وعن انس: ان عمر بن الخطاب جلد صبيغا الكوفي في مسالة
عن حرف من القران حتى اضطربت الدماءفي ظهره.
وعن الزهري: ان عمر جلد صبيغا لكثرة مساءلته عن حروف
القران حتى اضطربت الدماء في‏ظهره((1070)).
قال الغزالي في الاحياء((1071)) (1/30): وعمر هو الذي سد
باب الكلام والجدل وضرب صبيغا بالدرة لما اوردعليه سؤالا
في تعارض ايتين في كتاب اللّه وهجره وامر الناس بهجره.
انتهى.
وصبيغ هذا هو صبيغ بن عسل. ويقال: ابن عسيل. ويقال:
صبيغ بن شريك من بني عسيل.
2 عن ابي العديس، قال: كنا عند عمر بن الخطاب فاتاه رجل
فقال: يا امير المؤمنين ما الجوار الكنس؟فطعن عمر بمخصرة
معه في عمامة الرجل فالقاها عن راسه، فقال عمر: احروري؟
والذي نفس عمر بن‏الخطاب بيده لو وجدتك محلوقا لانحيت
القمل عن راسك.
كنز العمال((1072)) (1/229) نقلا عن الكنى للحاكم، الدر
المنثور((1073)) (6/321).
3 عن عبدالرحمن بن يزيد: ان رجلا سال عمر عن (فاكهة
وابا) فلما راهم يقولون اقبل عليهم‏بالدرة((1074)).
قال الاميني : احسب ان في مقول العراجين، ولسان المخصرة،
ومنطق الدرة الجواب الفاصل عن كل ما لايعلمه الانسان، واليه
يوعز قول الخليفة: نهينا عن التكلف، في الجواب عن ابسط
سؤال يعلمه كل عربي‏صميم الا وهو معنى الاب المفسر في
نفس الكتاب المبين بقوله تعالى: (متاعا لكم ولا
نعامكم)((1075)).
وانا لا اعلم ان السائلين بماذا استحقوا الادماء والايجاع بمحض
السؤال عما لا يعلمونه من مشكل القران اوما غاب عنهم من
لغته؟ وليس في ذلك شي‏ء مما يوجب الالحاد، لكن القصص
جرت على ما ترى.
ثم ما ذنب المجيبين بعلم عن السؤال عن الاب؟ ولماذا اقبل
عليهم الخليفة بالدرة؟ وهل تبقى قائمة لاصول‏التعليم والتعلم
والحالة هذه؟ ولعل الامة قد حرمت ببركة تلك الدرة عن
التقدم والرقي في العلم بعد ان ال‏امرها الى ان هاب مثل
ابن‏عباس ان يسال الخليفة عن قوله تعالى: (وان تظاهرا
عليه)((1076)) وقال: مكثت‏سنتين‏اريد ان اسال عمر بن
الخطاب عن حديث ما منعني منه الا هيبته((1077)). وقال:
مكثت‏سنة وانا اريد ان‏اسال عمر بن الخطاب رضوان اللّه عليه
عن اية فلا استطيع ان اساله هيبة((1078)).

91 راي الخليفة في السؤال عما لم يقع
اضف الى اجتهاد الخليفة في مشكلات القران رايه الخاص به
في السؤال عما لم يقع فانه كان ينهى عنه. قال‏طاووس: قال
عمر على المنبر: احرج باللّه على رجل سال عما لم يكن، فان
اللّه قد بين ما هو كائن((1079)).
وقال: لا يحل لاحد ان يسال عما لم يكن، ان اللّه تبارك وتعالى
قد قضى فيما هو كائن. وقال : احرج عليكم‏ان لا تساءلوا عما لم
يكن فان لنا فيما كان شغلا.
وجاء رجل يوما الى ابن عمر فساله عن شي‏ء لا ادري ما هو،
فقال له ابن عمر: لا تسال عما لم يكن فاني‏سمعت عمر بن
الخطاب يلعن من سال عما لم يكن((1080)).
فساق اللعن اعلام الصحابة الى هذا الحادث، وعمت البلية،
وطفقوا لم يجيبوا عن السؤال عما لم يكن، فهذاابن عباس ساله
ميمون عن رجل ادركه رمضانان فقال:اكان او لم يكن؟ قال: لم
يكن بعد. قال: اترك بلية‏حتى تنزل. قال: فدلسنا له رجلا فقال:
قد كان. فقال: يطعم من الاول منهما ثلاثين مسكينا لكل
يوم‏مسكين((1081)).
وهذا ابي بن كعب ساله رجل فقال: يا ابا المنذر ما تقول في كذا
وكذا؟ قال: يابني اكان الذي سالتني عنه؟قال: لا. قال: اما لا
فاجلني حتى يكون فنعالج انفسنا حتى نخبرك((1082)).
وقال مسروق: كنت امشي مع ابي بن كعب فقال فتى: ما تقول
يا عماه كذا وكذا؟ قال: يابن اخي اكان هذا؟قال: لا. قال: فاعفنا
حتى يكون((1083)).

92 نهي الخليفة عن الحديث
واردف الحادثين في مشكل القران والسؤال عما لم يقع، بثالث
افظع وهو نهي‏الخليفة عن الحديث عن رسول‏اللّه(ص) او عن
اكثاره، وضربه وحبسه وجوه الصحابة بذلك.
قال قرظة بن كعب: لما سيرنا عمر الى العراق مشى معنا عمر
وقال: اتدرون لم شيعتكم؟ قالوا: نعم‏مكرمة‏لنا. قال: ومع ذلك
انكم تاتون اهل قرية لهم دوي بالقران كدوي النحل فلا
تصدوهم بالاحاديث‏فتشغلوهم، جردوا القران واقلوا الرواية عن
رسول اللّه(ص) وانا شريككم. فلما قدم قرظة بن كعب
قالوا:حدثنا. فقال: نهانا عمر(رضى‏ا...عنه)((1084)).
وفي لفظ ابي عمر: قال قرظة: فما حدثت بعده حديثا عن
رسول اللّه(ص).
وفي لفظ الطبري((1085)): كان عمر يقول: جردوا القران ولا
تفسروه، واقلوا الرواية عن رسول اللّه (ص)
واناشريككم((1086)).
ولما بعث ابا موسى الى العراق قال له: انك تاتي قوما لهم في
مساجدهم دوي بالقران كدوي النحل فدعهم‏على ما هم عليه
ولا تشغلهم بالاحاديث وانا شريكك في ذلك. ذكره ابن كثير
في تاريخه((1087)) (8/107) فقال:هذا معروف عن
عمر(رضى‏ا...عنه).
واخرج الطبراني عن ابراهيم بن عبدالرحمن: ان عمر حبس
ثلاثة: ابن مسعود، وابا الدرداء، وابا مسعودالانصاري، فقال: قد
اكثرتم الحديث عن رسول‏اللّه(ص)، حبسهم بالمدينة حتى
استشهد((1088)).
وفي لفظ الحاكم في المستدرك((1089)) (1/110):
ان عمر بن الخطاب قال لابن مسعود ولابي الدرداء ولابي ذر:
ما هذا الحديث عن رسول اللّه(ص)؟واحسبه حبسهم بالمدينة
حتى اصيب.
وفي لفظ جمال الدين الحنفي: ان عمر حبس ابا مسعود وابا
الدرداء وابا ذر حتى اصيب، وقال: ما هذاالحديث عن رسول
اللّه(ص)؟ ثم قال: ومما روي عنه ايضا، ان عمر قال لابن
مسعود وابي ذر: ما هذاالحديث؟ قال: احسبه حبسهم حتى
اصيب. فقال:
وكذلك فعل بابي موسى الاشعري مع عدله عنده.
