هذا لفظ شيخ الطائفة في امالي ولده((386))(ص‏87 و94)،
ورواه شيخنا المفيد في النصرة لسيد العترة((387))،
ونسب‏الابيات الدالية الى قيس بن سعد بتغيير وزيادة، وهذا
لفظه:
فلما قدم الحسن(ع) وعمار وقيس الكوفة، مستنفرين لاهلها
الى ان قال : ثم قام قيس بن سعد(ره) فقال: ايها الناس‏ان‏هذا
الامر لو استقبلنا فيه شورى لكان امير المؤمنين احق الناس به،
لمكانه من رسول اللّه، وكان قتال من ابى ذلك‏حلالا، فكيف في
الحجة على طلحة والزبير؟ وقد بايعاه طوعا ثم خلعاه حسدا
وبغيا، وقد جاءكم علي في المهاجرين‏والانصار، ثم انشا يقول:
رضينا بقسم اللّه اذ كان قسمنا
عليا وابناء النبي محمد
وقلنا لهم اهلا وسهلا ومرحبا
نمد يدينا من هوى وتودد
فما للزبير الناقض العهد حرمة
ولا لاخيه طلحة اليوم من يد
اتاكم سليل المصطفى ووصيه وانتم بحمد اللّه عار من
الهد((388))
فمن قائم يرجى بخيل الى الوغى
وصم العوالي والصفيح المهند
يسود من ادناه غير مدافع
وان كان ما نقضيه غير مسود
فان يات ما نهوى فذاك نريده
وان يخط ما نهوى فغير تعمد
وكان يسير في تلك المواقف بكل عظمة وجلال بهيئة فخمة،
ترهب القلوب، وترعب الفوارس، وترعد الفرائص.
قال المنذر بن الجارود يصف مواكب المجاهدين مع امير
المؤمنين وقد رآهم في الزاوية((389)): ثم مر بنا فارس على
فرس‏اشقر، عليه ثياب بيض، وقلنسوة بيضاء، وعمامة صفراء،
متنكب قوسا، متقلد سيفا، تخط رجلاه في الارض، في الف
من‏الناس، الغالب على تيجانهم الصفرة والبياض، معه راية
صفراء، قلت: من هذا؟ قيل: هذا قيس بن سعد بن عبادة
في‏الانصار وابنائهم، وغيرهم من قحطان. مروج
الذهب((390)) (2/8).
ولما اراد امير المؤمنين المسير الى اهل الشام، دعا اليه من كان
معه من المهاجرين والانصار، فحمد اللّه واثنى عليه، وقال:
((اما بعد: فانكم ميامين الراي، مراجيح الحلم، مقاويل بالحق،
مباركو الفعل والامر، وقد اردنا المسير الى عدونا
وعدوكم،فاشيروا علينا برايكم)).
فقام قيس بن سعد فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال: يا امير
المؤمنين انكمش((391))بنا الى عدونا، ولا تعرج((392))،
فواللّهلجهادهم احب الي من جهاد الترك والروم لادهانهم في
دين اللّه، واستذلالهم اولياء اللّه من اصحاب محمد(ص)
من‏المهاجرين والانصار، والتابعين بالاحسان، اذا غضبوا على
رجل حبسوه، او ضربوه، او حرموه، او سيروه، وفيؤنا لهم
في‏انفسهم حلال، ونحن لهم فيما يزعمون قطين. قال: يعني
رقيق. كتاب صفين((393))(ص‏50).
قال صعصعة بن صوحان: لما عقد علي بن ابي طالب الالوية
لاجل حرب صفين، اخرج لواء رسول اللّه(ص) ولم ير ذلك‏اللواء
منذ قبض رسول اللّه، فعقده علي، ودعا قيس بن سعد بن
عبادة فدفعه اليه، واجتمعت الانصار واهل بدر، فلمانظروا الى
لواء رسول اللّه(ص) بكوا، فانشا قيس بن سعد يقول:
هذا اللواء الذي كنا نحف به
مع النبي وجبريل لنا مدد
ما ضر من كانت الانصار عيبته
ان لا يكون له من غيرهم احد
قوم اذا حاربوا طالت اكفهم
بالمشرفية حتى يفتح البلد
ابن عساكر في تاريخه((394))(3/245)، وابن عبدالبر في
الاستيعاب((395)) (2/539)، وابن الاثير في اسد
الغابة((396))(4/216)، والخوارزمي في المناقب((397))
(ص‏122)((398)).
ولما تعاظمت الامور على معاوية دعا عمرو بن العاص، وبسر بن
ارطاة، وعبيداللّه بن عمر بن الخطاب، وعبدالرحمن بن‏خالد
بن الوليد، فقال لهم: انه قد غمني رجال من اصحاب علي
منهم: سعيد بن قيس في همدان، والاشتر في قومه،والمرقال
هاشم بن عتبة ، وعدي بن حاتم، وقيس بن سعد في الانصار،
وقد وقتكم يمانيتكم بانفسها، حتى لقداستحييت لكم وانتم
عددتم من قريش، وقد اردت ان يعلم الناس انكم اهل غنى،
وقد عبات لكل رجل منهم‏رجلامنكم، فاجعلوا ذلك الي. فقالوا:
ذلك اليك: قال: فانا اكفيكم سعيد بن قيس وقومه غدا. وانت يا
عمرو لاعور بني‏زهرة المرقال ، وانت يا بسر لقيس بن سعد،
وانت يا عبيداللّه للاشتر النخعي، وانت يا عبدالرحمن بن خالد
لاعورط‏ي يعني عدي بن حاتم . ثم ليرد كل رجل منكم عن
حماة الخيل، فجعلها نوائب في خمسة ايام، لكل رجل
منهم‏يوما.
