قال الاميني : ما اعضل الكلالة على الخليفة! وما ابهمها وابهم
حكمها عنده! وهي شريعة مطردة سمحة‏سهلة، وهل هو حين
اكثر السؤال عنها اجاب عنه رسول‏اللّه(ص) او لم يجب؟ فان
كان الاول فلم لم يحفظه‏او قصر فهمه عن عرفانه وهو احب
اليه من حمر النعم، او من الدنيا وما فيها، او من ان يكون له
مثل‏قصور الشام؟ وان كان الثاني فحاشا رسول اللّه ان يؤخر
البيان عن وقت الحاجة وهو يعلم انه سوف يتربع‏على منصة
الخلافة فترفع اليه المسائل والخصومات وان من اكثرها اطرادا
مسالة الكلالة، لكن الحقيقة هي‏ما نوه به رسول اللّه(ص) بقوله
لحفصة: ((ما ارى اباك يعلمها)) او بقوله: ((ما اراه يقيمها))،
وهو يعرب عن‏جلية الحال، ويوقف القارئ على الواقع ان لم
يضله الهوى.
والخطب الفظيع انه بعد هذه كلها ومع قوله: انها لم تبين لي
لم يتزحزح عن الحكم فيها، وكان يقضي فيهابرايه ما شاء ذاهلا
عن قوله تعالى: (ولا تقف ما ليس لك به علم ان السمع والبصر
والفؤاد كل اولئك كان عنه‏مسؤولا)((400))، وعن قوله تعالى:
(ولو تقول علينا بعض الاقاويل # لا خذنا منه باليمين # ثم لقطعنا
منه‏الوتين‏# فمامنك م من احد عنه حاجزين)((401))، وتراه
يتبع ابا بكر وهو يعلم انه شاكلته وقد سمع منه قوله: اني
ساقول‏فيها برايي فان يك صوابا فمن اللّه وان يك خطا فمني
ومن الشيطان (ان يتبعون الا الظن وان الظن لا يغني‏من‏الح ق
شيئا)((402)).
وقد راى ابن حجر كثرة الخلاف في الكلالة بانها: من ليس له
الوالد والولد، انها من سوى الوالد، من سوى‏الوالد وولد الولد.
من سوى الولد، الكلالة الاخوة، الكلالة هي‏المال. وقيل:
الفريضة. وقيل: بنوالعم‏ونحوهم‏وقيل: العصبات‏وان بعدوا.
ثم قال: ولكثرة الاختلاف فيها صح عن عمر انه قال: لم اقل في
الكلالة‏شيئا((403)). فكانه يراها عذرا للخليفة في‏ربيكته
بالكلالة، واين هو من اية الكلالة؟ وكيف تخفى على احد وهي
بين يديه وفيها قوله تعالى: (يبين اللّهلكم ان تضلوا) فكيف
بينها اللّه ومثل الخليفة يقول: لم تبين لي؟ ومن اين اتى
الخلاف وكثر وهي مبينة؟وكيف يرى النبي(ص) اية الصيف
كافية في البيان لمن جهل الكلالة؟
على ان الخليفة هو امام الامة ومرجعها الوحيد في خلافها، وبه
القدوة والاسوة في التخاصم والتنازع في‏الاراء والمعتقدات، فلا
عذر له في جهله بشي‏ء منها على كل حال خالفت الامة ام لم
تخالف.

30 راي الخليفة في الارنب
عن موسى بن‏طلحة: ان رجلا سال عمر عن الارنب، فقال عمر:
لولا اني ازيد في الحديث‏او انقص منه،وسارسل لك الى رجل.
فارسل الى عمار فجاء، فقال:كنا مع النبي(ص) فنزلنا في
موضع كذا وكذا فاهدى‏اليه رجل من الاعراب ارنبا فاكلناها،
فقال الاعرابي: يا رسول اللّه اني رايتها تدمي اي تحيض،
فقال‏النبي(ص): ((لا باس بها)).
اخرجه((404)) ابن ابي شيبة، وابن جرير الطبري كما في كنز
العمال (8/50)، واخرجه ابو يعلى في مسنده،والطبراني في
الكبير من رواية ابن الحوتكية كما في عمدة القاري (6/259)،
ورواه الهيثمي في مجمع الزوائد(3/195) نقلا عن احمد من
طريق ابن الحوتكية.
انا لا اقول: ان الذي اخاف الخليفة من الزيادة او النقيصة في
الحديث هو عدم معرفته بالحكم، ولا اقول:ان‏عم ارا كان ابصر
منه في القضية واوثق منه في الرواية والنقل. ولا اقول: اين
كانت تلك الحيطة منه في‏غير الارنب مما استبد بحكمه من
دون اي اكتراث من مئات المسائل في الاموال والانفس
والعقودوالايقاعات وهو يعلم انه لم يحط بها علما، لكني اكل
ذلك الى وجدانك الحر.
وفي النفس ما فيها في نفي الباس عن لحم الارنب، وهو قول
الائمة الاربعة‏وكافة العلماء الا ما حكي عن‏عبداللّه بن عمرو بن
العاص، وعبدالرحمن بن ابي ليلى، وعكرمة مولى ابن عباس
انهم كرهوا اكلها. عمدة‏القاري((405)) (6/259).

31 راي الخليفة في القود
عن ابن ابي حسين: ان رجلا شج رجلا من اهل الذمة، فهم عمر
بن الخطاب‏ان يقيده منه، فقال معاذ بن‏جبل: قد علمت ان
ليس ذلك لك. واثر ذلك عن النبي(ص) فاعطاه عمر بن
الخطاب في شجته‏دينارافرضي به.
اخرجه الحافظ السيوط‏ي في جمع الجوامع كما في
ترتيبه((406)) (7/304).

32 لولا معاذ لهلك عمر
عن ابي سفيان، عن اشياخ لهم: ان امراة غاب عنها زوجها
سنتين ثم جاء وهي حامل، فرفعها الى عمرفامر برجمها، فقال
له معاذ: ان يكن لك عليها سبيل فلا سبيل لك على ما في
بطنها، فقال عمر: احبسوهاحتى تضع فوضعت غلاما له ثنيتان،
فلما راه ابوه عرف الشبه فقال: ابني ابني ورب الكعبة، فبلغ
ذلك عمرفقال: عجزت النساء ان يلدن مثل معاذ، لولا معاذ
لهلك عمر.
لفظ البيهقي : جاء رجل الى عمر بن الخطاب(رضى‏ا...عنه)
فقال: يا امير المؤمنين اني غبت عن امراتي‏سنتين فجئت وهي
حبلى، فشاور عمر(رضى‏ا...عنه) ناسا في رجمها، فقال معاذ بن
جبل(رضى‏ا...عنه): ياامير المؤمنين ان كان لك عليها سبيل
فليس لك على ما في بطنها سبيل فاتركها حتى تضع. فتركها
فولدت‏غلاما قد خرجت ثناياه فعرف الرجل الشبه فيه، فقال:
ابني ورب الكعبة، فقال عمر(رضى‏ا...عنه):عجزت النساء ان
يلدن مثل معاذ، لولا معاذ لهلك عمر.
اخرجه((407)) البيهقي في السنن الكبرى (7/443)، وابو عمر
في العلم (ص‏150)، والباقلاني ايعازا اليه في التمهيد(ص‏199)،
وابن ابي شيبة كما في كنز العمال (7/82)،وفتح الباري لابن
حجر (12/120) وقال: اخرجه ابن‏ابي شيبة ورجاله ثقات،
والاصابة (3/427) نقلا عن فوائد محمد بن مخلد العطار،
وذكره ابن ابي الحديد في‏شرح النهج (3/150) متسالما عليه.