المعتصر((1090)) (1/459).
وقال عمر لابي هريرة: لتتركن الحديث عن رسول اللّه او
لالحقنك بارض دوس((1091)).
وقال لكعب الاحبار: لتتركن الحديث عن الاول او لالحقنك
بارض القردة. تاريخ ابن كثير((1092)) (8/106).
واخرج الذهبي في التذكرة (1/7) عن ابي سلمة، قال: قلت
لابي هريرة: اكنت تحدث في زمان عمر هكذا؟فقال: لو كنت
احدث في زمان عمر مثل ما احدثكم لضربني بمخفقته.
واخرج ابو عمر عن ابي هريرة: لقد حدثتكم باحاديث لو حدثت
بها زمن عمر بن الخطاب لضربني عمربالدرة. جامع بيان
العلم((1093)) (2/121).
وفي لفظ الزهري: افكنت محدثكم بهذه الاحاديث وعمر حي
اما واللّه اذا لايقنت ان المخفقة ستباشرظهري. وفي لفظ ابن
وهب: اني لاحدث احاديث لو تكلمت بها في زمان عمر او عند
عمر لشج راسي.تاريخ ابن كثير((1094)) (8/107).
فمن جراء هذا الحادث قال الشعبي: قعدت مع ابن عمر سنتين
او سنة ونصفا فما سمعته يحدث عن رسول‏اللّه(ص) الا
حديثا((1095)).
وقال السائب بن يزيد: صحبت سعد بن مالك من المدينة الى
مكة فما سمعته يحدث بحديث واحد. سنن ابن‏ماجة((1096))
(1/16).
وقال ابو هريرة: ما كنا نستطيع ان نقول: قال رسول اللّه(ص)
حتى قبض عمر.
تاريخ ابن كثير((1097)) (8/107).
قال الاميني : هل خفي على الخليفة ان ظاهر الكتاب لا يغني
الامة عن السنة، وهي لا تفارقه حتى يردا على‏النبي الحوض،
وحاجة الامة الى السنة لا تقصر عن حاجتها الى ظاهر الكتاب؟
والكتاب كما قال‏الاوزاعي ومكحول: احوج الى السنة من السنة
الى الكتاب. جامع بيان العلم((1098)) (2/191).
او راى هناك اناسا لعبوا بها بوضع احاديث على النبي الاقدس
وحقا راى‏ فهم قطع جراثيم التقول‏عليه(ص)، وتقصير تلكم
الايدي الاثيمة عن السنة الشريفة؟ فان كان هذا او ذاك فما
ذنب مثل ابي ذرالمنوه بصدقه بقول النبي الاعظم: ((ما اظلت
الخضراء، ولا اقلت الغبراء على رجل اصدق لهجة من
ابي‏ذر))((1099))، او مثل عبداللّه بن مسعود صاحب سر رسول
اللّه، وافضل من قرا القران، واحل حلاله، وحرم‏حرامه، الفقيه في
الدين، العالم بالسنة((1100))، او مثل ابي الدرداء عويمر كبير
الصحابة صاحب رسول‏اللّه(ص)((1101)) فلماذا حبسهم حتى
اصيب؟ ولماذا هتك اولئك‏العظماء في الملا الديني وصغرهم
في اعين الناس؟وهل كان ابو هريرة وابو موسى الاشعري من
اولئك الوضاعين حتى استحقا بذلك التعزير والنهر
والحبس‏والوعيد؟ انا لا ادري.
نعم، هذه الاراء كلها احداث السياسة الوقتية سدت على الامة
ابواب العلم، واوقعتها في هوة الجهل‏ومعترك الاهواء وان لم
يقصدها الخليفة، لكنه تترس بها يوم ذاك، وكافح عن نفسه
قحم المعضلات، ونجابها عن عويصات المسائل.
وبعد نهي الامة المسلمة عن علم القران، وابعادها عما في
كتابها من المعاني الفخمة والدروس العالية من‏ناحية العلم
والادب والدين والاجتماع والسياسة والاخلاق والتاريخ، وسد
باب التعلم والاخذ بالاحكام‏والطقوس ما لم يتحقق ويقع
موضوعها، والتجافي عن التهيؤ للعمل بدين اللّه قبل وقوع
الواقعة، ومنعها عن‏معالم السنة الشريفة والحجز عن نشرها في
الملا، فباي علم ناجع، وباي حكم وحكم‏تترفع وتتقدم
الامة‏المسكينة على الامم؟ وباي كتاب وباية سنة تتاتى لها
سيادة العالم التي اسسها لها صاحب الرسالة الخاتمة؟فسيرة
الخليفة هذه ضربة قاضية على الاسلام وعلى امته وتعاليمها
وشرفها وتقدمها وتعاليها علم بها هو اولم يعلم، ومن ولائد تلك
السيرة الممقوتة حديث كتابة السنن، الا وهو:

93 حديث كتابة السنن
عن عروة: ان عمر بن الخطاب اراد ان يكتب السنن، فاستفتى
اصحاب رسول‏اللّه(ص) في ذلك، فاشارواعليه ان يكتبها،
فطفق عمر يستخير اللّه فيها شهرا، ثم اصبح يوما وقد عزم اللّه
له فقال: اني كنت اريد ان‏اكتب السنن، واني ذكرت قوما كانوا
قبلكم كتبوا كتبا فاكبوا عليها وتركوا كتاب اللّه، واني واللّه لا
اشوب‏كتاب اللّه بشي‏ء ابدا((1102)).
وقد اقتفى اثر الخليفة جمع وذهبوا الى المنع عن كتابة السنن
خلافا للسنة الثابتة عن الصادع الكريم((1103)).

94 راي الخليفة في الكتب
اضف الى الحوادث الاربعة: حادث مشكلات القران، وحادث
السؤال عما لم يقع، وحادث الحديث عن‏رسول اللّه، وحادث
كتابة السنن، راي الخليفة واجتهاده حول الكتب والمؤلفات:
اتى رجل من المسلمين الى عمر فقال: انا لما فتحنا المدائن
اصبنا كتابا فيه علم من علوم الفرس وكلام‏معجب. فدعا بالدرة
فجعل يضربه بها ثم قرا: (نحن نقص عليك احسن
القصص)((1104)) ويقول: ويلك اقصص‏احسن من كتاب اللّه؟
انما هلك من كان قبلكم، لانهم اقبلوا على كتب علمائهم
واساقفتهم وتركوا التوراة‏والانجيل حتى‏درسا وذهب ما فيهما
من العلم.
صورة اخرى :
عن عمرو بن ميمون، عن ابيه قال: اتى‏عمر بن
الخطاب:(رضى‏ا...عنه) رجل فقال: ياامير المؤمنين انا لمافتحنا
المدائن اصبت كتابا فيه كلام معجب، قال: امن كتاب اللّه؟ قال:
لا. فدعا بالدرة وجعل يضربه بهافجعل يقرا: (الر تلك ايات
الكتاب المبين # انا انزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون)، الى قوله
تعالى: (وان كنت من قبله لمن الغافلين)((1105)) ثم قال:

انما اهلك من كان قبلكم انهم اقبلوا على كتب علمائهم
واساقفتهم وتركوا التوراة والانجيل حتى درسا وذهب ما فيهما
من العلم.
