمة تجاه الهتافات النبوية، اصمته
عن سماعها، وجعلت للعاهر كل النصيب،فوهبت زيادا كله لابي
سفيان العاهر، بعدما بلغ اشده لما وجد فيه من اهبة الوقيعة في
اضداده، وهم اولياءعلي امير المؤمنين (ع).
ولد زياد على فراش عبيد مولى ثقيف، وربي في شر حجر،
ونشاء في اخبث نش‏ء، فكان يقال له قبل‏الاستلحاق: زياد بن
عبيد الثقفي، وبعده زياد بن ابي سفيان، ومعاوية نفسه كتب
اليه في ايام الحسن السبط‏سلام اللّه عليه: من امير المؤمنين
معاوية بن ابي سفيان الى زياد بن عبيد، اما بعد: فانك عبد قد
كفرت‏النعمة، واستدعيت النقمة، ولقد كان الشكر اولى بك من
الكفر، وان الشجرة لتضرب بعرقها، وتتفرع من‏اصلها، انك لا ام
لك، بل لا اب لك.
«و» يقول فيه: امس عبد واليوم امير، خطة ما ارتقاها مثلك يابن
سمية، واذااتاك كتابي هذا فخذ الناس‏بالطاعة والبيعة، واسرع
الاجابة فانك ان تفعل فدمك حقنت، ونفسك تداركت، والا
اختطفتك باءضعف‏ريش، ونلتك باءهون سعي، واقسم قسما
مبرورا ان لا اوتى بك الا في زمارة تمشي حافيا من ارض
فارس‏الى الشام، حتى اقيمك في السوق وابيعك عبدا ، واردك
الى حيث كنت فيه وخرجت منه. والسلام((1137)).
ثم لما انقضت الدولة الاموية صار يقال له: زياد بن ابيه، وزياد
بن امه، وزياد ابن سمية، امه سمية كانت‏لدهقان من دهاقين
الفرس بزندرود بكسكر، فمرض الدهقان فدعا الحارث بن كلدة
الطبيب الثقفي فعالجه‏فبرا، فوهبه سمية، وزوجها الحارث
غلاما له روميا يقال له: عبيد. فولدت زيادا على فراشه، فلما بلغ
اشده‏اشترى اباه عبيدا باءلف درهم فاءعتقه، كانت امه من
البغايا المشهورة بالطائف ذات راية.
اخرج ابو عمر وابن عساكر قالا: بعث عمر بن الخطاب زيادا في
اصلاح فساد وقع باليمن، فرجع من وجهه‏وخطب خطبة لم
يسمع الناس مثلها، فقال عمرو ابن العاص: اما واللّه لو كان هذا
الغلام قرشيا لساق‏العرب بعصاه. فقال ابو سفيان: واللّه اني
لاعرف الذي وضعه في رحم امه، فقال له علي بن ابي
طالب:((ومن هو يا ابا سفيان؟)) قال: انا. قال: مهلا يا ابا سفيان.
وفي لفظ ابن عساكر: فقال له عمرو: اسكت يا اباسفيان فانك
لتعلم ان عمر ان سمع هذا القول منك كان سريعا اليك بالشر،
فقال ابو سفيان:
اما واللّه لولا خوف شخص
يراني ياعلي من الاعادي
لاظهر امره صخر بن حرب
ولم تكن المقالة عن زياد
وقد طالت مجاملتي ثقيفا
وتركي فيهم ثمر الفؤاد
فذلك الذي حمل معاوية على ما صنع بزياد((1138)).
وفي العقد الفريد((1139)) (3/3): امر عمر زيادا ان يخطب
فاءحسن في خطبته وجود، وعند اصل المنبر ابو سفيان‏بن
حرب، وعلي بن ابي طالب، فقال ابو سفيان لعلي: ايعجبك ما
سمعت من هذا الفتى؟ قال: نعم. قال: اماانه ابن عمك! قال:
وكيف ذلك؟ قال: انا قذفته في رحم امه سمية. قال: فما
يمنعك ان تدعيه؟ قال: اخشى‏هذا القاعد على المنبر يعني
عمر ان يفسد علي اهابي! فبهذا الخبر استلحق معاوية زيادا
وشهد له الشهودبذلك. وهذا خلاف حكم رسول اللّه(ص) في
قوله: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)).
قال الاميني : لو كان معاوية استلحق زيادا بهذا الخبر لكان
استلحاقه عمرو بن العاص اولى. اذ ادعاه ابوسفيان يوم ولادته
قائلا: اما اني لا اشك اني وضعته في رحم امه.