33 راي الخليفة في القود
عن مكحول: ان عبادة بن الصامت دعا نبطيا يمسك له دابته
عند بيت المقدس فابى فضربه فشجه،فاستدعى عليه عمر بن
الخطاب فقال له: ما دعاك الى ما صنعت بهذا؟ فقال: يا امير
المؤمنين امرته ان‏يمسك دابتي فابى وانا رجل في حدة
فضربته، فقال: اجلس للقصاص. فقال زيد بن ثابت: اتقيد
عبدك من‏اخيك؟ فترك عمر عنه القود وقضى عليه بالدية.
اخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/32)، وذكره السيوط‏ي
في جمع الجوامع كما في الكنز((408)) (7/303).

34 راي الخليفة في ذمي مقتول
عن مجاهد: قال: قدم عمر بن الخطاب الشام فوجد رجلا من
المسلمين قتل رجلا من اهل الذمة فهم ان‏يقيده، فقال له زيد
بن ثابت: اتقيد عبدك من اخيك؟ فجعله عمر دية.
اخرجه عبدالرزاق((409))، وابن جرير الطبري كما في كنز
العمال((410)) (7/304).

35 قصة اخرى في ذمي مقتول
عن عمر بن عبدالعزيز: ان رجلا من اهل الذمة قتل بالشام عمدا
وعمر بن الخطاب اذ ذاك بالشام، فلمابلغه ذلك قال عمر: قد
ولعتم
((411))   باهل الذمة لاقتلنه به. قال ابو عبيدة بن الجراح:
ليس ذلك لك، فصلى ثم‏دعاابا عبيدة فقال: لم زعمت لا اقتله
به؟ فقال ابو عبيدة: ارايت لو قتل عبدا له اكنت قاتله به؟
فصمت عمر،ثم قضى عليه بالدية بالف دينار تغليظا عليه.
اخرجه البيهقي في السنن الكبرى (8/32)، وذكره السيوط‏ي
في جمع الجوامع كما في ترتيبه((412))(7/303).

36 راي الخليفة في قاتل معفو عنه
عن ابراهيم النخعي: ان عمر بن الخطاب (رضى‏ا...عنه) اتي
برجل قد قتل عمدا فامربقتله فعفا بعض‏الاولياء فامر بقتله،
فقال ابن مسعود: كانت‏النفس لهم جميعا، فلما عفا هذا احيا
النفس فلا يستطيع ان‏ياخذحقه حتى ياخذ غيره قال: فما
ترى؟ قال: ارى ان تجعل الدية عليه في ماله وترفع حصة الذي
عفا، فقال‏عمر(رضى‏ا...عنه): وانا ارى ذلك((413)).
ان كان الحكم في هذه القضايا هو ما ارتاه الخليفة اولا فلماذا
عدل عنه؟ وان كان ما لفتوا نظره اليه‏اخيرافلماذا هم ان ينوء
بالاول؟ وهل من المستطاع ان نقول: ان الحكم كان عازبا عن
فكرة خليفة‏المسلمين في كل هذه الموارد؟ او ان تلكم
الاقضية كانت مجرد راي وتحكم؟ او هذه هي سيرة اعلم‏الامة؟

37 راي الخليفة في الاصابع
عن سعيد بن المسيب: ان عمر بن الخطاب (رضى‏ا...عنه)
قضى في الاصابع: في الابهام بثلاث عشرة، وفي‏التي تليها
باثنتي عشرة، وفي الوسط‏ى بعشر، وفي التي تليها بتسع، وفي
الخنصر بست.
وفي لفظ آخر :
ان عمر بن الخطاب (رضى‏ا...عنه) قضى في الابهام بخمس
عشرة، وفي التي تليها بعشر، وفي الوسط‏ى‏بعشر، وفي التي تلي
الخنصر بتسع، وفي الخنصر بست.
وعن ابي غطفان: ان ابن عباس كان يقول في الاصابع عشر
عشر، فارسل مروان اليه فقال: اتفتي في‏الاصابع عشر عشر وقد
بلغك عن عمر (رضى‏ا...عنه) في الاصابع؟ فقال ابن عباس:
رحم اللّه عمر، قول‏رسول اللّه (ص) احق ان يتبع من قول
عمر(رضى‏ا...عنه)((414)).
قال الاميني : ثبت في الصحاح والمسانيد ان رسول اللّه(ص)
قال: في الاصابع عشر عشر على ما افتى به ابن‏عباس، وهذه
سنته(ص) المسلمة وهديه الثابت فيها، وما قضى به عمر فمن
آرائه الخاصة به، والامر كماقال ابن عباس: قول رسول‏اللّه(ص)
احق ان يتبع من قول عمر. وانا لا ادري ان الخليفة كان يعلم
ذلك‏ويخالف ام لم يكن يعلم؟
فان كان لا يدري فتلك مصيبة
وان كان يدري فالمصيبة اعظم

38 راي الخليفة في دية الجنين
عن المسور بن مخرمة، قال: استشار عمر بن
الخطاب(رضى‏ا...عنه) الناس في املاص المراة، فقال المغيرة
بن‏شعبة: سمعت رسول اللّه(ص) قضى بغرة عبد او امة. فقال:
ائتني بمن يشهد معك، فشهد معه محمد بن‏مسلمة((415)).
وعن عروة: ان عمر(رضى‏ا...عنه) سال نشد الناس من سمع
رسول اللّه(ص) قضى في السقط؟ فقال‏المغيرة بن شعبة: انا
سمعت رسول اللّه(ص) قضى فيه بغرة عبد او امة، فقال: ائت
بمن يشهد معك على هذا.فقال محمد بن مسلمة: انا اشهد
على النبي(ص) بمثل هذا((416)).
وفي لفظ ابي داود: فقال عمر: اللّه اكبر لو لم اسمع بهذا لقضينا
بغير هذا((417)).
وفي حديث: نشد عمر الناس في دية الجنين، فقال حمل بن
النابغة: ان‏رسول‏اللّه(ص) قضى فيه بغرة عبد اووليدة فقضى به
عمر
((418)). وزاد الشافعي: فقال عمر (رضى‏ا...عنه) لو لم
نسمع هذا لقضينا فيه بغير هذا. وفي‏لفظ: ان كدنا ان نقضي في
مثل هذا براينا.
قال ابن حجر في الاصابة (2/259): اخرجه احمد واصحاب
السنن باسناد صحيح من طريق طاووس عن‏ابن عباس.
قال الاميني : ما احوج الخليفة الى العقل المنفصل في كل
قضية حتى انه يركن الى مثل المغيرة ازنى ثقيف‏واكذبها في
شريعة الهية! وهو لم يجز شهادة المغيرة للعباس‏عم النبي(ص)
في دعواه انه(ص) اقطع له‏البحرين((419))، او يستند الى مثل
محمد بن مسلمة الذي ما جاء عنه غير ستة احاديث((420))، او
الى مثل حمل بن‏النابغة الذي ليس له عندهم غير هذا
الحديث((421)).
قال ابن دقيق العيد: استشارة عمر في ذلك اصل في سؤال
الامام عن الحكم اذا كان لا يعلمه، او كان عنده‏شك، او اراد
الاستثبات((422)). لكنا لا نرى في مستوى الامامة مقيلا لمن
يجهل حكما من الاحكام، او يشك فيماعلمه، او يحتاج الى
التثبت فيما اتصل به يقينه بقول هذا وذاك، فانه المقتدى في
الاحكام كلها، فلو جاز له‏الجهل في شي‏ء منها او الشك او
الحاجة الى التثبت لجاز ان يقع ذلك حيث لا يجد من يساله
فيرتبك في‏الجواب، او يربك صاحبه في الضلال، او يتعطل
الحكم الالهي من جراء ذلك، الاتسمع قول عمر: اللّه اكبرلو لم
اسمع بهذا لقضينا بغير هذا. او: ان كدنا ان نقضي في مثل هذا
براينا.

