وله في مناقب الخطيب الخوارزمي((145)) (ص‏105)، وكفاية
الطالب للكنجي‏الشافعي((146)) (ص‏243)، وتذكرة خواص
الامة((147)) (ص‏31)، ومناقب ابن‏شهرآشوب((148)) وغيرها
قصيدة، ولوقوع الاختلاف فيها نجمع بين رواياتها ونشير الى‏ما
روته رجال العامة ب (ع):
بلغت نفسي مناها
بالموالي آل طه
برسول اللّه من حا
ز المعالي وحواها
وببنت المصطفى من
اشبهت فضلا اباها
(ع) من كمولاي علي
والوغى تحمي لظاها
(ع) من يصيد الصيد فيها
بالظبا حتى((149)) انتضاها
يوم امضاها عليهم
ثم امضاها عليهم فارتضاها((150))
(ع) من له في كل يوم
وقعات لا تضاهى
(ع) كم وكم حرب ضروس
سد بالمرهف فاها
(ع) اذكروا افعال بدر
لست ابغي ما سواها
(ع) اذكروا غزوة احد
انه شمس ضحاها
(ع) اذكروا حرب حنين
انه بدر دجاها
(ع) اذكروا الاحزاب قدما
انه ليث شراها
(ع) اذكروا مهجة عمرو
كيف افناها شجاها
(ع) اذكروا امر براءه
واخبروني من تلاها
(ع) اذكروا من زوج الزه
راء قد طاب ثراها((151))
(ع) اذكروا بكرة طيرفلقد طار ثناها
(ع) اذكروا لي قلل العلم ومن حل ذراها
(ع) حاله حالة هارون لموسى فافهماها
(ع) اعلى حب علي‏لامني القوم سفاها
(ع) اهملوا قرباه جهلاوتخطوا مقتضاها
(ع) اول الناس صلاة‏جعل التقوى حلاها
(ع) ردت الشمس عليه‏بعدما غاب سناها
(ع) حجة اللّه على الخلق‏شقى من قد قلاها
وبحبي((152)) الحسن البالغ في العليا مداها
والحسين المرتضى يوم المساعي اذ حواها
ليس فيهم غير نجم‏قد تعالى وتناهى
عترة اصبحت الدنيا جميعا في حماها
ما تحدت عصب البغي بانواع عماها
اردت الاكبر بالسم وما كان كفاها
وانبرت تبغي حسيناوعرته وعراها
منعته شربة والطير قد اروت صداها
فافاتت نفسه‏ياليت روحي قد فداها
بنته تدعو اباهااخته تبكي اخاها
لو راى احمد ما كان دهاه ودهاها
لشكا الحال الى اللّه وقد كان شكاها((153))
وله في مناقبي ابن شهرآشوب((154)) والخطيب
والخوارزمي((155)) (ص‏233) قصيدة نجمع‏بينهما
لاختلافهما في عدد الابيات، الا وهي:
ما لعلي العلى اشباه
لا والذي لا اله الا هو
مبناه مبنى النبي تعرفه
وابناه عند التفاخر ابناه
ان عليا علا الى شرف
لو رامه الوهم ذل((156)) مرقاه
ايا غداة الكساء لا تهني
عن شرح علياه اذ تكساه((157))
يا ضحوة الطير تنبئي((158)) شرفا
فاز به لا ينال اقصاه
براءة استعملي بلاغك من
اقعد عنه ومن تولاه
يا مرحب الكفر قد اذاقك من
من حد ما قد كرهت ملقاه
يا عمرو من ذا الذي انالك من
حارة((159)) الحتف حين تلقاه
لو طلب النجم ذات اخمصه
علاه والفرقدان نعلاه
اما عرفتم سمو منزله
اما عرفتم علو مثواه
اما رايتم محمدا حدبا
عليه قد حاطه ورباه
واختصه يافعا وآثره
واعتامه مخلصا وآخاه((160))
زوجه بضعة النبوة اذ
رآه خير امرى‏ء واتقاه
يا بابي السيد الحسين وقد
جاهد في الدين يوم بلواه
يا بابي اهله وقد قتلوا
من حوله والعيون ترعاه
يا قبح اللّه امة خذلت
سيدها لا تريد مرضاه
يا لعن اللّه جيفة نجسا
يقرع من بغضه ثناياه
وله دالية ذكرها الخوارزمي في المناقب((161)) (ص‏223)،
وابن شهرآشوب في‏مناقبه((162))، ونجمع بين الروايتين
وهي:
هو البدر في هيجاء بدر وغيره
فرائصه من ذكره السيف ترعد
علي له في الطير ما طار ذكره
وقامت به اعداؤه وهي تشهد
علي له في هل اتى ما تلوتم
على الرغم من آنافكم فتفردوا
وكم خبر في خيبر قد رويتم
ولكنكم مثل النعام تشردوا
وفي احد ولى رجال وسيفه
يسود وجه الكفر وهو مسود
ويوم حنين حن للغل بعضكم
وصارمه عضب الغرار مهند
تولى امور الناس لم يستغلهم
الا ربما يرتاب من يتقلد
ولم يك محتاجا الى علم غيره
اذا احتاج قوم في قضايا تبلدوا
ولا سد عن خير المساجد بابه
وابوابهم اذ ذاك عنه تسدد
وزوجته الزهراء خير كريمة
لخير كريم فضلها ليس يجحد((163))
وبالحسنين المجد مد رواقه
ولولاهما لم يبق للمجد مشهد
تفرعت الانوار للارض منهما
فلله انوار بدت تتجدد
هم الحجج الغر التي قد توضحت
وهم سرج اللّه التي ليس تخمد
اواليكم يا آل بيت محمد
فكلكم للعلم والدين فرقد
واترك من ناواكم وهو هتكه
ينادى عليه مولد ليس يحمد
وذكر له الحموئي صاحب فرائدالسمطين((164))، في السمط
الثاني في الباب الاول:
منائح اللّه عندي جاوزت املي
فليس يدركها شكري ولا عملي
لكن افضلها عندي واكملها
محبتي لامير المؤمنين علي
وذكر العلامة المجلسي في البحار((165)) (10/264) نقلا عن
بعض الكتب القديمة((166)) من‏قصيدة طويلة له:
اجروا دماء اخي النبي محمد
فلتجر غزر دموعنا ولتهمل
ولتصدر اللعنات غير مزالة
لعداه من ماض ومن مستقبل
وتجردوا لبنيه ثم بناته
بعظائم فاسمع حديث المقتل
منعوا الحسين الماء وهو مجاهد
في كربلاء فنح كنوح المعول
منعوه اعذب منهل وهم غدا
يردون في النيران اوخم منهل
ايحز راس ابن النبي وفي الورى
حي امام ركابه لم يقتل
وبنو السفاح تحكموا في اهل
حي على الفلاح بفرصة وتعجل
نكت الدعي ابن البغي ضواحكا
هي للنبي الخير خير مقبل((167))
تمضي بنو هند سيوف الهند في
اوداج اولاد النبي وتعتلي
ناحت ملائكة السماء لقتلهم
وبكوا فقد اسقوا((168)) كؤوس الذبل
فارى البكاء على((169)) الزمان محللا
والضحك بعد الطف غير محلل
كم قلت للاحزان دومي هكذا
وتنزلي في القلب لا تترحلي
هذه نبذة من شعره في الائمة (ع)، وفي مناقب ابن شهرآشوب
منه نبذ منثورة على‏ابواب الكتاب جمعها السيد في اعيان
الشيعة، ولمثول الكتابين للطبع وانتشارهما،ضربنا عن ذكر
جميعها صفحا، ولم نذكر هاهنا الا الخارج عن الكتابين ولو
في‏الجملة.
