9 عمرو بن الحمق ((209)) بن حبيب الخزاعي الكعبي:
صحب النبي الاعظم وحفظ عنه احاديث، وحظ‏ي‏بدعائه (ص)
له لما سقاه لبنا بقوله: «اللهم امتعه بشبابه‏»، فاستكمل الثمانين
من عمره ولم ير شعرة بيضاء((210)). اخرج حديثه البخاري في
التعاليق، وابن ماجة ((211))، والنسائي ((212)) وغيرهم، وكان
من اعوان حجر بن‏عدي سلام‏اللّهعليه‏وعليهم، ترجمه ابوعمر
في‏الاستيعاب ((213))، وابن الاثير في اسد الغابة، وابن
حجرفي‏الاصابة، ولم‏اجد كلمة غمز لاي‏احد فيه مع قولهم:
كان ممن سار الى عثمان بن‏عفان (رضى‏ا...عنه) وهواحد
الاربعة الذين دخلوا عليه الدار فيما ذكروا، وصار بعد ذلك من
شيعة علي. وقولهم: انه كان ممن قام‏على‏عثمان. وقولهم: كان
احد من الب على عثمان.
وله يوم صفين مواقف مشكورة وكلم قيمة خالدة مع الابد
تعرب عن ايمانه الخالص، وروحه النزيهة‏الطاهرة، راجع كتاب
صفين لابن مزاحم ((214)) (ص‏115، 433، 454، 551).
قال ابن الاثير في اسد الغابة ((215)) (4/101): قبره مشهور
بظاهر الموصل يزار، وعليه مشهد كبير، ابتدا بعمارته‏ابو عبداللّه
سعيد بن حمدان وهو ابن عم سيف الدولة وناصر الدولة ابني
حمدان في شعبان من سنة ست‏وثلاثين وثلاثمائة، وجرى
بين السنة والشيعة فتنة بسبب عمارته.
10 عروة بن الجعد، ويقال: ابي الجعد البارقي الازدي، صحابي
مرضي مترجم له في معاجم الصحابة((216))الاستيعاب، اسد
الغابة، الاصابة. روى حديث: «الخيل معقود في نواصيها الخير
الى يوم القيامة الاجروالمغنم‏». قال شبيب بن غرقدة: رايت في
دار عروة سبعين فرسا رغبة في رباط الخيل ((217))، اخرج
حديثه‏ائمة الصحاح الستة فيها.
11 اصعر بن قيس بن الحارث الحارثي: له ادراك، ذكره ابن
حجر في الاصابة (1/109).
12 كميل بن زياد النخعي: كان شريفا في قومه، قتله الحجاج
سنة (82)، وثقه ((218)) ابن سعد، وابن معين،والعجلي، وابن
عمار، وذكره ابن حبان في الثقات ((219)).
13 الحارث بن عبداللّه الاعور الهمداني: من رواة الصحاح
الاربعة من الستة، قال ابن معين ((220)): ثقة. وقال‏ابن ابي
داود: كان افقه الناس، واحسب الناس،وافرض الناس، تعلم
الفرائض من علي، قال ابن ابي خيثمة:قيل ليحيى: يحتج
بالحارث؟ فقال: ما زال المحدثون يقبلون حديثه. وقال احمد
بن صالح المصري: ثقة مااحفظه وما احسن ما روى عن علي
واثنى عليه. ووثقه ابن سعد ((221)).
وهناك من كذبه، والعمدة في ذلك الشعبي. قال ابن عبدالبر
في كتاب العلم ((222)):اظن الشعبي عوقب بقوله في‏الحارث:
كذاب، ولم يبن من الحارث كذبه، وانما نقم عليه افراطه في
حب علي.
وقال‏احمد بن صالح: لم يكن‏الحارث يكذب في الحديث، انما
كان كذبه في رايه.
وقال الذهبي ((223)): والنسائي مع تعنته في الرجال قد احتج
به [وقوى امره]، والجمهور على توهينه مع‏روايتهم لحديثه في
الابواب. تهذيب التهذيب ((224)) (2/145 147).
فمحصل القول في الهمداني: انه لا مغمز فيه غير نزعته العلوية
الممدوحة عند اللّه وعند رسوله.

(45) تسيير الخليفة كعب بن عبدة وضربه
كتب جماعة من القراء الى عثمان منهم: معقل بن قيس
الرياحي، وعبداللّه بن الطفيل العامري، ومالك بن‏حبيب
التميمي، ويزيد بن قيس الارحبي، وحجر بن عدي الكندي،
وعمرو بن الحمق الخزاعي، وسليمان بن‏صرد الخزاعي ويكنى
ابا مطرف، والمسيب بن نجبة الفزاري، وزيد بن حصن الطائي،
وكعب بن عبدة‏النهدي،وزياد بن النضر بن بشر بن مالك بن
الديان الحارثي، ومسلمة بن عبد القاري من القارة من
بني‏الهون بن خزيمة بن مدركة:
ان سعيدا كثر على قوم من اهل الورع والفضل والعفاف،
فحملك في امرهم على ما لا يحل في دين ولايحسن في
سماع، وانا نذكرك اللّه في امة محمد، فقد خفنا ان يكون فساد
امرهم على يديك، لانك قد حملت بني‏ابيك على رقابهم،
واعلم ان لك ناصرا ظالما، وناقما عليك مظلوما، فمتى نصرك
الظالم ونقم عليك الناقم‏تباين الفريقان واختلفت الكلمة،
ونحن نشهد عليك اللّه وكفى به شهيدا، فانك اميرنا ما اطعت
اللّهواستقمت، ولن تجد دون اللّه ملتحدا ولا عنه منتقذا.
ولم يسم احد منهم نفسه في الكتاب وبعثوا به مع رجل من
عنزة يكنى ابا ربيعة، وكتب كعب بن عبدة كتابامن نفسه
تسمى فيه ودفعه الى ابي ربيعة، فلما قدم ابو ربيعة على
عثمان ساله عن اسماء القوم الذين كتبواالكتاب فلم يخبره،
فاراد ضربه وحبسه فمنعه علي من ذلك وقال: انما هو رسول
ادى ما حمل، وكتب عثمان‏الى سعيد ان يضرب كعب بن عبدة
عشرين سوطا، ويحول ديوانه الى الري، ففعل. ثم ان عثمان
تحوب وندم‏فكتب في اشخاصه اليه، ففعل. فلما ورد عليه قال
له: انه كانت مني طيرة ثم نزع ثيابه والقى اليه سوطاوقال:
اقتص، فقال: قد عفوت يا امير المؤمنين.
ويقال: ان عثمان لما قرا كتاب كعب كتب الى سعيد في
اشخاصه اليه، فاشخصه اليه مع رجل اعرابي من‏اعراب بني
اسد، فلما راى الاعرابي صلاته وعرف نسكه وفضله قال:
ليت حظ‏ي من مسيري بكعب
عفوه عني وغفران ذنبي
فلما قدم به على عثمان قال عثمان: لان تسمع بالمعيدي خير
من ان تراه، وكان شابا حديث السن نحيفا ثم‏اقبل‏عليه فقال:
اانت تعل مني الحق وقد قرات كتاب اللّهوانت في صلب رجل
مشرك؟ فقال له كعب: ان‏امارة‏المؤمنين ان ما كانت لك بما
اوجبته الشورى حين عاهدت اللّه على نفسك في ان تسيرن
بسيرة نبيه، لاتقصر عنها، وان يشاورونا فيك ثانية نقلناها
عنك، يا عثمان ان كتاب اللّه لمن بلغه وقراه وقد شركناك
في‏قراءته، ومتى لم يعمل القارئ بما فيه كان حجة عليه. فقال
عثمان: واللّه ما اظنك تدري اين ربك؟ فقال: هوبالمرصاد.
