وماذا احل للرجل شن الغارة على اهل اولئك المقتولين
وذويهم الابرياء وايذائهم وسبيهم بغير ما اكتسبوااثما ، او اقترفوا
سيئة، او ظهر منهم فساد في الملا الديني؟ (والذين يؤذون
المؤمنين والمؤمنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما
مبينا)((726)).
ما هذه القسوة والعنف والفظاظة والتزحزح عن طقوس
الاسلام، وتعذيب رؤوس امة مسلمة، وجعلهااثفية للقدر
واحراقها بالنار؟ (فويل للقاسية قلوبهم)((727))(فويل للذين
ظلموا من عذاب يوم اليم)((728)).
ما خالد وما خطره بعد ما اتخذ الهه هواه، وسولته له نفسه،
واضلته شهوته، واسكره شبقه؟ فهتك حرمات‏اللّه، وشوه سمعة
الاسلام المقدس، ونزا على زوجة مالك قتيل غيه في
ليلته((729)) (انه كان فاحشة‏ومقتاوساءس بيلا)((730))، ولم
يكن قتل الرجل الا لذلك السفاح، وكان امرا مشهودا وسرا غير
مستسر،وكان يعلمه نفس مالك ويخبر زوجته بذلك قبل وقوع
الواقعة بقوله اياها: اقتلتني. فقتل الرجل مظلوماغيرة ومحاماة
على ناموسه. وفي المتواتر: «من قتل دون اهله فهو
شهيد»((731)). وفي الصحيحة: «من قتل‏دون مظلمته فهو
شهيد»((732)).
والعذر المفتعل من منع مالك الزكاة لا يبرئ خالدا من تلكم
الجنايات، ايصدق جحد الرجل فرض الزكاة‏ومكابرته عليها وهو
مؤمن باللّه وكتابه ورسوله ومصدق بما جاء به نبيه الاقدس،
يقيم الصلاة وياتي‏بالفرائض باذانها واقامتها، وينادي باعلى
صوته: نحن المسلمون، وقد استعمله النبي الاعظم على
الصدقات‏ردحا من الزمن؟ لاها اللّه.
ايوجب الردة مجرد امتناع الرجل المسلم الموحد المؤمن باللّه
وكتابه عن اداءالزكاة لهذا الانسان بخصوصه‏وهو غير منكر اصل
الفريضة؟ او يحكم عليه بالقتل عندئذ ؟وقد صح عن المشرع
الاعظم قوله: «لايحل‏دم رجل يشهد ان لا اله الا اللّه، واني
رسول اللّه، الا باحدى ثلاثة: النفس بالنفس، والثيب
الزاني،والتارك لدينه المفارق للجماعة‏»((733)).
وقوله (ص): «لا يحل دم امرئ مسلم الا باحدى ثلاث: رجل
كفر بعد اسلامه، او زنى بعد احصانه، اوقتل نفسا بغير
نفس‏»((734)).
وقوله (ص): «امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا: لا اله الا اللّه،
فاذا قالوها منعوا مني دماءهم واموالهم،وحسابهم على
اللّه»((735)).
وعهد ابو بكر نفسه لسلمان بقوله: من صلى الصلوات الخمس
فانه يصبح في ذمة اللّه ويمسي في ذمة اللّهتعالى، فلا تقتلن
احدا من اهل ذمة اللّه فتخفر اللّه في ذمته فيكبك اللّه في النار
على وجهك((736)).
ايسلب امتناع الرجل المسلم عن اداء الزكاة حرمة الاسلام عن
اهله وماله وذويه ويجعلهم اعدال اولئك‏الكفرة الفجرة الذين
حق على النبي الطاهر شن الغارة عليهم؟ ويحكم عليهم
بالسبي والقتل الذريع وغارة‏ما يملكون، والنزو على تلكم
الحرائر الماسورات؟
واما ما مر من الاعتذار بان خالدا قال: ادفئوا اسراكم واراد
الدف‏ء وكانت في لغة كنانة: القتل. فقتلوهم‏فخرج خالد وقد
فرغوا منهم. فلا يفوه به الا معتوه استاسر هواه عقله، وسفه في
مقاله، لماذا قتل ضرارمالكا بتلك الكلمة وهو لم يكن من كنانة
ولا من اهل لغتها؟ بل هو اسدي من بني ثعلبة، ولم يكن
اميره‏يتكلم قبل ذلك اليوم بلغة كنانة.
وان صحت المزعمة فلماذا غضب ابو قتادة الانصاري على خالد
وخالفه وتركه يوم ذاك وهو ينظر اليه من‏كثب، والحاضر يرى
ما لا يراه الغائب؟
ولماذا اعتذر خالد بان مالكا قال: ما اخال صاحبكم الا قال كذا
وكذا؟ وهذا اعتراف منه بانه قتله غير انه‏نحت على الرجل
مقالا، وهو من التعريض الذي لا يجوز القتل بعد تسليم
صدوره منه عند الامة‏الاسلامية جمعاء، والحدود تدرا
بالشبهات.
ولماذا رآه عمر عدوا للّه، وقذفه بالقتل والزنا؟ وان لم يفتل
ذلك ذؤابة((737))ابي‏بكر.
ولماذا هتكه عمر في ملا من الصحابة بقوله اياه: قتلت امرا
مسلما ثم نزوت على امراته، واللّه لارجمنك‏باحجارك؟
ولماذا راى عمر رهقا في سيف خالد وهو لم يقتل مالكا وصحبه
وانما قتلتهم لغة كنانة؟
ولماذا سكت خالد عن جوابه؟ وما اخرسه الا عمله، (بل الانسان
على نفسه بصيرة # ولوالقى‏معاذيره)((738)).
ولماذا صدق ابو بكر عمر بن الخطاب في مقاله ووقيعته على
خالد وما انكر عليه غير انه رآه متاولا تارة،ونحت له فضيلة
اخرى؟
ولماذا امر خالد بالرؤوس فنصبت اثفية للقدور، وزاد وصمة
على لغة كنانة؟
ولماذا نزا على امراة مالك، وسبى اهله، وفرق جمعه، وشتت
شمله، واباد قومه، ونهب ماله؟ اكل هذه معرة‏لغة كنانة؟
ولماذا ذكر المؤرخون ان مالكا قتل دون اهله محاماة عليها؟
ولماذا اثبت المترجمون ذلك القتل الذريع على خالد دون لغة
كنانة، وقالوا في ترجمة ضرار وعبد((739)) بن‏الازور: انه هو
الذي امره خالد بقتل مالك بن نويرة((740)). وقالوا في ترجمة
مالك: انه قتله خالد. او: قتله‏ضرار صبرا بامر خالد((741)). هذه
اسئلة توقف المعتذر موقف السدر((742))، ولم يحر جوابا.
ما شان ابناء السلف وقد غررت بهم سكرة الشبق، وغالتهم
داعية الهوى، وجاؤوا لا يرقبون في مؤمن‏الاولا ذمة واولئك هم
المعتدون؟ فترى هذا يقتل مثل مالك وياتي بالطامات رغبة
في نكاح ام تميم.
وهذا يقتل سيد العترة امير المؤمنين شهوة في زواج قطام.
وآخر((743)) شن الغارة على حي من بني اسد، فاخذ امراة
جميلة فوطاها بهبة من اصحابه، ثم ذكر ذلك لخالدفقال: قد
طيبتها لك كان تلكم الجنود كانت مجندة لوط‏ء النساء وفض
ناموس الحرائر فكتب الى عمر،فاجاب برضخه
بالحجارة((744)).
