فغضب الضحاك، فقام الثانية، فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال:
اصلح اللّه امير المؤمنين، ان اهل النفاق من اهل‏العراق،
مروءتهم في انفسهم الشقاق، والفتهم في دينهم الفراق، يرون
الحق على اهوائهم كاءنما ينظرون‏باءقفائهم، اختالوا جهلا
وبطرا، لا يرقبون من اللّه راقبة، ولا يخافون وبال عاقبة، اتخذوا
ابليس لهم ربا،واتخذهم ابليس حزبا، فمن يقاربوه لا يسروه،
ومن يفارقوه لا يضروه، فادفع رايهم يا امير المؤمنين
في‏نحورهم، وكلامهم في صدروهم، ما للحسن وذوي الحسن
في سلطان اللّه الذي استخلف به معاوية في‏ارضه؟ هيهات لا
تورث الخلافة عن كلالة، ولا يحجب غير الذكر العصبة، فوطنوا
انفسكم يا اهل العراق‏على المناصحة لامامكم، وكاتب‏نبيكم
وصهره، يسلم لكم العاجل، وتربحوا من الاجل.
ثم قام الاحنف بن قيس، فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال: يا امير
المؤمنين انا قد فررنا((1184)) عنك‏قريشافوجدناك اكرمها
زندا ، واشدها عقدا، واوفاها عهدا، قد علمت انك لم تفتح
العراق عنوة، ولم تظهرعليها قعصا((1185))، ولكنك اعطيت
الحسن بن علي من عهود اللّه ما قد علمت ليكون له الامر من
بعدك، فان‏تف‏فاءنت اهل الوفاء، وان تغدر تعلم واللّه ان وراء
الحسن خيولا((1186))، واذرعا شدادا، وسيوفا حدادا، ان‏تدن
له شبرا من غدر، تجد وراءه باعا من نصر، وانك تعلم ان اهل
العراق ما احبوك منذ ابغضوك، ولاابغضوا عليا وحسنا منذ
احبوهما، وما نزل عليهم في ذلك خبر((1187)) من السماء،
وان السيوف التي شهروهاعليك مع علي يوم صفين لعلى
عواتقهم، والقلوب التي ابغضوك بها لبين جوانحهم، وايم اللّه
ان الحسن لاحب‏الى اهل العراق من علي.
ثم قام عبدالرحمن بن عثمان الثقفي، فاءثنى على يزيد، وحث
معاوية على بيعته، فقام معاوية فقال:
ايها الناس: ان لابليس من الناس اخوانا وخلا نا، بهم يستعد
واياهم يستعين، وعلى السنتهم ينطق، ان‏رجوا طمعا
اوجفوا((1188))، وان استغني عنهم ارجفوا، ثم يلقحون الفتن
بالفجور، ويشفقون لها حطب النفاق،عيابون مرتابون، ان
لووا((1189)) عروة امر حنقوا، وان دعوا الى غي اسرفوا، وليسوا
اولئك بمنتهين، ولابمقلعين،ولامتعظين حتى تصيبهم
صواعق خزي وبيل، وتحل بهم قوارع امر جليل، تجتث اصولهم
كاجتثاث‏اصول الفقع((1190))، فاءولى لاولئك ثم اولى، فانا قد
قدمنا وانذرنا، ان اغنى التقدم شيئا، او نفع النذر((1191)).
فدعا معاوية الضحاك فولا ه الكوفة، ودعا عبدالرحمن فولاه
الجزيرة.
ثم قام الاحنف بن قيس فقال: يا امير المؤمنين انت اعلمنا
بيزيد في ليله ونهاره، وسره وعلانيته، ومدخله‏ومخرجه، فان
كنت تعلمه للّه رضا ولهذه الامة، فلا تشاور الناس فيه، وان
كنت تعلم منه غير ذلك، فلاتزوده الدنيا وانت صائر الى الاخرة،
فانه ليس لك من الاخرة الا ما طاب، واعلم انه لا حجة لك
عنداللّهان قدمت يزيد على الحسن والحسين، وانت تعلم من
هما، والى ما هما، وانما علينا ان نقول: سمعنا واطعنا،غفرانك
ربنا واليك المصير((1192)).
قال الاميني : لما حس معاوية بدء اعرابه عما رامه من البيعة
ليزيد، ان الفئة الصالحة من الامة قط لا تخبت‏الى تلك البيعة
الوبيلة ما دامت للحسن السبط الزكي سلام اللّه عليه باقية من
الحياة، على انه اعط‏ى الامام‏مواثيق مؤكدة ليكون له الامر من
بعده، وليس له ان يعهد الى اي احد، فراى توطيد السبل لجروه
في قتل‏ذلك الامام الطاهر، وجعل ما عهد له تحت قدميه، قال
ابو الفرج: اراد معاوية البيعة لابنه يزيد، فلم يكن‏شي‏ء اثقل عليه
من امر الحسن بن علي، وسعد بن ابي وقاص، فدس اليهما سما
فماتامنه((1193)).
وسيوافيك‏تفصيل‏القول‏في‏ان‏معاوية‏هو الذي‏قتل‏الحسن‏السبط
سلام‏اللّهعليه.
عبدالرحمن بن خالد((1194)) في بيعة يزيد :
خطب معاوية اهل الشام وقال لهم: يا اهل الشام، انه كبرت
سني، وقرب اجلي، وقد اردت ان اعقد لرجل‏يكون نظاما لكم،
وانما انا رجل منكم فروا رايكم. فاءصفقوا واجتمعوا، وقالوا:
رضينا عبدالرحمن بن خالدبن الوليد، فشق ذلك على معاوية،
واسرها في نفسه، ثم ان عبدالرحمن مرض، فاءمر معاوية
طبيباعنده‏يهوديا يقال له: ابن اثال. وكان عنده مكينا، ان ياءتيه
فيسقيه سقية يقتله بها، فاءتاه فسقاه فانخرق بطنه‏فمات، ثم
دخل اخوه المهاجر بن خالد دمشق مستخفيا هو وغلام له،
فرصدا ذلك اليهودي، فخرج ليلا من‏عند معاوية فهجم عليه،
ومعه قوم هربوا عنه، فقتله المهاجر. وفي الاغاني: انه قتله خالد
بن المهاجر، فاءخذواتي به‏معاوية فقال له: لا جزاك اللّه من زائر
خيرا قتلت طبيبي. قال: قتلت الماءمور وبقي الامر((1195)).
قال ابو عمر بعد ذكر القصة: وقصته هذه مشهورة عند اهل
السير والعلم بالاثار والاخبار اختصرناها،ذكرها عمر بن شبة في
اخبار المدينة وذكرها غيره.
قال الاميني : وقعت هذه القصة سنة (46) وهي السنة الثانية
من هاجسة بيعة يزيد....
سعيد بن عثمان سنة خمس وخمسين :
ساءل سعيد بن عثمان معاوية ان يستعمله على خراسان فقال:
ان بها عبيداللّهابن زياد((1196)). فقال: اما لقداصطنعك ابي
ورفاك حتى بلغت باصطناعه المدى الذي لايجارى اليه ولا
يسامى، فما شكرت بلاءه ولاجازيته بلائه، وقدمت علي هذا
يعني يزيد بن معاوية وبايعت له وواللّه لانا خير منه ابا واما
ونفسا. فقال‏معاوية: اما بلاء ابيك فقد يحق علي الجزاء به، وقد
كان من شكري لذلك اني طلبت بدمه حتى تكشفت‏الامور،
ولست بلائم لنفسي في التشمير، واما فضل ابيك على ابيه
فاءبوك واللّه خير مني، واقرب برسول‏اللّه(ص)، واما فضل امك
على امه فما ينكر، امراة من قريش خير من امراة من كلب، واما
فضلك عليه فواللّهما احب ان الغوطة دحست((1197)) ليزيد
رجالا مثلك، فقال له يزيد: يا امير المؤمنين ابن عمك وانت
احق من‏نظر في امره، وقد عتب عليك لي فاءعتبه((1198)).