فقال مروان: حلمك اغرى مثل هذا بك وجراه عليك. فامر
عثمان بكعب فجرد وضرب عشرين‏سوطا، وسيره الى دباوند
((225))، ويقال: الى جبل الدخان. فلما ورد على سعيد حمله
مع بكير بن حمران‏الاحمري، فقال الدهقان الذي ورد عليه: لم
فعل بهذا الرجل ما ارى؟ قال بكير: لانه شرير، فقال: ان‏قوماهذا
من شرارهم لخيار.
ثم ان طلحة والزبير وبخا عثمان في امر كعب وغيره، وقال
طلحة: عند غب الصدر يحمد عاقبة الورد. فكتب‏في رد كعب
(رضى‏ا...عنه) وحمله اليه، فلما قدم عليه نزع ثوبه وقال: يا
كعب اقتص. فعفا رضي اللّه عنهم‏اجمعين ((226)).
وعد الحلبي في السيرة ((227)) (2/87) من جملة ما انتقم به
على عثمان: انه ضرب‏كعب بن عبدة عشرين سوطاونفاه الى
بعض الجبال.
قال الاميني : الا تعجب في امر هذا الخليفة؟ ان مناوئيه كلهم
في عاصمة الخلافة وبقية الاوساط الاسلامية‏خيار البلاد
وصلحاء الامة، كما ان من اكتنف به واغراه بالابرار هم
المتهتكون في الدين، المفضوحون‏بالسمعة الشائنة، رواد
الشره، وسماسرة المطامع، من طغمة الامويين ومن يقتص
اثرهم، فلا ترى له سوط‏عذاب يرفع الا وكان مصبه اولئك
الصالحين، كما انك لا تجد جميلا له يسدى ولا يدا موفورة الا
لاولئك‏الساقطين، فهل بعث الخليفة وهو رحمة للعالمين
نقمة على المؤمنين؟ ام ماذا كانت حقيقة الامر؟ انا لاادري
لماذا اسخط الخليفة كتاب القوم فاراد بحامله السوء من حبس
وضرب بعد ياسه عن معرفة كاتبيه‏لولا ان عليا امير المؤمنين
حال بينه وبين ما يشتهيه، وهل كان الرجل الا وسيطا كلف
بالرسالة فاداها؟ولعله لم يكن يعلم ما فيها، وليس في الكتاب
الا التذكير باللّه، والتحذير عما يوجب تفريق الكلمة
واقلاق‏السلام، واظهار الطاعة بشرط طاعة اللّه والاستقامة
الذي هو ماخوذ في الخليفة قبل كل شي‏ء وعليه‏جرى انتخاب
يوم الشورى وايقافه على مكان سعيد الشاب الغر من السعاية
التي خافوا ان تكون‏وبالاعليه، واخيرا وقع ما خافوا منه وحذروا
الخليفة عنه، والشهادة لاولئك المنفيين بالبراءة مما نبزوا
به‏وانهم من اهل الورع والفضل والعفاف، وان تسييرهم لا يحل
في دين اللّه، ويشوه سمعة الخليفة.
ولماذا اغضبه كتاب كعب، وهو بطبع الحال لدة ما كتبه القوم
من النصح الجميل؟ ولماذا امر باشخاصه الى‏المدينة وضربه
وجازاه على نصحه بجزاء سنمار؟
فهلا انبعث الخليفة الى التفاهم مع القوم فيما اظهروا انهم
يتحرون ما فيه صلاحه وصلاح الامة، فاما ان‏يقنعهم بما عنده،
او يقتنع بما يبدونه، فيرتفع ذلك الحوار، وتدفع عنه المثلات،
لكنه ابى الا ان يستمر على ماارته وحبذه له المحتفون به الذين
اتخذوه قنطرة الى شهواتهم، ولذلك لم يتفاهم مع كعب الا
بالغلظة فقال له:اانت تعلمني. الخ. انا لا ادري موقع هذا الكلام
التافه، هل الكون في صلب رجل مشرك يحط من
كرامة‏الانسان وقد آمن باللّه ورسوله؟ اذن لتسرب النقص الى
الصحابة الذين نقلوا من اصلاب المشركين‏وارتكضوا في ارحام
المشركات، وكثير منهم اشركوا باللّه قبل اسلامهم، لكن
الاسلام يجب ما قبله، وهل‏الاصلاب والارحام الا اوعية؟
ثم السبق الى قراءة الكتاب العزيز هل هو بمجرده يرفع من قدر
الرجل حتى اذا لم يعمل به كما اجاب به‏وفصله كعب؟
ولا ادري ما يريد الخليفة بقوله: واللّه ما اظنك تدري اين ربك.
هل هو يريد المكان؟ تعالى اللّه عن ذلك‏علوا كبيرا، واي مسلم
لا يعرف ان ربه لا يقله حيز، فانه حري بالسقوط، وما احسن
جواب كعب من‏قوله: هو بالمرصاد، فان كان يريد مثل ما قاله
كعب فلماذا احتمل ان مثل كعب الموصوف بالفضيلة
والتقوى‏لا يعرف ذلك؟ وهل يريد عندئذ الا اهانة الرجل
وهتكه؟
ثم ماذا كان في هذه المحاورة حتى عد مروان سكوت الخليفة
عنه من الحلم وكلام كعب من الجراة وثورالخليفة على
الرجل؟ وهنالك انفجر بركان غضبه فامر به فجرد وضرب
وسير، وعوقب لنصحه وصلاحه،ولا حول ولا قوة الا باللّه العلي
العظيم.
لقد اراد القوم ان يزحزحوا التبعة عن عثمان فاختلق كل شيئا
من غير تواطؤ بينهم حتى يفتعلوا امراواحدا، ففي ذيل هذه
الرواية ان الخليفة ندم على ما فعل وتاب بعد توبيخ طلحة
والزبير اياه واستعفى‏الرجل فعفا عنه، ولم يعلم المتقول ان
خليفة لا يملك طيشه حيث لا موجب له لا يؤتمن على دين
ولا دنيا،فان من الممكن عندئذ ان يقتحم المهالك حيث لا
موبخ فيستمر عليها فيهلك ويهلك، وان مما قاله الخليفة‏نفسه
يوم الدار عن الثائرين عليه: انهم يخيروني احدى ثلاث: اما
يقيدونني بكل رجل اصبته خطا اوصوابا غير متروك منه شي‏ء،
فقلت لهم: اما اقادتي من نفسي فقد كان من قبلي خلفاء
تخطئ وتصيب فلم‏يستقد من احد منهم. الخ. وهذه الكلمة
تعطينا انه ما كان يتنازل للاقادة حتى في احرج ساعاته
المشارفة‏لقتله، فكيف بونة السعة وساعة المقدرة. فما يزعمه
هذا الناحت لذيل الرواية من انه تنازل لكعب لان‏يقيده بنفسه
لا يكاد يلائم هذه النفسية، ولو كان فعل شيئا من ذلك لتشبث
به في ذلك المازق الحرج.