واخرج عبدالرزاق((1106))، وابن الضريس في فضائل القران
والعسكري في المواعظ، والخطيب عن ابراهيم النخعي، قال:
كان بالكوفة رجل يطلب كتب دانيال وذلك الضرب، فجاء فيه
كتاب من عمر بن الخطاب ان يرفع اليه، فلما قدم على عمر
علاه بالدرة ثم جعل يقرا عليه: (الر تلك ايات الكتاب المبين)
حتى بلغ (الغافلين) قال: فعرفت ما يريد، فقلت: يا امير
المؤمنين دعني فواللّه لا ادع عندي شيئا من تلك الكتب الا
احرقته، فتركه.
راجع((1107)) سيرة عمر لابن الجوزي (ص‏107)، شرح ابن
ابي الحديد (3/122)، كنز العمال (1/59).
وجاء في تاريخ مختصر الدول((1108)) لابي الفرج الملط‏ي
المتوفى (684) (ص‏180) من طبعة بوك في اوكسونياسنة
(1663م) ما نصه:
وعاش يحيى الغراماطيقي‏ الى ان فتح عمرو بن العاص
مدينة الاسكندرية ودخل على عمرو وقد عرف‏موضعه من
العلوم فاكرمه عمرو وسمع من الفاظه الفلسفية التي لم تكن
للعرب بها انسة ما هاله، ففتن به وكان عمرو عاقلا،
حسن الاستماع، صحيح الفكر، فلازمه وكان لا يفارقه.
ثم قال له يحيى يوما: انك قد احطت بحواصل الاسكندرية
وختمت على كل الاصناف الموجودة بها، فما لك‏به انتفاع فلا
نعارضك فيه، وما لا انتفاع لك به فنحن اولى به. فقال له
عمرو: ما الذي تحتاج اليه؟ قال:كتب الحكمة التي في الخزائن
الملوكية. فقال عمرو: هذا ما لا يمكنني ان امر فيه الا بعد
استئذان امير المؤمنين‏عمر ابن الخطاب. فكتب الى عمر
وعرفه قول يحيى، فورد عليه كتاب عمر يقول فيه: واما الكتب
التي‏ذكرتها، فان كان فيها ما وافق كتاب اللّه، ففي كتاب اللّه
عنه غنى، وان كان فيها ما يخالف كتاب اللّه فلاحاجه اليه.
فتقدم باعدامها. فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على
حمامات الاسكندرية واحراقها في‏مواقدها فاستنفدت في مدة
ستة‏اشهر، فاسمع ما جرى واعجب.
هذه الجملة من كلام الملط‏ي ذكرها جرجي زيدان في تاريخ
التمدن الاسلامي((1109)) (3/40) برمتها، فقال في‏التعليق
عليها: النسخة المطبوعة في مطبعة الاباء اليسوعيين في
بيروت قد حذفت منها هذه الجملة كلهالسبب لا نعلمه.
وقال عبداللطيف البغدادي المتوفى (629) هجري في الافادة
والاعتبار((1110)) (ص‏28): رايت ايضا حول‏عمود السواري من
هذه الاعمدة بقايا صالحة بعضها صحيح وبعضها مكسور،
ويظهر من حالها انها كانت‏مسقوفة والاعمدة تحمل السقف
وعمود السواري عليه قبة هو حاملها. وارى انه الرواق الذي كان
يدرس‏فيه ارسطوطاليس وشيعته من بعده، وانه دار المعلم
التي بناها الاسكندر حين بنى‏مدينته، وفيها كانت‏خزانة الكتب
التي احرقها عمرو بن العاص باذن عمر(رضى‏ا...عنه).
صورة مفصلة :
وقال القاضي الاكرم جمال الدين ابو الحسن علي بن يوسف
القفط‏ي المتوفى (646) في كتابه تراجم‏الحكماء((1111))
المخطوط((1112)) في ترجمة يحيى النحوي:
وعاش يحيى النحوي‏ الى ان فتح عمرو بن العاص مصر
والاسكندرية، ودخل على عمرو وقد عرف‏موضعه من العلم
واعتقاده وما جرى له مع النصارى‏فاكرمه عمرو وراى‏له
موضعا، وسمع كلامه في ابطال‏التثليث، فاعجبه وسمع كلامه
ايضا في انقضاء الدهر، ففتن به وشاهد من حججه المنطقية،
وسمع من الفاظه‏الفلسفية التي لم يكن للعرب بها انسة ما
هاله، وكان عمرو عاقلا، حسن الاستماع، صحيح الفكر،
فلازمه‏وكاد لا يفارقه، ثم قال له يحيى يوما: انك قد احطت
بحواصل الاسكندرية وختمت على كل الاجناس‏الموصوفة
الموجودة بها، فاما ما لك به انتفاع فلا اعارضك فيه، واما ما لا
نفع لكم به فنحن اولى به، فامربالافراج عنه. فقال له عمرو: وما
الذي تحتاج اليه؟ قال: كتب الحكمة في الخزائن الملوكية، وقد
اوقعت‏الحوطة عليها ونحن محتاجون اليها ولا نفع لكم بها،
فقال له: ومن جمع هذه‏الكتب؟ وما قصتها؟ فقال له‏يحيى: ان
بطولوماوس فيلادلفوس من ملوك الاسكندرية لما ملك حبب
اليه العلم والعلماء، وفحص عن‏كتب العلم وامر بجمعها وافرد
لها خزائن فجمعت، وولى امرها رجلا يعرف بابن زمرة زميرة
، وتقدم‏اليه بالاجتهاد في جمعها وتحصيلها والمبالغة في
اثمانها وترغيب تجارها ففعل، واجتمع من ذلك في
مدة‏خمسون الف كتابا ومائة وعشرون كتابا.
ولما علم الملك باجتماعها وتحقق عدتها قال لزميرة: اترى
بقي في الارض من كتب العلم ما لم يكن عندنا؟فقال له زميرة:
قد بقي في الدنيا شي‏ء في السند والهند وفارس وجرجان
والارمان وبابل والموصل وعندالروم. فعجب الملك من ذلك
وقال له: دم على التحصيل، فلم يزل على ذلك الى ان مات.
وهذه الكتب لم‏تزل محروسة محفوظة يراعيها كل من يلي
الامر من الملوك واتباعهم الى وقتنا هذا، فاستكثر عمرو ما
ذكره‏يحيى وعجب منه وقال له: لا يمكنني ان امر بامر الا بعد
استئذان امير المؤمنين عمر بن الخطاب. وكتب الى‏عمر
وعرفه بقول يحيى الذي ذكر، واستاذنه ما الذي يصنعه فيها؟
فورد عليه كتاب عمر يقول فيه: واماالكتب التي ذكرتها، فان
كان فيها ما يوافق كتاب اللّه، ففي كتاب اللّه عنه غنى، وان كان
فيها ما يخالف كتاب‏اللّه تعالى، فلا حاجة اليها فتقدم باعدامها.
فشرع عمرو بن العاص في تفريقها على‏حمامات
الاسكندرية‏واحراقها في مواقدها، وذكرت عدة الحمامات
يومئذ وانسيتها، فذكروا انها استنفدت في مدة ستة
اشهر،فاسمع ما جرى‏واعجب. انتهى.
وفي فهرست ابن النديم المتوفى (385) ايعاز الى تلك المكتبة
المحروقة، قال في صحيفة: (334)((1113))، وحكى‏اسحاق
الراهب في تاريخه ان بطولوماوس فيلادلفوس من ملوك
الاسكندرية لما ملك فحص عن كتب‏العلم، وولى امرها رجلا
يعرف بزميرة، فجمع من ذلك على ما حكي اربعة وخمسين
الف كتاب ومائة‏وعشرين كتابا. وقال له: ايها الملك قد بقي في
الدنيا شي‏ء كثير في السند والهند وفارس وجرجان
والارمان‏وبابل والموصل وعند الروم. انتهى.