وفي لفظ ابن قتيبة: فلما قدم معاوية الشام، اتاه سعيد بن
عثمان بن عفان، وكان شيطان قريش ولسانها، قال:يا امير
المؤمنين علام تبايع ليزيد وتتركني؟ فواللّه لتعلم ان ابي خير
من ابيه، وامي خير من امه، وانا خيرمنه، وانك انما نلت ما انت
فيه باءبي. فضحك معاوية وقال: يا بن اخي اما قولك: ان اباك
خير من ابيه. فيوم‏من عثمان خير من معاوية. واما قولك: ان
امك خير من امه، ففضل قرشية على‏كلبية فضل بين. واما ان
اكون‏نلت ما انا فيه باءبيك فانما هو الملك يؤتيه اللّه من يشاء،
قتل ابوك، فتواكلته بنو العاصي وقامت فيه بنوحرب، فنحن
اعظم بذلك منة عليك، واما ان تكون خيرا من يزيد، فواللّه ما
احب ان داري مملوءة رجالامثلك بيزيد، ولكن دعني من هذا
القول، وسلني اعطك. فقال سعيد بن عثمان بن عفان: ياامير
المؤمنين لايعدم يزيد مزكيا ما دمت له، وما كنت لارضى
ببعض حقي دون بعض، فاذا ابيت فاءعطني مما اعطاك
اللّه.فقال معاوية: لك خراسان؟ قال سعيد: وما خراسان؟! قال:
انها لك طعمة وصلة رحم. فخرج راضيا وهويقول:
ذكرت امير المؤمنين وفضله
فقلت: جزاه اللّه خيرا بما وصل
وقد سبقت مني اليه بوادر
من القول فيه آية العقل والزلل
فعاد امير المؤمنين بفضله
وقد كان فيه قبل عودته ميل
وقال خراسان لك اليوم طعمة
فجوزي امير المؤمنين بما فعل
فلو كان عثمان الغداة مكانه
لما نالني من ملكه فوق ما بذل
فلما انتهى قوله الى معاوية، امر يزيد ان يزوده، وامر اليه بخلعة،
وشيعه‏فرسخا((1199)).
قال ابن عساكر في تاريخه((1200)) (6/155): كان اهل المدينة
يحبون سعيدا ويكرهون يزيد، فقدم على معاوية،فقال له: يا بن
اخي ما شي‏ء يقول اهل المدينة؟ قال: ما يقولون؟ قال: قولهم:
واللّه لا ينالها يزيد
حتى يعض هامه الحديد
ان الامير بعده سعيد
قال: ما تنكر من ذلك يا معاوية؟ واللّه ان ابي لخير من ابي يزيد،
ولامي خيرمن امه، ولانا خير منه، ولقداستعملناك فما عزلناك
بعد، ووصلناك فما قطعناك، ثم صار في يديك ما قد ترى
فحلاتنا((1201)) عنه اجمع. فقال‏له: اما قولك. الحديث.
وقال: حكى الحسن بن رشيق قصة سعيد مع معاوية باءطول
مما مر ثم ذكرحكاية ابن رشيق وفيها: فولا ه‏معاوية خراسان
واجازه بمائة الف درهم.
كتب معاوية في بيعة يزيد :
كتب معاوية الى مروان بن الحكم: اني قد كبرت سني، ودق
عظمي، وخشيت الاختلاف على الامة بعدي،وقد رايت ان
اتخير لهم من يقوم بعدي، وكرهت ان اقطع امرا دون مشورة
من‏عندك، فاعرض ذلك‏عليهم‏واعلمني بالذي يردون عليك.
فقام مروان في الناس فاءخبرهم به، فقال الناس: اصاب ووفق،
وقد اجبنا ان يتخير لنا فلا ياءلو.
فكتب مروان الى معاوية بذلك فاءعاد اليه الجواب بذكر يزيد.
فقام مروان فيهم وقال: ان امير المؤمنين قداختار لكم فلم
ياءل وقد استخلف ابنه يزيد بعده.
فقام عبدالرحمن بن ابي بكر فقال: كذبت واللّه يامروان وكذب
معاوية، ما الخيار اردتما لامة محمد، ولكنكم‏تريدون ان
تجعلوها هرقلية كلما مات هرقل قام هرقل. فقال مروان: هذا
الذي انزل اللّه فيه ( والذي قال‏لوالديه اف لكما ). الاية، فسمعت
عائشة مقالته من وراء الحجاب وقالت: يامروان يا مروان،
فاءنصت الناس،واقبل مروان بوجهه فقالت: انت القائل لعبد
الرحمن انه نزل فيه القرآن؟ كذبت واللّه ما هو به ولكنه فلان‏بن
فلان، ولكنك انت فضض من لعنة نبي اللّه((1202)).
وقام الحسين بن علي فاءنكر ذلك، وفعل مثله ابن عمر، وابن
الزبير، فكتب مروان بذلك الى معاوية، وكان‏معاوية قد كتب الى
عماله بتقريظ يزيد ووصفه وان يوفدوا اليه الوفود من الامصار،
فكان فيمن اتاه محمدبن عمرو بن حزم من المدينة،والاحنف
بن قيس في وفد اهل البصرة، فقال محمد بن عمرو لمعاوية:
ان‏كل‏راع مسؤول عن رعى ته فانظر من تولي امر امة محمد.
فاءخذ معاوية بهر((1203)) حتى جعل يتنفس في يوم‏شات ثم
وصله وصرفه. وامر الاحنف ان يدخل على يزيد فدخل عليه،
فلما خرج من عنده قال له: كيف‏رايت ابن اخيك؟ قال: رايت
شبابا ونشاطا وجلدا ومزاحا.
ثم ان معاوية قال للضحاك بن قيس الفهري‏لما اجتمع الوفود
عنده: اني متكلم، فاذا سكت فكن انت الذي‏تدعو الى بيعة يزيد
وتحثني عليها. فلما جلس معاوية للناس، تكلم فعظم امر
الاسلام، وحرمة الخلافة‏وحقها، وما امر اللّه به من طاعة ولاة
الامر، ثم ذكر يزيد وفضله وعلمه بالسياسة، وعرض ببيعته،
فعارضه‏الضحاك، فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال: يا امير
المؤمنين انه لا بد للناس من وال بعدك، وقد بلونا
الجماعة‏والالفة فوجدناهما احقن للدماء، واصلح للدهماء، وآمن
للسبل، وخيرا في العاقبة، والايام عوج رواجع،واللّه كل يوم هو
في شاءن، ويزيد ابن امير المؤمنين، في حسن هديه، وقصد
سيرته على ما علمت، وهو من‏افضلنا علما وحلما، وابعدنا رايا،
فوله عهدك، واجعله لنا علما بعدك، ومفزعا نلجاء اليه، ونسكن
في ظله.وتكلم عمرو بن سعيد الاشدق بنحو من ذلك، ثم قام
يزيد بن المقنع العذري، فقال: هذا امير المؤمنين‏واشار الى
معاوية، فان هلك فهذا واشار الى يزيد، ومن ابى فهذا واشار الى
سيفه، فقال معاوية: اجلس‏فاءنت سيد الخطباء. وتكلم من حضر
من الوفود.