واختصم معه العاص، غير ان النابغة ابت الا العاص لما زعمت
من الشح في ابي سفيان، وفي ذلك قال‏حسان بن ثابت:
ابوك ابو سفيان لا شك قد بدت
لنا فيك منه بينات الدلائل
ففاخر به اما فخرت ولا تكن
تفاخر بالعاص الهجين ابن وائل
الى آخر ما مر في الجزء الثاني (ص‏123).
نعم، لكل بغي كان يتصل بسمية ام زياد، والنابغة ام عمرو،
وهند ام معاوية، وحمامة ام ابي سفيان، والزرقاءام مروان،
واضرابهن من مشهورات البغاء، وياءتيهن ان يختصم في
ولائدهن.
كتب معاوية الى زياد يوم كان عامل علي امير المؤمنين (ع): اما
بعد فان العش الذي ربيت به معلوم عندنا،فلا تدع ان تاءوي اليه
كما تاءوي الطيور الى اوكارها، ولولا شي‏ء واللّه اعلم به لقلت
كما قال العبد الصالح (فلناءتينهم بجنود لا قبل لهم بها
ولنخرجنهم منها اءذلة وهم صاغرون )((1140)) وكتب في آخر
كتابه:
للّه در زياد ايما رجل
لو كان يعلم ما ياءتي وما يذر
تنسى اباك وقد حقت مقالته((1141))
اذ تخطب الناس والوالي لنا عمر
فافخر بوالدك الادنى ووالدنا
ان ابن حرب له في قومه خطر
ان انتهازك((1142)) قوما لا تناسبهم
عد الانامل عار ليس يغتفر
فانزل بعيدا((1143)) فان اللّه باعدهم
عن كل فضل به يعلو الورى مضر
فالراي مطرف والعقل تجربة
فيها لصاحبها الايراد والصدر
فلما ورد الكتاب على زياد قام في الناس، فقال: العجب كل
العجب من ابن‏آكلة الاكباد وراس النفاق،يخوفني بقصده اياي
وبيني وبينه ابن عم رسول اللّه(ص) في المهاجرين والانصار،
اما واللّه لو اذن في لقائه‏لوجدني اعرف الناس بضرب السيف.
واتصل الخبر بعلي (رضى‏ا...عنه)، فكتب الى زياد:
((اما بعد: فقد وليتك الذي وليتك وانا لا ازال((1144)) له
اهلا، وانه قد كانت من‏ابي سفيان فلتة من اماني‏الباطل،وكذب
النفس، لا يوجب له ميراثا، ولا يحل‏له نسبا، وفي لفظ: لا
تستحق بها نسبا ولا ميراثا وان معاوية‏ياءتي الانسان من
بين‏يديه ومن خلفه و «من‏»((1145)) عن يمينه
و«من‏»((1146)) عن شماله، فاءحذر ثم احذر،والسلام)).
فلما بلغ ابا بكرة اخا زياد لامه سمية ان معاوية استلحقه وانه
رضي ذلك، آلى يمينا ان لا يكلمه ابدا، وقال:هذا زنى امه
وانتفى من ابيه، ولا واللّه ما علمت سمية رات ابا سفيان قط،
ويله ما يصنع باءم حبيبة زوج‏النبي(ص) بنت ابي سفيان؟ ايريد
ان يراها؟ فان حجبته فضحته، وان رآها فيالها مصيبة، يهتك
من رسول‏اللّه(ص) حرمة عظيمة.
وحج زياد في زمن معاوية ودخل المدينة، فاءراد الدخول على
ام حبيبة، ثم ذكر قول ابي بكرة، فانصرف‏عن ذلك. وقيل: ان ام
حبيبة حجبته، ولم تاءذن له في الدخول عليها.