وهذا يزيد بن معاوية يدس الى زوجة ريحانة رسول اللّه الحسن
السبط الزكي السم النقيع لتقتله‏ويتزوجها((745))، او فعله
معاوية لغاية له كما ياتي.
ووراء هؤلاء المعتدين قوم ينزهون ساحتهم باعذار مفتعلة
كالتاويل والاجتهاد وليتهما لم يكونا وتخطئة‏لغة كنانة، واللّه
يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، (وان حكمت فاحكم بينهم
بالقسط ان اللّهيحب‏المقسطين)((746)).
الناحية الثانية
الثانية من الناحيتين التي يهمنا ان نولي شطرها وجه البحث،
تسليط الخليفة اولا امثال خالد وضرار بن‏الازور شارب الخمور
وصاحب الفجور((747))على الانفس والدماء، على الاعراض
ونواميس الاسلام،وعهده الى جيوشه في حرق اهل الردة وقد
عرفت النهي عنه في السنة الشريفة (ص‏155). وصفحه ثانياعن
تلكم الطامات‏والجنايات الفاحشة كان لم تكن شيئا مذكورا،
فما سمعت اذن الدنيا منه حولها ركزا، وماحكيت عنه في
الانكار عليها ذامة، وما راى احد منه حولا.
لم لم يؤاخذ الخليفة خالدا بقتل مالك وصحبه المسلمين
الابرياء، وقد ثبت عنده كما يلوح ذلك عن دفاعه‏عنه ومحاماته
عليه؟
لم لم يقتص منه قصاص القاتل؟ ولم يقم عليه جلدة الزاني؟
ولم يضربه حد المفتري؟ ولم يعزره تعزيرالمعتدي على ما
ملكته ايدي اولئك المسلمين؟
لم لم ير عزل خالد وقد كره ما فعله، وعرض الدية على متمم
بن نويرة اخي‏مالك؟ وامر خالدا بطلاق امراة‏مالك كما في
الاصابة (1/415).
دع هذه كلها ولا اقل من الامر بالمعروف والنهي عن المنكر،
وتوبيخ الرجل وعتابه على تلكم الجرائم،واقل الانكار كما قال
امير المؤمنين (ع): «ان تلقى اهل المعاصي بوجوه مكفهرة‏».
ما للخليفة يتلعثم ويتلعذم في الدفاع عن خالد وجناياته؟
فيرى تارة انه تاول واخطا، ويعتذر اخرى بانه‏سيف من سيوف
اللّه، وينهى عمر بن الخطاب عن الوقيعة فيه، ويامره بالكف عنه
وصرف اللسان عن‏مغايظته، ويغضب على ابي قتادة لانكاره
على خالد كما في شرح ابن ابي الحديد((748)) (4/187).
ونحن نقتصر في البحث عن هذا الجانب على توجيه القارئ
اليه، ولم نذهب به قصاه، ولم نبتغ فيه مداه، اذ لم‏نر حدا تخفى
عليه حزازة اي من العذرين، هلا يعلم متشرع في الاسلام ان
تلكم الطامات والجرائم الخطيرة‏لا يتطرق اليها التاول
والاجتهاد؟ ولا يسوغ لكل فاعل تارك ان يتترس بامثالهما في
معراته، ويتدرع بها في‏احناته، ولا تدرا بها الحدود، ولا تطل بها
الدماء، ولا تحل بها حرمات الحرائر، ولا يرفض بها حكم اللّه
في‏الانفس والاعراض والاموال، ولم يصخ الحاكم لمدعيها كما
ادعى قدامة بن مظعون في شربه الخمر بانه تاول‏واجتهد فاقام
عمر عليه الحد وجلده ولم يقبل منه العذر. كما في سنن
البيهقي (8/316) وغيره.
واخرج ابن ابي شيبة((749)) وابن المنذر عن محارب بن دثار:
ان ناسا من‏اصحاب النبي (ص) شربوا الخمربالشام وقالوا: شربنا
لقول اللّه (ليس على الذين
آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا)((750)) الاية. فاقام
عمر عليهم الحد((751)).
وجلد ابوعبيدة ابا جندل العاصي بن سهيل وقد شرب الخمر
متاولا لقوله تعالى: (ليس على الذين آمنواوعملوا الصالحات
جناح فيما طعموا) الاية. كما في الروض الانف
للسهيلي((752))(2/231).
وهل يرتاب احد في ان سيفا سله المولى سبحانه لا يكون فيه
قط رهق ولا شغب، ولا تسفك به دماءمحرمة، ولا تهتك به
حرمات اللّه، ولا يرهف لنيل الشهوات، ولا ينضى للشبق، ولا
يفتك به ناموس‏الاسلام، ولا يحمله الا يد اناس طيبين، ورجال
نزيهين عن الخنابة((753)) والعيث والفساد؟
فما خالد وما خطره حتى يهبه الخليفة تلك الفضيلة الرابية
ويراه سيفا سله اللّه على اعدائه، وهو عدو اللّهبنص من الخليفة
الثاني كما مر(ص‏159). اليست هذه كلها تحكما وسرفا في
الكلام، وزورا في القول، واتخاذالفضائل في دين اللّه مهزاة
ومجهلة؟
كيف يسعنا ان نعد خالدا سيفا من سيوف اللّه سله على اعدائه؟
وقد ورد في ترجمته وهي بين ايدينا: انه‏كان جبارا فاتكا، لا
يراقب الدين فيما يحمله عليه الغضب وهوى نفسه، ولقد وقع
منه في حياة رسول اللّه(ص) مع بني جذيمة
بالغميصاء((754))اعظم مما وقع منه في حق مالك بن نويرة،
وعفا عنه رسول اللّه (ص) بعدان غضب عليه مدة واعرض عنه،
وذلك العفو هو الذي اطمعه حتى فعل ببني يربوع ما فعل
بالبطاح((755)).
ان كان عفو النبي الاعظم عن الرجل بعد ما غضب عليه واخذه
بذنبه ، واعرض عنه ردحا من الزمن‏اطمعه حتى فعل ما فعل،
فانظر ماذا يصنع صفح الخليفة عنه من دون اي غضب عليه
واعراض عنه، وماالذي يؤثر دفاعه عنه من الجراة والجسارة،
في نفس الرجل ونفوس مشاكليه من اناس العيث
والفساد،وشعب الشغب والفتن؟
انى لنا ان نرى خالدا سيفا سله اللّه على اعدائه وفي صفحة
التاريخ كتاب ابي‏بكر اليه وفيه قوله: لعمري يابن‏ام خالد انك
لفارغ تنكح النساء وبفناء بيتك دم الف ومائتي رجل من
المسلمين لم يجفف بعد((756))؟ كتبه اليه‏لما قال خالد
لمجاعة: زوجني ابنتك فقال له مجاعة: مهلا انك قاطع
ظهري وظهرك معي عند صاحبك. قال:ايها الرجل زوجني.
فزوجه، فبلغ ذلك ابا بكر. فكتب اليه الكتاب، فلما نظر خالد في
الكتاب جعل يقول:هذا عمل الاعيسرة يعني عمر بن الخطاب.
وليست هذه باول قارورة كسرت في الاسلام بيد خالد، وقد
صدرت منه لدة هذه الفحشاء المنكرة‏على‏عهد رسول اللّه (ص)
وتبرا (ص) من صنيعه. قال ابن اسحاق: بعث رسول اللّه (ص)
فيما حول مكة‏السرايا تدعو الى اللّه غ، ولم يامرهم بقتال، وكان
ممن بعث خالد بن الوليد، وامره ان يسير باسفل تهامة‏داعيا،
ولم يبعثه مقاتلا، ومعه قبائل من العرب فوطاوا بني جذيمة بن
عامر، فلما رآه القوم اخذوا السلاح،فقال خالد: ضعوا السلاح فان
الناس قد اسلموا.