فقال معاوية للاحنف: ما تقول يا ابا بحر؟ فقال: نخافكم ان
صدقنا، ونخاف اللّه ان كذبنا، وانت اميرالمؤمنين اعلم بيزيد في
ليله ونهاره، وسره وعلانيته، ومدخله ومخرجه، فان كنت
تعلمه للّه تعالى وللامة‏رضا فلا تشاور فيه، وان كنت تعلم فيه
غير ذلك فلا تزوده الدنيا وانت صائر الى الاخرة، وانما علينا
ان‏نقول: سمعنا واطعنا. وقام رجل من اهل الشام فقال: ماندري
ما تقول هذه المعدية العراقية، وانما عندنا سمع‏وطاعة وضرب
وازدلاف. فتفرق الناس يحكون قول الاحنف، وكان معاوية
يعط‏ي المقارب، ويداري‏المباعد ويلطف به، حتى استوثق له
اكثر الناس وبايعه((1204)).
صورة اخرى :
قالوا: ثم لم يلبث معاوية بعد وفاة الحسن(ره) الا يسيرا حتى
بايع ليزيد بالشام، وكتب بيعته الى الافاق،وكان عامله على
المدينة مروان بن الحكم، فكتب اليه يذكر الذي قضى اللّه به
على لسانه من بيعة يزيد،وياءمره ان يجمع من قبله من قريش
وغيرهم من اهل المدينة ثم يبايعوا ليزيد.
فلما قرا مروان كتاب معاوية ابى من ذلك وابته قريش، فكتب
لمعاوية: ان‏قومك قد ابوا اجابتك الى بيعتك‏ابنك، فاءرني
رايك. فلما بلغ معاوية كتاب مروان عرف ذلك من قبله، فكتب
اليه ياءمره ان يعتزل عمله،ويخبره انه قد ولى المدينة سعيد بن
العاص، فلما بلغ مروان كتاب معاوية، اقبل مغاضبا في اهل بيته
وناس‏كثير من قومه، حتى نزل باءخواله بني كنانة، فشكا اليهم
واخبرهم بالذي كان من رايه في امر معاوية وفي‏عزله،
واستخلافه يزيد ابنه عن غير مشاورة مبادرة له، فقالوا: نحن
نبلك في يدك، وسيفك في قرابك، فمن‏رميته بنا اصبناه،
ومن ضربته قطعناه، الراي رايك، ونحن طوع يمينك.
ثم اقبل مروان في وفد منهم كثير ممن كان معه من قومه
واهل بيته، حتى نزل‏دمشق، فخرج حتى اتى سدة‏معاوية وقد
اذن للناس، فلما نظر الحاجب الى كثرة من معه من قومه واهل
بيته منعه من الدخول، فوثبوااليه فضربوا وجهه حتى خلى عن
الباب، ثم دخل مروان ودخلوا معه، حتى اذا كان معاوية بحيث
تناله يده،قال بعد التسليم عليه بالخلافة: ان اللّه عظيم خطره،
لا يقدر قادر قدره، خلق من خلقه عبادا جعلهم‏لدعائم دينه
اوتادا، هم رقباؤه على البلاد، وخلفاؤه على العباد، اسفر بهم
الظلم والف بهم الدين، وشدد بهم‏اليقين، ومنح بهم الظفر،
ووضع بهم من استكبر، فكان من قبلك من خلفائنا يعرفون
ذلك في سالف زماننا،وكنا نكون لهم على الطاعة اخوانا، وعلى
من خالف عنا اعوانا، يشد بنا العضد، ويقام منا الاود،
ونستشارفي القضية، ونستاءمر في امر الرعية، وقد اصبحنا اليوم
في امور مستخيرة، ذات وجوه مستديرة، تفتح باءزمة‏الضلال،
وتجلس باءسوا الرجال، يؤكل جزورها وتمق((1205)) احلابها،
فما لنا لا نستاءمر في رضاعها ونحن‏فطامها واولاد فطامها؟
وايم اللّه لولا عهود مؤكدة ومواثيق معقدة لاقمت اود وليها،
فاءقم الامر يا بن ابي‏سفيان، واهدا من تاءميرك الصبيان، واعلم
ان لك في قومك نظرا، وان لهم على مناواتك وزرا.
فغضب معاوية من كلامه غضبا شديدا، ثم كظم غيظه بحلمه،
واخذ بيد مروان ثم قال: ان اللّه قد جعل‏لكل‏شي‏ء اصلا، وجعل
لكل خير اهلا، ثم جعلك في الكرم مني محتدا، والعزيز مني
والدا، اخترت من قروم‏قادة، ثم استللت سيد سادة، فاءنت‏ابن
ينابيع الكرم((1206))، فمرحبا بك واهلا من ابن عم. ذكرت
خلفاءمفقودين شهداء صديقين، كانوا كما نعت، وكنت لهم كما
ذكرت، وقد اصبحنا في امور مستخيرة ذات وجوه‏مستديرة،
وبك واللّه يابن العم نرجو استقامة اودها، وذلولة صعوبتها،
وسفورظلمتها، حتى يتطاءطاءجسيمها، ويركب بك عظيمها،
فاءنت نظير امير المؤمنين بعده وفي كل شي‏ء((1207))
عضده، واليك بعد((1208))عهده،فقد وليتك قومك، واعظمنا
في الخراج سهمك، وانا مجيز وفدك، ومحسن رفدك، وعلى
امير المؤمنين غناك،والنزول عند رضاك.
فكان اول ما رزق الف دينار في كل هلال، وفرض له في اهل
بيته مائة مائة.
كتاب معاوية الى سعيد :
ان معاوية كتب الى سعيد بن العاص وهو على المدينة، ياءمره
ان يدعو اهل المدينة الى البيعة، ويكتب اليه‏بمن سارع ممن لم
يسارع.
فلما اتى سعيد بن العاص الكتاب دعا الناس الى البيعة ليزيد
واظهر الغلظة، واخذهم بالعزم والشدة، وسطابكل من ابطاء عن
ذلك، فاءبطاء الناس عنها الا اليسير لا سيما بني هاشم فانه لم
يجبه منهم احد.
وكان ابن الزبير من اشد الناس انكارا لذلك، وردا له، فكتب
سعيد بن العاص الى معاوية:
اما بعد: فانك امرتني ان ادعو الناس لبيعة يزيد ابن امير
المؤمنين، وان اكتب اليك بمن سارع ممن ابطاء، واني‏اخبرك
ان الناس عن ذلك بطاء لا سيما اهل البيت من بني هاشم، فانه
لم يجبني منهم احد، وبلغني عنهم مااكره، واما الذي جاهر
بعداوته وابائه لهذا الامر فعبد اللّه بن الزبير، ولست اقوى عليهم
الا بالخيل‏والرجال، او تقدم بنفسك فترى رايك في ذلك،
والسلام.
فكتب معاوية الى عبداللّه بن العباس، والى عبداللّه بن الزبير،
والى عبداللّه بن جعفر، والحسين بن علي غ‏كتبا، وامر سعيد بن
العاص ان يوصلها اليهم، ويبعث بجواباتها، وكتب الى سعيد بن
العاص:
اما بعد: فقد اتاني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من ابطاء الناس
عن البيعة ولاسيما بني هاشم وما ذكر ابن‏الزبير، وقد كتبت
الى رؤسائهم كتبا فسلمها اليهم،وتنجز جواباتها، وابعث بها
حتى ارى في ذلك رايي،ولتشتد عزيمتك، ولتصلب شكيمتك،
وتحسن نيتك، وعليك بالرفق، واياك والخرق، فان الرفق
رشد،والخرق نكد، وانظر حسينا خاصة فلا يناله منك مكروه،
فان له قرابة وحقا عظيما لاينكره مسلم ولامسلمة، وهو ليث
عرين، ولست آمنك ان شاورته ان لا تقوى عليه. فاءما من يرد
مع السباع اذا وردت،ويكنس اذا كنست، فذلك عبداللّه بن
الزبير، فاحذره اشد الحذر، ولا قوة الا باللّه، وانا قادم عليك ان
شاءاللّه. والسلام((1209)).