ومؤسس تلك المكتبة هو بطليموس الاول، وهو الذي بنى
مدرسة الاسكندرية المعروفة باسم الرواق،وجمع فيها جميع
علوم تلك الازمان من فلسفة ورياضيات وطب وحكمة واداب
وهيئة، وكانت المدرسة‏توصل للقصر الملكي، وبويع لولده
بطليموس الثاني الملقب بفيلادلفوس اي محب اخيه
بالملك حياة‏ابيه قبل موته بسنتين سنة خمس وثمانين
ومائتين قبل الميلاد اي سنة سبع وتسعمائة قبل الهجرة وله
من‏العمر اربع وعشرون سنة، ومات سنة ست واربعين ومائتين
قبل الميلاد اي سنة ثمان وستين وثمانمائة قبل‏الهجرة، فكانت
مدة حكمه ثماني وثلاثين سنة، وكان على سيرة ابيه في حب
العلم واهله والعناية بخزانة‏كتب الاسكندرية وجمع الكتب
فيها((1114)).
وكان راي الخليفة هذا عاما على جميع الكتب في الاقطار التي
فتحتها يد الاسلام. قال صاحب كشف‏الظنون((1115))
(1/446): ان المسلمين لما فتحوا بلاد فارس واصابوا من
كتبهم، كتب سعد بن ابي وقاص الى‏عمر بن الخطاب يستاذنه
في شانها وتنقيلها للمسلمين، فكتب اليه عمر(رضى‏ا...عنه):
ان اطرحوها في‏الماء، فان يكن ما فيها هدى فقد هدانا اللّه تعالى
باهدى منه، وان يكن ضلالا فقد كفانا اللّه تعالى.فطرحوها في
الماء وفي النار فذهبت علوم الفرس فيها.
وقال((1116)) في (1/25) في اثناء كلامه عن اهل الاسلام
وعلومهم: انهم احرقوا ما وجدوا من الكتب في‏فتوحات البلاد.
وقال ابن خلدون في تاريخه((1117))(1/32): فالعلوم كثيرة
والحكماء في امم النوع الانساني متعددون، وما لم‏يصل الينا من
العلوم اكثر مما وصل، فاين علوم الفرس التي امر(رضى‏ا...عنه)
بمحوها عند الفتح؟
قال الاميني : ليس النظر في كتب الاولين على اطلاقه
محظورا ولا سيما اذا كانت‏كتبا علمية او صناعية اوحكمية او
اخلاقية او طبية او فلكية او رياضية الى امثالها، واخص منها ما
كان معزوا الى نبي من‏الانبياء(ع) كدانيال ان صحت النسبة
ولم يطرقه التحريف، نعم، اذا كان كتاب ضلال من دعاية الى
مبداباطل، او دين منسوخ، او شبهة موجهة الى مبادئ الاسلام
يحرم النظر فيه للبسطاء القاصرين عن الجواب‏والنقد، واما من
له منة الدفع او مقدرة الحجاج فان نظره فيه لابطال الباطل
وتعريف الناس بالحق الصراح‏من افضل الطاعات.
ولا منافاة بين كون القران احسن القصص وبين ان يكون في
الكتب علم ناجع، او حكمة بالغة، او صناعة‏تفيد المجتمع، او
علوم يستفيد بها البشر، وان كان ما في القران ابعد من ذلك
مغزى، واعمق منتهى، واحكم‏صنعا، غير ان قصر الافهام عن
مغازي القران الكريم ترك الناس لا يستنبطون تلك العلوم، مع
اخباتهم الى‏انه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة الا احصاها، ولا رطب
ولا يابس الا في كتاب مبين، فالمنع عن النظر في تلك‏الكتب
جناية على المجتمع وابعاد عن العلوم، وتعزير الناظر فيها لا
يساعده قانون الاسلام العام‏كتاباوسنة.
واللّه يعلم ما خسره المسلمون بابادة تلك الثروة العلمية في
الاسكندرية وتشتيت ما في بلاد الفرس من‏حضارة راقية،
وصنائع مستطرفة لا ترتبطان بهدى او ضلال كما حسبه
الخليفة في كتب الفرس، ولاتناطان بموافقة الكتاب او
مخالفته كما زعمه في امر مكتبة الاسكندرية العامرة، وما كان
يضر المسلمين لوحصلوا على ذلك الثراء العلمي؟ فاوقفهم
على ثروة مالية، وبسطة في العلم، وتقدم في المدنية، ورقي
في‏العمران، وكمال في الصحة، وكل منها يستتبع قوة في
الملك، وهيبة عند الدول، وبذخا في العالم كله، وسعة فى‏اديم
السلطة، فهل يفت شي‏ء من ذلك في عضد الهدى؟ او يثلم
جانبا من الدين؟ نعم، اعقب ذلك العمل‏الممقوت تقهقرا في
العلوم، وفقرا في الدنيا، وسمعة سيئة لحقت العروبة والاسلام،
وفي النقاد من يحسبه‏توحشا، وفيهم من يعده من عمل
الجاهلين، ونحن نكل الحكم فيه الى العقل السليم، والمنطق
الصحيح.
على ان الخليفة كان يسعه ان ينتقي من هذه الكتب ما اوعزنا
اليه مما ينجع المجتمع البشري، ويتلف ما فيه‏الالحاد
والضلال، لكنه لم يفعل ومضى التاريخ كما وقعت القصة.

95 الخليفة والقراءات
1 عن محمد بن كعب القرظ‏ي، مر عمر بن الخطاب برجل
يقرا هذه الاية: (والساب قون الاولون‏من‏المهاجرين والانصار
والذين اتبعوهم باحسان رضي اللّه عنهم ورضوا عنه)((1118)).
فاخذ عمر بيده فقال: من اقراك هذا؟ فقال: ابي بن كعب.
فقال: لا تفارقني‏حتى اذهب بك اليه، فلما جاءه‏قال عمر: انت
اقرات هذا هذه الاية هكذا؟ قال: نعم. قال: انت سمعتها من
رسول اللّه(ص)؟ قال: نعم. قال:لقد كنت ارى انا رفعنا رفعة لا
يبلغها احد بعدنا.
واخرج الحاكم وابو الشيخ، عن ابي سلمة ومحمد التيمي قالا:
مر عمر بن الخطاب برجل يقرا: والذين‏اتبعوهم باحسان بالواو
، فقال: من اقراك هذه؟ فقال: ابي. فاخذ به اليه فقال: يا ابا
المنذر اخبرني هذاانك اقراته هكذا. فقال ابي: صدق وقد
تلقنتها كذلك من في رسول اللّه(ص). فقال عمر: انت تلقنتها
كذلك‏من رسول اللّه(ص)؟ فقال: نعم، فاعاد عليه فقال في
الثالثة وهو غضبان: نعم واللّه لقد انزلها اللّهعلى‏جبريل(ع)
وانزلها جبريل على‏قلب محمد(ص) ولم يستامر فيها الخطاب
ولا ابنه. فخرج عمررافعايديه وهو يقول: اللّه اكبر، اللّه اكبر.
وفي لفظ من طريق عمر بن عامر الانصاري: فقال ابي: واللّه
اقرانيها رسول‏اللّه(ص) وانت تبيع الخيط. فقال‏عمر: نعم اذن
فنعم، اذن نتابع ابيا .