قال: حدثني بعض اصحابنا من اهل العلم من بني جذيمة قال:
لما امرنا خالد ان نضع السلاح قال رجل منايقال له
جحدم((757)): ويلكم يا بني جذيمة انه خالد، واللّه ما بعد
وضع السلاح الا الاسار، وما بعد الاسار الاضرب الاعناق، واللّه لا
اضع سلاحي ابدا، قال: فاخذه رجال من قومه فقالوا: يا جحدم
اتريد ان تسفك‏دماءنا ان الناس قد اسلموا، ووضعوا السلاح،
ووضعت الحرب، وامن الناس، فلم يزالوا به حتى نزعواسلاحه،
ووضع القوم السلاح لقول خالد، فلما وضعوا السلاح امر بهم
خالد عند ذلك فكتفوا، ثم عرضهم‏على السيف، فقتل من قتل
منهم، فلما انتهى الخبر الى رسول اللّه (ص) رفع يديه الى
السماء ثم قال: «اللهم‏اني ابرا اليك مما صنع خالد ابن الوليد».
قال ابو عمر في الاستيعاب((758)) (1/153): هذا من صحيح
الاثر.
قال ابن هشام((759)): حدث بعض اهل العلم عن ابراهيم بن
جعفر المحمودي قال: قال رسول اللّه (ص):«رايت كاني لقمت
لقمة من حيس((760)) فالتذذت طعمها، فاعترض في حلقي
منها شي‏ء حين ابتلعتها،فادخل علي يده فنزعه‏» فقال ابو
بكرالصديق(رضي اللّه عنه): يا رسول اللّه، هذه سرية من
سراياك تبعثهافياتيك منها بعض ما تحب، ويكون في بعضها
اعتراض، فتبعث عليا فيسهله.
قال ابن اسحاق: ثم دعا رسول اللّه (ص) علي بن ابي طالب
رضوان اللّه عليه فقال: «يا علي اخرج‏الى‏هؤلاء القوم، فانظر في
امرهم، واجعل امر الجاهلية تحت قدميك‏». فخرج علي حتى
جاءهم ومعه مال‏قد بعث به رسول اللّه (ص) فودى لهم الدماء
وما اصيب لهم من الاموال حتى انه ليدي
لهم‏ميلغة((761))الكلب، حتى اذا لم يبق شي‏ء من دم ولا مال
الا وداه، بقيت معه بقية من المال. فقال لهم علي‏رضوان اللّه
عليه حين فرغ منهم: هل بقي لكم بقية من دم او مال لم يود
لكم؟ قالوا: لا. قال:
فاني‏اعطيكم هذه‏البقية من هذا المال‏احتياطا لرسول‏اللّه(ص)
مما لا يعلم ولا تعلمون، ففعل، ثم رجع‏الى‏رسول اللّه (ص)
فاخبره الخبر، فقال: «اصبت واحسنت‏» قال: ثم قام رسول
اللّه(ص) فاستقبل القبلة‏قائما شاهرا يديه حتى انه ليرى ما
تحت منكبيه يقول: «اللهم اني ابرا اليك مما صنع خالد بن
الوليد»ثلاث مرات.
وقد كان بين خالد وبين عبدالرحمن بن عوف كلام في ذلك،
فقال له عبدالرحمن بن عوف: عملت بامرالجاهلية في
الاسلام((758)). وفي الاصابة: انكر عليه عبداللّه بن عمر وسالم
مولى ابي حذيفة. وقد تعد هذه‏الفضيحة ايضا من جنايات لغة
كنانة كما في الاصابة (2/81).
فهذا الرهق والسرف في سيف خالد على عهد ابي‏بكر من بقايا
تلك النزعات الجاهلية، وهذه سيرته من‏اول يومه، فانى لنا ان
نعده سيفا من سيوف اللّه وقد تبرا منه نبي الاسلام الاعظم غير
مرة، مستقبل القبلة‏شاهرا يديه وابو بكر ينظر اليه من كثب؟
(11) ثلاثة وثلاثة وثلاثة
عن عبدالرحمن بن عوف قال: انه دخل على ابي بكر الصديق
(رضي اللّه عنه) في مرضه الذي توفي فيه‏فاصابه مهتما، فقال
له عبدالرحمن: اصبحت والحمد للّه بارئا، فقال ابو بكر(رضي
اللّه عنه): اتراه؟ قال: نعم.قال: اني وليت امركم خيركم في
نفسي، فكلكم ورم انفه من ذلك، يريد ان يكون الامر له دونه،
ورايتم‏الدنيا قد اقبلت ولما تقبل، وهي مقبلة حتى تتخذوا
ستور الحرير، ونضائد الديباج، وتالموا الاضطجاع على‏الصوف
الاذري كما يالم احدكم ان ينام على حسك، واللّه لان يقدم
احدكم فتضرب عنقه في غير حد خيرله من ان يخوض في
غمرة الدنيا، وانتم اول ضال بالناس غدا فتصدونهم عن الطريق
يمينا وشمالا، يا هادي‏الطريق انما هو الفجر او البجر. فقلت له:
خفض عليك رحمك اللّه، فان هذا يهيضك في امرك، انما
الناس في‏امرك بين رجلين: اما رجل راى‏ما رايت فهو معك.
واما رجل خالفك فهو مشير عليك وصاحبك كما تحب،ولا
نعلمك اردت الاخيرا، ولم تزل صالحا مصلحا، وانك لا تاسى
على شي‏ء من الدنيا .
الثلاثة الاولى
قال ابو بكر (رضي اللّه عنه): اجل اني لا آسي على شي‏ء من
الدنيا الا على ثلاث فعلتهن وددت اني‏تركتهن. وثلاث تركتهن
وددت اني فعلتهن. وثلاث وددت اني سالت عنهن رسول اللّه
(ص).
فاما الثلاث اللاتي وددت اني تركتهن: فوددت اني لم اكشف
بيت فاطمة عن شي‏ء وان كانوا قد غلقوه على‏الحرب. ووددت
اني لم اكن حرقت الفجاءة السلمي واني كنت قتلته سريحا، او
خليته نجيحا. ووددت اني‏يوم سقيفة بني ساعدة كنت قذفت
الامر في عنق احد الرجلين يريد عمر وابا عبيدة فكان
احدهما اميراوكنت وزيرا.
واما اللاتي تركتهن فوددت اني يوم اتيت بالاشعث بن قيس
اسيرا كنت ضربت عنقه، فانه تخيل الي انه لايرى شرا الا اعان
عليه. ووددت اني حين سيرت خالد بن الوليد الى اهل الردة
كنت اقمت بذي القصة فان‏ظفر المسلمون ظفروا، وان هزموا
كنت بصدد لقاء او مدد. ووددت اني اذ وجهت خالد بن الوليد
الى الشام‏كنت‏وجهت عمر بن الخطاب الى العراق، فكنت قد
بسطت يدي كلتيهما في سبيل اللّه. ومد يديه.
ووددت اني كنت سالت رسول اللّه (ص) لمن هذا الامر؟ فلا
ينازعه احد، ووددت اني كنت سالته هل‏للانصار في هذا الامر
نصيب؟ ووددت اني كنت سالته عن ميراث ابنة الاخ والعمة
فان في نفسي منهماشيئا.