وهناك رواية اخرى جاء بها الطبري من طريق السري الكذاب
المتروك، عن شعيب المجهول، عن سيف‏الوضاع المرمي
بالزندقة المتفق على ضعفه ((228))، عن محمد وطلحة: ان
كعبا كان يعالج نيرنجا ((229)) فبلغ ذلك عثمان‏فارسل الى
الوليد بن عقبة‏ليساله عن ذلك فان اقر به فاوجعه، فدعا به
فساله فقال: انما هو رفق وامريعجب منه، فامر به فعزر، واخبر
الناس خبره وقرا عليهم كتاب عثمان: انه قد جد بكم فعليكم
بالجدواى‏اكم والهزال، فكان الناس عليه وتعجبوا من وقوف
عثمان على مثل خبره، فغضب، فنفر في الذين نفروافضرب
معهم، فكتب الى عثمان فيه. فلما سير الى الشام من سير، سير
كعب بن ذي الحبكة ومالك بن‏عبداللّه وكان دينه كدينه الى
دنباوند لانها ارض سحرة، فقال في ذلك كعب بن ذي الحبكة
للوليد:
لعمري لئن طردتني ما الى التي
طمعت بها من سقطتي لسبيل
رجوت رجوعي يابن اروى ورجعتي
الى الحق دهرا غال ذلك غول
وان اغترابي في البلاد وجفوتي
وشتمي في ذات الاله قليل
وان دعائي كل يوم وليلة
عليك بدنباوندكم لطويل
فلما ولي سعيد اقفله واحسن اليه واستصلحه، فكفره، فلم يزدد
الا فسادا ((230)). شوه الطبري صحيفة تاريخه‏بمكاتبات
السري وقد اسلفنا في الجزء الثامن انهاموضوعة كلها، اختلق
الرجل في كل ما ينتقد به عثمان‏رواية تظهر فيها لوائح الكذب،
يريد بها رفاء لما هنالك من فتق، وهو الذي قذف اباذر ونظراءه
من‏الصالحين، غير مكترث لمغبة الكذب والافتراء، ومن ملامح
الكذب في هذه الرواية ان تسيير من سير الى‏الشام من قراء
الكوفة ونساكها وضرب كعب انما هو على عهد سعيد بن العاص
لا الوليد بن عقبة كما زعمه‏مختلق الرواية.
وان كتاب عثمان الى الوليد لا يصح، ولم يؤثر في اي من
مدونات التاريخ والسير، ولو كان تفرد به اناس‏يوثق بهم لكان
مجالا للقبول، لكن الرواية كما قيل:
صحاحهم عن سجاح عن مسيلمة
عن ابن حيان والدوسي يمليه
وكلهم ينتهي اسناد باطله
الى عزازيل منشيه ومنهيه ((231))
على انه يقول فيها: ان وليدا قراه على رؤوس الاشهاد، كانه
يحاول معذرة عما ارتكب من كعب، وانه كان‏برضى من
المسلمين، ولو صحت المزعمة لكانت مستفيضة، اذ الدواعي
كانت متوفرة على نقلها، لكنهم لم‏يسمعوها فلم يرووها، مضافا
الى ان المعروف من كعب بن عبدة انه كان من نساك الكوفة
وقرائها كما سمعته‏من كلام البلاذري وغيره لا ممن يتلهى
بالنيرنجات واشباهها.
وان تعجب فعجب ان صاحب النيرنج لو صدقت الاحلام
يعزر ويعاقب، ومعاقر الخمور وليد الفجور لا يحد لشربه
الخمر الا بعد نقمة الصحابة على خليفة الوقت من جراء ذلك،
ثم يكون مقيم الحد عليه‏غيره وهو مولانا امير المؤمنين (ع).
ولم يكن في اولئك المسيرين من يسمى مالك بن عبداللّه،
وانما كان فيهم مالك ابن الحارث الاشتر ومالك بن‏حبيب
الصحابيان كما تقدم ذكرهما.
وابيات كعب تناسب ان يخاطب بها عثمان لا الوليد، فانه هو
ابن اروى بنت كريز وفيها صراحة بسبب اغتراب كعب وجفوته

وشتمه، وانها كانت في ذات اللّه، يقول ذلك بمل‏ء فمه، ولا يرد
عليه راد بانها ليست‏في ذات اللّه وانما هي لانه كان يعالج
نيرنجا.
هكذا لعبت بالتاريخ يد الاهواء والشهوات تزلفا الى اناس وانحيازا
عن آخرين (فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي
يوعدون) ((232)).

(46) تسيير الخليفة عامر بن عبد قيس التميمي البصري
الزاهد الناسك الى الشام
اخرج الطبري ((233)) من طريق العلاء بن عبداللّه بن زيد
العنبري انه قال: اجتمع ناس من المسلمين فتذاكروااعمال
عثمان وما صنع، فاجتمع رايهم على ان يبعثوا اليه رجلا يكلمه
ويخبره باحداثه، فارسلوا اليه عامر بن‏عبداللّه التميمي ثم
العنبري وهو الذي يدعى عامر بن عبد قيس، فاتاه فدخل عليه
فقال له: ان ناسا من‏المسلمين اجتمعوا فنظروا في اعمالك
فوجدوك قد ركبت امورا عظاما فاتق اللّه عز وجل وتب اليه
وانزع‏عنها. قال له عثمان: انظر الى هذا فان الناس يزعمون انه
قارئ‏ثم هو يجي‏ء فيكلمني في المحقرات فواللّه مايدري اين
اللّه. قال عامر: انا لا ادري اين اللّه؟ قال: نعم، واللّه ما تدري اين
اللّه. قال عامر: بلى واللّه اني‏لادري ان اللّه بالمرصاد لك. فارسل
عثمان الى معاوية بن ابي سفيان، والى عبداللّه بن سعد بن ابي
سرح،والى سعيد بن العاص، والى عمرو بن العاص، والى عبداللّه
بن عامر فجمعهم ليشاورهم في امره وما طلب‏اليه وما بلغ
عنهم. فلما اجتمعوا عنده قال لهم: ان لكل امرئ وزراء ونصحاء
وانكم وزرائي ونصحائي واهل‏ثقتي، وقد صنع الناس ما قد
رايتم، وطلبواالي ان اعزل عمالي وان ارجع عن جميع ما
يكرهون الى ما يحبون‏فاجتهدوا رايكم واشيروا علي.
فقال له عبداللّه بن عامر: رايي لك يا امير المؤمنين ان تامرهم
بجهاد يشغلهم عنك وان تجمرهم في المغازي‏حتى يذلوا لك،
فلا يكون همة احدهم الا نفسه وما هو فيه من دبرة دابته وقمل
فروه.
ثم اقبل عثمان على سعيد بن العاص فقال له: ما رايك؟ قال: يا
امير المؤمنين ان كنت تريد راينا فاحسم‏عنك الداء واقطع
عنك الذي تخاف، واعمل برايي تصب. قال: وما هو؟ قال: ان
لكل قوم قادة متى تهلك‏يتفرقوا ولا يجتمع لهم امر. فقال
عثمان: ان هذا الراي لولا ما فيه.
ثم اقبل على معاوية فقال: ما رايك؟ قال: ارى لك يا امير
المؤمنين ان ترد عمالك على الكفاية لما قبلهم واناضامن لك
قبلي.
ثم اقبل على عبداللّه بن سعد فقال: ما رايك؟ قال: ارى يا امير
المؤمنين ان الناس اهل طمع فاعطهم من هذاالمال تعطف
عليك قلوبهم.
ثم اقبل على عمرو بن العاص فقال له: ما رايك؟ قال: ارى انك
قد ركبت الناس بما يكرهون فاعتزم ان‏تعتدل، فان ابيت
فاعتزم ان تعتزل، فان ابيت فاعتزم عزما وامض قدما.
فقال عثمان: مالك قمل فروك؟ اهذا الجد منك؟ فاسكت عنه
دهرا، حتى اذا تفرق القوم قال عمرو: لا واللّه ياامير المؤمنين
لانت اعز علي من ذلك، ولكن قد علمت ان سيبلغ الناس قول
كل رجل منا فاردت ان‏يبلغهم قولي فيثقوا بي فاقود اليك خيرا
او ادفع عنك شرا.
