راجع ((105)): الاستيعاب (2/435)، تفسير ابن جزي (2/20)،
تفسير ابن كثير (2/172)، تفسير البيضاوي(1/400)، تفسير
السيوط‏ي (3/43)، تفسير الشربيني (1/429)، تفسير الخازن
(2/32)، تفسير الشوكاني(2/152).

الثناء الجميل على عمار
اما الاحاديث الواردة في الثناء عليه فحدث عنها ولا حرج،
واليك نزرا منها:
1 عن ابن عباس عن رسول اللّه (ص) في حديث: «ان عمارا
ملئ ايمانا من‏قرنه الى قدمه، واختلط الايمان بلحمه ودمه‏».
راجع ((106)): حلية الاولياء (1/139)، تفسير الزمخشري
(2/176)، تفسير البيضاوي (1/683)، بهجة المحافل(1/94)،
تفسير الرازي (5/365)، تفسير الخازن (3/143)، كنز العمال
(6/184 و 7/75)، تفسير الالوسي(14/237).
2 اخرج ابن عساكر ((107)) من طريق علي: «عمار خلط اللّه
الايمان ما بين قرنه الى قدمه، وخلط الايمان‏بلحمه ودمه،
يزول مع الحق حيث زال، وليس ينبغي للنار ان تاكل منه
شيئا». كنز العمال ((108)) (6/183).
3 اخرج البزار من طريق عائشة، قالت: ما احد من اصحاب
رسول‏اللّه(ص) الا لو شئت لقلت فيه ماخلا عمارا، فاني سمعت
رسول اللّه (ص) يقول: «ملئ ايمانا الى مشاشه ((109))». وفي
لفظ ابي عمر: «ملئ عمارايمانا الى اخمص‏قدميه‏». وفي لفظ له:
«ان عمار بن ياسر حشي ما بين اخمص قدميه الى شحمة اذنيه
ايمانا».
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (9/295) وقال: رجاله رجال
الصحيح، واخرجه ابن ماجة ((110)) من طريق علي‏كما في
طرح التثريب (1/87)، واخرجه ابن ديزيل والنسائي ((111))
من طريق عمرو بن شرحبيل عن رجل‏مرفوعا كما في تيسير
الوصول ((112)) (3/279)، والبداية والنهاية ((113)) (7/311)
ولفظه: «لقد ملئ عمار ايمانا من‏قدمه الى مشاشه‏». ورواه
عبدالرزاق والطبراني وابن جرير ((114)) وابن عساكر ((115))
كما في كنز العمال((116))(6/184). واخرجه ابو عمر بالالفاظ
الثلاثة في الاستيعاب ((117)) (2/435).
4 اخرج ابن ماجة وابو نعيم من طريق هاني بن هاني، قال: كنا
عند علي فدخل عليه عمار فقال: «مرحبابالطيب المطيب،
سمعت رسول اللّه (ص) يقول: عمار ملئ ايمانا الى مشاشه‏».
سنن ابن ماجة ((118)) (1/65)، حلية الاولياء (1/139)، الاصابة
(2/512).
5 اخرج ابن سعد في الطبقات ((119)) (3/187) طبع ليدن
مرفوعا: «ان عمارا مع الحق والحق معه، يدورعمار مع الحق
اينما دار، وقاتل عمار في النار».
واخرج الطبراني ((120)) والبيهقي ((121)) والحاكم ((122))
من طريق ابن مسعود مرفوعا: «اذا اختلف الناس كان ابن‏سمية
مع الحق‏».
ذكره ابن كثير في تاريخه ((123)) (7/270)، والسيوط‏ي في
الجامع الكبير كما في ترتيبه ((124)) (6/184)، وفي
لفظ‏ابراهيم بن الحسين بن ديزيل في سيرة علي : جاء رجل
الى ابن مسعود فقال: ارايت اذا نزلت فتنة كيف‏اصنع؟ قال:
عليك بكتاب اللّه. قال: ارايت ان جاء قوم كلهم يدعون الى
كتاب اللّه؟ فقال: سمعت‏رسول‏اللّه(ص) يقول: «اذا اختلف
الناس كان ابن سمية مع الحق‏».
واخرج ابو عمر في الاستيعاب ((125)) (2/436) من طريق
حذيفة: «عليكم بابن سمية، فانه لن يفارق‏الحق‏حتى يموت‏»، او
قال: «فانه يدور مع الحق حيث دار».
6 اخرج ابن ماجة ((126)) من طريق عطاء بن يسار عن
عائشة، مرفوعا: «عمار ما عرض عليه امران‏الااختار الارشد
منهما».
وفي لفظ احمد من طريق ابن مسعود مرفوعا: «ابن سمية ما
عرض عليه امران‏قط الا اخذ بالارشد منهما».وفي لفظ آخر له
من طريق عائشة: «لا يخير بين امرين الا اختار ارشدهما». وفي
لفظ الترمذي: «ما خيرعمار بين امرين الا اختار ارشدهما».
راجع ((127)): مسند احمد (1/389 و 6/113)، سنن ابن ماجة
(1/66)، مصابيح البغوي (2/288)، تفسير القرطبي(10/181)،
تيسير الوصول (3/279)، شرح ابن ابي الحديد (2/274)، كنز
العمال (6/184)، الاصابة(2/512).
7 اخرج الترمذي ((128)) من طريق علي، قال: استاذن عمار
على النبي (ص) فقال: «ائذنوا له، مرحبابالطيب المطيب‏»،
فقال: حسن صحيح.
واخرجه ((129)): الطبراني ((130))، وابن ابي شيبة، واحمد
في المسند (1/100، 126، 138)، والبخاري في تاريخه(4/229)
من القسم الثاني، وابن جرير وصححه، والحاكم والشاشي،
وسعيد بن منصور، وابو نعيم في حلية‏الاولياء (1/140)، والبغوي
في المصابيح (2/288)، وابو عمر في الاستيعاب (2/435)، وابن
ماجة في السنن(1/65)، وابن كثير في البداية (7/311)، وابن
الديبع في التيسير (3/278)،والعراقي في طرح
التثريب(1/87)، والسيوط‏ي في الجامع الكبير (7/71).
8 عن انس بن مالك مرفوعا: «ان الجنة تشتاق الى اربعة: علي
بن ابي طالب، وعمار بن ياسر، وسلمان‏الفارسي، والمقداد».
وفي لفظ الترمذي والحاكم وابن عساكر: «اشتاقت الجنة الى
ثلاثة: علي وعمار وسلمان‏».
وفي لفظ لابن عساكر : « اشتاقت الجنة الى ثلاثة : الى علي
وعمار وبلال‏».
اخرجه ((131)) ابو نعيم في الحلية (1/142)، والحاكم في
المستدرك (3/137)، وصححه هو والذهبي،
والترمذي‏والطبراني كما في تفسير القرطبي (10/181)، وتاريخ
ابن كثير (7/311)، ومجمع الزوائد للهيثمي (9/307)،واخرجه
ابن عساكر في تاريخه (3/306 و 6/198، 199)، وابو عمر في
الاستيعاب (2/435).
9 اخرج البزار من طريق علي مرفوعا: «دم عمار ولحمه حرام
على النار ان تطعمه‏». وفي لفظ ابن عساكر((132)): «دم عمار
ولحمه حرام على النار ان تاكله او تمسه‏».
مجمع الزوائد (9/295)، كنز العمال ((133)) (6/184 و 7/75).
10 اخرج ابن هشام مرفوعا: «مالهم ولعمار؟ يدعوهم الى الجنة
ويدعونه‏الى النار، ان عمارا جلدة ما بين‏عيني وانفي، فاذا بلغ
ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه‏».