قال ابو عمر: لما ادعى معاوية زيادا دخل عليه بنو امية وفيهم
عبدالرحمن بن الحكم، فقال: يا معاوية لو لم‏تجد الا الزنج
لاستكثرت بهم علينا قلة وذلة. فاءقبل معاوية على مروان
وقال: اخرج عنا هذا الخليع. فقال‏مروان: واللّه انه لخليع ما
يطاق. فقال معاوية: واللّه لولا حلمي وتجاوزي لعلمت انه يطاق،
الم يبلغني شعره‏في وفي زياد؟ ثم قال لمروان: اسمعنيه. فقال:
الا ابلغ معاوية بن صخر
لقد ضاقت بما تاءتي اليدان
اتغضب ان يقال: ابوك عف
وترضى ان يقال: ابوك زان
فاءشهد ان رحمك من زياد
كرحم الفيل من ولد الاتان
واشهد انها حملت زيادا
وصخر من سمية غير دان
هذه الابيات تروى لزياد((1147)) بن ربيعة بن مفرغ الحميري
الشاعر، ومن رواها له جعل اولها:
الا ابلغ معاوية بن صخر
مغلغلة من الرجل اليمان
وذكر الابيات كما ذكرناها سواء. و روى عمر بن شبة وغيره: ان
ابن مفرغ لماوصل الى معاوية او الى ابنه‏يزيد، بعد ان شفعت
فيه اليمانية وغضبت لما صنع به عباد واخوه عبيد اللّه، وبعد ان
لقي من عباد بن زيادواخيه عبيداللّه ما لقي مما يطول ذكره،
وقد نقله اهل الاخبار ورواة الاشعار بكر وقال: يا امير
المؤمنين‏ركب مني ما لم يركب من مسلم قط على غير حدث
في الاسلام ولا خلع يد من طاعة. فقال له معاوية:الست القائل:
الا ابلغ معاوية بن حرب
مغلغلة من الرجل اليمان
اتغضب ان يقال: ابوك عف
وترضى ان يقال: ابوك زان
فقال ابن المفرغ: لا والذي عظم حقك ورفع قدرك، يا امير
المؤمنين ما قلتها قط، ولقد بلغني ان عبدالرحمن‏بن الحكم
قالها ونسب الي. فقال: افلست القائل:
شهدت باءن امك لم تباشر
ابا سفيان واضعة القناع
ولكن كان امرا فيه لبس
على وجه شديد وارتياع؟((1148))
او لست القائل:
ان زيادا ونافعا وابا بك
رة عندي من اعجب العجب
هم رجال ثلاثة خلقوا
في رحم انثى وكلهم لاب((1149))
ذا قرشي كما يقول وذا
مولى وهذا بزعمه عربي
في اشعار قلتها في زياد وبنيه تهجوهم؟ اغرب فلا عفا اللّه
عنك، قد عفوت‏عن جرمك، ولو صحبت زيادالم‏يكن شي‏ء مما
كان، اذهب فاسكن اي ارض احببت. فاختار الموصل.
قال ابو عمر((1150)): ليزيد بن مفرغ في هجو زياد وبنيه من
اجل ما لقي من عباد ابن زياد بخراسان اشعاركثيرة، وقصته مع
عباد بن زياد واخيه عبيد اللّه بن زياد مشهورة، ومن قوله
يهجوهم:
اعباد ماللؤم عنك محول
ولا لك ام في قريش ولا اب
وقل لعبيداللّه مالك والد
بحق ولا يدري امرؤ كيف تنسب((1151))
قال عبيد اللّه بن زياد: ما هجيت بشي‏ء اشد علي من قول ابن
مفرغ:
فكر ففي ذاك ان فكرت معتبر
هل نلت مكرمة الا بتاءمير
عاشت سمية ما عاشت وما علمت
ان ابنها من قريش في الجماهير
وقال غيره:
زياد لست ادري من ابوه
ولكن الحمار ابو زياد
وروينا: ان معاوية بن ابي سفيان قال حين انشده مروان شعر
اخيه عبدالرحمن: واللّه لا ارضى عنه حتى‏ياءتي زيادا فيترضاه
ويعتذر اليه. واتاه‏عبدالرحمن يستاءذن عليه معتذرا فلم ياءذن
له، فاءقبلت قريش على‏عبدالرحمن بن الحكم، فلم يدعوه حتى
اتى زيادا، فلما دخل فسلم عليه فتشاوس((1152)) له زياد
بعينه، وكان‏يكسرعينه، فقال له زياد: انت القائل ما قلت؟ فقال
عبدالرحمن: وما الذي قلت؟ فقال: قلت ما لا يقال.فقال عبد
الرحمن: اصلح اللّه الامير انه لا ذنب لمن اعتب، وانما الصفح
عمن اذنب، فاسمع مني ما اقول، قال:هات. فاءنشاء يقول:
اليك ابا المغيرة تبت مما
جرى بالشام من جور اللسان
واغضبت الخليفة فيك حتى
دعاه فرط غيظ ان لحاني
وقلت لمن لحاني في اعتذاري
اليك الحق شاءنك غير شاني
عرفت الحق بعد خطاء رايي
وما البسته غير البيان
زياد من ابي سفيان غصن
تهادى ناضر بين الجنان
اراك اخا وعما وابن عم
فما ادري بعين ما تراني
وانت زيادة في آل حرب
احب الي من وسط‏ى بناني
الا ابلغ معاوية بن حرب
فقد ظفرت بما تاءتي اليدان
فقال له زياد: اراك احمق مترفا شاعرا صنع اللسان، يسوغ لك
ريقك ساخطاومسخوطا، ولكنا قد سمعناشعرك وقبلنا عذرك،
فهات حاجتك. قال: كتاب الى اميرالمؤمنين بالرضا عني. قال:
نعم، فكتب‏كتابا اخذه‏ومضى‏حتى دخل على معاوية، ففض
الكتاب ورضي عنه ورده الى حاله وقال: قبح اللّه زيادا الم ينتبه
له اذقال:
وانت زيادة في آل حرب((1153))
. . . . .