وفي لفظ: قرا عمر: والانصار رفعا الذين باسقاط الواو نعتا
للانصار، حتى‏قاله زيد بن ثابت: انه بالواوفسال عمر ابي بن
كعب فصدق زيدا فرجع اليه عمر وقال: ما كنا نرى الا انا رفعنا
رفعة لا ينالها معنااحد.
وفي لفظ: فقال عمر: فنعم اذن نتابع ابيا. وفي لفظ الطبري:
اذن نتابع ابيا.
وفي لفظ: ان عمر سمع رجلا يقراه بالواو، فقال: من اقراك؟
قال: ابي. فدعاه فقال: اقرانيه رسول اللّه(ص)وانك لتبيع القرظ
بالبقيع. قال: صدقت وان شئت قلت: شهدنا وغبتم، ونصرنا
وخذلتم، واوينا وطردتم،ثم‏قال عمر: لقد كنت ارانا رفعنا رفعة
لا يبلغها احد بعدنا.
راجع((1119)) تفسير الطبري (1/7)، مستدرك الحاكم
(3/305)، تفسير القرطبي (8/238)، تفسير ابن كثير(2/383)،
تفسير الزمخشري (2/46)، الدر المنثور (3/269)، كنز العمال
(1/287)، ذكر لفظ ابي الشيخ‏ثم‏حكاه عن جمع من الحف اظ،
وذكر تصحيح الحاكم اياه، وفي (ص‏285) نقله عن ابي عبيد
في فضائله‏وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه، تفسير
الشوكاني (2/379)، روح المعاني طبع المنيرية (11/8).
2 اخرج احمد في مسنده، عن ابن عباس، قال: جاء رجل الى
عمر فقال: اكلتنا الضبع. قال‏مسعر: يعني‏السنة. قال: فساله
عمر: ممن انت؟ فما زال ينسبه حتى عرفه فاذا هو موسى، فقال
عمر: لو ان لامرى واديااو واديين لابتغى اليهما ثالثا. فقال ابن
عباس: ولا يملا جوف ابن ادم الا التراب ثم يتوب اللّه على من
تاب.فقال عمر لابن عباس: ممن سمعت هذا؟ قال: من ابي.
قال: فاذا كان بالغداة فاغد علي. قال: فرجع الى‏ام‏الفضل فذكر
ذلك لها، فقالت: وما لك وللكلام عند عمر؟ وخشي ابن عب
اس ان يكون ابي نسي، فقالت‏امه: ان ابيا عسى ان لا يكون نسي.
فغدا الي عمر ومعه الدرة فانطلقنا الى ابي، فخرج ابي عليهما
وقد توضافقال: انه اصابني مذي فغسلت ذكري او فرجي
مسعر شك فقال عمر: اويجزئ ذلك؟ قال: نعم. قال:سمعته
من رسول اللّه(ص)؟ قال: نعم. قال: وساله عما قال ابن عباس
فصدقه.
وفي المسند: عن ابن عباس قال: جاء رجل الى عمر يساله،
فجعل ينظر الى‏راسه مرة والى رجليه اخرى‏هل يرى عليه من
البؤس شيئا، ثم قال له عمر: كم مالك؟ قال: اربعون من الابل.
قال ابن عباس: فقلت:صدق اللّه ورسوله: ((لو كان لابن ادم
واديان من ذهب لابتغى الثالث ولا يملا جوف ابن ادم الا
التراب‏ويتوب اللّه على من تاب)). فقال عمر: ما هذا؟ فقلت:
هكذا اقرانيها ابي. قال: فمر بنا اليه. قال: فجاء الى ابي‏فقال: ما
يقول هذا؟ قال ابي: هكذا اقرانيها رسول اللّه(ص) قال: افاثبتها؟
فاثبتها.
وفي المحكي عن احمد، قال عمر: اذا اثبتها في المصحف؟
قال: نعم.
واخرج ابن الضريس، عن ابن عباس قال: قلت: يا امير المؤمنين
ان ابيا يزعم انك تركت من ايات اللّه اية‏لم تكتبها. قال: واللّه
لاسالن ابيا فان انكر لتكذبن، فلما صلى صلاة الغداة غدا على
ابي، فاذن له وطرح له‏وسادة وقال: يزعم هذا انك تزعم اني
تركت اية من كتاب اللّه لم اكتبها. فقال: اني سمعت رسول
اللّه(ص)يقول: ((لو ان لابن ادم واديين من مال لابتغى اليهما
واديا ثالثا ولا يملا جوف ابن ادم الا التراب، ويتوب اللّهعلى من
تاب)). فقال عمر: افاكتبها؟ قال: لا انهاك. فكان ابياشك اقول
من رسول اللّه(ص) او قران‏منزل.
راجع((1120)) مسند احمد (5/117)، كنز العمال (1/279) نقلا
عن احمد، وسعيد بن‏منصور، وابي عوانة،الدرالمنثور (6/378).
3 عن ابي ادريس الخولاني، قال: كان ابي يقرا (اذ جعل الذين
كفروا في قلوبهم الحمية حمية‏الجاهلية)((1121)) ولو حميتم
كما حموا لفسد المسجد الحرام، فانزل اللّه سكينته على رسوله.
فبلغ ذلك عمرفاشتد، فبعث اليه فدخل عليه فدعا ناسا من
اصحابه فيهم زيد بن ثابت فقال: من يقرا منكم سورة
الفتح؟فقرا زيد على قراءتنا اليوم، فغلظ له عمر فقال ابي:
ااتكلم؟ قال: تكلم. فقال: لقد علمت اني كنت ادخل‏على
النبي(ص) ويقرئني وانت بالباب، فان احببت ان اقرئ الناس
على ما اقراني اقرات والا لم اقرا حرفاما حييت. قال: بل اقرئ
الناس.
وفي لفظ : فقال ابي: واللّه يا عمر انك لتعلم اني كنت احضر
وتغيبون، وادعى‏وتحجبون، ويصنع بي، واللّه لئن‏احببت لالزمن
بيتي فلا احدث احدا بشي‏ء.
راجع((1122)) تفسير ابن كثير (4/194)، الدر المنثور (6/79)
حكاه عن النسائي والحاكم وذكر تصحيح الحاكم‏له، كنز العمال
(1/285) نقلا عن النسائي وابن ابي داود في المصاحف
والحاكم. ثم قال: وروى ابن خزيمة‏بعضه.
4 عن ابن مجلز، قال: ان ابي بن كعب قرا: (من الذين استحق
عليهم الاوليان)((1123)) فقال عمر: كذبت. قال:انت اكذب.
فقال رجل: تكذب امير المؤمنين؟قال: انا اشد تعظيما لحق
امير المؤمنين منك، ولكن كذبته في‏تصديق كتاب اللّه، ولم
اصدق امير المؤمنين في تكذيب كتاب اللّه. فقال عمر: صدق.
اخرجه ابن جرير الطبري((1124)) وعبد بن حميد وابن عدي،
كما في الدر المنثور((1125)) (2/344)، وكنز العمال(1/285).
5 عن خرشة بن الحر، قال: راى معي عمر بن الخطاب لوحا
مكتوبة فيه: (اذا نودي للصلاة من يوم‏الجمعة فاسعوا الى ذكر
اللّه)
((1126))، فقال: من املى عليك هذا؟ قلت: ابي بن كعب.
قال: ان ابيا اقراناللمنسوخ، قراها: فامضوا الى ذكر اللّه.
عن عبداللّه بن عمر، قال: ما سمعت عمر يقرؤها قط الا : فامضوا
الى ذكر اللّه.