سيرة ابن هشام (2/115)، العقد الفريد (2/289)، شرح ابن ابي
الحديد (3/274) ولفظه: «ما لقريش ولعماريدعوهم الى الجنة
ويدعونه الى النار، قاتله وسالبه في النار» ((134)). وبهذا اللفظ
ذكره ابن كثير في تاريخه((135))(7/268).
11 اخرج ((136)) الطبراني وابن عساكر من طريق عائشة
مرفوعا: «كم من ذي طمرين لا ثوب له لو اقسم‏على اللّه لابره،
منهم: عمار بن ياسر». مجمع الزوائد (9/294)، كنز العمال
(6/184). ((137))
12 اخرج احمد ((138)) من طريق خالد بن الوليد مرفوعا:
«من عادى عمارا عاداه اللّه، ومن ابغض عماراابغضه اللّه».
صححه الحاكم والذهبي بطريقين ((139))، وصححه الهيثمي
. ((140))
وفي لفظ: «من يسب عمارا يسبه اللّه، ومن يبغض عمارا يبغضه
اللّه، ومن يسفه عمارا يسفهه اللّه». صححه‏الحاكم والذهبي
. ((141))
وفي لفظ: «من يسب عمارا، يسبه اللّه ومن يعاد عمارا يعاده
اللّه». صححه‏الحاكم والذهبي ((142)).
وفي لفظ لاحمد ((143)): «من يعاد عمارا يعاده اللّه عز وجل،
ومن يبغضه يبغضه اللّه عز وجل، ومن يسبه يسبه‏اللّه عز وجل‏».
وفي لفظ الحاكم ((144)): «من يحقر عمارا يحقره اللّه، ومن
يسب عمارا يسبه اللّه، ومن يبغض عمارا يبغضه اللّه».
وفي لفظ ابن النجار: «من سب عمارا سبه اللّه، ومن حقر عمارا
حقره اللّه، ومن سفه عمارا سفهه اللّه».
وفي لفظ ابن عساكر ((145)): «من يبغض عمارا يبغضه اللّه،
ومن يلعن عمارا يلعنه اللّه».
وفي لفظ الطبراني ((146)): «من يعادي عمارا يعاديه اللّه، ومن
يبغض عمارا يبغضه‏اللّه، ومن يسب عمارا يسبه اللّه،ومن يسفه
عمارا يسفهه اللّه، ومن يحقر عمارا يحقره اللّه».
وفي لفظ الطبراني ((147)) ايضا: «من يحقر عمارا يحقره اللّه،
ومن يسب عمارا يسبه اللّه، ومن ينتقص عماراينتقصه اللّه، ومن
يعاد عمارا يعاده اللّه». قال الهيثمي ((148)): رجاله ثقات.
اخرج هذا الحديث على اختلاف الفاظه جمع كثير من الحفاظ
وائمة الفن، راجع ((149)): مسند احمد (4/89)،مستدرك
الحاكم (3/390، 391)، تاريخ الخطيب (1/152)، الاستيعاب
(2/435)، اسد الغابة (4/45)، طرح‏التثريب (1/88)، تاريخ ابن
كثير (7/311)، الاصابة (2/512)، كنز العمال (6/185 و 7/71
75).
13 عن حذيفة انه قيل له: ان عثمان قد قتل فما تامرنا؟ قال:
الزموا عمارا. قيل: ان عمارا لا يفارق عليا،قال: ان الحسد هو
اهلك للجسد، وانما ينفركم من عمارقربه من علي، فواللّه لعلي
افضل من عمار ابعد ما بين‏التراب والسحاب، وان عمارا من
الاخيار. اخرجه ابن عساكر كما في كنز العمال ((150))
(7/73).
14 عن عبداللّه بن جعفر قال: ما رايت مثل عمار بن ياسر
ومحمد بن ابي بكر كانا لا يحبان ان يعصيا اللّهطرفة عين، ولا
يخالفان الحق قيد شعرة.
اخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد (9/292).
15 ذكر الابشيهي في المستطرف ((151)) (1/166) في
حديث: هبط جبرئيل على رسول اللّه (ص) يوم احد آوكان
يسال عن اصحابه الى ان قال: من هذا الذي بين يديك يتقي
عنك؟ قال: «عمار بن ياسر». قال: بشره‏بالجنة حرمت النار على
عمار.

هذا عمار
اذا درست هذه كلها، فهل تجد من الحق ان يعمل معه تلكم
الفظاظات مرة بعداخرى؟ وهل تجد مبررالشي‏ء منها؟ فان
زعمت انها تاديب من خليفة الوقت فان التاديب لا يسوغ الا
على اساءة في الادب،وزور من القول، ومناقضة للحق، ومضادة
للشريعة، ويجل عمار عن كل ذلك، فلم يصدر منه غير دعاء
الى‏الحق، واذان بالحقيقة، وتضجر لمظلوم، وعمل بالوصية
واجب، ورسالة عن اناس مؤمنين يامرون‏بالمعروف وينهون عن
المنكر، فهل حظر الاسلام شيئا من هذه فاراد الخليفة ان يعيد
عمارا الى نصاب‏الحق؟ او ان الخليفة مفوض في‏النفوس كما
يرى انه مفوض في الاموال، فيراغم فيها عامة المسلمين
بارضاءمن يجب ارغامهم من اناس لا خلاق لهم؟ وكذلك يفعل
بالنفوس فعل المستبدين ولوازم الدكتاتورية‏ومقتضيات الملك
العضوض.
ولو كان الخليفة ناصبا نفسه للتاديب فهل ادب امثال عبيد اللّه
بن عمر، والحكم بن ابي العاص، ومروان بن‏الحكم، والوليد بن
عقبة، وسعيد بن العاص، ونظراءهم من رجال العيث والفساد
المستحقين للتاديب حينابعد حين؟ وهو كان يرنو الى اعمالهم
من كثب، لكنه لم يصدر منه الا ارضاؤهم وتوفير العطاء لهم
والدفاع‏عنهم، وتسليطهم على النفوس والاموال حتى اوردوه
مورد الهلكة، ولقد ادخر تاديبه كله لصلحاء الامة‏مثل عمار وابي
ذر وابن مسعود ومن حذا حذوهم، فالى اللّه المشتكى.
وانك لو امعنت النظرة في اعماله وافعاله لتجدنه لا يقيم وزنا
لاي صالح من الامة، ولقد ترقى ذلك او تسافل‏حتى انه جابه
مولانا امير المؤمنين (ع) غير مرة بقوارص كلماته، ومما قال له
مما مر في صفحة (18 19)قوله: انت احق بالنفي منه. وقوله:
لئن بقيت لا اعدم طاغيا يتخذك سلما وعضدا وكهفا وملجا،
يريدبالطاغي اباذر وعمار وامثالهما، ويجعل الامام (ع) سلما
وعضدا وكهفا وملجا لمن سماهم الطغاة. (كبرت كلمة‏تخرج
من افواههم) ((152)).
كان الرجل لم يصاحب النبي الاعظم (ص)، او لم يع ما هتف به
من فضائل مولانا امير المؤمنين (ع) من‏اول يومه آناء الليل
واطراف النهار في حله ومرتحله، في ظعنه واقامته، عند افراد
من اصحابه او في محتشدمنهم، ولدى الحوادث والوقائع، وعند
كل مناسبة، وفي حروبه ومغازيه.
