حدث الحموي في معجم الادباء عن القاضي ابي عبداللّه ابن
الدامغاني قال: دخلت على القاضي ابي القاسم التنوخي
الصغير قبل موته بقليل، وقد علت سنه، فاخرج الي ولده من
جاريته، فلما رآه بكى، فقلت: تعيش ان شاء اللّه وتربيهويقر اللّه
عينك به. فقال: هيهات واللّه ما يتربى الا يتيما، وانشد:
ارى ولد الفتى كلا عليه
لقد سعد الذي امسى عقيما
فاما ان يخلفه عدوا
واما ان يربيه يتيما
ثم قال: اريد ان تزوجني من امه فانني قد اعتقتها على صداق
عشرة دنانير. ففعلت، وكان كما قال تربى يتيما، وهو ابوالحسن
محمد بن علي بن المحسن. قبل القاضي ابو عبداللّه شهادته،
ثم مات سنة اربع وتسعين واربعمائة وانقرض بيته. بسطالقول
في ترجمته الحموي في معجم الادباء (14/110 124).
(20) ابو القاسم الزاهي
المولود (318)
المتوفى (352)
لا يهتدي الى الرشاد من فحص
الا اذا والى عليا وخلص
ولا يذوق شربة من حوضه
من غمس الولا عليه وغمص((1491))
ولا يشم الروح من جنانه
من قال فيه من عداه وانتقص
نفس النبي المصطفى والصنو وال
خليفة الوارث للعلم بنص
من قد اجاب سابقا دعوته
وهو غلام والى اللّه شخص
ما عرف اللات ولا العزى ولا ان
ثنى اليهما ولا حب ونص
من ارتقى متن النبي صاعدا
وكسر الاوثان في اولى الفرص
وطهر الكعبة من رجس بها
ثم هوى للارض عنها وقمص((1492))
من قد فدى بنفسه محمدا
ولم يكن بنفسه عنه حرص
وبات من فوق الفراش دونه
وجاد فيما قد غلا وما رخص
من كان في بدر ويوم احد
قط من الاعناق ما شاء وقص
فقال جبريل ونادى لا فتى
الا علي عم في القول وخص
من قد عمرو العامري سيفه
فخر كالفيل هوى وما فحص
ورآء ما صاح الا مبارز
فالتوت الاعناق تشكو من وقص((1493))
من اعطي الراية يوم خيبر
من بعد ما بها اخو الدعوى نكص
وراح فيها مبصرا مستبصرا
وكان ارمدا بعينيه الرمص((1494))
فاقتلع الباب ونال فتحه
ودك طود مرحب لما قعص((1495))
من كسح البصرة من ناكثها
وقص رجل عسكر((1496)) بما رقص
وفرق المال وقال خمسة
لواحد فساوت الجند الحصص
وقال في ذي اليوم ياتي مدد
وعده فلم يزد وما نقص
ومن بصفين نضا حسامه
ففلق الهام وفرق القصص((1497))
وصد عن عمرو وبسر كرما
اذ لقيا بالسواتين من شخص((1498))
ومن اسال النهروان بالدما
وقطع العرق الذي بها رهص
وكذب القائل ان قد عبر
واوعد من يحصد منهم ويحص((1499))
ذاك الذي قد جمع القرآن في
احكامه للواجبات والرخص
ذاك الذي آثر في طعامه
على صيامه وجاد بالقرص
فانزل اللّه تعالى هل اتى
وذكر الجزاء في ذاك وقص((1500))
ذاك الذي استوحش منه انس
ان يشهدالحق فشاهد البرص((1501))
اذ قال من يشهد بالغدير لي
فبادر السامع وهو قد نكص
فقال انسيت فقال كاذب
سوف ترى ما لا تواريه القمص
يا ابن ابي طالب يا من هو من
خاتم الانبياء في الحكمة فص
فضلك لا ينكر لكن الولا
قد ساغه بعض وبعض فيه غص
فذكره عند مواليك شفا
وذكره عند معاديك غصص
كالطير بعض في رياض ازهرت
وابتسم الورد وبعض في قفص
وله في ذكر خلافة امير المؤمنين (ع) وانها له بنص حديث
الغدير، قوله:
قدمت حيدر لي مولى بتامير
لما علمت بتنقيبي وتنقيري
ان الخلافة من بعد النبي له
كانت بامر من الرحمن مقدور
من قال احمد في يوم الغدير له
بالنقل في خبر بالصدق ماثور
قم يا علي فكن بعدي لهم علما
واسعد بمنقلب في البعثمحبور
مولاهم انت والموفي بامرهم
نص بوحي على الافهام مسطور
وذاك ان اله العرش قال له
بلغ وكن عند امري خير مامور
فان عصيت ولم تفعل فانك ما
بلغت امري ولم تصدع بتذكيري
وله قوله يمدح امير المؤمنين (ع) ويذكر فرض ولائه بحديث
الغدير:
دع الشناعات ايها الخدعه((1502))
واركن الى الحق واغد متبعه
من وحد اللّه اولا وابى
الا النبي الامي واتبعه
من قال فيه النبي كان مع ال
حق علي والحق كان معه
من سل سيف الاله بينهم
سيفا من النور ذو العلى طبعه
من هزم الجيش يوم خيبرهم
وهز باب القموص فاقتلعه
من فرض المصطفى ولاه على ال
خلق بيوم الغدير اذ رفعه
اشهد ان الذي تقول به
يعلم بطلانه الذي سمعه
وقال يمدحه صلوات اللّه عليه :
اقيم بخم للخلافة حيدر
ومن قبل قال الطهر ما ليس ينكر
غداة دعاه المصطفى وهو مزمع
لقصد تبوك وهو للسير مضمر
فقال: اقم عني بطيبة واعلمن
بانك للفجار بالحق تقهر
ولما مضى الطهر النبي تظاهرت
عليه رجال بالمقال واجهروا
فقالوا علي قد قلاه محمد
وذاك من الاعداء افك ومنكر
فاتبعه دون المعرس فانثنى
وقالوا علي قد اتى فتاخروا
ولما ابان القول عمن يقوله
وابدى له ما كان يبدي ويضمر
فقال اما ترضى تكون خليفتي
كهارون من موسى وشانك اكبر
وعلا ه خير الخلق قدرا وقدرة
وذاك من اللّه العلي مقدر
وقال رسول اللّه هذا امامكم
له اللّه ناجى ايها المتحير
الشاعر
ابو القاسم علي بن اسحاق بن خلف القطان البغدادي النازل
بالكرخ في قطيعة الربيع((1503))، الشهير بالزاهي((1504))،
شاعرعبقري تحيز في شعره الى اهل بيت الوحي، ودان
بمذهبهم، وادى بمودتهم اجر الرسالة، فكان اكثر شعره الواقع
في اربعةاجزاء فيهم مدحا ورثاء، بحيث عد في معالم
العلماء((1505)) في طبقة المجاهرين من شعرائهم وصافا، فلم
يزل فيه يكافح عنهمويناطح، وينازل ويناضل، ولذلك لم يلف
نشورا بين من كان يناوئهم او لا يقول بامرهم، فحسبوه مقلا
من الشعر كما فيتاريخ بغداد((1506)) وغيره، غير ان جزالة
شعره، وجودة تشبيهه، وحسن تصويره، لم يدع لارباب المعاجم
منتدحا مناطرائه.