اخرجه((763)) ابو عبيد في الاموال (ص‏131)، والطبري في
تاريخه (4/52)، وابن قتيبة في الامامة والسياسة(1/18)،
والمسعودي في مروج الذهب (1/414) وابن عبد ربه في العقد
الفريد (2/254).
والاسناد صحيح رجاله كلهم ثقات اربعة منهم من رجال
الصحاح الستة.
قال الاميني : ان في هذا الحديث امورا تسعة، ثلاثة منها فات
الخليفة فقهها يوم عمل بها، وقد بسطنا القول‏في احراق
الفجاءة منها. واما تمني قذف الامر في عنق احد الرجلين فانه
ينم عن ان الخليفة انكشف له في‏اخريات ايامه ان ما ناء به من
الامر لم يكن على القانون الشرعي في الخلافة والوصية، لان
المخلف‏والموصي يجب ان يكون هو المعين لمن ينهض بامره
من بعده، وهو الذي تنبه له الخليفة الثاني بعد ردح من‏الزمن
فقال: كانت بيعة ابي بكر فلتة كفلتة الجاهلية وقى اللّه شرها
فمن عاد الى مثلها فاقتلوه((764)).
ولا ادري ان ما تنبها له هل هو قصور في المختار بالفتح او
فيه بالكسر او فيهما معا؟ او في كون‏الاختيار موجبا لتعيين
الخليفة؟ وايا ما اراد فلنا فيه المخرج . وهؤلاء زمر الانبياء
والرسل لم يعدهم‏التنصيص بالخليفة من بعدهم ولم تنتخب
اممهم خلفاء لهم.
وهل هنالك ذو حجى يزعم ان وصاية الفقيد المبيحة للتصرف
فيما تركه من بعده موكولة الى اناس اجانب‏لا يعرفون ما يرتئيه
في شؤونه، بعداء عن مغازيه وما يروقه في ماله واهله، والفقيد
عاقل رشيد يعرف‏الصالح من غيره، ويعلم بنوايا من
يلتاث((765)) به، ومن يحدوه الجشع، وترقل((766)) به
النهمة، ويستفزه الطمع،افتراه والحالة‏هذه يترك الوصية فيدع
ما تركه اكلة للاكل ومطمعا للناهب؟ لا.
لا يفعل ذلك وهو يريد خيرا بله وصلاحا في‏ماله، وعلى ذلك
جرت سنة المسلمين منذ عهد الصحابة‏الى‏يومنا الحاضر،
واقرته الشريعة الاسلامية، وشرعت للوصايا احكاما، وجاء في
الصحيحين((767)) عن‏رسول اللّه (ص) انه قال: «ما حق امرى
مسلم له شي‏ء يوصي فيه يبيت ليلتين الا ووصيته
مكتوبة‏عنده‏». كذا في لفظ البخاري، وفي لفظ مسلم((768)):
«يبيت ثلاث ليال‏»، قال ابن عمر: ما مرت علي ليلة‏منذ سمعت
رسول اللّه (ص) قال ذلك الا وعندي وصيتي. قال النووي في
رياض الصالحين((769))(156): متفق‏عليه.
وصى الاله واوصت رسله فلذا
كان التاسي بهم من افضل العمل
لولا الوصية كان الخلق في عمه
وبالوصية دام الملك في الدول
فاعمل عليها ولا تهمل طريقتها
ان الوصية حكم اللّه في الازل
ذكرت قوما بما اوصى الاله به
وليس احداث امر في الوصية لي((770))
فاذا كانت الوصية ثابتة في حطام زائل، فما بالها تنفى في
خلافة راشدة، وشريعة خالدة، متكفلة بصلاح‏النفوس
والنواميس والاموال والاحكام والاخلاق والصالح العام والسلام
والوئام؟ ومن المسلم قصورالفهم البشري العادي عن غايات
تلكم الشؤون فلا منتدح والحالة هذه عن ان يعين الرسول
الامين عن‏ربه خليفته من بعده ليقتص اثره في امته.
وقد مر في صفحة (132) راي عائشة وعبداللّه بن عمر ومعاوية
وحديث الناس بان راعي ابل او غنم اوقيم ارض لاي احد لا
يسعهم ترك رعيتهم هملا، ورعية الناس اشد من رعية الابل
والغنم فالامة لماذاصفحت يوم السقيفة عن هذا الحكم
المتسالم عليه بينها؟ ولماذا نبات عنه الاسماع، وخرست
الالسن؟وذهلت الاحلام عنه يوم ذاك، ثم حدث به الناس
ونباته الامة؟ ولماذا ترك النبي (ص) امته سدى هملا،وفتح
بذلك ابواب الفتن المضلة المدلهمة، واستحقر امته وراى
رعيتها اهون من رعية الابل والغنم؟ حاشاالنبي الاعظم عن
هذه الاوهام، فانه (ص) وصى واستخلف ونص على‏خليفته وبلغ
امته غير انه عهد الى‏وصيه من بعده: ان الامة ستغدر به بعده
كما ورد في الصحيح((771)). وقال له ايضا: «اما انك ستلقى
بعدي‏جهدا»، قال علي: «في سلامة من ديني‏»، قال: «في سلامة
من دينك‏»((772)). وقال لعلي: «ضغائن في‏صدور اقوام لا
يبدونها الا من بعدي‏»((773)). وقال له: «يا علي انك ستبتلى
بعدي فلا تقاتلن‏». كنوزالدقائق للمناوي (ص‏188).
ثم ان الخليفة النادم لماذا تمنى التسلل عن الامر يوم السقيفة؟
وقذفه في عنق احد الرجلين: ابي عبيدة اوعمر؟ اكان ندمه عن
حق وقع؟ فالحق لا ندم فيه. وان كان عن باطل سبق؟ فهو
يهدم اساس الخلافة‏الراشدة.
ثم الذي وده من قذفه الى عنق احد الرجلين فانا لا نعرف وجها
لتخصيصهما بالقذف وفي الصحابة اعاظم‏وذوو فضائل لا يبلغ
الرجلان شاو اي منهم، وهذان بالنظر الى ما عرفناه من احوال
الصحابة ان لم نقل‏انهما من ساقتهم، فانا نقول بكل صراحة
انهما لم يكونا من الاعالي منهم وفيهم من فيهم، وقبل
جميعهم‏سيدنا امير المؤمنين (ع) صاحب السوابق والمناقب
والصهر والقرابة والغناء والعناء، وصاحب يوم الغدير،والايام
المشهودة، والمواقف المشهورة، نفس النبي الاعظم بنص من
الكتاب العزيز((774)) المطهر من كل‏رجس بية
التطهير((775)).
فهلا ود ان يقذفه اليه؟ فيسير بالامة سيرا سجحا، ويحملهم
على المحجة البيضاء، وياخذ بهم الطريق‏المستقيم، ويجدونه
هاديا مهديا، يدخلهم الجنة. كما اخبر بهذه كلها
النبي‏الاعظم(ص) وقد مر شطر منها في‏الجزءالاول صفحة(12،
13).
واما كشف بيت فاطمة سلام اللّه عليها فانه لا يروقنا ها هنا
خدش العواطف‏بتلكم النوائب، غير انه سبق‏منا بعض القول في
الجزء الثالث (ص‏102 104) وفي هذا الجزء (ص‏77، 86).
وفذلكة ذلك النبا العظيم ان الصديقة سلام اللّه عليها قضت
وهي واجدة على‏من ارتكبه، وكانت صلوات‏اللّه عليها تدعو عليه
بعد كل صلاة صلتها((776)).