وان بسر بن ارطاة غدا في اليوم الثالث في حماة الخيل، فلقي
قيس بن سعد في كماة الانصار، فاشتدت الحرب بينهما،
وبرزقيس كانه فنيق((399)) مقرم((400)) وهو يقول:
انا ابن سعد زانه عباده
والخزرجيون رجال ساده
ليس فراري بالوغى بعاده
ان الفرار للفتى قلاده
يا رب انت لقني الشهادة((401))والقتل خير من عناق غاده
حتى متى تثنى لي الوساده
فطعن خيل بسر، وبرز له بعد ملي وهو يقول:
انا ابن ارطاة عظيم القدر
مراود في غالب بن فهر
ليس الفرار من طباع بسر
ان يرجع اليوم بغير وتر
وقد قضيت في عدوي نذري
يا ليت شعري مابقي‏من‏عمري
وجعل يطعن بسر قيسا، فيضربه قيس بالسيف فيرده على
عقبيه، ورجع القوم جميعا ولقيس الفضل. كتاب
صفين((402))(ص‏226).
وروى نصر في كتابه ((403))(ص‏227 240): ان معاوية دعا
النعمان بن بشير بن سعد الانصاري، ومسلمة بن
مخلدالانصاري ولم يكن معه من الانصار غيرهما، فقال: يا
هذان لقد غمني ما لقيت من الاوس والخزرج، صاروا
واضعي‏سيوفهم على عواتقهم يدعون الى النزال، حتى واللّه
جبنوا اصحابي: الشجاع والجبان، وحتى واللّه ما اسال عن فارس
من‏اهل الشام الا قالوا: قتلته الانصار، اما واللّه لالقينهم بحدي
وحديدي، ولاعبئن لكل فارس منهم فارسا ينشب((404))
في‏حلقه، ثم لا رمينهم باعدادهم من قريش رجالا لم يغذهم
التمر والطفيشل((405)). يقولون: نحن الانصار، قد واللّه
آوواونصروا ولكن افسدوا حقهم بباطلهم!
فغضب النعمان، فقال: يا معاوية لا تلومن الانصار بسرعتهم في
الحرب، فانهم كذلك كانوا في الجاهلية، فاما دعاوهم الى‏النزال
فقد رايتهم مع رسول اللّه(ص)، واما لقاوك اياهم في اعدادهم
من قريش، فقد علمت ما لقيت قريش منهم، فان‏احببت ان
ترى فيهم مثل ذلك آنفا، فافعل، واما التمر والطفيشل: فان
التمر كان لنا فلما ان ذقتموه شاركتمونا فيه، واماالطفيشل:
فكان لليهود فلما اكلناه غلبناهم عليه كما غلبت قريش على
سخينة((406)) ثم تكلم مسلمة بن مخلد الى ان‏قال:
وانتهى الكلام الى الانصار، فجمع قيس بن سعد الانصاري
الانصار، ثم قام خطيبا فيهم فقال: ان معاوية قد قال ما
بلغكم‏واجاب عنكم صاحبكم، فلعمري لئن غظتم معاوية اليوم
لقد غظتموه بالامس، وان وترتموه في الاسلام لقد وترتموه
في‏الشرك، وما لكم اليه من ذنب اعظم من نصر هذا الدين
الذي انتم عليه، فجدوا اليوم جدا تنسونه به ما كان امس،وجدوا
غدا جدا تنسونه به ما كان اليوم، وانتم مع هذا اللواء الذي كان
يقاتل عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل،والقوم مع لواء
ابي جهل والاحزاب، واما التمر فانا لم نغرسه ولكن غلبنا عليه
من غرسه، واما الطفيشل فلو كان طعامنالسمينا به كما سميت
قريش: السخينة. ثم قال قيس بن سعد في ذلك:
يا ابن هند دع التوثب في الحرب اذا نحن في البلاد
ناينا((407))
نحن من قد رايت فادن اذا
شئت بمن شئت في العجاج الينا
ان برزنا بالجمع نلقك في الجم
ع وان شئت محضة اسرينا
فالقنا في اللفيف نلقك في الخز
رج تدعو في حربنا ابوينا
اي هذين ما اردت فخذه
ليس منا وليس منك الهوينا
ثم لا ينزع العجاجة حتى
تنجلي حربنا لنا او علينا
ليت ما تطلب الغداة اتانا
انعم اللّه بالشهادة عينا
اننا اننا الذين اذا الفت
ح شهدنا وخيبرا وحنينا
بعد بدر وتلك قاصمة الظهر
واحد وبالنضير ثنينا
يوم الاحزاب فيه قد علم النا
س شفينا من قبلكم واشتفينا
فلما بلغ معاوية شعره، دعا عمرو بن العاص، فقال: ما ترى في
شتم الانصار؟ قال: ارى ان توعد ولا تشتم، ما عسى ان‏تقول
لهم؟ اذا اردت ذمهم، ذم ابدانهم ولاتذم احسابهم.
قال معاوية: ان خطيب الانصار قيس بن سعد يقوم كل يوم
خطيبا وهو واللّه يريد ان يفنينا غدا ان لم يحبسه عنا حابس
الفيل، فما الراي؟ قال: الراي التوكل والصبر.
فارسل معاوية الى رجال من الانصار فعاتبهم، منهم: عقبة بن
عمرو، وابو مسعود، والبراء بن عازب، وعبدالرحمن بن ابي‏ليلى،
وخزيمة بن ثابت، وزيد بن ارقم، وعمرو بن عمرو، والحجاج بن
غزية. وكانوا هؤلاء يلقون في تلك الحرب، فبعث‏معاوية بقوله:
لتاتوا قيس بن سعد. فمشوا باجمعهم الى قيس، فقالوا: ان
معاوية لا يريد شتمنا فكف عن شتمه. فقال:ان‏مثلي لا يشتم،
ولكني لا اكف عن حربه حتى القى اللّه.
وتحركت الخيل غدوة، فظن قيس بن سعد ان فيها معاوية،
فحمل على رجل يشبهه فقنعه بالسيف، فاذا غير معاوية،وحمل
الثانية على آخر يشبهه ايضا فضربه، ثم انصرف وهو يقول:
قولوا لهذا الشاتمي معاويه
ان كل ما اوعدت ريح هاويه
خوفتنا اكلب قوم عاويه
الي يا ابن الخاطئين الماضيه
ترقل ارقال العجوزالخاويه((408))في اثر
الساري‏ليالي‏الشاتيه
فقال معاوية: يا اهل الشام، اذا لقيتم هذا الرجل فاخبروه
بمساويه.
