راجع((474)): كامل المبرد (1/309)، البيان والتبيين (2/68)،
تاريخ اليعقوبي (2/163)، عيون الاخبار لابن قتيبة
(2/213)،مروج الذهب(2/62)، مناقب الخوارزمي (ص‏173)،
شرح ابن ابي الحديد (4/15).
لفظ الجاحظ في كتاب التاج((475)) (ص 109): كتب قيس
الى معاوية:
ياوثن ابن وثن، تكتب الي تدعوني الى مفارقة علي بن ابي
طالب والدخول في طاعتك، وتخوفني بتفرق اصحابه
عنه،واقبال الناس عليك واجفالهم اليك، فواللّه الذي لا اله
غيره، لو لم يبق له غيري، ولم يبق لي غيره، ماسالمتك ابدا
وانت‏حربه، ولا دخلت في طاعتك وانت عدوه، ولا اخترت عدو
اللّه على وليه، ولا حزب الشيطان على حزب اللّه. والسلام.
كتاب مفتعل :
فلما ايس معاوية من قيس ان يتابعه على امره، شق عليه ذلك،
وثقل عليه مكانه، لما كان يعرف من حزمه وباسه، ولم‏تنجح
حيلة فيه تكاده من قبل علي، فقال لاهل الشام: ان قيسا قد
تابعكم فادعوا اللّه له ولا تسبوه، ولا تدعوا الى غزوه،فانه لنا
شيعة، قد تاتينا كتبه ونصيحته سرا، الا ترون مايفعل باخوانكم
الذين عنده من اهل خربتا يجري عليهم‏عطاياهم وارزاقهم
ويحسن اليهم.
واختلق كتابا ونسبه الى قيس، فقراه على اهل الشام وهو:
بسم اللّه الرحمن الرحيم. للامير معاوية بن ابي سفيان من
قيس بن سعد:
سلام عليك، فاني احمد اليكم اللّه الذي لا اله الا هو، اما بعد:
فاني لما نظرت لنفسي وديني فلم ار يسعني مظاهرة قوم قتلوا
امامهم مسلما محرما برا تقيا، فنستغفر اللّه غ لذنوبنا،ونساله
العصمة لديننا، الا واني قد القيت اليكم بالسلم، واني اجبتك
الى قتال قتلة عثمان(رض) امام الهدى المظلوم، فعول‏علي
فيما احببت من الاموال والرجال، اعجل عليك.
والسلام((476)).
ان شنشنة التقول والافتعال غريزة ثابتة في سجايا معاوية، ومنذ
عهده شاعت الاحاديث المزورة فيما يعنيه من فضل بني‏امية،
والوقيعة في بني هاشم، عترة الوحي وانصاره، يوم كان يهب
القناطير المقنطرة من الذهب والفضة لاهل الجباه‏السود،
فيضعون له في ذلك روايات معزوة الى صاحب الرسالة(ص)،
فانه بذل لسمرة بن جندب مائة الف درهم ليروي‏ان قوله
تعالى: (ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات
اللّه)((477)) نزل في ابن ملجم اشقى مراد. وقوله
تعالى:(ومن‏الناس من يعجبك قوله في‏الحياة الدنيا ويشهد اللّه
على ما في قلبه وهو الد الخصام)((478)) الاية. نزل في علي
اميرالمؤمنين. فلم يقبل، فبذل له مائتي الف درهم فلم يقبل،
فبذل له اربعمائة الف درهم فقبل((479))، وله من نظائر
هذاشي‏ءكثير .
فليس من البدع اختلاقه على قيس، وهو يفتعل على سيده
النبي الاطهر مالم يقله، وعلى امير المؤمنين مالم يكن،
وعلى‏سروات المجد من بني هاشم الاطيبين ماهم عنه بعداء.
فهو مبتدع هذه الخزايات العائدة عليه و على لفيفه في عهد
ملوكيته‏المظلم، وعلى هذا كان دينه و ديدنه، ثم تمرنت رواة
السوء من بعده على رواية الموضوعات، وشاعت وكثرت، الى
ان‏القت العلماء وحفظة الحديث في جهود متعبة بالتاليف، في
تمييز الموضوع من غيره، والخبيث من الطيب.
لم يزل معاوية دائبا على ذلك متهالكا فيه، حتى كبر عليه
الصغير، وشاخ الكهل، وهرم الكبير، فتداخل بغض اهل‏البيت(ع)
في قلوب ران عليها ذلك التمويه ، فتسنى له لعن امير
المؤمنين (ع) وسبه في اعقاب الصلوات في
الجمعة‏والجماعات! وعلى صهوات المنابر في شرق الارض و
غربها، حتى في مهبط وحي‏اللّه المدينة المنورة.
قال الحموي في معجم البلدان((480)) (5/38): لعن علي بن
ابي طالب(رض) على منابر الشرق والغرب، ولم يلعن على
منبرسجستان الا مرة، وامتنعوا على بني امية حتى زادوا في
عهدهم: وان لايلعن على منبرهم احد. واي شرف اعظم
من‏امتناعهم من لعن اخي رسول اللّه(ص) على منبرهم، وهو
يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة. انتهى.
لما مات الحسن بن علي(ع) حج معاوية فدخل المدينة، واراد
ان يلعن عليا على منبر رسول اللّه(ص) فقيل له: ان هاهناسعد
بن ابي وقاص، ولا نراه يرضى بهذا، فابعث اليه وخذ رايه. فارسل
اليه وذكر له ذلك فقال: ان فعلت لاخرجن من‏المسجد، ثم لا
اعود اليه. فامسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد، فلما مات
لعنه على المنبر، وكتب الى عماله: ان يلعنوه‏على المنابر.
ففعلوا.
فكتبت ام سلمة زوج النبي(ص) الى معاوية: انكم تلعنون اللّه
ورسوله على منابركم! و ذلك انكم تلعنون علي بن ابي‏طالب
ومن احبه، وانا اشهد ان اللّه احبه ورسوله. فلم يلتفت الى
كلامها((481)).
قال الجاحظ في كتاب الرد على الامامية: ان معاوية كان يقول
في آخر خطبته: اللهم ان ابا تراب الحد في دينك، وصد
عن‏سبيلك، فالعنه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا اليما. وكتب بذلك
الى الافاق، فكانت هذه الكلمات يشادبها على المنابر الى
ايام‏عمر ابن عبد العزيز. وان قوما من بني امية قالوا لمعاوية: يا
امير المؤمنين انك قد بلغت ما املت، فلو كففت عن هذاالرجل.
فقال: لا واللّه حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير،
ولايذكر له ذاكر فضلا. وذكره ابن ابي الحديد
في‏شرحه((482)) (1/356).