وان تعجب فعجب ان القوم ارتكب ما ارتكب من تلكم الفظائع
وارتبك فيها ومل‏ء الاسماع هتاف‏النبي(ص) بقوله: «من عرف
هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي بضعة من ي، وهي قلبي
وروحي التي‏بين جنبي، فمن آذاها فقد آذاني‏».
وبقوله: «فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها».
وبقوله: «فاطمة بضعة مني فمن اغضبها فقد اغضبني‏».
وبقوله: «فاطمة بضعة مني يقبضني ما يقبضها، ويبسطني ما
يبسطها»((777)).
وبقوله: «فاطمة بضعة مني يسرني ما يسرها»((778)).
وبقوله: «يا فاطمة ان اللّه يغضب لغضبك، ويرضى
لرضاك‏»((779)).
وبهذا الهتاف تعلم ان ندم الخليفة كان في محله، غير انه ندم
ولات حين مندم، ندم وقد قضى الامر ووقع ماوقع، ندم
والصديقة الطاهرة مقبورة ومل‏ء اهابها موجدة.
الثلاثة الوسط‏ى
واما الثلاثة من هاتيك الامور التسعة التي ندم عليها الخليفة
على تركها فانها تعرب عن انه ارتكب ماارتكب فيها لا عن ترو او
بصيرة في الامر، او استناد الى حكم شرعي، حتى كشف له
الخطا فيها جمعاء،وقد وقعت فيها عظائم، واعقبتها طامات،
وخليفة المسلمين يجب ان لا يرتكب ما يستتبعها، ولا يفعل
مايوجب الندم في مغبته، وقصة الاشعث بن قيس تعرب عن
ان‏ندم الخليفة كان في محله، فان الرجل بعد ماارتد واتى
بمعرات وقاتل المسلمين واخذ واتي به اسيرا الى الخليفة‏فقال:
ماذا تراني اصنع بك؟ فانك قدفعلت ما علمت. قال: تمن علي
فتفكني من الحديد، وتزوجني اختك، فاني قد راجعت
واسلمت. فقال ابوبكر: قد فعلت فزوجه ام فروة ابنة ابي قحافة،
فاخترط سيفه ودخل سوق الابل فجعل لا يرى جملا ولاناقة الا
عرقبه، فصاح الناس: كفر الاشعث. فلما فرغ طرح سيفه وقال:
اني واللّه ما كفرت ولكن زوجني‏هذا الرجل اخته ولو كنا في
بلادنا كانت وليمة غير هذه، يا اهل المدينة كلوا، ويا اصحاب
الابل تعالوا خذواشرواها، فكان ذلك اليوم قد شبه بيوم
الاضحى، وفي ذلك يقول وبرة بن قيس الخزرجي:
لقد اولم الكندي يوم ملاكه
وليمة حمال لثقل الجرائم
لقد سل سيفا كان مذ كان مغمدا
لدى الحرب منها في الطلا والجماجم
فاغمده في كل بكر وسابح
وعير وبغل في الحشا والقوائم
فقل للفتى الكندي يوم لقائه
ذهبت باسنى مجد اولاد آدم
وقال الاصبغ بن حرملة الليثي متسخطا لهذه المصاهرة:
اتيت بكندي قد ارتد وانتهى
الى غاية من نكث ميثاقه كفرا
فكان ثواب النكث احياء نفسه
وكان ثواب الكفر تزويجه البكرا
ولو انه يابى عليك نكاحها
وتزويجها منه لامهرته مهرا
ولو انه رام الزيادة مثلها
لانكحته عشرا واتبعته عشرا
فقل لابي بكر لقد شنت بعدها
قريشا واخملت النباهة والذكرا
اما كان في تيم بن مرة واحد
تزوجه لولا اردت به الفخرا
ولو كنت لما ان اتاك قتلته
لاحرزتها ذكرا وقدمتها ذخرا
فاضحى يرى ما قد فعلت فريضة
عليك فلا حمدا حويت ولا اجرا((780))
الثلاثة الاخر
اما الثلاثة الاخر التي تمنى الخليفة ان يكون استعلمها من
رسول اللّه (ص) فانها تنبئنا بقصوره في علم‏الدين، وانه كان
نابيا في فقهه، لا يعرف احكام المواريث التي يكثر ابتلاء خليفة
المسلمين بها طبعا، وانه‏كان شاكا في اصل الخلافة هل هي
بالنص او الاختيار؟ وعلى الثاني هل تخص المهاجرين فحسب؟
او انه‏يشاركهم فيها الانصار؟ وعلى‏اي‏فهو في تسن مه عرش
الخلافة غير متيقن بالرشد من امره، ولا نحكم‏هاهنا غير
ضميرك الحر، وليس في الحق مغضبة.
ثم اني لا اعرف لهذا التمني محصلا، لانه لو كان ساله (ص) عن
ذلك لما كان يجيبه الا بمثل قوله: «من كنت‏مولاه فعلي
مولاه‏». راجع الغدير الجزء الاول.
وقوله: «اني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي اهل
بيتي‏»((781)).
وقوله: «اني تارك فيكم خليفتين كتاب اللّه واهل
بيتي‏»((782)).
وقوله: «علي مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي
بعدي‏». الغدير (3/199).
وقوله لعلي: «اما ترضى ان تكون مني بمنزلة هارون من موسى
الا انك لست بنبي، انه لا ينبغي ان اذهب‏الا وانت خليفتي‏».
الغدير (3/196).
وقوله: «اوحي الي في علي ثلاث: انه سيد المسلمين، وامام
المتقين، وقائد الغر المحجلين‏».
مستدرك‏الحاكم((783))(3/138).
وقوله: «ان اللّه اطلع على اهل الارض فاختار منهم اباك فبعثه
نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار بعلك‏فاوحى‏الي فانكحته واتخذته
وصيا». الغدير (2/318 و 3/23).
وقوله: «علي الصديق الاكبر وفاروق هذه الامة، يفرق بين الحق
والباطل، ويعسوب المؤمنين، وهو بابي‏الذي اوتى منه، وهو
خليفتي من بعدي‏». الغدير (2/313).
وقوله: «علي راية الهدى، وامام اوليائي، ونور من اطاعني،
والكلمة التي الزمتها المتقين، من احبه احبني‏ومن ابغضه
ابغضني‏». الغدير (3/118).
وقوله: «علي اخي ووصيي ووارثي وخليفتي من بعدي‏». الغدير
(2/279 281).
وقوله: «علي سيد مبجل، مؤمل المسلمين، وامير المؤمنين،
وموضع سري وعلمي، وبابي الذي يؤوى اليه‏وهو الوصي على
اهل بيتي، وعلى الاخيار من امتي، وهو اخي في الدنيا
والاخرة‏». الغدير (3/116).
وقوله: «علي اخي ووزيري وخير من اترك بعدي‏». الغدير
(2/313)
وقوله: «علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا علي
الحوض‏». الغدير (3/177).
وقوله: «علي مع الحق والحق معه وعلى لسانه، والحق يدور
حيثما دار علي‏». الغدير (3/178).
وقوله: «علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا علي
الحوض‏». الغدير (3/180).
وقوله: «علي مني وانا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي‏». الغدير
(3/22، 215)
وقوله: «علي مولى كل مؤمن بعدي ومؤمنة‏». الغدير (1/15،
51).
وقوله: «علي انزله اللّه مني بمنزلتي منه‏». الغدير (1/22).
وقوله: «علي وليي في كل مؤمن بعدي‏». مسند احمد((784))
(1/231).
وقوله: «علي مني بمنزلتي من ربي‏». السيرة الحلبية((785))
(3/391).
