وما بال الرجل لم يمط الستر في وقته عن جناية عدو خليفته،
ولم يفش سره، ولم يعلن كرامة الصديق، ولم‏يفضح عدوه، ولم
يعرب عن هذه المكرمة الغالية، ولم يقرط الاذان بسماعها،
وينبس امره ولم ينبشه،كان‏لسانه بعد مقطوع، وان ه لم يجده
في فيه صحيحا؟ او رضي بان يفشفش((1070)) بعده اعلام
قومه؟
وان تعجب فعجب عود هذا الشحاذ الجري‏ء الى سؤاله مرة ثانية
في سنته‏القابلة بعد ان راى ما راى قبل ان‏اعوم((1071))،
ووقوفه في ذلك الموقف الخطر في قبة العباس يوم عاشوراء،
ومضيه من دون اي تحاش الى‏تلك‏الدار التي وقعت فيها
واقعته الخطرة الهائلة، ودخوله فيها رابطا جاشه، والقاؤه نفسه
الى التهلكة، ولم يكن‏يعرف شيئا من قصة الشيعي ومسخه، ولا
من حنو الشاب وعطفه، وقد قال اللّه تعالى (ولا تلقوا
بايديكم‏الى التهلكة)((1072)).
ولعله كان في هذه كلها على ثقة وطمانينة من انه قط لا يبقى
بلا لسان، وان لسانه مهما قطع يرد اليه كما كان‏من بركة
الخليفة، وهو في حسبانه هذا وقدومه الى المهالك مجتهد وله
اجره وان اخطا كاجتهاد سلفه.
وقد انصف الشيخ الصالح المدني في اختلاق هذه القصة على
شيعي كبير لم يولدبعد ولم تسمه امه. وجاءغيره باسطورة
معتوه قموص الحنجرة((1073)) وافتجر((1074)) في القول
وافجس((1075)) الا وهو الشيخ عليا المالكي،قال الشيخ
ابراهيم العبيدي المالكي في عمدة التحقيق((1076))
المطبوع بمصر في هامش روض الرياحين(ص‏133): سمعت
خالي العالم الشيخ عليا المالكي يقول: ان الرافضي اذا اشرف
على الموت يقلب اللّه صورة‏وجهه وجه خنزير، فلا يموت الا اذا
مسخ وجهه وجه خنزير، ويكون ذلك علامة على انه مات
على‏الرفض، فيستبشرون بذلك الروافض، وان لم يقلب وجهه
عند الموت يحزنون ويقولون: انه مات سنيا.انتهى.
وتخرق بعض الثقات في تاريخ حلب شاهدا على هذه المخرقة
فقال: لما مات ابن‏منير((1077)) خرج جماعة من‏شبان حلب
يتفرجون، فقال بعضهم لبعض: قد سمعنا انه لا يموت احد
ممن كان يسب ابابكر وعمرالاويمسخه اللّه تعالى في قبره
خنزيرا، ولا شك ان ابن منير كان يسبهما، فاجمعوا رايهم على
المضي الى قبره،فمضوا ونبشوه، فوجدوا صورته خنزيرا ووجهه
منحرفا عن جهة القبلة الى جهة الشمال، فاخرجوه‏على‏قبره
ليشاهده الناس، ثم بدا لهم ان يحرقوه فاحرقوه بالنار واعادوه
في قبره وردوا عليه التراب‏وانصرفوا.
وذكره العلا مة الجرداني في مصباح الظلام((1078)) المؤلف
سنة (1301) والمطبوع بمصر سنة (1347) وقرظه‏جمع من
الاعلام الا وهم كما في آخر الكتاب: العالم العفيف السيد
محمود انسي الشافعي الدمياط‏ي، والعلامة‏الشيخ محمد جودة،
والعلامة الاوحد الشيخ محمد الحمامصي، وحضرة الفاضل
اللبيب الشيخ عطية محمودقطارية، والعالم العامل الشيخ
محمد القاضي، وحضرة الشاعر اللبيب محمد افندي نجل
العلامة الشيخ محمدالنشار.
ليست هذه النفثات الا كتيت((1079)) الاحن،
ونغران((1080)) الشحناء. وان شئت قلت:انها سكرة الحب،
وسرف‏المغالاة. قد اعمت الاهواء بصائر اولئك الرجال فجاؤوا
بهذه المخاريق المخزية، والافائك المزخرفة، بيتوهاغير
مكترثين لمغبة صنيعهم، ولا متحاشين عن معرة قيلهم،
وشتان بينها وبين ادب الدين، ادب العلم، ادب‏التاليف، ادب
العفة، ادب الدعاية والنشر: ( وانهم ليقولون منكرا من القول و
زورا)((1081))(ولايستخفون من اللّهوهو معهم اذ يبيتون مالا
يرضى من القول)((1082)).
كان هؤلاء يحدثون عن امة بائدة لم يبق لها الملوان من يشاهده
احد من الاجيال الحاضرة، او ليست‏الشيعة هؤلاء الذين هم
مبثوثون في ارجاء العالم واجواء الامم، يشاهدهم كل ذي بصر
وبصيرة‏احياءوامواتا ؟ فمن ذا الذي شهد احدهم انه انقلب عند
موته خنزيرا غير اولئك الشبان الموهومين الذين‏شاهدوا ابن
منير في قبره؟ وهل الشيخ عليا المالكي هو وجد احدا من
الشيعة كما وصفه؟ او روي له ذاك‏الافك فوثق به كما وثق
العبيدي؟ وهل كان يمكنه ان يقف على الموتى جميعا او
اكثرهم وليس هو بمغسل‏الموتى او من حفاري القبور ولا من
نباشيها؟
على ان التشيع ليس من ولائد تلكم العصور وانما بدا به منذ
العهد النبوي، فهل كان السلف الشيعي من‏الصحابة والتابعين
يموتون كذلك وكان فيهم من يعرف بالتشيع كابي ذر وسلمان
وعمار والمقداد وابي‏الطفيل؟ فهل يسحب هذا الرجل ذيل
مزعمته الى ساحة اولئك الاعاظم؟ قطعت جهيزة
قول‏كل‏خطيب((1083)).
(10) ابو بكر شيخ يعرف والنبي شاب لا يعرف
عن انس بن مالك قال: اقبل النبي (ص) الى المدينة، وابو بكر
شيخ يعرف والنبي (ص) شاب لا يعرف،فيلقى الرجل
ابابكر((1084)) فيقول: يا ابابكر من هذا الذي بين يديك؟
فيقول: يهديني السبيل، فيحسب‏الحاسب انه يهديه الطريق
وانما يعني سبيل الخير.
وفي لفظ: ان ابابكر كان رديف النبي (ص) وكان اعرف بذلك
الطريق فيراه الرجل يعرفه فيقول: يا ابا بكرمن هذا الغلام بين
يديك؟وفي لفظ احمد: كانوا يقولون: يا ابا بكر ما هذا الغلام بين
يديك؟ فيقول: هذايهديني السبيل. وفي لفظ: قالوا: يا ابا بكر
من هذا الذي تعظمه هذا الاعظام؟ قال: هذا يهديني الطريق
وهواعرف به مني.
وفي رواية: ركب رسول اللّه (ص) وراء ابي بكر ناقته. وفي
التمهيد لابن عبدالبر : انه لما اتي براحلة ابي بكرسال ابو بكر
رسول اللّه (ص) ان يركب ويردفه، فقال رسول اللّه (ص): بل
انت اركب واردفك انافان‏الرجل احق بصدر دابته، فكان اذا قيل
له: من هذا وراءك؟ قال: هذا يهديني السبيل.