39 راي الخليفة في سارق
عن عبد الرحمن بن عائذ، قال: اتي عمر بن الخطاب برجل
اقطع اليد والرجل قد سرق، فامر به عمر ان‏يقطع رجله، فقال
علي(رضى‏ا...عنه): ((انما قال اللّه عز وجل: (انما جزاء الذين
يحاربون اللّه ورسوله)،الاية((423))، فقد قطعت يد هذا ورجله
فلا ينبغي ان تقطع رجله فتدعه ليس له قائمة يمشي عليها،
اما ان تعزره‏واما ان تستودعه السجن)). قال: فاستودعه السجن.
السنن الكبرى للبيهقي (8/274)، كنز العمال((424))
(3/118).

40 اجتهاد الخليفة في هدية ملكة الروم
«1 » عن قتادة قال: بعث عمر رسولا الى ملك الروم،
فاستقرضت ام كلثوم بنت علي وكانت امراة عمر آدينارا
فاشترت به عطرا وجعلته في قارورة وبعثت به مع الرسول الى
امراة ملك الروم، فلما اتاها بعثت لهاشيئا من الجواهر وقالت
للرسول: اذهب به الى امراة عمر، فلما اتاها افرغته على البساط
فدخل عمرفقال:ما هذا؟ فاءخبرته فاخذ الجواهر وخرج بها الى
المسجد ونادى الصلاة جامعة.
فلما اجتمع الناس اخبرهم الخبر واراهم الجواهر وقال: ماترون
في ذلك؟ فقالوا: انا نراها تستحق ذلك لانه‏هدية جاءتها من
امراة لا جزية ولا خراج عليها ولا يتعلق بها حكم من احكام
الرجال. فقال: لكن‏الزوجة زوجة امير المؤمنين، والرسول
رسول امير المؤمنين، والراحلة التي ركبها للمؤمنين، وما جاء
ذلك‏كله لولا المؤمنون، فارى ان ذلك لبيت مال المسلمين،
ونعطيها راس مالها، فباع الجواهر ودفع لزوجته‏دينارا وجعل ما
بقي في بيت مال المسلمين((425)).
2 يروى ان امراة ابي عبيدة ارسلت الى امراة ملك الروم هدية
فكافاتها بجوهر، فبلغ ذلك عمر فاخذه‏فباعه واعطاها ثمن
هديتها ورد باقيه الى بيت مال المسلمين((426)).
قال الاميني : كل ما ذكره الخليفة ليس من المملك ولا من
المخرجات من الملك، اما كونها زوجة الخليفة فمن‏الدواعي
لاهداء زوجة ملك الروم، واما وجود المؤمنين فهو من بواعث
شوكة الخليفة التي من جهتهاتكون زوجته معتنى بها عند
ازواج الملوك، وكون الرسول رسول الخليفة لا يبيح ما ائتمن
عليه الرسول في‏ايصاله الى صاحبه. ودابة المؤمنين لا تستبيح
ما حمله الراكب عليها.
نعم، من الممكن ان كان له ثقل يعتد به ان ياخذ المؤمنون
الاجرة على حمله.
ولا ادري كيف فعل الخليفة ما فعل؟ وكيف استساغ المسلمون
ذلك المال اخيرا بعد ان راوا انها تستحقه‏اولا؟ ثم ما وجه اعطاء
ثمن الهدية في القضيتين؟ فان كان لحق لصاحبتيهما في
الجوهر، فهو لهما في كله، والا فقد اقدمتاهما الى اتلاف مالهما،
فلا وجه لاعطاء بدله من مال المسلمين.