قال السيد في الدرجات الرفيعة((170)): ان الصاحب قال
قصيدة معراة من الالف التي‏هي اكثر الحروف دخولا في
المنثور والمنظوم واولها:
قد ظل يجرح صدري
من ليس يعدوه فكري
وهي في مدح اهل البيت (ع) في سبعين بيتا، فتعجب الناس
«منها»((171))، وتداولتهاالرواة فسارت مسير الشمس في كل
بلدة، وهبت هبوب الريح في البر والبحر،فاستمرالصاحب على
تلك الطريقة، وعمل قصائد كل واحدة منها خالية من
حرف‏واحد من حروف الهجاء، وبقيت عليه واحدة تكون خالية
من الواو، فانبرى صهره‏ابو الحسين علي لعملها وقال قصيدة
ليس فيها واو، ومدح الصاحب بها، واولها برق‏ذكرت به الحبائب
لما بدا فالدمع ساكب
كان للصاحب خاتمان، نقش احدهما هذه الكلمات:
على اللّه توكلت
وبالخمس توسلت
ونقش الاخر:
شفيع اسماعيل في الاخره
محمد والعترة الطاهره
ذكره الشيخ في المجالس((172))، واشار اليه شيخنا الصدوق
في اول عيون الاخبار((173)).
الصاحب ومذهبه
ان كون الصاحب من علية الشيعة الامامية مما لا يمتري فيه
اي احد من علماء مذهبه‏الحق، كما يشهد بذلك شعره الكثير
الوافر في ائمة اهل البيت (ع) ونثره المتدفق منه‏لوائح الولاية
والتفضيل وهو يهتف بقوله:
فكم قد دعوني رافضيا لحبكم
فلم يثنني عنكم طويل عوائهم
وقد نص على مذهبه هذا السيد رضي الدين بن طاووس في
كتاب اليقين((174))،وقدمرعن المجلسي الاول انه من افقه
فقهاء اصحابنا، واقتفى اثره ولده في مقدمات‏البحار((175))
فصرح بانه كان من الامامية، وعده القاضي الشهيد في
مجالسه((176)) من‏وزراء الشيعة، ويقول شيخنا الحر في امل
الامل((177)): انه كان شيعيا اماميا، وعده ابن‏شهرآشوب في
المعالم((178)) من شعراء اهل البيت المجاهرين، وشيخنا
الشهيدالثاني((179))من اصحابنا، وفي معاهد
التنصيص((180)): انه كان شيعيا جلدا كل بويه‏معتزليا.
وقبل هذه الشهادات كلها شهادة الشيخين العلمين: رئيس
المحدثين الصدوق‏في عيون‏اخبار الرضا((181))، وشيخنا
المفيد فيما حكاه عنه ابن حجر في
لسان‏الميزان((182))(1/413) ورسالته في احوال عبدالعظيم
الحسني المندرجة في خاتمة‏المستدرك((183)) (3/614)،
من جملة الشواهد ايضا، وفي لسان الميزان (1/413):
كان‏الصاحب امامي المذهب واخطا من زعم انه كان معتزليا،
وقد قال عبدالجبار القاضي‏لما تقدم للصلاة عليه((184)): ما
ادري كيف اصلي على هذا الرافضي. وعن ابن ابي ط‏ي:ان
الشيخ المفيد شهد بان الكتاب الذي نسب الى الصاحب في
الاعتزال وضع على‏لسانه ونسب اليه، وليس هو له.
وهناك نقول متهافتة يبطل بعضها بعضا تفيد اعتناق الصاحب
مذهب الاعتزال‏تارة‏وتمذهبه بالشافعية اخرى، وبالحنفية
طورا، وبالزيدية مرة، وفي القاذفين من يحمل‏عليه حقدا يريد
تشويه سمعته بكل ما توحي اليه ضغائنه، كابي
حيان‏التوحيدي((185))ومن حكي عنه طرفا نقيض كشيخنا
المفيد الذي ذكرنا حكاية ابن‏حجر عنه بوضع ما نسب الى
الصاحب من الكتاب الذي يدل على الاعتزال،
ونقل عنه ايضا نسبته الى جانب الاعتزال.
وهذا التهافت في النقل يسقط الثقة باي النقلين وان كان النص
على تشيعه‏معتضدابكلمات العلماء قبله وبعده، والسيد رضي
الدين الذي عرفت النص عنه‏بتشيعه في كتاب اليقين((186))،
فقد نقل عنه حكايته عن الشيخ المفيد وعلم الهدى نسبته‏الى
الاعتزال، وانت تعلم ان نصه الاول هو معتقده وهذه حكاية
محضة، وقد عرفت‏حال المحكي عن الشيخ المفيد. واما السيد
المرتضى، فالظاهر ان منتزع هذه النسبة اليه‏هو رده على
الصاحب في تعصبه للجاحظ الذي هو من اركان المعتزلة، غير
انا نحتمل‏ان هذا التعصب كان لادبه لا لمذهبه، كتعصب
الشريف الرضي للصابي.
وما وقع الينا في المحكي عن رسالة الابانة للصاحب من انكار
النص على امير المؤمنين(ع)، فهو حكاية محضة عمن يقول
بذلك، بل ما في الابانة يكفي بمفرده في اثبات كونه‏اماميا،
واليك نص كلامه مشفوعا بمقاله في التذكرة حول الامامة.
قال في الابانة: زعمت العثمانية وطوائف الناصبية ان امير
المؤمنين (ع) مفضول في‏اصحاب رسول اللّه (ص) غير فاضل،
واستدلت بان ابا بكر وعمر وليا عليه.
وقالت الشيعة العدلية: فقد ولى النبي (ص) عليهما عمرو بن
العاص في غزوة ذات‏السلاسل فليقولوا: انه خير منهما، فقالت
الشيعة: علي (ع) افضل الناس بعدالنبي‏فلذلك آخى بينه وبينه
حين آخى بين ابي بكر وعمر، فلم يكن ليختار
لنفسه‏الاالافضل، وقد ذكر ذلك بقوله (ص): ((انت من ي
بمنزلة هارون من موسى)) ثم انه‏لم يستثن الا النبوة وفيه قال:
((اللهم آتني باحب خلقك اليك ياكل معي هذا الطير)).وقد
قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد
من عاداه)). الى‏آخرالدعاء.
وبعد، فالفضيلة تستحق: بالمسابقة وهو اسبقهم اسلاما وقد
قال اللّه تعالى :(السابقون السابقون # اولئك المقربون )((187)).