وقوله: «علي ولي المؤمنين من بعدي‏». تاريخ الخطيب
(4/339).
وقوله: «من كان اللّه ورسوله وليه فعلي وليه‏». الغدير (1/38).
وقوله: «لا يبلغ عني الا انا او رجل مني‏». الغدير (6/338 350).
وقوله: «ما من نبي الا وله نظير في امته وعلي نظيري‏». الغدير
(3/23).
وقوله: «انا وعلي حجة على امتي يوم القيامة‏». تاريخ الخطيب
(2/88).
وقوله: «من اطاع عليا فقد اطاعني، ومن عصى عليا فقد
عصاني‏». مستدرك الحاكم((786)) (3/121،128).
كيف تمنى الخليفة ما تمنى مع هذه النصوص؟ او كان في
الاذان وقر يوم‏هتف(ص) بهاتيك الكلم الجامعة‏المعربة عن
الخلافة بكل ما يمكن من التعبير؟ ام ان في القوم من تصامم
عنها لامر دبر بليل؟
اولم يكف الخليفة انه (ص) لما عرض نفسه على القبائل وكان
معه علي امير المؤمنين ومعهما ابو بكر وبلغ‏بني عامر بن
صعصعة ودعاهم الى اللّه فقال له قائلهم: ارايت ان نحن
تابعناك على امرك ثم اظهرك اللّهعلى‏من خالفك، ايكون لنا
الامر من بعدك؟ قال: «ان الامر الى اللّه يضعه حيث
يشاء»((787))؟
افكان يزعم الخليفة ان النبي (ص) الذي اناط الامر بعده الى
المولى سبحانه‏ومشيئته كان لو ساله عن ذلك‏اجابه بالترديد
بين اختيار الامة ولو لم تكتمل فيه شرائط الاجماع والانتخاب
الصحيح كما في البيعة الاولى،وبين وصية الخليفة واستخلافه
كما وقع في امر الثاني، وبين الشورى مع ارهاب المخالف
بالقتل كما كان في‏منتهى الثلاثة؟
لكنه لو كان يحسب ذلك لما ود ان لو كان ساله (ص) وكان
يعلم ايضا ان الترديد في الجواب على فرضه‏اغراء للامة
بالفوضى، وفي ذلك مسرح لكل مدع محق او مبطل، ولاحتج
به كل ناعب وناعق حتى تنتهي‏النوبة الى الطلقاء وابناء الطلقاء
امثال معاوية ويزيد وهلم جرا.
تحفظ على كرامة
حذف ابو عبيد من الحديث ذكر الامر الاول من الثلاثة الاول
وهو: كشف بيت فاطمة، وجعل مكانه قوله:فوددت اني لم اكن
فعلت كذا وكذا لخلة ذكرها فقال: لا اريد اذكرها. وما حرف
ما حرف الا تحفظاعلى كرامة الخليفة، والاسف على ان غيره ما
شاركه فيما فعل، فظهرت خيانته على ودائع التاريخ.
(12) سؤال يهودي ابا بكر
عن انس بن مالك قال: اقبل يهودي بعد وفاة رسول اللّه (ص)
فاشار القوم الى ابي بكر فوقف عليه فقال:اريد ان اسالك عن
اشياء لا يعلمها الا نبي او وصي نبي، قال ابو بكر: سل عما بدا
لك.
قال اليهودي: اخبرني عما ليس للّه، وعما ليس عند اللّه، وعما
لا يعلمه اللّه. فقال ابو بكر: هذه مسائل الزنادقة‏يا يهودي، وهم
ابو بكر والمسلمون‏غ باليهودي، فقال ابن عباس (رضي اللّه
عنه): ما انصفتم الرجل. فقال‏ابو بكر: اما سمعت ماتكلم به؟
فقال ابن عباس: ان كان عندكم جوابه والا فاذهبوا به الى
علي(رضي اللّهعنه) يجيبه، فاني سمعت رسول اللّه (ص) يقول
لعلي بن ابي طالب: «اللهم اهد قلبه، وثبت لسانه‏».
قال: فقام ابو بكر ومن حضره حتى اتوا علي بن ابي طالب
فاستاذنوا عليه فقال ابو بكر: يا ابا الحسن‏ان‏هذا اليهودي سالني
مسائل الزنادقة. فقال علي : ما تقول يا يهودي؟ قال: اسالك عن
اشياء لا يعلمهاالانبي او وصي نبي. فقال له: قل، فرد اليهودي
المسائل. فقال علي (رضي اللّه عنه): اما ما لا يعلمه اللّه
فذلك‏قولكم يا معشر اليهود: ان العزير ابن اللّه، واللّه لا يعلم ان
له ولدا . واما قولك: اخبرني بما ليس عند اللّه.فليس عنده ظلم
للعباد، واما قولك: اخبرني بما ليس للّه فليس له شريك. فقال
اليهودي: اشهد ان لا اله الااللّه، وان محمدا رسول اللّه، وانك
وصي رسول اللّه(ص). فقال ابو بكر والمسلمون لعلي (ع): يا
مفرج الكرب.المجتنى لابن دريد((788))(ص‏35).
قال الاميني : اقرا واحكم.
(13) وفد النصارى واسئلتهم
اخرج الحافظ العاصمي عن سلمان الفارسي (رضي اللّه عنه)،
قال: لما قبض النبي (ص) اجتمعت‏النصارى‏الى قيصر ملك
الروم فقالوا له: ايها الملك انا وجدنا في الانجيل رسولا يخرج
من بعد عيسى اسمه‏احمد وقد رمقنا خروجه وجاءنا نعته فاشر
علينا فانا قد رضيناك لديننا ودنيانا.
قال: فجمع قيصر من نصارى بلاده مائة رجل واخذ عليهم
المواثيق ان لا يغدروا ولا يخفوا عليه من‏امورهم شيئا وقال:
انطلقوا الى هذا الوصي الذي من بعد نبيهم فسلوه عما سئل
عنه الانبياء(ع)، وعما اتاهم‏به من قبل، والدلائل التي عرفت بها
الانبياء. فان اخبركم فمنوا به وبوصيه واكتبوا بذلك الي، وان
لم‏يخبركم فاعلموا انه رجل مطاع في قومه، ياخذ الكلام
بمعانيه، ويرده على مواليه، وتعرفوا خروج هذا النبي.
قال: فسار القوم حتى دخلوا بيت المقدس، واجتمعت اليهود
الى راس جالوت فقالوا له مثل مقالة‏النصارى بقيصر، فجمع
راس جالوت من اليهود مائة رجل.
قال سلمان : فاغتنمت صحبة القوم فسرنا حتى دخلنا المدينة
وذلك يوم عروبة((789)) وابو بكر(رضي اللّهعنه) قاعد في
المسجديفتي الناس، فدخلت عليه فاخبرته بالذي قدم له
النصارى واليهود فاذن لهم‏بالدخول عليه، فدخل عليه راس
جالوت فقال:يا ابا بكر انا قوم من النصارى واليهود جئناكم
لنسالكم‏عن فضل دينكم فان كان دينكم افضل من ديننا
قبلناه، والا فديننا افضل الاديان.
قال ابو بكر: سل عما تشاء اجبك ان شاء اللّه. قال: ما انا وانت عند
اللّه؟ قال ابو بكر: اما انا فقد كنت عنداللّه مؤمنا وكذلك عند
نفسي الى الساعة ولا ادري ما يكون من بعد. فقال اليهودي:
فصف لي صفة مكانك‏في الجنة، وصفة مكاني في النار، لارغب
في مكانك وازهد عن مكاني.