قال الاميني : يقولون باءفواههم ما ليس في قلوبهم. نعم،
والحق ان للحسين ولابيه واخيه قرابة وحقا عظيمالاينكره
مسلم ولا مسلمة، الا معاوية واذنابه الذين قلبوا عليهم ظهر
المجن بعد هذا الاعتراف الذي جحدوابه واستيقنته انفسهم،
بعد ان حلبت الايام لهم درتها، فضيعوا تلك القرابة، وانكروا
ذلك الحق‏العظيم،وقطعوا رحما ماس ة ان كان بين الطلقاء
وسادات الامة رحم.
هيهات لاقربت قربى ولا رحم
يوما اذا اقصت الاخلاق والشيم
كانت مودة سلمان له رحما
ولم يكن بين نوح وابنه رحم((1210))
كتاب معاوية الى الحسين (ع) :
اما بعد: فقد انتهت الي منك امور لم اكن اظنك بها رغبة عنها،
وان احق الناس بالوفاء لمن اعط‏ى بيعته من‏كان مثلك في
خطرك وشرفك ومنزلتك التي انزلك اللّه بها، فلا تنازع الى
قطيعتك، واتق اللّه، ولا تردن هذه‏الامة في فتنة، وانظر
لنفسك ودينك وامة محمد، ولا يستخفنك الذين لا يوقنون.
جواب الحسين (ع)
فكتب اليه الحسين (ع) :
((اما بعد: فقد جاءني كتابك، تذكر فيه انه انتهت اليك عني
امور لم تكن تظنني‏بها رغبة بي عنها.وان‏الحسنات لا يهدي لها
ولا يسد د اليها الا اللّه تعالى، واما ما ذكرت انه رقي اليك عني
فانما رقاه الملا قون‏المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الجمع،
وكذب الغاوون المارقون، ما اردت حربا ولا خلافا، واني لاخشى
اللّهفي ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المحلين، حزب
الظالم، واعوان الشيطان الرجيم)). الى آخرالكتاب((1211)).
كتاب معاوية الى عبداللّه بن جعفر :
كتب الى عبداللّه: اما بعد فقد عرفت اثرتي اياك على من
سواك، وحسن رايي فيك وفي اهل بيتك، وقد اتاني‏عنك ما
اكره، فان بايعت تشكر، وان تاءب تجبر، والسلام.
جواب عبداللّه بن جعفر
فكتب اليه عبداللّه بن جعفر :
اما بعد: فقد جاءني كتابك، وفهمت ما ذكرت فيه من اثرتك
اياي على من سواي، فان تفعل فبحظك‏اصبت، وان تاءب
فبنفسك قصرت، واما ما ذكرت من جبرك اياي على البيعة
ليزيد، فلعمري لئن اجبرتني‏عليها لقد اجبرناك واباك على
الاسلام حتى ادخلناكما كارهين غير طائعين. والسلام.
الامامة والسياسة((1212)) (1/147، 148).
كتب معاوية الى عبداللّه بن الزبير :
رايت كرام الناس ان كف عنهم
بحلم راوا فضلا لمن قد تحلما
ولا سيما ان كان عفوا بقدرة
فذلك احرى ان يجل ويعظما
ولست بذي لؤم((1213)) فتعذر بالذي
اتاه من الاخلاق من كان الوما
ولكن غشا لست تعرف غيره
وقد غش قبل اليوم ابليس آدما
فما غش الا نفسه في فعاله
فاءصبح ملعونا وقد كان مكرما
واني لاخشى ان انالك بالذي
اردت فيجزي اللّه من كان اظلما
جواب عبداللّه بن بن الزبير
فكتب عبداللّه بن الزبير الى معاوية:
الا سمع اللّه الذي انا عبده
فاءخزى اله الناس من كان اظلما
واجرا على اللّه العظيم بحلمه
واسرعهم في الموبقات تقحما
اغرك ان قالوا: حليم بغرة
وليس بذي حلم ولكن تحلما
ولو رمت ما ان قد عزمت وجدتني
هزبر عرين يترك القرن اكتما
واقسم لولا بيعة لك لم اكن
لانقضها لم تنج مني مسلما
الامامة والسياسة (1/147، 148).
بيعة يزيد في المدينة المشرفة :
حج معاوية في سنة (50)، واعتمر في رجب سنة (56)، وكان
في كلا السفرين يسعى وراء بيعة يزيد، وله في‏ذلك خطوات
واسعة ومواقف ومفاوضات مع بقية الصحابة ووجوه الامة، غير
ان المؤرخين خلطوا اخبارالرحلتين بعضها ببعض وما فصلوها
تفصيلا.
الرحلة الاولى :
قال ابن قتيبة((1214)): قالوا: استخار اللّه معاوية واعرض عن
ذكر البيعة حتى قدم المدينة سنة خمسين، فتلقاه‏الناس، فلما
استقر في منزله ارسل الى عبداللّه بن عباس، وعبداللّه بن جعفر
بن ابي طالب، والى عبداللّه بن‏عمر، والى عبداللّه بن الزبير،
وامر حاجبه‏ان لا ياءذن لاحد من الناس حتى يخرج هؤلاء النفر،
فلما جلسواتكلم معاوية فقال:
الحمد للّه الذي امرنا بحمده، ووعدنا عليه ثوابه، نحمده كثيرا
كما انعم علينا كثيرا، واشهد ان لا اله الا اللّهوحده لا شريك له،
وان محمدا عبده ورسوله. اما بعد: فاني‏قد كبر سني ووهن
عظمي، وقرب‏اجلي،واوشكت ان‏ادعى‏فاءجيب، وقد رايت ان
استخلف عليكم بعدي يزيد، ورايته لكم رضا، وانتم
عبادلة‏قريش وخيارها وابناء خيارها، ولم يمنعني ان احضر
حسنا وحسينا الا انهما اولاد ابيهما «علي‏»((1215))، على‏حسن
رايي فيهما وشديد محبتي لهما، فردوا على امير المؤمنين
خيرا يرحمكم اللّه.
فتكلم عبداللّه بن العباس، فقال:
الحمد للّه الذي الهمنا ان نحمده واستوجب علينا الشكر على
آلائه وحسن بلائه، واشهد ان لا اله الا اللّهوحده لا شريك له،
وان محمدا عبده ورسوله، وصلى اللّه على محمد وآل محمد.
اما بعد: فانك قد تكلمت فاءنصتنا، وقلت فسمعنا، وان اللّه جل
ثناؤه‏وتقدست اسماؤه اختار محمدا(ص)لرسالته، واختاره
لوحيه، وشرفه على خلقه، فاءشرف الناس من تشرف به،
واولاهم بالامر اخصهم به،وانما على الامة التسليم لنبيها اذ
اختاره اللّه لها، فانه انما اختار محمدا بعلمه، وهو العليم الخبير،
واستغفر اللّهلي ولكم.