وبالجهاد وهو لم يغمد حساما، ولم يقصر اقداما، كشاف الكروب،
وفراج الخطوب،ومسعر الحروب، قاتل مرحب، وقالع باب خيبر،
وصارع عمرو بن عبد ود، ومن‏قال فيه النبي (ص): (( لاعطين
الراية غدا رجلا يحب اللّه ورسوله،
ويحبه اللّه ورسوله، كرارا غير فرار))، وقد قال اللّه تعالى:
(وفضل اللّه المجاهدين
على القاعدين اجرا عظيما )((188)).
وبالعلم والنبي (ص) قال: ((انا مدينة العلم وعلي بابها)) واثر
ذلك بين، لانه (ع) لم‏يسال من الصحابة احدا وقد سالوه، ولم
يستفتهم وقد استفتوه حتى ان عمر يقول:لولا علي لهلك عمر،
ويقول: لا اعاشني اللّه لمشكلة ليس لها ابو الحسن، وقد قال
اللّهتعالى: ( قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون
)((189)).
وبالزهد والتقوى والبر والحسنى، فاذا كان اعلمهم فهو اتقاهم،
وقال اللّه تعالى: (انمايخشى اللّه من عباده العلماء)((190)).
وبعد: فهو الذي آثر المسكين واليتيم والاسير على نفسه
مخرجا قوته كل ليلة اليهم‏عند فطره، حتى انزل اللّه تعالى:
(ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيماواسيرا)((191)).
فاخبر نبيه وعده عليه الجنة. والحديث طويل وفضله كثير،
وهو الذي تصدق‏بخاتمه في ركوعه حتى انزل اللّه فيه: ( انما
وليكم اللّه ورسوله )((192)).
وزعمت طائفة من الشيعة، ذاهلة عن تحقيق الاستدلال، ان
عليا (ع) كان في تقية،فلذلك ترك الدعوة الى نفسه. وزعمت
ان عليه نصا جليا لا يحتمل التاويل، وقالت‏العدلية: هذا فاسد،
كيف تكون عليه التقية في اقامة الحق وهو سيد بني هاشم؟
وهذاسعد بن عبادة نابذ المهاجرين وفارق الانصار لم يخش
مانعا ودافعا، وخرج‏الى‏حوران ولم يبايع. ولو جاز خفاء النص
الجلي عن الامة في مثل الامامة لجاز ان‏يتكتم صلاة سادسة
وشهر يصام فيه غير شهر رمضان فرضا، وكل ما اجمع عليه‏الامة
من امر الائمة الذين قاموا بالحق وحكموا بالعدل صواب، واما
من نابذ عليا (ع)وحاربه وشهر سيفه في وجهه، فخارج عن
ولاية اللّه الا من تاب بعد ذلك واصلح(ان اللّه يحب التوابين
ويحب المتطهرين)((193)). انتهى.
المراد على ما يفهم من جواب العدلية، ان دعوى تقية علي (ع)
وتركه الدعوة الى‏نفسه‏مع ادعاء النص الجلي عليه زعم فاسد،
وان الاعتقاد بترك الدعوة لا يوافق مع القول‏بالنص الجلي اذ لو
كان لابان وما ترك الدعوة، والمدعي ذاهل عن تحقيق
الاستدلال‏بما ذكر من الكتاب والسنة، فانه (ع) دعا الى نفسه
واحتج بادلة اوعزت اليها، فنسبة‏انكار النص الجلي الى
المترجم بهذه العبارة كما فعله غير واحد في غير محله جدا.
وقال في ذيل كتابه التذكرة: ذكر الصاحب (ره) في آخر كتاب
نهج السبيل ان اميرالمؤمنين عليا (ع) افضل الصحابة بعد
النبي (ص)، واستدل عليه بان الافضلية تستحق‏بالسابقة،
والعلم، والجهاد، والزهد فوق جميعهم، فلا شك انه متقدمهم
وغير متاخرعنهم، وقد سبقهم بمنازلة الاقران، وقتل صناديد
الكفار واعلام الضلالة، وهو الذي‏آخى النبي (ص) بينه وبينه
حين آخى بين ابي بكر وعمر، ورضيه كفوا لسيدة نساءالعالمين
فاطمة الزهراء (عليهاالسلام)، ودعا اللّه ان يوالي من والاه
ويعادي من عاداه،واخبرنا انه منه بمنزلة هارون من موسى
لفضل فيه.
وقال (ص): ((اللهم ائتني باحب الخلق اليك ياكل معي هذا
الطائر)) ولا يكون احبهم‏الى اللّه الا افضلهم، وقال: ((انا مدينة
العلم وعلي بابها)) وقال: ((انا ما سالت اللّهشيئاالا سالت لعلي
مثله حتى سالت له النبوة فقيل: لا ينبغي لاحد من بعدك))
ولم‏يكن يسالها الا لفضله، ولهذا استثنى النبوة في حديث:
((انت مني بمنزلة هارون من‏موسى)). فصبر على المحن،
وثبت على الشدائد، ولم تزده ايام توليته الا خشونة في‏الدين،
واكله للجشب((194)) ولبسا للخشن، يستقون من علمه، وما
يستقى الا ممن هواعلم، خير الاولين وخير الاخرين.
عهد اليه في الناكثين والقاسطين والمارقين، وقتل بين يديه
عمار بن ياسر المشهود له‏بالجنة لبصيرته في امره، وشبهه
رسول اللّه (ص) بعيسى بن مريم (ع) كما شبهه‏بهارون، لا
تضرب الامثال الا بالانبياء، وتصدق بخاتمه في ركوعه حتى
انزل فيه:(انما وليكم اللّه ورسوله) الاية، وآثر المسكين واليتيم
والاسير على نفسه حتى‏انزل‏فيه: ( ويطعمون الطعام على حبه
مسكينا ويتيما واسيرا ).
وقال تعالى: ( انما انت منذر ولكل قوم هاد )((195)). فقال
(ص): ((انا المنذر وانت ياعلي‏الهادي))، وقال تعالى: ( وتعيها
اذن واعية )((196)). وقال (ص): ((هي اذن علي(ع))).
وجعله اللّه في الدنيا فصلا بين الايمان والنفاق، حتى قيل: ما
كنا نعرف المنافقين‏على‏عهد رسول اللّه (ص) الا ببغضهم عليا
(ع). واخبر انه في الاخرة قسيم الجنة‏والنار.
وقال ابن عباس: ما انزل اللّه في القرآن يا ايها الذين آمنوا الا
وعلي سيدها واميرهاوشريفها، واعلى من ذلك قوله (ص):
((علي يعسوب المؤمنين)).