فقال: فاقبل ابو بكر ينظر الى معاذ مرة والى ابن مسعود مرة،
واقبل راس جالوت يقول لاصحابه بلغة امته:ما كان هذا نبيا.
قال سلمان: فنظر الي القوم، قلت لهم: ايها القوم ابعثوا الى
رجل لو ثنيتم الوسادة لقضى لاهل التوراة‏بتوراتهم، ولاهل
الانجيل بانجيلهم، ولاهل الزبور بزبورهم، ولاهل القرآن
بقرآنهم، ويعرف ظاهر الاية من‏باطنها، وباطنها من ظاهرها.
قال معاذ: فقمت فدعوت علي بن ابي طالب واخبرته بالذي
قدمت له اليهود والنصارى، فاقبل حتى‏جلس‏في مسجد رسول
اللّه (ص)، قال ابن مسعود: وكان علينا ثوب ذل، فلما جاء علي
بن ابي طالب كشفه اللّهعنا. قال علي: «سلني عما تشاء اخبرك
ان شاء اللّه». قال اليهودي: ما انا وانت عند اللّه؟
قال: «اما انا فقد كنت عند اللّه وعند نفسي مؤمنا الى الساعة فلا
ادري ما يكون بعد. واما انت فقد كنت‏عند اللّه وعند نفسي الى
الساعة كافرا ولا ادري ما يكون بعد».
قال راس جالوت: فصف لي صفة مكانك في الجنة وصفة
مكاني في النار فارغب في مكانك وازهد عن‏مكاني.
قال علي: «يا يهودي لم ار ثواب الجنة ولا عذاب النار فاعرف
ذلك، ولكن كذلك اعد اللّه للمؤمنين الجنة‏وللكافرين النار،
فان شككت في شي‏ء من ذلك فقد خالفت النبي (ص) ولست
في شي‏ء من الاسلام.
قال: صدقت رحمك اللّه، فان الانبياء يوقنون على ما جاؤوا به
فان صدقوا آمنوا، وان خولفوا كفروا. قال:فاخبرني، اعرفت اللّه
بمحمد ام محمدا باللّه؟
فقال علي: «يا يهودي ما عرفت اللّه بمحمد ولكن عرفت محمدا
باللّه، لان محمدا محدود مخلوق وعبد من‏عباد اللّه اصطفاه اللّه
واختاره لخلقه والهم اللّه نبيه كما الهم الملائكة الطاعة،
وعرفهم نفسه بلا كيف ولاشبه‏».
قال: صدقت. قال: فاخبرني : الرب في الدنيا ام في الاخرة؟
فقال علي: «ان(في) وعاء، فمتى ما كان بفي كان محدودا،
ولكنه يعلم ما في الدنيا والاخرة، وعرشه في هواءالاخرة وهو
محيط بالدنيا، والاخرة بمنزلة القنديل في وسطه ان خليت
يكسر، وان اخرجته لم يستقم،مكانه هناك، فكذلك الدنيا
وسطالاخرة‏».
قال: صدقت. قال: فاخبرني : الرب يحمل او يحمل؟
قال علي بن ابي طالب: «يحمل‏».
قال راس جالوت: فكيف وانا نجد في التوراة مكتوبا ويحمل
عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية؟
قال علي: «يا يهودي: ان الملائكة تحمل العرش، والثرى يحمل
الهواء، والثرى موضوع على القدرة وذلك‏قوله تعالى: (له ما في
السموات وما في الارض وما بينهما وما تحت الثرى)»((790)).
قال اليهودي: صدقت رحمك اللّه. الحديث. زين الفتى في شرح
سورة هل اتى للحافظ العاصمي.
هلم معي الى الغلو
هذه جملة مما وقفنا عليه من فتاوى ابي بكر وآرائه وهي على
قلتها تدلك على مكانته من علم الكتاب،وعرفان السنة، وفقه
الشريعة، واحكام الدين، اوليس من المغالاة اذن ان يقال: علم
كل ذي حظ من العلم‏ان الذي كان عند ابي بكر من العلم
اضعاف ما كان عند علي منه((791))؟
اليس من المغالاة ان يقال: ان المعروف ان الناس قد جمعوا
الاقضية والفتاوى المنقولة عن ابي بكر وعمروعثمان وعلي
فوجدوا اصوبها وادلها على علم صاحبها امور ابي بكر ثم عمر،
ولهذا كان ما يوجد من‏الامور التي وجد نص يخالفها عن عمر
اقل مما وجد عن علي، واما ابو بكر فلا يكاد يوجد نص يخالفه؟
اليس من المغالاة ان يقال: لم يكن ابو بكر وعمر ولا غيرهما من
اكابر الصحابة يخصان عليا بسؤال،والمعروف: ان عليا اخذ العلم
عن ابي بكر((792))؟
اليس من المغالاة ان يقال: ان ابا بكر من اكابر المجتهدين بل
هو اعلم الصحابة على الاطلاق، قاله ابن حجرفي
الصواعق((793)) (ص‏19).
اليس من المغالاة ان يقال: ان ابا بكر اعلم الصحابة واذكاهم،
وكان مع ذلك اعلمهم بالسنة كما رجع اليه‏الصحابة في غير
موضع، يبرز عليهم بنقل سنن عن النبي(ص) يحفظها هو
ويستحضرها عند الحاجة اليهاليست عندهم؟ وكيف لا يكون
كذلك وقد واظب على صحبة الرسول (ص) من اول البعثة
الى‏الوفاة((794))؟
اليس من المغالاة ما عزوه الى النبي الاقدس من قيله (ص): ما
صب اللّه في صدري شيئا الا صببته في صدرابي بكر((795))؟
اليس من المغالاة ما رووه عنه (ص) انه قال: رايت كاني
اعطيت عسا مملوا لبنا. فشربت منه حتى امتلات،فرايتها تجري
في عروقي بين الجلد واللحم، ففضلت منها فضلة فاعطيتها ابا
بكر، قالوا: يارسول‏اللّه هذا علم‏اعطاكه اللّه، حتى اذا امتلات
فضلت فضلة فاعطيتها ابا بكر، قال (ص): قد اصبتم؟
الرياض‏النضرة((796))(1/101).
اليس من المغالاة ما جاء به ابن سعد((797)) عن ابن عمر من
انه سئل عمن كان يفتي في زمن رسول اللّه (ص)فقال: ابو بكر
وعمر ولا اعلم غيرهما؟
راجع((798)): اسد الغابة (3/216)، الصواعق (ص‏10، 20)،
تاريخ الخلفاء للسيوط‏ي (ص‏35).
قال الاميني : ليتني ادري وقومي ما بال القوم في نحت هذه
الدعاوي الفارغة، واختلاق هذه الاكاذيب‏المكردسة،
وزعق((799)) بسطاء الامة الى المزالق والطامات، وردعهم
عن مهيع الحق، وجدد الصدق في عرفان‏الرجال، ومقادير
السلف؟
اليست هذه الاراء تضاد نداء المشرع الاقدس وقوله لفاطمة: «اما
ترضين اني زوجتك اول المسلمين‏اسلاما واعلمهم علما»؟
وقوله لها: «زوجتك خير امتي اعلمهم علما»؟
وقوله: «ان عليا لاول اصحابي اسلاما واكثرهم علما»؟
وقوله: «اعلم امتي من بعدي علي‏»؟
وقوله: «انا مدينة العلم وعلي بابها»؟
وقوله: «علي وعاء علمي‏»؟
وقوله: «علي باب علمي‏»؟
وقوله: «علي خازن علمي‏»؟
وقوله: «علي عيبة علمي‏»؟
وقوله: «انا دار الحكمة وعلي بابها»؟
وقوله: «انا دار العلم وعلي بابها»؟
وقوله: «انا ميزان العلم وعلي كفتاه‏»؟
وقوله: «انا ميزان الحكمة وعلي لسانه‏»؟
وقوله: «اقضى امتي علي‏»؟
وقوله: «اقضاكم علي‏»((800))؟ الى امثال هذه من الكثير
الطيب.