وكانه لم يشهد بلاء مولانا الامام (ع) في مزق الاسلام الحرجة،
ولم يشهد كراته وقد فر اصحابه، وتفانيه‏في سبيل الدعوة عند
خذلان غيره، واقتحامه المهالك لصالح الاسلام حيث ركنوا الى
دعة، وتقهقر بهم‏الفرق، وثبطهم الخول ((153)).
يزعم القوم ان الخليفة كان حافظا للقرآن وانه كان يتلوه في
ركعة في لياليه. ولو صح ما يقولون فهلا كان يمربية التطهير
ومولانا الامام (ع) احد الخمسة الذين اريدوا بها، وبية المباهلة
وهو نفس النبي فيها. الى‏آيات اخرى نازلة فيه بالغة الى‏ثلاثمائة
آية كما يقوله حبر الامة عبداللّه بن العباس ((154)) او انه كان
يمر بهاعلى حين غفلة من مفادها؟ او يمر بها وقد بلغ منه
اللغوب من كثرة التلاوة فلا يلتفت اليها؟ او انه كان‏يرتلها
ملتفتا الى مغازيها؟ ولكن....
انا لا ادري بماذا يعلل قوارص الخليفة عليا (ع) ابنا حجر وكثير
وامثالهما المعللون اقوال الخليفة وافعاله‏في مثل ابي ذر وابن
مسعود ومالك الاشتر، بان مصلحة بقائهم في الاوساط
الاسلامية مع الحرية في المقال‏لا تكافئ المفسدة المترتبة
عليه من سقوط ابهة الخلافة؟ على انه ما كان عند القوم الا
الامر بالمعروف‏والنهي‏عن المنكر فهل يجرهم الحب المعمي
والمصم الى ان يقولوا بمثل ذلك في حق عظيم الدنيا
والدين‏مولانا امير المؤمنين (ع)؟ فهل كانت مفسدة هنالك
مترتبة على مقام الامام في المدينة حتى يكون نفيه‏عنها اولى؟
وهل هو الا الصلاح كله؟ وهل المصالح النوعية والفردية تستقى
من غيره؟ ولعمر الحق ان ابهة‏تسقط لمكان امير المؤمنين(ع)
وفضله ونزاهته وعلمه واصلاحه لحرية بالسقوط، وايم اللّه لو
وسع اولئك‏المدافعين عن تلكم العظائم لدنسوا ساحة قدس
الامام بالفرية الشائنة، واتهموه بمثل ما اتهموا به غيره
من‏صلحاء الامة واعلام الصحابة والخيرة الامرين بالمعروف
والناهين عن المنكر، ولكن....
ولو كان الخليفة يعير لنصائح الامام (ع) اذنا واعية لصانه عن
المهالك، ولم تزل الابهة مصونة له،والعزوالنجاح ذخرا له
ولاهل الاسلام، وكان خيرا له من ركوبه النهابير التي جر عته
الغصص واودت به‏وجرت الويلات على الامة حتى اليوم،
ولكنه....
(لا جرم ان اللّه يعلم ما يسرون وما يعلنون) ((155))
(ان هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا) ((156))

(44) تسيير الخليفة صلحاء الكوفة الى الشام
روى البلاذري عن عباس بن هشام عن ابيه عن ابي مخنف في
اسناده قال: لماعزل عثمان (رضى‏ا...عنه)الوليد بن عقبة عن
الكوفة ولاها سعيد بن العاص وامره بمداراة اهلها، فكان يجالس
قراءها ووجوه اهلهاويسامرهم فيجتمع عنده منهم: مالك بن
الحارث الاشتر النخعي، وزيد وصعصعة ابنا صوحان
العبديان،وحرقوص بن زهير السعدي، وجندب بن زهير
الازدي، وشريح بن اوفى بن يزيد بن زاهر العبسي، وكعب‏بن
عبدة النهدي، وكان يقال لعبدة بن سعد: ابن ذي الحبكة
وكان كعب ناسكا وهو الذي قتله بسر بن‏ارطاة بتثليث ((157))
وعدي بن حاتم الجواد الطائي ويكنى ابا طريف، وكدام بن
حضري بن عامر، ومالك بن‏حبيب بن خراش، وقيس ابن
عطارد بن حاجب، وزياد بن خصفة بن ثقف، ويزيد بن قيس
الارحبي،وغيرهم، فانهم لعنده وقد صلوا العصر اذ تذاكروا
السواد والجبل ففضلوا السواد، وقالوا: هو ينبت ما ينبت‏الجبل
وله هذا النخل، وكان حسان بن محدوج الذهلي الذي ابتدا
الكلام في ذلك، فقال عبدالرحمن بن‏خنيس الاسدي صاحب
شرطته: لوددت انه للامير وان لكم افضل منه. فقال له الاشتر:
تمن للامير افضل‏منه ولا تمن‏له اموالنا. فقال عبدالرحمن: ما
يضرك من تمني حتى تزوي ما بين عينيك فواللّه لو شاء كان
له.فقال الاشتر: واللّه لو رام ذلك ما قدر عليه. فغضب سعيد
وقال: انما السواد بستان لقريش. فقال الاشتر:اتجعل مراكز
رماحنا وما افاء اللّه علينا بستانا لك ولقومك؟ واللّه لو رامه احد
لقرع قرعا يتصاصا ((158)) منه.ووثب بابن خنيس فاخذته
الايدي.
فكتب سعيد بن العاص بذلك الى عثمان وقال: اني لا املك من
الكوفة مع الاشتر واصحابه الذين يدعون‏القراء وهم السفهاء
شيئا. فكتب اليه ان سيرهم الى الشام. وكتب الى الاشتر: اني
لاراك تضمر شيئا لواظهرته لحل دمك، وما اظنك منتهيا
حتى يصيبك قارعة لا بقيا بعدها، فاذا اتاك كتابي هذا فسر الى
الشام‏لافسادك من قبلك وانك لا تالوهم خبالا. فسير سعيد
الاشتر ومن كان وثب مع الاشتر وهم: زيدوصعصعة ابنا
صوحان، وعائذ بن حملة الطهوي من بني تميم، وكميل بن
زياد النخعي، وجندب بن زهيرالازدي، والحارث بن عبداللّه
الاعور الهمداني، ويزيد بن المكفف النخعي، وثابت بن قيس بن
المنقع‏النخعي، واصعر ((159)) بن قيس بن الحارث الحارثي.
فخرج المسيرون من قراء اهل الكوفة فاجتمعوا بدمشق، نزلوا
مع عمرو بن‏زرارة فبرهم معاوية واكرمهم،ثم انه جرى بينه
وبين الاشتر قول حتى تغالظا فحبسه معاوية، فقام عمرو بن
زرارة فقال: لئن حبسته‏لتجدن من يمنعه. فامر بحبس عمرو
فتكلم سائر القوم فقالوا: احسن جوارنا يا معاوية، ثم سكتوا
فقال‏معاوية: ما لكم لا تكلمون؟ فقال زيد بن صوحان: وما
نصنع بالكلام؟ لئن كنا ظالمين فنحن نتوب الى اللّه،وان كنا
مظلومين فانا نسال اللّه العافية. فقال معاوية: يا ابا عائشة انت
رجل صدق. واذن له في اللحاق‏بالكوفة، وكتب الى سعيد بن
العاص: اما بعد: فاني قد اذنت لزيد بن صوحان في المسير الى
منزله بالكوفة‏لما رايت من فضله وقصده وحسن هديه، فاحسن
جواره وكف الاذى عنه واقبل اليه بوجهك وودك، فانه‏قد
اعطاني موثقا ان لا ترى منه مكروها. فشكر زيد معاوية وساله
عند وداعه اخراج من حبس ففعل.