وله ليلة الفراش حين نام عليه في مكان رسول اللّه (ص) صابرا
على ما كان يتوقع من‏الذبح، صحبة اسحاق ذبيح اللّه حين صبر
على ما ظن انه نازل به من الذبح، وقال فيه‏مثل عمر بن
الخطاب: لولا علي لهلك عمر، ولا اعاشني اللّه لمشكلة ليس
لها ابوالحسن. ودهره كله اسلام وزمانه اجمع ايمان، لم يكفر
باللّه طرفة عين،
عاش في نصرة الاسلام حميدا، ومضى لسبيله شهيدا، جعلنا
اللّه ممن آثر المحبة في‏القربى، وهدانا للتي هي احسن واولى،
وحسبنا اللّه منزل الغيث وفاطر النسم((197)).
وقد ابان عن مذهبه الحق الامامية في شعره بقوله:
بالنص فاعقد ان عقدت يمينا
كل اعتقاد الاختيار رضينا
مكن لقول الهنا تمكينا
واختار موسى قومه سبعينا
وقال في قصيدته البائية التي مرت:
لم تعلموا ان الوصي هو الذي
آتى الزكاة وكان في المحراب
لم تعلموا ان الوصي هو الذي
حكم الغدير له على الاصحاب
وله قوله:
ان المحبة للوصي فريضة
اعني امير المؤمنين عليا
قد كلف اللّه البرية كلها
واختاره للمؤمنين وليا
وما في لسان الميزان((198)) من اشتهاره بذلك المذهب
الاعتزال وانه كان داعية‏اليه‏فيدفعه تخطئته اولا من زعم انه
من معتنقيه، وما نقله عن القاضي عبدالجبار من انه لماتقدم
للصلاة عليه قال: ما ادري كيف اصلي على هذا الرافضي، وما
تكرر في شعره‏من قذف اعدائه له بالرفض، الا ان يريد ابن حجر
الاشتهار المحض دون الحقيقة،فيلتئم مع قوله الاخر.
والذي ارتئيه ويساعدني فيه الدليل ان الصاحب، كغيره من
اعلام الامامية، كان‏يوافق المعتزلة في بعض المسائل كمسالة
العدل التي تطابقت آراء الشيعة والمعتزلة فيهاعلى مجابهة
الاشاعرة في الجبر واستلزامه تجوير الحق تعالى، وان افترقا
من‏ناحية‏اخرى في باب التفويض وامثال هذه، فقد كان يصعب
على الباحث التمييز بين‏الفريقين فيرمى كل فريق باسم
قسيمه، ومن هنا اتي الصاحب بهذه القذيفة كغيره من‏اعلام
الطائفة، مثل علم الهدى السيد المرتضى واخيه الشريف
الرضي.
واما نسبته الى الشافعية فيدفعها عزوه الى الحنفية، ومن ابدع
التناقض قول ابي حيان‏في كتاب الامتاع (1/55): انه كان
يتشيع لمذهب ابي حنيفة ومقالة الزيدية. واماانتسابه الى
الزيدية فيدفعه تعداده الائمة (ع) في شعره كقوله:
بمحمد ووصيه وابنيهما
الطاهرين وسيد العباد
ومحمد وبجعفر بن محمد
وسمي مبعوث بشاط‏ي الوادي
وعلي الطوسي ثم محمد
وعلي المسموم ثم الهادي
حسن واتبع بعده بامامة
للقائم المبعوث بالمرصاد
وقوله:
بمحمد ووصيه وابنيهما
وبعابد وبباقرين وكاظم
ثم الرضا ومحمد ثم ابنه
والعسكري المتقي والقائم
ارجو النجاة من المواقف كلها
حتى اصير الى نعيم دائم
وقوله:
نبي والوصي وسيدان
وزين العابدين وباقران
وموسى والرضا والفاضلان
بهم ارجو خلودي في الجنان
وقوله ارجوزة:
يا زائرا قد قصد المشاهدا
وقطع الجبال والفدافدا
فابلغ النبي من سلامي
ما لا يبيد مدة الايام
حتى اذا عدت لارض الكوفة
البلدة الطاهرة المعروفة
وصرت في الغري في خير وطن
سلم على خير الورى ابي الحسن
ثمة سر نحو بقيع الغرقد
مسلما على ابي محمد
وعد الى الطف بكربلاء
اهد سلامي احسن الاهداء
لخير من قد ضمه الصعيد
ذاك الحسين السيد الشهيد
واجنب الى الصحراء بالبقيع
فثم ارض الشرف الرفيع
هناك زين العابدين الازهر
وباقر العلم وثم جعفر
ابلغهم عني السلام راهنا
قد ملا البلاد والمواطنا
واجنب الى بغداد بعد العيسا
مسلما على الزكي موسى
واعجل‏الى طوس على‏اهدى سكن
مبلغا تحيتي ابا الحسن
وعد لبغداد بطير اسعد
سلم على كنز التقى محمد
وارض سامراء ارض العسكر
سلم على علي المطهر
والحسن الرضي في احواله
من منبع العلوم في اقواله
فانهم دون الانام مفزعي
ومن اليهم كل يوم مرجعي
وله ارجوزة اخرى يعد فيها الائمة الهداة ويسميهم. وقصيدة
في الامام ابي الحسن‏الرضا ثامن الحجج صلوات اللّه عليهم‏
تذكر في مقدمة عيون الاخبار((199)) لشيخناالصدوق،
وقصيدة اخرى فيه (ع) ايضا، الا وهي:
يا زائرا قد نهضا
مبتدرا قد ركضا
وقد مضى كانه
البرق اذا ما اومضا
ابلغ سلامي زاكيا
بطوس مولاي الرضا
سبط النبي المصطفى
وابن الوصي المرتضى
من حاز عزا اقعسا
وشاد مجدا ابيضا
وقل له عن مخلص
يرى الولا مفترضا
في الصدر نفح حرقة
تترك قلبي حرضا
من ناصبين غادروا
قلب الموالي ممرضا
صرحت عنهم معرضا
ولم اكن معرضا
نابذتهم ولم ابل
ان قيل قد ترفضا
يا حبذا رفضي لمن
نابذكم وابغضا
ولو قدرت زرته
ولو على جمر الغضا
لكنني معتقل
بقيد خطب عرضا
جعلت مدحي بدلا
من قصده وعوضا
امانة موردة
على الرضا لترتضى
رام ابن عباد بها
شفاعة لن تدحضا
نوادر فيها المكارم
1 يحكى ان الصاحب استدعى في بعض الايام شرابا فاحضروا
قدحا، فلما اراد ان‏يشربه، قال له بعض خواصه: لا تشربه فانه
مسموم وكان الغلام الذي ناوله واقفاآفقال للمحذر: ما الشاهد
على صحة قولك ؟ فقال: تجربه في الذي ناولك اياه. قال:
لااستجيز ذلك ولا استحله. قال: فجربه في دجاجة. قال:
التمثيل بالحيوان لا يجوز. وردالقدح وامر بقلبه. وقال للغلام:
انصرف عني ولا تدخل داري، وامر باقرار جرايته‏عليه، وقال: لا
يدفع اليقين بالشك، والعقوبة بقطع الرزق نذالة((200)).
