الشبهة عند العلماء

الشبهة عند العلماء

لم تكن هذه الشبهة الرازية الداحضة بالتي تخفى على العرب والعلماء، لكنهم‏عرفوها قبل الرازي وبعده، وما عرفوهاالا في مدحرة البطلان، ولذلك تراها لم تزحزحهم عن القول بمجي‏ء (المولى) بمعنى (الاولى). قال التفتازاني في شرح المقاصد ((1-2234)) (ص‏289)، والقوشجي‏في شرح التجريد ((1-2235)) ولفظهما واحد: ان المولى قد يراد به المعتق والحليف والجار وابن العم والناصر والاولى بالتصرف، قال اللّه تعالى: (ماواكم النار هي مولاكم)،اي اولى بكم، ذكره ابوعبيدة، وقال النبي (ص) : «ايما امراة نكحت بغير اذن مولاها…» ، اي الاولى بها والمالك لتدبيرامرها، ومثله في الشعر كثير. وبالجملة: استعمال (المولى) بمعنى المتولي والمالك للامر والاولى بالتصرف شائع في كلام العرب، منقول عن كثير من‏ائمة اللغة، والمراد انه اسم لهذا المعنى، لا انه‏صفة بمنزلة الاولى، ليعترض بانه ليس من صيغة افعل التفضيل وانه لايستعمل استعماله. انتهى.

ذكرا ذلك عند تقريب الاستدلال بالحديث على الامامة ثم طفقا يردانه من شتى النواحي، عدا هذه الناحية، فابقياهامقبولة عندهما، كما ان الشريف الجرجاني في شرح المواقف حذا حذوهما في القبول، وزاد بانه رد بذلك مناقشة‏القاضي عضد بان (مفعلا) بمعنى (افعل) لم يذكره احد، فقال: اجيب عنه بان المولى بمعنى المتولي والمالك للامر والاولى بالتصرف شائع في كلام العرب منقول من ائمة اللغة، قال‏ابو عبيدة: (هي مولاكم) اي اولى بكم، وقال(ع): «ايما امراة نكحت بغير اذن مولاها…»، اي الاولى بها والمالك لتدبيرامرها . انتهى. ((1-2236))

وابن حجر في الصواعق ((1-2237)) (ص‏24) على تصلبه في رد الاستدلال بالحديث سلم مجي‏ء المولى بمعنى الاولى‏بالشي‏ء، لكنه ناقش في متعلق الاولوية في انه هل هي عامة الامور، او انها الاولوية من بعض النواحي؟ واختارالاخير، ونسب فهم هذا المعنى من الحديث الى الشيخين ابي بكر وعمر في قولهما: امسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة،وحكاه عنه الشيخ عبدالحق في لمعاته، وكذا حذا حذوه الشيخ شهاب الدين احمد بن عبدالقادر الشافعي في ذخيرة‏المال، فقال: التولي: الولاية، وهو الصديق والناصر، او الاولى بالاتباع والقرب منه، كقوله تعالى: (ان اولى الناس بابراهيم للذين‏ اتبعوه ((1-2238)) ) ، وهذا الذي فهمه عمر(رضى ا… عنه) من الحديث، فانه لما سمعه قال: هنيئا يا ابن ابي طالب امسيت ولي‏كل مؤمن ومؤمنة. انتهى.

وسبق عن الانباري في مشكل القران: ان للمولى ثمانية معان، احدها: الاولى بالشي‏ء، وحكاه الرازي عنه وعن ابي‏عبيدة، فقال في نهاية العقول: لا نسلم ان كل من قال:ان لفظة (المولى) محتملة للاولى قال بدلالة الحديث على امامة علي(رضى ا… عنه). اليس ان اباعبيدة وابن الانباري حكما بان لفظة (المولى) للاولى مع كونهما قائلين ((1-2239)) بامامة ابي بكر(رضى ا… عنه)؟. ونقل الشريف المرتضى ((1-2240)) عن ابي العباس المبرد: ان اصل تاويل الولي، اي الذي هو اولى واحق، ومثله‏المولى. وقال ابو نصر الفارابي الجوهري المتوفى (393) في صحاح اللغة ((1-2241)) (2/564) مادة (ولي) في قول لبيد: انه يريداولى موضع ان يكون فيه الخوف. وابو زكريا الخطيب التبريزي في شرح ديوان الحماسة (1/22) في قول جعفر بن علبة الحارثي: ((1-2242))

الهفا بقرى سحبل ((1-2243)) حين احلبت / علينا الولايا والعدو المباسل‏

عد من وجوه معاني المولى الثمانية ((1-2244)) الولي والاولى بالشي‏ء، وعن عمر بن عبدالرحمن الفارسي القزويني‏في‏كشف الكشاف في بيت لبيد: ان مولى المخافة، اي اولى واحرى بان يكون فيه الخوف. وعد سبط ابن الجوزي في ‏التذكرة ((1-2245)) (ص‏19) ذلك من معاني المولى العشرة المستندة الى علماء العربية، ومثله ابن طلحة الشافعي‏في‏مطالب السؤول (ص‏16)، وذكر الاولى في طليعة المعاني التي جاء بها الكتاب، وتبعه الشبلنجي في نور الابصار ((1-2246)) (ص‏78)، واسند ذلك الى العلماء، وقال شارحا المعلقات السبع عبدالرحيم بن عبدالكريم ((1-2247)) ، ورشيدالنبي في بيت لبيد: انه اراد ب (ولي المخافة) الاولى بها.

وبذلك كله تعرف حال ما اسنده صاحب التحفة الاثنا عشرية ((1-2248)) الى اهل‏العربية قاطبة من انكار استعمال(المولى) بمعنى الاولى بالشي‏ء او يحسب الرجل ان من ذكرناهم من ائمة الادب الفارسي؟ او انهم لم يقفوا على‏موارد لغة العرب، كما وقف عليها الشاه صاحب الهندي؟ وليس الحكم في ذلك الا ضميرك الحر.

مضافا الى ان انكار الرازي عدم استعمال (اولى) مضافا، ممنوع على اطلاقه، لما عرفت من اضافته الى المثنى‏والمجموع، وجاءت في السنة اضافته الى النكرة، ففي صحيح البخاري ((1-2249)) في الجزء العاشر (ص‏7 ، 9 ، 10 ، 13)باسانيد جمة قد اتفق فيها اللفظ عن ابن عباس عن رسول اللّه(ص) قال: «الحقوا الفرائض باهلها فما تركت الفرائض‏ فلاولى رجل ذكر» . ورواه مسلم في صحيحه ((1-2250)) (2/2) وفيما اخرجه احمد في المسند ((1-2251)) (1/313) :«فلاولى ذكر»، وفي (ص‏325): «فلاولى رجل ذكر»، وفي نهاية ابن الاثير ((1-2252)) (2/49): «لاولى رجل‏ ذكر».

ويعرب عما نرتئيه في حديث الغدير ما يماثله في سياقه جدا عن رسول اللّه(ص): «ما من مؤمن الا انا اولى الناس به‏في الدنيا والاخرة، اقراوا ان شئتم: (النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم) فايما مؤمن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا، فان ترك‏دينا او ضياعا فلياتني وانا مولاه‏». اخرجه البخاري في صحيحه (7/190)، واخرجه مسلم في صحيحه ((1-2254)) ((1-2253)) (2/4) بلفظ: «ان على الارض من مؤمن الا انا اولى الناس به، فايكم ما ترك دينا او ضياعا فانا مولاه‏».