وبلغ معاوية ان قوما من اهل دمشق يجالسون الاشتر واصحابه
فكتب الى عثمان: انك بعثت الي قوماافسدوا مصرهم وانغلوه،
ولا آمن ان يفسدوا طاعة من قبلي ويعلموهم ما لا يحسنونه
حتى تعود سلامتهم‏غائلة، واستقامتهم اعوجاجا.
فكتب الى معاوية يامره ان يسيرهم الى حمص، ففعل وكان
واليها عبدالرحمن ابن خالد بن الوليد بن‏المغيرة، ويقال: ان
عثمان كتب في ردهم الى الكوفة فضج منهم سعيد ثانية
فكتب في تسييرهم الى حمص‏فنزلوا الساحل. الانساب ((160))
(5/39 43).

صورة مفصلة
ان عثمان احدث احداثا مشهورة نقمها الصحابة عليه من تامير
بني امية ولا سيما الفساق منهم وارباب‏السفه وقلة الدين،
واخراج مال الفي‏ء اليهم وما جرى في امر عمار وابي ذر
وعبداللّه بن مسعود وغير ذلك‏من الامور التي جرت في اواخر
خلافته، ثم اتفق ان الوليد بن عقبة لما كان عاملا على الكوفة
وشهد عليه بشرب الخمر صرفه وولى سعيد بن العاص مكانه،

فقدم سعيد الكوفة واستخلص من اهلها قوما يسمرون‏عنده،
فقال سعيد يوما: ان السواد بستان لقريش وبني امية، فقال
الاشتر النخعي: وتزعم ان‏السواد الذي‏افاءه اللّه على المسلمين
باسيافنا بستان لك ولقومك؟ فقال صاحب شرطته: اترد على
الامير مقالته؟ واغلظ‏له، فقال الاشترلمن حوله من النخع
وغيرهم من اشراف الكوفة: الا تسمعون؟ فوثبوا عليه بحضرة
سعيدفوطؤه وطا عنيفا وجروا برجله، فغلظ ذلك على سعيد
وابعد سماره، فلم ياذن بعد لهم فجعلوا يشتمون‏سعيدا في
مجالسهم ثم تعدوا ذلك الى شتم عثمان، واجتمع اليهم ناس
كثير حتى غلظ امرهم، فكتب سعيد الى‏عثمان في امرهم
فكتب اليه ان يسيرهم الى الشام لئلا يفسدوا اهل الكوفة وكتب
الى معاوية وهو والي‏الشام: ان نفرا من اهل الكوفة قد هموا
باثارة الفتنة وقد سيرتهم اليك، فانههم، فان آنست منهم
رشدافاحسن اليهم وارددهم الى بلادهم. فلما قدموا على
معاوية، وكانوا: الاشتر، ومالك بن كعب الارحبي،والاسود بن
يزيد النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي، وصعصعة بن صوحان
العبدي وغيرهم، جمعهم يوماوقال لهم:
انكم قوم من العرب ذوو اسنان والسنة وقد ادركتم بالاسلام
شرفا وغلبتم الامم وحويتم مواريثهم، وقدبلغني انكم ذممتم
قريشا، ونقمتم على الولاة فيها، ولولا قريش لكنتم اذلة، ان
ائمتكم لكم جنة فلا تفرقواعن جنتكم. ان ائمتكم ليصبرون
على الجور ويحتملون فيكم العتاب، واللّه لتنتهن او ليبتلينكم
اللّه بمن يسومكم الخسف ولا يحمدكم على الصبر، ثم تكونون
شركاء هم فيما جررتم على الرعية في حياتكم وبعد وفاتكم.
فقال له صعصعة بن صوحان: اما قريش فانها لم تكن اكثر
العرب ولا امنعها في الجاهلية، وان غيرها من‏العرب لاكثر منها
وامنع.
فقال معاوية: انك لخطيب القوم ولا ارى لك عقلا، وقد
عرفتكم الان وعلمت ان الذي اغراكم قلة العقول،اعظم عليكم
امر الاسلام فتذكروني الجاهلية، اخزى اللّه قوما عظموا امركم،
افقهوا عني ولا اظنكم‏تفقهون: ان قريشا لم تعز في جاهلية ولا
اسلام الا باللّه وحده، لم تكن باكثر العرب ولا اشدها ولكنهم
كانوااكرمهم احسابا، وامحضهم انسابا، واكملهم مروءة، ولم
يمتنعوا في الجاهلية والناس تاكل بعضهم بعضا الاباللّه، فبواهم
حرما آمنا يتخطف الناس من حولهم، هل تعرفون عربا او عجما
او سودا او حمرا الا وقداصابهم الدهر في بلدهم وحرمهم؟ الا ما
كان‏من قريش، فانه لم يردهم احد من الناس بكيد الا جعل
اللّهخده الاسفل، حتى اراد اللّه تعالى ان يستنقذ من اكرمه
باتباع دينه من هوان الدنيا وسوء مردالاخرة،فارتضى لذلك خير
خلقه، ثم ارتضى له اصحابا، وكان خيارهم قريشا، ثم بنى هذا
الملك عليهم‏وجعل هذه الخلافة فيهم فلا يصح الامر الا بهم،
وقد كان اللّه يحوطهم في الجاهلية وهم على كفرهم، افتراه‏لا
يحوطهم وهم على دينه؟ اف لك ولاصحابك، اما انت يا
صعصعة فان قريتك شر القرى، انتنها نبتا،واعمقها واديا،
والامها جيرانا، واعرفها بالشر، لم يسكنها شريف قط، ولا وضيع
الا شب بها، نزاع الامم‏وعبيد فارس، وانت شر قومك، احين
ابرزك الاسلام وخلطك بالناس اقبلت تبغي دين اللّه عوجا،
وتنزع‏الى الغواية؟ انه لن يضر ذلك قريشا ولا يضعهم ولا
يمنعهم من تادية ما عليهم، ان الشيطان عنكم لغيرغافل، قد
عرفكم بالشر فاغراكم بالناس، وهو صارعكم وانكم لا تدركون
بالشر امرا الا فتح عليكم شرمنه واخزى، قد اذنت لكم فاذهبوا
حيث شئتم، لا ينفع اللّه بكم احدا ابدا ولا يضره، ولستم برجال
منفعة‏ولا مضرة، فان اردتم النجاة فالزموا جماعتكم ولا
تبطرنكم النعمة، فان البطر لا يجر خيرا، اذهبوا حيث شئتم،
فساكتب الى امير المؤمنين فيكم.
وكتب الى عثمان: انه قدم علي قوم ليست لهم عقول ولا
اديان، اضجرهم العدل لا يريدون اللّه بشي‏ء، ولايتكلمون بحجة،
انما همهم الفتنة واللّه مبتليهم وفاضحهم، وليسوا بالذين
نخاف نكايتهم، وليسوا الاكثر ممن‏له شغب ونكير ((161)). ثم
اخرجهم من الشام.
وروى الحسن المدائني: انه كان لهم مع معاوية بالشام مجالس
طالت فيها المحاورات والمخاطبات بينهم،وان‏معاوية قال لهم
في جملة ما قاله: ان قريشا قدعرفت ان ابا سفيان اكرمها وابن
اكرمها الا ما جعل اللّهلنبيه (ص) فانه انتجبه واكرمه، ولو ان ابا
سفيان ولد الناس كلهم لكانوا حلماء.
فقال له صعصعة بن صوحان: كذبت، قد ولدهم خير من ابي
سفيان، من خلقه اللّه بيده ونفخ فيه من روحه‏وامر الملائكة
فسجدوا له، فكان فيهم البر والفاجر والكيس والاحمق.