قال ابو عبيدة: كان زياد يزعم ان امه سمية بنت الاعور من بني
عبد شمس بن زيد مناة بن تميم، فقال ابن‏مفرغ يرد ذلك
عليه:
فاءقسم ما زياد من قريش
ولا كانت سمية من تميم
ولكن نسل عبد من بغي
عريق الاصل في النسب اللئيم((1154))
واخرج الطبري في تاريخه((1155)) (6/123) باسناده عن ابي
اسحاق: ان زيادا لماقدم الكوفة قال: قد جئتكم في‏امر ما طلبته
الا لكم. قالوا: ادعنا الى ما شئت. قال:تلحقون نسبي بمعاوية.
قالوا: اما بشهادة الزور فلا، فاءتى‏البصرة فشهد له رجل.
قال ابن عساكر وابن الاثير: كان ابو سفيان صار الى الطائف
فنزل على خمار يقال له ابو مريم السلولي،وكانت لابي مريم
بعد صحبة، فقال ابو سفيان لابي مريم بعد ان شرب عنده: قد
اشتدت به العزوبة، فالتمس‏لي بغيا. فقال: هل لك في جارية
الحارث بن كلدة سمية امراة عبيد؟ فقال: هاتها على طول
ثديها و ريح‏ابطيها. فجاء بها اليه فوقع بها، فولدت زيادا فادعاه
معاوية.
وروى ابن عساكر، عن ابن سيرين، عن ابي بكرة، قال: قال زياد
لابي بكرة: الم تر ان امير المؤمنين ارادني‏على كذا وكذا،
وولدت على فراش عبيد واشبهته، وقد علمت ان رسول
اللّه(ص) قال: ((من ادعى لغير ابيه‏فليتبوا مقعده من النار)).
ثم جاء العام المقبل وقد ادعاه. وقال محمد بن اسحاق: كنا
جلوسا عند ابي‏سفيان،فخرج زياد فقال: ويل امه لو كان له
صلب قوم ينتمي اليهم((1156)).
ولما بويع معاوية قدم زياد على معاوية فصالحه على الفي الف،
ثم اقبل فلقيه‏مصقلة بن هبيرة الشيباني،وضمن له عشرين
الف درهم ليقول لمعاوية: ان زيادا قد اكل فارس برا وبحرا،
وصالحك على الفي الف‏درهم، واللّه ما ارى الذي يقال الا حقا.
فاذا قال لك: وما يقال؟ فقل: يقال: انه ابن ابي سفيان. ففعل
مصقلة‏ذلك، وراى معاوية ان يستميل زيادا، واستصفى مودته
باستلحاقه، فاتفقا على ذلك، واحضر الناس وحضرمن يشهد
لزياد، وكان فيمن حضر ابو مريم السلولي، فقال له معاوية: بم
تشهد يا ابا مريم؟ فقال: انا اشهدان ابا سفيان حضر عندي
وطلب مني بغيا، فقلت له: ليس عندي الا سمية. فقال: ائتني
بها على قذرهاووضرها. فاءتيته بها فخلا معها، ثم خرجت من
عنده وان اسكتيها ليقطران منيا. فقال له زياد: مهلاابا مريم‏انما
بعثت شاهدا ولم تبعث شاتما. فاستلحقه معاوية((1157)).
وفي العقد الفريد((1158)) (3/3): يقال: ان ابا سفيان خرج يوما
وهو ثمل الى تلك الرايات، فقال لصاحبة الراية:هل عندك من
بغي؟ فقالت: ما عندي الا سمية. قال: هاتها على نتن ابطيها.
فوقع بها فولدت له زيادا على‏فراش عبيد.
فوجد زياد نفسه بعد حسبه الواطئ ونسبه الوضيع، بعد ان كان
لا يعزى الى‏اب معلوم عمرا طويلا يقرب‏من خمسين
عاما((1159))، فيقال له: زياد بن ابيه. اخا((1160)) ملك
الوقت، وابن من يزعم انه من شرفاء بيئته، وقدتسنى له
الحصول على مكانة رابية، فاءغرق نزعا في جلب مرضاة معاوية،
المحابي له بتلك المرتبة التي بمثلهاحابت هند ابنها المردد
بين خمسة رجال او ستة من بغايا الجاهلية، لكن آكلة الاكباد
الحقت معاوية باءبي‏سفيان لدلالة السحنة والشبه، فطفق زياد
يلغ في دماء الشيعة، ولمعاوية من ورائه تصدية ومكاء.