فقام عبداللّه بن جعفر، فقال:
الحمد للّه اهل الحمد ومنتهاه، نحمده على الهامنا حمده،
ونرغب اليه في تاءدية حقه، واشهد ان لا اله الا اللّهواحدا صمدا
لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، وان محمدا عبده ورسوله(ص). اما
بعد: فان هذه الخلافة ان اخذفيها بالقرآن، فاءولو الارحام
بعضهم اولى ببعض في كتاب اللّه، وان اخذ فيها بسنة رسول
اللّه، فاءولو رسول‏اللّه، وان اخذ بسنة الشيخين ابي بكر وعمر،
فاءي الناس افضل واكمل واحق بهذا الامر من آل الرسول،وايم
اللّه لو ولوه بعد نبيهم لوضعوا الامر موضعه، لحقه وصدقه،
ولاطيع اللّه، وعصي الشيطان، وما اختلف‏في الامة سيفان،
فاتق اللّه يا معاوية فانك قد صرت راعيا ونحن الرعية، فانظر
لرعيتك، فانك مسؤول عنهاغدا، واما ما ذكرت من ابني عمي
وتركك ان تحضرهما، فواللّه ما اصبت الحق، ولا يجوز لك ذلك
الا بهما،وانك لتعلم انهما معدن العلم والكرم، فقل او دع،
واستغفر اللّه لي ولكم.
فتكلم عبداللّه بن الزبير، فقال:
الحمد للّه الذي عرفنا دينه، واكرمنا برسوله، احمده على ما
ابلى واولى، واشهد ان لا اله الا اللّه. وان‏محمداعبده ورسوله. اما
بعد: فان هذه الخلافة لقريش خاصة، تتناولها بمثرها السنية،
وافعالها المرضية، مع‏شرف الاباء، وكرم الابناء، فاتق اللّه يا معاوية
وانصف من نفسك، فان هذا عبداللّه بن عباس
ابن‏عم‏رسول‏اللّه(ص)، وهذا عبد اللّه بن جعفر ذي الجناحين
ابن عم رسول اللّه(ص)، وانا عبداللّه بن الزبير ابن‏عمة رسول
اللّه(ص)، وعلي خلف حسنا وحسينا، وانت تعلم من هما، وما
هما، فاتق اللّه يا معاوية وانت‏الحاكم بيننا وبين نفسك.
فتكلم عبداللّه بن عمر، فقال:
الحمد اللّه الذي اكرمنا بدينه، وشرفنا بنبيه(ص): اما بعد: فان
هذه الخلافة ليست بهرقلية، ولاقيصرية، ولاكسروية، يتوارثها
الابناء عن الاباء، ولو كان كذلك كنت القائم بها بعد ابي، فواللّه
ما ادخلني مع الستة‏من اصحاب الشورى، الا «على‏» ان الخلافة
ليست شرطا مشروطا، وانما هي في قريش خاصة، لمن كان
لهااهلا، ممن ارتضاه المسلمون لانفسهم، من كان اتقى
وارضى، فان كنت تريد الفتيان من قريش، فلعمري‏ان‏يزيد من
فتيانها، واعلم ان ه لا يغني عنك من اللّه شيئا.
فتكلم معاوية، فقال:
قد قلت وقلتم، وانه قد ذهبت الاباء وبقيت الابناء، فابني احب
الي من ابنائهم، مع ان ابني ان قاولتموه وجدمقالا، وانما كان
هذا الامر لبني عبد مناف، لانهم اهل رسول اللّه(ص)، فلما
مضى رسول اللّه(ص) ولى‏الناس ابابكر وعمر، من غير معدن
الملك والخلافة، غير انهما سارا بسيرة جميلة، ثم رجع الملك
الى بني عبدمناف، فلا يزال فيهم الى يوم القيامة، وقد اخرجك
اللّه يا بن الزبير وانت يا بن عمر منها، فاءما ابنا عمي‏هذان فليسا
بخارجين من الراي ان شاء اللّه.
ثم امر بالرحلة واعرض عن ذكر البيعة ليزيد، ولم يقطع عنهم
شيئا من صلاتهم واعطياتهم، ثم انصرف‏راجعا الى الشام،
وسكت عن البيعة، فلم يعرض لها الى سنة احدى وخمسين.
الامامة والسياسة (1/142 144)، جمهرة الخطب (2/233
236)((1216)).
قال الاميني : لم يذكر في هذا اللفظ ما تكلم به عبدالرحمن،
ذكره ابن حجر في الاصابة (2/408) قال: خطب‏معاوية فدعا
الناس الى بيعة يزيد، فكلمه الحسين بن علي، وابن الزبير،
وعبدالرحمن بن ابي بكر، فقال له‏عبدالرحمن: اهرقلية كلما
مات قيصر كان قيصر مكانه؟ لا نفعل واللّه ابدا.
صورة اخرى :
من محاورة الرحلة الاولى:
قدم معاوية المدينة حاجا((1217))، فلما ان دنا من المدينة
خرج اليه الناس يتلقونه ما بين راكب وماش، وخرج‏الناس
والصبيان، فلقيه النساء على حال طاقتهم وما تسارعوا به في
الفوت والقرب، فلان لمن كافحه،وفاوض العامة بمحادثته،
وتاءلفهم‏جهده مقاربة ومصانعة ليستميلهم الى ما دخل فيه
الناس، حتى قال في‏بعض ما يجتلبهم به: يااهل المدينة ما زلت
اطوي الحزن من وعثاء السفر بالحب لمطالعتكم حتى
انطوى‏البعيد، ولان الخشن، وحق لجار رسول اللّه ان يتاق اليه.
فرد عليه القوم: بنفسك ودارك ومهاجرك اما ان‏لك‏منهم
كاشفاق الحميم البر والحفي.
حتى اذا كان بالجرف لقيه الحسين بن علي وعبداللّه بن
عباس، فقال معاوية: مرحبا بابن بنت رسول اللّه،وابن صنو ابيه.
ثم انحرف الى الناس فقال: هذان شيخا بني عبد مناف. واقبل
عليهما بوجهه وحديثه،فرحب وقرب، وجعل يواجه هذا مرة،
ويضاحك هذا اخرى. حتى ورد المدينة، فلما خالطها لقيته
المشاة،والنساء، والصبيان، يسلمون عليه ويسايرونه الى ان نزل،
فانصرفا عنه، فمال الحسين الى منزله، ومضى‏عبداللّه بن
عباس الى المسجد، فدخله.
واقبل معاوية ومعه خلق كثير من اهل الشام حتى اتى عائشة ام
المؤمنين فاستاءذن عليها، فاءذنت له وحده،لم يدخل عليها
معه احد، وعندها مولاها ذكوان، فقالت عائشة: يا معاوية اكنت
تاءمن ان اقعد لك رجلافاءقتلك كما قتلت اخي محمد ابن ابي
بكر؟ فقال معاوية: ما كنت لتفعلين ذلك. قالت: لم؟ قال: لاني
في بيت‏آمن، بيت رسول اللّه. ثم ان عائشة حمدت اللّه واثنت
عليه، وذكرت رسول اللّه(ص)، وذكرت ابا بكر وعمر،وحضته
على الاقتداء بهما والاتباع لاثرهما، ثم صمتت، قال: فلم يخطب
معاوية، وخاف ان لا يبلغ مابلغت، فارتجل الحديث ارتجالا، ثم
قال:
انت واللّه يا ام المؤمنين العالمة باللّه وبرسوله دللتنا على الحق،
وحضضتنا على حظ انفسنا، وانت اهل لان‏يطاع امرك، ويسمع
قولك، وان امر يزيد قضاء من القضاء، وليس للعباد الخيرة من
امرهم! وقد اكد الناس‏بيعتهم في اعناقهم، واعطوا عهودهم
على ذلك ومواثيقهم، افترى ان ينقضوا عهودهم ومواثيقهم؟!
فلما سمعت ذلك عائشة علمت انه سيمضي على امره، فقالت:
اما ما ذكرت من عهود ومواثيق فاتق اللّه في‏هؤلاء الرهط، ولا
تعجل فيهم، فعلهم لا يصنعون الا ما احببت.