2 كتب اليه بعض العلويين يخبره بانه قد رزق مولودا ويساله
ان يسميه ويكنيه،فوقع في رقعته:
اسعدك اللّه بالفارس الجديد، والطالع السعيد، فقد واللّه ملا
العين قرة، والنفس مسرة‏مستقرة، والاسم علي ليعلي اللّه
ذكره، والكنية ابو الحسن ليحسن اللّه امره، فاني‏ارجو له فضل
جده((201))، وسعادة جده((202))، وقد بعثت لتعويذه دينارا
من مائة مثقال،قصدت به مقصد الفال، رجاء ان يعيش مائة عام،
ويخلص خلاص الذهب الابريزمن نوب الايام، والسلام((203)).
3 كتب بعض اصحاب الصاحب اليه رقعة في حاجة فوقع فيها،
ولما ردت اليه لم‏يرفيها توقيعا، وقد تواترت الاخبار بوقوع
التوقيع فيها، فعرضها على ابي العباس‏الضبي فما زال
يتصفحها حتى عثر بالتوقيع وهو الف واحدة، وكان في الرقعة:
فان‏راى مولانا ان ينعم بكذا، ف عل. فاثبت الصاحب امام فعل
الفا يعني: افعل((204)).
4 كتب الصاحب الى ابي هاشم العلوي، وقد اهدى اليه في
طبق فضة عطرا:
العبد زارك نازلا برواقكا
يستنبط الاشراق من اشراقكا
فاقبل من الطيب الذي اهديته
ما يسرق العطار من اخلاقكا
والظرف يوجب اخذه مع ظرفه
فاضف به طبقا الى اطباقكا((205))
5 نظر ابو القاسم الزعفراني يوما الى جميع من فيها((206))
من الخدم والحاشية عليهم‏الخزوز الفاخرة الملونة، فاعتزل
ناحية واخذ يكتب شيئا، فسال الصاحب عنه، فقيل :انه في
مجلس كذا يكتب. فقال: علي به. فاستمهل الزعفراني ريثما
يكمل مكتوبه،فاعجله الصاحب، وامر بان يؤخذ ما في يده من
الدرج، فقام الزعفراني اليه وقال: ايداللّه الصاحب:
اسمعه ممن قاله تزدد به
عجبا فحسن الورد في اغصانه
قال: هات يا ابا القاسم، فانشده ابياتا منها:
سواك يعد الغنى ما اقتنى
ويامره الحرص ان يخزنا
وانت ابن عباد المرتجى
تعد نوالك نيل المنى
وخيرك من باسط كفه
وممن ثناها قريب الجنى
غمرت الورى بصنوف الندى
فاصغر ما ملكوه الغنى
وغادرت اشعرهم مفحما
واشكرهم عاجزا الكنا
ايا من عطاياه تهدي الغنى
الى راحتي من ناى او دنا
كسوت المقيمين والزائرين
كسى لم يخل مثلها ممكنا
وحاشية الدار يمشون في
ضروب من الخز الا انا
ولست اذكر لي جاريا
على العهد يحسن ان يحسنا
فقال الصاحب: قرات في اخبار معن بن زائدة ان رجلا قال له:
احملني ايهاالامير،فامر له بناقة وفرس وبغلة وحمار وجارية، ثم
قال له: لو علمت ان اللّه تعالى خلق‏مركوبا غير هذه لحملتك
عليه، وقد امرنا لك من الخز بجبة، وقميص، ودراعة،وسراويل،
وعمامة، ومنديل، ومطرف، ورداء، وجورب، ولو علمنا لباساآخر
يتخذمن الخز لاعطيناكه، ثم امر بادخاله الخزانة، وصب تلك
الخلع عليه، وتسليم ما فضل‏عن لبسه في الوقت الى
غلامه((207)).
6 كتب ابو حفص الوراق الاصبهاني الى الصاحب: لولا ان
الذكرى اطال اللّه بقاءمولانا الصاحب الجليل تنفع المؤمنين،
وهزة الصمصام تعين المصلتين، لما ذكرت‏ذاكرا، ولا هززت
ماضيا، ولكن ذا الحاجة لضرورته يستعجل النجح، ويكد
الجوادالسمح، وحال عبد مولانا ادام اللّه تاييده في الحنطة
مختلفة، وجرذان داره عنهامنصرفة، فان راى ان يخلط عبده
بمن اخصب رحله، ولم يشد رحله، فعل ان شاء اللّهتعالى، فوقع
الصاحب فيه:
احسنت ابا حفص قولا، وسنحسن فعلا، فبشر جرذان دارك
بالخصب، وامنها من‏الجدب، فالحنطة تاتيك في الاسبوع،
ولست عن غيرها من النفقة بممنوع، ان شاء اللّهتعالى((208)).
7 عن ابي الحسن العلوي الهمداني الشهير بالوصي انه قال:
لما توجهت تلقاء الري‏في‏سفارتي اليها من جهة السلطان، فك
رت في كلام القى به الصاحب، فلم يحضرني ماارضاه، وحين
استقبلني في العسكر، وافضى عناني الى عنانه جرى
على‏لساني: (ما ه‏ذا بشرا ان هذا الا ملك كريم )((209)). فقال (
اني لا جد ريح يوسف لولا ان تفندون)((210)) ثم قال: مرحبا
بالرسول ابن الرسول، الوصي ابن الوصي((211)).
8 مرض الصاحب في الاهواز باسهال، فكان اذا قام عن الطست
ترك الى جانبه‏عشرة دنانير، حتى لا يتبرم به الخدم، فكانوا
يودون دوام علته، ولما عوفي تصدق‏بنحو من خمسين الف
دينار((212)).
9 في اليتيمة((213)): عن ابي نصر ابن المرزبان انه قال: كان
الصاحب اذا شرب ماءبثلج‏انشد على اثره:
قعقعة الثلج بماء عذب
تستخرج الحمد من اقصى القلب
ثم يقول: اللهم جدد اللعن على يزيد.
10 في معجم الادباء((214)): كان ابن الحضيري يحضر
مجلس الصاحب بالليالي، فغلبته‏عينه ليلة فنام وخرجت منه
ريح لها صوت، فخجل وانقطع عن المجلس، فقال‏الصاحب:
ابلغوه عني:
يا ابن الحضيري لا تذهب على خجل
لحادث كان مثل الناي والعود
فانها الريح لا تسطيع تحبسها
اذ لست انت سليمان بن داود
غرر كلم للصاحب
تجري مجرى الامثال
من استماح البحر العذب، استخرج اللؤلو الرطب.
من طالت يده بالمواهب، امتدت اليه السنة المطالب.
من كفر النعمة، استوجب النقمة.
من نبت لحمه على الحرام، لم يحصده غير الحسام.
من غرته ايام السلامة، حدثته السن الندامة.
من لم يهزه يسير الاشارة، لم ينفعه كثير العبارة.
رب لطائف اقوال تنوب عن وظائف اموال.
الصدر يطفح بما جمعه، وكل اناء مؤد ما اودعه.
اللبيب تكفيه اللمحة، وتغنيه اللحظة عن اللفظة.
الشمس قد تغيب ثم تشرق، والروض قد يذبل ثم يورق.
البدر يافل ثم يطلع، والسيف ينبو ثم يقطع.