وان غلواء الرجل المحابي اعمته عن استقباح نسبة الزنا لابيه،
يوم استحسن ان يكون له اخ مثل زياد،شديد في باءسه، ياءتمر
اوامره، وينتهي الى ما يوده من بوائق وموبقات، ولم يكترث
لحكم الشريعة بحرمة‏مثل ذلك الالحاق، واستعظامها اياه، ولا
يصيخ الى قول النبي الصادق(ص)، قال يونس بن ابي عبيد
الثقفي‏لمعاوية: يا معاوية قضى رسول اللّه(ص) ان ((الولد
للفراش وللعاهر الحجر)). فعكست ذلك‏وخالفت سنة‏رسول
اللّه(ص)، فقال: اعد. فاءعاد يونس مقاله هذا، فقال معاوية: يا
يونس واللّه لتنتهين او لاطيرن بك‏طيرا بطيئا
وقوعها((1161)).
انظر الى ايمان الرجل بنبيه(ص)، واخباته الى حديثه بعد
استعادته، وعنايته بقبوله ورعايته حرمته، والحكم‏في هذه
الشنيعة كل ذي مسكة من علماء الامة وذوي حنكتها ومؤلفيها
وكتابها.
قال سعيد بن المسيب: اول((1162)) قضية ردت من قضاء
رسول اللّه(ص) علانية،قضاء فلان، يعني: معاوية في‏زياد.
وقال ابن يحيى: اول حكم رد من احكام رسول اللّه(ص)، الحكم
في زياد.
وقال ابن بعجة: اول داء دخل على العرب قتل الحسن((1163))
سبط النبي(ص)، وادعاء زياد((1164)).
وقال الحسن: اربع خصال كن في‏معاوية لو لم يكن فيه منهن
الا واحدة لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه‏الامة بالسفهاء حتى
ابتزها((1165)) امرها بغير مشورة منهم، وفيهم بقايا الصحابة
وذوو الفضيلة. واستخلافه‏ابنه بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير
ويضرب بالطنابير. وادعاؤه زيادا، وقد قال رسول اللّه(ص):
((الولدللفراش وللعاهر الحجر)). وقتله حجرا، ويلا له من حجر
واصحاب حجر قالها مرتين((1166)).
وقال الامام السبط الحسن الزكي (ع) لزياد في حضور من
معاوية، وعمرو بن العاص، ومروان بن الحكم:((وما انت يا زياد
وقريشا؟ لا اعرف لك فيها اديما صحيحا ولا فرعا نابتا، ولا
قديما ثابتا، ولا منبتا كريما،بل كانت امك بغيا تداولهارجال
قريش، وفجار العرب، فلما ولدت لم تعرف لك العرب والدا،
فادعاك‏هذا يعني معاوية بعد ممات ابيه، ما لك افتخار،
تكفيك سمية ويكفينا رسول اللّه(ص)، وابي علي بن ابي‏طالب
سيد المؤمنين الذي لم يرد على عقبيه، وعمي حمزة
سيدالشهداء، وجعفر الطيار، وانا واخي سيداشباب اهل
الجنة))((1167)).
وفد زياد على معاوية فاءتاه بهدايا، واموال عظام، وسفط مملوء
جوهرا لم ير مثله، فسر معاوية بذلك‏سرورا شديدا، فلما راى
زياد ذلك، صعد المنبر فقال: انا واللّه يا امير المؤمنين اقمت
لك معر العراق، وجبيت‏لك مالها، والفظت اليك بحرها. فقام
يزيد بن معاوية فقال: ان تفعل ذلك يا زياد فنحن نقلناك من
ولاءثقيف الى قريش، ومن القلم الى المنابر، ومن زياد بن عبيد
الى حرب بن امية. فقال معاوية: اجلس فداك‏ابي
وامي((1168)).
وقال السكتواري في محاضرة الاوائل((1169)) (ص‏136): اول
قضية ردت من قضايا رسول اللّه(ص) علانية،دعوة معاوية
زيادا، وكان ابو سفيان تبرا منه وادعى انه ليس من اولاده،
وقضى بقطع نسبه. فلما تاءمرمعاوية قربه واستاءمره، ففعل ما
فعل زياد ابن ابيه يعني ابن زنية من الطغيان والاساءة في حق
اهل بيت‏النبوة. وقال في (ص‏164): كان عمر (رضى‏ا...عنه) اذا
نظر الى معاوية يقول: هذا ابن ابي سفيان
كسرى‏العرب((1170))، لانه كان اول من رد قضية من قضايا
رسول اللّه(ص) حين هجر، وزياد ابن ابيه اول من اساءاساءة
تفرد بشينها بين الامم في حق اهل البيت غ.