41 راي الخليفة في جلد المغيرة
عن عبد الرحمن بن‏ابي بكرة : ان ابابكرة وزيادا ونافعا وشبل بن
معبد كانوا في‏غرفة والمغيرة في اسفل الدارفهبت ريح ففتحت
الباب ورفعت الستر فاذا المغيرة بين رجليها، فقال بعضهم
لبعض: قد ابتلينا. قال: فشهدابوبكرة ونافع وشبل، وقال زياد: لا
ادري نكحها ام لا، فجلدهم عمر(رضى‏ا...عنه) الا زيادا،
فقال‏ابوبكرة(رضى‏ا...عنه): اليس قد جلدتموني؟ قال: بلى.
قال: فانا اشهد باللّه لقد فعل. فاراد عمر ان يجلده‏ايضا، فقال
علي: ((ان كانت شهادة ابي بكرة شهادة رجلين فارجم
صاحبك، والا فقد جلدتموه))، يعني لايجلد ثانيا باعادة القذف.
وفي لفظ آخر: فهم عمر ان يعيد عليه الحد فنهاه
علي(رضى‏ا...عنه) وقال: ((ان جلدته فارجم صاحبك))،فتركه
ولم يجلده.
وفي لفظ ثالث: فهم عمر بضربه، فقال على: ((لئن ضربت هذا
فارجم ذاك))((427)).
صورة مفصلة :
عن انس بن مالك: ان المغيرة بن شعبة كان يخرج من دار
الامارة وسط النهار، وكان ابوبكرة نفيع الثقفي آيلقاه فيقول
له: اين يذهب الامير؟ فيقول: الى حاجة، فيقول له: حاجة ما؟
ان الامير يزار ولا يزور، قال:وكانت المراة ام جميل بنت
الافقم التي ياتيها جارة لابي بكرة، قال: فبينا ابوبكرة في غرفة
له مع اصحابه‏واخويه نافع وزياد ورجل آخر يقال له شبل بن
معبد، وكانت غرفة تلك المراة بحذاء غرفة ابي بكرة،فضربت
الريح باب غرفة المراة ففتحته. فنظر القوم فاذا هم بالمغيرة
ينكحها، فقال ابوبكرة: هذه بلية ابتليتم‏بها فانظروا. فنظروا
حتى اثبتوا، فنزل ابوبكرة حتى خرج عليه المغيرة من بيت
المراة، فقال له: انه قد كان‏من امرك ما قد علمت فاعتزلنا،
قال: وذهب ليصلي بالناس الظهر فمنعه ابوبكرة وقال له: واللّه
لاتصلي بناوقد فعلت ما فعلت. فقال الناس: دعوه فليصل فانه
الامير واكتبوا بذلك الى عمر. فكتبوا اليه، فورد كتابه‏ان يقدموا
عليه جميعا المغيرة والشهود.
قال مصعب بن سعد: ان عمر بن الخطاب(رضى‏ا...عنه) جلس
ودعا بالمغيرة والشهود، فتقدم ابوبكرة فقال‏له: ارايته بين
فخذيها؟ قال: نعم واللّه لكاني انظر تشريم جدري بفخذيها،
فقال له‏المغيرة: لقد الطفت النظر،فقال له: الم اك قد اثبت ما
يخزيك اللّه به؟فقال له عمر: لا واللّه حتى تشهد لقد رايته يلج
فيه كما يلج المرودفي المكحلة. فقال: نعم اشهد على ذلك،
فقال له: اذهب مغيرة ذهب ربعك، ثم دعا نافعا فقال له:
علام‏تشهد؟ قال: على مثل شهادة ابي بكرة. قال: لا حتى تشهد
انه يلج فيه ولوج المرود في المكحلة، فقال: نعم‏حتى بلغ
قذذه((428)). فقال: اذهب مغيرة ذهب نصفك، ثم دعا الثالث
فقال: علام تشهد؟ فقال: على مثل شهادة‏صاحبي. فقال له:
اذهب مغيرة ذهب ثلاثة ارباعك، ثم كتب عمر الى زياد
فقدم على عمر، فلما رآه‏جلس له في المسجد واجتمع له
رؤوس المهاجرين والانصار، فقال المغيرة: ومعي كلمة قد
رفعتها لاحلم‏القوم، قال: فلما رآه عمر مقبلا قال: اني لارى
رجلا لن يخزي اللّه على لسانه رجلا من المهاجرين. فقال:
ياامير المؤمنين اما ان احق ما حق القوم فليس ذلك عندي،
ولكني رايت مجلسا قبيحا وسمعت امراحثيثاوانبهارا، ورايته
متبطنها، فقال له: ارايته يدخله كالميل في المكحلة؟ فقال: لا.
وفي لفظ قال: رايته رافعا برجليها، ورايت خصيتيه تترددان
بين فخذيها،ورايت حفزا شديدا، وسمعت‏نفسا عاليا.
وفي لفظ الطبري قال: رايته جالسا بين رجلي امراة، فرايت
قدمين مخضوبتين تخفقان، واستين مكشوفتين،وسمعت
حفزانا شديدا.
فقال له: ارايته يدخله ويخرجه كالميل في المكحلة؟ فقال: لا،
فقال عمر: اللّه اكبر قم اليهم فاضربهم، فقام‏الى ابي بكرة
فضربه ثمانين وضرب الباقين واعجبه قول زياد ودرا عن
المغيرة الرجم، فقال ابو بكرة بعد ان‏ضرب: فاني اشهد ان
المغيرة فعل كذا وكذا. فهم عمر بضربه،فقال له علي(ع): ((ان
ضربته رجمت صاحبك‏ونهاه عن ذلك))((429)).
قال الاميني : لو كان للخليفة قسط من حكم هذه القضية لما
هم بجلد ابي بكرة ثانيا، ولا عزب عنه حكم‏رجم المغيرة ان
جلد.
وان تعجب فعجب ايعاز الخليفة الى زياد لما جاء يشهد بكتمان
الشهادة بقوله:اني لارى رجلا لن يخزي اللّهعلى لسانه رجلا
من المهاجرين((430)) او بقوله: اما اني ارى‏وجه رجل ارجو ان
لا يرجم رجل من اصحاب‏رسول اللّه(ص) على‏يده ولا يخزى
بشهادته((431)).
او بقوله: اني لارى غلاما كيسا لا يقول الا حقا ولم يكن
ليكتمني شيئا((432)).اوبقوله: اني ارى غلاما كيسا لن‏يشهد
ان شاء اللّه الا بحق((433)) وهو يوعز الى ان الذين تقدموه
اغرار شهدوا بالباطل، وعلى اي فقد استشعرزياد ميل الخليفة
الى درء الحد عن المغيرة فاتى بجمل لا تقصر عن الشهادة،
لكنه تلجلج عن صراح‏الحقيقة لما انتهى اليه، وكيف يصدق في
ذلك، وقد راى استاها مكشوفة، وخصيتين مترددتين بين
فخذي‏ام‏جميل، وقدمين مخضوبتين مرفوعتين، وسمع حفزانا
شديدا ونفسا عاليا، ورآه متبط نا لها، وهل تجد في‏هذا الحد
مساغا لان يكون الميل في خارج المكحلة؟ اوان يكون قضيب
المغيرة جامحا عن فرج ام‏جميل؟
نعم، كان في القضية تاول واجتهاد ادى الى اهمية درء الحد في
المورد خاصة، وان كان الخليفة نفسه‏جازمابصدق الخزاية كما
يعرب عنه قوله للمغيرة: واللّه ما اظن ابابكرة كذب عليك، وما
رايتك الا خفت‏ان ارمى بالحجارة من السماء. قاله لما وافقت ام
جميل عمر بالموسم والمغيرة هناك فساله عنها فقال: هذه
ام‏كلثوم بنت علي، فقال عمر: اتتجاهل علي؟ واللّه ما اظن...
الخ((434)).
وليت شعري لماذا كان عمر يخاف ان يرمى بالحجارة من
السماء؟ الرده الحد حقا؟ وحاشا اللّه ان يرمي مقيم‏الحق، او
لتعطيله الحكم؟ او لجلده مثل ابي بكرة الذي عدوه من خيار
الصحابة وكان من العبادة كالنصل؟انا لا ادري.