قال الزمخشري في ربيع الابرار((483)) على مايعلق
بالخاطر والحافظ السيوط‏ي: انه كان في ايام بني امية اكثر
من‏سبعين الف منبر، يلعن عليها علي بن ابي طالب، بما سنه
لهم معاوية من ذلك. وفي ذلك يقول العلامة الشيخ احمد
الحفظ‏ي‏الشافعي في ارجوزته:
وقد حكى‏الشيخ السيوط‏ي انه
قد كان فيما جعلوه سنه
سبعون الف منبر وعشره
من فوقهن يلعنون حيدره
وهذه في جنبها العظائم
تصغر بل توجه اللوائم
فهل ترى من سنها يعادى
ام لا وهل يستر او يهادى
او عالم يقول عنه نسكت
اجب فاني للجواب منصت
وليت شعري هل يقال اجتهدا
كقولهم في بغيه ام الحدا
اليس ذا يؤذيه ام لا فاسمعن
ان الذي يؤذيه من ومن ومن
بل جاء في حديث ام سلمه
هل فيكم‏اللّه يسب مه لمه
عاون اخا العرفان بالجواب
وعاد من عادى ابا تراب
وكان امير المؤمنين يخبر بذلك كله ويقول: ((اما انه سيظهر
عليكم بعدي رجل رحب البلعوم، مندحق البطن((484))
ياكل‏ما يجد، ويطلب مالا يجد، فاقتلوه ولن تقتلوه، الا وانه
سيامر كم بسبي والبراءة مني)). نهج البلاغة((485)).
ونحن لو بسطنا القول في المقام، لخرج الكتاب عن وضعه، اذ
صحائف تاريخ معاوية السوداء ومن لف لفه من بني امية،
انماتعد بالالاف لا بالعشرات والمئات.
الصلح بين قيس ومعاوية
امرت شرطة الخميس قيس بن سعد على انفسهم وكان
يعرف بصاحب شرطة الخميس كما في
الكشي((486))(ص‏72) وتعاهد هو معهم على قتال معاوية،
حتى يشترط لشيعة علي ولمن كان اتبعه على اموالهم
ودمائهم، ومااصابوافي الفتنة، فارسل معاوية الى قيس يقول:
على طاعة من تقاتل، وقد بايعني الذي اعطيته طاعتك؟ فابى
قيس ان يلين له،حتى ارسل اليه معاوية بسجل قد ختم عليه
في اسفله، وقال: اكتب في هذا ماشئت فهو لك. فقال عمرو بن
العاص لمعاوية:لاتعطه هذا وقاتله.
فقال معاوية: على رسلك فانا لا نخلص الى قتلهم حتى يقتلوا
اعدادهم من اهل الشام، فما خير العيش بعد ذلك؟! فاني‏واللّه لا
اقاتله ابدا حتى لا اجد من قتاله بدا.
فلما بعث اليه معاوية ذلك السجل، اشترط قيس له ولشيعة
علي امير المؤمنين(ع) الامان على ما اصابوا من الدماءوالاموال،
ولم يسال في سجله ذلك مالا، واعطاه معاوية ما سال، ودخل
قيس ومن معه في طاعته((487)).
قال ابو الفرج((488)): فارسل معاوية اليه يدعوه الى البيعة،
فلما ارادوا ادخاله اليه، قال اني حلفت ان لا القاه الا بيني‏وبينه
الرمح او السيف. فامر معاوية برمح وسيف فوضعا بينهما ليبر
يمينه، فلما دخل قيس ليبايع، وقد بايع الحسن(ع) فاقبل‏على
الحسن(ع) فقال: افي حل انا من بيعتك؟. فقال: ((نعم)).
فالقي له كرسي، وجلس معاوية على سرير والحسن معه،
فقال‏له معاوية: اتبايع ياقيس؟ قال: نعم. ووضع يده على فخذه
ولم يمدها الى معاوية، فجاء معاوية من سريره، واكب على‏قيس
حتى مسح يده، وما رفع اليه قيس يده((489)).
قال اليعقوبي في تاريخه((490)) (2/192): بويع معاوية بالكوفة
في ذي القعدة سنة (40) واحضر الناس لبيعته، وكان‏الرجل
يحضر فيقول: واللّه يامعاوية اني لابايعك واني لكاره لك.
فيقول: بايع فان اللّه قد جعل في المكروه خيرا كثيرا،وياتي
الاخر فيقول: اعوذ باللّه من شر نفسك.
واتاه قيس بن سعد بن عبادة، فقال: بايع قيس. قال: اني كنت
لاكره مثل هذا اليوم يامعاوية. فقال له: مه رحمك اللّه.
فقال:لقد حرصت ان افرق بين روحك وجسدك قبل ذلك،
فابى اللّه ياابن ابي سفيان الا مااحب. قال: فلا يرد امر اللّه.
قال: فاقبل قيس على الناس بوجهه فقال: يامعشر الناس لقد
اعتضتم الشر من الخير، واستبدلتم الذل من العز، والكفر
من‏الايمان، فاصبحتم بعد ولاية امير المؤمنين، وسيد
المسلمين، وابن عم رسول رب العالمين، وقد وليكم الطليق
ابن الطليق،يسومكم الخسف، ويسير فيكم بالعسف، فكيف
تجهل ذلك انفسكم؟ ام طبع اللّه على قلوبكم وانتم لا تعقلون؟
فجثا معاوية على ركبته، ثم اخذ بيده، وقال: اقسمت عليك. ثم
صفق على كفه ونادى الناس: بايع قيس. فقال: كذبتم
واللّهمابايعت. ولم يبايع لمعاوية احد الا اخذ عليه الايمان، فكان
اول من استحلف على بيعته.
اخرج الحافظ عبد الرزاق، عن ابن عيينة، قال: قدم قيس بن
سعد على معاوية، فقال له معاوية: وانت ياقيس،تلجم‏علي‏مع
من الجم؟ اما واللّه لقد كنت ا حب ان لاتاتيني هذا اليوم الا وقد
ظفر بك ظفر من اظافري موجع. فقال له‏قيس: وانا واللّه قد
كنت كارها ان اقوم في هذا المقام، فاحييك بهذه التحية. فقال
له معاوية: ولم؟ وهل انت الا حبر من‏احبار اليهود؟ فقال له
قيس: وانت يامعاوية كنت صنما من اصنام الجاهلية، دخلت في
الاسلام كارها، وخرجت منه‏طائعا، فقال معاوية: اللهم غفرا، مد
يدك. فقال له قيس: ان شئت زدت وزدت. تاريخ ابن
كثير((491)) (8/99).
قيس ومعاوية في المدينة بعد الصلح بينهما
دخل قيس بن سعد بعد وقوع الصلح في جماعة من الانصار
على معاوية، فقال لهم معاوية: يامعشر الانصار بم تطلبون
ماقبلي؟ فواللّه لقد كنتم قليلا معي كثيرا علي، ولفللتم حدي
يوم صفين، حتى رايت المنايا تلظ‏ى في اسنتكم، وهجوتموني
في‏اسلافي باشد من وقع الاسنة، حتى اذا اقام اللّه ماحاولتم
ميله، قلتم: ارع فينا وصية رسول اللّه(ص). هيهات يابى
الحقين‏العذرة.
فقال قيس: نطلب ما قبلك بالاسلام الكافي به اللّه لا بما نمت
به اليك الاحزاب، واما عداوتنا لك فلو شئت كففتها عنك،واما
هجاؤنا اياك فقول يزول باطله ويثبت حقه، واما استقامة الامر
فعلى كره كان منا، واما فلنا حدك يوم صفين، فاناكنا مع رجل
نرى طاعة اللّه طاعته، واما وصية رسول اللّه بنا فمن آمن به
رعاها بعده، واما قولك: يابى الحقين العذرة،فليس دون اللّه يد
تحجزك منا يامعاوية، فدونك امرك يامعاوية، فانما مثلك كما
قال الشاعر:
يا لك من قبرة بمعمر
خلا لك الجو فبيضي‏واصفري
فقال معاوية يموه: ارفعوا حوائجكم. العقد الفريد((492))
(2/121)، مروج الذهب((493)) (2/ 63)، الامتاع
والمؤانسة(3/170).