وقال في (ص‏246): كان قد تبرا من زياد ابو سفيان، ومنع حقه
من ميراث الاسلام بحضرة الصحابة غ،فلا زال طريدا حتى دعاه
معاوية وقربه وامره وردالقضية، وهي اول قضية من قضايا
الاسلام ردت، ولذاصارت بلية شنيعة، ومحنة فاحشة بين
الامة، وابغض الوسائل تعديه على افضل الملة، واحب
العترة.انتهى.
ولا احسب ان احدا من رجالات الدين يشذ عما قاله الجاحظ في
رسالته((1171)) الثابتة في بني امية (ص‏293):فعندها استوى
معاوية على الملك واستبد على بقية الشورى، وعلى جماعة
المسلمين من الانصاروالمهاجرين في العام الذي سموه عام
الجماعة، وما كان عام جماعة بل كان عام فرقة وقهر وجبرية
وغلبة،والعام الذي تحولت فيه الامامة ملكا كسرويا ، والخلافة
منصبا قيصريا، ولم يعد ذلك اجمع الضلال‏والفسق، ثم ما زالت
معاصيه من جنس ما حكينا، وعلى منازل ما رتبنا، حتى رد
قضية رسول اللّه(ص)ردامكشوفا ، وجحد حكمه جحدا ظاهرا
في ولد الفراش وما يجب للعاهر، مع اجماع الامة على ان سمية
لم‏تكن لابي سفيان فراشا، وانه انما كان بها عاهرا، فخرج بذلك
من حكم الفجار الى حكم الكفار. انتهى.
ولو تحرينا موبقات معاوية المكفرة له وجدنا هذه في اصاغرها،
فجل اعماله ان لم يكن كلها على الضد من‏الكتاب والسنة
الثابتة، فهي غير محصورة في مخالفته لقوله(ص): ((الولد
للفراش وللعاهر الحجر)).
14 بيعة يزيد احد موبقات معاوية الاربع((1172))
ان من موبقات معاوية وبوائقه وهو كله بوائق اخذه البيعة لابنه
يزيد على كره من اهل الحل والعقد،ومراغمة لبقايا المهاجرين
والانصار، وانكار من اعيان الصحابة‏الباقين، تحت بوارق
الارهاب، ومعها طلاة‏المطامع لاهل الشره والشهوات.
كان في خلد معاوية يوم استقرت له الملوكية، وتم له الملك
العضوض، ان يتخذ ابنه ولي عهده وياءخذ له‏البيعة، ويؤسس
حكومة اموية مستقرة في ابناء بيته، فلم يزل يروض الناس
لبيعته سبع سنين، يعط‏ي‏الاقارب ويداني الاباعد((1173))،
وكان يبتلعه طورا، ويجتر به حينا بعد حين، يمهد بذلك
السبيل، ويسهل‏حزونته، ولما مات زياد سنة (53) وكان يكره
تلك البيعة، اظهر معاوية عهدا مفتعلا على زياد، فقراه
على‏الناس، فيه عقد الولاية ليزيد بعده، واراد بذلك ان يسهل
بيعة يزيد كما قاله المدائني((1174)). وقال ابو عمر
في‏الاستيعاب((1175)) (1/142): كان معاوية قد اشار بالبيعة
ليزيد في‏حياة‏الحسن،وعرض‏بها،ولكنه‏لم‏يكشفها، ولاعزم‏عليها
الا بعد موت‏الحسن.