وفي لفظ: لما قدم (ص) المدينة تلقاه المسلمون، فقام ابو بكر
للناس، وجلس النبي صامتا، وابو بكر شيخ‏والنبي شاب، فطفق
من جاء من الانصار ممن لم ير رسول‏اللّه(ص)
يجي‏ء((1085))ابابكر
فيعرفه‏بالنبي(ص)حتى‏اصابت‏الشمس‏رسول‏اللّه(ص) فاقبل ابو
بكر حتى ظلل عليه برادئه، فعرفه الناس عند ذلك.
صحيح البخاري باب هجرة النبي (6/53)، سيرة ابن هشام
(2/109)، طبقات ابن سعد (1/222)، مسنداحمد (3/287)،
معارف ابن قتيبة (ص‏75)، الرياض النضرة (1/78، 79، 80)،
المواهب اللدنية (1/86)،السيرة الحلبية (2/46،61)((1086)).
قال الاميني : ما انزل الدهر نبي الاسلام حتى قيل: انه شاب لا
يعرف. كانه غلام نكرة اتخذه شيخ انتشرصوته كصيته بين
الناس دليلا في مسيره يرتدفه تارة ويمشيه بين يديه اخرى،
ومهما سئل عنه يقول: هذايهديني الطريق وهو اعرف به مني،
كان نبي الاسلام (ص) لم يكن ذلك الذي كان يعرض نفسه
على القبائل‏في كل موسم فعرفوه على بكرة ابيهم من آمن
منهم ومن لم يؤمن، خصوصا الانصار المدنيين منهم
وفيهم‏رجال الاوس والخزرج، وقد بايعوه عند العقبة الاولى
مرة، وبايعه منهم مرة ثانية عند العقبة ثلاثة‏وسبعون رجلا
وامراتان.
وكانه (ص) لم يكن ذلك الذي امر اصحابه بالهجرة الى المدينة
قبله، وكان بتلك الهجرة غلقت ابواب،وخلت دور اناس من
السكنى وهاجر اهلها رجالا ونساء وكان في مقدم المهاجرين ما
يناهز ستين رجلا،فلم يبق في مكة المعظمة من‏اسلم معه
(ص) الاامير المؤمين وابو بكر وكان المدينة ليست بدار بني
النجاروهم خؤولة النبي الاقدس.
وكانه (ص) لم يكن الذي اتخذ المدينة قاعدة ملكه، وعاصمة
حكومته، ومعسكر نهضته، فبث فيها رجاله‏وخاصته من اهلها
ومن المهاجرين، فكانوا يرقبون مقدمه الشريف في كل حين
حتى اذا وافوه مقبلا عليهم‏استقبلوه بقضهم وقضيضهم وفيهم
اهل البيعتين ومن تقدمه من المهاجرين وكلهم يعرفونه كما
يعرفون‏ابناءهم، وانه (ص) مكث في قباء عند بني عمرو بن
عوف اياما وليالي حتى اسس مسجده الشريف فيها،فعرفه كل
من في قباء ممن لم يكن يعرفه قبل من رجال الاوس والخزرج،
واتصل به كل من قدمها من‏المدينة فعرفوه جميعا، وقد صلى
الجمعة في قباء وفي بطن الوادي وادي رانونا وائتم به من
حضر من‏المسلمين عامة.
وبقضاء من الطبيعة ان الناس عند التطلع الى رؤيته (ص) كان
يومي اليه كل عارف، ويسال عنه كل‏جاهل،ويتقد م المبايعون
الى التعرف به والتزلف اليه، فلا يبقى في المجتمع جاهل به
حتى يسال ابابكر عنه في انتقاله‏من بني عمرو بقوله: من هذا
الغلام بين يديك يا ابابكر؟
فكان القادم رجل عادي مادوخ صيته الاقطار، ولم يره بشر من
ذلك الجمع الحافل، ولم يحتفل به ذلك‏الاحتفال، ولا احتفي
به تلك الحفاوة، وما صعدت ذوات الخدور على
الاجاجير((1087)) وما هزجت الصبيان‏والولائد بقولهن:
طلع البدر علينا
من ثنيات الوداع
وجب الشكر علينا
ما دعا للّه داع
ايها المبعوث فينا
جئت بالامر المطاع
وكانه قدم في صورة منكرة بلا اي تقدمة الى بلد لا يعرفه فيه
احد حتى خص السؤال عنه بابي بكرفحسب.
ثم ما هذه التعمية في جواب ابي بكر بقوله: انه يهديني السبيل.
يريد سبيل السعادة فيحسب الحاسب انه‏يهديه الطريق؟ الخوف
كانت ولم يرد رسول‏اللّه(ص) الا على العدة والعدد والمتعة
والعزة، وقد بايعته‏الانصار على التفاني دونه؟ او كان يخاف ابو
بكر قريشاوهو في حصن الدين المنيع ودرعه الحصينة؟
ام‏كانت لغير ذلك؟ فاسال عنه خبيرا . والعجب كل العجب ان
رجلا هذه سيرته في التقية عن الناس في‏عاصمة الاسلام بين
فرسان المهاجرين والانصار كيف صح‏عنه ما جاء عن ابن
مسعود وما روي عن‏مجاهد مرسلا من قولهم: ان اول من اظهر
الاسلام سبعة: رسول اللّه، وابو بكر الى آخره((1088)).
على ان الحالة كانت تقتضي ان يسال كل قادم الى المدينة يوم
ذاك عن شخص رسول اللّه (ص) واوان نزوله‏بها لا عن الغلام
بين ايدي ابي بكر.
والعجب ان الجهل برسول اللّه في مزعمة هذا الراوي كان
مستمرا بين مستقبليه وكلهم نفوسهم نزاعة‏الى‏عرفانه
والتبرك برؤيته حتى ظلله ابو بكر بردائه فعرفه الناس عند
ذلك.
ومتى كان ابو بكر شيخا والنبي شابا وهو (ص) اكبر منه
بسنتين وعدة اشهر كما ياتي تفصيله ان شاء اللّه؟وابن قتيبة
اخذ هذا الحديث بظاهره فقال في المعارف((1089))(ص‏75):
هذا الحديث يدل على ان ابابكر كان اسن من رسول اللّه (ص)
بمدة طويلة، والمعروف عند اهل الاخبار ماحكيناه. انتهى.
وحكى قبل هذا ان رسول‏اللّه(ص) هو اكبر سنا من ابي بكر.
نعم، عرف شراح البخاري من المتاخرين موضع الغمز، فاولوا
كون ابي بكر شيخا بظهور الشيب في لحيته،وكون النبي شابا
بسواد كريمته، والعارف باساليب الكلام يعلم انه تمحل محض،
وان المفهوم من تلك كمافهمه ابن قتيبة، كون ابي بكر شيخا
ورسول اللّه شابا لا غير ذلك. والا فما معنى قولهم: ما هذا الغلام
بين‏يديك؟ او: من هذا الغلام بين يديك؟ ومن المعلوم ان
الغلام لا يطلق على من عمره خمسون سنة تقريبا مهمااسود
عارضه.
وعلى صحة هذا التاويل اين المؤولون من صحيحة ابن عباس،
قال: قال‏ابو بكر: يا رسول اللّه قد شبت.قال: «شيبتني هود
والواقعة‏» الحديث. وروى مثله الحفاظ عن ابن مسعود، وفي
لفظ ابي جحيفة: قالوا: يارسول اللّه نراك قد شبت. قال:
«شيبتني هود واخواتها»((1090)).