بيان: قول معاوية: يابى الحقين العذرة((494)) مثل سائر،
اصله: ان رجلا نزل بقوم فاستسقاهم لبنا، فاعتلوا عليه
وزعمواان لا لبن عندهم، وكان اللبن محقونا في وطاب
عندهم. يضرب به للكاذب الذي يعتذر ولا عذر له، يعني: ان
اللبن‏المحقون لديكم يكذبكم في عذركم. فما في مروج الذهب
من: يابى الحقير العذرة. وفي العقد الفريد: ابى الخبير العذر.
فهوتصحيف.
قيس ومعاوية في المدينة
روى التابعي الكبير ابو صادق سليم بن قيس الهلالي في
كتابه((495))، قال:
قدم معاوية حاجا في ايام خلافته بعدما مات الحسن بن
علي(ع)، فاستقبله اهل المدينة، فنظر فاذا الذين استقبلوه
عامهم‏قريش، فالتفت معاوية الى قيس بن سعد بن عبادة،
فقال: مافعلت الانصار، وما بالها ماتستقبلني؟ فقيل: انهم
محتاجون‏ليس لهم دواب. فقال معاوية: فاين نواضحهم؟
فقال قيس بن سعد: افنوها يوم بدر واحد وما بعدهما من
مشاهد رسول اللّه(ص) حين ضربوك واباك على الاسلام،
حتى‏ظهر امر اللّه وانتم كارهون.
فقال معاوية: اللهم اغفر. فقال قيس: اما ان رسول اللّه(ص) قال:
((سترون بعدي اثرة)). فقال معاوية: فما امركم به؟ قال:امرنا
ان نصبر حتى نلقاه. قال: فاصبروا حتى تلقوه.
ثم قال: يامعاوية تعيرنا بنواضحنا؟ واللّه لقد لقيناكم عليها يوم
بدر وانتم جاهدون على اطفاء نور اللّه، وان تكون كلمة‏الشيطان
هي العليا، ثم دخلت انت وابوك كرها في الاسلام الذي
ضربناكم عليه.
فقال معاوية: كانك تمن علينا بنصرتكم ايانا، فلله ولقريش
بذلك المن والطول. الستم تمنون علينا يامعشر
الانصاربنصرتكم رسول اللّه؟ وهو من قريش وهو ابن عمنا ومنا،
فلنا المن والطول ان جعلكم اللّه انصارنا واتباعنا فهداكم بنا.
فقال قيس: ان اللّه بعث محمدا(ص) رحمة للعالمين، فبعثه
الى الناس كافة، والى الجن، والانس، والاحمر،
والاسود،والابيض، اختاره لنبوته، واختصه برسالته، فكان اول
من صدقه وآمن به ابن عمه علي بن ابي طالب(ع) وابو
طالب‏يذب‏عنه ويمنعه، ويحول بين كفار قريش وبين ان
يردعوه او يؤذوه، وامره ان يبلغ رسالة ربه، فلم يزل ممنوعا من
الضيم‏والاذى حتى مات عمه ابو طالب، وامر ابنه بموازرته،
فوازره ونصره، وجعل نفسه دونه في كل شديدة، وكل
ضيق،وكل‏خوف، واختص اللّه بذلك عليا(ع) من بين قريش،
واكرمه من بين جميع العرب والعجم، فجمع رسول اللّه(ص)
جميع‏بني عبدالمطلب، فيهم ابو طالب وابو لهب، وهم يومئذ
اربعون رجلا، فدعاهم رسول اللّه(ص) وخادمه علي(ع)
ورسول‏اللّه(ص) في حجر عم ه ابي طالب، فقال: ((ايكم ينتدب
ان يكون اخي، ووزيري، ووصيي، وخليفتي في امتي،
وولي‏كل‏مؤمن بعدي؟)).
فسكت القوم حتى اعادها ثلاثا، فقال علي(ع): ((انا يارسول اللّه
صلى اللّه عليك)) فوضع راسه في حجره، وتفل في فيه،وقال:
((اللهم املا جوفه علما وفهما وحكما)). ثم قال لابي طالب:
((يا ابا طالب اسمع الان لابنك واطع فقد جعله اللّه من نبى‏ه
بمنزلة هارون من موسى)) وآخى(ص) بين علي وبين نفسه.
فلم يدع قيس شيئا من مناقبه الا ذكره واحتج به.
وقال: منهم: جعفر بن ابي طالب الطيار في الجنة بجناحين،
اختصه اللّه بذلك من بين الناس، ومنهم: حمزة سيد
الشهداء،ومنهم: فاطمة سيدة نساء اهل الجنة. فاذا وضعت من
قريش رسول اللّه(ص) واهل بيته وعترته الطيبين، فنحن
واللّه آخير منكم يامعشر قريش، واحب الى اللّه ورسوله والى اهل
بيته منكم، لقد قبض رسول اللّه فاجتمعت الانصار الى ابي،ثم
قالوا: نبايع سعدا، فجاءت قريش فخاصمونا بحجة علي واهل
بيته، وخاصمونا بحقه وقرابته، فما يعدو قريشا ان‏يكونوا ظلموا
الانصار وظلموا آل محمد، ولعمري ما لاحد من الانصار ولا
لقريش ولا لاحد من العرب والعجم في‏الخلافة حق مع علي بن
ابي طالب وولده من بعده.
فغضب معاوية، وقال: ياابن سعد عمن اخذت هذا؟ وعمن
رويته؟ وعمن سمعته؟ ابوك اخبرك بذلك وعنه اخذته؟
فقال قيس: سمعته واخذته ممن هو خير من ابي، واعظم علي
حقا من ابي. قال: من؟ قال: علي بن ابي طالب، عالم هذه‏الامة،
وصديقها الذي انزل اللّه فيه: (قل كفى باللّه شهيدا بيني وبينكم
ومن عنده علم الكتاب)((496)) فلم يدع آية نزلت‏في علي الا
ذكرها.
قال معاوية: فان صديقها ابو بكر، وفاروقها عمر، والذي عنده
علم الكتاب عبداللّه بن سلام.
قال قيس: احق هذه الاسماء واولى بها الذي انزل اللّه فيه:
(افمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه)((497))
والذي‏نصبه رسول اللّه(ص) بغدير خم فقال: ((من كنت مولاه
اولى به من نفسه، فعلي اولى به من نفسه)) وقال في غزوة
تبوك:((انت مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا نبي
بعدي)).
كل ما ذكره قيس في هذه المناظرة من الايات النازلة في امير
المؤمنين، والاحاديث النبوية الماثورة في فضله،
اخرجهاالحفاظ والعلماء في المسانيد والصحاح، نذكر كلا منها
في محله ان شاء اللّه، كما مر بعضها.