قال: ومن المجالس التي دارت بينهم ان معاوية قال لهم: ايها
القوم ردوا خيراواسكنوا ((162)) وتفكروا وانظروا فيماينفعكم
والمسلمين فاطلبوه واطيعوني.
فقال له صعصعة: لست باهل لذلك ولا كرامة لك ان تطاع في
معصية اللّه.
فقال: ان اول كلام ابتدات به ان امرتكم بتقوى اللّه وطاعة
رسوله وان تعتصموا بحبل اللّه جميعا ولاتفرقوا.
فقال صعصعة: بل امرت بالفرقة وخلاف ما جاء به النبي (ص).
فقال: ان كنت فعلت فاني الان اتوب وآمركم بتقوى اللّه
وطاعته ولزوم الجماعة وان توقروا ائمتكم‏وتطيعوهم.
فقال صعصعة: اذا كنت تبت فانا نامرك ان تعتزل امرك، فان
في المسلمين من هو احق به منك ممن كان ابوه‏احسن اثرا في
الاسلام من ابيك، وهو احسن قدما في الاسلام منك.
فقال معاوية: ان لي في الاسلام لقدما وان كان غيري احسن
قدما مني لكنه ليس في زماني احد اقوى على‏ما انا فيه مني،
ولقد راى ذلك عمر بن الخطاب، فلو كان غيري اقوى مني لم
يكن عند عمر هوادة لي‏ولغيري، ولا حدث ما ينبغي له ان
اعتزل عملي، ولو راى ذلك امير المؤمنين لكتب الي فاعتزلت
عمله،ولو قضى اللّه ان يفعل ذلك لرجوت ان لا يعزم له على
ذلك الا وهو خير، فمهلا فان في دون ما انتم فيه مايامر فيه
الشيطان وينهى، ولعمري لو كانت الامور تقضى على رايكم
واهوائكم ما استقامت الامور لاهل‏الاسلام يوما وليلة، فعاودوا
الخير وقولوه.
فقالوا: لست لذلك اهلا. فقال: اما واللّه ان للّه لسطوات ونقمات،
واني لخائف عليكم ان تتبايعوا الى مطاوعة‏الشيطان ومعصية
الرحمن فيحلكم ذلك دار الهوان في العاجل والاجل.
فوثبوا عليه فاخذوا براسه ولحيته، فقال: مه، ان هذه ليست
بارض الكوفة، واللّه لو راى اهل الشام ماصنعتم بي وانا امامهم ما
ملكت ان انهاهم عنكم حتى يقتلوكم، فلعمري ان صنيعكم
ليشبه بعضه بعضا.ثم‏قام من عندهم فقال: واللّه لا ادخل عليكم
مدخلا ما بقيت، وكتب الى عثمان:
بسم‏اللّه الرحمن الرحيم. لعبد اللّه عثمان امير المؤمنين من
معاوية بن ابي سفيان، ام ا بعد: يا امير المؤمنين فانك‏بعثت الي
اقواما يتكلمون بالسنة الشياطين وما يملون‏عليهم
وياتون الناس زعموا من قبل‏القرآن‏فيشبهون على‏الناس،
وليس كل الناس يعلم ما يريدون، وانما يريدون فرقة، ويقربون
فتنة، قد اثقلهم‏الاسلام واضجرهم، وتمكنت رقى‏الشيطان
من‏قلوبهم، فقد افسدوا كثيرا من الناس ممن كانوا بين
ظهرانيهم‏من اهل الكوفة، ولست آمن ان اقاموا اهل الشام ان
يغروهم بسحرهم وفجورهم فارددهم الى مصرهم،فلتكن
دارهم في مصرهم الذي نجم فيه نفاقهم. والسلام.
فكتب اليه عثمان يامره ان يردهم الى سعيد بن العاص بالكوفة،
فردهم اليه فلم يكونوا الا اطلق السنة منهم‏حين رجعوا، وكتب
سعيد الى عثمان يضج منهم، فكتب عثمان الى سعيد : ان
سيرهم الى عبدالرحمن بن خالدبن الوليد وكان اميرا على
حمص وهم: الاشتر، وثابت بن قيس الهمداني ((163)) وكميل
بن زياد النخعي، وزيدبن‏صوحان واخوه صعصعة، وجندب بن
زهير الغامدي، وحبيب بن كعب الازدي، وعروة بن
الجعد((164))وعمرو بن الحمق الخزاعي.
وكتب عثمان الى الاشتر واصحابه: اما بعد: فاني قد سيرتكم
الى حمص فاذا اتاكم كتابي هذا فاخرجوا اليها،فانكم لستم
تالون الاسلام واهله شرا. والسلام.
فلما قرا الاشتر الكتاب قال: اللهم اسوانا نظرا للرعية، واعملنا
فيهم بالمعصية فعجل له النقمة. فكتب بذلك‏سعيد الى
عثمان، وسار الاشتر واصحابه الى حمص‏فانزلهم عبدالرحمن
بن خالد الساحل واجرى عليهم‏رزقا.
وروى الواقدي: ان عبدالرحمن بن خالد جمعهم بعد ان انزلهم
اياما وفرض لهم طعاما قال لهم: يا بني‏الشيطان لا مرحبا بكم
ولا اهلا، قد رجع الشيطان محسورا وانتم بعد في بساط
ضلالكم وغيكم، جزى اللّهعبدالرحمن ان لم يؤذكم ((165))، يا
معشر من لا ادري اعرب هم ام عجم، اتراكم تقولون لي ما قلتم
لمعاوية؟ اناابن خالد بن الوليد، انا ابن من عجمته العاجمات، انا
ابن فاقئ عين الردة، واللّه يابن صوحان لاطيرن بك‏طيرة
بعيدة المهوى، ان بلغني ان احدا ممن معي دق انفك فاقتنعت
راسك. قال: فاقاموا عنده شهرا كلماركب امشاهم معه ويقول
لصعصعة: يا بن الخطيئة! ان من لم يصلحه الخير اصلحه الشر،
ما لك لا تقول كماكنت تقول لسعيد ومعاوية؟فيقولون: نتوب
الى اللّه، اقلنا اقالك اللّه، فما زال ذاك دابه ودابهم حتى قال:
تاب‏اللّه عليكم. فكتب الى عثمان يسترضيه عنهم ويساله فيهم
فردهم الى الكوفة ((166)).
تاريخ الطبري (5/88 90)، الكامل لابن الاثير (3/57 60)،
شرح ابن ابي الحديد (1/158 160) وراى‏هذه الصورة اصح ما
ذكر في القضية، تاريخ ابن خلدون (2/387 389)، تاريخ ابي
الفداء (1/168) في‏حوادث سنة (33).
قال الاميني : كان في عظمة اكثر هؤلاء القوم وصلاحهم
المتسالم عليه وتقواهم المعترف بها مرتدع عن‏اذاهم واجفالهم
عن مستوى عزهم وموطن اقامتهم وتسييرهم من منفى الى
منفى، والاصاخة الى سعاية‏ذلك الشاب المستهتر، واللّه سبحانه
يقول: (ان جاءكم فاسق بنبا فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة
فتصبحواعلى ما فعلتم نادمين) ((167)). وكان على الخليفة
ان يبعث اليه باللائمة بل يعاقبه على ما فرط في جنب اولياء
اللّهبتسميته اياهم السفهاء وهم قراء المصر، وزعماء الملا،
ونساك القطر، وفقهاء القارة، وهم القدوة في التقوى‏والنسك،
وبهم الاسوة في الفقه والاخلاق، ولم يكن عليهم الا عدم
التنازل لميول ذلك الغلام الزائف، وعدم‏مماشاتهم اياه على
شهواته ومزاعمه، وهلا استشف الخليفة حقيقة ما شجر بينه
وبين القوم حتى يحكم فيه‏بالحق، لكنه بدل ان يتخذ تلكم
الطريقة المثلى في القضية استهواه ذلك الشاب المترف فمال
اليه بكله، ونال‏من القوم ما نال، واوقع بهم ما حبذه له الحب
المعمي والمصم، لكن الدين وملاه انكرا ذلك عليه
وحفظه‏التاريخ مما نقم به على عثمان.