وفي فهم المعنى الذي لا يبارح الخلافة والامامة من لفظ
المولى من مثل الزاهي العارف بمعاريض الكلام،
والمتسالمعلىتضلعه في اللغة والادب العربي، وبثه في نظمه
لحجة قوية على الصواب الذي ترتئيه الشيعة في الاستدلال
بحديثالغدير على امامة امير المؤمنين (ع).
ولد الزاهي يوم الاثنين لعشر ليال بقين من صفر سنة (318)
كما نص به ابن خلكان نقلا عن طبقات الشعراء لعميدالدولة.
وتوفي ببغداد يوم الاربعاء لعشر بقين من جمادى الاولى سنة
(352) في رواية عميد الدولة، ودفن في مقابر قريش.او بعد
سنة (360) فيما قاله الخطيب نقلا عن التنوخي. وارخه
السمعاني كذلك نقلا عن الخطيب.
ولما لم يكن في المعاجم عناية بشعره المذهبي الراقي، فنحن
نذكر منه شطرا. فمن ذلك قوله يمتدح به امير المؤمنين (ع):
شعر الزاهي في المذهب
يا سادتي يا آل ياسين فقط
عليكم الوحي من اللّه هبط
لولاكم لم يقبل الفرض ولا
رحنا لبحر العفو من اكرم شط
انتم ولاة العهد في الذر ومن
هواهم اللّه علينا قد شرط
ما احد قايسكمبغيركم
ومازج السلسل بالشرباللمط((1507))
الا كمن ضاهى الجبال بالحصى
او قايس الابحر جهلا بالنقط
صنو النبي المصطفى والكاشف ال
غماء عنه والحسام المخترط
اول من صام وصلى سابقا
الى المعالي وعلى السبق غبط
حديث تكلم امير المؤمنين مع الشمس
مكلم الشمس ومن ردت له
ببابل والغرب منها قد قبط((1508))
وراكض الارض ومن انبع لل
عسكر ماء العين فيالوادي القحط
بحر لديه كل بحر جدول
يغرف من تياره اذا اغتمط
وليث غاب كل ليث عنده
ينظره العقل صغيرا اذ فلط((1509))
باسط علم اللّه في الارض ومن
بحبه الرحمن للرزق بسط
سيف لو ان الطفل يلقى سيفه
بكفه في يوم حرب لشمط((1510))
يخطو الى الحرب به مدرعا
فكم به قد قد من رجس وقط
قوله: مكلم الشمس.
اشار به الى ما روي عن رسول اللّه (ص) انه قال لعلي: «يا ابا
الحسن كلم الشمس فانها تكلمك». قال علي (ع):«السلام
عليك ايها العبد المطيع للّه ورسوله».
فقالت الشمس: وعليك السلام يا امير المؤمنين، وامام
المتقين، وقائد الغر المحجلين، يا علي انت وشيعتك في
الجنة، ياعلياول من تنشق عنه الارض محمد ثم انت، واول
من يحيا محمد ثم انت، واول من يكسى محمد ثم انت.
فسجد علي (ع) للّه تعالى وعيناه تذرفان بالدموع، فانكب عليه
النبي فقال: «يا اخي وحبيبي ارفع راسك فقد باهى اللّهبك اهل
سبع سماوات».
اخرجه شيخ الاسلام الحموئي في فرائد السمطين((1511))
الباب (38)، والخوارزمي في المناقب((1512)) (ص68)،
والقندوزي فيالينابيع((1513)) (ص140).
حديث رد الشمس لامير المؤمنين
وقوله: ومن ردت له ببابل.
حديث رد الشمس لعلي (ع) ببابل اخرجه نصر بن مزاحم في
كتاب صفين((1514))(ص152) طبع مصر باسناده عن
عبدخير((1515))، قال: كنت مع علي اسير في ارض بابل
وحضرت الصلاة صلاة العصر قال: فجعلنا لا ناتي مكانا الا
رايناهافيح من الاخر، قال: حتى اتينا على مكان احسن ما راينا
وقد كادت الشمس ان تغيب، قال: فنزل علي ونزلت معه،
قال:فدعا اللّه فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر، قال:
فصلينا العصر ثم غابت الشمس.
حديث نبع امير المؤمنين الماء للعسكر
قوله: ومن انبع للعسكر ماء العين.
اشار به الى ما رواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين((1516))
(ص162)، باسناده عن ابي سعيد التيمي التابعي المعروف
بعقيصاانه قال: كنا مع علي في مسيره الى الشام، حتى اذا كنا
بظهر الكوفة من جانب هذا السواد، عطش الناس واحتاجوا
الىالماء، فانطلق بنا علي حتى اتى بنا على صخرة ضرس من
الارض كانها ربضة عنز، فامرنا فاقتلعناها فخرج لنا ماء،فشرب
الناس منه وارتووا، قال: ثم امرنا فاكفاناها عليه.
قال: وسار الناس حتى اذا مضينا قليلا، قال علي: «منكم احد
يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه؟». قالوا: نعم ياامير
المؤمنين. قال: «فانطلقوا اليه». قال: فانطلق منا رجال ركبانا
ومشاة، فاقتصصنا الطريق حتى انتهينا الى المكانالذي نرىانه
فيه.
قال: فطلبناها((1517)) فلم نقدر على شيء، حتى اذا عيل
علينا انطلقنا الى دير قريب منا فسالناهم: اين الماء الذي هو
عندكم؟قالوا: ما قربنا ماء. قالوا: بلى، انا شربنا منه. قالوا: انتم
شربتم منه؟ قلنا: نعم. قال صاحب الدير: ما بني هذا الدير الا
بذلك الماء، وما استخرجه الا نبي او وصي نبي.
واخرجه الخطيب في تاريخه (12/305).
ومن قصيدته الطائية قوله:
وهو لكل الاوصياء آخر
بضبطه التوحيد في الخلق انضبط
باطن علم الغيب والظاهر في
كشف الاشارات وقطب المغتبط
احيا بحد سيفه الدينكما
امات ما ابدع ارباب اللغط
مفقه الامة والقاضي الذي
احاط من علم الهدى ما لم يحط
والنبا الاعظم والحجة وال
محنة والمصباح فيالخطب الورط((1518))
حبل الى اللّه وباب الحطة ال
فاتح بالرشد مغاليق الخطط
والقدم الصدق الذي سيط به
قلب امرئ بالخطوات لم يسط
ونهر طالوت وجنب اللّه وال
عين التي بنورها العقل خبط
والاذن الواعية الصماء عن
كل خنا يغلط فيه من غلط
حسن مب عند ذي العرش ومن
لولا اياديه لكنا نختبط
قوله: الاذن الواعية.