قيس في خلقته
ان للاشكال والهيئات دخلا في مواقع الابهة والاكبار، فانها هي
التي تملا العيون بادئ بدء، وهي اول مايقع عليه النظر
من‏الانسان قبل كل ما انحنت عليه اضالعه، من جاش رابط،
وبطولة وبسالة، ودهاء وحزم، ولذلك قيل: ان للهيئة قسطا
من‏الثمن، وهذا في الملوك والامراء، وذوي الشؤون الكبيرة
آكد، فان الرعية تتفرس في العظيم في جثته عظما في
معنوياته،وتترسم منه كبر نفسياته ، وشدة امره، ونفوذ عزائمه،
وترضخ له قبل الضئيل، الذي يحسب انه لا حول له ولا طول،
وانه‏يضعف دون ادارة الشؤون طوقه واوقه((498))، ولذلك ان
اللّه سبحانه لما عرف طالوت لبني اسرائيل ملكا عرفه بانه
اوتي‏بسطة في العلم والجسم، فبعلمه يدير شؤون الشعب
الدينية والمدنية، ويكون ما اوتي من البسطة في الجسم، من
مؤكدات‏الابهة والهيبة، التي هي كقوة تنفيذية. لمواد العلم
وشؤونه.
ان سيد الانصار قيسا، لما لم يدع اللّه سبحانه شيئا من صفات
الفضيلة ظاهرة وباطنة الا وجمعه فيه، من علم وعمل،وهدى
وورع، وحزم، وسداد، وعقل، وراي ودهاء، وذكاء، وامارة،
وحكومة، ورئاسة، وسياسة، وبسالة، وشهامة،وسخاء، وكرم،
وعدل، وصلاح، لم يشا ان يخليه عن هذه الخاصة المربية بمقام
العظماء.
فقال شيخنا الديلمي في ارشاده((499))(2/325): انه كان
رجلا طوله ثمانية عشر شبرا في عرض خمسة اشبار،
وكان‏اشدالناس في زمانه بعد امير المؤمنين.
وقال ابو الفرج((500)): كان قيس رجلا طوالا، يركب الفرس
المشرف ورجلاه تخطان في الارض. ومر (ص‏77) عن‏المنذر
بن الجارود انه رآه في الزاوية على فرس اشقر، تخط رجلاه في
الارض.
وقال ابو عمرو الكشي في رجاله((501))(ص‏73): كان قيس
من العشرة الذين لحقهم النبي(ص) من العصر الاول، ممن
كان‏طولهم عشرة اشبار باشبار انفسهم، وكان قيس وابوه سعد
طولهما عشرة اشبار باشبارهم. وعن كتاب
الغارات((502))لابراهيم الثقفي انه قال: كان قيس طوالا،
اطول الناس وامدهم قامة، وكان سناطا((503))، اصلع شيخا،
شجاعا، مجربا،مناصحا لعلي ولولده، ولم يزل على ذلك الى ان
مات.
عد الثعالبي في ثمار القلوب((504))(ص‏480) من الامثال
الدائرة، والمضافات المعروفة، والمنسوب السائر: سراويل
قيس.وقال: انه يضرب مثلا لثوب الرجل الضخم الطويل.
وكان قيصر بعث الى معاوية بعلج من علوج الروم، طويل
جسيم، معجبا بكمال خلقته، و امتداد قامته، فعلم معاوية
انه‏ليس لمطاولته ومقاومته الا قيس بن سعد بن عبادة، فانه
كان اجسم الناس واطولهم. فقال له يوما وعنده العلج: اذااتيت‏ر
حلك فابعث الي بسراويلك. فعلم قيس مراده، فنزعها ورمى
بها الى العلج والناس ينظرون، فلبسها العلج فطالت‏الى صدره،
فعجب الناس، واطرق الرومي مغلوبا، وليم قيس على مافعل
بحضرة معاوية، فانشد يقول:
اردت لكيما يعلم الناس انها
سراويل قيس والوفود شهود
وان لا يقولوا غاب قيس وهذه
سراويل عاد قد نمته ثمود
واني من القوم اليمانين سيد
وما الناس الا سيد ومسود
وبز جميع الناس اصلي ومنصبي
وجسم به اعلو الرجال مديد
ورواها ابن كثير في البداية والنهاية((505))(8/103) بتغيير
فيها، ثم قال: وفي رواية: ان ملك الروم بعث الى معاوية
برجلين‏من جيشه، يزعم ان احدهما اقوى الروم والاخر اطول
الروم، فانظر هل في قومك من يفوقهما في قوة هذا وطول
هذا؟ فان‏كان في قومك من يفوقهما، بعثت اليك من الاسارى
كذا وكذا، ومن التحف كذا وكذا، وان لم يكن في جيشك من
هو اقوى‏واطول منهما، فهادني ثلاث سنين.
فلما حضروا عند معاوية قال: من لهذا القوي؟ فقالوا: ما له الا
احد رجلين: اما محمد بن الحنفية او عبداللّه بن الزبير،فجي‏ء
بمحمد بن الحنفية وهو ابن علي بن ابي طالب فلما اجتمع
الناس عند معاوية، قال له معاوية: اتعلم فيم‏ارسلت‏اليك؟ قال:
لا. فذكر له امر الرومي، وشدة باسه.
فقال للرومي: اما ان تجلس لي او اجلس لك، وتناولني يدك او ا
ناولك يدي، فاينا قدر على ان يقيم الاخر من مكانه‏غلبه، والا
فقد غلب. فقال له: ماذا تريد، تجلس او اجلس؟ فقال له الرومي:
بل اجلس انت.
فجلس محمد بن الحنفية واعط‏ى الرومي يده، فاجتهد الرومي
بكل ما يقدر عليه من القوة ان يزيله من مكانه، او
يحركه‏ليقيمه، فلم يقدر على ذلك ولا وجد اليه سبيلا، فغلب
الرومي عند ذلك، وظهر لمن معه من الوفود من بلاد الروم انه
قدغلب.
ثم قام محمد بن الحنفية، فقال للرومي: اجلس لي. فجلس
واعط‏ى محمدا يده، فما امهله ان اقامه سريعا، ورفعه في
الهواءثم‏القاه على الارض، فسر بذلك معاوية سرورا عظيما،
ونهض قيس بن سعد فتنح ى عن الناس، ثم خلع
سراويله‏واعطاها لذلك الرومي الطويل، فبلغت الى ثدييه
واطرافها تخط بالارض، فاعترف الرومي بالغلب، وبعث ملكهم
ما كان‏التزمه لمعاوية.
يستفيد القارئ من امثال هذه الموارد من التاريخ، ان اهل
البيت(ع) وشيعتهم، كانوا هم المرجع لحل المشكلات
من‏كل‏الوجوه، كما ان مولاهم امير المؤمنين(ع) كان هو
المرجع الفذ فيها لدى الصدر الاول.
وفاته
قال الواقدي، وخليفة بن خياط((506))، والخطيب البغدادي
في تاريخه(1/179) وابن كثير في
تاريخه((507))(8/102)وغيرهم بكثير: انه توفي بالمدينة في
آخر خلافة معاوية. فان عدت سنة وفاة معاوية من سني
خلافته، فالمترجم له توفي‏في سنة ست ين، والا ففي تسع
وخمسين، ولعل هذا منشا تردد ابن عبدالبر في
الاستيعاب((508))، وابن الاثير في اسدالغابة((509))، في
تاريخ وفاته بين السنتين، ففي الاول: انه توفي سنة ستين،
وقيل تسع وخمسين في آخر خلافة معاوية. وفي‏الثاني
بالعكس، وذكر ابن الجوزي((510)) سنة (59) وتبعه ابن كثير
في تاريخه، وهناك قول لابن حبان((511)) متروك،قال: انه
هرب من معاوية ومات سنة (85) في خلافة عبدالملك. ذكره
ابن حجر في الاصابة(3/249)، واستصوب قول‏خليفة ومن
وافقه.