(فلما تحاجز الفريقان شتمه معاوية شتما قبيحا وشتم
الانصار)((409))، فغضب النعمان ومسلمة على معاوية،
فارضاهمابعدما هما ان ينصرفا الى قومهما.
ثم ان معاوية سال النعمان ان يخرج الى قيس فيعاتبه ويساله
السلم، فخرج النعمان حتى وقف بين الصفين فقال: يا قيس‏انا
النعمان بن بشير. فقال قيس: هيه يا ابن بشير، فما حاجتك؟
فقال النعمان: يا قيس انه قد انصفكم من دعاكم الى ما رضي
لنفسه، الستم معشر الانصار تعلمون انكم اخطاتم في
خذل‏عثمان يوم الدار؟ وقتلتم انصاره يوم الجمل؟ واقحمتم
خيولكم على اهل الشام بصفين؟ فلو كنتم اذ خذلتم عثمان
خذلتم‏عليا لكان واحدة بواحدة، ولكنكم خذلتم حقا ونصرتم
باطلا، ثم لم ترضوا ان تكونوا كالناس حتى اعلمتم في
الحرب،ودعوتم الى البراز، ثم لم ينزل بعلي امر((410)) قط الا
هونتم عليه المصيبة، ووعدتموه الظفر، وقد اخذت الحرب منا
ومنكم‏ما قد رايتم، فاتقوا اللّه في البقية.
فضحك قيس ثم قال: ما كنت اراك يا نعمان تجترئ على هذه
المقالة، انه لا ينصح اخاه من غش نفسه، وانت واللّهالغاش‏الضال
المضل.
اما ذكرك عثمان، فان كانت الاخبار تكفيك فخذ مني واحدة،
قتل عثمان من لست خيرا منه، وخذله من هو خير منك.
امااصحاب الجمل فقاتلناهم على النكث. واما معاوية فواللّه لو
اجتمعت عليه العرب لقاتلته الانصار.
واما قولك: انا لسنا كالناس، فنحن في هذه الحرب كما كنا مع
رسول اللّه، نتقي السيوف بوجوهنا والرماح بنحورنا، حتى‏جاء
الحق وظهر امر اللّه وهم كارهون، ولكن انظر يا نعمان هل ترى
مع معاوية الا طليقا او اعرابيا او يمانيامستدرجابغرور؟ انظر اين
المهاجرون والانصار والتابعون لهم باحسان الذين رضي اللّه
عنهم؟ ثم انظر هل ترى مع‏معاوية غيرك وصويحبك؟ ولستما
واللّه ببدريين ولا احديين ولا لكما سابقة في الاسلام، ولا آية
في القرآن؟((411))ولعمري لئن شغبت علينا لقد شغب علينا
ابوك. ثم قال قيس في ذلك:
والراقصات بكل اشعث اغبر
خوص العيون تحثها الركبان
ما ابن المخلد ناسيا اسيافنا
عمن نحاربه ولا النعمان
تركا العيان وفي العيان كفاية
لو كان ينفع صاحبيه عيان
ثم ان عليا(ع) دعا قيس بن سعد فاثنى عليه خيرا وسوده على
الانصار((412)).
وخرج قيس في النهروان الى الخوارج، فقال لهم: عباد اللّه،
اخرجوا الينا طلبتنا منكم، وادخلوا في هذا الامر الذي
خرجتم‏منه، وعودوا بنا الى قتال عدونا وعدوكم، فانكم ركبتم
عظيما من الامر، تشهدون علينا بالشرك، والشرك ظلم
عظيم،تسفكون دماء المسلمين، وتعدونهم مشركين.
فقال له عبداللّه بن شجرة السلمي: ان الحق قد اضاء لنا، فلسنا
متابعيكم او تاتونا بمثل عمر. فقال قيس: ما نعلمه فينا
غيرصاحبنا فهل تعلمونه فيكم؟. قالوا: لا. قال: نشدتكم اللّه في
انفسكم ان تهلكوها، فاني لا ارى الفتنة الا
وقدغلبت‏عليكم((413)).
اما موقفه بعد العهدين فكان مع الامام السبط المجتبى سلام
اللّه عليه ، ولما وجه عسكره الى قتال اهل الشام
دعا(ع)عبيداللّه بن العباس بن عبدالمطلب، فقال له:
((يا ابن عم اني باعث اليك اثني عشر الفا من فرسان العرب
وقراء مضر، الرجل منهم يريد الكتيبة، فسر بهم، والن
لهم‏جانبك، وابسط لهم وجهك، وافرش لهم جناحك، وادنهم
في مجلسك، فانهم بقية ثقات امير المؤمنين، وسر بهم
على‏شطالفرات حتى تقطع بهم الفرات حتى تسير
بمسكن((414))، ثم امض حتى تستقبل بهم معاوية، فان انت
لقيته فاحبسه‏حتى آتيك، فان ي على اثرك وشيكا، وليكن
خبرك عندي كل يوم، وشاور هذين يعني: قيس بن سعد
وسعيد بن قيس‏ واذا لقيت معاوية فلاتقاتله حتى يقاتلك، فان
فعل فقاتله، وان اصبت فقيس بن سعد، وان اصيب قيس بن
سعد فسعيدبن قيس على الناس فسار عبيداللّه...)).
فاما معاوية فانه وافى حتى نزل قرية يقال لها: الحيوضة
بمسكن واقبل عبيداللّه بن عباس حتى نزل بازائه، فلما كان
من‏غد وجه معاوية بخيل الى عبيداللّه في من معه، فضربهم
حتى ردهم الى معسكرهم، فلما كان الليل ارسل معاوية
الى‏عبيداللّه بن عباس ان الحسن قد راسلني في الصلح، وهو
مسلم الامر الي، فان دخلت في طاعتي الان كنت متبوعا، والا
دخلت وانت تابع، ولك ان اجبتني الان ان اعطيك الف الف
درهم، اعجل لك في هذا الوقت نصفها، واذا دخلت
الكوفة‏النصف الاخر.