نزول قوله: «وتعيها اذن واعية»
اشارة الى ما اخرجه الحافظ ابو نعيم في حلية الاولياء (1/62)
عن رسول اللّه (ص) انه قال:
«يا علي ان اللّه عز وجل امرني ان ادنيك واعلمك لتعي
وانزلت هذه الاية: (وتعيها اذن واعية)((1519)) فانت اذن
واعيةلعلمي». واخرجه جمع من الحفاظ.
وقال القاضي عضد الايجي في المواقف((1520)) (3/276):
اكثر المفسرين في قوله تعالى: (وتعيها اذن واعية) انه علي.
وله في مدح مولانا امير المؤمنين (ع) قوله:
وال عليا واستضئ مقباسه
تدخل جنانا ولتسقى كاسه
فمن تولا ه نجا ومن عدا
ما عرف الدين ولا اساسه
اول من قد وحد اللّه وما
ثنى الى الاوثان يوما راسه
فدى النبي المصطفى بنفسه
اذ ضيقت اعداؤه انفاسه
بات على فرش النبي آمنا
والليل قد طافت به احراسه
حتى اذا ما هجم القوم على
مستيقظ بنصله اشماسه
ثار اليهم فتولوا مزقا
يمنعهم عن قربه حماسه
مكسر الاصنام في البيت الذي
ازيح عن وجه الهدى غماسه
رقى على الكاهل من خير الورى
والدين مقرون به انباسه
ونكس اللات والقى هبلا
مهشما يقلبه انتكاسه
وقام مولاي على البيت وقد
طهره اذ قد رمى ارجاسه
واقتلع الباب اقتلاعا معجزا يسمع في دويه
ارتجاسه
كانه شرارة لموقد
اخرجها من ناره مقباسه
من قد ثنى عمرو بن ود ساجيا
اذ جزع الخندق ثم جاسه
من هبط الجب ولم يخش الردى
والماء منحل السقا فجاسه
من احرق الجن برجم شهبه
اشواظه يقدمها نحاسه
حتى انثنت لامره مذعنة
ومنهم بالعوذ احتراسه
بيان: اشار بقوله: من هبط الجب، الى ما اخرجه الامام احمد في
المناقب((1521)) عن علي (ع) قال: «لما كان ليلة بدر
قالرسول اللّه (ص): من يستقي لنا من ماء؟» فاحجم الناس
عنه، فقام علي فاحتضن قربة، ثم اتى بئرا بعيدة القعر
مظلمةفانحدر فيها، فاوحى اللّه الى جبرائيل وميكائيل
واسرافيل: ان تاهبوا لنصر محمد واخيه وحزبه. فهبطوا من
السماء لهملغط يذعر من سمعه، فلما حاذوا البئر سلموا عليه
من عند آخرهم، اكراما له واجلالا. شرح ابن
ابيالحديد((1522))(2/450).
وله في مدحه صلوات اللّه عليه قوله:
هذا الذي اردى الوليد وعتبة
والعامري وذا الخمار ومرحبا
هذا الذي هشمت يداه فوارسا
قسرا ولم يك خائفا مترقبا
في كل منبت شعرة من جسمه
اسد يمد الى الفريسة مخلبا
وله فيه سلام اللّه عليه قوله:
ابا حسن جعلتك لي ملاذا
الوذ به ويشملني الزماما
فكن لي شافعا في يوم حشري
وتجعل دار قدسك لي مقاما
لاني لم اكن من نعثلي
ولا اهوى عتيق ولا دماما
وله مادحا اهل البيت الطاهر قوله:
يا لائمي في الولا هل انت تعتبر
بمن يوالي رسول اللّه او يذر
قوم لو ان البحار تنزف بالا
قلام مشقا((1523)) واقلام الدناشجر((1524))
والانس والجن كتاب لفضلهم
والصحف ما احتوتالاصالوالبكر
لم يكتبوا العشر بل لم يعد جهدهم
في ذلك الفضل الا وهو محتقر
اهل الفخار واقطاب المدار ومن
اضحت لامرهم الايام تاتمر
هم آل احمد والصيد الجحاجحة الز
هر الغطارفة العلوية الغرر((1525))
والبيض من هاشم والاكرمون اولو ال
فضل الجليل ومن سادت بهم مضر
فافطن بعقلك هل في القدر غيرهم
قوم يكاد اليهم يرجع القدر
اعطوا الصفا نهلا اعطوا النبوة من
قبل المزاج فلم يلحق بهم كدر
وتوجوا شرفا ما مثله شرف
وقلدوا خطرا ما مثله خطر
حسبي بهم حججا للّه واضحة
يجري الصلاة عليهم اينما ذكروا
هم دوحة المجد والاوراق شيعتهم
والمصطفى الاصل والذرية الثمر((1526))
وله في رثاء اهل البيت قوله:
يا آل احمد ماذا كان جرمكم
فكل ارواحكم بالسيف تنتزع
تلفى جموعكم شتى مفرقة
بين العباد وشمل الناس مجتمع
وتستباحون اقمارا منكسة
تهوي وارؤسها بالسمر تقترع
الستم خير من قام الرشاد بكم
وقوضت سنن التضليل والبدع
ووحد الصمد الاعلى بهديكم
اذ كنتم علما للرشد يتبع
ما للحوادث لا تجري بظالمكم
ما للمصائب عنكم ليس ترتدع
منكم طريد ومقتول على ظما
ومنكم دنف بالسمر منصرع
وهارب في اقاصي الغرب مغترب
ودارع بدم اللبات مندرع
ومقصد من جدار ظل منكدرا
وآخر تحت ردم فوقه يقع
ومن محرق جسم لا يزار له
قبر ولا مشهد ياتيه مرتدع
وان نسيت فلا انسى الحسين وقد
مالت اليه جنود الشرك تقترع
فجسمه لحوامي الخيل مطرد
وراسه لسنان السمر مرتفع
وله في رثائهم سلام اللّه عليهم قوله:
بنو المصطفى تفنون بالسيف عنوة
ويسلمني طيف الهجوع فاهجع
ظلمتم وذبحتم وقسم فيئكم
وجار عليكم من لكم كان يخضع
فما بقعة في الارض شرقا ومغربا
والا لكم فيها قتيل ومصرع
وله في رثاء الامام السبط الشهيد (ع) قوله:
اعاتب عيني اذا اقصرت
وافني دموعي اذا ما جرت
لذكراكم يا بني المصطفى
دموعي على الخط قد سطرت
لكم وعليكم جفت غمضها
جفوني عن النوم واستشعرت
امثل اجسادكم بالعراق
وفيها الاسنة قد كسرت
امثلكم في عراص الطفوف
بدورا تكسف اذ اقمرت
غدت ارض يثرب من جمعكم
كخط الصحيفة اذ اقفرت
واضحى بكم كربلا مغربا
كزهر النجوم اذا غورت
كاني بزينب حول الحسين
ومنها الذوائب قد نشرت
تمرغ في نحره وجهها
وتبدي من الوجد ما اضمرت
وفاطمة عقلها طائر
اذ السوط في جنبها ابصرت
وللسبط فوق الثرى جثة
بفيض دم النحر قد عفرت
وفتيته فوق وجه الثرى
كمثل الاضاحي اذا جزرت
وارؤسهم فوق سمر القنا
كمثل الغصون اذا اثمرت
وراس الحسين امام الرفاق
كغرة صبح اذا اسفرت
وله في رثائه صلوات اللّه عليه قوله:
ابكي يا عين ابكي آل رسول ال
له حتى تخد منك الخدود
وتقلب ياقلب في ضرم الحزن
فما في الشجا لهم تفنيد
فهم النخل باسقات كما قال
سوام لهن طلع نضيد
وهم في الكتاب زيتونة النور
وفيها لكل نار وقود
وباسمائهم اذا ذكر اللّه
باسمائه اقتران اكيد
غادرتهم حوادث الدهر صرعى
كل شهم بالنفس منه يجود