بيت قيس
كان في العصور المتقادمة آل قيس من اشرف بيوتات الانصار،
وما زال منبثق انوار العلم والمجد في ادواره، بين
زعيم،وحافظ، وعالم، ومحدث، ومشفوع بالصلاح والقداسة،
منهم: ابو يعقوب اسحاق بن ابراهيم بن عمار بن يحيى بن
العباس‏بن عبدالرحمن بن سالم بن قيس بن سعد بن عبادة
الخزرجي الانصاري. ترجم له السمعاني في الانساب((512))
وقال:من اشرف بيت في الانصار، ومن اوحد مشايخ نيسابور في
الثروة، والعدالة، والورع، والقبول، والاتقان في الرواية،واكثرهم
طلبا للحديث، والفهم والمعرفة، سمع بنيسابور محمد بن
رافع، واسحاق بن منصور، وعبدالرحمن بن بشير بن‏الحكم.
وبالعراق عمر بن شبه النميري، والحسن بن محمد ابن الصباح،
ومحمد بن اسماعيل الاحمسي، واحمد بن سنان‏القطان.
وبالحجاز بحر بن نصر الخولاني. وبالري ابا زرعة، ومحمد بن
مسلم بن واره.
روى عنه ابو اسحاق ابراهيم بن عبدوس، ومحمد بن شريك
الاسفراييني، وابو احمد اسماعيل بن يحيى بن زكريا، مات
في‏جمادى الاخرة سنة (317) بنيسابور.
ومنهم: ابو بكر محمد بن ابي نصر احمد بن العباس بن الحسن
بن جبلة بن غالب بن جابر بن نوفل بن عياض بن يحيى
بن‏قيس بن سعد الانصاري، الشهير بالعياضي بكسر العين
ذكره السمعاني في الانساب((513))، وقال: من اهل
سمرقند،كان فقيها جليلا، من روساء البلدة، والمنظور اليهم،
روى عن ابي علي محمد بن محمد بن الحرث الحافظ
السمرقندي، لقيه‏ابو سعد الادريسي((514)) ولم يكتب عنه
شيئا((515)).
ومنهم: ابو احمد بن ابي نصر العياضي اخو ابي بكر العياضي
المذكور.
ومنهم: ابن المطري ابو محمد عبداللّه بن محمد بن احمد بن
خلف بن عيسى بن عساس بن يوسف بن بدر بن
عثمان‏الانصاري الخزرجي العبادي، المدني.
قال ابو المعالي السلامي في المختار كما في منتخبه (ص‏72):
انه من ولد قيس ابن سعد بن عبادة. كان حافظ وقته،
حسن‏الاخلاق، كثير العبادة، جميل العشرة مع العلماء ورواد
العلم، ارتحل في سماع الحديث الى الشام ومصر والعراق، وراى
في‏حياته كوارث، نهبت داره سنة (742) وحبس مدة ثم اطلق،
له كتاب الاعلام في من دخل المدينة من الاعلام،
سمع‏الحديث بالمدينة المشرفة من ابي حفص عمر بن احمد
السوداني، وبالقاهرة من ابي الحسن علي بن عمر الواني،
ويوسف‏بن عمر الختني، ويوسف بن محمد الدبابيسي،
وبالاسكندرية من عبدالرحمن بن مخلوف بن جماعة،
وبدمشق من احمد بن‏ابي طالب بن الشحنة، والقاسم بن
عساكر، وابي نصر ابن الشيرازي، وببغداد من محمد بن
عبدالمحسن الدواليبي. توفي‏بالمدينة المشرفة في ربيع الاول
سنة (765)((516)).
ومنهم: ابو العباس احمد بن محمد بن عبدالمعط‏ي بن احمد
بن عبدالمعط‏ي بن مكي بن طرد بن حسين بن مخلوف بن
ابي‏الفوارس بن سيف الاسلام((517)) بن قيس بن سعد بن
عبادة الانصاري، المكي المالكي النحوي، المولود سنة
(709)والمتوفى في المحرم سنة (808)((518))، ترجم له
السيوط‏ي في بغية الوعاة((519))(ص‏161).
(الحمد للّه وسلا م على عباده الذين اصطفى)((520))
4 عمرو بن العاص
المتوفى سنة (43)
معاوية الحال لا تجهل
وعن سبل الحق لا تعدل
نسيت احتيالي في جلق((521))
على اهلها يوم لبس الحلي
وقد اقبلوا زمرا يهرعون
مهاليع كالبقر الجفل((522))
وقولي لهم ان فرض الصلاة
بغير وجودك لم تقبل
فولوا ولم يعباوا بالصلاة
ورمت النفار الى القسطل((523))
ولما عصيت امام الهدى
وفي جيشه كل مستفحل
ابالبقر البكم اهل الشم
لاهل التقى والحجا ابتلي؟
فقلت نعم قم فاني ارى
قتال المفضل بالافضل
فبي حاربوا سيد الاوصياء
بقولي دم طل من نعثل((524))
وكدت لهم ان اقاموا الرماح
عليها المصاحف في القسطل
وعلمتهم كشف سوآتهم
لرد الغضنفرة المقبل
فقام البغاة على حيدر
وكفوا عن المشعل المصطلي
نسيت محاورة الاشعري
ونحن على دومة الجندل
الين فيطمع في جانبي
وسهمي قد خاض في المقتل
خلعت الخلافة من حيدر
كخلع النعال من الارجل
والبستها فيك بعد الاياس
كلبس الخواتيم بالانمل
ورقيتك المنبر المشمخر
بلا حد سيف ولا منصل
ولو لم تكن انت من اهله
ورب المقام ولم تكمل
وسيرت جيش نفاق العراق
كسير الجنوب مع الشمال
وسيرت ذكرك في الخافقين
كسير الحمير مع المحمل
وجهلك بي يا ابن آكلة ال
كبود لاعظم ما ابتلي
فلولا موازرتي لم تطع
ولولا وجودي لم تقبل
ولولاي كنت كمثل النساء
تعاف الخروج من المنزل
نصرناك من جهلنا يا ابن هند
على النبا الاعظم الافضل
وحيث رفعناك فوق الرووس
نزلنا الى اسفل الاسفل
وكم قد سمعنا من المصطفى
وصايا مخصصة في علي
وفي يوم خم رقى منبرا
يبلغ والركب لم يرحل((525))
وفي كفه كفه معلنا
ينادي بامر العزيز العلي
الست بكم منكم في النفوس
باولى فقالوا بلى فافعل
فانحله امرة المؤمنين
من اللّه مستخلف المنحل
وقال فمن كنت مولى له
فهذا له اليوم نعم الولي
فوال مواليه يا ذا الجلا
ل وعاد معادي اخي المرسل
ولا تنقضوا العهد من عترتي
فقاطعهم بي لم يوصل
فبخبخ شيخك لما راى
عرى عقد حيدر لم تحلل
فقال وليكم فاحفظوه
فمدخله فيكم مدخلي
وانا وما كان من فعلنا
لفي النار في الدرك الاسفل
وما دم عثمان منج لنا
من اللّه في الموقف المخجل
وان عليا غدا خصمنا
ويعتز باللّه والمرسل((526))
يحاسبنا عن امور جرت