فرد عثمان عماله على اعمالهم وامرهم بالتضييق على من
قبلهم وامرهم بتجمير ((234)) الناس في البعوث، وعزم‏على
تحريم اعطياتهم ليطيعوه ويحتاجوا اليه ((235)).
وقال البلاذري في الانساب ((236)) (5/57): قال ابو مخنف
لوط بن يحيى وغيره: كان عامر بن [ عبد ] قيس‏التميمي ينكر
على عثمان امره وسيرته، فكتب حمران بن ابان مولى عثمان
الى عثمان بخبره، فكتب عثمان الى‏عبداللّه بن عامر بن كريز
في حمله فحمله، فلما قدم عليه فرآه وقد اعظم الناس
اشخاصه وازعاجه عن بلده‏لعبادته وزهده، الطفه واكرمه ورده
الى البصرة.
وروى ابن المبارك في الزهد من طريق بلال بن سعد ان عامر
بن عبد قيس وشي به الى عثمان، فامر ان ينفى‏الى الشام على
قتب، فانزله معاوية الخضراء وبعث اليه بجاريه وامرها ان تعلمه
ما حاله، فكان يقوم الليل‏كله ويخرج من السحر فلا يعود الا بعد
العتمة، ولا يتناول من طعام معاوية شيئا، كان يجي‏ء معه
بكسرفيجعلها في ماء فياكلها ويشرب من ذلك الماء، فكتب
معاوية الى عثمان بحاله فامره ان يصله ويدنيه فقال:لا ارب لي
في ذلك. الاصابة لابن حجر (3/85).
وذكر ((237)) ابن قتيبة في المعارف (ص‏84 و 194)، وابن
عبد ربه في العقد الفريد (2/261)، والراغب في‏المحاضرات
(2/212) جملة مما نقم به على عثمان وعدوا منه: انه سير عامر
بن عبد قيس من البصرة الى‏الشام، وقال ابن قتيبة: كان خيرا
فاضلا.
قال الاميني : منظر غريب لعمرك في ذلك اليوم، اليس من
المستغرب ان صلحاء البلاد مضطهدون فيه على‏بكرة ابيهم؟
فمن راسف تحت نير الاضطهاد، ومن معتقل في غيابة الجب،
ومن مغترب يجفل به من منفى الى‏منفى، ومن منقطع
عن‏العطاء، ومن ممقوت ينظر اليه شزرا، ومن مضروب تدق به
اضالعه، الى مشتوم يهتك‏في الملا الديني. لماذا ذلك كله؟
لانهم غضبوا للحق، وانكروا المنكر، فهلا كان في وسع من
يفعل بهم ذلك‏اقناعهم بالاقلاع عما ينكرونه وفيه رضا اللّه قبل
كل شي‏ء، ومرضاة رسوله من بعده، ومرضاة الامة جمعاء،وبه
كانت تدحر عنه المثلات وتخمد الفتن، وكانت فيه مجلبة
للمودة، ومكتسح للقلاقل، وهو ادعى لجمام‏النفس، وسيادة
الامن، وازاحة الهرج، وكان خيرا له من ارتكاب العظائم بالنفي
والضرب والشتم والازعاج‏والجفوة. ولو كان الخليفة يرى
خطاهم في انكارهم عليه فانه كان في وسعه ان يعقد لهم
محتفلاللتفاهم، فاماان يتنازلوا عن بعض ما ارادوا، او يتنازل هو
عن بعض ما يبتغيه، او يتكاف في التنازل فتقع خيرة الكل‏على
امر واحد، وكان عقد هذا المنتدى خيرا له مما عقده للنظر في
شان عامر بن عبد قيس، وجمع خلقا من‏اصول الجور، وجذوم
الفتن، وجراثيم العيث والفساد، فروع الشجرة الملعونة، وهم
الذين جروا اليه‏الويلات بجورهم وفجورهم واستعبادهم الامة
وابتغائهم الغوائل، وهملجتهم وراء المطامع فلم يسمع
منهم‏في ذلك المجتمع ولا في غيره الا راي مستغش، ونظرية
خائن، او افيكة مائن، او دسيسة لعين بلسان النبي‏الاقدس مرة
بعد اخرى، وهو مع ذلك يراهم وزراءه ونصحاءه واهل ثقته، اولا
تعجب من خلافة يكون‏هؤلاء وزراءها ونصحاءها واهل ثقة
صاحبها؟!
ثم انظر كيف كان التفاهم بين الرجلين: الخليفة وسفير
المسلمين اليه، هذا يذكره بالتقوى والتوبة الى اللّهوينهاه عن
ارتكاب العظائم التي استعظمها المسلمون العلماء منهم والقراء
والنساك وذوو الراي والمسكة،والخليفة يعد ما استعظمته
الامة من المحقرات، ثم يهزا به ويقذفه بقلة المعرفة مشفوعا
ذلك باليمين كما قذف‏به كعبا وصعصعة بن صوحان وسمع
منهما ما سمعه من عامر لانهم حملة العلم، والعلم حرف واحد
كثره‏الجاهلون.
والاعجب كيف يعير الخليفة الى سعاية حمران بن ابان اذنا
واعية وقد رآه على الفاحشة هو بنفسه، وذلك‏انه تزوج امراة في
العدة، فضربه ونفاه الى البصرة ((238)) واسر اليه سرا فاخبر به
عبدالرحمن بن عوف، فغضب‏عليه عثمان ونفاه ((239)). وقال
البلاذري في الانساب ((240)) (5/57): كان عثمان وجه
حمران الى الكوفة حين شكاالناس الوليد بن عقبة لياتيه
بحقيقة خبره فرشاه الوليد، فلما قدم على عثمان كذب عن
الوليد وقرظه. ثم انه‏لقي مروان فساله عن الوليد فقال له: الامر
جليل فاخبر مروان عثمان بذلك، فغضب على حمران وغربه
الى‏البصرة لكذبه عليه واقطعه دارا.
كيف وثق خليفة المسلمين بخبر انسان هذا شانه من الفسق
والتهور، واللّه جل‏اسمه يقول: (ان جاءكم‏فاسق‏بنبا فتبينوا ان
تصيبوا قوما بجهالة) ((241)).
ثم اعجب ان حمران نفاه الخليفة على فسقه واقطعه دارا
لجمع شمله، والعبد الصالح ابوذر الغفاري الصادق‏المصدوق
اجفل الى الربذة، وترك في البر الاقفر لاياوي الى مضرب، ولا
يظله خباء، هذا من هوان الدنياعلى اللّه.
وهل الخليفة عرف عامرا ومكانته في الامة ومنزلته من الزهد
والتقوى ومحله من التعبد والنزاهة، فاصاخ‏فيه الى قول الوشاة
واشخصه الى المدينة مرة وسيره الى الشام على القتب اخرى،
وازرى به واهانه حين‏مثل بين يديه؟ او انه لم يعرفه ولا شيئا
من فضله، فوثق بما قالوه؟ وكان عليه ان يعرفه لما علم
بسفارته من‏قبل وجهاء البصرة واهل الحريجة والتقوى، ذوي
الحلوم الراجحة، والاراء الناضجة، فانهم لا يرسلون‏طبعا الا من
يرضونه في مكانته وعلمه وعقله وتقواه. وهل كان فيما
يقوله‏مغضبة؟ او انه ما كان يتحرى‏صالح الامة وصلاح من
يسوسها؟
ان من العصيب ان نعترف بانه ما كان يعرف عامرا وصلاحه، فقد
كان يسير بذكره الركبان، وهبت باريج‏فضله النسائم في الاجواء
والارجاء، وفي طيات المعاجم والسير اليوم نماذج من تلكم
الشهرة الطائلة عن‏عامر بين العباد وفي البلاد يوم الزم نفسه ان
يصلي في اليوم والليلة الف ركعة ((242)) فكانوا يعدونه من
اولياء اللّهالمقربين، واول الزهاد الثمانية، وذكروا له كرامات
ومكرمات.