لست انسى الحسين في كربلاء
وهو ظام بين الاعادي وحيد
ساجد يلثم الثرى وعليه
قضب الهند ركع وسجود
يطلب الماء والفرات قريب
ويرى الماء وهو عنه بعيد
يا بني الغدر من قتلتم لعمري
قد قتلتم من قام فيه الوجود
وله في اهل البيت الطاهر سلام اللّه عليهم :
قوم سماؤهم السيوف وارضهم
اعداؤهم ودم النحور بحورها
يستمطرون من العجاج سحائبا
صوب الحتوف علىالزحوف مطيرها
وحنادس الفتن التي ان اظلمت
فشموسها آراؤهم وبدورها
ملكوا الجنان بفضلهم فرياضها
طرا لهم وخيامها وقصورها
واذا الذنوب تضاعفت فبحبهم
يعطي الامان اخا الذنوب غفورها
تلك النجوم الزهر في ابراجها
ومن السنين بهم تتم شهورها
اخذنا ترجمة الزاهي((1527)) من: تاريخ بغداد (11/350)،
يتيمة الدهر (1/198)، انساب السمعاني، مناقب ابن
شهرآشوبومعالمه، تاريخ ابن خلكان (1/390)، مرآة الجنان
(2/349)، مجالس المؤمنين (ص459)، بحار الانوار
(10/255)،الكنىوالالقاب (2/257)، دائرة المعارف للبستاني
(9/161)، الاعلام للزركلي (2/659).
(21) الامير ابو فراس الحمداني
المولود (320، 321)
المتوفى (357)
الحق مهتضم والدين مخترم
وفيء آل رسول اللّه مقتسم
والناس عندك لا ناس فيحفظهم((1528))
سوم الرعاة ولا شاء ولا نعم
اني ابيت قليل النوم ارقني
قلب تصارع فيه الهم والهمم
وعزمة لا ينام الليل صاحبها
الا على ظفر في طيه كرم
يصان مهري لامر لا ابوح به
والدرع والرمح والصمصامة الحذم((1529))
وكل مائرة الضبعين مسرحها
رمث الجزيرة والخذراف والعنم((1530))
وفتية قلبهم قلب اذا ركبوا
وليس رايهم رايا اذا عزموا
ياللرجال اما للّه منتصر
من الطغاة اما للّه منتقم
بنو علي رعايا في ديارهم
والامر تملكه النسوان والخدم
محلؤون فاصفى شربهم وشل
عند الورود واوفى ودهم لمم((1531))
فالارض الا على ملا كها
سعة والمال الا على اربابه ديم
فما السعيد بها الا الذي ظلموا
وما الغني بها الا الذي حرموا((1532))
للمتقين من الدنيا عواقبها
وان تعجل منها الظالم الاثم
اتفخرون عليهم لا ابا لكم
حتى كان رسول اللّه جدكم
وما توازن فيما بينكم شرف
ولا تساوت لكم في موطن قدم
ولا لكم مثلهم في المجد متصل
ولا لجدكم معشار جدهم((1533))
ولا لعرقكم من عرقهم شبه
ولا نثيلتكم من امهم امم((1534))
قام النبي بها يوم الغدير لهم
واللّه يشهد والاملاك والامم
حتى اذا اصبحت في غير صاحبها
باتت تنازعها الذؤبان والرخم
وصيروا امرهم شورى كانهم
لا يعرفون ولاة الحق ايهم
تاللّه ما جهل الاقوام موضعها
لكنهم ستروا وجه الذي علموا
ثم ادعاها بنو العباس ملكهم
ولا لهم قدم فيها ولا قدم
لا يذكرون اذاما معشر ذكروا
ولا يحكم في امر لهم حكم
ولا رآهم ابو بكر وصاحبه
اهلا لما طلبوا منها وما زعموا
فهل هم مدعوها غير واجبة
ام هل ائمتهم في اخذها ظلموا
اما علي فادنى من قرابتكم
عند الولاية ان لم تكفر النعم
اينكر الحبر عبداللّه نعمته
ابوكم ام عبيداللّه ام قثم
بئس الجزاء جزيتم في بني حسن
اباهم العلم الهادي وامهم
لا بيعة ردعتكم عن دمائهم
ولا يمين ولا قربى ولا ذمم
هلا صفحتم عن الاسرى بلا سبب
للصافحين ببدر عناسيركم((1535))
هلا كففتم عن الديباج سوطكم((1536))
وعن بنات رسول اللّه شتمكم((1537))
ما نزهت لرسول اللّه مهجته
عن السياط فهلا نزه الحرم
ما نال منهم بنو حرب وان عظمت
تلك الجرائر الا دون نيلكم
كم غدرة لكم في الدين واضحة
وكم دم لرسول اللّه عندكم
انتم له شيعة((1538)) فيما ترون وفي
اظفاركم من بنيه الطاهرين دم
هيهات لا قربت قربى ولا رحم
يوما اذا اقصت الاخلاقوالشيم
كانت مودة سلمان له رحما
ولم يكن بين نوح وابنه رحم
يا جاهدا في مساويهم يكتمها
غدر الرشيد بيحيى كيف ينكتم((1539))
ليسالرشيد كموسى في القياس ولا
مامونكم كالرضا لو انصف الحكم
ذاق الزبيري غبالحنث وانكشفت
عن ابن فاطمة الاقوال والتهم((1540))
باؤوا بقتل الرضا من بعد بيعته
وابصروا بعض يوم رشدهم وعموا
يا عصبة شقيت من بعد ما سعدت
ومعشرا هلكوا من بعدما سلموا
لبئسما لقيت منهم وان بليت
بجانب الطف تلك الاعظم الرمم((1541))
لاعن ابي مسلم في نصحه صفحوا
ولا الهبيري نجا الحلف والقسم((1542))
ولا الامان لاهل الموصل اعتمدوا
فيه الوفاء ولا عن غيهم حلموا((1543))
ابلغ لديك بني العباس مالكة((1544))
لا يدعوا ملكها ملا كها العجم
اي المفاخر امست في منازلكم
وغيركم آمر فيها ومحتكم
انى يزيدكم في مفخر علم
وفي الخلاف عليكم يخفق العلم
يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم
لمعشر بيعهم يوم الهياج دم
خلوا الفخار لعلا مين ان سئلوا
يوم السؤال وعمالين ان علموا
لا يغضبون لغير اللّه ان غضبوا
ولا يضيعون حكم اللّه ان حكموا
تنشى التلاوة في ابياتهم سحرا
وفي بيوتكم الاوتار والنغم
منكم علية ام منهم وكان لكم
شيخ المغنين ابراهيم ام لهم((1545))
اذا تلوا سورة غنى امامكم
قف بالطلول التي لم يعفها القدم
ما في بيوتهم للخمر معتصر
ولا بيوتكم للسوء معتصم
ولا تبيت لهم خنثى تنادمهم
ولا يرى لهم قرد ولا حشم((1546))
الركن والبيت والاستار منزلهم
وزمزم والصفا والحجر والحرم
وليس من قسم في الذكر نعرفه
الا وهم غير شك ذلك القسم
ما يتبع الشعر
توجد هذه القصيدة كما رسمناها (58) بيتا في
ديوانه((1547)) المخطوط، المشفوع بشرحه لابن خالويه
النحوي المعاصر لهالمتوفى بحلب في خدمة بني حمدان
سنة(370)، وخمس منها العلا مة الشيخ ابراهيم يحيى العاملي
(54) بيتا، وذكر تخميسهفي منن الرحمن (1/143)، مستهله:
يا للرجال لجرح ليس يلتئم
عمر الزمان وداء ليس ينحسم
حتى متى ايها الاقوام والامم
الحق مهتضم.....