ونحن عن الحق في معزل
فما عذرنا يوم كشف الغطا
لك الويل منه غدا ثم لي
الا يا ابن هند ابعت الجنان
بعهد عهدت ولم توف لي
واخسرت اخراك كيما تنال
يسير الحطام من الاجزل
واصبحت بالناس حتى‏استقام
لك الملك من ملك محول
وكنت كمقتنص في الشراك((527))
تذود الظماء عن المنهل
كانك انسيت ليل الهرير
بصفين مع هولها المهول
وقد بت تذرق ذرق النعام
حذارا من البطل المقبل
وحين ازاح جيوش الضلال
وافاك كالاسد المبسل
وقد ضاق منك عليك الخناق
وصار بك الرحب‏كالفلفل((528))
وقولك يا عمرو اين المفر
من الفارس القسور المسبل
عسى حيلة منك عن ثنيه
فان فؤادي في عسعل
وشاطرتني كل ما يستقيم
من الملك دهرك لم يكمل
فقمت على عجلتي رافعا
واكشف عن سواتي اذيلي
فستر عن وجهه وانثنى
حياء وروعك لم يعقل
وانت لخوفك من باسه
هناك ملئت من الافكل((529))
ولما ملكت حماة الانام
ونالت عصاك يد الاول
منحت لغيري وزن الجبال
ولم تعطني زنة الخردل
وانحلت مصرا لعبدالملك((530))
وانت عن الغي لم تعدل
وان كنت تطمع فيها فقد
تخلى القطا من يد الاجدل
وان لم تسامح الى ردها
فاني لحوبكم مصطلي
بخيل جياد وشم الانوف
وبالمرهفات وبالذبل
واكشف عنك حجاب الغرور
واوقظ نائمة الاثكل
فانك من امرة المؤمنين
ودعوى الخلافة في معزل
ومالك فيها ولا ذرة
ولا لجدودك بالاول
فان كان بينكما نسبة
فاين الحسام من المنجل
واين الحصى من نجوم السما
واين معاوية من علي
فان كنت فيها بلغت المنى
ففي عنقي علق الجلجل((531))
ما يتبع الشعر
هذه القصيدة المسماة بالجلجلية، كتبها عمرو بن العاص الى
معاوية بن ابي سفيان، في جواب كتابه اليه يطلب خراج
مصرويعاتبه على امتناعه عنه، توجد منها نسختان في
مجموعتين في‏المكتبة الخديوية بمصر، كما في فهرستها
المطبوع سنة(1307) (4/314). وروى جملة منها ابن ابي
الحديد في شرح نهج البلاغة((532)) (2/522)، وقال: رايتها
بخط ابي زكريايحيى((533)) بن علي الخطيب التبريزي:
المتوفى (502).
وقال الاسحاقي في لطائف اخبار الدول((534))(ص‏41): كتب
معاوية الى عمرو بن العاص: انه قد تردد كتابي اليك
بطلب‏خراج مصر، وانت تمتنع وتدافع ولم تسيره، فسيره الي
قولا واحدا، وطلبا جازما، والسلام.
فكتب‏اليه عمرو بن‏العاص جوابا، وهي‏القصيدة الجلجلية
المشهورة التي اولها:
معاوية الفضل لا تنس لي
وعن نهج الحق لا تعدل
نسيت احتيالي في جلق
على‏اهلها يوم لبس الحلي
وقد اقبلوا زمرا يهرعون
وياتون كالبقر المهل
ومنها ايضا:
ولولاي كنت كمثل النساء
تعاف الخروج من المنزل
نسيت محاورة الاشعري
ونحن على دومة الجندل
والعقته عسلا باردا
وامزجت ذلك بالحنظل((535))
الين فيطمع في جانبي
وسهمي‏قد غاب في‏المفصل
واخلعتها منه عن خدعة
كخلع النعال من الارجل
والبستها فيك لما عجزت
كلبس الخواتيم في الانمل
ومنها ايضا:
ولم تك واللّه من اهلها
ورب المقام ولم تكمل
وسيرت ذكرك في الخافقين
كسير الجنوب مع الشمال
نصرناك من جهلنا ياابن هند
على البطل الاعظم الافضل
وكنت ولم ترها في المنام
فزفت اليك ولا مهر لي
وحيث تركنا اعالي النفوس
نزلنا الى اسفل الارجل
وكم‏قد سمعنا من‏المصطفى
وصايا مخصصة في علي
ومنها ايضا:
وان كان بينكما نسبة
فاين‏الحسام من‏المنجل
واين الثريا واين الثرى
واين معاوية من علي
فلما سمع معاوية هذه الابيات، لم يتعرض له بعد ذلك. انتهى.
وذكر الشيخ محمد الازهري في شرح مغني اللبيب (1/82)
هذه الابيات برمتها حرفيا، نقلا عن تاريخ
الاسحاقي((536))،غير انه حذف قوله:
وحيث تركنا اعالي‏النفوس
نزلنا الى اسفل الارجل
وذكر منها ثلاثة عشر بيتا ابن شهرآشوب في
المناقب((537))(3/106).
واخذ منها السيد الجزائري في الانوار
النعمانية((538))(ص‏43) عشرين بيتا.
وذكرها برمتها الزنوزي في الروضة الثانية من رياض الجنة
وقال: هذه القصيدة تسمى بالجلجلية لما في آخرها: وفي
عنقي‏علق الجلجل.
وخمسها بطولها الشاعر المفلق الشيخ عباس الزيوري
البغدادي، وقفت عليه في ديوانه المخطوط المصحح بقلمه،
ويوجدالتخميس في احدى نسختي المكتبة الخديوية بمصر.
(يقولون بافواههم ما ليس في قلوبهم واللّه اعلم بما
يكتمون)((539))
مهمات مصادر ترجمة عمرو بن العاص
صحيح البخاري.
صحيح مسلم «1/154 ح‏192 كتاب الايمان‏».
سنن ابي داود.
سنن الترمذي.
سنن النسائي.
كتاب سليم بن قيس «ص‏216، 219218».
السيرة النبوية لابن هشام «3/289».
عيون الاخبار لابن قتيبة «1/37، 2/169، 3/284».
المعارف لابن قتيبة «ص‏285».
الامامة والسياسة لابن قتيبة «1/95».
المحاسن والاضداد للجاحظ «ص‏79».
البيان والتبيين للجاحظ «2/206».
الانساب لابي عبيدة.
انساب الاشراف للبلاذري «2/290282».
بلاغات النساء لابن ابي طاهر طيفور «ص‏43».
الكامل للمبرد «1/221219».
المثالب للكلبي.
تاريخ اليعقوبي «2/29».
الامتاع والمؤانسة لابي حيان «3/181، 183».
الاغاني لابي الفرج «9/69».
الطبقات لابن سعد «4/254».
العقد الفريد لابن عبدربه «1/225».
مروج الذهب للمسعودي «2/371».
المستدرك للحاكم النيسابوري «3/512 ح‏5904».
المحاسن والمساوئ‏للبيهقي «ص‏5452».
الاستيعاب لابن عبد البر «القسم الثالث / 1184 رقم 1931».
تاريخ الطبري «4/558 حوادث سنة‏36 ه».