ثم قام معاوية، فلما قام قالت عائشة: يا معاوية قتلت حجرا
واصحابه العابدين المجتهدين. فقال معاوية:دعي هذا، كيف انا
في الذي بيني وبينك وفي حوائجك؟ قالت: صالح. قال:
فدعينا واياهم حتى نلقى ربنا.
ثم خرج ومعه ذكوان فاتكاء على يد ذكوان وهو يمشي ويقول:
تاللّه ان رايت‏كاليوم قط خطيبا ابلغ من‏عائشة بعد رسول اللّه،
ثم مضى حتى اتى منزله، فاءرسل الى الحسين بن علي فخلا
به، فقال له: يابن اخي قداستوثق الناس لهذا الامر غير خمسة
نفر من قريش انت تقودهم، يابن اخي فما اربك الى الخلاف؟
قال‏الحسين: ارسل اليهم فان بايعوك كنت رجلا منهم والا لم
تكن عجلت علي باءمر. قال: وتفعل؟ قال: نعم.فاءخذ عليه ان لا
يخبر بحديثهما احدا فخرج وقد اقعد له ابن الزبير رجلا
بالطريق فقال: يقول لك اخوك‏ابن الزبير: ما كان؟ فلم يزل به
حتى استخرج منه شيئا.
ثم ارسل معاوية الى ابن الزبير فخلا به، فقال له: قد استوثق
الناس لهذا الامر غير خمسة نفر من قريش‏انت تقودهم يابن
اخي فما اربك الى الخلاف؟ قال: فاءرسل اليهم فان بايعوك
كنت رجلا منهم، والا لم تكن‏عجلت علي باءمر. قال: وتفعل؟
قال: نعم. فاءخذ عليه ان لا يخبر بحديثهما احدا.
فاءرسل بعده الى ابن عمر فاءتاه وخلا به، فكلمه بكلام هو الين
من صاحبيه، وقال: اني كرهت ان ادع امة‏محمد بعدي كالضاءن
لا راعي لها((1218))، وقد استوثق الناس لهذا الامر غير خمسة
نفر انت تقودهم فما اربك‏الى الخلاف؟ قال ابن عمر: هل لك
في امر تحقن به الدماء، وتدرك به حاجتك؟! فقال معاوية:
وددت ذلك.فقال ابن عمر : تبرز سريرك ثم اجي‏ء فاءبايعك
على اني‏«بعدك‏»((1219)) ادخل فيما اجتمعت عليه الامة،
فواللّه لوان الامة اجتمعت‏«بعدك‏»((1220)) على عبد حبشي
لدخلت فيما تدخل فيه الامة. قال: وتفعل؟ قال: نعم ثم‏خرج.
وارسل الى عبدالرحمن بن ابي بكر، فخلا به قال: باءي يد او
رجل تقدم على معصيتي؟ فقال‏عبدالرحمن:ارجو
ان‏يكون‏ذلك‏خيرا لي. فقال‏معاوية: واللّهلقد هممت ان اقتلك.
فقال: لو فعلت لاتبعك اللّه في الدنيا،ولادخلك في الاخرة النار.
ثم خرج.
بقي معاوية يومه ذلك يعط‏ي الخواص. ويدني بذمة
الناس((1221))، فلما كان صبيحة اليوم الثاني امر
بفراش‏فوضع له، وسويت مقاعد الخاصة حوله وتلقاءه من اهله،
ثم خرج وعليه حلة يمانية وعمامة دكناء وقداسبل طرفها بين
كتفيه، وقد تغلى((1222)) وتعطر، فقعد على سريره، واجلس
كتابه منه بحيث يسمعون ما ياءمربه، وامر حاجبه ان لاياءذن
لاحد من الناس وان قرب، ثم ارسل الى الحسين بن علي،
وعبداللّه بن عباس،فسبق ابن عباس، فلما دخل وسلم عليه
اقعده في الفراش عن يساره، فحادثه مليا ثم قال: يابن عباس
لقدوفر اللّه حظكم من مجاورة هذا القبر الشريف ودار الرسول
عليه الصلاة والسلام. فقال ابن عباس: نعم‏اصلح اللّه امير
المؤمنين، وحظنا من القناعة بالبعض والتجافي عن الكل اوفر.
فجعل معاوية يحدثه ويحيد به‏عن طريق المجاوبة، ويعدل الى
ذكر الاعمار على اختلاف الغرائز والطبائع، حتى اقبل الحسين
بن علي، فلمارآه معاوية جمع له وسادة كانت عن يمينه،
فدخل الحسين وسلم، فاءشار اليه فاءجلسه عن يمينه
مكان‏الوسادة، فساءله معاوية عن حال بني اخيه الحسن
واسنانهم، فاءخبره ثم سكت. ثم ابتدا معاوية فقال:
اما بعد: فالحمد للّه ولي النعم، ومنزل النقم، واشهد ان لا اله الا
اللّه المتعالي عما يقول الملحدون علوا كبيرا،وان محمدا عبده
المختص المبعوث الى الجن والانس كافة، لينذرهم بقرآن لا
ياءتيه الباطل من بين يديه ولامن خلفه تنزيل من حكيم
حميد، فاءدى عن اللّه وصدع باءمره، وصبر عن الاذى في جنبه،
حتى اوضح دين‏اللّه، واعز اولياءه، وقمع المشركين، وظهر امر
اللّه وهم كارهون، فمضى صلوات اللّه عليه وقد ترك من
الدنياما بذل له، واختار منها الترك لما سخر له زهادة واختيارا
للّه، وانفة واقتدارا على الصبر، بغيا لما يدوم ويبقى،فهذه صفة
الرسول(ص)، ثم خلفه رجلان محفوظان وثالث
مشكوك((1223))، وبين ذلك خوض طالما عالجناه‏مشاهدة
ومكافحة ومعاينة وسماعا، وما اعلم منه فوق ما تعلمان، وقد
كان من امر يزيد ما سبقتم اليه والى‏تجويزه، وقد علم اللّه ما
احاول به من امر الرعية من سد الخلل، ولم الصدع بولاية يزيد،
بما ايقظ العين،واحمد الفعل، هذا معناي في يزيد وفيكما فضل
القرابة، وحظوة العلم، وكمال المروءة، وقد اصبت من ذلك‏عند
يزيد على المناظرة والمقابلة ما اعياني مثله عندكما وعند
غيركما، مع علمه بالسنة وقراءة القرآن، والحلم‏الذي يرجح
بالصم الصلاب، وقد علمتما ان الرسول المحفوظ بعصمة
الرسالة، قدم‏على الصديق والفاروق‏ومن دونهما من اكابر
الصحابة واوائل المهاجرين يوم غزوة السلاسل، من لم يقارب
القوم ولم يعاندهم برتبة‏في‏قرابة موصولة ولا سنة مذكورة،
فقادهم الرجل بامرة، وجمع بهم صلاتهم، وحفظ عليهم
فيئهم، وقال ولم‏يقل معه، وفي رسول اللّه(ص) اسوة حسنة،
فمهلا بني عبدالمطلب فانا وانتم شعبا نفع وجد، وما زلت
ارجوالانصاف في اجتماعكما، فما يقول القائل الا بفضل قولكما،
فردا على ذي رحم مستعتب ما يحمد به البصيرة‏في عتابكما،
واستغفر اللّه لي ولكما.