وكان علي امير المؤمنين(ع) يصافق عمر على ما ظن او جزم
به فخاف ان يرمى بالحجارة، وينم عن ذلك‏قوله(ع): ((لئن لم
ينته المغيرة لاتبعنه احجاره)). او قوله: ((لئن اخذت المغيرة
لاتبعنه احجاره))((435)).
وقد هجاه حسان بن ثابت في هذه القصة بقوله:
لو ان اللؤم ينسب كان عبدا
قبيح الوجه اعور من ثقيف
تركت الدين والاسلام لما
بدت لك غدوة ذات النصيف
وراجعت الصبا وذكرت لهوا
من القينات في العمر اللطيف((436))
ولا يشك ابن ابي الحديد المعتزلي في ان المغيرة زنى باءم
جميل وقال: ان الخبربزناه كان شائعامشهورامستفيضا بين
الناس((437))، غير انه لم يخطئ عمر بن الخطاب في درء
الحد عنه، ويدافع عنه بقوله: لان‏الامام يستحب له درء الحد
وان غلب على ظنه انه قد وجب الحد عليه.
عزب عن ابن ابي الحديد ان درء الحد بالشبهات لا يخص
بالمغيرة فحسب بل للامام رعاية حال الشهودايضا ودرء الحد
عنهم، فانى لامام درا الحد عمن يقال: انه كان ازنى الناس في
الجاهلية، فلما دخل في‏الاسلام قيده الاسلام وبقيت عنده منه
بقية ظهرت في ايام ولايته بالبصرة((438))؟ انى له رفع اليد
عن مثل‏الرجل وقد غلب على‏ظنه وجوب الحد عليه، وحكمه
بالحد على‏ابرياء ثلاثة يشك في الحد عليهم وفيهم‏من يعد من
عباد الصحابة؟ وانى يتاءتى الاحتياط في درء الحد عن واحد
مثل المغيرة برمي ثلاثة بالكذب‏والقذف وتشويه سمعتهم في
المجتمع الديني وتخذيلهم باجراء الحد عليهم؟
ثم هلا اجتمعت كلمة الشهود الاربعة على ما شهد به زياد من
معاصي المغيرة دون ايلاج المرود في‏المكحلة؟ فلماذا لم
يعزره على ما اقترفه من الفاحشة؟ اولم تكن‏المعاصي تستوجب
تعزيرا؟ اولم يكن من‏راي الخليفة جلد صائم اخذ على شراب
كما ياتي في نادرة (72)؟
اولم يكن من رايه ضرب خمسين على من وجد مع امراة في
لحافها على فراشها((439))؟
اولم يكن مقررا حكم عبداللّه بن مسعود في رجل وجد مع امراة
في لحاف، فضرب عبداللّه كل واحد منهمااربعين سوطا
واقامهما للناس، فذهب اهل المراة واهل‏الرجل فشكوا ذلك الى
عمر بن الخطاب، فقال عمرلابن مسعود: ما يقول هؤلاء؟ قال:
قد فعلت ذلك. قال: اورايت ذلك؟ قال: نعم. فقال: نعم ما
رايت.فقالوا: اتيناه نستاذنه فاذا هو يساله((440)).
نعم، للقارئ ان يفرق بين ما نحن فيه وبين تلكم المواقف التي
حكم فيها بالتعزير بان الحكم هناك قد دارمدار اللحاف ولم
يكن لحاف على المغيرة وام جميل في فحشائهما، والقول
بمثل هذه الخزاية اهون من تلكم‏الكلم التي توجد في الدفاع
عن الخليفة حول هذه القضية ولدتها.
هذا مغيرة وهذه الى امثالها بوائقه، وكان يعرف بها في اسلامه
وقبله، وقد اتى‏امير المؤمنين(ع) عندما تولى‏الخلافة يظهر
بزعمه النصح له باقرار معاوية في ولايته على الشام ردحا ثم
يفعل به ما اراد، وبما ان اميرالمؤمنين(ع) لم يكن ممن يداهن
ويجامل اعداء اللّه في امر الدين ولا يؤثر الدهاء على حكم
الشريعة، وكان‏يرى ان مفاسد ابقاء معاوية على الامر لا تكافئ
مصلحة اغفاله عن المقاومة، فانه غير صالح لتولي
امرالمسلمين فيومه لدة سنته، وساعته كمثل عمره في
الفساد، رفض ذلك الراي المغيري، ولم يكن بالذي
يتخذالمضلين عضدا، فبهض ذلك المغيرة فولى عنه منشدا:
نصحت عليا في ابن هند نصيحة
فردت فلم اسمع لها الدهر ثانيه
وقلت له: اوجز عليه بعهده
وبالامر حتى يستقر معاويه
وتعلم اهل الشام ان قد ملكته
وان اذنه صارت لامرك واعيه
فتحكم فيه ما تريد فانه
لداهية فارق به اي داهيه
فلم يقبل النصح الذي قد نصحته
وكانت له تلك النصيحة كافيه((441))
واجاب عنها العلا مة الاوردبادي بقوله:
اتيت امام المسلمين بغدرة
فلم تلف نفسا منه للغدر صاغيه
واسمعته ادا من القول لم يصخ
له اذ راى منه الخيانة باديه
رغبت اليه في ابن هند ولاية
ابى الدين الا ان ترى عنه نائيه
ايؤتمن الغاوي على امرة الهدى
تعاد على الدين المعرة ثانيه
ويرعى القطيع الذئب والذئب كاسر
ويامن منه في الاويقة عاديه
وهل سمعت اذناك قل لي هنيهة
بزوبعة هبت فلم تعد سافيه
وهل يامن الافعى السليم سويعة
ومن شدقها قتالة السم جاريه
فيوم ابن هند ليس الا كدهره
فصفقته كانت من الخير خاليه
وللشر منه والمزنم جروه((442))
ووالده شيخ الفجور زبانيه
متى كان للتقوى علوج امية
وللغي منهم كل باغ وباغيه
وللزور والفحشاء منهم زبائن
وللجور منهم كل دهياء داهيه
هم ارهجوها فتنة جاهلية
اذا انتهزوا للشر اجواء صافيه
فماذا على حلف التقى وهو لا يرى
يراوغ في امر الخلافة طاغيه
وشتان في الاسلام هذا وهذه
فدين علي غير دنيا معاويه
اتنقم منه ان شرعة احمد
تجذ يمينا لابن سفيان عاديه
وتحسب ان قد فاته الراي عنده
كانك قد ابصرت ما عنه خافيه
ولولا التقى الفيت صنو محمد
لتدبير امر الملك اكبر داهيه
عرفناك يا ازنى ثقيف ووغدها
عليك بيوميك الشنار سواسيه
وانك في الاسلام مثلك قبله
وام جميل للخزاية راويه
وكان المغيرة في مقدم اناس كانوا ينالون من امير
المؤمنين(ع). قال ابن‏الجوزي: قدمت الخطباء الى المغيرة‏بن
شعبة بالكوفة، فقام صعصعة بن صوحان فتكلم، فقال المغيرة:
اخرجوه فاقيموه على المصطبة فليلعن‏عليا. فقال: لعن اللّه من
لعن اللّه ولعن علي بن ابي طالب، فاخبره بذلك فقال: اقسم
باللّه لتقيدنه. فخرج‏فقال: ان هذا يابى الا علي بن ابي طالب،
فالعنوه لعنه اللّه. فقال المغيرة: اخرجوه اخرج اللّه نفسه.
رسائل الجاحظ((443)) (ص‏92)، الاذكياء (ص‏98)((444)).
واخرج احمد في مسنده((445)) (4/369) عن قطبة بن مالك
قال: نال المغيرة بن شعبة من علي، فقال زيد بن ارقم:قد
علمت ان رسول اللّه(ص) كان ينهى عن سب‏الموتى، فلم تسب
عليا وقد مات؟
واخرج في المسند((446)) ايضا (1/188) احاديث نيله من امير
المؤمنين (ع) في خطبته واعتراض سعيد بن زيدعليه.