افمن الممكن اذن ان لا يعرفه الخليفة؟ ولم يكن فيما ينكره الا
ما اصفقت على انكاره اهل الحل والعقديومئذمن الصالح العام
في الحواضر الاسلامية كلها، غير انهم لم يجدوا كما ان عامرا
لم يجد اذنا مصغية‏لهتافهم، فتكافا دؤوب الخليفة على
التصامم ودؤوب القوم على الانكار حتى استفحل الخطب
ودارت‏الدوائر.
وهلم معي ننظر الى رواية الضعفاء رواية كذاب متروك، عن
مجهول منكر، عن وضاع متهم بالزندقة متفق‏على ضعفه:
السري، عن شعيب، عن سيف بن عمر، عن محمد وطلحة: ان
عثمان سير حمران بن ابان ان‏تزوج امراة في عدتها وفرق
بينهماوضربه وسيره الى البصرة، فلما اتى عليه ما شاء اللّه واتاه
عنه الذي يحب،اذن له فقدم عليه المدينة ومعه قوم سعوا
بعامر انه لا يرى التزويج، ولا ياكل اللحم، ولا يشهد
الجمعة‏فالحقه عثمان بمعاوية، فلما قدم عليه راى عنده ثريدا
فاكل اكلا عربيا ((243))، فعرف ان الرجل مكذوب عليه‏فعرفه
معاوية سبب اخراجه، فقال: اما الجمعة فاني اشهدها في مؤخر
المسجد ثم ارجع في اوائل الناس،واما التزويج فاني‏خرجت وانا
يخطب علي، واما اللحم فقد رايت ((244)).
اولا تعجب من الذين اتخذوا هذه الرواية مصدرا في تعذير
عثمان عن نفي عامر واشخاصه وهم يبطلون‏الرواية في غير هذا
المورد بوجود واحد من رجال هذا السند الثلاثة، لكنهم
يحتجون بروايتهم جميعاهاهنا، وفي كل ما نقم به على
عثمان؟!
ثم لننظر فيما وشي به على الرجل بعد الفراغ من النظرة في
حال الواشي وهو حمران المتقدم ذكره، هل‏يوجب شي‏ء منها
ذما او تعزيرا او تاديبا او تغريبا؟ وهل هي من المعاصي المسقطة
لمحل الانسان؟ اما ترك‏التزويج فلم يثبت حرمته ان لم يكن
من باب التشريع واخذه دينا، وانما النكاح من المرغب فيه، على
انه‏كان لم يزل يخطب لنفسه لكنه لا يجد من يلائمه في خفة
المؤنة. اخرج ابو نعيم في الحلية (2/90): ان عامر بن‏عبد قيس
بعث اليه امير البصرة، فقال: ان امير المؤمنين امرني ان اسالك
مالك لا تزوج النساء؟ قال: ماتركتهن واني لدائب في الخطبة،
قال: ومالك لا تاكل الجبن؟ قال: انا بارض فيها مجوس فما
شهد شاهدان‏من المسلمين ان ليس فيه ميتة اكلته. قال: وما
يمنعك ان تاتي الامراء؟ قال: ان لدى ابوابكم طلاب‏الحاجات
فادعوهم واقضوا حوائجهم، ودعوا من لا حاجة له اليكم.
واخرج من طريق احمد بن حنبل باسناده عن الحسن قال:
بعث معاوية الى عبداللّه بن عامر ان انظر عامربن عبد قيس
فاحسن اذنه واكرمه ومره ان يخطب الى من شاء وامهر عنه من
بيت المال، فارسل اليه ان‏اميرالمؤمنين قد كتب الي وامرني ان
آمرك ان تخطب الى من شئت وامهر عنك من بيت المال. قال:
انا في الخطبة‏دائب. قال: الى من؟ قال: الى من يقبل مني
الفلقة والتمرة.
وهذان الحديثان يكذبان ما جاء به السري، ولو صح ذلك فما
وجه هذه المسالة في ايام معاوية عن تزويج‏عامر؟
واما ترك اللحوم فليس من المحرم ايضا وقد جاءت السنة
بتحليلها كلها من غير ايجاب، نعم تركها النهائي‏مكروه ان لم
يكن من باب التدين، وقد تستدعي المبالغة في الزهادة الذهول
عن شؤون الدنيا باسرها فلايلتفت صاحبها الى الملاذ كلها،
وكان مع ذلك لعامر عذر، قال ابن قتيبة في المعارف ((245))
(ص‏194): وكان‏سبب تسييره ان حمران بن ابان كتب فيه: انه
لا ياكل اللحم، ولا يغشى النساء، ولا يقبل الاعمال يعرض‏بانه
خارجي ((246)) فكتب عثمان الى ابن عامر: ان ادع عامرا
فان كانت فيه الخصال فسيره. فساله، فقال: امااللحم فاني
مررت بقصاب يذبح ولا يذكر اسم اللّه، فاذا اشتهيت اللحم
اشتريت شاة فذبحتها، واما النساءفان لي عنهن شغلا، واما
الاعمال فما اكثر من تجدونه سواي. فقال له حمران: لا اكثر
اللّه فينا امثالك، فقال له‏عامر: بل اكثر اللّه فينا من امثالك
كساحين وحجامين.
واما عدم الحضور للجمعة: فقد بين عامر نفسه حقيقته لمعاوية
وهو الصادق الامين على انه كان له ان لايحضر الجمعة
والجماعة ان لم ير لمقيمها اهلية للائتمام به، وليس من المنكر
ذلك في حق الولاة الامويين‏يومئذ.
وعلى فرض صحة الرواية وكون كل مما نبز به حوبا كبيرا، فكان
من الميسور تحقيق حال الرجل من قبل‏والي البصرة كما وقع
ذلك فيما مر من رواية ابي نعيم بالنسبة الى التزويج واكل
الجبن واتيان الامراء. ولاادري هل من الفرائض في الشريعة
السمحاء اكل الجبن بحيث يوجب تركه التجسس والتفتيش؟
وعلى‏كل‏فما الموجب لاجفال الرجل العظيم من مستقر امنه
على قتب الى الشام منفى الثائرين على الخليفة؟واي‏عقل يقبل
تسييره وتعذيبه لتلك الامور التافهة؟ نعم: الغريق يتشب ث
بكل حشيش.

(47) تسيير الخليفة عبدالرحمن الجمحي
عد ممن سيره الخليفة عبدالرحمن بن حنبل الجمحي. قال
اليعقوبي: سير عبدالرحمن صاحب رسول اللّه(ص) الى
القموس ((247)) من خيبر، وكان سبب تسييره‏اياه انه بلغه
كرهه مساوئ ابنه وخاله، وانه هجاه.