فهذه الصحيحة تعرب عن انه (ص) كان قد بان فيه الشيب
على خلاف الطبيعة، واسرع فيه حتى اصبح‏مسؤولا عنه وعما
اثره فيه (ص)، فاين منها ذلك التاويل البارد؟
وربما يقال في حل مشكلة يعرف ولا يعرف : ان ابابكر كان
تاجرا عرفه الناس في المدينة عند اختلافه‏الى الشام، لكنه على
فرض تسليم كونه تاجرا، وعلى تقدير تسليم سفره الى الشام
ودون اثباته خرط‏القتاد، مقابل بان رسول اللّه (ص) ايضا كان
يحاول التجارة يستطرق المدينة الى الشام، فلو كانت
التجارة‏بمجردها تستدعي معرفة الناس بالتاجر فهو في النبي
الاعظم اولى لان شرفه المكتسب، وشهرته بالامانة،وعظمته
في‏النفوس، وتحليه بالفضائل، وبروز عصمته وقداسته عند
الناس من اول يومه، وشرفه الطائل في‏نسبه، اجلب لتوجه
النفوس اليه، بخلاف التاجر الذي هو خلو من كل ذلك.
على ان التاجر متى هبط مصرا فعارفوه رجال معدودون ممن
شاركوه في الحرفة، او شارفوه في المعاملة،وهذا التعارف يخص
باناس تعد بالانامل لا عامة الناس كما حسبوه. وانى هذا من
سفر رسول اللّه (ص)الى المدينة وابو بكر يوم ذاك يرضع من
ثدي امه، خرجت به (ص) [امه] لما بلغ ست سنين من
عمره‏الى‏اخواله بني عدي بن النجار بالمدينة تزور به اخواله
ومعه ام ايمن، فنزلت به في دار النابغة رجل من بني‏عدي بن
النجار فاقامت به شهرا. ومما وقع في تلك السفرة:
قالت ام ايمن: اتاني رجلان من اليهود يوما نصف النهار
بالمدينة فقالا: اخرجي لنا احمد. فاخرجته ونظرااليه وقلباه
مليا ثم قال احدهما لصاحبه: هذا نبي هذه الامة، وهذه دار
هجرته، وسيكون بهذه البلدة من‏القتل والسبي امر عظيم.
قالت ام ايمن: وعيت ذلك كله من كلامهما((1091)). ابعد هذه
كلها، وبعد تلكم‏الارهاصات للنبوة التي ملات بين الخافقين،
وبعد ذلك الصيت الطائل الذي دوخ الاقطار، وبعد
مضي‏خمسين سنة من عمره الشريف (ص) رسول اللّه شاب لا
يعرف وابو بكر شيخ يعرف، يسال عنه: من هذاالغلام بين
يديك؟
ولايضاح هذه الجمل من الحري ان نسرد كيفية هجرته (ص)
حتى تزيد بصيرة القارئ على موقع الافك‏من هذه المجهلة
الماثورة في الصحاح والمسانيد الصادرة عن الغلو في الفضائل
عميا وصما. فاقول:
الانصار في البيعتين
كان رسول اللّه (ص) يعرض نفسه على القبائل في المواسم اذ
كان يدعوهم الى اللّه ويخبرهم انه نبي مرسل‏فعرض نفسه على
كندة، وعلى بني عبداللّه بطن من كلب، وعلى بني حنيفة،
وعلى بني عامر بن صعصعة،وعلى قوم من بني عبدالاشهل.
فلما اراد اللّه عز وجل اظهار دينه، واعزاز نبيه (ص) وانجاز
موعده له،خرج (ص) في الموسم الذي لقي فيه النفر من
الانصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع
في‏كل‏موسم، فبينما هو عند العقبة لقي رهطا من الخزرج اراد
اللّه بهم خيرا وفيهم: اسعد بن زرارة ابو امامة‏النجاري، وعوف
بن الحرث بن عفراء، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر بن
حديدة، وعقبة بن عامر بن‏نابي، وجابر بن عبداللّه.
فكل مهم رسول اللّه (ص) ودعاهم الى اللّه، وعرض عليهم
الاسلام، وتلا عليهم القرآن فاجابوه فيما دعااليهم ثم انصرفوا
عنه (ص) راجعين الى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا. فلما قدموا
المدينة الى قومهم ذكروا لهم‏رسول اللّه (ص) ودعوهم الى
الاسلام حتى فشا فيهم، فلم تبق دار من دور الانصار الا وفيها
ذكر من‏رسول اللّه (ص)، حتى اذا كان العام المقبل وافى
الموسم من الانصار اثنا عشر رجلا فلقوه بالعقبة الاولى‏فبايعوا
رسول اللّه (ص) على بيعة النساء وذلك قبل ان يفترض عليهم
الحرب، وهم:
ابو امامة اسعد بن زرارة، وعوف بن عفراء، ومعاذ بن عفراء،
ورافع بن مالك، وذكوان بن عبد قيس،وعبادة بن الصامت،
ويزيد بن ثعلبة، والعباس بن عبادة، وعقبة بن عامر، وقطبة بن
عامر، وابو الهيثم بن‏التيهان، وعويم بن ساعدة.
قال عبادة بن الصامت: بايعنا رسول اللّه (ص) ليلة العقبة
الاولى: على ان لا نشرك باللّه شيئا، ولا نسرق،ولا نزني، ولا
نقتل اولادنا، ولا ناتي ببهتان نفتريه بين ايدينا وارجلنا، ولا
نعصيه في معروف.
فلما انصرف القوم عنه (ص) بعث رسول اللّه معهم مصعب بن
عمير بن هاشم ابن عبد مناف((1092))وامره ان‏يقرئهم‏القرآن،
ويعلمهم‏الاسلام، ويفقههم في الدين، ويقيم فيهم الجمعة
والجماعة، وكان مصعب‏يسمى‏بالمدينة: المقرئ، وكان منزله
على اسعد ابن زرارة ابي امامة النجاري. وكان يصلي بهم
الجمعة‏والجماعة فاقام عنده يدعوان الناس الى الاسلام حتى
لم تبق دار من دور الانصار الا وفيها رجال ونساءمسلمون.
ثم ان مصعب بن عمير رجع الى مكة، وخرج من خرج من
الانصار من المسلمين الى الموسم مع حجاج‏قومهم من اهل
الشرك حتى قدموا مكة فواعدوا رسول اللّه (ص) العقبة من
اوسط ايام التشريق. قال كعب:فلما فرغنا من الحج وكانت الليلة
التي واعدنا رسول اللّه (ص) لها ومعنا عبداللّه بن عمرو بن حرام
ابو جابرسيد من ساداتنا وشريف من اشرافنا اخذناه معنا، ثم
دعوناه الى الاسلام فاسلم وشهد معنا العقبة، وكان‏نقيبا، فنمنا
تلك الليلة مع قومنا في رحالنا، حتى اذامضى ثلث الليل خرجنا
من رحالنا لميعاد رسول اللّه(ص) حتى اجتمعنا في الشعب
عند العقبة ونحن ثلاثة وسبعون رجلا، ومعنا امراتان من نسائنا:
نسيبة بنت‏كعب ام عمارة، واسماء بنت عمرو ام منيع.
قال: فتكلم رسول اللّه (ص) فتلا القرآن ودعا الى اللّه ورغب في
الاسلام ثم قال: «ابايعكم على ان تمنعوني‏مما تمنعون منه
نساءكم وابناءكم‏». فاخذ البراء بن معرور بيده ثم قال: نعم
والذي بعثك بالحق لنمنعنك عمانمنع منه ازرنا((1093))
فبايعنا يا رسول اللّه، فنحن واللّه اهل الحروب، واهل الحلقة،
ورثناها كابرا عن كابر،فقال رسول اللّه (ص): «اخرجوا الي منكم
اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم‏». فاخرجوا
منهم‏اثني عشر نقيبا تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس. وهم:
1 ابو امامة اسعد بن زرارة الخزرجي.
