كلمة اخرى للرازي

كلمة اخرى للرازي

وللرازي كلمة اخرى صعد فيها وصوب، فحسب في كتابه نهاية العقول ان احدا من ائمة النحو واللغة لم يذكر مجي‏ء(مفعل) الموضوع للحدثان او الزمان او المكان بمعنى (افعل) الموضوع لافادة التفضيل. وانت اذا عرفت ما تلوناه لك‏من النصوص على مجي‏ء (مولى) بمعنى الاولى بالشي‏ء علمت الوهن في اطلاق ما يقوله هو ومن تبعه، كالقاضي عضدالايجي في المواقف ((1-2255)) ، وشاه صاحب الهندي في التحفة الاثني عشرية ((1-2256)) والكابلي في الصواقع،وعبدالحق الدهلوي في لمعاته، والقاضي سناء اللّه الپاني‏پتي في سيفه المسلول، وفيهم من بالغ في النكير حتى اسندذلك الى انكار3 اهل العربية، وانت تعلم ان اساس الشبهة من الرازي ولم يسندها الى غيره، وقلده اولئك عمى، مهماوجدوا طعنا في دلالة الحديث على ما ترتئيه الامامية.

انا لا الوم القوم على عدم وقوفهم على كلمات اهل اللغة واستعمالات العرب لالفاظها، فانهم بعداء عن الفن، بعداء عن‏العربية، فمن رازي الى ايجي، ومن هندي الى كابلي، ومن دهلوي الى پاني پتي، واين هؤلاء من العرب الاقحاح؟ واين‏هم من العربية؟ نعم حن قدح ليس منها ((1-2257)) ، واذا اختلط الحابل بالنابل طفق يحكم في لغة العرب من ليس منهافي حل ولا مرتحل.

اذا ما فصلت عليا قريش / فلا في العير انت ولا النفير

اوما كان الذين نصوا بان لفظ (المولى) قد ياتي بمعنى الاولى بالشي‏ء اعرف بمواقع اللغة من هذا الذي يخبط فيها خبط‏عشواء؟ كيف لا؟ وفيهم من هو من مصادر اللغة، وائمة الادب، وحذاق العربية، وهم مراجع التفسير، اوليس في‏مصارحتهم هذه حجة قاطعة على ان (مفعلا) ياتي بمعنى (افعل) في الجملة؟ اذن فما المبرر لذلك الانكار المطلق؟ نعم،لامر ما جدع قصير انفه!

وحسب الرازي مبتدع هذه السفسطة قول ابي الوليد بن الشحنة الحنفي الحلبي في روض المناظر ((1-2258)) في حوادث‏سنة ست وستمائة: من ان الرازي كانت له اليد الطولى في العلوم خلا العربية، وقال ابو حيان في تفسيره (4/149) بعدنقل كلام الرازي: ان تفسيره خارج عن مناحي كلام العرب ومقاصدها، وهو في اكثره شبيه بكلام الذين يسمون انفسهم ‏حكماء.

وقال الشوكاني في تفسيره ((1-2259)) (4/163) في قوله تعالى: (لا تخف نجوت من القوم الظالمين) القصص: 25: وللرازي في هذا الموضع اشكالات باردة جدا لا تستحق ان تذكر في تفسير كلام اللّه غ، والجواب عليها يظهر للقصرفضلا عن الكامل.

ثم ان الدلالة على الزمان والمكان في (مفعل) كالدلالة على التفضيل في (افعل) وكخاصة كل من المشتقات من‏عوارض الهيئات لا من جوهريات المواد، وذلك امر غالبي يسار معه على القياس ما لم يرد خلافه عن العرب، واماعند ذلك فانهم المحكمون في معاني الفاظهم، ولو صفا للرازي اختصاص (المولى) بالحدثان او الواقع‏منه في الزمان اوالمكان لوجب عليه ان ينكر مجيئه بمعنى الفاعل والمفعول وفعيل، وهاهو يصرح باتيانه بمعنى الناصر والمعتق‏بالكسر والمعتق بالفتح والحليف. وقد صافقه على ذلك جميع اهل العربية وهتف الكل بمجي‏ء (المولى) بمعنى‏الولي، وذكر غير واحد من معانيه: الشريك، والقريب، والمحب، والعتيق، والعقيد، والمالك، والمليك. على ان من يذكرالاولى في معاني المولى ، وهم الجماهير ممن يحتج باقوالهم ، لا يعنون انه صفة له حتى يناقش بان معنى التفضيل‏خارج عن مفاد (المولى) مزيد عليه فلا يتفقان، وانما يريدون انه اسم لذلك المعنى، اذن فلا شي‏ء يفت في عضدهم.