عن ابراهيم، قال: قيل لعمر: ان ابيا يقرا: (فاسعوا الى ذكر اللّه).
قال عمر:ابي اعلمنا بالمنسوخ كان يقرؤها:فامضوا الى ذكر اللّه.
اخرجه ابو عبيد في فضائله، وسعيد بن منصور، وابن ابي شيبة،
وابن المنذر، وابن الانباري في
المصاحف،وعبدالرزاق((1127))، والشافعي((1128))،
والفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير((1129))، وابن ابي حاتم،
والبيهقي في‏السنن((1130)) كما في الدر المنثور((1131))
(6/219)، وكنز العمال((1132)) (1/285).
6 عن بجالة، قال: مر عمر بن الخطاب بغلام وهو يقرا في
المصحف: (النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم‏وازواجه
امهاتهم)((1133)) وهو اب لهم. فقال: يا غلام حكها. قال: هذا
مصحف ابي. فذهب اليه فساله، فقال له‏ابي: انه كان يلهيني
القران ويلهيك الصفق بالاسواق. واغلظ لعمر.
اخرجه سعيد بن منصور، والحاكم، والبيهقي في السنن
(7/69)، والقرطبي في تفسيره((1134)) (14/126)، وحكي‏عن
الاولين في كنز العمال((1135)) (1/279).
7 قرا ابي بن كعب: ولا تقربوا الزنا انه كان فاحشة ومقتا وساء
سبيلا الا من تاب فان اللّه كان غفورارحيما. فذكر لعمر فاءتاه
فساءله عنها. قال: اخذتها من في رسول اللّه (ص) وليس لك
عمل الا الصفق بالبيع.
اخرجه ابن مردويه وعبدالرزاق كما في كنز العمال((1136))
(1/278).
8 عن المسور بن مخرمة، قال: قال عمر بن الخطاب لعبد
الرحمن بن عوف: الم تجد فيما انزل علينا: ان‏جاهدوا كما
جاهدتم اول مرة؟ فانا لم نجدها. قال: اسقط فيما اسقط من
القران.
اخرجه ابو عبيد كما في الاتقان((1137)) (2/42)، وكنز
العمال((1138)) (1/278).
9 عن ابن عباس وعدي بن عدي، عن عمر انه قال: انا كنا نقرا
فيما نقرا من كتاب اللّه، ان لا ترغبوا عن‏ابائكم فانه كفر بكم. او:
ان كفرا بكم ان ترغبوا عن‏ابائكم. ثم قال لزيد بن ثابت: اكذلك؟
قال: نعم.
اخرجه البخاري في صحيحه((1139)) (10/43)، وابو عبيد كما
في الاتقان((1140)) (2/42).
10 اخرج مالك والشافعي، عن سعيد بن المسيب، عن عمر في
خطبة له قال: اياكم ان تهلكوا عن اية‏الرجم يقول قائل: لا نجد
حدين في كتاب اللّه فقد رجم رسول اللّه(ص) ورجمنا، والذي
نفسي بيده لولا ان‏يقول الناس زاد عمر في كتاب اللّه
تعالى‏لكتبتها: الشيخ والشيخة فارجموهما البتة. فانا قد قراناها.
وفي لفظ احمد، عن عبدالرحمن بن عوف: لولا ان يقول قائلون
او يتكلم متكلمون ان عمر زاد في كتاب اللّهما ليس منه لاثبتها
كما نزلت.
وفي لفظ البخاري، عن ابن عباس: ان اللّه بعث محمدا(ص)
بالحق وانزل عليه الكتاب فكان مما انزل اللّه اية‏الرجم فقراناها
وعقلناها ووعيناها، رجم رسول‏اللّه(ص) ورجمنا بعده، فاخشى
ان طال بالناس زمان ان‏يقول قائل: واللّه ما نجد اية الرجم في
كتاب اللّه فيضلوا بترك فضيلة انزلها اللّه، والرجم في كتاب اللّه
حق‏على‏من زنى اذا احصن من الرجال والنساء اذا قامت البى نة
او كان الحبل او كان الاعتراف.
وفي لفظ ابن ماجة، عن ابن عباس: لقد خشيت ان يطول
بالناس زمان حتى‏يقول قائل: ما اجد الرجم في‏كتاب اللّه
فيضلوا بترك فريضة من فرائض اللّه. الا وان الرجم حق اذا
احصن الرجل وقامت البينة او كان‏حمل او اعتراف وقد قراتها:
الشيخ والشيخة اذا زنيا فارجموهما البتة. رجم رسول اللّه(ص)
ورجمنا بعده.
وفي لفظ ابي داود: وايم اللّه لولا ان يقول الناس زاد عمر في
كتاب اللّه لكتبتها.
وفي لفظ البيهقي: ولولا اني اكره ان ازيد في كتاب اللّه لكتبته
في المصحف، فاني اخاف ان ياتي اقوام فلايجدونه فلا يؤمنون
به.
راجع((1141)) مسند احمد (1/29، 50)، اختلاف الحديث
للشافعي المطبوع هامش كتاب الام له (7/251)،موطا
مالك (2/168) ، صحيح البخاري (10/43)، صحيح مسلم
(2/33)، صحيح الترمذي (1/299)، سنن‏الدارمي (2/179)،
سنن ابن ماجة (2/115)، سنن ابي داود (2/230)، مسند
الطيالسي (ص‏6)، سنن البيهقي(8/211 213)، احكام القران
للجصاص (3/317).
قال الاميني : كل هذه تكشف عن انحسار علم الخليفة عن
ترتيل القران الكريم‏وان هؤلاء المذكورين اعلم‏منه به، وانما
الهاه عنه الصفق بالاسواق، او بيع الخيط او القرظة((1142))،
ولم يكن له عمل الا الصفق بالبيع.
وما بال الخليفة وهو القدوة والاسوة في الكتاب والسنة يتبع
اراء الناس في كتاب اللّه؟ ويمحو ويثبت في‏المصحف بقول
اناس اخرين؟ ولم يفرق بين الكتاب والسنة؟ ويعير سمعه الى
هذا وذلك؟ ويقبل من هذاقوله: اثبتها، ويصدق لاخر رايه في
اسقاط شي‏ء من القران؟ ويرى ايا محرفة من الكتاب تمنعه عن
ادخالهافيه خشية قول القائلين وتكلم المتكلمين؟ وهذا هو
التحريف الذي يعزونه الى الشيعة، ويشنون به عليهم‏الغارات،
والشيعة عن بكرة ابيهم براء من تلكم الخزاية، فقد اصفق
المحققون منهم على نفي ذلك نفيا باتا كمااسفلناه في الجزء
الثالث (ص‏101).
وشتان بين من هذا شانه وبين من قال فيه التابعي العظيم ابو
عبدالرحمن السلمي القارئ المجمع على ثقته‏وجلالته: ما
رايت ابن انثى اقرا لكتاب اللّه تعالى من علي. وقال ايضا: ما رايت
اقرا من علي، عرض القران‏على النبي(ص) وهو من الذين
حفظوه اجمع بلا شك عندنا((1143)). وقد مر بعض احاديث
علمه (ع) بالكتاب(ص‏193).

96 اجتهاد الخليفة في الاسماء والكنى
1 عن زيد بن اسلم، عن ابيه: ان عمر بن
الخطاب(رضى‏ا...عنه) ضرب ابنا له تكنى‏ابا عيسى ،
وان‏المغيرة‏بن شعبة تكن ى بابي عيسى، فقال له عمر: اما
يكفيك ان تكنى‏بابي عبداللّه؟ فقال: رسول اللّه(ص) كناني‏ابا
عيسى ، فقال: ان رسول‏اللّه(ص) قد غفر له ما تقدم من ذنبه
وما تاخر وانا في جلستنا((1144)) فلم يزل يكنى‏بابي عبداللّه
حتى هلك.