2 سعد بن الربيع بن عمرو الخزرجي.
3 عبداللّه بن رواحة بن امرئ القيس الخزرجي.
4 رافع بن مالك بن العجلان الخزرجي.
5 البراء بن معرور بن صخر الخزرجي.
6 عبداللّه بن عمرو بن حرام الخزرجي.
7 عبادة بن الصامت بن قيس الخزرجي.
8 سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي.
9 المنذر بن عمرو بن خنيس الخزرجي.
10 اسيد بن حضير بن سماك الاوسي.
11 سعد بن خيثمة بن الحرث الاوسي.
12 رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر الاوسي. وقد يعد بمكانه ابو
الهيثم بن التيهان.
فقال رسول اللّه (ص) للنقباء: «انتم على قومكم بما فيهم كفلاء
ككفالة الحواريين لعيسى بن مريم واناكفيل على قومي يعني
المسلمين ». قالوا: نعم.
قال العباس بن عبادة بن نضلة الانصاري: يا معشر الخزرج هل
تدرون علام تبايعون هذا الرجل؟ قالوا:نعم. قال: انكم تبايعونه
على حرب الاحمر والاسود من الناس، فان كنتم ترون انكم اذا
نهكت اموالكم‏مصيبة، واشرافكم قتلا اسلمتموه فمن الان، فهو
واللّه ان فعلتم خزي الدنيا والاخرة. وان كنتم ترون انكم‏وافون
له بما دعوتموه اليه على نهكة الاموال وقتل الاشراف فهو واللّه
خير الدنيا والاخرة. قالوا: فانا ناخذه‏على مصيبة الاموال وقتل
الاشراف، فما لنا بذلك يا رسول اللّه ان نحن وفينا؟ قال:
«الجنة‏». قالوا: ابسط‏يدك. فبسط يده فبايعوه.
فقال له العباس بن عبادة: واللّه الذي بعثك بالحق ان شئت
لنميلن على اهل منى‏غدا باسيافنا. قال : فقال‏رسول اللّه (ص):
«لم نؤمر بذلك ولكن ارجعوا الى رحالكم‏».
فرجعوا الى مضاجعهم. فلما قدموا المدينة اظهروا الاسلام بها
وفي قومهم بقايا من شيوخ لهم على دينهم من‏الشرك. وكان
اهل بيعة العقبة الاخرة ثلاثة وسبعين رجلا وامراتين وهم:
اسيد بن حضير النقيب، ابوالهيثم بن التيهان النقيب، سلمة بن
سلامة الاسهلي ، ظهير بن رافع الخزرجي،ابو بردة بن نيار بن
عمرو، نهير بن الهيثم الحارثي، سعد بن خيثمة النقيب، رفاعة
بن عبدالمنذر النقيب،عبداللّه بن جبير ابن النعمان، معن بن
عدي بن الجد، عويم بن ساعدة الاوسي، ابو ايوب خالد
الانصاري ،معاذ بن الحارث الانصاري، اسعد بن زرارة النقيب،
سهيل بن عتيك النجاري، اوس بن ثابت الخزرجي،ابو طلحة
زيد بن سهل، قيس بن ابي صعصعة النجاري، عمرو بن غزية
الخزرجي، سعد بن الربيع النقيب،خارجة بن زيد الخزرجي،
عبداللّه بن رواحة النقيب، بشير بن سعد الخزرجي، خلاد بن
سويد الخزرجي،عقبة بن عمرو الخزرجي، زياد بن لبيد
الخزرجي، فروة بن عمرو الخزرجي، خالد بن قيس
الخزرجي،رافع بن مالك النقيب، ذكوان بن عبدقيس
الخزرجي، عبادة بن قيس الخزرجي، الحارث بن
قيس‏الخزرجي، البراء بن معرور النقيب، بشر بن البراء
الخزرجي، سنان بن صيفي الخزرجي، الطفيل بن
النعمان‏الخزرجي، معقل بن المنذر الخزرجي، يزيد بن المنذر
الخزرجي، مسعود بن يزيد الخزرجي، الضحاك بن‏حارثة
الخزرجي، يزيد بن خزام‏الخزرجي، جبار بن صخر الخزرجي،
الطفيل بن مالك الخزرجي، كعب بن‏مالك الخزرجي، سليم بن
عمرو الخزرجي، قطبة بن عامر الخزرجي، يزيد بن عامر
الخزرجي، كعب بن‏عمرو الخزرجي، صيفي بن سواد الخزرجي،
ثعلبة بن غنمة السلمي، عمرو بن غنمة السلمي، عبداللّه
بن‏انيس السلمي ، خالد بن عمرو السلمي، عبداللّه بن عمر
النقيب، جابر بن عبداللّه السلمي، ثابت بن ثعلبة‏السلمي، عمير
بن الحارث السلمي، خديج ابن سلامة بن الفرافر، معاذ بن جبل
الخزرجي، اوس بن عبادالخزرجي، عبادة بن الصامت النقيب،
غنم بن عوف الخزرجي، العباس بن عبادة الخزرجي، ابو
عبدالرحمن‏بن يزيد الخزرجي ، عمرو بن الحرث الخزرجي،
رفاعة بن عمرو الخزرجي ، عقبة بن وهب الجشمي، سعدبن
عبادة النقيب، المنذر بن عمرو النقيب، عوف بن الحارث
الانصاري، معوذ بن الحارث الانصاري، عمارة‏بن حزم الانصاري
،عبداللّه بن زيد مناة الخزرجي .
نبا الهجرة
فلما عتت قريش على اللّه عز وجل، وردوا عليه ما ارادهم به من
الكرامة، وكذبوا نبيه (ص)، وعذبوا ونفوامن عبده ووحده
وصدق نبيه واعتصم بدينه اذن اللّه عز وجل لرسوله (ص) في
القتال فنزل قوله تعالى(اذن‏للذين يقاتلون بانهم
ظلموا)((1094))ثم الاية انزل اللّه تعالى: (وقاتلوهم حتى لا
تكون فتنة ويكون الدين‏كله‏للّه)((1095)).