كلمة الامام السبط :
فتيسر ابن عباس للكلام ونصب يده للمخاطبة، فاءشار اليه
الحسين وقال: ((على رسلك، فاءنا المراد،ونصيبي في التهمة
اوفر)). فاءمسك ابن عباس، فقام الحسين، فحمد اللّه وصلى
على الرسول، ثم قال:
((اما بعد يا معاوية فلن يؤدي القائل وان اطنب في صفة
الرسول(ص) من جميع جزءا، وقد فهمت ما لبست‏به الخلف
بعد رسول اللّه، من ايجاز الصفة والتنكب عن استبلاغ النعت،
وهيهات هيهات يا معاوية، فضح‏الصبح فحمة الدجى، وبهرت
الشمس انوار السرج، ولقد فضلت حتى افرطت، واستاءثرت
حتى اجحفت،ومنعت حتى بخلت، وجرت حتى جاوزت، ما
بذلت لذي حق من اتم((1224)) حقه بنصيب حتى اخذ
الشيطان‏حظه الاوفر، ونصيبه الاكمل.
وفهمت ما ذكرته عن يزيد، من اكتماله، وسياسته لامة محمد،
تريد ان توهم الناس في يزيد، كاءنك تصف‏محجوبا، او تنعت
غائبا، او تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقد دل يزيد
من نفسه على موقع رايه،فخذ ليزيد فيما اخذ به من استقرائه
الكلاب المهارشة عند التهارش، والحمام السبق لاترابهن،
والقينات‏ذوات المعازف، وضروب الملاهي، تجده باصرا، ودع
عنك ما تحاول، فما اغناك ان تلقى اللّه بوزر هذا الخلق‏باءكثر
مما انت لاقيه! فواللّه ما برحت تقدر((1225)) باطلا في جور،
وحنقا في ظلم، حتى ملات الاسقية، وما بينك‏وبين الموت الا
غمضة، فتقدم على عمل محفوظ في يوم مشهود، ولات حين
مناص.
ورايتك عرضت بنابعد هذا الامر، ومنعتنا عن آبائنا «تراثا»، ولقد
لعمر اللّه اورثنا الرسول عليه الصلاة‏والسلام ولادة، وجئت
لنابها ما((1226)) حججتم به القائم عند موت الرسول، فاءذعن
للحجة بذلك، ورده‏الايمان الى النصف، فركبتم الاعاليل،
وفعلتم الافاعيل، وقلتم: كان ويكون، حتى اتاك الامر يا معاوية
من‏طريق كان قصدها لغيرك، فهناك فاعتبروا يا اولي الابصار.
وذكرت قيادة الرجل القوم بعهد رسول اللّه(ص) وتاءميره له،
وقد كان ذلك ولعمرو بن العاص يومئذ فضيلة‏بصحبة الرسول
وبيعته له، وما صار لعمرو يومئذ حتى انف القوم امرته، وكرهوا
تقديمه، وعدوا عليه افعاله،فقال(ص): لا جرم
معشرالمهاجرين، لا يعمل عليكم بعد اليوم غيري، فكيف يحتج
بالمنسوخ من فعل‏الرسول في اوكد الاحوال واولاها بالمجتمع
عليه من الصواب؟ ام كيف صاحبت بصاحب تابع وحولك من‏لا
يؤمن في صحبته، ولا يعتمد في دينه وقرابته؟ وتتخطاهم الى
مسرف مفتون، تريد ان تلبس الناس شبهة‏يسعد بها الباقي في
دنياه، وتشقى بها في آخرتك، ان هذا لهو الخسران المبين،
واستغفر اللّه لي ولكم)).
فنظر معاوية الى ابن عباس، فقال: ما هذا يابن عباس؟ ولما
عندك ادهى وامر. فقال ابن عباس: لعمر اللّهانها لذرية الرسول،
واحد اصحاب الكساء، ومن البيت المطهر، فاله عما تريد، فان
لك في الناس مقنعا حتى‏يحكم اللّه باءمره وهو خير الحاكمين.
فقال معاوية: اعود الحلم التحلم، وخيره التحلم عن الاهل،
انصرفا في حفظ اللّه. ثم ارسل معاوية الى‏عبدالرحمن بن ابي
بكر، والى عبداللّه بن عمر، والى عبداللّه ابن الزبير، فجلسوا،
فحمد اللّه واثنى عليه‏معاوية، ثم قال:
يا عبداللّه بن عمر قد كنت تحدثنا انك لا تحب ان تبيت ليلة
وليس في عنقك بيعة جماعة، وان لك الدنيا ومافيها، واني
احذرك ان تشق عصا المسلمين، وتسعى في تفريق ملئهم، وان
تسفك دماءهم، وان امر يزيد قدكان قضاء من القضاء، وليس
للعباد خيرة من امرهم، وقد وكد الناس بيعتهم في اعناقهم،
واعطوا على ذلك‏عهودهم ومواثيقهم. ثم سكت.
فتكلم عبداللّه بن عمر، فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال:
اما بعد: يا معاوية قد كان قبلك خلفاء، وكان لهم بنون، ليس
ابنك بخير من ابنائهم، فلم يروا في ابنائهم مارايت في ابنك،
فلم يحابوا في هذا الامر احدا، ولكن اختاروا لهذه الامة حيث
علموهم، وانك تحذرني ان‏اشق عصا المسلمين وافرق ملاهم،
واسفك دماءهم، ولم اكن لافعل ذلك ان شاء اللّه، ولكن ان
استقام‏الناس فساءدخل في صالح ما تدخل فيه امة محمد.
فقال معاوية: يرحمك اللّه، ليس عندك خلاف. ثم قال معاوية
لعبد الرحمن بن‏ابي بكر نحو ما قاله لعبد اللّهبن عمر، فقال له
عبدالرحمن:
انك واللّه لوددت انا نكلك الى اللّه فيما جسرت عليه من امر
يزيد، والذي نفسي بيده لتجعلنها شورى اولاعيدنها جذعة، ثم
قام ليخرج، فتعلق معاوية بطرف ردائه، ثم قال: على رسلك،
اللهم اكفنيه بما شئت، لاتظهرن لاهل الشام. فاني اخشى
عليك منهم. ثم قال لابن الزبير نحو ما قاله لابن عمر، ثم قال
له: انت‏ثعلب رواغ، كلما خرجت من جحر انجحرت في آخر،
انت البت هذين الرجلين، واخرجتهما الى ما خرجااليه. فقال
ابن الزبير: اتريد ان تبايع ليزيد؟ ارايت ان بايعناه ايكما نطيع؟
انطيعك؟! ام نطيعه؟! ان كنت‏مللت الخلافة فاخرج منها، وبايع
ليزيد، فنحن نبايعه. فكثر كلامه وكلام ابن الزبير، حتى قال له
معاوية في‏بعض كلامه: واللّه ما اراك الا قاتلا نفسك، ولكاءني
بك قد تخبطت في الحبالة. ثم امرهم بالانصراف،واحتجب عن
الناس ثلاثة ايام لا يخرج.
ثم خرج فاءمر المنادي ان ينادي في الناس ان يجتمعوا لامر
جامع، فاجتمع الناس في المسجد، وقعدهؤلاء((1227)) حول
المنبر، فحمد اللّه واثنى عليه، ثم ذكر يزيد وفضله، وقراءته
القرآن، ثم قال: يا اهل المدينة‏لقد هممت ببيعة يزيد، وما تركت
قرية ولا مدرة الا بعثت اليها بيعته، فبايع الناس جميعا وسلموا،
واخرت‏المدينة بيعته، وقلت: بيضته واصله ومن لا اخافهم
عليه، وكان الذين ابوا البيعة منهم من كان اجدر ان‏يصله، واللّه
لو علمت مكان احد هو خير للمسلمين من يزيد، لبايعت له.