فاقبل عبيداللّه اليه ليلا فدخل عسكر معاوية، فوفى له بما
وعده، واصبح الناس ينتظرون عبيداللّه ان يخرج حتى
اصبحوا،فطلبوه فلم يجدوه، فصلى بهم قيس ابن سعد بن
عبادة، ثم خطبهم فثبتهم، وذكر عبيداللّه فنال منه، ثم امرهم
بالصبروالنهوض الى العدو، فاجابوه بالطاعة وقالوا له: انهض بنا
الى عدونا على اسم اللّه.
فنزل فنهض بهم، وخرج اليه بسر بن ارطاة، فصاح الى اهل
العراق: ويحكم هذا اميركم عندنا قد بايع، وامامكم الحسن‏قد
صالح، فعلام تقتلون انفسكم؟!
فقال لهم قيس بن سعد: اختاروا احدى اثنتين: اما القتال مع
غير امام، واما ان تبايعوا بيعة ضلال. فقالوا: بل نقاتل بلاامام،
فخرجوا فضربوا اهل الشام حتى ردوهم الى مصافهم، فكتب
معاوية الى قيس بن سعد يدعوه ويمنيه، فكتب اليه‏قيس: لا
واللّه لا تلقاني ابدا الا بيني وبينك الرمح.
شرح بن ابي الحديد((415)) (4/14).
قال اليعقوبي في تاريخه((416)) (2/191): انه وجه الحسن(ع)
بعبيداللّه بن العباس في اثني عشر الفا لقتال معاوية، ومعه‏قيس
بن سعد بن عبادة الانصاري، وامر عبيداللّه ان يعمل بامر قيس
ورايه، فسار الى ناحية الجزيرة، واقبل معاوية لماانتهى اليه
الخبر بقتل علي، فسار الى الموصل بعد قتل علي بثمانية عشر
يوما، والتقى العسكران، فوجه معاوية الى قيس بن‏سعد يبذل له
الف الف درهم على ان يصير معه او ينصرف عنه، فارسل اليه
بالمال وقال: تخدعني عن ديني؟
فيقال: انه ارسل الى عبيداللّه بن عباس وجعل له الف الف
درهم، فصار اليه في ثمانية آلاف من اصحابه، واقام قيس
على‏محاربته، وكان معاوية يدس الى عسكر الحسن من يتحدث
ان قيس بن سعد قد صالح معاوية وصار معه، ووجه الى‏عسكر
قيس من يتحدث ان الحسن قد صالح معاوية واجابه.
وفي الاستيعاب((417)) (2/225) عن عروة قال: كان قيس مع
الحسن بن علي على مقدمته، ومعه خمسة آلاف قد
حلقوارووسهم بعدما مات علي وتبايعوا على الموت، فلما دخل
الحسن في بيعة معاوية ابى قيس ان يدخل، وقال لاصحابه:
ماشئتم، ان شئتم جالدت بكم حتى يموت الاعجل منا، وان
شئتم اخذت لكم امانا؟ فقالوا: خذ لنا امانا! فاخذ لهم ان لهم‏كذا
وكذا، وان لا يعاقبوا بشي‏ء، وانه رجل منهم، ولم ياخذ لنفسه
خاصة شيئا. ثم ارتحل نحو المدينة ومضى باصحابه.
حديث جوده
لا يسعنا بسط المقال في اخبار قيس من هذه الناحية لكثرتها،
غير انا نورد لك شيئا من ذلك الكثير الطيب، وحسبك
من‏القلادة ما احاط بالعنق((418))، وكانت هذه الخلة من هذا
البيت على عنق الدهر اي قديما وكان رسول اللّه(ص)
يقول:((الجود من شيمة اهل ذلك البيت))((419)).
باع قيس مالا من معاوية بتسعين الفا، فامر مناديا فنادى في
المدينة: من اراد القرض فليات منزل سعد، فاقرض اربعين‏او
خمسين واجاز الباقي، وكتب على من اقر له صكا، فمرض مرضا
قل عواده، فقال لزوجته قريبة بنت ابي قحافة اخت‏ابي بكر :
يا قريبة لم ترين قل عوادي؟ قالت: للذي لك عليهم من الدين.
فارسل الى كل رجل بصكه المكتوب عليه،فوهبه ماله
عليهم((420)).
قال جابر: خرجنا في بعث كان عليهم قيس بن سعد، ونحر لهم
تسع ركائب، فلما قدموا على رسول اللّه (ص) ذكروا له من‏امر
قيس، فقال: ((ان الجود من شيمة اهل ذلك البيت)).
ولما ارتحل من العراق نحو المدينة ومضى باصحابه، جعل ينحر
لهم كل يوم جزورا حتى بلغ((421)).
روى عبداللّه بن المبارك عن جويرية قال: كتب معاوية الى
مروان: ان اشتر دار كثير بن الصلت منه فابى عليه،
فكتب‏معاوية الى مروان: ان خذه بالمال الذي عليه، فان جاء به
والا بع عليه داره. فارسل اليه مروان فاخبره. قال: اني
اوجلك‏ثلاثا، فان جئت بالمال والا بعت عليك دارك.
قال: فجمعها الا ثلاثين الفا. فقال: من لي بها؟ ثم ذكر قيس بن
سعد، فاتاه فطلبها منه فاقرضه، فجاء بها الى مروان، فلمارآه قد
جاء بها ردها اليه ورد عليه داره، فرد كثير الثلاثين الفا على
قيس، فابى ان يقبلها((422)).
روى المبرد في كامله((423)) (1/309): ان عجوزا شكت الى
قيس ان ليس في بيتها جرذ. فقال: ما احسن ما سالت! اماواللّه
لاكثرن جرذان بيتك. فملا بيتها طعاما وودكا واداما، وقال ابن
عبدالبر((424)): هذه القصة مشهورة صحيحة.