فلما اذن اللّه تعالى له (ص) في الحرب وتابعه هذا الحي من
الانصار على الاسلام والنصرة له ولمن اتبعه،واوى اليهم من
المسلمين، امر رسول اللّه (ص) اصحابه من المهاجرين من
قومه ومن معه بمكة من المسلمين‏بالخروج الى المدينة
والهجرة اليها، واللحوق باخوانهم من الانصار، وقال: ان اللّه عز
وجل قد جعل لكم‏اخوانا ودارا تامنون بها. فخرجوا
ارسالا((1096)) واقام رسول اللّه (ص) بمكة ينتظر ان ياذن له
ربه في الخروج‏من مكة والهجرة الى المدينة، فهاجر بنو جحش
فغلقت دورهم هجرة تخفق ابوابها يبابا، ليس فيها ساكن‏خلاء
من اهلها. وكان بنوغنم بن دودان اهل اسلام قد اوعبوا الى
المدينة هجرة نساءهم ورجالهم، ثم تتابع‏المهاجرون وفيهم:
ابو سلمة بن عبدالاسد، عامر بن ربيعة الكعبي، عبداللّه بن
جحش، عبد بن جحش ابواحمد، عكاشة بن‏محصن، شجاع بن
وهب، عقبة بن وهب، عربد بن حمير ، منقذ بن نباتة، سعيد بن
رقيش، محرز بن نضلة،يزيد بن رقيش، قيس بن جابر، عمرو
بن محصن، مالك بن عمرو، صفوان بن عمرو، ثقف بن عمرو،
ربيعة‏بن اكثم، الزبير بن عبيدة، تمام بن عبيدة، سخبرة بن
عبيدة، محمد بن عبد اللّه بن جحش ، عمر بن الخطاب،عياش
بن ابي ربيعة، زيد بن الخطاب، عمرو بن سراقة، عبداللّه بن
سراقه، خنيس بن حذافة، اياس بن‏البكير، عاقل بن البكير، عامر
بن البكير، خالد بن البكير، طلحة بن عبيداللّه، حمزة بن
عبدالمطلب، صهيب‏بن سنان،زيد بن حارثة، كنار بن حصين،
عبيدة بن الحارث، الطفيل بن الحارث، الحصين بن
الحرث،مسطح بن اثاثة، سويبط بن سعد، طليب بن عمير،
خباب مولى عتبة، عبدالرحمن بن عوف، الزبير بن‏عوام، ابو
سبرة‏بن ابي رهم، مصعب بن عمير، ابو حذيفة بن عتبة، سالم
مولى ابي حذيفة، عتبة بن غزوان،عثمان بن عفان، انسة مولى
رسول اللّه، ابو كبشة مولى رسول اللّه .
واقام رسول اللّه (ص) بمكة بعد اصحابه من المهاجرين ينتظر
ان يؤذن له في الهجرة. ولم يتخلف معه بمكة‏احد من
المهاجرين الا من حبس او فتن، الا علي بن ابي طالب وابو بكر
بن ابي قحافة غ حتى اذا كان‏اليوم الذي اذن اللّه فيه
لرسوله(ص) في الهجرة والخروج من مكة من بين ظهري
قومه، وما كان يعلم‏بخروجه(ص) احد حين خرج الا علي بن
ابي طالب وابو بكر الصديق وآل ابي بكر، اما علي فان رسول‏اللّه
(ص) اخبره بخروجه وامره ان يتخلف بعده بمكة، حتى يؤدي
عن رسول اللّه(ص) الوادئع التي كانت‏عنده للناس، وكان
رسول اللّه (ص) ليس بمكة احد عنده شي‏ء يخشى عليه الا
وضعه عنده لما يعلم من‏صدقه وامانته (ص) .
فلما اجمع رسول اللّه (ص) الخروج خرج ومعه ابو بكر ثم عمدا
الى غار بثور جبل باسفل مكة فدخلاه‏فاقام فيه رسول اللّه
(ص) ثلاثا ومعه صاحبه.
ثم خرج بهما دليلهما عبد اللّه بن ارقط سلك بهما اسفل مكة
ثم مضى بهما على الساحل اسفل من‏عسفان((1097))ثم سلك
بهما على اسفل امج((1098)) ثم استجاز بهما حتى عارض
بهما الطريق بعد ان اجازقديدا((1099))ثم اجاز بهما من مكانه
ذلك فسلك بهما الخرار((1100)) ثم سلك بهما
ثنية((1101))المرة، ثم سلك بهما لقفا((1102))،ثم استبطن
بهما مدلجة مجاج((1103)) ثم سلك بهما مرجح مجاج ثم
تبطن بهما مرجح((1104)) من ذي العضوين آالغضوين ثم
بطن ذي كشر((1105)) ثم اخذ بهما على الجداجد((1106))
ثم على الاجرد((1107)) ثم سلك بهما ذا سلم من‏بطن اعدا
مدلجة تعهن((1108))ثم على العبابيد((1109)) ثم اجاز بهما
الفاجة((1110)) ثم هبط بهما العرج((1111))، فحمل رسول‏اللّه
(ص) رجل من اسلم يقال له اوس بن حجر على جمل له يقال
له: ابن الرداء - الى المدينة، وبعث معه‏غلاما له، يقال له مسعود
بن هنيدة، ثم خرج بهما دليلهما من العرج فسلك بهما ثنية
العائر((1112))عن يمين‏ركوبة((1113))حتى هبط بهما بطن
رئم((1114))ثم قدم بهما قباء((1115)) على بني عمرو بن
عوف حين اشتد الضحاءوكادت الشمس تعتدل.
ولما دنوا من قباء بعثوا رجلا من اهل البادية الى ابي امامة
واصحابه من الانصار، فثار المسلمون الى‏السلاح واستقبله زهاء
خمسمائة من الانصار فوافوه وهو مع ابي بكر في ظل نخلة، ثم
قالوا لهما: اركبا آمنين‏مطاعين. فعدل بهم ذات اليمين حتى
نزل بقباء في دار بني عمرو بن عوف، فاقام رسول اللّه (ص)
بقباء في‏بني عمرو بن عوف يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم
الاربعاء ويوم الخميس واسس مسجده، وقد يقال كمافي سنن
ابي داود((1116)) (1/74): انه اقام في قباء اربع عشرة ليلة،
وحكى موسى‏ابن عقبة اثنتين وعشرين‏ليلة. وقال
البخاري((1117)): بضع عشرة ليلة، وبقباء كانت منازل الاوس
والخزرج.
ثم اخرجه اللّه من بين اظهرهم يوم الجمعة فادركت رسول اللّه
(ص) الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاهافي المسجد الذي
في بطن الوادي وادي رانوناء، فكانت اول جمعة صلاها
بالمدينة.
قال عبدالرحمن بن عويم: حدثني رجال من‏قومي من‏اصحاب
رسول‏اللّه(ص)قالوا: لما سمعنا بمخرج رسول‏اللّه (ص) من مكة
وتوكفنا((1118)) قدومه كنا نخرج اذا صلينا الصبح الى ظاهر
حرتنا ننتظر رسول اللّه (ص)،فواللّه ما نبرح حتى تغلبنا الشمس
على الظلال، فاذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك في ايام حارة.
فلما قدم رسول اللّه (ص) المدينة وصلى الجمعة اتاه عتبان بن
مالك وعباس بن عبادة بن نضلة في رجال‏من بني سالم بن
عوف، فقالوا: يا رسول اللّه اقم عندنا في العدد والعدة والمنعة.
قال:«خلوا سبيلها فانهامامورة‏» يعني ناقته فخلوا سبيلها.
فانطلقت، حتى اذا وازنت دار بني بياضة، تلقاه زياد بن لبيد،
وفروة‏بن عمرو في رجال من بني بياضة، فقالوا: يا رسول اللّه
هلم الينا الى العدد والعدة والمنعة. قال: «خلواسبيلها فانها
مامورة‏»، فخلوا سبيلها. فانطلقت، حتى اذا مرت بدار بني
ساعدة، اعترضه سعد بن عبادة،والمنذر بن عمرو في رجال من
بني ساعدة، فقالوا: يا رسول اللّه هلم الينا الى العدد والعدة
والمنعة.قال:«خلوا سبيلها فانها مامورة‏»، فخلوا سبيلها.