صورة اخرى :
ان المغيرة استاذن على عمر فقال: ابو عيسى. قال: من ابو
عيسى؟ فقال: المغيرة بن شعبة. قال: فهل لعيسى‏من اب؟
فشهد له بعض الصحابة ان النبي(ص) كان يكنيه بها فقال: ان
النبي(ص) غفر له وانا لا ندري مايفعل بنا وكناه ابا عبداللّه.
راجع((1145)): سنن‏ابي داود(2/309)، سنن البيهقي(9/310)،
الاستيعاب (1/250)،تيسير الوصول (1/39)،الكنى والاسماء
للدولابي (1/85)، زاد المعاد لابن القيم(1/262)، نهاية ابن
الاثير (1/198)، الاصابة (2/413و3/453).
2 جاءت سرية لعبيد اللّه بن عمر الى عمر تشكوه فقالت: يا امير
المؤمنين الا تعذرني من ابي عيسى؟قال: ومن ابو عيسى؟
قالت: ابنك عبيداللّه. قال: ويحك! وقد تكنى بابي عيسى؟
ودعاه وقال: ايها اكتنيت‏بابي عيسى؟ فحذر وفزع‏فاخذ يده
فعضها حتى صاح، ثم ضربه وقال: ويلك هل لعيسى‏اب؟ اما
تدري ماكنى‏العرب؟: ابو سلمة، ابو حنظلة، ابو عرفطة، ابو مرة.
راجع شرح ابن ابي الحديد((1146)) (3/104).
3 كان عمر(رضى‏ا...عنه) كتب الى اهل الكوفة: لا تسموا احدا
باسم نبي، وامر جماعة بالمدينة بتغييراسماء ابنائهم المسمين
بمحمد، حتى ذكر له جماعة من الصحابة انه(ص) اذن لهم في
ذلك فتركهم. عمدة‏القاري((1147)) (7/143).
4 عن حمزة بن صهيب: ان صهيبا كان يكنى ابا يحيى،
ويقول: انه من العرب، ويطعم الطعام الكثير. فقال‏له عمر بن
الخطاب: يا صهيب ما لك تتكنى ابا يحيى وليس لك ولد؟
وتقول انك من العرب، وتطعم الطعام‏الكثير، وذلك سرف في
المال. فقال صهيب: ان رسول اللّه(ص) كناني ابا يحيى، واما
قولك في النسب فانارجل‏من النمر بن قاسط من اهل الموصل،
ولكني سبيت غلاما صغيرا قد عقلت((1148)) اهلي وقومي.
واماقولك في الطعام، فان رسول اللّه(ص) كان يقول:
((«خياركم من‏» اطعم الطعام، ورد السلام)). فذلك
الذي‏يحملني على ان اطعم الطعام.
وفي لفظ لابي عمر: قال عمر: ما فيك شي‏ء اعيبه يا صهيب الا
ثلاث خصال لولاهن ما قدمت عليك‏احدا، هل انت مخبري
عنهن؟ فقال صهيب: ما انت بسائل عن شي‏ء الا صدقتك عنه.
قال: اراك تنسب‏عربيا ولسانك اعجمي، وتتكنى بابي يحيى
اسم نبي، وتبذر مالك. قال: اما تبذير مالي فما انفقه الا في
حقه،واما اكتنائي بابي يحيى فان رسول اللّه(ص) كناني بابي
يحيى افاتركها لك؟ واما انتسابي الى العرب فان‏الروم‏سبتني
صغيرا فاخذت لسانهم وانا رجل من النمر بن قاسط، لو انفلقت
عن ي روثة لانتسبت اليها.
اخرجه((1149)) احمد في مسنده (6/16)، والحاكم في
المستدرك (4/288)، وابن ماجة شطرا منه في سننه(2/406)،
وابو عمر في الاستيعاب في ترجمة صهيب (1/315)، والهيثمي
في مجمع الزوائد (8/16).
5 سمع عمر بن الخطاب(رضى‏ا...عنه) رجلا ينادي رجلا: يا ذا
القرنين. قال: افرغتم من اسماء الانبياءفارتفعتم الى اسماء
الملائكة؟
راجع((1150)) حياة الحيوان (2/21)، فتح الباري (6/295).
قال الاميني : تكشف هذه الروايات عن موارد من الجهل:
1 نهي الخليفة عن التسمية باسم النبي الاعظم(ص)، وامره
المسمين به بتغيير اسمائهم، وقد قال رسول‏اللّه(ص): ((من
ولد له ثلاثة اولاد فلم يسم احدهم محمدا فقد
جهل))((1151)).
وقال(ص): «اذا سميتم محمدا فلا تضربوه ولا تحرموه‏»
. ((1152))
وقال(ص): ((اذا سميتم الولد محمدا فاءكرموه، واوسعوا له في
المجلس، ولا تقبحوا له وجها)) تاريخ بغداد(3/91).
وقال(ص): ((ان اللّه ليوقف العبد بين يديه يوم القيامة اسمه
احمد او محمد فيقول اللّه تعالى له: عبدي امااستحييتني وانت
تعصيني واسمك اسم حبيبي محمد؟ فينكس العبد راسه حياء
ويقول: اللهم اني قد فعلت،فيقول اللّه عز وجل: يا جبريل خذ
بيد عبدي وادخله الجنة فاني استحي ان اعذب بالنار من اسمه
اسم‏حبيبي))((1153)).
وقال(ص): ((من ولد له مولود فسماه محمدا حبا لي وتبركا
باسمي كان هو ومولوده في الجنة))((1154)).
وقالت عائشة غ: جاءت امراة الى النبي(ص) فقالت: يا رسول اللّه
اني قد ولدت غلاما فسميته محمدا وكنيته‏ابا القاسم فذكر لي
انك تكره ذلك، فقال: ((ما الذي احل اسمي وحرم كنيتي؟))
او: ((ما الذي حرم كنيتي‏واحل اسمي؟))((1155)).
وقد سمى(ص) محمد بن طلحة بن عبيداللّه محمدا وكناه
بابي القاسم((1156))، ومحمد هذا كان ممن هم عمر ان‏يغير
اسمه((1157)).
وقد سمى رسول اللّه(ص) غير واحد من ولدان عصره محمدا
منهم:
محمد بن ثابت بن قيس الانصاري((1158)).
ومحمد بن عمرو بن حزم الانصاري((1159)).
ومحمد بن عمارة بن حزم الانصاري((1160)).
ومحمد بن انس بن فضالة الانصاري((1161)).
ومحمد بن يفديدويه بالمهملتين الهروي((1162)).
وقال(ص) لرجل انصاري هم بان يسمي ابنه محمدا فكرهوه
وسالوه(ص): ((سموا باسمي))((1163)).
وفي رجل ولد له غلام فسماه القاسم فقالوا له: لا نكنيك به،
فساله(ص)فقال: ((تسموا باسمي ولا تكنوابكنيتي))((1164)).
على ان تحسين الاسماء مما رغبت فيه الشريعة المطهرة
ومحمد احسنها، وخير الاسماء ما عبد به وحمد، فجاءعنه(ص)
قوله: ((انكم تدعون يوم القيامة باسمائكم واسماء ابائكم
فاحسنوا اسماءكم))((1165)).