42 كل افقه من عمر حتى العجائز
لما رجع عمر بن الخطاب من الشام الى المدينة انفرد عن
الناس ليعرف اخبارهم، فمر بعجوز في خبائهافقصدها، فقالت:
ياهذا ما فعل عمر؟ قال: هو ذا قد اقبل من الشام. قالت: لا جزاه
اللّه عني خيرا، قال:ويحك ولم؟ قالت: لانه واللّه مانالني من
عطائه منذ ولي الى يومنا هذا دينار ولا درهم، فقال: ويحك
ومايدري عمر حالك وانت في هذا الموضع؟ فقالت: سبحان اللّه
ما ظننت ان احدا يلي على الناس ولا يدري‏ما بين مشرقها
ومغربها، قال: فاقبل عمر وهو يبكي ويقول: واعمراه واخصوماه،
كل واحد افقه منك ياعمر. الحديث.
وفي لفظ: كل واحد افقه منك حتى العجائز يا عمر.
الرياض‏النضرة (2/57)، الفتوحات الاسلامية (2/408)، نور
الابصار (ص‏65)((447)).
قال الاميني : نحن ندرس من هذه القصة ان فكرة احاطة علم
الامام بالاشياء كلها او جلها فضلا عن‏الشرائع والاحكام فكرة
بسيطة عامة يشترك في لزومها الرجال والنساء، فهي غريزة
لاتعزب عن اي ابن‏انثى، وقد فقدها الخليفة واعترف بان كل
واحد افقه منه.