اودى هدى الناس حتى اناحفظهم
للخير صار بقول السوء الفظهم
فكيف توقظهم ان كنت موقظهم
والناس عندك.....
وهي التي شرحها ابو المكارم محمد بن عبدالملك بن احمد بن
هبة اللّه بن ابي جرادة الحلبي المتوفى (565)، وشرحها
ابنامير الحاج بشرحه المعروف المطبوع، وتوجد بتمامها في
الحدائق الوردية((1548)) المخطوط، وذكرها القاضي في
مجالسالمؤمنين((1549)) (ص411)، والسيد ميرزا حسن
الزنوزي في رياض الجنة في الروضة الخامسة ستين بيتا، وهي
التي شطرهاالعلا مة السيد محسن الامين العاملي. واليك نص
البيتين الزائدين:
امن تشاد له الالحان سائرة
عليهم ذو المعالي ام عليكم((1550))
صلى الاله عليهم كلما سجعت
ورق فهم للورى كهف ومعتصم((1551))
واسقط ناشر الديوان منها ابياتا وذكرها (53) بيتا، واحسب انه
التقط ابياتا ما كان يروقه مفادها، ودونك الاشارةاليها:
1 وكل مائرة الضبعين مسرحها ...
2 وفتية قلبهم قلب اذا ركبوا ...
3 فما السعيد بها الا الذي ظلموا ...
4 للمتقين من الدنيا عواقبها ...
5 ليس الرشيد كموسى في القياس ولا ...
6 يا باعة الخمر كفوا عن مفاخركم ...
7 صلى الاله عليهم كلما سجعت((1552)) ...
هذهالقصيدة تعرفبالشافية، وهيمنالقصائد الخالدة التي
تصافقت المصادر على ذكرها، او ذكر بعضها((1553)) او الايعاز
اليها،مطردة متداولة بين الادباء، محفوظة عند الشيعة
وقسمائهم منذ عهد نظمها ناظمها امير السيف والقلم والى
الان،وستبقىخالدة مع الدهر، وذلك لما عليها
منمسحةالبلاغة، ورونقالجزالة، وجودةالسرد، وقوة الحجة،
وفخامةالمعنى ،وسلاسة اللفظ، ولما انشد ناظمها الامير، امر
خمسمائة سيف وقيل اكثر ان تشهر في المعسكر((1554))،
نظمها لما وقفعلىقصيدة ابن سكرة العباسي، التي اولها:
بني علي دعوا مقالتكم
لا ينقص الدر وضع من وضعه
وللامير ابي فراس هائية يمدح بها اهل البيت، وفيها ذكر الغدير
وهي:
يوم بسفح الدار لا انساه
ارعى له دهري الذي اولاه
يوم عمرت العمر فيه بفتية
من نورهم اخذ الزمان بهاه
فكان اوجههم ضياء نهاره
وكان اوجههم نجوم دجاه
ومهفهف كالغصن حسن قوامه
والظبي منه اذا رنا عيناه
نازعته كاسا كان ضياءها
لما تبدت في الظلام ضياه
في ليلة حسنت لنا بوصاله
فكانما من حسنها اياه
وكانما فيها الثريا اذ بدت
كف يشير الى الذي يهواه
والبدر منتصف الضياء كانه
متبسم بالكف يسترقاه
ظبي لو ان الدر مر بخده
من دون لحظة ناظر ادماه
ان لم اكن اهواه او اهوى الردى
في العالمين لكل ما يهواه
فحرمت قرب الوصل منه مثلما
حرم الحسين الماء وهو يراه
اذ قال اسقوني فعوض بالقنا
من شرب عذب الماء ما ارواه
فاجتز راس طالما من حجره
ادنته كفا جده ويداه
يوم بعين اللّه كان وانما
يملي لظلم الظالمين اللّه
وكذاك لو اردى عداة نبيه
ذو العرش ما عرف النبي عداه
يوم عليه تغيرت شمس الضحى
وبكت دما مما راته سماه
لا عذر فيه لمهجة لم تنفطر
او ذي بكاء لم تفض عيناه
تبا لقوم تابعوا اهواءهم
فيما يسوؤهم غدا عقباه
اتراهم لم يسمعوا ما خصه
منه النبي من المقال اباه
اذ قال يوم غدير خم معلنا
من كنت مولاه فذا مولاه
هذي وصيته اليه فافهموا
يا من يقول بان ما اوصاه
اقروا من القرآن ما في فضله
وتاملوه وافهموا فحواه
لو لم تنزل فيه الا هل اتى
من دون كل منزل لكفاه
من كان اول من حوى القرآن من
لفظ النبي ونطقه وتلاه
من كان صاحب فتح خيبر من رمى
بالكف منه بابه ودحاه
من عاضد المختار من دون الورى
من آزر المختار من آخاه
من بات فوق فراشه متنكرا
لما اطل فراشه اعداه
من ذا اراد الهنا بمقاله
الصادقون القانتون سواه
من خصه جبريل من رب العلى
بتحية من ربه وحباه
اظننتم ان تقتلوا اولاده
ويظلكم يوم المعاد لواه
او تشربوا من حوضه بيمينه
كاسا وقد شرب الحسين دماه
طوبى لمن الفاه يوم اوامه((1555))
فاستل يوم حياته وسقاه
قد قال قبلي في قريض قائل
ويل لمن شفعاؤه خصماه
انسيتم يوم الكساء وانه
ممن حواه مع النبي كساه
يارب اني مهتد بهداهم
لا اهتدي يوم الهدى بسواه
اهوى الذي يهوى النبي وآله
ابدا واشنا كل من يشناه
واقول قولا يستدل بانه
مستبصر من قاله ورواه
شعرا يود السامعون لو انه
لا ينقضي طول الزمان هداه
يغري الرواة اذا روته بحفظه
ويروق حسن رويه معناه
الشاعر
ابو فراس الحارث بن ابي العلاء سعيد بن حمدان بن حمدون
بن الحارث بن لقمان بن راشد بن المثنى بن رافع بن
الحارثبن عطيف بن محربة بن حارثة بن مالك ابن عبيد بن
عدي بن اسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم
بنتغلب الحمداني التغلبي.