فانطلقت، حتى اذا وازنت دار بني الحرث بن الخزرج‏اعترضه
سعد ابن الربيع، وخارجه بن زيد، وعبداللّه بن رواحة في رجال
من بني الحرث بن الخزرج،فقالوا: يا رسول اللّه هلم الينا الى
العدد والعدة والمنعة. قال: «خلوا سبيلها فانها مامورة‏». فخلوا
سبيلها.فانطلقت، حتى اذا مرت بدار بني عدي بن النجار
اعترضها سليط بن قيس، وابو سليط اسيرة بن ابي‏خارجة في
رجال من بني عدي فقالوا: يا رسول اللّه هلم الى اخوالك الى
العدد والعدة والمنعة. قال: «خلواسبيلها، فانها مامورة‏». فخلوا
سبيلها. فانطلقت، حتى اذا اتت دار بني مالك بن النجار، بركت
على باب‏مسجده (ص) وهو يومئذ مربد((1119)) لغلامين
يتيمين من بني النجار: سهل وسهيل ابني عمرو، فلما
بركت‏ورسول اللّه (ص) عليها لم ينزل وثبت، فسارت غير بعيد
ورسول اللّه (ص) واضع لها زمامها لا يثنيها به،ثم التفتت الى
خلفها فرجعت الى مبركها اول مرة، فبركت فيه، ثم
تحلحلت((1120)) ورزمت((1121))
ووضعت‏جرانها((1122))فنزل عنها رسول اللّه (ص) فاحتمل ابو
ايوب خالد بن زيد رحله فوضعه في بيته ونزل عليه‏رسول اللّه
(ص) وسال عن المربد لمن هو ؟ فقال له معاذ بن عفراء: هو يا
رسول اللّه لسهل وسهيل ابني‏عمرو وهما يتيمان لي،
وسارضيهما منه فاتخذه مسجدا.
راجع((1123)) سيرة ابن هشام (2/31 114)، تاريخ الطبري
(2/233 249)، طبقات ابن سعد (1/201 آ224)، عيون الاثر
(1/152 159)، الكامل لابن الاثير (2/38، 44)، تاريخ ابن كثير
(3/138 205)،تاريخ ابي الفدا (1/121 124)، الامتاع
للمقريزي (ص‏30 47)، السيرة الحلبية (2/3 61).
(11) ابو بكر اسن من النبي
عن يزيد((1124)) بن الاصم : ان النبي (ص) قال لابي بكر: انا
اكبر او انت؟ قال: لا بل انت اكبر مني واكرم‏وخير مني، وانا اسن
منك.
اخرجه ابن الضحاك، وذكره ابوعمر في الاستيعاب (2/226)،
والمحب الطبري في الرياض‏النضرة((1125))(1/127)،
والسيوط‏ي في تاريخ الخلفاء((1126)) (ص‏72) نقلا عن خليفة
بن خياط، واحمد بن حنبل،وابن عساكر((1127)).
قال الاميني : او لا تعجب من اكذوبة تعد اكرومة؟ متى تصح
رواية يزيد بن الاصم عن النبي (ص) ولم‏يدركه، فان الرجل
توفي سنة (101، 103، 104) وهو ابن ثلاث وسبعين سنة،
فولادته بعد وفاة النبي(ص) بدهر.
ثم متى كان ابو بكر اسن من النبي وقد ولد (ص) في عام
الفيل، وولد ابو بكر بعد عام الفيل بثلاث سنين.وقال سعيد بن
المسيب: استكمل ابو بكر بخلافته سن رسول اللّه (ص)، فتوفي
وهو بسن النبي (ص) ابن‏ثلاث وستين سنة. راجع:
المعارف((1128)) لابن قتيبة (ص‏75) وقال: اتفقوا على ان
عمره ثلاث وستون سنة، فكان رسول اللّه (ص)اسن‏من ابى بكر
بمقدار سني خلافته. صحيح الترمذي((1129))(2/288) وفيه:
انه (ص) توفي وهو ابن خمس‏وستين سنة، سيرة ابن هشام
(1/205)، تاريخ الطبري((1130)) (2/125 و 4/47)،
الاستيعاب((1131)) (1/335) وقال:لا يختلفون ان سنه انتهت
الى حين وفاته ثلاثا وستين سنة الا ما لا يصح، وانه استوفى
بخلافته بعد رسول‏اللّه (ص) سن رسول اللّه (ص) وقال في
الجزء الثاني (ص‏626) بعد ذكر حديث يزيد الاصم: هذا الخبر
لايعرف الا بهذا الاسناد، واحسبه وهما لان جمهور اهل‏العلم
بالاخبار والسير والاثار يقولون: ان ابابكراستوفى بمدة خلافته
سن رسول اللّه(ص). توفي وهو ابن ثلاث وستين سنة((1132)).
الكامل (1/185 و2/176)،اسد الغابة (3/223)، مرآة الجنان
(1/56، 69)، مجمع الزوائد (9/60)، عيون الاثر (1/43)،
الاصابة(2/341، 344)، السيرة الحلبية (3/396).
نعم: هذه المساءلة وقعت بينه (ص) وبين سعيد بن يربوع
المخزومي كما رواها البغوي وابن مندة((1133))، وابن‏يربوع
توفي سنة (54) وله (120) سنة. وقيل: وزيادة اربع. ولما كانت
شيبة ابي بكر وكبر سنه هي الحجة‏الوحيدة على مخالفيه يوم
السقيفة فايدها المغالون في فضائله بامثال هذه المخاريق
المفتعلة، وتحريف التاريخ‏عن مواضعه واللّه يعلم انهم لكاذبون.
(12) اسلام ابي بكر قبل ولادة علي
عن شبابة عن فرات بن السائب قال: قلت لميمون بن مهران:
ابو بكر الصديق اول ايمانا بالنبي (ص) ام علي‏بن ابي طالب؟
قال: واللّه لقد آمن ابو بكر بالنبي(ص) زمن بحيرا الراهب،
واختلف فيما بينه وبين خديجة‏حتى انكحها اياه،وذلك كله
قبل ان يولد علي بن ابي طالب.
وعن ربيعة بن كعب((1134)) قال: كان اسلام ابي بكر شبيها
بالوحي من السماء وذلك انه كان تاجرا بالشام‏فراى‏رؤيا فقصها
على بحيرا الراهب، فقال له: من اين انت؟ فقال: من مكة. فقال:
من ايها؟ قال: من‏قريش. قال: فاي شي‏ء انت؟ قال:
تاجر. قال: ان صدق اللّه رؤياك فانه يبعث نبي من قومك تكون
وزيره في حياته وخليفته من بعد وفاته.فاسر ذلك ابو بكر في
نفسه حتى بعث النبي (ص) فجاءه فقال: يا محمد ما الدليل
على ما تدعي؟ قال:الرؤيا التي رايت بالشام، فعانقه وقبل بين
عينيه وقال: اشهد ان لا اله الا اللّه، واشهد انك رسول اللّه.
وقال الامام النووي: كان ابو بكر اسبق الناس اسلاما، اسلم وهو
ابن عشرين سنة، وقيل: خمس عشرة‏سنة.
راجع((1135)) الرياض النضرة (1/51، 54)، اسد الغابة
(1/168)، تاريخ ابن كثير (9/319)، الصواعق المحرقة(ص‏45)،
تاريخ الخلفاء للسيوط‏ي (ص‏24)، الخصائص الكبرى (1/29)،
نزهة المجالس (2/182).
قال الاميني : هلم معي ننظر الى هذه المراسيل هل توجد فيها
مسحة من الصدق؟ اما رواية ابن مهران‏سندا:
1 فشبابة بن سوار((1136)) ابو عمرو المدائني: قال احمد:
تركته لم اكتب عنه للارجاء وكان داعية، وقال ابن‏خراش: كان
احمد لا يرضاه وهو صدوق في الحديث، وقال الساجي وابن
عبداللّه وابن‏سعد((1137))والعجلي((1138))وابن
عدي((1139)): انه كان يقول بالارجاء.