العلم بالتذاكر، والجهل بالتناكر.
اذا تكرر الكلام على السمع، تقرر في القلب.
الضمائر الصحاح ابلغ من الالسنة الفصاح.
الشي‏ء يحسن في ابانه، كما ان الثمر يستطاب في اوانه.
الامال ممدودة، والعواري مردودة.
الذكرى ناجعة، وكما قال اللّه تعالى: نافعة.
متن السيف لين، ولكن حده خشن، ومتن الحية الين، ونابها
اخشن.
عقد المنن في الرقاب لا يبلغ الا بركوب الصعاب.
بعض الحلم مذلة، وبعض الاستقامة مزلة.
كتاب المرء عنوان عقله بل عيار قدره، ولسان فضله بل ميزان
علمه.
انجاز الوعد من دلائل المجد، واعتراض المطل من امارات
البخل، وتاخير الاسعاف‏من قرائن الاخلاف.
خير البر ما صفا وضفا، وشره ما تاخر وتكدر.
فراسة الكريم لا تبطئ، وقيافة الشر لا تخطئ.
قد ينبح الكلب القمر، فليلقم النابح الحجر.
كم متورط في عثار رجاء ان يدرك بثار.
بعض الوعد كنقع الشراب، وبعضه كلمع السراب.
قد يبلغ الكلام حيث تقصر السهام.
ربما كان الاقرار بالقصور انطق من لسان الشكور.
ربما كان الامساك عن الاطالة اوضح في الابانة والدلالة.
لكل امرى‏ء امل، ولكل وقت عمل.
ان نفع القول الجميل، والا نفع السيف الصقيل.
شجاع ولا كعمرو، مندوب ولا كصخر.
لا يذهبن عليك تفاوت ما بين الشيوخ والاحداث، والنسور
والبغاث.
كفران النعم عنوان النقم.
جحد الصنائع داعية القوارع.
تلقي الاحسان بالجحود تعريض النعم للشرود.
قد يقوى الضعيف، ويصحو النزيف، ويستقيم المائد، ويستيقظ
الهاجد.
للصدر نفثة اذا احرج، وللمرء بثة اذا احوج.
ما كل امرى‏ء يستجيب للمراد، ويطيع يد الارتياد.
قد يصلى البري‏ء بالسقيم، ويؤخذ البر بالاثيم.
ما كل طالب حق يعطاه، ولا كل شائم مزن يسقاه.
وقد اكثر الثعالبي في ذكر امثال هذه الكلم الحكمية في يتيمة
الدهر((215))، وذكرها برمتهاسيدنا الامين في اعيان
الشيعة((216)).
هذا مثال الشيعة وهذه امثلته، هذا وزير الشيعة وهذه حكمه،
هذا فقيه الشيعة وهذاادبه، هذا عالم الشيعة وهذه كلمه، هذا
متكلم الشيعة وهذا مقاله،
هؤلاء رجال الشيعة وهذه مثرهم وآثارهم، هكذا فليكن شيعة
آل اللّه والا فلا.
وفاته
توفي الصاحب ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة
(385) بالري، ولما توفي‏عطلت المدينة واسواقها، واجتمع
الناس على باب قصره ينتظرون خروج جنازته،وحضر فخر
الدولة وسائر القواد، وقد غيروا بزاتهم، فلما خرج نعشه من
الباب‏على‏اكتاف حامليه للصلاة عليه قام الناس باجمعهم
اعظاما، وصاحوا صيحة واحدة،وقبلوا الارض، وخرقوا ثيابهم،
ولطموا وجوههم، وبلغوا في البكاء والنحيب عليه‏جهدهم،
وصلى عليه ابو العباس الضبي، ومشى فخر الدولة امام الجنازة
وقعد في‏بيته للعزاء اياما، وبعد الصلاة عليه علق نعشه
بالسلاسل في بيت الى ان نقل‏الى‏اصفهان، فدفن في قبة هناك
تعرف بباب دريه((217)).
قال ابن خلكان((218)): وهي عامرة الى الان واولاد بنته
يتعاهدونها بالتبييض. وقال‏السيد في روضات الجنات((219)):
قلت: بل وهي عامرة الى الان، وكان اصابها تشعث‏وانهدام، فامر
الامام العلامة محمد ابراهيم الكرباسي في هذه الايام بتجديد
عمارتها،ولا يدع زيارتها مع ما به من العجز في الاسبوع والشهر
والشهرين، وتدعى‏في زماننابباب الطوقچي والميدان العتيق،
والناس يتبركون بزيارته، ويطلبون عند قبره‏الحوائج من اللّه
تعالى .
قال الثعالبي في اليتيمة((220)): لما كنى المنجمون عما
يعرض له في سنة موته، قال‏الصاحب:
يا مالك الارواح والاجسام
وخالق النجوم والاحكام
مدبر الضياء والظلام
لا المشتري ارجوه للانعام
ولا اخاف الضر من بهرام
وانما النجوم كالاعلام
والعلم عند الملك العلام
يا رب فاحفظني من الاسقام
ووقني حوادث الايام
وهجنة الاوزار والاثام
هبني لحب المصطفى المعتام((221))
وصنوه وآله الكرام
ورثي الصاحب بقصائد كثيرة، منها نونية ابي منصور احمد بن
محمد اللجيمي‏منها((222)):
اكافينا العظيم اذا وردنا
ومولينا الجسيم اذا فقدنا
اردنا منك ما ابت الليالي
فابطل ما ارادت ما اردنا
شققت عليك جيبي غير راض
به لك فاتخذت الوجد خدنا
ولو اني قتلت عليك نفسي
لكان الى قضاء الحق ادنى
افدنا شرح امر فيه لبس
فانا طالما كنا استفدنا
الم تك منصفا عدلا فاني
عمرت حفيرة وقلبت مدنا
وكيف تركت هذا الخلق حالت
خلائقهم فليس كما عهدنا
تملكنا اللئام وصيرونا
عبيدا بعدما كنا عبدنا
لئن بلغت رزيته قلوبا
فذبن واعينا منا فجدنا
لما بلغت حقائقها ولكن
على الايام نعرف من فقدنا
وله في رثائه من قصيدة((223)):
مضى من اذا ما اعوز العلم والندى
اصيبا جميعا من يديه وفيه
مضى من اذا افكرت في الخلق كلهم
رجعت ولم اظفر له بشبيه
ثوى الجود والكافي معا في حفيرة
ليانس كل منهما باخيه
هما اصطحبا حيين ثم تعانقا
ضجيعين في قبر بباب ذريه((224))
قد يعزى بعض هذه الابيات الى ابي القاسم بن ابي العلاء
الاصفهاني مع حكاية طيف‏عنه.