كانت لائمة معاوية للقوم مزيجها الملاينة لا عن حلم، وخشونة
لا يستمر عليها، كل ذلك لم يكن لنصرة‏حق او ابتغاء اصلاح،
وانما كان يكاشفهم جلبا لمرضاة الخليفة، ويوادعهم لما كان
يدور في خلده من هوى‏الخلافة غدا، وكان يعرف القوم بالشدة
والمتبوعية، فما كان يروقه قطع خط الرجعة بينه وبينهم متى
تسنى له‏الحصول على غايته المتوخاة، وكانت هذه الخواطر لا
تبارحه، ولا يزال هو يعد الدقائق والثواني للتوصل‏اليها، وكان
احب الاشياء اليه اكتساح العراقيل دونها، ولذلك‏اطلق سراح
القوم وتثبط عن النهضة لنصرة‏عثمان لما استنصره كما
سياتي تفصيله حتى قتل ومعاوية في الخاذلين له.
واما ابن خالد فقد جرى مجرى ابيه في الفظاظة والغلظة، فلم
يعاملهم الا بالرعونة ولم يجاملهم الا بالقسوة،وكل اناء بالذي
فيه ينضح.
وهاهنا نوقفك على نبذ من احوال من يهمك الوقوف على
حياته الثمينة من اولئك الرجال المنفيين الابرار،حتى تعلم ان
ما تقولوه فيهم وفعلوه بهم في منتاى‏عنهم، وانما كان ذلك
ظلما وعدوانا، وتعلم ان ابن‏حجرمائن فيما يصف به الاشتر من
المروق ((168)) غير مصيب في قذفه، متجانف للاثم في
الدفاع عن عثمان بقوله:ان‏المجتهد لا يعترض عليه في اموره
الاجتهادية، لكن اولئك الملاعين المعترضين لا فهم لهم بل
ولا عقل((169)).

الاشتر
1 مالك بن الحارث الاشتر: ادرك النبي الاعظم وقد اثنى
عليه كل من ذكره، ولم اجد احدا يغمز فيه، وثقه‏العجلي
((170)) وذكره ابن حبان في الثقات ((171))، ولا يحمل عدم
رواية اي امام عنه على تضعيفه، قال ابن حجر في‏تهذيب
التهذيب ((172)) (10/12): قال مهنا: سالت احمد عن الاشتر
يروي عنه الحديث؟ قال: لا. قال: ولم يرداحمد بذاك تضعيفه،
وانما نفى ان تكون له رواية.
وكفاه فضلا ومنعة كلمات مولانا امير المؤمنين في الثناء عليه
في حياته وبعد المنون، واليك بعض ما جاء في‏ذلك البطل
العظيم:
1 من كتاب لمولانا امير المؤمنين كتبه الى اهل مصر لما ولى
عليهم الاشتر: «اما بعد: فقد بعثت اليكم عبدامن عباد اللّه لا
ينام ايام الخوف، ولا ينكل عن الاعداء ساعات الروع، اشد على
الفجار من حريق النار.وهو مالك بن الحارث اخو مذحج،
فاسمعوا له واطيعوا امره فيما طابق الحق، فانه سيف من
سيوف اللّه، لاكليل الظبة ((173)) ولا نابي الضريبة، فان امركم
ان تنفروا فانفروا، وان امركم ان تقيموافاقيموا، فانه لا يقدم‏ولا
يحجم، ولا يؤخر ولا يقدم الا عن امري، وقد آثرتكم به على
نفسي لنصيحته لكم، وشدة شكيمته على‏عدوكم ((174))».
تاريخ الطبري (6/55)، نهج البلاغة (2/61)، شرح ابن ابي
الحديد (2/30).
صورة اخرى :
رواها الشعبي من طريق صعصعة بن صوحان.
«اما بعد: فاني قد بعثت اليكم عبدا من عباد اللّه لا ينام ايام
الخوف، ولا ينكل عن الاعداء حذار الدوائر، لاناكل من قدم،
ولاواه في عزم، من اشد عباد اللّه باسا واكرمهم حسبا، اضر على
الفجار من حريق النار،وابعد الناس من دنس او عار، وهو مالك
بن الحارث الاشتر، حسام صارم، لا نابي الضريبة، ولا كليل‏الحد،
حكيم في السلم، رزين في الحرب، ذو راي اصيل، وصبر
جميل، فاسمعوا له واطيعوا امره، فان امركم‏بالنفر فانفروا، وان
امركم ان تقيموا فاقيموا، فانه لا يقدم‏ولا يحجم الا بامري، وقد
آثرتكم به على نفسي‏نصيحة لكم، وشدة شكيمته على
عدوكم‏»... الخ ((175)).
2 من كتاب للمولى امير المؤمنين كتبه الى اميرين من امراء
جيشه:
«وقد امرت عليكما وعلى من في حيزكما مالك بن الحارث
الاشتر، فاسمعا له‏واطيعا واجعلاه درعا ومجنا،فانه ممن لا
يخاف وهنه ولا سقطته، ولا بطؤه عما الاسراع اليه احزم، ولا
اسراعه الى ما البط‏ء عنه‏امثل‏».
قال ابن ابي الحديد في شرحه ((176)) (3/417): فاما ثناء امير
المؤمنين (ع) عليه في هذا الفصل فقد بلغ مع‏اختصاره ما لا
يبلغ بالكلام الطويل، ولعمري لقد كان الاشتر اهلا لذلك، كان
شديد الباس جوادا رئيساحليما فصيحا شاعرا، وكان يجمع بين
اللين والعنف، فيسطو في موضع السطوة، ويرفق في موضع
الرفق، ومن‏كلام عمر: ان هذا الامر لا يصلح الا لقوي في غير
عنف، ولين في غير ضعف. انتهى.
3 من كتاب كتبه مولانا امير المؤمنين الى محمد بن ابي‏بكر
يذكر فيه الاشتر فيقول:
«ان الرجل الذي كنت وليته مصر كان لنا نصيحا، وعلى عدونا
شديدا، وقد استكمل ايامه، ولاقى حمامه،ونحن عنه راضون،
فرضي اللّه عنه، وضاعف له الثواب، واحسن له المب‏» ((177)).
تاريخ الطبري (6/55)، نهج البلاغة (2/59)، الكامل لابن الاثير
(3/153)، شرح ابن ابي الحديد(2/30).
4 لما بلغ عليا امير المؤمنين موت الاشتر قال: «انا للّه وانا
اليه راجعون والحمد للّه رب العالمين، اللهم‏ان‏ي احتسبه
عندك، فان موته من مصائب الدهر. ثم قال: رحم اللّه مالكا فقد
كان وفى ((178)) بعهده، وقضى‏نحبه، ولقي ربه، مع انا قد
وطنا انفسنا ان نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول اللّه
(ص) فانها من‏اعظم المصائب‏»، قال المغيرة الضبي: لم يزل
امرعلي شديدا حتى مات الاشتر ((179)).