وقبل هذه كلها يظهر مما رواه ابو علي المدائني: انه كان يبغض
اهل بيت‏النبي صلوات اللّه عليهم، وضربه اللّهبالفالج لدعاء من
دعا عليه بقوله: اللهم ان كان شبابة يبغض اهل نبيك فاضربه
الساعة بالفالج، ففلج في‏يومه ومات. ميزان الاعتدال (1/440).
تهذيب التهذيب((1140))(4/302).
2 فرات بن السائب الجزري: قال البخاري: منكر الحديث.
وقال يحيى بن‏معين((1141)): ليس بشي‏ء، منكرالحديث. وقال
الدارقطني((1142))وغيره: متروك. وقال احمد بن حنبل:
قريب من محمد بن زياد الطحان في‏ميمون يتهم بما يتهم به
ذاك. ومحمد بن زياد هو اليشكري احد الكذابين الوضاعين كما
مر في (5/258)،ففرات عند امام الحنابلة كذاب وضاع. وقال ابو
حاتم((1143)): ضعيف الحديث، منكر الحديث. وقال
الساجي:تركوه. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال ابو احمد
الحاكم: ذاهب الحديث. وقال ابن عدي((1144)): له‏احاديث
غير محفوظة وعن ميمون مناكير. ميزان الاعتدال((1145))
(2/325)، لسان الميزان((1146))(4/430).
3 ميمون بن مهران: حسبه ما مر في رواية فرات عنه، اضف
الى ذلك قول العجلي: انه كان يحمل‏على‏علي. كما في تهذيب
ابن حجر((1147)) (10/391). هب انه وثقة من وثقه، فما قيمته
وقيمة حديثه بعد تحامله‏على علي اميرالمؤمنين صلوات اللّه
عليه.
ثم قد اتى ميمون في حديثه بامرين: اسلام ابي بكر زمن بحيرا،
واختلافه في‏زواج رسول اللّه (ص) من‏خديجة. اما اختلافه بينه
(ص) وبين خديجة فلم ينبى‏ء عنه قط خبير. وليس من الجائز
ان يكون الوسيط‏في قران رجل عظيم كمحمد وامراة من بيت
مجد وسؤدد ورئاسة كخديجة، شاب حدث ابن اثنتين‏وعشرين
سنة وللزوج اعمام اشراف اعاظم كالعباس وحمزة وابي طالب
وهو بينهم وفي بيتهم، وكان عمه‏ابو طالب كما ياتي يحبه حبا
شديدا لا يحب اولاده مثله، وكان لاينام الا الى جنبه، ويخرجه
معه حين‏يخرج((1148)) وكان هو الذي كلم خديجة حتى
وكلت رسول‏اللّه (ص) بتجارتها، كما في الامتاع
للمقريزي(ص‏8).
والذي جاء في السير والتاريخ في امر هذا القران ان خديجة
بعثت الى رسول‏اللّه(ص) ورغبت في زواجه‏لقرابته وامانته
وحسن خلقه وصدق حديثه، وعرضت نفسها عليه (ص)، فذكر
ذلك رسول اللّه (ص)لاعمامه فخرج معه عمه حمزة وفي لفظ
ابن الاثير: خرج معه حمزة وابو طالب وغيرهما من
عمومته.حتى‏دخل على خويلد بن اسد، او على عمرو بن اسد
عم خديجة فخطبها اليه فتزوجها عليه وآله الصلاة‏والسلام،
وخطب ابو طالب (ع) خطبة النكاح، فقال:
الحمد للّه الذي جعلنا من ذرية ابراهيم، وزرع اسماعيل،
وضئضئ((1149)) معد، وعنصر مضر، وجعلنا حضنة‏بيته،
وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا، وحرما آمنا، وجعلنا
الحكام على الناس، ثم ان ابن اخي هذامحمد بن عبداللّه لا
يوزن برجل الا رجح به شرفا ونبلا وفضلا وعقلا، فان كان في
المال قل فان المال‏ظل‏زائل، وامر حائل، ومحمد من قد عرفتم
قرابته، وقد خطب خديجة بنت خويلد، وبذل لها من الصداق
ماآجله وعاجله من مالي كذا، وهو واللّه بعد هذا له نبا عظيم،
وخطر جليل. فزوجها.
راجع((1150)) طبقات ابن سعد (1/113)، تاريخ الطبري
(2/127)، اعلام الماوردي (ص‏114)، الصفوة لابن‏الجوزي
(1/25)، الكامل لابن الاثير (2/15)، تاريخ ابن كثير (2/294)،
تاريخ الخميس (1/299)، عيون‏الاثر (1/49)، اسد الغابة
(5/435)، الروض الانف (1/122)، تاريخ ابن خلدون (2/172)،
المواهب اللدنية(1/50)، السيرة الحلبية (1/149، 150)، شرح
المواهب للزرقاني (1/200)، سيرة زيني دحلان هامش‏الحلبية
(1/114).
فاين مزعمة ابن مهران من هذا التاريخ الصحيح المتواتر؟
واما اسلام ابي بكر قبل ولادة علي امير المؤمنين زمن بحيرا
الراهب فانه ماخوذ مما اخرجه ابن مندة((1151))من‏طريق
عبد الغني بن سعيد الثقفي عن ابن عباس: ان ابابكر الصديق
صحب النبي وهو ابن ثماني عشرة سنة‏والنبي ابن عشرين وهم
يريدون الشام في تجارة، حتى اذا نزل منزلا فيه سدرة قعد في
ظلها ومضى ابو بكرالى راهب يقال له: بحيرا يساله عن شي‏ء.
هذه الرواية ضعفها غير واحد من الحفاظ. قال الذهبي في
ميزان الاعتدال((1152))(2/243): عبدالغني ضعفه ابن‏يونس.
واقر ضعفه ابن حجر في لسانه((1153)) (4/45)، وقال في
الاصابة (1/177): احد الضعفاء المتروكين.
وذكره السيوط‏ي في الخصائص الكبرى((1154)) (1/86)
فقال: سند ضعيف، وضعفه القسطلاني
في‏المواهب((1155))(1/50)، والحلبي في السيرة
النبوية((1156)) (1/130).
وافظع من هذا رواية اخرجها الحفاظ من طريق ابي نوح قراد
عن يونس بن ابي اسحاق عن ابيه عن ابي‏بكر بن ابي موسى
الاشعري عن ابي موسى قال: خرج، ابو طالب الى الشام ومعه
رسول اللّه (ص) في‏اشياخ من قريش، فلما اشرفوا على الراهب
يعني بحيرا هبطوا فحلوا رحالهم فخرج اليهم الراهب،وكانوا
قبل ذلك يمرون به فلا يخرج ولا يلتفت اليهم، قال: فنزل وهم
يحلون رحالهم، فجعل يتخللهم‏حتى‏جاء فاخذ بيد النبي (ص)
فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، هذا يبعثه
اللّه رحمة‏للعالمين، الى ان قال:
فبايعوه واقاموا معه عنده، فقال الراهب: انشدكم اللّه ايكم وليه؟
قالوا: ابوطالب. فلم يزل يناشده حتى‏رده،وبعث معه ابو بكر
بلالا، وزوده الراهب من الكعك والزيت.
اخرجه((1157)) الترمذي في صحيحه (2/284) فقال: حسن
غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه، والحاكم في‏المستدرك
(2/616)، وابو نعيم في الدلائل (1/53)، والبيهقي في الدلائل،
والطبري في تاريخه (2/195)، وابن‏عساكر في تاريخه (1/267)،
وابن كثير في تاريخه (2/284)، نقلا عن الحافظ ابي بكر
الخرائط‏ي والحفاظ‏المذكورين، وابن سيد الناس في عيون الاثر
(1/42)، والقسطلاني في المواهب (1/49).