43 استشارة الخليفة في متسابين
اخرج البيهقي في السنن الكبرى (8/252): ان رجلين استبا في
زمن عمر بن الخطاب، فقال احدهما للاخر:واللّه ما ارى ابي
بزان ولا امي بزانية. فاستشار عمر الناس في ذلك، فقال قائل:
مدح اباه وامه. وقال‏آخرون. قد كان لابيه وامه مدح غير هذا،
نرى ان تجلده الحد. فجلده عمر الحد ثمانين.
وذكره النيسابوري في تفسيره((448)) في سورة النور عند
قوله تعالى: (والذين يرمون المحصنات ثم لم ياتواباربعة شهداء
فاجلدوهم ثمانين جلدة)((449)).
قال الاميني : انا لا ادري لاي المصيبتين انحب؟ ابقصور
الخليفة عن حكم المسالة؟ ام بقصر المعلمين له عن‏حقيقته؟
وكل يفوه براي ضئيل، والافظع جري العمل على ما قالوه.
اما الحد فليس الا بالقذف البين وهو المستفاد من قوله تعالى:
(والذين يرمون المحصنات...)، وعلى هذا كان‏عمل الصحابة
والتابعين لهم باحسان كما قال القاسم ابن محمد: ماكنا نرى
الجلد الا في القذف البين والنفي‏البين((450)). واما قول
ليس ابي بزان فنناقش اولا في كونه تعريضا، اذ لعله يريد
طهارة منبته التي تزعه عن‏النزول الى الدنايا من بذاءة في
القول، او خسة في الطبع، او حزازة في العمل، فمن الممكن انه
لا يريد الا هذافحسب، وهو الذي فهمه فريق من الصحابة
فقالوا: انه مدح اباه. وان‏لم يجدوا لماابدوه اذناواعية،وعلى‏فرض
كونه تعريضا فانما يوجب الحد اذا كانت‏دلالته مقطوعا بها، او ان
يعترف المعرض بانه لم يقصدالا القذف، والا فالحدود تدرا
بالشبهات. الا ترى سقوط الحكم عمن عرض بسب النبي(ص)
ولم يصرح‏كما في الصحاح.
والى نفي الحد بالتعريض ذهب ابوحنيفة والشافعي وابو يوسف
وزفر ومحمد ابن‏شبرمة والثوري والحسن‏بن‏صالح وبين
يديهم‏الحديث‏المذكور، وما رواه الاوزاعي عن الزهري عن
سالم عن ابن عمر قال: كان عمريضرب الحد في
التعريض((451)).
قال ابوبكر الجصاص في احكام القرآن((452)) (3/330): ثم لما
ثبت ان المراد بقوله: ( والذين يرمون المحصنات)،هوالرمي
بالزنا لم يجز له ايجاب الحد على غيره، اذ لا سبيل الى اثبات
الحدود من طريق المقاييس، وانماطريقها الاتفاق او التوقيف
وذلك معدوم في التعريض، ومشاورة عمر الصحابة في حكم
التعريض دلالة‏على انه لم يكن عندهم فيه توقيف وانه قال
اجتهادا ورايا، وايضا فان التعريض بمنزلة الكناية
المحتملة‏للمعاني وغير جائز ايجاب الحد بالاحتمال لوجهين:
احدهما: ان الاصل ان‏القائل بري‏ء الظهر من الجلد فلانجلده
بالشك والمحتمل مشكوك فيه، الا ترى ان يزيد ابن ركانة لما
طلق امراته البتة استحلفه النبي (ص)فقال: ما اردت الا واحدة
فلم يلزمه الثلاث بالاحتمال، ولذلك قال الفقهاء في كنايات
الطلاق: انها لا تجعل‏طلاقا الا بدلالة.
والوجه الاخر ما روي عن النبي (ص) انه قال: ((ادرؤوا الحدود
بالشبهات)). واقل احوال التعريض حين‏كان محتملا للقذف
وغيره ان يكون شبهة في‏سقوطه.
وايضا قد فرق اللّه تعالى بين التعريض بالنكاح في العدة وبين
التصريح فقال: (ولا جناح عليكم فيماعرضتم‏به من خ طبة
النساء او اك ننتم في انفسكم علم اللّه انكم ستذكرونهن ولكن
لا تواعدوهن سرا)((453)).يعني نكاحا فجعل التعريض بمنزلة
الاضمار في النفس فوجب ان يكون كذلك حكم التعريض
بالقذف،والمعنى الجامع بينهما ان التعريض لما كان فيه
احتمال كان في حكم الضمير لوجود الاحتمال فيه. انتهى.
هذه كلها كانت بمنتاى عن مبلغ الخليفة من العلم، غير انه
كان يستشير الناس كائنا من كان في كل مشكلة‏ثم يرى فيه
رايه وافق دين اللّه ام خالفه.

44 راي الخليفة في شجرة الرضوان
عن نافع قال: كان الناس ياتون الشجرة التي بايع رسول اللّه
(ص) تحتها بيعة الرضوان فيصلون عندها،فبلغ ذلك عمر
فاوعدهم فيها وامر بها فقطعت((454)).
الطبقات الكبرى لابن سعد(ص‏607)، سيرة عمر لابن الجوزي
(ص‏107)، شرح ابن ابي الحديد(3/122)، السيرة الحلبية
(3/29)، فتح الباري لابن حجر (7/361) وقد صححه، ارشاد
الساري (6/337)وحكى تصحيح ابن حجر، شرح المواهب
للزرقاني (2/207)، الدر المنثور (6/73)، عمدة القاري
(8/284)وقال: اسناد صحيح.
وذكره ابن ابي الحديد في شرحه((455)) (1/60) ولفظه: كان
الناس بعد وفاة رسول‏اللّه (ص) ياتون الشجرة التي‏كانت بيعة
الرضوان تحتها فيصلون عندها، فقال‏عمر: اراكم ايها الناس
رجعتم الى العزى، الا لا اوتى منذاليوم باحد عاد لمثلها الا
قتلته بالسيف كما يقتل المرتد. ثم امر بها فقطعت.

45 راي الخليفة في آثار الانبياء
عن معرور، قال: خرجنا مع عمر بن الخطاب(رضى‏ا...عنه) في
حجة حجها قال: فقرابنا في الفجر: الم تركيف فعل ربك
باصحاب الفيل ولايلاف قريش فلما انصرف فراى الناس مسجدا
فبادروه فقال: ما هذا؟قالوا: هذا مسجد صلى فيه النبي (ص)
فقال: هكذا هلك اهل الكتاب قبلكم، اتخذوا آثار انبيائهم بيعا،
من‏عرضت له صلاة فليصل ومن لم تعرض له صلاة
فليمض((456)).
قال الاميني : ليت شعري ما المانع من تعظيم آثار الانبياء وفي
مقدمهم سيد ولد آدم محمد(ص) اذا لم يكن‏خارجا عن حدود
التوحيد كالسجود الى تماثيلهم واتخاذها قبلة؟ (ومن يعظم
شعائر اللّه فانها من تقوى‏القلوب)((457))، ومتى هلكت الامم
باتخاذهم آثار انبيائهم بيعا؟ واي مسجد تكون الصلاة فيه ازلف
الى اللّهسبحانه من مسجد صلى فيه رسوله اللّه(ص)؟ واي
مكان اشرف من مكان حل به النبي الاعظم وبويع فيه‏بيعة
الرضوان وحظ‏ي المؤمنون فيه برضى اللّه عنهم؟ اولا يكسب
ذلك كله المحل فضلا يزيد في زلفة‏المتعبدين بفنائه؟ وما
ذنب الشجرة المسكينة حتى اجتثت اصولها؟ ولا من ثائر لها او
مدافع عنها. اوليس‏ذلك توهينا للمحل ولمشرفه؟ ايسوغ ادب
الدين للخليفة قوله: اراكم ايها الناس رجعتم الى
العزى؟والذين كانوايرون حرمة تلكم الاثار ويعظمونها ويصلون
عندها انما هم حملة علم الدين من الصحابة‏العدول، مراجع
الخليفة في الاحكام والشرائع، كان يعول عليهم حيثما اعيته
المسائل قائلا: كل الناس افقه‏منك يا عمر.
هذه اسئلة جمة عزب عن الخليفة العلم بالجواب عنها، او انها
لم تدر في خلده، او انه متاول فيها جمعاءوانت ترى...
ومن الصحابة التي كانت تتبرك بتلك الاماكن وتصلي فيها
عبداللّه بن عمر، قال موسى بن عقبة((458)): رايت‏سالم بن
عبداللّه يتحرى اماكن من الطريق فيصلي فيهاويحدث ان اباه
كان يصلي فيها، وانه راى النبي (ص)يصلي في تلك الامكنة.
وعن نافع عن ابن عمر انه كان يصلي في تلك الامكنة.
فالراجع الى الصحاح والسنن يجد كثيرا من لدة هذه يعلم بها
ان راي الخليفة انما يخص به ولا يتبع ولم يتبع‏ولن يتبع.