5 عن جماعة من اشياخ النخع، قالوا: دخلنا على علي امير
المؤمنين حين بلغه موت الاشتر فوجدناه‏يتلهف ويتاسف عليه
ثم قال: «للّه در مالك، وما مالك؟ لو كان من جبل لكان فندا
((180))، ولو كان من حجرلكان صلدا، اما واللّه ليهدن موتك
عالما، وليفرحن عالما، على مثل مالك فليبك البواكي، وهل
موجودكمالك؟».
وقال علقمة بن قيس النخعي: فما زال علي يتلهف ويتاسف،
حتى ظننا انه المصاب به دوننا، وعرف ذلك في‏وجهه اياما.
وفي لفظ الشريف الرضي والزبيدي: «لو كان جبلا لكان فندا، لا
يرتقيه الحافر، ولا يوفي عليه الطائر»((181)).
نهج البلاغة (2/239)، شرح ابن ابي الحديد (2/30)، لسان
العرب (4/336)، الكامل لابن الاثير(3/153)، تاج العروس
(2/454).
6 قال ابن ابي الحديد في شرحه ((182)) (3/416): كان
فارسا شجاعا رئيسا من اكابر الشيعة وعظمائها، شديدالتحقق
بولاء امير المؤمنين (ع) ونصره، وقال فيه بعد موته: «رحم اللّه
مالكا، فلقد كان لي كما كنت‏لرسول اللّه (ص)».
7 دس معاوية بن ابي سفيان للاشتر مولى لال عمر، فسقاه
شربة سويق فيها سم فمات. فلما بلغ معاوية‏موته قام خطيبا في
الناس فحمد اللّه واثنى عليه وقال: اما بعد: فانه كان لعلي بن
ابي طالب يدان يمينان،قطعت احداهما يوم صفين وهو عمار
بن ياسر، وقطعت الاخرى اليوم وهو مالك الاشتر ((183)).
تاريخ‏الطبري(6/255)،الكامل‏لابن‏الاثير(3/153)،
شرح‏ابن‏ابي‏الحديد(2/29).
قال الاميني : ما اجرا الطليق ابن الطليق الطاغية على السرور
والتبهج بموت الاخيار الابرار بعدما يقتلهم،ويقطع عن اديم
الارض اصول بركاتهم، ويبشر بذلك امته الفئة الباغية، ويامرهم
بالدعاء عليهم(اولئك‏الذين لهم سوء العذاب وهم في الاخرة هم
الاخسرون) ((184))، (وسوف يعلمون حين يرون
العذاب‏من‏اضل‏سبيلا) ((185)).
8 وقبل هذه كلها ما جاء عن رسول اللّه (ص) في دفن ابي ذر
سيد غفار من قوله في لفظ الحاكم وابي‏نعيم وابي عمر:
«ليموتن احدكم بفلاة من الارض يشهده عصابة من
المؤمنين‏»، وفي لفظ البلاذري: «يلي دفنه‏رهط صالحون‏»، وقد
دفنه مالك الاشتر واصحابه الكوفيون، كما في ((186)) انساب
البلاذري (5/55)، وحلية‏الاولياء لابي نعيم (1/170)،
والمستدرك للحاكم (3/337)، والاستيعاب لابي عمر (1/83)،
وشرح ابن ابي‏الحديد (3/416) فقال: هذا الحديث يدل على
فضيلة عظيمة للاشتر(ره)، وهي شهادة قاطعة من النبي(ص)
بانه مؤمن.
قال الاميني : ما ابعد المسافة بين هذه الشهادة وبين وصف ابن
حجر اياه في‏الصواعق ((187)) (ص‏68) بالمروق‏وعدم الفهم
والعقل، ولعنه اياه واصحابه الصلحاء، وقد عزب عنه انه لا يلفظ
من قول الا ولديه رقيب‏عتيد.
نحن لسنا الان في صدد التبسط في فضائل مالك وتحليل
نفسياته الكريمة ومثره الجمة والا لاريناك منه‏كتابا ضخما،
ولقد ناء بشطر مهم منها الفاضلان الشريفان السيد محمد الرضا
آل السيد جعفر الحكيم‏النجفي، وابن عمه السيد محمد التقي
ابن السيد السعيد الحكيم النجفي في كتابيهما المطبوعين
المخصوصين‏بمالك، وقد سبقهما الى ذلك بعض علمائنا
السابقين، يوجد كتابه المخطوط في مكتبة مولانا الامام الرضا
(ع)بخراسان المشرفة، حيا اللّه حملة العلم سلفا وخلفا.
2 زيد بن صوحان العبدي، الشهير بزيد الخير: ادرك النبي
الاعظم (ص)وترجمه ابو عمر وابن الاثيروابن حجر في معاجم
الصحابة، قال ابو عمر: كان فاضلا دينا سيدا في قومه.
اخرج ابو يعلى ((188))، وابن مندة، والخطيب، وابن عساكر
من طريق علي (ع) مرفوعا: «من سره ان ينظرالى من يسبقه
بعض اعضائه الى الجنة فلينظر الى زيد بن صوحان‏».
وفي حديث آخر: «الاقطع الحبر زيد، زيد رجل من امتي تدخل
الجنة يده قبل بدنه‏» قطعت يده يوم‏القادسية.
وفي حديث اخرجه ابن مندة، وابو عمر، وابن عساكر، عن
رسول اللّه(ص): «زيد وما زيد؟! يسبقه بعض‏جسده الى الجنة،
ثم يتبعه سائر جسده الى الجنة‏».
واخرج ابن عساكر من طريق الحكم بن عيينه ((189))، قال:
لما اراد زيد ان يركب‏دابته امسك عمر بركابه ثم‏قال‏لمن
حضره: هكذا فاصنعوا بزيد واخوته واصحابه ((190)).
تاريخ ابن عساكر (6/11 13)، تاريخ الخطيب (8/440)،
الاستيعاب (1/197)، اسد الغابة (3/234)، بهجة‏المحافل
(2/237)، الاصابة (1/582).
وفي الفائق للزمخشري ((191)) (1/35): قال فيه النبي عليه
الصلاة والسلام: «زيد الخير الاجذم من الخيارالابرار».
وفي معارف ابن قتيبة ((192)) (ص‏176): كان من خيار
الناس، وروي في الحديث ان النبي (ص) قال: «زيدالخير
الاجذم، وجندب ما جندب‏» فقيل: يا رسول اللّه اتذكر رجلين؟
فقال: «اما احدهما فسبقته يده الى‏الجنة بثلاثين عاما، واما
الاخر فيضرب ضربة يفصل بها بين الحق والباطل‏»، فكان احد
الرجلين زيد بن‏صوحان شهد يوم جلولاء فقطعت يده وشهد مع
علي يوم الجمل، فقال: يا امير المؤمنين ما اراني‏الامقتولا، قال:
«وما علمك بهذا يا ابا سليمان؟» قال: رايت يدي نزلت من
السماء وهي تستشيلني. فقتله‏عمرو بن يثربي وقتل اخاه
سليمان ((193)) يوم الجمل.
وفي تاريخ الخطيب (8/439): كان زيد يقوم الليل ويصوم
النهار، واذا كانت ليلة الجمعة احياها، وقال: قتل‏يوم الجمل
وقال: ادفنوني في ثيابي فاني مخاصم. وفي رواية: لا تغسلوا
عني دما، ولا تنزعوا عني ثوباالاالخفين، وارمسوني في الارض
رمسا فاني رجل محاج. زاد ابو نعيم: احاج يوم القيامة.
وفي مرآة الجنان لليافعي (1/99): كان زيد من سادة التابعين
صواما قواما. وفي شذرات الذهب ((194)) (1/44):من خواص
علي من الصلحاء الاتقياء.