اليست تلكم الاراء المجردة تخالف ما اسفلناه في الجزء الثالث
(ص‏95 101) وفي نوادر الاثر في الجزءالسادس من اقوال
الصحابة الاولين والتابعين باحسان في علم علي نظراء عائشة،
وعمر، ومعاوية، وابن‏عباس، وابن مسعود، وعدي بن حاتم،
وسعيد بن المسيب، وهشام بن عتبة، وعطاء، وعبداللّه بن
حجل؟
انى يسوغ القول باعلمية اي احد من الامة غير علي امير
المؤمنين بعد ما مر في‏الجزء الثالث (ص‏100) من‏اجماع اهل
العلم على ان عليا (ع) هو وارث علم النبي(ص) دونهم. وما
اسلفناه هناك من الصحيح الواردعن مولانا امير المؤمنين من
قوله: «واللّه اني لاخوه ووليه وابن عمه ووارث علمه، فمن احق
به مني؟».
ثم اي نجفة من العلم كانت آية فضلة عس شربها الخليفة من
يد النبي الاعظم ان صحت الاحلام؟ اقوله في‏الاب؟ ام رايه في
الكلالة والجد والجدتين والخلافة وغيرها؟ ابمثل هذه كان هو
وصاحبه يفتيان في حياة‏رسول اللّه (ص)؟
واي صدر هذا لم يك ينضح بشي‏ء من العلم والاناء ينضح بما
فيه بعد ما صب فيه رسول اللّه كل ما صب‏اللّه في صدره
(ص)؟
وانت جد عليم بان الاخذ بمجامع تلكم الصحاح الماثورة عن
رسول‏اللّه(ص) واقوال الصحابة والتابعين في‏علم امير
المؤمنين (ع) والجمع بينها وبين تلكم الاراء في علم ابي بكر
يستلزم القول باعلميته من رسول اللّهايضا بعد كونه وعلي صلى
اللّه عليهما وآلهما صنوين في الفضائل، بعد كون علي رديف
اخيه الاقدس ونفسه‏في مثره، بعد كونه وارث علمه وبابه
وعيبته ووعاءه وخازنه، ولا احسب كل القوم ولا جلهم
يقول‏بذلك.
نعم، من لم يتحاش عن الغلو في ابي حنيفة والقول باعلميته
من رسول‏اللّه(ص) في القضاء كما مر في الجزءالخامس
(ص‏279) لا يكترث للقول بذلك في ابي بكر الافضل من ابي
حنيفة.
هذا هو الغلو الممقوت الذي تصك به المسامع لا ما تقول به
الشيعة يا اتباع ابناء حزم وتيمية وكثيروجوزية!
مظاهر علم الخليفة
المظهر الاول
واول مظهر من مظاهر علم الخليفة عند الباقلاني من
المتقدمين كما في تمهيده (ص‏191)، وعند السيد احمدزيني
دحلان من المتاخرين كما في سيرته هامش الحلبية((801))
(3/376) هو اعلامه الناس بموت رسول اللّه(ص) وحجاجه عمر
بن الخطاب بقول العزيز الحكيم (وما محمد الا رسول قد خلت
من قبله الرسل افان مات‏او قتل انقلبتم على اعقابكم)((802)).
ما اذهل الرجلين عن ان الامر لم يعضل على اي امرى من
الصحابة، وحاشاهم عن ان يكون هذا مبلغ‏علمهم، وقد كان
حملة القرآن الكريم باسرهم على علم من موته (ص) اخذا بما
اجرى اللّه بين البشر من‏الطبيعة المطردة و (قضى اجلا واجل
مسمى)((803)) (وما كان لنفس ان تموت الا باذن اللّه كتابا
مؤجلا)((804))،(ولكل‏امة اجل اذا جاء اجلهم فلا يستاخرون
ساعة ولا يستقدمون)((805))، وتمسكا بالقرآن
العظيم،ونصوصه(ص) الكثيرة عليه في مواقف لا تحصى،
احفلها حجة الوداع ومن هنا سميت تلك الحجة بحجة‏الوداع.
ولم يكن انكار عمر موته (ص) لجهله بذلك، وقد قرا عمرو بن
زائدة عليه وعلى الصحابة في مسجد رسول‏اللّه (ص) الاية
المذكورة قبل تلاوة ابي بكر اياها واشفعها بقوله تعالى (انك
ميت وانهم ميتون)((806))فضرب‏الرجل عنها وعن قارئها
صفحا، وعمرو بن زائدة صحابي عظيم استخلفه رسول اللّه
(ص) على المدينة‏ثلاث عشرة مرة في غزواته كما في الاصابة
(2/523).
وانما كان انكاره ذلك وارهابه الناس لسياسة مدبرة، وذلك
صرف فكرة الشعب عن الفحص عن الخليفة‏الى ان يحضر ابو
بكر وكان غائبا بالسنح((807))خارج المدينة((808))، وكان
الامر دبر بليل.
الا ترى ان غير واحد من اعلام القوم قد اعتذروا، عن انكار عمر
موته(ص) بغير الجهل، فمنهم من قال: ان‏ذلك كان لتشوش
البال، واضطراب الحال، والذهول عن جليات الاحوال((809))
ومنهم من اعتذر بقوله: خبل‏عمر في وفاة النبي (ص) فجعل
يقول: انه واللّه ما مات ولكنه ذهب الى ربه((810)).
المظهر الثاني
وجاء ابن حجر((811)) من علم الخليفة بمظاهر اخرى واحتج
بها على كونه اعلم الصحابة على الاطلاق. منها:ما اخرجه
البخاري في صحيحه((812)) في صلح الحديبية عن عمر بن
الخطاب (رضي اللّه عنه) قال: فاتيت‏نبي‏اللّه (ص). فقلت: يا
نبي اللّه الست نبي اللّه حقا؟ قال: «بلى‏». قلت: السنا على الحق
وعدونا على‏الباطل؟ قال: «بلى‏». قلت: فلم نعط‏ي الدنية في
ديننا اذا؟ قال: «اني رسول اللّه، ولست اعصيه، وهوناصري‏».
قلت: اوليس كنت تحدثنا انا سناتي البيت ونطوف به؟ قال:
«بلى، افاخبرتك انك تاتيه‏العام؟» قال : قلت: لا. قال: «فانك آتيه
ومطوف به‏». قال:
فاتيت ابا بكر (رضي اللّه عنه) فقلت: يا ابا بكر: اليس هذا نبي اللّه
حقا؟ قال: بلى. قلت: السنا على‏الحق‏وعدو نا على الباطل؟ قال:
بلى. قلت: فلم نعط‏ي الدنية في ديننا اذا؟ فقال: ايها الرجل انه
لرسول اللّه(ص)، ولن يعصي ربه وهو ناصره، فاستمسك بغرزه،
فواللّه انه على الحق. فقلت: اليس كان يحدثنا اناسناتي البيت
ونطوف به؟ قال: بلى، افاخبرك انك تاتيه العام؟ قلت: لا. قال:
فانك آتيه ومطوف به.