وقال(ص): ((من حق الولد على الوالد ان يحسن اسمه وان
يحسن ادبه))((1166)).
وقال(ص): ((اذا ابردتم الي بريدا فابعثوه حسن الوجه حسن
الاسم))((1167)).
وفي جامع الترمذي((1168)) (2/107)، عن عائشة قالت: كان
النبي(ص) يغير الاسم القبيح.
وممن غير اسمه عاصية بنت عمر، فسماها رسول اللّه(ص)
جميلة كما في صحيح الترمذي((1169)) (2/137)،ومصابيح
السنة((1170)) (2/148).
2 نهيه عن التسمي باسماء الانبياء وهي احسن الاسماء بعد
تلكم الاسماء المشتقة من اسماء اللّه الحسنى من‏محمد وعلي
والحسن والحسين. وقد ورد عن رسول‏اللّه(ص) قوله: ((ما من
اهل بيت فيه اسم نبي الا بعث‏اللّه تبارك وتعالى اليهم ملكا
يقدسهم بالغداوة والعشي))((1171)).
وقال(ص): ((سموا باسماء الانبياء، واحب الاسماء الى اللّه عبداللّه
وعبدالرحمن، واصدقها حارث وهمام،واقبحها حرب
ومرة))((1172)).
3 تذمره من التكني بابي عيسى مستدلا بقوله: فهل لعيسى
من اب؟ اكان‏الخليفة يحسب ان من يكنى به‏يرى نفسه ابا
لعيسى بن مريم ويكنى به حتى يقال عليه: فهل لعيسى من
اب؟ او انه لم ير لعيسى الذي كناه‏به ابوه من اب؟ وكان يحسب
ان الاباء يكنون باسماء اولادهم، ومن هنا قال لصهيب: مالك
تكنى ابا يحيى‏وليس لك ولد؟
4 واعجب من هذه كلها ان الخليفة بعد سماعه من المغيرة
ان النبي(ص) كناه بابي عيسى‏لم يتزحزح عن‏رايه، وقد صدقه
في مقاله، لكنه عد ذلك ذنبا مغفورا لرسول اللّه(ص)، واراد ان
لا يذنب هو ولفيفه اذ لايدري ما يفعل بهم، وليت شعري هل
اثبت كون ذلك اثما مستتبعا للعذاب او المغفرة ببرهان قاطع؟
ثم علم‏ان‏رسول اللّه(ص) ارتكبه فحكم بالمغفرة له بدلالة الاية
الكريمة من سورة الفتح؟ لا، لم‏يثبت ذلك الا بتلك‏السفسطة
من قوله: هل لعيسى من اب؟ ان كان الاول ولا اقوله
فمرحبا بنبي غير معصوم! والعياذ باللّه،وان كان الثاني فزه
بقائل لا يعلم!
5 انه بعد ما حسب كون هاتيك التكنية سيئة جعل التعزير بها
عض اليد قبل الضرب، ولم تسمع اذن‏الدهر بمثل ذلك التعزير
القاسي قط.
6 ان مما اختاره الخليفة من كنى العرب: ابا مرة. وقد مر نهي
رسول‏اللّه(ص) عن التسمية بمرة. على ان ابامرة كنية ابليس
كما في المعاجم((1173)). وقيل تكنى بابنة له تسمى مرة. وقد
نهى رسول اللّه(ص) عن التسمية‏بحيات وقال: فان الحيات
الشيطان. واخرج ابو داود في سننه((1174)) (2/308)، عن
مسروق، قال: لقيت عمربن الخطاب(رضى‏ا...عنه) فقال: من
انت؟ قلت: مسروق بن الاجدع، فقال عمر: سمعت
رسول‏اللّه(ص)يقول: الاجدع الشيطان. فكانه كان ناسيا ذلك
حين امر بالتكني‏بابي‏مرة، اولم يكن يعلم انها كنية ابليس؟
اوكان له راي تجاه الراي النبوي. واللّه اعلم.
وكذلك التكني بابي حنظلة، فقد عد ابن القيم حنظلة من
اقبح الاسماء كما في زاد المعاد((1175)) (1/260).
7 حسبانه ان ذا القرنين من اسماء الملائكة وقد عزب عنه انه
كان غلاما روميا اعط‏ي الملك، كما فيما
اخرجه‏الطبري((1176))، وفي صحيحة عن امير
المؤمنين(ع):انه كان رجلا احب اللّه فاحبه، وناصح اللّه
فناصحه، لم‏يكن نبيا ولا ملكا((1177)).
وفي القران الكريم ايات كريمة في ذكر ذي القرنين كانها عزبت
عن الخليفة برمتها، وخفيت عليه تسمية‏رسول اللّه(ص) عليا
امير المؤمنين بذي القرنين، فقال على رؤوس الاشهاد: ((يا
ايها الناس اوصيكم‏بحب‏ذي قرنيها اخي وابن عمي علي ابن
ابي طالب فانه لا يحبه الا مؤمن ولا يبغضه الا منافق، من
احبه‏فقد احبني، ومن ابغضه فقد ابغضني))((1178)).
وقال(ص) لعلي(ع): ((ان لك في الجنة بيتا ويروى: كنزا
وانت لذوقرنيها)).
وقال شراح الحديث: اي ذو طرفي الجنة وملكها الاعظم تسلك
ملك جميع الجنة كما سلك ذو القرنين جميع‏الارض. او ذو
قرني الامة فاضمرت وان لم يتقدم ذكرها كقوله تعالى: (حتى
توارت بالحجاب)((1179)). ارادالشمس ولا ذكر لها، قال
ابوعبيد: وانا اختار هذا التفسير الاخير على الاول.
قالوا: ويروى عن علي(رضى‏ا...عنه)، وذلك انه ذكر ذا القرنين
فقال: ((دعا قومه الى‏عبادة اللّه تعالى فضربوه‏على قرنه
ضربتين وفيكم مثله)). فنرى انه اراد نفسه، يعني: ادعو الى
الحق حتى يضرب راسي ضربتين‏يكون فيهما قتلي. او ذو
جبليها الحسن والحسين سبط‏ي الرسول رضي اللّه عنهما
روي ذلك عن ثعلب. اوذو شجنتين في قرني راسه احداهما
من عمرو بن عبد ود يوم الخندق، والثانية من ابن ملجم لعنه
اللّه. قال‏ابو عبيد: وهذا اصح ما قيل((1180)) انتهى.
وبعد خفاء ما في الكتاب والسنة على الخليفة لا يسعنا ان
نؤاخذه بالجهل بشعر رجالات الجاهلية، وقدذكر ذو القرنين
في شعر امرئ القيس، واوس بن حجر، وطرفة بن العبد، وقال
الاعشى بن ثعلبة:
والصعب ذو القرنين امسى ثاويا
بالحنو في جدث هناك مقيم
وقال الربيع بن ضبيع:
والصعب ذو القرنين عمر ملكه
الفين امسى بعد ذاك رميما
وقال قس بن ساعدة:
والصعب ذو القرنين اصبح ثاويا
باللحد بين ملاعب الارياح
وقال تبع الحميري:
قد كان ذو القرنين قبلي مسلما
ملكا تدين له الملوك وتحشد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي
اسباب امر من حكيم مرشد
فراى مغيب الشمس عند غروبها
في عين ذي خلب وثاط حرمد
من بعده بلقيس كانت عمتي
ملكتهم حتى اتاها الهدهد
وقال النعمان بن بشير الصحابي الانصاري:
ومن ذا يعادينا من الناس معشر
كرام وذو القرنين منا وحاتم