قال ابن كثير في تاريخه((1176)) (8/79): وفي سنة ست
وخمسين دعا معاوية الناس الى البيعة ليزيد ولده، ان‏يكون
ولي عهده من بعده، وكان قد عزم قبل ذلك على هذا في حياة
المغيرة بن شعبة((1177))، فروى ابن‏جرير((1178)) من
طريق الشعبي: ان المغيرة كان قد قدم على معاوية واعفاه من
امرة الكوفة، فاءعفاه لكبره‏وضعفه، وعزم على توليتها سعيد بن
العاص، فلما بلغ ذلك المغيرة كاءنه ندم، فجاء الى يزيد بن
معاوية‏فاءشار عليه باءن يساءل من ابيه ان يكون ولي العهد،
فساءل ذلك من ابيه، فقال: من امرك بهذا؟ قال:
المغيرة.فاءعجب ذلك معاوية من المغيرة، ورده الى
عمل‏الكوفة، وامره ان يسعى في ذلك، فعند ذلك سعى المغيرة
في‏توطيد ذلك، وكتب‏معاوية الى زياد يستشيره في ذلك،
فكره زياد ذلك لما يعلم من لعب يزيد واقباله على‏اللعب
والصيد، فبعث اليه من يثني رايه عن ذلك وهو عبيد بن كعب
النميري وكان صاحبا اكيدا لزياد،فسار الى دمشق فاجتمع
بيزيد اولا فكلمه عن زياد، واشار عليه باءن لايطلب ذلك، فان
تركه خير له من‏السعي فيه، فانزجر يزيد عما يريد من ذلك،
واجتمع باءبيه واتفقا على ترك ذلك في هذا الوقت، فلما
مات‏زياد شرع معاوية في نظم ذلك والدعاء اليه، وعقد البيعة
لولده يزيد، وكتب الى الافاق بذلك.
صورة اخرى :
في بدء بدئها : كان ابتداء بيعة يزيد واولها من المغيرة بن شعبة،
فان معاوية‏اراد ان يعزله عن الكوفة‏ويستعمل عوضه سعيد بن
العاص، فبلغه ذلك فقال: الراي ان اشخص الى معاوية
فاستعفيه ليظهر للناس‏كراهتي للولاية، فسار الى معاوية، وقال
لاصحابه حين وصل اليه: ان لم اكسبكم الان ولاية وامارة لا
افعل‏ذلك ابدا، ومضى حتى دخل على يزيد، وقال له: انه قد
ذهب اعيان اصحاب النبي(ص) وكبراء قريش‏وذوو اسنانهم،
وانما بقي ابناؤهم وانت من افضلهم واحسنهم رايا، واعلمهم
بالسنة والسياسة، ولا ادري مايمنع امير المؤمنين ان يعقد لك
البيعة؟ قال: اوترى ذلك يتم؟ قال: نعم. فدخل يزيد على ابيه
واخبره بما قال‏المغيرة، فاءحضر المغيرة وقال له: ما يقول يزيد؟
فقال: يا امير المؤمنين قد رايت ما كان من سفك
الدماءوالاختلاف بعد عثمان((1179)) وفي يزيد منك خلف
فاعقد له، فان حدث بك حادث كان كهفا للناس، وخلفامنك،
ولا تسفك دماء، ولا تكون فتنة. قال: ومن لي بهذا؟ قال:
اكفيك اهل الكوفة، ويكفيك زياد اهل‏البصرة، وليس بعد هذين
المصرين احد يخالفك. قال: فارجع الى عملك وتحدث مع من
تثق اليه في ذلك،وترى ونرى. فودعه ورجع الى اصحابه،
فقالوا: مه. قال: لقد وضعت رجل معاوية في غرز بعيد الغاية
على‏امة محمد، وفتقت عليهم فتقا لا يرتق ابدا. وتمثل:
بمثلي شاهدي نجوى وغالى
بي الاعداء والخصم الغضابا
وسار المغيرة حتى قدم الكوفة، وذاكر من يثق اليه ومن يعلم
انه شيعة لبني‏امية امر يزيد، فاءجابوا الى بيعته،فاءوفد منهم
عشرة، ويقال: اكثر من عشرة، واعطاهم ثلاثين الف درهم،
وجعل عليهم ابنه موسى بن‏المغيرة، وقدموا على معاوية فزينوا
له بيعة يزيد، ودعوه الى عقدها. فقال معاوية: لا تعجلوا باظهار
هذاوكونوا على رايكم، ثم قال لموسى: بكم اشترى ابوك من
هؤلاء دينهم؟ قال: بثلاثين الفا. قال: لقد هان‏عليهم دينهم.
وقيل: ارسل اربعين رجلا وجعل عليهم ابنه عروة، فلما دخلوا
على معاوية قاموا خطباء، فقالوا: انمااشخصهم اليه النظر لامة
محمد(ص) وقالوا: يا امير المؤمنين كبرت سنك، وخفنا انتشار
الحبل، فانصب لناعلما، وحد لنا حدا ننتهي اليه. فقال: اشيروا
علي. فقالوا: نشير بيزيد ابن امير المؤمنين. فقال:
اوقدرضيتموه؟ قالوا: نعم. قال: وذلك رايكم؟ قالوا: نعم، وراي
من وراءنا. فقال معاوية لعروة سرا عنهم: بكم‏اشترى ابوك من
هؤلاء دينهم؟ قال: باءربعمائة دينار. قال: لقد وجد دينهم
عندهم رخيصا، وقال لهم: ننظرما قدمتم له ويقضي اللّه ما اراد،
والاناة خير من العجلة، فرجعوا.