ومنها نونية ابي القاسم بن ابي العلاء الاصفهاني، ذكر منها
الثعالبي في يتيمة‏الدهر((225))(3/263) قوله:
يا كافي الملك ما وفيت حظك من
وصف وان طال تمجيد وتابين
فقت الصفات فما يرثيك من احد
الا وتزيينه اياك تهجين
ما مت وحدك لكن مات من ولدت
حواء طرا بل الدنيا بل الدين
هذي نواعي العلى مذ مت نادبة
من بعد ما ندبتك الخرد العين
تبكي عليك العطايا والصلات كما
تبكي عليك الرعايا والسلاطين
قام السعاة وكان الخوف اقعدهم
فاستيقظوا بعد ما مت الملاعين
لا يعجب الناس منهم ان هم انتشروا
مضى سليمان وانحل الشياطين
ومنها دالية ابي الفرج بن ميسرة، ذكر منها الثعالبي في
اليتيمة((226)) (3/254) قوله:
ولو قبل الفداء لكان يفدى
وان جل المصاب على التفادي
ولكن المنون لها عيون
تكد لحاظها في الانتقاد
فقل للدهر انت اصبت فالبس
برغمك دوننا ثوبي حداد
اذا قدمت خاتمة الرزايا
فقد عرضت سوقك للكساد
ومنها دالية لابي سعيد الرستمي، ذكر الثعالبي((227)) منها
قوله:
ابعد ابن عباس((228)) يهش الى السرى
اخو امل او يستماح جواد
ابى اللّه الا ان يموتا بموته
فما لهما حتى المعاد معاد
ومنها لامية ابي الفياض سعيد بن احمد الطبري، ذكرها
الثعالبي في‏اليتيمة((229))(2/254) خليلي كيف يقبلك
المقيل
ودهرك لا يقيل ولا يقيل((230))
ينادي كل يوم في بنيه
الا هبوا فقد جد الرحيل
وهم رجلان منتظر غفول
ومبتدر اذا يدعى عجول
كان مثال من يفنى ويبقى
رعيل سوف يتلوه رعيل
فهم ركب وليس لهم ركاب
وهم سفر وليس لهم قفول((231))
تدور عليهم كاس المنايا
كما دارت على الشرب الشمول
ويحدوهم الى الميعاد حاد
ولكن ليس يقدمهم دليل
الم تر من مضى من اولينا
وغالتهم من الايام غول
قد احتالوا فما دفع الحويل
واعولنا فما نفع العويل
كذاك الدهر اعمار تزول
واحوال تحول ولاتؤول
لنا منه وان عفنا وخفنا
رسول لا يصاب لديه‏سول((232))
وقد وضح السبيل فما لخلق
الى تبديله ابدا سبيل
لعمرك انه امد قصير
ولكن دونه امد طويل
ارى الاسلام اسلمه بنوه
واسلمهم الى وله يهول
ارى شمس النهار تكاد تخبو
كان شعاعها طرف كليل
ارى القمر المنير بدا ضئيلا
بلا نور فاضناه النحول
ارى زهر النجوم محدقات
كان سراتها عور وحول
ارى وجه الزمان وكل وجه
به مما يكابده فلول
ارى شم الجبال لها وجيب
تكاد تذوب منه او تزول
وهذا الجو اكلف مقشعر
كان الجو من‏كمد عليل((233))
وهذي الريح اطيبها سموم
اذا هبت واعذبها بليل
وللسحب الغزار بكل فج
دموع لا يذاد بها المحول
نعى الناعي الى الدنيا فتاها
امين اللّه فالدنيا ثكول
نعى كافي الكفاة فكل حر
عزيز بعد مصرعه ذليل
نعى كهف العفاة فكل عين
بما تقذى العيون به كحيل
كان نسيم تربته سحيرا
نسيم الروض تقبله القبول
اذا وافى انوف الركب قالوا
سحيق المسك ام ترب مهيل
ايا قمر المكارم والمعالي
ابن لي كيف عاجلك الافول
ابن لي كيف هالك ما يهول
وغالك بعد عزك ما يغول
ويا من ساس اشتات البرايا
والجم من يقول ومن يصول
ادلت على الليالي من شكاها
وقد جارت عليك فمن يديل
بكاك الدين والدنيا جميعا
واهلهما كما يبكى الحمول((234))
بكتك البيض والسمر المواضي
وكنت تعولها فيمن تعول
بكتك الخيل معولة ولكن
بكاها حين تندبك الصهيل
قلوب العالمين عليك قلب
وحظك من بكائهم قليل
ولي قلب لصاحبه وفي
يسيل وتحته روح تسيل
اذا نظمت يدي في الطرس بيتا
محاه منه منتظم هطول
فان يك رك شعري من ذهولي
فذلك بعض ما يجني الذهول
كتبت بما بكيت لان دمعي
عليك الدهر فياض همول
وكنت اعد من روحي فداء
لروحك ان اريد لها بديل
ااحيا بعده واقر عينا
حياتي بعده هدر غلول
حياتي بعده موت وحي
وعيشي بعده سم قتول((235))
عليك صلاة ربك كل حين
تهب بها من الخلد القبول
ومنها ميمية ابي القاسم غانم بن محمد بن ابي العلاء
الاصبهاني، يقول فيها((236)):
مضى نجل عباد المرتجى
فمات جميع بني آدم
اوازي بقبرك اهل الزمان
فيرجح قبرك بالعالم
وله من قصيدة اخرى في رثاء الصاحب((237))، يقول فيها:
هي نفس فرقتها زفراتي
ودماء ارقتها عبراتي
لشباب عذب المشارع ماض
ومشيب جذب المراتع آت
زمن اذرت الجفون عليه
من شؤوني ما كان ذوب حياتي
تتلاقى من ذكره في ضلوعي
ودموعي مصائف ومشاتي
جاد تلك العهود كل اجش ال
ودق ثر الاخلاف جون السرات
بل ندى الصاحب الجليل ابي القا
سم نجل الامير كافي الكفاة
تتبارى كلتا يديه عطايا
ومنايا حتما لعاف وعات
ضامنا سيبه لغنم مفاد
مؤذنا سيفه بروح مفات
وارتياح يريك في كل عطف
الف الف كطلحة الطلحات
ويد لا تزال تحت شكور
لاثم ظهرها وفوق دواة
ومنها تائية رثاه بها صهره السيد ابوالحسين علي بن‏الحسين
الحسني، اولها((238)):
الا انها ايدي المكارم شلت
ونفس المعالي اثر فقدك سلت
حرام على الظلماء ان هي قوضت
وحجر((239)) على شمس الضحى ان تجلت
لتبك على كافي الكفاة مثر
تباهي النجوم الزهر في حيث حلت
لقد فدحت فيه الرزايا واوجعت
كما عظمت منه العطايا وجلت
الا هل اتى الافاق اية غمة
اطلت ونعمى اي دهر تولت
وهل تعلم الغبراء ماذا تضمنت
واعواد ذاك النعش ماذا اقلت
فلا ابصرت عيني تهلل بارق
يحاكي ندى كفيك الا استهلت
ولو قبلت ارواحنا عنك فدية
لجدنا بها عند الفداء وقلت
وقال السيد ابو الحسن محمد بن الحسين الحسني المعروف
بالوصي الهمداني، المترجم‏في يتيمة الدهر في رثائه:
مات الموالي والمحب
لاهل بيت ابي تراب
قد كان كالجبل المنيع‏لهم فصار مع التراب((240))
وله في رثائه((241)):
نوم العيون على الجفون حرام
ودموعهن مع الدماء سجام
تبكي الوزير سليل عباد العلى
والدين والقرآن والاسلام
تبكيه مكة والمشاعر كلها
وحجيجها والنسك والاحرام
تبكيه طيبة والرسول ومن بها
وعقيقها والسهل والاعلام
كافي الكفاة قضى حميدا نحبه
ذاك الامام السيد الضرغام
مات المعالي والعلوم بموته
فعلى المعالي والعلوم سلام
ورثاه سيدنا الشريف الرضي الاتي ذكره في شعراء القرن
الخامس‏ بقصيدة‏شرحهاابو الفتح عثمان بن جني المتوفى
(392) في مجلد واحد، كما ذكره الحموي في
معجم‏الادباء((242)) (5/31)، ولنشر القصيدة في ديوان ناظمه
الشريف((243)) وفي غير واحد من‏المعاجم نضرب عنها
صفحا، اولها:
اكذا المنون تقنطر الابطالا
اكذا الزمان يضعضع الاجبالا
اكذا تصاب الاسد وهي مذلة
تحمي الشبول وتمنع الاغيالا
اكذا تقام عن الفرائس بعدما
ملات هماهمها الورى اوجالا
اكذا تحط الزاهرات عن العلى
من بعدها شات العيون منالا
القصيدة (112) بيتا
ومر ابو العباس الضبي بباب الصاحب بعد وفاته، فقال:
ايها الباب لم علاك اكتئاب
اين ذاك الحجاب والحجاب
اين من كان يفزع الدهر منه
فهو اليوم في التراب تراب((244))
لا يذهب على القارئ ان استدلال مثل الصاحب احد عمد
مراجع اللغة والادب‏على‏افضلية امير المؤمنين نظما ونثرا
بحديث الغدير، حجة قوية على صحة ارادة‏معنى‏للمولى لا
يبارح الامامة والخلافة كما اراد هو.