فقام الحسين فقال: ((واللّه لقد تركت من هو خير منه ابا واما
ونفسا))، فقال معاوية: كاءنك تريد نفسك؟ فقال‏الحسين:
((نعم اصلحك اللّه)). فقال معاوية: اذا اخبرك، اما قولك خير
منه اما فلعمري امك خير من امه، ولولم يكن الا انها امراة من
قريش لكان لنساء قريش فضلهن، فكيف وهي ابنة رسول
اللّه(ص)؟! ثم فاطمة في‏دينها وسابقتها، فاءمك لعمر اللّه خير
من امه. واما ابوك فقد حاكم اباه الى اللّه فقضى لابيه على
ابيك. فقال‏الحسين: ((حسبك جهلك، آثرت العاجل على
الاجل)). فقال معاوية: واما ما ذكرت من انك خير من
يزيدنفسا، فيزيد واللّه خير لامة محمدمنك. فقال الحسين:
((هذا هو الافك والزور، يزيد شارب الخمر ومشتري‏اللهو، خير
مني؟)) فقال معاوية: مهلا عن شتم ابن عمك، فانك لو ذكرت
عنده بسوء لم يشتمك.
ثم التفت معاوية الى الناس وقال: ايها الناس قد علمتم ان
رسول اللّه(ص) قبض ولم يستخلف احدا، فراى‏المسلمون ان
يستخلفوا ابا بكر، وكانت بيعته بيعة هدى، فعمل بكتاب اللّه
وسنة نبيه، فلما حضرته الوفاة‏راى ان «يستخلف عمر، فعمل
عمر بكتاب اللّه وسنة نبيه. فلما حضرته الوفاة راى
ان‏»((1228)) يجعلها شورى‏بين ستة نفر اختارهم من
المسلمين، فصنع ابو بكر ما لم يصنعه رسول اللّه، وصنع عمر ما
لم يصنعه ابو بكر،كل ذلك يصنعونه نظرا للمسلمين، فلذلك
رايت ان ابايع ليزيد لما وقع الناس فيه من الاختلاف، ونظرا
لهم‏بعين الانصاف((1229)).
رحلة معاوية الثانية وبيعة يزيد فيها :
قال ابن الاثير: فلما بايعه اهل العراق والشام، سار معاوية الى
الحجاز في الف فارس، فلما دنا من المدينة‏لقيه الحسين بن
علي اول الناس، فلما نظر اليه قال: لامرحبا ولا اهلا، بدنة
يترقرق دمها واللّه مهريقه، قال:((مهلا فاني واللّه لست باءهل
لهذه المقالة)). قال: بلى ولشر منها. ولقيه ابن الزبير فقال: لا
مرحبا ولا اهلا،خب ضب((1230)) تلعة، يدخل راسه ويضرب
بذنبه، ويوشك واللّه ان يؤخذ بذنبه، ويدق ظهره، نحياه
عني.فضرب وجه راحلته. ثم لقيه عبدالرحمن بن ابي بكر،
فقال له معاوية: لااهلا ولا مرحبا، شيخ قد خرف‏وذهب عقله،
ثم امر فضرب وجه راحلته، ثم فعل بابن عمر نحو ذلك، فاءقبلوا
معه لا يلتفت اليهم حتى‏دخل المدينة، فحضروا بابه فلم يؤذن
لهم على منازلهم، ولم يروا منه ما يحبون، فخرجوا الى مكة
فاءقاموابها، وخطب معاوية بالمدينة، فذكر يزيد فمدحه، وقال:
من احق منه بالخلافة في فضله وعقله وموضعه؟!وما اظن قوما
بمنتهين حتى تصيبهم بوائق تجتث اصولهم، وقد انذرت ان
اغنت النذر. ثم انشد متمثلا:
قد كنت حذرتك آل المصطلق
وقلت: يا عمرو اطعني وانطلق
انك ان كلفتني ما لم اطق
ساءك ما سرك مني من خلق
دونك ما استسقيته‏فاحس وذق
ثم دخل على عائشة وقد بلغها انه ذكر الحسين واصحابه، فقال:
لا قتلنهم ان‏لم يبايعوا فشكاهم اليها،فوعظته وقالت له: بلغني
انك تتهددهم بالقتل؟ فقال: يا ام المؤمنين هم اعز من ذلك،
ولكني بايعت ليزيدوبايعه غيرهم، افترين ان انقض بيعة تمت؟
قالت: فارفق بهم فانهم يصيرون الى ما تحب ان شاء اللّه،
قال:افعل. وكان في قولها له: ما يؤمنك ان اقعد لك رجلا
يقتلك وقد فعلت باءخي ما فعلت تعني اخاها محمدا؟فقال
لها: كلا يا ام المؤمنين اني في بيت امن. قالت: اجل. ومكث
بالمدينة ما شاء اللّه.
ثم خرج الى مكة، فلقيه الناس، فقال اولئك النفر: نتلقاه فلعله
قد ندم على ما كان منه. فلقوه ببطن مر،فكان اول من لقيه
الحسين، فقال له معاوية: مرحبا واهلا يا بن رسول اللّه وسيد
شباب المسلمين. فاءمر له‏بدابة فركب وسايره، ثم فعل بالباقين
مثل ذلك، واقبل يسايرهم لا يسير معه غيرهم حتى دخل
مكة،فكانوا اول داخل وآخر خارج، ولا يمضي يوم الا ولهم صلة،
ولا يذكر لهم شيئا، حتى قضى نسكه، وحمل‏اثقاله، وقرب
مسيره، فقال بعض اولئك النفر لبعض: لا تخدعوا فما صنع بكم
هذا لحبكم وما صنعه الا لمايريد، فاءعدوا له جوابا. فاتفقوا على
ان يكون المخاطب له ابن الزبير.
فاءحضرهم معاوية وقال: قد علمتم سيرتي فيكم، وصلتي
لارحامكم، وحملي ما كان منكم، ويزيد اخوكم‏وابن عمكم،
واردت ان تقدموه باسم الخلافة، وتكونوا انتم تعزلون وتاءمرون
وتجبون المال وتقسمونه، لايعارضكم في شي‏ء من ذلك.
فسكتوا، فقال: الا تجيبون؟ مرتين، ثم اقبل على ابن الزبير
فقال: هات لعمري‏انك خطيبهم، فقال: نعم نخيرك بين ثلاث
خصال، قال: اعرضهن. قال: تصنع كما صنع رسول اللّه(ص)
اوكما صنع ابوبكر، او كما صنع عمر، قال معاوية: ما صنعوا؟
قال: قبض رسول اللّه(ص) ولم يستخلف‏احدافارتضى الناس
ابابكر، قال: ليس فيكم مثل ابي بكر، واخاف الاختلاف. قالوا:
صدقت فاصنع كماصنع ابوبكر، فانه عهد الى رجل من قاصية
قريش ليس من بني ابيه فاستخلفه، وان شئت فاصنع كما
صنع‏عمر، جعل الامر شورى في ستة نفر ليس فيهم احد من
ولده ولا من بني ابيه. قال معاوية: هل عندك غيرهذا؟ قال: لا.
ثم قال: فاءنتم؟ قالوا: قولنا قوله. قال: فاني قد احببت ان اتقدم
اليكم انه قد اعذر من انذر، اني‏كنت اخطب منكم((1231))
فيقوم الي القائم منكم فيكذبني على رؤوس الناس فاءحمل
ذلك واصفح ، واني قائم‏بمقالة فاءقسم‏باللّه لئن رد علي احدكم
كلمة في مقامي هذا، لا ترجع اليه كلمة غيرها حتى يسبقها
السيف الى‏راسه، فلا يبقين رجل الا على نفسه. ثم دعا صاحب
حرسه بحضرتهم، فقال: اقم على راس كل رجل من‏هؤلاء
رجلين، ومع كل واحد سيف، فان ذهب رجل منهم يرد علي
كلمة بتصديق او تكذيب فليضرباه‏بسيفيهما.