تاريخ دمشق لابن عساكر «13/493، وفي مختصر تاريخ دمشق:
19/232».
ربيع الابرار للزمخشري «1/690، 2/19، 3/548».
الخصائص للوطواط «ص‏331».
التفسير الكبير للفخر الرازي «32/132».
الترغيب والترهيب للمنذري «2/163 ح‏4 كتاب الحج‏».
شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد «6/281 خطبة‏83».
الكامل لابن الاثير «2/358 حوادث سنة 36 ه».
البداية والنهاية لابن كثير «8/28 حوادث سنة 43 ه».
تمييز الطيب من الخبيث لابن الديبع.
تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي «ص‏201».
ثمرات الاوراق لابن حجة «ص‏62».
السيرة النبوية للحلبي «2/201».
تاريخ روض المناظر لابن شحنة «1/229».
نور الابصار للشبلنجي «ص‏192».
جمهرة خطب العرب لاحمد زكي صفوت «2/25 رقم‏18».
جمهرة رسائل العرب لاحمد زكي صفوت «1/388».
دائرة المعارف لفريد وجدي «6/741».
الشاعر
عمرو بن العاص بن وائل بن هاشم بن سعيد بالتصغير بن
سهم بن عمرو ابن هصيص بن كعب بن لؤي القرشي، ابومحمد
وابو عبداللّه.
احد دهاة العرب الخمسة، منه بدات الفتن واليه تعود. وتقحمه
في البوائق والمخاريق ثابت مشهور تضمنته طيات
الكتب،وتناقلته الاثار والسير، واذا استرسلت في الكلام عن
الجور، والفجور، فحدث عنه ولا حرج، كما تجده في كلمات
الصحابة‏الاولين، فالبغل نغل وهو لذلك اهل((540))، ويقع
الكلام في ترجمته على نواح شتى.
نسبه
ابوه هو الابتر بنص الذكر الحميد: (ان شانئك هو
الابتر)((541)) وعليه اكثر اقوال المفسرين والعلماء((542)).
وفي بعض التفاسير، وان جاء ترديد بينه وبين ابي جهل وابي
لهب وعقبة بن ابي معيط وغيرهم، الا ان القول الفصل ماذكره
الفخر الرازي من: ان كلا من اولئك كانوا يشنؤون رسول
اللّه(ص)، الا ان الهجهم به، واشدهم شناة العاص بن وائل.فالاية
تشملهم اجمع، وتخص اللعين بخزي آكد، ولذلك اشتهر بين
المفسرين انه هو المراد.
قال الرازي في تفسيره((543)) (8/503): روي ان العاص بن
وائل كان يقول: ان محمدا ابتر لا ابن له يقوم مقامه بعده،
فاذامات انقطع ذكره، واسترحتم منه، وكان قد مات ابنه
عبداللّه من خديجة، وهذا قول ابن عباس، ومقاتل، والكلبي،
وعامة‏اهل التفسير. وقال (ص‏504) بعد نقل الاقوال الاخر:
ولعل العاص بن وائل كان اكثرهم مواظبة على هذا القول،
فلذلك‏اشتهرت الروايات بان الاية نزلت فيه.
وروى التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي في
كتابه((544)): ان الاية نزلت في المترجم نفسه، كان احد
شانئي رسول‏اللّه(ص) لما مات ولده ابراهيم، فقال: ان محمدا
قد صار ابتر لا عقب له. وذكره بذلك امير المؤمنين في ابيات
له تاتي، فقال:
ان يقرنوا وصيه والابترا
شاني‏الرسول واللعين‏الاخزرا
وذكره بذلك عمار بن ياسر يوم صفين وعبداللّه بن جعفر، في
حديثيهما الاتيين. فالمترجم له هو الابتر ابن الابتر،
وبذلك‏خاطبه امير المؤمنين(ع) في كتاب له ياتي بقوله: ((من
عبداللّه امير المؤمنين، الى الابتر ابن الابتر عمرو بن العاص،
شانئ‏محمد وآل محمد في الجاهلية والاسلام)).
تعرفنا الاية الكريمة المذكورة ان كل معزو الى العاص من الولد
من ذكر او انثى، من المترجم له او غيره ليسوا لرشدة، فمن‏هنا
تعرف فضيلة عمرو من ناحية النسب، اضف الى ذلك حديث
امه ليلى العنزية الجلا نية.
كانت امه ليلى اشهر بغي بمكة، وارخصهن اجرة، ولما وضعته
ادعاه خمسة، كلهم اتوها، غير ان ليلى الحقته بالعاص
لكونه‏اقرب شبها به، واكثر نفقة عليها، ذكرت ذلك اروى بنت
الحارث بن عبدالمطلب، لما وفدت الى معاوية، فقال
لها:مرحبابك يا عمة؟ فكيف كنت بعدنا؟
فقالت: يا ابن اخي، لقد كفرت يد النعمة، واسات لابن عمك
الصحبة، وتسميت بغير اسمك، واخذت غير حقك، من غيربلاء
كان منك ولا من آبائك، ولا سابقة في الاسلام، ولقد كفرتم بما
جاء به محمد(ص) فاتعس اللّه منكم الجدود،واصعرمنكم
الخدود، حتى رد اللّه الحق الى اهله، وكانت كلمة اللّه هي العليا،
ونبينا محمد(ص) هو المنصور على من ناواه‏ولو كره
المشركون، فكنا اهل البيت اعظم الناس في الدين حظا ،
ونصيبا، وقدرا، حتى قبض اللّه نبيه(ص) مغفورا ذنبه،مرفوعا
درجته، شريفا عند اللّه مرضيا، فصرنا اهل البيت منكم
بمنزلة قوم موسى من آل فرعون، يذبحون ابناءهم‏ويستحيون
نساءهم، وصار ابن عم سيد المرسلين فيكم بعد نبينا بمنزلة
هارون من موسى حيث يقول: (قال ابن ام‏ان‏القوم استضعفوني
وكادوا يقتلونني)((545)) ولم يجمع بعد رسول اللّه لنا شمل،
ولم يسهل لنا وعر، وغايتنا الجنة، وغايتكم‏النار.
فقال لها عمرو بن‏العاص: ايتهاالعجوز الضال ة‏اقصري‏من‏قولك،
وغضي من طرفك.
قالت: ومن انت، لا ام لك؟ قال: عمرو بن العاص.
قالت: يا ابن اللخناء النابغة، تتكلم وامك كانت اشهر امراة بمكة،
وآخذهن لاجرة، اربع على ظلعك((546)) واعن بشان‏نفسك،
فواللّه ما انت من قريش في اللباب من حسبها، ولا كريم
منصبها، ولقد ادعاك ستة((547)) نفر من قريش، كلهم‏يزعم
انه ابوك، فسئلت امك عنهم، فقالت: كلهم اتاني، فانظروا
اشبههم به فالحقوه به، فغلب عليك شبه العاص بن
وائل،فلحقت به، ولقد رايت امك ايام منى بمكة مع كل عبد
عاهر، فائتم بهم، فانك بهم اشبه((548)).