وهب ان الرازي ومن لف لفه لم يقفوا على نظير هذا الاستعمال في غير المولى، فان ذلك لا يوجب انكاره فيه بعد ماعرفته من النصوص، فكم في لغة العرب من استعمال مخصوص بمادة واحدة، فمنها: كلمة (عجاف) جمع (اعجف)، فلم‏يجمع افعل على فعال الا في هذه المادة كما نص عليه الجوهري في الصحاح ((1-2260)) ، والرازي نفسه في التفسير((1-2261)) ، والسيوط‏ي في المزهر ((1-2262)) (2/63)، وقد جاء بالقران الكريم: (وقال الملك اني ارى سبع بقرات سمان ياكلهن سبع‏ عجاف) سورة يوسف:43. ومنه شعر العرب في مدح سيد مضر هاشم بن عبد مناف.

عمرو العلى هشم الثريد لقومه / ورجال مكة مسنتون عجاف

ومنها : ان ما كان على فعلت مفتوح العين من ذوات التضعيف متعديا مثل(رددت وعددت) يكون المضارع منه‏مضموم العين الا ثلاثة احرف تاتي مضمومة ومكسورة وهي: شد، ونم، وعل، وزاد بعض: بث. ادب الكاتب (ص‏361). ((1-2263))

ومنها : ان ضمير المثنى والمجموع لا يظهر في شي‏ء من اسماء الافعال ك (صه ومه) الا : (ها) بمعنى خذ فيقال: هاؤما،وهاؤم، وهاؤن، وفي الذكر الحكيم قوله سبحانه: (هؤم اقرؤا كتابيه ((1-2264)) ) . راجع التذكرة لابن هشام، والاشباه والنظائر للسيوط‏ي ((1-2265)) .

ومنها : ان القياس المطرد في مصدر تفاعل هو التفاعل بضم العين الا في مادة 3التفاوت، فذكر الجوهري فيها ضم الواواولا، ثم نقل عن ابن السكيت عن الكلابيين فتحه، وعن العنبري كسره، وحكي عن ابي زيد الفتح والكسر، كما في ادب ‏الكاتب (ص‏593)، ونقل السيوط‏ي في المزهر ((1-2267)) ((1-2266)) (2/39): الحركات الثلاث.

ومنها : ان المطرد في مضارع (فعل ) بفتح العين الذي مضارعه (يفعل) بكسره انه لا يستعمل مضموم العين الا في (وجد)، فان العامريين ضموا عينه، كما في‏ الصحاح ((1-2268)) ، وقال شاعرهم لبيد:

لو شئت قد نقع الفؤاد بشربة / فدع الصوادي لا يجدن غليلا ((1-2269))

وصرح به ابن قتيبة في ادب الكاتب ((1-2270)) (ص‏361)، والفيروزابادي في القاموس ((1-2271)) (1/343). وفي المزهر ((1-2272)) (2/49) عن ابن خالويه في شرح الدريدية انه قال: ليس في كلام العرب فعل يفعل مما فاؤه واوالا حرف واحد وجد يجد.

ومنها: ان اسم الفاعل من (افعل) لم يات على فاعل الا (ابقل)، و(اورس)، و(ايفع) فيقال: (ايقل الموضع فهو ياقل) و(اورس الشجر فهو وارس) و(ايفع الغلام فهو يافع) كذا في المزهر ((1-2273)) (2/40)، وفي الصحاح ((1-2274)) : بلدعاشب ولا يقال في ماضيه الا : اعشبت الارض.

ومنها : ان اسم المفعول من افعل لم يات على فاعل الا في حرف واحد، وهو قول العرب: اسامت الماشية في المرعى‏فهي سائمة. ولم يقولوا: مسئمة. قال تعالى: (فيه تسيمون ((1-2275)) ) من اسام يسيم. ذكره السيوط‏ي في المزهر ((1-2276))(2/47).

وتجد كثيرا من امثال هذه من النوادر في المخصص لابن سيدة، ولسان العرب، وذكر السيوط‏ي في المزهر (ج‏2) منها اربعين صحيفة.