في كامل المبرد (1/309): انه توفي ابوه عن حمل لم يعلم به،
فلما ولد وقد كان سعد(رض) قسم ماله في حين خروجه
من‏المدينة بين اولاده، فكلم ابو بكر وعمر في ذلك قيسا،
وسالاه ان ينقض ما صنع سعد من تلك القسمة. فقال:
نصيبي‏للمولود ولا اغير ما صنع ابي ولا انقضه. وذكره ابن
عبدالبر في الاستيعاب((425)) (2/525) وقال: صحيح من
رواية‏الثقات.
ومن مشهور اخبار قيس: انه كان له مال كثير ديونا على الناس،
فمرض واستبطا عواده، فقيل له: انهم يستحيون من
اجل‏دينك. فقال: اخزى اللّه مالا يمنع الاخوان من العيادة. فامر
مناديا ينادي: من كان لقيس عليه مال فهو في حل، فاتاه
الناس‏حتى هدموا درجة كانوا يصعدون عليها اليه، وفي لفظ:
فما امسى حتى كسرت عتبة بابه من كثرة العواد((426)).
كان قيس في سرية فيها ابو بكر وعمر، فكان يستدين ويطعم
الناس، فقال ابو بكر وعمر: ان تركنا هذا الفتى اهلك مال‏ابيه،
فمشيا في الناس، فلما سمع سعد قام خلف النبي، فقال: من
يعذرني من ابن ابي قحافة وابن الخطاب يبخلان علي
ابني.اسد الغابة((427)) (4/215).
وفي لفظ: كان قيس مع ابي بكر وعمر في سفر في حياة رسول
اللّه (ص)، فكان ينفق عليهما وعلى غيرهما ويفضل، فقال له‏ابو
بكر: ان هذا لا يقوم به مال ابيك فامسك يدك، فلما قدموا من
سفرهم قال سعد بن عبادة لابي بكر: اردت ان تبخل‏ابني، انا
لقوم لا نستطيع البخل((428)).
حكى‏ابن كثير في‏تاريخه((429))(8/99): انه كانت‏لقيس
صحفة يدار بها حيث‏دار، وكان ينادي له‏مناد: هلموا
الى‏اللحم‏والثريد. وكان‏ابوه وجده من قبله يفعلان‏كفعله.
قال الهيثم بن عدي: اختلف ثلاثة عند الكعبة في اكرم اهل
زمانهم، فقال احدهم: عبداللّه بن جعفر. وقال الاخر: قيس‏بن
سعد. وقال الاخر: عرابة الاوسي. فتماروا في ذلك حتى ارتفع
ضجيجهم عند الكعبة، فقال لهم رجل: فليذهب كل‏رجل‏منكم
الى صاحبه الذي يزعم انه اكرم من غيره، فلينظر ما يعطيه
وليحكم على العيان.
فذهب صاحب عبداللّه بن جعفر اليه، فوجده قد وضع رجله في
الغرز((430)) ليذهب الى ضيعة له، فقال له: يا ابن‏عم‏رسول
اللّه ابن سبيل ومنقطع به. قال: فاخرج رجله من الغرز، وقال:
ضع رجلك واستو عليها، فهي لك بما عليها،وخذ ما في
الحقيبة((431)) ولا تخدعن في السيف فانه من سيوف علي.
فرجع الى اصحابه بناقة عظيمة، واذا في الحقيبة‏اربعة آلاف
دينار ومطارف من خز وغير ذلك، واجل ذلك سيف علي بن
ابي طالب.
ومضى صاحب قيس اليه فوجده نائما، فقالت له الجارية: ما
حاجتك اليه؟ قال: ابن سبيل ومنقطع به. قالت: فحاجتك‏ايسر
من ايقاظه، هذا كيس فيه سبعمائة دينار، ما في دار قيس مال
غيره اليوم، واذهب الى مولانا في معاطن الابل فخذلك ناقة
وعبدا، واذهب راشدا. فلما استيقظ قيس من نومه اخبرته
الجارية بما صنعت، فاعتقها شكرا على صنيعها ذلك،وقال: هلا
ايقظتني حتى اعطيه ما يكفيه ابدا، فلعل الذي اعطيته لا يقع
منه موقع حاجته.
وذهب صاحب عرابة الاوسي اليه، فوجده وقد خرج من منزله
يريد الصلاة وهو يتوكا على عبدين له وكان قدكف‏بصره
فقال له: يا عرابة، فقال: قل. فقال: ابن سبيل ومنقطع به. قال:
فخلى عن العبدين ثم صفق بيديه، باليمنى على‏اليسرى، ثم
قال: اوه اوه، واللّه ما اصبحت ولا امسيت وقد تركت الحقوق من
مال عرابة شيئا، ولكن خذ هذين العبدين.قال: ما كنت لافعل.
فقال: ان لم تاخذهما فهما حران، فان شئت فاعتق، وان شئت
فخذ. واقبل يلتمس الحائط بيده، قال:فاخذهما وجاء بهما الى
صاحبيه.
قال فحكم الناس على ان ابن جعفر قد جاد بمال عظيم، وان
ذلك ليس بمستنكر له، الا ان السيف اجله. وان قيسا
احدالاجواد، حكمت مملوكته في ماله بغير علمه، واستحسن
فعلها، وعتقها شكرا لها على ما فعلت. واجمعوا على ان
اسخى‏الثلاثة عرابة الاوسي، لانه جاد بجميع ما يملكه، وذلك
جهد من مقل.
البداية والنهاية((432)) (8/100).