وقال الامام السبط الحسن الزكي سلام اللّه عليه بمحضر من
معاوية وجمع آخر: ((اما انت يا ابن العاص فان امرك‏مشترك،
وضعتك امك مجهولا من عهر وسفاح، فتحاكم فيك
اربعة((549)) من قريش، فغلب عليك جزارها، الامهم‏حسبا،
واخبثهم منصبا، ثم قام ابوك فقال: انا شانئ محمد الابتر،
فانزل اللّه فيه ما انزل))((550)).
وعده الكلبي ابو المنذر هشام : المتوفى (204،206) في كتابه
مثالب العرب الموجود عندنا ممن يدين بسفاح
الجاهلية،وقال في باب تسمية ذوات الرايات: واما النابغة ام
عمرو بن العاص فانها كانت بغيا من طوائف مكة، فقدمت مكة
ومعهابنات لها، فوقع عليها العاص بن وائل في الجاهلية في
عدة من قريش منهم: ابو لهب، وامية بن خلف، وهشام بن
المغيرة،وابو سفيان بن حرب، في طهر واحد، فولدت عمرا،
فاختصم القوم جميعا فيه، كل يزعم انه ابنه. ثم انه اضرب عنه
ثلاثة‏واكب عليه اثنان: العاص بن وائل، وابو سفيان بن حرب،
فقال ابو سفيان: انا واللّه وضعته في حر امه. فقال العاص:ليس
هو كما تقول، هو ابني، فحكما امه فيه، فقالت: للعاص. فقيل لها
بعد ذلك: ما حملك على ما صنعت وابو سفيان‏اشرف من
العاص؟ فقالت: ان العاص كان ينفق على بناتي، ولو الحقته
بابي سفيان لم ينفق علي العاص شيئا،وخفت‏الضيعة، وزعم
ابنها عمرو بن العاص ان امه امراة من عنزة بن اسد بن ربيعة.
كان الزناة الذين اشتهروا بمكة جماعة منهم هؤلاء المذكورون،
وامية بن عبدشمس، وعبدالرحمن بن الحكم بن ابي العاص‏اخو
مروان بن الحكم، وعتبة بن ابي سفيان اخو معاوية، وعقبة بن
ابي م عيط((551)).
وعده الكلبي من الادعياء في باب ادعياء الجاهلية وقال: قال
الهيثم: ومن الادعياء عمرو بن العاص، وامه النابغة‏حبشية،
واخته لامه ارينب بضم الالف وكانت تدعى لعفيف
بن‏ابي‏العاص، وفيها قال عثمان لعمرو
بن‏العاص:لمن‏كانت‏تدعى اختك ارينب يا عمرو؟ فقال: لعفيف
بن ابي العاص. قال عثمان: صدقت. انتهى.
وروى ابو عبيدة معمر بن المثنى المتوفى (209، 211) في
كتاب الانساب: ان عمرا اختصم فيه يوم ولادته رجلان:
ابوسفيان والعاص، فقيل: لتحكم امه، فقالت: انه من العاص بن
وائل. فقال ابو سفيان: اما اني لا اشك انني وضعته في رحم‏امه،
فابت الا العاص، فقيل لها: ابو سفيان اشرف نسبا! فقالت: ان
العاص بن وائل كثير النفقة علي، وابو سفيان شحيح.ففي ذلك
يقول حسان بن ثابت لعمرو بن العاص، حيث هجاه مكافاة له
عن هجاء رسول اللّه(ص):
ابوك ابو سفيان لا شك قد بدت
لنا فيك منه بينات الدلائل
ففاخر به اما فخرت ولا تكن
تفاخر بالعاص الهجين ابن وائل
وان‏التي في‏ذاك ياعمرو حكمت
فقالت رجاء عند ذاك لنائل
من‏العاص عمرو تخبرالناس كلما
تجمعت الاقوام عند المحامل((552))
وقال الزمخشري في ربيع الابرار((553)): كانت النابغة ام
عمرو بن العاص امة لرجل من عنزة بالتحريك
فسبيت،فاشتراها عبداللّه بن جذعان التيمي بمكة، فكانت بغيا.
ثم ذكر نظير الجملة الاولى من كلام الكلبي، ونسب
الابيات‏المذكورة الى ابي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب.
وقال: جعل لرجل الف درهم على ان يسال عمرو بن العاص عن
امه‏ولم تكن بمنصب مرضي، فاتاه بمصر اميرا عليها، فقال:
اردت ان اعرف ام الامير. فقال: نعم، كانت امراة من عنزة، ثم
من‏بني جلا ن، تسمى ليلى، وتلقب النابغة، اذهب وخذ ما جعل
لك((554)).
وقال الحلبي في سيرته((555))(1/46) في نكاح البغايا ونكاح
الجمع من اقسام نكاح الجاهلية:
الاول : ان يطا البغي جماعة متفرقين واحدا بعد واحد، فاذا
حملت وولدت الحق الولد بمن غلب عليه شبهه منهم.
الثاني : ان تجتمع جماعة دون العشرة، ويدخلون على امراة من
البغايا ذوات الرايات كلهم يطؤها، فاذا حملت ووضعت،ومر
عليها ليال بعد ان تضع حملها، ارسلت اليهم، فلم يستطع رجل
ان يمتنع حتى يجتمعوا عندها، فتقول لهم: قد عرفتم‏الذي
كان من امركم، وقد ولدت، وهو ابنك يا فلان. تسمي من احبت
منهم، فيلحق به ولدها، لا يستطيع ان يمتنع منهم‏الرجل ان
لم يغلب شبهه عليه، وحينئذ يحتمل ان تكون ام عمرو بن
العاص(رض) من القسم الثاني، فانه يقال: انه وطئهااربعة وهم:
العاص، وابو لهب، وامية، وابو سفيان، وادعى كلهم عمرا،
فالحقته بالعاص لانفاقه على بناتها. ويحتمل ان‏يكون من
القسم الاول، ويدل عليه ما قيل: انه الحق بالعاص لغلبة شبهه
عليه، وكان عمرو يعير بذلك، عيره علي، وعثمان،والحسن،
وعمار بن ياسر، وغيرهم من الصحابة غ وسياتي ذلك في قصة
قتل عثمان، عند الكلام على بناء مسجدالمدينة((556)).
عبداللّه «بن جعفر» وعمرو
روى الحافظ ابن عساكر في تاريخ الشام((557))(7/330): ان
عمرو بن العاص قال لعبداللّه بن جعفر الطيار، ذي‏الجناحين،
في مجلس معاوية: يا ابن جعفر يريد تصغيره! فقال له: لئن
نسبتني الى جعفر فلست بدعي، ولا ابتر، ثم‏ول‏ى وهو يقول:
تعرضت قرن‏الشمس وقت ظهيرة
لتستر منه ضوءه بظلامكا
كفرت اختيارا ثم آمنت خيفة
وبغضك ايانا شهيد بذلكا
عبداللّه «بن ابي سفيان‏» وعمرو
اخرج الحافظ ابن عساكر في تاريخه((558))(7/438): ان
عبداللّه بن ابي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب الهاشمي،
قدم‏على معاوية وعنده عمرو، فجاء الاذن، فقال: هذا عبداللّه،
وهو بالباب. فقال: ائذن له.
فقال عمرو: يا امير المؤمنين لقد اذنت لرجل كثير الخلوات
للتلهي، والطربات للتغني، صدوف عن السنان، محب
للقيان،كثير مزاحه، شديد طماحه، ظاهر الطيش، لين العيش،
اخاذ للسلف، صفاق للشرف.