رجال الرواية
1 ابو نوح قراد عبدالرحمن بن غزوان: قال عباس الدوري:
ليس في الدنيا احد يحدث بهذا الحديث غيرقراد ابي نوح، وقد
سمعه منه احمد ويحيى لغرابته وانفراده. تاريخ ابن
كثير((1158)) (2/285).
وقال الذهبي في الميزان((1159)) (2/113): كان يحفظ، قوله
مناكير، وانكر ما له حديث عن يونس وذكرشطرامن الحديث
فقال: ومما يدل على انه باطل قوله: وبعث معه ابو بكر بلالا ،
وبلال لم يكن خلق بعد،وابو بكر كان صبيا.
وقال في تلخيص المستدرك تعليقا على تصحيحه: قلت: اظنه
موضوعا فبعضه باطل. وقال ابن حجر في‏التهذيب((1160))
(6/248): ذكره ابن حبان في الثقات((1161)) وقال:
كان يخطئ يتخالج في القلب منه لروايته عن الليث قصة
المماليك. وقال احمد: هذا يعني حديث المماليك آباطل مما
وضع الناس. وقال الدارقطني: قال ابو بكر: اخطا فيه قراد.
2 يونس بن ابي اسحاق: ضعف احمد((1162)) حديثه عن
ابيه، وقال : حديثه عن ابيه مضطرب. وقال ابوحاتم((1163)):
كان صدوقا الا انه لا يحتج بحديثه. وقال ابو احمد الحاكم: ربما
وهم في روايته. تهذيب‏التهذيب((1164))(11/434). وقال ابو
حاتم: صدوق لا يحتج به. وقال ابن خراش: في حديثه لين.
وقال ابن‏حزم في المحلى: ضعفه يحيى واحمد جدا. وقال
احمد: حديثه مضطرب. ميزان الاعتدال((1165)) (3/339).
3 ابو اسحاق السبيعي: قال ابن حبان((1166)): مدلس،
وذكره الكرابيسي في المدلسين، وقال معن: افسدحديث اهل
الكوفة الاعمش وابو اسحاق للتدليس. تهذيب
التهذيب((1167)) (8/66)((1168)).
4 ابو بكر بن ابي موسى توفي سنة (106)، ضعفه ابن
سعد
((1169))، وقال احمد((1170)): لم يسمع من ابيه.
تهذيب‏التهذيب((1171))(12/41).
5 ابو موسى الاشعري المتوفى سنة (42، 50، 51، 53): وهو
ابن (63) سنة بلا خلاف اجده، وقد وقعت‏الواقعة بعد عام الفيل
بتسع سنين او اثني عشر عاما قبل ولادة ابي موسى الاشعري
(17، 22، 23، 25)عاما، فان كان ابو موسى هو الشاهد للقصة
قبل مولده فحبذا، وان كان يرويها عمن شاهدها فمن
هوحتى‏ننظر في حاله؟ هذا شان الرواية سندا.
اهذه كلها تخفى على مثل الترمذي ومن بعده من الحفاظ
فيحكمون فيها بالحسن؟ او بالصحة كما فعله ابن‏حجر
والحلبي؟ انا لا ادري. نعم، الحب يعمي او يصم.
واما متن الرواية فهو يكفي في تكذيبها، اذ سفر ابي طالب(ع)
الى الشام واخذه معه رسول اللّه (ص) كان‏وقد مضى من عمره
(ص) تسع سنين على ما قاله ابو جعفر الطبري والسهيلي
وغيرهما، او اثنا عشر عاماعلى ما قاله آخرون((1172))وكان ابو
بكريوم ذاك ابن ست او تسع سنين، فاين كان هو؟ وماذا كان
يصنع‏بالشام؟ واي اختيار كان له بين شيوخ قريش؟ ولم تكن
تنعقد نطفة بلال يوم ذاك اخذا بقول من قال: انه‏توفي سنة
(25) وله بضع وستون سنة((1173))او انه ولد في تلكم
السنين اخذا بقول ابن الجوزي في‏الصفوة((1174))(1/174)
من انه مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة. كان ابا بكر
ولد وهو شيخ وبلال‏عتيقه، وكان معه من اول يومه، وكان من
يوم ولد له الحل والعقد!
ثم اي بيعة كانت يوم ذاك؟ وما معنى قول ابي موسى الاشعري:
فبايعوه واقاموا معه عنده؟ واي ايمان‏واسلام على زعم رواة
هذه الافيكة، وكان قبل البعثة باحدى وثلاثين سنة، او ثمانية
وعشرين عاما، اواثنين وعشرين، او سبع عشرة سنة على زعم
النووي؟ ولم تكن للنبي (ص) يومئذ دعوة، ولا
كلف‏احدابالايمان به، فلا يقال لمن عرف شيئا من ارهاصات
النبوة انه اسلم يوم عرف والا لكان بحيرا الراهب‏ونسطور
وامثالهما من الرهبان والكهنة اقدم اسلاما من ابي بكر، وكم
هنالك اناس عرفوا امر الرسالة قبلهاوبشروا بها ثم بعد البعثة
عاندوا وحسدوا، فمنهم من مات مشركا، ومنهم من ادركته
الهداية بعد حين كماياتي في كعب الاحبار بعيد هذا. وكيف
اثبت ذلك اليوم ايمانا لابي بكر وصار بذلك اقدم الناس اسلاما
ولم‏يثبت لابي طالب لا ذاك ولا غيره؟ وابو موسى لم يستثن ابا
طالب من اولئك الذين بايعوا يوم ذاك نظراءابي بكر وبلال
الخيالي.
قال الحافظ الدمياط‏ي: في هذا الحديث وهمان: الاول: قوله:
فبايعوه واقاموا معه. والثاني: قوله: وبعث معه‏ابو بكر بلالا، ولم
يكونا معه، ولم يكن بلال اسلم ولا ملكه ابو بكر، بل كان ابو بكر
حينئذ لم يبلغ عشرسنين، ولم يملك ابو بكر بلالا الا بعد ذلك
باكثر من ثلاثين سنة. وكذا ضعفه الذهبي((1175)).
وقال الزركشي في الاجابة (ص‏50): هذا من الاوهام الظاهرة
لان بلالا انما اشتراه ابو بكر بعد مبعث‏النبي(ص) وبعد ان اسلم
بلال وعذ به قومه، ولما خرج النبي(ص) الى الشام مع عمه ابي
طالب كان له من‏العمر اثنتا عشرة سنة وشهران وايام، ولعل
بلالا لم يكن بعد ولد.
وقال ابن كثير في تاريخه((1176)) (2/285): ان قوله: وبعث
ابو بكر معه بلالا ان كان عمره عليه الصلاة والسلام‏اذ ذاك
اثنتي عشرة سنة فقد كان عمر ابي بكر اذ ذاك تسع سنين او
عشرا، وعمر بلال اقل من ذلك، فاين‏كان ابو بكر اذ ذاك؟ ثم
اين كان بلال؟ كلاهما غريب، اللهم الا ان يقال: ان هذا كان
ورسول اللّه (ص)كبير، اما بان يكون سفره بعد هذا، او ان كان
القول بان عمره كان اذ ذاك اثنتي عشرة سنة
غيرمحفوظ،((1177))فانه انما ذكره مقيدا بهذا الواقدي،
وحكى السهيلي عن بعضهم انه كان عمره عليه الصلاة‏والسلام
اذ ذاك تسع سنين، واللّه اعلم.