ربما يرتج القول في المترجم وامثاله، فلا يدري القائل ماذا
يصف، ايطريه عند صياغة القول؟ او يصفه عند قيادة
العسكر؟وهل هو عند ذلك ابرع؟ ام عند هذا اشجع؟ وهل هو
لجمل القوافي اسبك؟ ام لازمة الجيوش املك؟ والخلاصة ان
الرجلبارع في الصفتين، ومتقدم في المقامين، جمع بين هيبة
الملوك، وظرف الادباء، وضم الى جلالة الامراء لطف مفاكهة
الشعراء،وجمع له بين السيف والقلم، فهو حينما ينطق بفم كما
هو عند ثباته على قدم، فلا الحرب تروعه، ولا القافية تعصيه،
ولاالروع يهزمه، ولا روعة البيان تعدوه، فلقد كان المقدم بين
شعراء عصره، كما انه كان المتقدم على امرائه، وقد ترجم
بعضاشعاره الى اللغة الالمانية، كما في دائرة المعارف
الاسلامية.
قال الثعالبي في يتيمة الدهر((1556)) (1/27): كان فرد دهره،
وشمس عصره ادبا وفضلا، وكرما ونبلا، ومجدا وبلاغة
وبراعة،وفروسية وشجاعة، وشعره مشهور سائر بين الحسن
والجودة، والسهولة والجزالة، والعذوبة والفخامة، والحلاوة
والمتانة،ومعه رواء الطبع، وسمة الظرف، وعزة الملك، ولم
تجتمع هذه الخلال قبله الا في شعر عبداللّه بن المعتز، وابو
فراس يعداشعرمنه عند اهل الصنعة، ونقدة الكلام، وكان
الصاحب يقول: بدئ الشعر بملك وختم بملك، يعني امرا
القيس وابا فراس.
وكان المتنبي يشهد له بالتقدم والتبريز، ويتحامى جانبه، فلا
ينبري لمباراته، ولا يجترئ على مجاراته، وانما لم يمدحه
ومدحمن دونه من آل حمدان تهيبا له واجلالا، لا اغفالا
واخلالا، وكان سيف الدولة يعجب جدا بمحاسن ابي فراس،
ويميزهبالاكرام عن سائر قومه، ويصطنعه لنفسه، ويصطحبه
في غزواته، ويستخلفه على اعماله، وابو فراس ينثر الدر الثمين
فيمكاتباته اياه، ويوافيه حق سؤدده، ويجمع بين ادبي السيف
والقلم في خدمته. انتهى.
وتبعه في اطرائه والثناء عليه((1557)): ابن عساكر في تاريخه
(2/440)، ابن شهرآشوب في معالم العلماء، ابن الاثير في
الكامل(8/194)، ابن خلكان في تاريخه (1/138)، ابو الفداء في
تاريخه (2/114)، اليافعي في مرآة الجنان (2/369)،
ومؤلفشذرات الذهب (3/24)، مجالس المؤمنين (ص411)،
رياض العلماء، امل الامل (ص266)، منتهى المقال
(ص349)،رياض الجنة في الروضة الخامسة، دائرة المعارف
للبستاني (2/300)، دائرة المعارف لفريد وجدي (7/150)،
روضاتالجنات (ص206)، قاموس الاعلام للزركلي (1/202)،
كشف الظنون (1/502)، تاريخ آداب اللغة (2/241)،
الشيعةوفنون الاسلام (ص107)، معجم المطبوعات، دائرة
المعارف الاسلامية (1/387)، وجمع شتات ترجمته واوعى
سيدناالمحسن الامين في (260) صحيفة في اعيان الشيعة في
الجزء الثامن عشر (ص29 298).
كان المترجم يسكن منبج، ويتنقل في بلاد الشام في دولة ابن
عمه ابي الحسن سيف الدولة، واشتهر في عدة معارك
معه،حارب بها الروم، واسر مرتين.
فالمرة الاولى ب مغارة الكحل سنة (348) وما تعدوا به
خرشنة((1558))، وهي قلعة ببلاد الروم، والفرات يجري من
تحتها،وفيها يقال: انه ركب فرسه وركضه برجله، فاهوى به من
اعلى الحصن الى الفرات، واللّه اعلم.
والمرة الثانية: اسرتهالروم على منبج، وكان متقلدا بها في
شوال سنة(351)، اسر وهو جريح وقد اصابه سهم بقي نصله
فيفخذه، وحمل مثخنا الى خرشنة ثم الى القسطنطينية واقام
في الاسر اربع سنين لتعذر المفاداة، واستفكه من الاسر
سيفالدولة سنة (355)، وقد كانت تصدر اشعاره في الاسر
والمرض، واستزادة سيف الدولة، وفرط الحنين الى اهله
واخوانهواحبائه، والتبرم بحاله ومكانه، عن صدر حرج، وقلب
شجي، تزداد رقة ولطافة، تبكي سامعها، وتعلق
بالحفظلسلاستها، تسمى بالروميات.