وقال عقيل بن ابي طالب لمعاوية في حديث مروج الذهب
((195
)) (2/75): اما زيد وعبداللّه اخوه فانهما نهران‏جاريان
يصب فيهما الخلجان، ويغاث بهما اللهفان ((196))، رجلا جد لا
لعب معه.
ووصفه اخوه صعصعة لابن عباس لما قال له: اين اخواك منك
زيد وعبداللّه؟ صفهما. فقال: كان زيد واللّه يابن عباس عظيم
المروة، شريف الاخوة، جليل الخطر، بعيد الاثر، كميش العروة،
اليف البدوة، سليم جوانح‏الصدر، قليل وساوس الدهر، ذاكرا للّه
طرفي النهار وزلفى من الليل، الجوع والشبع عنده سيان، لا
ينافس في‏الدنيا، واقل في اصحابه من ينافس فيها، يطيل
السكوت، ويحفظ الكلام، وان نطق نطق بمقام، يهرب
منه‏الدعار ((197)) الاشرار، ويالفه الاحرار الاخيار. فقال ابن
عباس: ما ظنك برجل من اهل الجنة، رحم اللّهزيدا.
3 صعصعة بن صوحان العبدي، اخو زيد الخير المذكور: ذكر
في معاجم الصحابة، قال ابو عمر: كان‏مسلما على عهد رسول
اللّه (ص) لم يلقه ولم يره. كان سيدا فصيحا خطيبا دينا. قال
الشعبي: كنت اتعلم منه‏الخطب، وقال عقيل بن ابي طالب
لمعاوية في حديث: اما صعصعة فعظيم الشان، عضب اللسان،
قائدفرسان، قاتل اقران، يرتق ما فتق، ويفتق ما رتق، قليل
النظير.
وقال ابن الاثير: كان سيدا من سادات قومه عبد القيس، وكان
فصيحا خطيبالسنا دينا فاضلا يعد في‏اصحاب علي
(رضى‏ا...عنه).
له مع عثمان محاورة سيوافيك شي‏ء منها، ومواقفه مع معاوية
ذكرت جملة منها في مروج الذهب (2/76 آ83)، وتاريخ ابن
عساكر (6/424 427). وثقه ابن سعد والنسائي وابن حبان
وابن عساكر وابن الاثيروابن حجر. ((198))
اخرج ابن شبة: ان عمر بن الخطاب قسم المال الذي بعث اليه
ابو موسى، وكان الف الف درهم وفضلت منه‏فضلة فاختلفوا
عليه حيث يضعها، فقام خطيبا فحمد اللّه واثنى عليه، وقال:
ايها الناس قد بقيت لكم فضلة‏بعد حقوق الناس فما تقولون
فيها؟ فقام صعصعة بن صوحان وهو غلام شاب فقال: يا امير
المؤمنين انماتشاور الناس فيما لم ينزل اللّه فيه قرآنا، اما ما
انزل اللّه به القرآن ووضعه مواضعه‏فضعه في مواضعه التي‏وضعه
اللّه تعالى فيها. فقال: صدقت. انت مني وانا منك. فقسمه بين
المسلمين.
راجع ((199)): طبقات ابن سعد، مروج الذهب، تاريخ ابن
عساكر، الاستيعاب، اسد الغابة، الاصابة، تهذيب‏التهذيب،
خلاصة الخزرجي.
4 جندب بن زهير الازدي: صحابي مترجم له ((200)) في
الاستيعاب، واسد الغابة، والاصابة. وله في يومي‏الجمل وصفين
مواقف محمودة مع امير المؤمنين (ع).
5 كعب بن عبدة: سمعت فيما مر عن البلاذري ((201)) انه
كان ناسكا.
6 عدي بن حاتم الطائي: صحابي عظيم قدم على رسول اللّه
(ص) سنة (7)، لم يختلف اثنان في ثقته،اخرج حديثه ائمة
الصحاح الستة، وقد اثنى عليه عمر بن الخطاب لما قال له: يا
امير المؤمنين اتعرفني؟فقال: نعم واللّه اني لاعرفك، اكرمك
اللّه باحسن المعرفة، اعرفك واللّه آمنت اذ كفروا، وعرفت اذ
انكروا،ووفيت اذ غدروا، واقبلت اذ ادبروا، وان اول صدقة بيضت
وجه رسول اللّه (ص) ووجوه اصحابه صدقة‏ط‏ي‏ء جئت بها الى
رسول اللّه (ص). ثم اخذ يعتذر.
اخرجه ((202)): احمد في المسند (1/45)، وابن سعد في
الطبقات، ومسلم في صحيحه، وابو عمر في
الاستيعاب،والخطيب في تاريخه، وابن الاثير في اسد الغابة
وفيه: انه كان منحرفا عن عثمان، وابن حجر في
تهذيب‏التهذيب (7/166).
واعجب ما اجده من التحريف في تاريخ الخطيب ما اخرجه في
(1/191) بالاسناد عن المغيرة قال: خرج‏عدي بن حاتم وجرير
بن عبداللّه البجلي وحنظلة الكاتب من الكوفة، فنزلوا قرقيسياء
وقالوا: لا نقيم‏ببلد يشتم فيه عثمان. ((203))
والصواب: يشتم فيه علي. فبدلت يد التحريف عليا بعثمان،
وذكره على علاته ابن حجر في تهذيب‏التهذيب ((204))
(7/167).
توجد ترجمة عدي في ((205)) : الاستيعاب، تاريخ بغداد (ج‏1)،
اسد الغابة، الاصابة، تهذيب التهذيب.
7 مالك بن حبيب: له ادراك، عد من الصحابة.
8 يزيد بن قيس الارحبي: له ادراك، وكان رئيسا كبيرا عظيما
عند الناس، ولما ثار اهل الكوفة على عثمان‏اجتمع قراء الكوفة
وامروه، وكان مع علي في حروبه وولاه شرطته ثم ولاه
اصبهان والري وهمذان، وهوالمعني في قول ثمامة:
معاوي ان لا تسرع السير نحونا
فبايع عليا او يزيد اليمانيا
وله يوم صفين مواقف وخطابات تعرب عن نفسياته الكريمة
وملكاته الفاضلة، تذكر وتشكر، ذكر جملة‏منها ابن مزاحم في
كتاب صفين، والطبري في تاريخه، وابن الاثير في الكامل
، ومما ذكروه قوله: ((206))
ان المسلم السليم من سلم دينه ورايه، ان هؤلاء القوم [واللّه]
((20
7)) ما ان يقاتلونا على اقامة دين راوناضيعناه، ولا احياء
عدل راونا امتناه، ولا يقاتلونا الا على اقامة الدنيا، ليكونوا جبابرة
فيها ملوكا، فلوظهروا عليكم لا اراهم اللّه ظهورا ولا سرورا
اذا الزموكم مثل سعيد والوليد وعبد اللّه بن عامر السفيه،يحدث
احدهم‏في مجلسه بذيت وذيت، وياخذ مال اللّه ويقول: هذا لي
ولا اثم علي فيه، كانما اعط‏ي تراثه من‏ابيه، وانما هو مال اللّه
افاءه علينا باسيافنا ورماحنا، قاتلوا، عباد اللّه القوم الظالمين
الحاكمين بغير ما انزل‏اللّه، ولا تاخذكم في جهادهم لومة لائم،
انهم ان يظهروا عليكم يفسدوا دينكم ودنياكم، وهم من قد
عرفتم‏وجربتم، واللّه ما ارادوا الى هذا الا شرا، واستغفر اللّه
العظيم لي ولكم ((208)).