حديث خطابته
ان تقدم سيد الانصار في المعالم الدينية، وتضلعه في علمي
الكتاب والسنة، وعرفانه بمعاريض القول ومخاريق
القيل‏وسقطات الراي، وتحليه بما يحتاج اليه مداره الكلام
ومشيخة الخطابة من العلم الكثار، والادب الجم، وربط الجاش،
وقوة‏العارضة، وحسن التقرير، وجودة السرد، وبلاغة المنطق،
وطلاقة اللسان، ومعرفة مناهج الحجاج والمناظرة،
واساليب‏القاء المحاضرة، كلها براهين واضحة على حظه الوافر
وقسطه البالغ من هذه الخلة، وانه اعلى الناس ذا
فوق((433))، على‏ان فيما مر وما ياتي من كلمه وخطبه خبرا
يصدق الخبر، وشاهد صدق على انه احد امراء الكلام، كما كان
في مقدم امراءالسيف. فهو خطيب الانصار المفوه، واللسن الفذ
من الخزرج، ومتكلم الشيعة الاكبر، ولسان العترة الطاهرة
الناطق،والمجاهد الوحيد دون مبدئه المقدس بالسيف
واللسان، اخطب من سحبان وائل، وانطق من قس الايادي،
واصدق في‏مقاله من قطاة((434)).
وناهيك بقول معاوية بن ابي سفيان لقومه يوم صفين: ان
خطيب الانصار قيس بن سعد يقوم كل يوم خطيبا، وهو
واللّهيريد ان يفنينا غدا ان لم يحبسه عنا حابس الفيل. مر
(ص‏81)، وفي قول امير المؤمنين(ع) له عند بعض مقاله
كمامر(ص‏76): ((احسنت واللّه يا قيس واجملت)) لغنى وكفاية
عن اي اطراء وثناء عليه.
حديث زهده
لا نحاول في البحث عن هذه النواحي، في اي من التراجم،
سرد تاريخ امة غابرة، او ذكريات اماثل الامة او حثالتها
في‏القرون الخالية فحسب، بل انما نخوض فيها بما فيها من
عظات دينية، وفلسفة اخلاقية، وحكم عملية، ومعالم
روحية،ومصالح اجتماعية، ودستور في مناهج السير الى
المولى سبحانه، وبرنامج في اصلاح النفس، ودروس في
التحلي بمكارم‏الاخلاق، التي بعث لاتمامها نبي الاسلام.
وهناك نماذج من نفسيات شيعة العترة الطاهرة، وما لهم دون
مناوئيهم من خلاق من المكارم والفضائل والقداسة‏والنزاهة،
يحق بذلك كله ان يكون كل من نظراء قيس قدوة للبشر في
السلوك الى المولى، وقادة للخلق في تهذيب النفس،ومؤدبا
للامة بالخلائق الكريمة، ومصلحا للمجتمع بالنفسيات الراقية،
والروحيات السليمة، فلن تجد فيهم (جرف منهال،ولا سحاب
منجال)((435)).
ففي وسع الباحث ان يستخرج من تاريخ تلكم النفوس
القدسية، من قيس ومن يصافقه في المبدا الديني، ومن ترجمة
من‏يضادهم في التشيع لال اللّه، من عمرو ابن العاص ومن
يشاكله، حقيقة راهنة دينية، اثمن واغلى من معرفة
حقائق‏الرجال، والوقوف على تاريخ الاجيال الماضية، ويمكنه
ان يقف بذلك على غاية كل من الحزبين العلوي والاموي
مهمايكن القارئ شريف النفس، حرا في تفكيره، غير مقلد ولا
امعة، مهما حداه التوفيق الى اتباع الحق، والحق احق ان
يتبع،غير ناكب عن الطريقة المثلى في البخوع للحقائق،
والجنوح اليها.
فخذ قيس بن سعد وعمرو بن العاص مثالا من الفريقين، وقس
بينهما، وضع يدك على اي ماثرة تحاولها: من طهارة
مولد،واسلام، وعقل، وحزم، وعفة، وحياء، وشمم، واباء، ومنعة،
وبذخ، وصدق، ووفاء، ووقار، ورزانة، ومجد، ونجدة،وشجاعة،
وكرم، وقداسة، وزهد، وسداد، ورشد، وعدل، وثبات في الدين،
وورع عن محارم اللّه، الى مثر اخرى لاتحصى، تجد الاول منهما
حامل عب‏ء كل منها، بحيث لو تجسم اي من تلكم الصفات
ليكون هو مثاله وصورته.
وهل ترى الثاني كذلك؟! اللهم لا. بل كل منها في ذاته محكوم
بالسلب، اضف الى مخاز في المولد، والمحتد،
والدين،والفروسية، والاخلاق، والنفسيات كلها، وسنلمسك كل
هذه بيديك عن قريب ان شاء اللّه تعالى.
عندئذ يعرف المنقب نفسية كل من امامي الحزبين اذ الناس
على دين ملوكهم‏ ، ويكون على بصيرة من امرهما،
وحقيقة‏دعوة اي منهما، وتكون امثلتهما نصب عينيه، ان لم
يتبع الهوى، ولا تضله تعمية من يروقه جهل الامة الاسلامية
بالحقائق،بقوله في مقاتلي امير المؤمنين والخارجين عليه:
انهم كانوا مجتهدين مخطئين ولهم اجر واحد، او بقوله:
الصحابة كلهم‏عدول، وان فعل احدهم ما فعل، وجنت يداه ما
جنت، وخرج عن طاعة الامام العادل، وسن لعنه، وسبه،
وحاربه،وقاتله، وقتله.
فالناظر الى هذه التراجم بعين النصفة، اذا امعن فيها بما فيها
من المغازي المذكورة، يعتقد بان((436)) ((افضل عباد اللّه
عنداللّه امام عادل هدي وهدى، فاقام سنة معلومة وامات بدعة
مجهولة، وان السنن لنيرة لها اعلام، وان البدع لظاهرة
لهااعلام، وان شر الناس عند اللّه امام جائر ضل واضل به، فامات
سنة ماخوذة، واحيا بدعة متروكة)) وصدق بقول‏النبي‏الطاهر:
((يؤتى يوم القيامة بالامام الجائر، وليس معه نصير ولا عاذر،
فيلقى في نار جهنم، فيدور فيها كما تدورالرحى، ثم‏يرتبط في
قعرها))((437)).