قال ابن خالويه: قال ابو فراس: لما حملت الى القسطنطينية
اكرمني ملك الروم اكراما لم يكرمه اسيرا قبلي، وذلك ان
منرسومهم ان لا يركب اسير في مدينة ملكهم دابة قبل لقاء
الملك، وان يمشي في ملعب لهم يعرف بالبطوم مكشوف
الراس،ويسجد فيه ثلاث سجدات او نحوها، ويدوس الملك
رقبته في مجمع لهم يعرف بالتوري، فاعفاني من جميع ذلك
ونقلنيلوقتي الى دار وجعل لي برطسان((1559)) يخدمني،
وامر باكرامي، ونقل من اردته من اسارى المسلمين الي، وبذل
لي المفاداةمفردا، وابيت بعدما وهب اللّه لي من الكرامة ورزقته
من العافية والجاه ان اختار نفسي على المسلمين، وشرعت مع
ملكالروم بالفداء، ولم يكن الامير سيف الدولة يستبقي اسارى
الروم، فكان في ايديهم فضل ثلاثة آلاف اسير ممن اخذ
منالاعمال والعساكر، فابتعتهم بمائتي الف دينار رومية على
ان يوقع الفداء واشتري هذه الفضيلة، وضمنت المال
والمسلمين،وخرجت بهم من القسطنطينية، وتقدمت
بوجوههم الى خرشنة، ولم يعقد قط فداء مع اسير ولا هدنة،
فقلت في ذلكشعرا((1560)):
وللّه عندي في الاسار وغيره
مواهب لم يخصص بها احد قبلي
حللت عقودا اعجز الناس حلها
وما زال عقدي لا يذم ولا حلي
اذا عاينتني الروم كبر صيدها
كانهم اسرى لدي وفي كبلي((1561))
واوسع اياماحللت كرامة
كاني من اهلي نقلت الى اهلي
فقل لبني عمي وابلغ بني ابي
باني في نعماء يشكرها مثلي
وما شاء ربي غير نشر محاسني
وان يعرفوا ما قد عرفتم من الفضل
شعر الامير ابي فراس
وقال يفتخر وقد بلغه ان الروم قالت: ما اسرنا احدا لم نسلب
ثيابه غير ابي فراس((1562)):
اراك عصي الدمع شيمتك الصبر
اما للهوى نهي لديك ولا امر
بلى انا مشتاق وعندي لوعة
ولكن مثلي لا يذاع له سر
اذا الليل اضواني بسطت يد الهوى
واذللت دمعا من خلائقه الكبر
تكاد تضيء النار بين جوانحي
اذا هي اذكتها الصبابة والفكر
ويقول فيها:
اسرت وما صحبي بعزل لدى الوغى
ولا فرسي مهر ولا ربه غمر
ولكن اذا حم القضاء على امرئ
فليس له بر يقيه ولا بحر
وقال اصيحابي الفرار او الردى
فقلت هما امران احلاهما المر
ولكنني امضي لما لا يعيبني
وحسبك من امرين خيرهما الاسر
يقولون لي بعت السلامة بالردى
فقلت لهم واللّه ما نالني خسر
هو الموت فاختر ما علا لك ذكره
ولم يمت الانسان ما حيي الذكر
ولا خير في رد الردى بمذلة
كما رده يوما بسواته عمرو
يمنون ان خلوا ثيابي وانما
علي ثياب من دمائهم حمر
وقائم سيفي فيهم دق نصله
واعقاب رمحي منهم حطم الصدر
سيذكرني قومي اذا جد جدهم
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
فان عشت فالطعن الذي يعرفونه
وتلك القنا والبيض والضمر الشقر
وان مت فالانسان لا بد ميت
وان طالت الايام وانفسح العمر
ولو سد غيري ما سددت اكتفوا به
وما كان يغلو التبر لو نفق الصفر
ونحن اناس لا توسط عندنا
لنا الصدر دون العالمين او القبر
تهون علينا في المعالي نفوسنا
ومن خطب الحسناء لم يغلها المهر
اعز بني الدنيا واعلى ذوي العلا
واكرم من فوق التراب ولا فخر
وقال لما اسر((1563)):
ما للعبيد من الذي
يقضي به اللّه امتناع
ذدت الاسود عن الفرا
ئس ثم تفرسني الضباع
وقال((1564)):
قد عذب الموت بافواهنا
والموت خير من مقام الذليل
انا الى اللّه لما نابنا
وفي سبيل اللّه خير السبيل
وقال لما ورد اسيرا بخرشنة((1565)):
ان زرت خرشنة اسيرا
فلكم حللت بها مغيرا
ولقد رايت النار تن
تهب المنازل والقصورا
ولقد رايت السبي يجل
ب نحونا حوا((1566)) وحورا
من كان مثلي لم يبت
الا اميرا او اسيرا
ليست تحل سراتنا
الا الصدور او القبورا
ولما ثقل الجراح وآيس من نفسه وهو اسير، كتب الى والدته
يعزيها بنفسه((1567)):
مصابي جليل والعزاء جميل
وعلمي بان اللّه سوف يديل
واني لفي هذا الصباح لصالح
ولي كلما جن الظلام غليل
وما نال مني الاسر ما تريانه
ولكنني دامي الجراح عليل
جراح تحاماه الاساة((1568)) مخافة
وسقمان باد منهما ودخيل
واسر اقاسيه وليل نجومه
ارى كل شيء غيرهن يزول
تطول بي الساعات وهي قصيرة
وفي كل دهر لا يسرك طول
تناساني الاصحاب الا عصابة
ستلحق بالاخرى غدا وتحول
وان الذي يبقى على العهد منهم
وان كثرت دعواهم لقليل
اقلب طرفي لا ارى غير صاحب
يميل مع النعماء كيف تميل
وصرنا نرى ان المتارك محسن
وان خليلا لا يضر وصول
وليس زماني وحده بي غادر
ولاصاحبي دون الرجال ملول
وما اثري يوم اللقاء مذمم
ولا موقفي عند الاسار ذليل
تصفحت اقوال الرجال فلم يكن
الى غير شاك للزمان وصول
اكل خليل هكذا غير منصف
وكل زمان بالكرام بخيل
نعم دعت الدنيا الى الغدر دعوة
اجاب اليها عالم وجهول
وقبلي كان الغدر في الناس شيمة
وذم زمان واستلا م خليل
وفارق عمرو بن الزبير شقيقه
وخلى امير المؤمنين عقيل
فيا حسرتا من لي بخل موافق
يقول بشجوي مرة واقول
وان وراء الستر اما بكاؤها
علي وان طال الزمان طويل
فيا امتا لا تعدمي الصبر انه
الى الخير والنجح القريب رسول
ويا امتا لا تحبطي الاجر انه
على قدر الصبر الجميل جزيل
ويا امتا صبرا فكل ملمة
تجلي على علا تها وتزول
اما لك في ذات النطاقين اسوة((1569))
بمكة والحرب العوان تجول
اراد ابنها اخذ الامان فلم يجب
وتعلم علما انه لقتيل
تاسي كفاك اللّه ما تحذرينه
فقد غال هذا الناس قبلك غول
وكوني كما كانت باحد صفية
ولم يشف منها بالبكاء غليل
فما رد يوما حمزة الخير حزنها
اذا ما علتها زفرة وعويل
لقيت نجوم الافق وهي صوارم
وخضت ظلام الليل وهو خيول
ولم ارع للنفس الكريمة خلة
عشية لم يعطف علي خليل
ولكن لقيت الموت حتى تركته((1570))
وفيه وفي حد الحسامفلول
ومن لم يق الرحمن فهو ممزق
ومن لم يعز اللّه فهو ذليل
ومن لم يرده اللّه في الامر كله
فليس لمخلوق اليه سبيل
وان هو لم يدللك في كل مسلك
ظللت ولو ان السماك دليل
اذا ما وقاك اللّه امرا تخافه
فما لك مما تتقيه مقيل((1571))
وان هو لم ينصرك لم تلق ناصرا
وان جل انصار وعزقبيل((1572))
وما دام سيف الدولة الملك باقيا
فظلك فياح الجناب ظليل
قال ابن خالويه: وقال يصف ايامه ومنازله بمنبج، وكان ولايته
واقطاعه وداره بها، ويعرض بقوم بلغه شماتتهم فيه وهو فياسر
الروم((1573)):
قف في رسوم المستجاب
وناد اكناف المصلى
فالجوسق الميمون فالس
قياء فالنهر المعلى
اوطنتها زمن الصبا
وجعلت منبج لي محلا
حرم الوقوف بها علي
وكان قبل اليوم حلا
حيث التفت وجدت ماء
سائحا وسكنت ظلا
تزداد واد غير قا
ص منزلا رحبا مطلا ((1574))
وتحل بالجسر الجنان
وتسكن الحصن المعلى
تجلو عرائسه لنا
بالبشر جنب العيش سهلا
والماء يفصل بين زه
ر الروض في الشطين فصلا
كبساط وشي جردت
ايدي القيون((1575)) عليه نصلا
من كان سر بما عرا
ني فليمت ضرا وهزلا
لم اخل فيما نابني
من ان اعز وان احلا
مثلي اذا لقي الاسا
ر فلن يضام ولن يذلا
رعت القلوب مهابة
وملاتها نبلا وفضلا
ما غض مني حادث
والقرم قرم حيث حلا
انى حللت فانما
يدعوني السيف المحلى
فلئن خلصت فانني
غيظ العدى طفلا وكهلا
ما كنت الا السيف زا
د على صروف الدهر صقلا
ولئن قتلت فانما
موت الكرام الصيد قتلا
لا يشمتن بموتنا
الا فتى يفنى ويبلى
يغتر بالدنيا الجهو
ل وليس في الدنيا مملا
قال ابن خالويه((1576)): تاخرت كتب سيف الدولة عن ابي
فراس في ايام اسره، فذلك انه بلغه ان بعض الاسراء قال:
انثقلهذا المال على الامير كاتبنا فيه صاحب خراسان وغيره
من الملوك، وخففت علينا الاسر، وذكر انهم قرروا مع
الروماطلاق اسراء المسلمين بما يحملونه، فاتهم سيف الدولة ابا
فراس بهذا القول، لضمانه المال للروم وقال: من اين تعرفه
اهلخراسان؟ فقال ابو فراس هذه القصيدة، وانفذها الى سيف
الدولة.