وقوي عزم معاوية على البيعة ليزيد، فاءرسل الى زياد يستشيره،
فاءحضر زياد عبيد بن كعب النميري وقال‏له: ان لكل مستشير
ثقة، ولكل سر مستودع، وان الناس قد ابدع بهم خصلتان: اذاعة
السر، واخراج‏النصيحة الى غير اهلها، وليس موضع السر الا احد
رجلين: رجل آخرة يرجو ثوابها، ورجل دنيا له‏شرف في نفسه،
وعقل يصون حسبه، وقد خبرتهما منك، وقد دعوتك لامر
اتهمت عليه بطون‏الصحف:ان‏امير المؤمنين كتب يستشيرني
في كذا وكذا، وانه يتخوف نفرة الناس، ويرجو طاعتهم، وعلاقة
امرالاسلام وضمانه عظيم، ويزيد صاحب رسلة وتهاون مع ما
قد اولع به من الصيد، فالق امير المؤمنين واداليه‏فعلات يزيد،
وقل له: رويدك بالامر فاءحرى لك ان يتم لك، لا تعجل فان
دركا في تاءخير خير من فوت في‏عجلة. فقال له عبيد: افلا غير
هذا؟ قال: وما هو؟ قال: لا تفسد على معاوية رايه، ولا تبغض
اليه ابنه، والفي‏انا يزيد فاءخبره ان امير المؤمنين كتب اليك،
يستشيرك في البيعة له، وانك تتخوف خلاف الناس
عليه‏لهنات ينقمونها عليه، وانك ترى له ترك ما ينقم عليه
لتستحكم له الحجة على الناس، ويتم ما تريد فتكون‏قد نصحت
امير المؤمنين وسلمت مما تخاف من امر الامة. فقال زياد: لقد
رميت الامر بحجره، اشخص على‏بركة اللّه، فان اصبت فما لا
ينكر، وان يكن خطاء فغير مستغش، وتقول بما ترى، ويقضي‏اللّه
بغيب ما يعلم.فقدم على‏يزيد فذكر ذلك له‏فكف عن كثير مما
كان يصنع، وكتب زياد معه الى معاوية يشير بالتؤدة وان
لايعجل، فقبل منه. فلما مات زياد عزم معاوية على البيعة لابنه
يزيد، فاءرسل الى عبداللّه بن عمر مائة الف‏درهم فقبلها، فلما
ذكرالبيعة ليزيدقال ابن عمر: هذا اراد، ان ديني‏اذن لرخيص.
وامتنع((1180)).
بيعة يزيد في الشام وقتل الحسن السبط دونها :
لما اجتمعت عند معاوية وفود الامصار بدمشق باحضار منه
وكان فيهم الاحنف بن قيس، دعا معاوية‏الضحاك بن قيس
الفهري فقال له: اذا جلست على المنبر وفرغت من بعض
موعظتي وكلامي فاستاءذني‏للقيام، فاذا اذنت لك فاحمد اللّه
تعالى واذكر يزيد، وقل فيه الذي يحق له عليك من حسن الثناء
عليه، ثم‏ادعني الى توليته من بعدي، فاني قد رايت واجمعت
على توليته، فاءساءل اللّه في ذلك وفي غيره‏الخيرة
وحسن‏القضاء. ثم دعا عبد الرحمن بن عثمان الثقفي، وعبداللّه
بن مسعدة الفزاري، وثور بن معن السلمي، وعبداللّهبن عصام
الاشعري، فاءمرهم ان يقوموا اذا فرغ الضحاك، وان يصدقوا
قوله، ويدعوه الى «بيعة‏»((1181)) يزيد.
ثم خطب معاوية، فتكلم القوم بعده على ما يروقه من الدعوة
الى يزيد، فقال معاوية: اين الاحنف؟فاءجابه، قال: الا تتكلم؟
فقام الاحنف فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال: اصلح اللّه امير
المؤمنين، ان الناس قدامسوا في منكر زمان قد سلف، ومعروف
زمان مؤتنف((1182))، ويزيد ابن امير المؤمنين نعم الخلف،
وقد حلبت‏الدهر اشطره يا امير المؤمنين، فاعرف من تسند اليه
الامر من بعدك، ثم اعص امر من ياءمرك، لا يغررك‏من يشير
عليك، ولا ينظر لك وانت انظر للجماعة، واعلم باستقامة
الطاعة، «مع‏»((1183)) ان اهل الحجاز واهل‏العراق لا يرضون
بهذا، ولا يبايعون ليزيد ما كان الحسن حيا.