46 الخليفة وقوم من احبار اليهود
لما ولي امير المؤمنين عمر بن الخطاب(رضى‏ا...عنه) الخلافة
اتاه قوم من احبار اليهود فقالوا: يا عمر انت‏ولي الامر بعد محمد
(ص) وصاحبه، وانا نريد ان نسالك عن خصال ان اخبرتنا بها
علمنا ان الاسلام‏حق‏وان محمدا كان نبيا، وان لم تخبرنا به
علمنا ان الاسلام باطل وان محمدا لم يكن نبيا، فقال: سلوا عما
بدالكم، قالوا: اخبرنا عن اقفال السموات ما هي؟ واخبرنا عن
مفاتيح السموات ما هي؟ واخبرنا عن قبرسار بصاحبه ما هو؟
واخبرنا عمن انذر قومه لا هو من الجن ولا هو من‏الانس؟
واخبرنا عن خمسة‏اشياء مشوا على وجه الارض ولم يخلقوا في
الارحام؟ واخبرنا ما يقول الدراج في صياحه؟ وما يقول‏الديك
في صراخه؟ وما يقول الفرس في صهيله؟ وما يقول الضفدع في
نقيقه؟ وما يقول الحمار في نهيقه؟وما يقول القنبر في صفيره؟
قال: فنكس عمر راسه في الارض ثم قال: لا عيب بعمر اذا سئل
عما لا يعلم ان يقول: لا اعلم، وان يساءل‏عما لا يعلم. فوثبت
اليهود وقالوا: نشهد ان محمدا لم يكن نبيا وان الاسلام باطل،
فوثب سلمان الفارسي‏وقال لليهود: قفوا قليلا، ثم توجه نحو
على بن ابي طالب كرم اللّه وجهه حتى دخل عليه فقال: يا ابا
الحسن‏اغث الاسلام. فقال: ((وماذاك؟)) فاخبره الخبر، فاءقبل
يرفل في بردة رسول اللّه (ص)، فلما نظر اليه عمروثب قائما
فاعتنقه وقال: يا ابا الحسن انت لكل معضلة وشدة تدعى. فدعا
علي كرم اللّه وجهه اليهود فقال:((سلوا عما بدا لكم فان النبي
(ص) علمني الف باب من العلم فتشعب لي من كل باب الف
باب))، فسالوه‏عنها. فقال علي كرم اللّه وجهه: ((ان لي عليكم
شريطة اذا اخبرتكم كما في توراتكم دخلتم في ديننا
وآمنتم))فقالوا: نعم. فقال: ((سلوا عن خصلة خصلة)).
قالوا: اخبرنا عن اقفال السموات ما هي؟
قال: ((اقفال السموات الشرك باللّه، لان العبد والامة اذا كانا
مشركين لم يرتفع لهما عمل)).
قالوا: فاخبرنا عن مفاتيح السموات ماهي؟
قال: ((شهادة ان لا اله الا اللّه وان محمدا عبده ورسوله)). قال:
فجعل بعضهم ينظر الى بعض ويقولون:صدق الفتى.
قالوا: فاخبرنا عن قبر سار بصاحبه؟
فقال: ((ذلك الحوت الذي التقم يونس بن متى فسار به في
البحار السبع)).
فقالوا: اخبرنا عمن انذر قومه لا هو من الجن ولا هو من الانس؟
قال: ((هي نملة سليمان بن داود قالت: (يا ايها النمل ادخلوا
مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم
لايشعرون)((459)))).
قالوا: فاخبرنا عن خمسة مشوا على الارض ولم يخلقوا في
الارحام؟
قال: ((ذلكم: آدم، وحواء، وناقة صالح، وكبش ابراهيم، وعصا
موسى)).
قالوا: فاخبرنا ما يقول الدراج في صياحه؟ قال: ((يقول: الرحمن
على العرش استوى)).
قالوا: فاخبرنا ما يقول الديك في صراخه؟
قال: ((يقول: اذكروا اللّه يا غافلين)).
قالوا: اخبرنا ما يقول الفرس في صهيله؟
قال: ((يقول اذا مشى المؤمنون الى الكافرين للجهاد: اللهم
انصر عبادك المؤمنين على الكافرين)).
قالوا: فاخبرنا ما يقول الحمار في نهيقه؟
قال: ((يقول: لعن اللّه العشار، وينهق في اعين الشياطين)).
قالوا: فاخبرنا ما يقول الضفدع في نقيقه؟
قال: ((يقول: سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار)).
قالوا: فاخبرنا ما يقول القنبر في صفيره؟
قال: ((يقول: اللهم العن مبغضي محمد وآل محمد)).
وكان اليهود ثلاثة نفر، قال اثنان منهم: نشهد ان لا اله الا اللّه،
وان محمدا رسول اللّه. ووثب الحبر الثالث‏فقال: يا علي لقد وقع
في قلوب اصحابي ما وقع من الايمان والتصديق وقد بقي
خصلة واحدة اسالك‏عنها.
فقال: ((سل عما بدا لك)).
فقال: اخبرني عن قوم في اول الزمان ماتوا ثلاثمائة وتسع
سنين ثم احياهم اللّه فما كان من قصتهم؟
قال علي(رضى‏ا...عنه): ((يا يهودي هؤلاء اصحاب الكهف، وقد
انزل اللّه على نبينا قرآنا فيه قصتهم وان‏شئت قرات عليك
قصتهم)).
فقال اليهودي: ما اكثر ما قد سمعنا قراءتكم ان كنت عالما
فاخبرني باسمائهم واسماء آبائهم، واسماء مدينتهم،واسم
ملكهم، واسم كلبهم، واسم جبلهم، واسم كهفهم، وقصتهم من
اولها الى آخرها.
فاحتبى علي ببردة رسول اللّه (ص) ثم قال:
((يا اخا العرب حدثني حبيبي محمد (ص) انه كان بارض
رومية مدينة يقال لها: افسوس، ويقال هي:طرطوس، وكان
اسمها في الجاهلية: افسوس، فلما جاءالاسلام سموها:
طرطوس. قال: وكان لهم ملك صالح‏فمات ملكهم وانتشر
امرهم فسمع به ملك من ملوك فارس يقال له: دقيانوس،
وكان جبارا كافرا، فاءقبل في‏عساكر حتى‏دخل افسوس فاتخذها
دار ملكه وبنى‏فيها قصرا)).
فوثب اليهودي وقال: ان كنت عالما فصف لي ذلك القصر
ومجالسه.
فقال: ((يا اخا اليهود ابتنى فيها قصرا من الرخام طوله فرسخ
وعرضه فرسخ واتخذ فيه اربعة آلاف‏اسطوانة من الذهب والف
قنديل من الذهب لها سلاسل من‏اللجين تسرج في كل ليلة
بالادهان الطيبة،واتخذ لشرقي المجلس مائة وثمانين كوة
ولغربيه كذلك، وكانت الشمس من حين تطلع الى حين تغيب
تدورفي المجلس كيفما دارت، واتخذ فيه سريرا من الذهب
طوله ثمانون ذراعا في عرض اربعين ذراعامرصعابالجواهر،
ونصب على يمين السرير ثمانين كرسيا من الذهب فاجلس
عليها بطارقته، واتخذايضاثمانين كرسيا من الذهب عن يساره
فاجلس عليها هراقلته، ثم جلس هو على السرير ووضع
التاج‏على راسه)).
فوثب اليهودي وقال: يا علي ان كنت عالما فاخبرني مم كان
تاجه؟
قال: ((يا اخا اليهود كان تاجه من الذهب السبيك له تسعة
اركان على كل ركن لؤلؤة تضي‏ء كما يضي‏ءالمصباح في الليلة
الظلماء، واتخذ خمسين غلاما من ابناء البطارقة فمنطقهم
بمناطق من الديباج الاحمر،وسرولهم بسراويل القز الاخضر،
وتوجهم ودملجهم وخلخلهم واعطاهم عمد الذهب واقامهم
على راسه،واصطنع ستة غلمان من اولاد العلماء وجعلهم
وزراءه، فما يقطع امرا دونهم واقام منهم ثلاثة عن يمينه،وثلاثة
عن شماله)).
فوثب اليهودي وقال: يا علي ان كنت صادقا فاخبرني ما كانت
اسماء الستة؟ فقال علي كرم اللّه وجهه:((حدثني حبيبي محمد
(ص) ان الذين كانوا عن يمينه اسماؤهم: تمليخا، ومكسلمينا،
ومحسلمينا. واما الذين‏كانوا عن يساره فمرطليوس،
وكشطوس، وسادنيوس، وكان يستشيرهم في جميع اموره،
وكان اذا جلس‏كل يوم في صحن داره واجتمع الناس عنده
دخل من باب الدار ثلاثة غلمة في يد احدهم جام من
الذهب‏مملوء من المسك، وفي يد الثاني جام من فضة مملوء
من ماء الورد، وعلى يد الثالث طائر، فيصيح به فيطيرالطائر
حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه فينشف مافيه بريشه
وجناحيه، ثم يصيح به الثاني فيطيرفيقع في جام المسك
فيتمرغ فيه فينشف ما فيه بريشه وجناحيه، فيصيح به الثالث
فيطير فيقع على تاج‏الملك فينفض ريشه وجناحيه على راس
الملك بما فيه من المسك وماء الورد، فمكث الملك في ملكه
ثلاثين‏سنة من غير ان يصيبه صداع ولا وجع ولا حمى ولا
لعاب ولا بصاق ولا مخاط، فلما راى ذلك من نفسه‏عتا وطغى
وتجبر واستعصى وادعى الربوبية من دون اللّه تعالى ودعا اليه
وجوه قومه، فكل من اجابه‏اعطاه وحباه وكساه وخلع عليه،
ومن لم يجبه ويتابعه قتله، فاجابوه باجمعهم فاقاموا في ملكه
زمانايعبدونه‏من دون اللّه تعالى، فبينما هو ذات يوم جالس في
عيد له على سريره والتاج على راسه اذ اتى‏بعض
بطارقته‏فاخبره ان عساكر الفرس قد غشيته يريدون قتله،
فاغتم لذلك غما شديدا حتى‏سقط التاج عن راسه‏وسقط هو عن
سريره، فنظر احد فتيته الثلاثة الذين كانوا عن يمينه الى ذلك
وكان عاقلا يقال له تمليخا،فتفكر وتذكر في نفسه وقال: لو كان
دقيانوس هذا الها كما يزعم لما حزن ولما كان ينام ولما كان
يبول‏ويتغوط، وليست هذه الافعال من صفات الاله، وكانت
الفتية الستة يكونون كل يوم عند واحد منهم،وكان ذلك اليوم
نوبة تمليخا فاجتمعوا عنده فاكلوا وشربوا ولم ياكل تمليخا ولم
يشرب، فقالوا: يا تمليخا مالك لا تاكل ولا تشرب؟ فقال: يا
اخواني قد وقع في قلبي شي‏ء منعني عن الطعام والشراب
والمنام. فقالوا:وما هو يا تمليخا؟ فقال: اطلت فكري في هذه
السماء فقلت: من رفعها سقفا محفوظا بلا علاقة من فوقها
ولادعامة من تحتها؟ ومن اجرى فيها شمسها وقمرها؟ ومن
زينهابالنجوم؟ ثم اطلت فكري في هذه الارض،من سطحها
على ظهر اليم الزاخر؟ ومن حبسها وربطها بالجبال الرواسي
لئلا تميد؟ ثم اطلت فكري في‏نفسي فقلت: من اخرجني جنينا
من بطن امي؟ ومن غذاني ورباني؟ان لهذا صانعا ومدبرا
سوى‏دقيانوس‏الملك، فانكبت الفتية على رجليه يقبلونهما
وقالوا: يا تمليخا لقد وقع في قلوبنا ما وقع في قلبك،فاشر
علينا. فقال: يا اخواني ما اجد لي ولكم حيلة الا الهرب من هذا
الجبار الى ملك السموات والارض.فقالوا: الراي ما رايت، فوثب
تمليخا فابتاع تمرا بثلاثة دراهم وصرها في ردائه وركبوا
خيولهم وخرجوا،فلما ساروا قدر ثلاثة اميال من المدينة قال
لهم تمليخا: يا اخوتاه! قد ذهب عنا ملك الدنيا وزال عنا
امره،فانزلوا عن خيولكم وامشوا على ارجلكم لعل اللّه يجعل من
امركم فرجا ومخرجا. فنزلوا عن‏خيولهم‏ومشوا على ارجلهم
سبع فراسخ حتى صارت ارجلهم تقطر دما لانهم لم‏يعتادوا
المشي على اقدامهم،فاستقبلهم رجل راع فقالوا: ايها الراعي
اعندك شربة ماء او لبن؟ فقال: عندي ما تحبون ولكني
ارى‏وجوهكم وجوه الملوك وما اظنكم الا هرابا فاءخبروني
بقصتكم. فقالوا: يا هذا انا دخلنا في دين لا يحل لناالكذب
افينجينا الصدق؟ قال: نعم. فاخبروه بقصتهم فانكب الراعي
على ارجلهم يقبلها ويقول: قد وقع في‏قلبي ما وقع في قلوبكم
فقفوا لي هاهنا حتى ارد الاغنام الى اربابها واعود اليكم. فوقفوا
له حتى ردهاواقبل يسعى فتبعه كلب له)).
فوثب اليهودي قائما وقال: يا علي ان كنت عالما فاخبرني ما
كان لون الكلب واسمه؟
فقال: ((يا اخا اليهود حدثني حبيبي محمد (ص) ان الكلب كان
ابلق بسواد وكان اسمه قطمير، قال: فلما نظرالفتية الى الكلب
قال بعضهم لبعض: انا نخاف ان يفضحنا هذا الكلب بنبيحه
فالحوا عليه طردابالحجارة،فلما نظر اليهم الكلب وقد الحوا
عليه بالحجارة والطرد اقعى على رجليه وتمط‏ى وقال بلسان
طلق ذلق: ياقوم لم تطردونني وانا اشهد ان لا اله الا اللّه وحده
لا شريك له، دعوني احرسكم من عدوكم واتقرب بذلك‏الى اللّه
سبحانه وتعالى. فتركوه ومضوا، فصعد بهم الراعي جبلا وانحط
بهم على كهف)).
فوثب‏اليهودي وقال: يا علي ما اسم ذلك الجبل؟ وما اسم
الكهف؟