قال الثعالبي((1577)): كتب ابو فراس الى سيف الدولة:
مفاداتي ان تعذرت عليك فائذن لي في مكاتبة اهل خراسان
ومراسلتهمليفادوني وينوبوا عنك في امري.
فاجابه سيف الدولة: من يعرفك بخراسان؟ فكتب اليه ابو
فراس((1578)):
اسيف الهدى وقريع العرب
الام الجفاء وفيم الغضب
وما بل كتبك قد اصبحت
تنكبني مع هذي النكب((1579))
وانت الكريم وانت الحليم
وانت العطوف وانت الحدب((1580))
وما زلت تسبقني بالجمي
ل وتنزلني بالمكان الخصب
وانك للجبل المشمخ
ر الي بل لقومك بل للعرب
وتدفع عن حوزتي الخطوب
وتكشف عن ناظري الكرب
علا يستفاد وعاف يعاد
وعز يشاد ونعمى ترب((1581))
وما غض مني هذا الاسار
ولكن خلصت خلوص الذهب
ففيم يعرضني بالخمول
مولى به نلت اعلى الرتب
وكان عتيدا لدي الجواب
ولكن لهيبته لم اجب
اتنكر اني شكوت الزمان
واني عتبتك فيمن عتب
والا رجعت فاعتبتني
وصيرت لي ولقومي الغلب((1582))
فلا تنسبن الي الخمول
اقمت عليك فلم اغترب
واصبحت منك فان كان فضل
وان كان نقص فانت السبب
وان خراسان ان انكرت
علاي فقد عرفتها حلب
ومن اين ينكرني الابعدون
امن نقص جد امن نقص اب
الست واياك من اسرة
وبيني وبينك عرق النسب
ودار تناسب فيها الكرام
وتربية ومحل اشب((1583))
ونفس تكبر الا عليك
وترغب الا ك عمن رغب
فلا تعدلن فداك ابن عمك
لابل غلامك عما يجب
وانصف فتاك فانصافه
من الفضل والشرف المكتسب
اكنت((1584)) الحبيب وكنت القريب
ليالي ادعوك من عن كثب
فلما بعدت بدت جفوة
ولاح من الامر ما لا احب
فلو لم اكن بك ذا خبرة
لقلت صديقك من لم يغب
وكتب اليه ايضا((1585)):
زماني كله غضب وعتب
وانت علي والايام الب((1586))
وعيش العالمين لديك سهل
وعيشي وحده بفناك صعب
القصيدة (18) بيتا
وبلغ اليه نعي امه وهو في الحبس، فقال يرثيها((1587)):
ايا ام الاسير بمن انادي
وقدمت الايادي والشعور((1588))
اذا ابنك سار في بر وبحر
فمن يدعو له او يستجير
حرام ان يبيت قرير عين
ولؤم ان يلم به السرور
وقد ذقت المنايا والرزايا
ولا ولد لديك ولا عشير
وغاب حبيب قلبك عن مكان
ملائكة السماء به حضور
ليبكك كل يوم صمت فيه
مصابرة وقد حمي الهجير
ليبكك كل ليل قمت فيه
الى ان يبتدي الفجر المنير
ليبكك كل مضطهد مخوف
اجرتيه وقد قل المجير
ليبكك كل مسكين فقير
اعنتيه وما في العظم رير((1589))
ايا اماه كم هول طويل
مضى بك لم يكن منه نصير
ايا اماه كم سر مصون
بقلبك مات ليس له ظهور
الى من اشتكي ولمن اناجي
اذا ضاقت بما فيها الصدور
باي دعاء داعية اوقى
باي ضياء وجه استنير
بمن يستدفع القدر المرجى
بمن يستفتح الامر العسير
تسلى عنك انا عن قليل
الى ما صرت في الاخرى نصير
ميلاده ومقتله
ولد المترجم سنة(320) وقيل(321) ويعين الاول ما حكاه ابن
خالويه عن ابي فراس انه قال له: ان في سنة (339) كانسني
(19) سنة، وقتل يوم الاربعاء لثمان من ربيع الاخر((1590))
وعن الصابي في تاريخه((1591)): يوم السبت لليلتين خلتا من
جمادىالاولى سنة(357)((1592))، وذلك انه لما مات سيف
الدولة عزم ابو فراس على التغلب على حمص وتطلع اليها
وكان مقيما بها،فاتصل خبره الى ابن اخته ابي المعالي بن سيف
الدولة وغلام ابيه قرعويه((1593))، وجرت بذلك بين ابي
فراس وبين ابي المعاليوحشة، فطلبه ابو المعالي فانحاز ابو
فراس الى صدد، وهي قرية في طريق البرية عند حمص، فجمع
ابو المعالي الاعرابمن بني كلاب وغيرهم وسيرهم في طلبه
مع قرعويه فادركه بصدد، فكبسوه فاستامن اصحابه واختلط
هو بمن استامنمعهم، فقال قرعويه لغلام له: اقتله. فقتله واخذ
راسه، وتركت جثته في البرية حتى دفنها بعض الاعراب.
قال الثعالبي((1594)): دلت قصيدة قراتها لابي اسحاق الصابي
في مرثية ابي فراس، على انه قتل في وقعة كانت بينه وبين
موالياسرته.
|