لعل الباحث لا يمر على شي‏ء من خطب سى د الخزرج، وكتبه،
وكلمه، ومحاضراته، الا ويجده طافحا بقداسة جانبه عن‏كل ما
يلوث ويدنس من اتباع الهوى، وبزهادته عن حطام الدنيا، معربا
عن ورعه عن محارم اللّه وخشونته في ذات ربه،وتعظيمه
شعائر الدين، وقيامه بحق النبي الاعظم، ورعايته في اهل بيته
وذويه بكل حول وطول، وبذل النفس والنفيس‏دون كلاءة
دينه، واعلاء كلمة الحق، وارحاض معرة الباطل، واصلاح
الفاسد، وكسر شوكة المعتدين، وبعد الياس عن‏صلاح امته،
والعجز عن الدعوة الى الحق، لزم عقر داره بالمدينة المشرفة
بقية حياته، واقبل على العبادة، حتى ادركه اجله‏المحتوم. كما
ذكره ابن عبدالبر في الاستيعاب((438)) (2/524).
واوفى كلمة في زهده وعبادته، ما قاله المسعودي في مروج
الذهب((439)) (2/63) قال: كان قيس بن سعد من
الزهد،والديانة، والميل الى علي، بالموضع العظيم، وبلغ من
خوفه للّه وطاعته اياه، انه كان يصلي، فلما اهوى للسجود، اذا
في‏موضع سجوده ثعبان عظيم مطرق، فمال على الثعبان
براسه، وسجد الى جانبه، فتطوق الثعبان برقبته، فلم يقصر
من‏صلاته، ولا نقص منها شيئا حتى فرغ، ثم اخذ الثعبان فرمى
به. كذلك ذكر الحسن بن علي بن عبداللّه بن المغيرة،
عن‏معمر بن خلا د، عن ابي الحسن الامام علي بن موسى
الرضا(ع). انتهى.
والحديث الرضوي هذا رواه الكشي، باسناده عنه(ع) في
رجاله((440)) (ص‏63).
وكان ذلك الخشوع والاقبال الى اللّه في العبادة وافراغ القلب
بكله الى الصلاة من وصايا والده الطاهر له، قال: يابني‏اوصيك
بوصية فاحفظها، فاذا انت ضيعتها فانت لغيرها من الامر اضيع،
اذا توضات فاتم الوضوء، ثم صل صلاة‏امرى‏ء مودع يرى انه لا
يعود، واظهر الياس من الناس فانه غنى، واياك وطلب الحوائج
اليهم، فانه فقر حاضر، واياك‏وكل‏شي‏ء تعتذر منه. تاريخ ابن
عساكر((441)) (6/90).
وكان من دعاء سيدنا المترجم، كما في الدرجات
الرفيعة((442))، وتاريخ الخطيب((443))وغيرهما قوله: الل
هم ارزقني‏حمداومجدا ، فانه لا حمد الا بفعال، ولا مجد الا
بمال. اللهم وسع علي، فان القليل لا يسعني ولا اسعه.
وفي البداية والنهاية((444)) (8/100): كان قيس يقول: اللهم
ارزقني مالا وفعالا، فانه لا تصلح الفعال الا بالمال.
ومعلوم ان طلب المال غير مناف للزهادة، فان حقيقة الزهد ان
لا يملكك المال، لا ان لا تملك المال.
حديث فضله
ان خطابات قيس، وكتاباته، ومحاضراته، ومقالاته، المبثوثة في
طيات الكتب ومعاجم السير، شواهد صادقة على تضلعه‏في
المعارف الالهية، واشواطه البعيدة في علمي الكتاب والسنة،
وفي خدمته النبي الاعظم مدة عشر سنين((445))، او
مدة‏غير محدودة، وقد كان ابوه دفعه الى النبي(ص) ليخدمه،
كما في اسد الغابة((446)) (4/215) ومسامرته له(ص)
سفراوحضراطول عمره، مع ما كان له من العقل، والحزم،
والراي السديد، والشوق المؤكد الى تهذيب نفسه، والولع التام
الى‏تكميل روحياته، لغنى وكفاية عن اي ثناء على علمه
المتدفق، وفضله الكثار، وتقدمه في علمي الكتاب والسنة.
ومن الفضول ان نتعرض لاحصاء شواهد حسن تعليم النبي(ص)
اياه، وانه كان يجيد تربيته، ويعلمه معالم دينه، ويفيض‏عليه من
نمير فضله، ويلقنه بما يحتاج اليه الانسان الكامل من المعارف
الدينية، وان ملازمته لصاحب الرسالة، وهو سيدالخزرج وابن
سادتها لم تكن خدمة بسيطة، كما هو الشان في الخدم والاتباع
من الناس، وانما هي كخدمة تلميذ لاستاذه‏للتعلم واخذ
المعارف الدينية، والاقتباس من انوار علمه، ومما لا شك فيه
ان النبي(ص) كان يعلمه معالم دينه في كل حال‏يجده، وكان
قيس يغتنم الفرص ويظهر الشوق اليه، وينم عن ذلك ما رواه
ابن الاثير في‏اسد الغابة((447)) (4/215) عن‏قيس، قال: مر بي
النبي(ص) وقد صليت وقال: ((الا ادلك الى باب من ابواب
الجنة؟)). قلت: نعم. قال: ((لا حول ولا قوة‏الا باللّه)).
وسماعه بعد وفاة النبي(ص) عن امير المؤمنين باب مدينة
العلم النبوي، واخذه منه علمي الكتاب والسنة، كما قاله
لمعاوية‏في حديث ياتي، لما جرت بينهما مناظرة، واحتج قيس
عليه بكل آية نزلت في علي، وبكل حديث ورد في فضله،
حتى‏قال معاوية: يا ابن سعد: عمن اخذت هذا، وعمن رويته؟
وعمن سمعته؟ ابوك اخبرك بذلك؟ وعنه اخذته؟
قال قيس: سمعته واخذته ممن هو خير من ابي، واعظم حقا
من ابي. قال: من؟ قال: علي بن ابي طالب(ع) عالم هذه
الامة‏وصديقها.