وقال العلائي عن مصعب وابو عمر في الاستيعاب ((248)): انه
لما اعط‏ى عثمان مروان خمسمائة الف من خمس افريقية قال

عبدالرحمن:
واحلف باللّه جهد اليمين
ما ترك اللّه امرا سدى
ولكن جعلت لنا فتنة
لكي نبتلى بك او تبتلى
دعوت الطريد فادنيته
خلافا لما سنه المصطفى
ووليت قرباك امر العباد
خلافا لسنة من قد مضى
واعطيت مروان خمس الغنيم
ة آثرته وحميت الحمى
ومالا اتاك به الاشعري
من الفي‏ء اعطيته من دنا
فان الامينين قد بينا
منار الطريق عليه الهدى
فما اخذا درهما غيلة
ولا قسما درهما في هوى ((249))
فامر به فحبس بخيبر، وانشد له المرزباني في معجم الشعراء انه
قال وهو في السجن :
الى اللّه اشكو لا الى الناس ما عدا
ابا حسن غلا شديدا اكابده
بخيبر في قعر الغموص كانها
جوانب قبر اعمق اللحد لاحده
اان قلت حقا او نشدت امانة
قتلت؟ فمن للحق ان مات ناشده؟
وكتب الى علي وعمار من الحبس:
ابلغ عليا وعمارا فانهما
بمنزل الرشد ان الرشد مبتدر
لا تتركا جاهلا حتى يوقره
دين الاله وان هاجت به مرر
لم يبق لي منه الا السيف اذ علقت
حبائل الموت فينا الصادق البرر
يعلم باني مظلوم اذا ذكرت
وسط الندي حجاج القوم والعذر
فلم يزل علي يكلم عثمان حتى خلى سبيله على انه لا يساكنه
بالمدينة فسيره‏الى خيبر فانزله قلعة بها تسمى‏القموص، فلم
يزل بها حتى ناهض المسلمون عثمان وساروا اليه من كل بلد،
فقال عبدالرحمن:
لولا علي فان اللّه انقذني
على يديه من الاغلال والصفد
لما رجوت لدى شد بجامعة
يمنى يدي غياث الفوت من احد
نفسي فداء علي اذ يخلصني
من كافر بعد ما اغضى على صمد
كان عبدالرحمن مع علي في صفين، قال الطبري من طريق
عوانة: انه جعل ابن حنبل يقول يومئذ:
ان تقتلوني فانا ابن حنبل
انا الذي قد قلت فيكم نعثل
راجع ((250)): تاريخ‏الطبري(6/25)، تاريخ اليعقوبي(2/150)،
الاستيعاب(2/410)،شرح ابن ابي الحديد (1/66)،الاصابة
(2/395).
قال الاميني : هذا احد المعذبين الذين اقلتهم غيابة الجب
مصفدا بالحديد ولم يجهز عليه الا انكاره المنكر،وجنوحه الى
الحق المعروف، والكلام فيه لدة ما كررناه في غير واحد من
زملائه الصالحين، واحسن ماينم‏عن سريرته شعره الطافح
بالايمان.

(48) تسيير الخليفة عليا اميرالمؤمنين
لعل التبسط في البحث عما جرى بين عثمان ايام خلافته وبين
علي امير المؤمنين يوجب خدش العواطف،وينتهي الى ما لا
يحمد عقباه، والتاريخ وان لم يحفظ منه الا النزر اليسير غير ان
في ذلك القليل غنى وكفاية‏وبه تعرف جلية الحال، ونحن نمر
به كراما، فلا نحوم حول البحث عن كلمه القوارص لعلي (ع)،
البعيدة‏عن ساحة قدسه، النائية عن مكانته الراقية التي لا
يدرك شاوها، ويقصر دون استكناهها البيان.
ايسع لمن اسلم وجهه للّه وهو محسن وآمن بالكتاب وبما نزل
من آيه في سيد العترة، وصدق بالنبي (ص)وبما صدع به من
فضائل علي (ع)، وجاوره مع ذلك حقبا واعواما بيت بيت،
ووقف على نفسياته الكريمة‏وهو على ضمادة من افعاله وتروكه
وشاهد مواقفه المبرورة ومساعيه المشكورة في تدعيم الدين
الحنيف،ايسع لمسلم هذا شانه ان يخاطب اخا الرسول المطهر
بلسان اللّه بقوله: لم لا يشتمك مروان اذا شتمته،فواللّه ما
انت عندي بافضل منه ومروان طريد رسول اللّه وابن طريده
ولعينه وابن لعينه ((251))؟
ام بقوله له: واللّه يا ابا الحسن ما ادري اشتهي موتك؟ ام اشتهي
حياتك؟فواللّه لئن مت ما احب ان ابقى‏بعدك لغيرك لاني لا
اجد منك خلفا، ولئن بقيت لا اعدم طاغيا يتخذك سلما
وعضدا، ويعدك كهفا وملجا،لا يمنعني منه الا مكانه منك
ومكانك منه، فانا منك كالابن العاق من ابيه ان مات فجعه وان
عاش عقه. الى‏آخر ما مر في (ص‏18).
ام بقوله له: ما انت بافضل من عمار، وما انت اقل استحقاقا
للنفي منه ((252)).
ام بقوله له: انت احق بالنفي من عمار ((253))؟
ام بقوله الغليظ الذي لا يحب المؤرخون ذكره ونحن سكتنا عن
الاعراب عنه ((254))؟
وبعد هذه كلها يزحزحه (ع) عن مدينة الرسول (ص) ويقلقه
من عقر داره ويخرجه الى ينبع مرة بعداخرى قائلا لابن عباس:
قل له فليخرج الى ماله بينبع، فلا اغتم به ولا يغتم بي.
الا مسائل الرجل عما اوجب اولوية الامام الطاهر المنزه عن
الخطل، المعصوم من الزلل بالنفي ممن نفاهم من‏الامة
الصالحة؟ اكان بزعمه علي (ع) شيوعيا اشتراكيا شيخا كذابا
كابي ذر الصادق المصدق؟ ام كان‏عنده دويبة سوء كابن مسعود
اشبه الناس هديا ودلا وسمتا برسول اللّه (ص)؟
ام كان الرجل يراه ابن متكاء، عاضا اير ابيه، طاغيا كذابا يجترى‏ء
عليه ويجري عليه الناس كعمار جلدة مابين عيني النبي
(ص)؟
ام كان يحسبه معالجا نيرنجا ككعب بن عبدة الصالح الناسك؟
ام كان يراه تاركا الجبن واللحم والجمعة والتزويج كعامر بن
عبد قيس القارى‏الزاهد المتعبد؟
ام كان الامام متكلما بالسنة الشياطين غير عاقل ولا دين
كصلحاء الكوفة المنفيين؟
حاشا صنو النبي الاقدس عن ان يرمى بسقطة في القول او في
العمل بعد ما طهره الجليل، واتخذه نفسالنبيه، واختارهما من
بين بريته نبيا ووصيا.
وحاشا اولئك المنفيين من الصحابة الاولين الابرار والتابعين
لهم باحسان عن تلكم الطامات والافائك‏والنسب المفتعلة.
نعم، كان يرى الرجل كلا من اولئك الصفوة البررة الامرين
بالمعروف والناهين عن المنكر طاغيا اتخذ عليا(ع) سلما ويعده
كهفا وملجا يدافع عنهم بوادر غضب الخليفة، ويحول بينهم
وبين ما يرومه من عقوبة تلك‏الفئة الصالحة الناقمة عليه لما
ركبه من النهابير ((255))، فدفع هذا المانع الوحيد عن تحقق
هواجس الرجل كان‏عنده اولى بالنفي من اولئك الرجال
المنفيين، ولولاه لكان يشفي منهم غليله، ويتسنى له ما كان
يبتغيه من‏البغي عليهم، واللّه يدافع عن الذين آمنوا وانه على
نصرهم لقدير.