((245))
مصادر ترجمة الصاحب
يتيمة الدهر (3/169 267)فهرست ابن النديم (ص‏194)
انساب السمعاني، معالم‏العلماءمحاسن اصبهان للمافروخي
الاصبهاني
نزهة الالباء في طبقات الادباءكامل ابن الاثير(9/37)
معجم الادباء (6/168 317)المنتظم لابن الجوزي (7/179)
تجارب السلف لابن سنجر (ص‏243)تاريخ ابن خلكان (1/78)
مرآة الجنان لليافعي (2/421)تاريخ ابن كثير (11/314)
شرح دراية الحديث للشهيدنهاية الارب (3/108)
شذرات الذهب (3/113)معاهد التنصيص (2/162)
بغية الوعاة للسيوط‏ي (ص‏196)مجالس المؤمنين للقاضي
(ص‏324)
بحار الانوار (10/264 267)الدرجات الرفيعة للسيد علي خان
امل الامل لشيخنا الحر العاملي‏لسان الميزان لابن حجر
(1/415)
تكملة الرجال للشيخ عبدالنبي‏الكاظمي منتهى المقال لابي
علي(ص‏56)
روضات الجنات‏تنقيح المقال لشيخنا المامقاني (1/135)
اعيان الشيعة(ج‏12) في(240) صحيفة‏سفينة البحار للقمي
(2/13)
الكنى والالقاب (2/365 371)الطليعة في شعراء الشيعة(ج‏1)
قال الحموي في معجم البلدان((246)) (6/8): ذكرت اخباره
مستقصاة في اخبار مردويه.
ولابي حيان التوحيدي المتوفى (380) رسالة: مثالب الوزيرين،
الفها في تعيير المترجم‏الصاحب وابي الفضل بن العميد، نشرت
في الامتاع والمؤانسة (1/5367) وقد سلب‏عنهما ما لهما من
المثر والفضائل، وبالغ في التعصب عليهما، وجاء بامر خداج،
واتى‏بمنكر من قول وزور، وفاحشة مبينة، وما انصف وما ابر
باجماع المؤرخين، ولهتيكته‏هذه اسباب تجد ذكرها في اعيان
الشيعة((247)).
(26) الجوهري الجرجاني
المتوفى حدود (380)
اما اخذت عليكم اذ نزلت بكم
غدير خم عقودا بعد ايمان
وقد جذبت بضبعي خير من وطئ‏ال
بطحاء من مضر العليا وعدنان
وقلت واللّه يابى ان اقصر او
اعفي الرسالة عن شرح وتبيان
هذا علي لمولى من بعثت له
مولى وطابق سري فيه اعلاني
هذا ابن عمي ووالي منبري واخي
ووارثي دون اصحابي واخواني
محل هذا اذا قايست من بدني
محل هارون من موسى بن عمران((248))
وله في المناقب لابن شهرآشوب((249)) (2/203) قوله:
وغدير خم ليس ينكر فضله
الا زنيم فاجر كفار
من ذا عليه الشمس بعد مغيبها
ردت ببابل فاستبن يا حار
وعليه قد ردت ليوم المصطفى
يوما وفي هذا جرت اخبار
حاز الفضائل والمناقب كلها
انى تحيط بمدحه الاشعار
الشاعر
ابو الحسن علي بن احمد الجرجاني ويعرف بالجوهري، كما
ذكر ذلك في غير مورد من‏شعره، مقياس من مقاييس الادب،
واحد اعضاد العربية، ومن المفلقين في صياغة‏القريض، كان
من صنائع الوزير الصاحب بن عباد وندمائه وشعرائه، تعاط‏ى
صناعة‏الشعر في ريعان من عمره واوليات امره، وكان يرمي الى
المغازي البعيدة بلفظ قريب،وترتيب سهل، وكان في اعطاء
المحاسن اياه زمامها كما قيل: جذع يبن على
المذاكي‏القرح((250)).
وكان الصاحب يعجب به اشد الاعجاب، ويروقه مستحسن شعره
المجانس لحسن‏روائه، ومناسبة روحه وشمائله خفة وظرفا،
وقد اصطنعه لنفسه واختاره للسفارة بينه‏وبين العمال والامراء،
فكان يمثله في رسالاته احسن تمثيل، فيملا العيون
جمالا،والقلوب كمالا، وقد اطراه ابلغ اطراء فيما كتبه الى ابي
العباس الضبي احد شعراءالغدير باصبهان واستحثه على
اكرامه وجلب مراضيه، والكتاب مذكور في‏اليتيمة((251))
(4/26) وها نحن ناخذ منه لبابه، قال:
فان يقل مولاي: من ذا الذي هذا خطبه وهذه خطته ؟ اقل: من
فضله برهان حق،وشعره لسان صدق، ومن اطبق اهل جلدته
على انه معجزة بلدته، فلا يعد لجرجان‏بعيدا ولا قريبا، او لاختها
طبرستان قديما ولا حديثا مثله، ومن اخذ برقاب النظم‏اخذه،
وملك رق القوافي ملكه، ذاك على اقتبال شبابه وريعان عمره،