على انه ليس من المعقول ان يكون من ياوي الى مولانا امير
المؤمنين وآواه هو طاغيا كما يحسبه هذاالخليفة، فانه لا ياوي
الى مثله الا الصالح الراشد من‏المظلومين وهو (ع) لا يحمي الا
من هو كذلك، وهوولي المؤمنين، وامير البررة، وقائد الغر
المحجلين، وامام المتقين، وسيد المسلمين، كل ذلك نص من
الرسول‏الصادق الامين. وليتني ادري مم كان يغتم عثمان من
مكان امير المؤمنين (ع) بالمدينة؟ ووجوده رحمة‏ولطف من
اللّه سبحانه وتعالى على الامة جمعاء لا سيما في البيئة التي
تقله، يكسح عن اهلها الفساد، ويكبح‏جماح المتغلبين، ويقف
امام نعرات المتهوسين، ويسير بالناس على المنهج اللاحب
سيرا صحيحا.
نعم، يغتم به سماسرة النهمة والشره فيروقهم بعاده ليهملج
كل منهم الى غاياته قلق الوضين ((256)). وما كان‏هتاف الناس
به يومئذ الا لان يقيم اود الجامعة، ويعدل الخطة العوجاء، ويقف
بهم على المحجة الواضحة،غير ان ذلك الهتاف لايروق من لا
يروقه ذلك كله، فالاغتمام به جناية على المجتمع الديني،
ووقوف امام سير الصالح العام.
ولعمر اللّه ان هذه القوارص هي التي فتحت باب الجراة على
امير المؤمنين بمصراعيه طيلة حياته، وهتكت‏منه حجاب
حرمته وكرامته، واطالت عليه السنة البذاءة والوقيعة فيه،
وعثمان هو الذي ازرى بالامام في‏الملا الديني، وصغره في
اعين الناس وجرا عليه طغام الامويين وسفلة الاعراب، فباذاه
ابناء امية وهم على‏آسال خليفتهم اتخذوه اسوة وقدوة في
شتيمته وقذيعته وآذوا نبيهم في اخيه علم الهدى. (ان الذين
يؤذون‏اللّهورسوله لعنهم اللّه في الدنيا والاخرة واعدلهم عذابا
مهينا) ((257))، (والذين يؤذون رسول اللّه لهم‏عذاب اليم)
((258))،(والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا
فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا) ((259)).

(49) آية نازلة في الخليفة
اخرج الواحدي والثعلبي من طريق ابن عباس والسدي والكلبي
والمسيب بن شريك، قالوا: نزل قوله‏تعالى في سورة النجم
(33، 34، 35): (افرايت الذي تولى # واعط‏ى قليلا واكدى
((260)) # اعنده علم الغيب فهوى‏رى): نزلت في عثمان
(رضى‏ا...عنه) كان يتصدق وينفق في الخير، فقال له اخوه من
الرضاعة عبداللّه بن ابي‏سرح: ما هذا الذي تصنع؟ يوشك ان لا
يبقي لك شيئا. فقال عثمان: ان لي ذنوبا وخطايا واني اطلب
بمااصنع رضا اللّه تعالى وارجو عفوه، فقال له عبداللّه: اعطني
ناقتك برحلها وانا اتحمل عنك ذنوبك كلها.فاعطاه واشهد
عليه وامسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة، فانزل اللّه
تعالى: (افرايت الذي تولى). الخ.فعاد عثمان الى احسن ذلك
واجمله.
وذكره جمع من المفسرين، وفي تفسير النيسابوري: معنى
تولى: ترك المركز يوم احد.
راجع ((261)): اسباب النزول للواحدي (ص‏298)، تفسير
القرطبي (17/111)، الكشاف (3/146)، تفسيرالنيسابوري
هامش الطبري (27/50)، تفسير الشربيني (4/128).
قال الاميني : لا غرابة من ابن ابي سرح وقد تشاكلت احواله يوم
كفره واسلامه وردته وزلفته من عثمان‏على عهد خلافته ان
لهج بهذه السخافة التي لا تلائم ايا من نواميس العدل، ولكن ان
تعجب فعجب قبول‏عثمان تلكم الخرافة منه، ومنحه اياه ناقته
برحلها على ان يحمل عنه ذنوبه (ولا تزر وازرة وزر اخرى)
((262)).واشهاده عليه وامساكه عن الصدقات، وحسبانه ان ما
قاله ذلك الساخر كائن لا محالة، كان بيد ابن ابي‏سرح ازمة
الحساب، وعنده مقاليد يوم القيامة، وهو الخبير بما يكون فيه،
فانباه بان ذنوبه محيت بتلك‏المبادلة، او ان عثمان نفسه كان
يعلم الغيب، فهو يرى ان ما يقوله حميمه حق، وكانه نسي قوله
تعالى: (وقال‏الذين كفروا للذين آمنوا اتبعوا سبيلنا ولنحمل
خطاياكم وما هم بحاملين من خطاياهم من شي‏ء انهم لكاذبون‏#
وليحملن اثقالهم واثقالا مع اثقالهم وليسالن يوم القيامة عما
كانوا يفترون) ((263)). وقوله تعالى: (من يعمل‏سوءايجز به ولا
يجد له من دون اللّه وليا ولا نصيرا) ((264)). وقوله تعالى:
(فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره‏# ومن يعمل‏مثقال ذرة شرا يره
) ((265)). وقوله تعالى: (كل نفس بما كسبت رهينة)
. (ومن يكسب اثما فانما يكسبه على نفسه) ((267)). ((266))
(اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم) ((268)).
(ولتجزى كل نفس بما كسبت‏وهم لا يظلمون) ((269)) الى
آي‏كثيرة من امثالها، وهي كلها تقرر حكم العقل بقبح اخذ اي
احد بجريمة غيره.
والعدل يحكم بان ابن ابي سرح وهو مثال المثم والمخازي ان
حمل اثما من جراء قولته هذه فانما هو جراته‏على اللّه تعالى
وتصغيره عظمة نيران القسط الالهي ونهيه عن الصدقة لا ما
سبق لعثمان اقترافه من‏السيئات، لكن هلم معي الى ضؤولة
عقل من يصدق تلكم المهزاة، ويرتب عليها آثارا عملية حتى
ندد به‏الذكر الحكيم.
وهب انا غاضينا الراوي على عود الرجل الى ما كان بعد نزول
الاية الكريمة،لكن ذلك لا يجديه نفعا يزيح‏عنه وصمة ضعف
الراي وقوة الرعونة فيه، نعم، كان يجديه لو لم يعبا بتلكم
الضلالة، او انه عدل عنها بقوة‏التفكير لا بتوبيخ الوحي الالهي،
وليته لم يعدل فانه عدل الى ما عرفت من سيرته في الصدقات،
وجاءيخضم مال اللّه خضمة الابل نبتة الربيع.

(50) الخليفة لا يعرف المخلص من النار
((270)) (2/58) من طريق احمد اخرج ابن عساكر في تاريخه
بن محمد، ابي علي بن مكحول البيروتي قال: مرعمرعلى
عثمان بن عف ان فسلم عليه، فلم يرد عليه السلام، فجاء عمر
الى ابي بكر الصديق فقال: يا خليفة‏رسول اللّه الا اخبرك
بمصيبة نزلت بنا من بعد رسول اللّه؟ قال: وما هي؟ قال: مررت
على عثمان فسلمت‏عليه فلم يرد علي السلام. فقال ابو بكر:
اوكان ذلك؟ قال: نعم. فاخذ بيده وجاء الى عثمان فسلما عليه،
فردعليهما السلام فقال ابوبكر: جاءك عمر فسلم عليك فلم
ترد عليه؟ فقال: واللّه يا خليفة رسول اللّه ما رايته.قال: وفي اي
شي‏ء كانت فكرتك؟ قال: كنت مفكرا في رسول اللّه (ص)
فارقناه ولم نساله كيف الخلاص‏والمخلص من النار؟ فقال
ابوبكر: واللّه لقد سالت رسول اللّه (ص) فاخبرني، فقال عثمان:
ففرج عنا، قال ابوبكر : قال رسول اللّه (ص): تمسكوا بالعروة
الوثقى: قول لا اله الا اللّه.
قال الاميني : اكان في اذن الرجل وقر على عهد النبوة عما كان
يتهالك دونه رسول‏اللّه (ص) ويهتف به آناءالليل واطراف النهار
منذ بدء البعثة الى ان لقي ربه من الاشادة بكلمة التوحيد، وان
الاخلاص بها هو المنقذالفذ، والسبب الوحيد للنجاة من الهلكة
التي من ورائها النار، وان (ومن يسلم وجهه الى اللّه
وهومحسن‏فقداستمسك ب العروة الوثقى) ((271)). (فمن
يكفر بالط اغوت ويؤمن باللّه فقد استمسك بالعروة
الوثقى)((272)). (والذين آمنوا وعملوا الصالحات اولئك
اصحاب الجنة) ((273)).و(انه من يشرك باللّه فقد حرم اللّه
عليه‏الجنة‏و ماواه النار ) ((274)).
الم يك يسمع نداءه (ص): «قولوا لا اله الا اللّه تفلحوا» ((275))؟
وقوله: «من شهد ان لا اله الا اللّه، وان محمدا رسول اللّه، حرم
اللّه عليه النار».
وقوله: «من قال: لا اله الا اللّه مخلصا دخل الجنة‏».
وقوله: «ما من احد يشهد ان لا اله الا اللّه، وان محمدا رسول اللّه،
صدقا من قلبه الا حرمه اللّه على النار».
وقوله: «اني لاعلم كلمة لا يقولها عبد حقا من قلبه فيموت
على ذلك الا حرم على النار: لا اله الا اللّه». الى‏احاديث كثيرة
جمع جملة ضافية منها الحافظ المنذري في الترغيب
والترهيب ((276)) (2/160 164).
او ان الرجل كان يسمع هذه الكلمات الذهبية، لكنه لا يعيرها
اذنا واعية فنسيها؟ فان كان لم يع هذه وهي‏اساس الدعوة فما
الذي وعاه؟ وما الذي تعقله من نبي جاء وذهب ولم يعرف ما هو
المخلص من النار؟ ولم‏يبعث الا لانتشال امته منها، وفي يده
كتابه الكريم فيه تبيان كل شي‏ء، واي نبي كان يحسبه عثمان،
نبي‏العظمة؟ وعلى اي اساس علا صروح اسلامه؟ واي مسلم
هذا يدرك ايام دعوة نبيه كلها ثم يدركه (ص)الموت ولم يعرف
المسكين بعد ما ينجيه من النار؟ نعم، لم يال نبي الاسلام في
تنوير سبل السلام، وانقاذالبشر من النار، فماذا عليه ان لم
تصادفه نفس صاغية الى تعاليمه فلم تحفظها؟

(51) ترك الخليفة التكبير في كل خفض ورفع
اخرج احمد بالاسناد عن مطرف عن عمران بن حصين قال:
صليت خلف علي صلاة ذكرني صلاة صليتهامع رسول اللّه
(ص) والخليفتين، قال: فانطلقت فصليت معه فاذا هو يكبر
كلما سجد وكلما رفع راسه من‏الركوع فقلت: يا ابا نجيد من
اول من تركه؟ قال: عثمان (رضى‏ا...عنه) حين كبر وضعف
صوته تركه ((277)).
قال الاميني : سيوافيك البحث الضافي في الجزء العاشر ان شاء
اللّه تعالى حول‏التكبيرة في الصلاة عندكل‏رفع وخفض وان ها
سنة ثابتة عن رسول اللّه (ص) تسالمت عليها الامة، وعمل بها
الصحابة،واستقرعليها اجماع ائم ة المذاهب، وهذا الحديث
يعطينا خبرا بان اول من تركها هو عثمان وتبعه معاوية‏وبنو
امية، وما زال الناس على هذا المزن وتمرنت عليه الامة طوعا
او كرها حتى ضاعت السنة الثابتة‏ونسيت، وكان من جاء بها يعد
احمق كانه ارتكب امرا شاذا عن الشرع المقدس، والتبعة في
ذلك‏كله على‏الخليفة البادي بترك سنة اللّه التي لا تبديل لها.
قال الزرقاني في شرح الموطا ((278)) (1/145): ولاحمد
((279)) عن‏عمران: اول من ترك التكبير عثمان حين كبر،
وللطبري عن ابي هريرة: اول من تركه معاوية. ولابي عبيد:اول
من تركه زياد. ولا ينافي ما قبله لان زيادا تركه بترك معاوية،
وكانه تركه بترك عثمان وقد حمله جماعة‏من العلماء على
الاخفاء. انتهى.
وتبرير عمل عثمان بالحمل على الاخفاء ياباه صريح لفظ: ترك،
وانما يخبر ابن حصين عن تكبير اميرالمؤمنين في‏الهوي
والانتصاب لا عن جهره به، والسائل انما يساله عن اول من تركه
لا عمن خافت به اولا،ويزيفه ما ياتي عن ابن حجر ((280))
والشوكاني ((281)) وغيرهما من قولهم كما سمعت عن
الزرقاني: كان معاوية تركه‏بترك عثمان. ولم يؤثر عن معاوية
غير الترك والتنقيص كما ياتي حديثه بلفظ نقص، وقد اتبع اثر
عثمان في‏احدوثته فالى الملتقى.

نتاج البحث
هذه نبذ قليلة نشرتها يد التاريخ الجانية بعد ان طوى كشحا
عن ذكر مهمات ما جرى في ذلك العهدالمشحون بالقلاقل،
الطافح بالفتن، المفعم بالهنابث ((282))، وقد عرفناه جانيا
بستر تلكم الحقائق، جنوحا الى‏العاطفة، سائرا مع الميول،
والتاريخ حر يجب ان يمضي مع الواقع وان لا يلويه مع القصد
تعصب لاحد اوتحيز الى فئة، لكن القوم لم يسيروا في سرد
التاريخ كما يجب عليهم، فطفقوا يحرفون الكلم
عن‏مواضعه،ويثبتون ما يوافق هواهم، ويدعون ما لا يروقهم.
قال الطبري في تاريخه ((283)) (5/108): ان الواقدي ذكر في
سبب مسير المصريين الى عثمان ونزولهم ذا خشب‏امورا
كثيرة، منها ما تقدم ذكره، ومنها ما اعرضت عن ذكره كراهة
مني ذكره لبشاعته.
وقال ((284)) في (5/113): قد ذكرنا كثيرا من الاسباب التي
ذكر قاتلوه انهم جعلوها ذريعة الى قتله، فاعرضناعن ذكر كثير
منها لعلل دعت الى الاعراض عنها.
وقال ((285)) في (ص‏232): ان محمد بن ابي بكر كتب الى
معاوية لما ولي، فذكر مكاتبات جرت بينهما كرهت‏ذكرها لما
فيه مما لا يتحمل سماعها العامة.
ومر في (8/306) في ذكر ما جرى بين علي (ع) وعثمان قول
الواقدي ((286)): فاجابه عثمان بجواب غليظ لا احب‏ذكره
واجابه علي بمثله.