كل هذه ا ية محكمة، تدل على اطلاعه الغزير في المعالم
الدينية، وبرهنة واضحة تثبت طول باعه في العلوم الالهية،
ومثل‏قيس اذا كان اخذه، وسماعه، وروايته، عن مثل مولانا امير
المؤمنين(ع) ينحسر البيان عن استكناه فضله، ويقصر
التعريف‏عن درك مداه.
ومن شواهد غزارة علمه: اسلامه الراسخ، وايمانه المستقر،
وعرفانه باولياء الامر بعد نبيه، وتهالكه في ولائهم، وتفانيه
في‏نصرتهم الى آخر نفس لفظه، وعدم اكتراثه بلومة اي لائم.
وكان هناك قوم حناق عليه، من اهل النفاق وحملة
الحقدوالضغينة، يعيرونه بولاء العترة الطاهرة، وعدم ايثاره على
دينه عوامل النهمة، وعدم تاثره ببواعث الفخفخة او
دواعي‏الجشع، وعدم انتظاره منهم في دولتهم لرتبة ولا راتب،
وعدم ارادته منهم على ولائه جزاء عاجلا ولا شكورا،
ويشف‏عن‏ذلك ما وقع بينه وبين حسان بن ثابت، لما عزله امير
المؤمنين عن ولاية مصر، ورجع الى المدينة، فانه حينما قدمها
جاءه‏حسان شامتا به، وكان عثمانيا، فقال له: نزعك علي ابن
ابي طالب، وقد قتلت عثمان فبقي عليك الاثم، ولم يحسن
لك‏الشكر!. فزجره قيس وقال: يا اعمى القلب واعمى البصر!
واللّه لولا ان القي بين رهط‏ي ورهطك حربا، لضربت
عنقك،ثم‏اخرجه من عنده((448)).
ولولا ان قيسا مستودع العلوم والمعارف، ومستقى معالم الدين،
ومعقد جمان الفضيلة، كما كانت له الشهرة الطائلة في
الدهاءوالحزم، لما ولا ه امير المؤمنين(ع) مصر لادارة شؤونها
الدينية والمدنية، كما فوض اليه اقامة امورها السياسية
والادارية‏والعسكرية، ولما كتب اليه بما مر (ص‏71) من
كلامه(ع): ((وعلم من قبلك مما علمك اللّه)). فان عامل
الخليفة هو مرجع‏تلكم الشؤون كلها في‏الوسط الذي استعمل
به، وموئل امته في كل مشكلة دينية، كما ان له امامة الجمعة
والجماعة، وماكان للخليفة من منتدح عن استعمال من له
الكفاية لذلك كله.
قال الماوردي في الاحكام السلطانية((449)) (ص‏24): اذا قلد
الخليفة اميرا على اقليم او بلد، كانت امارته على ضربين:عامة
وخاصة.
فاما العامة على ضربين: امارة استكفاء بعقد عن اختيار، وامارة
استيلاء بعقد عن اضطرار.
فاما امارة الاستكفاء التي تنعقد عن اختياره، فتشتمل على
عمل محدود، ونظر معهود، والتقليد فيها ان يفوض
اليه‏الخليفة امارة بلد او اقليم، ولاية على جميع اهله، ونظرا في
المعهود من سائر اعماله، فيصير عام النظر فيما كان محدودا
من‏عمل، ومعهودا من نظر، فيشتمل نظره فيه على سبعة
امور:
1 النظر في تدبير الجيوش، وترتيبهم في النواحي، وتقدير
ارزاقهم، الا ان يكون الخليفة قدرها فيدرها عليهم.
2 النظر في الاحكام وتقليد القضاة والحكام.
3 جباية الخراج، وقبض الصدقات، وتقليد العمال فيهما،
وتفريق ما استحق منهما.
4 حماية ا لدين، والذب عن الحريم، ومراعاة الدين من تغيير
او تبديل.
5 اقامة الحدود في حق اللّه، وحقوق الادميين.
6 الجمع والجماعات، حتى يؤم بها او يستخلف عليها.
7 تسيير الحجيج من عمله.
فان كان هذا الاقليم ثغرا متاخما للعدو اقترن بها ثامن، وهو:
جهاد من يليه من الاعداء، وقسم غنائمهم في المقاتلة،
واخذخمسها لاهل الخمس. وتعتبر في هذه الامارة الشروط
المعتبرة في وزارة التفويض.
وقال في (ص‏20): يعتبر في تقليد وزارة التفويض شروط
الامامة الا النسب. وذكر الشروط المعتبرة في الامامة
(ص‏4)وقال: انها سبعة:
1 العدالة على شروطها الجامعة.
2 العلم المؤدي الى الاجتهاد في النوازل والاحكام.
3 سلامة الحواس من السمع، والبصر، واللسان.
4 سلامة الاعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة.
5 الراي المفضي الى سياسة الرعية وتدبير المصالح.
6 الشجاعة والنجدة المؤدية الى حماية البيضة وجهاد العدو.
7 النسب وهو ان يكون من قريش.
اذا عرفت معنى التقليد بالولاية على المسلمين ومغزاها،
ووقفت على الامور الثمانية التي ينظر اليها كل امير
بالاستكفاءبعقد عن اختيار، كامير الاسلام الكبير قيس بن سعد،
واطلعت على ما يعتبر فيها من الشروط الستة المعتبرة في
الامامة‏ووزارة التفويض، فحدث عن فضل قيس ولا حرج.
كلمتنا الاخيرة عن قيس: انه من عمد الدين واركان المذهب.
لعلك بعد ما تلوناه عليك من فضائل المترجم له وفواضله،
وعلومه ومعارفه، وحزمه وسداده، وصلاحه واصلاحه،وتهالكه
في نصرة امامه الطاهر، واقامته علم الدين منذ عهد النبوة
وعلى العهد العلوي الناصع، وثباته عند تخاذل الايدي‏وتدابر
النفوس على العهد الحسني، ومصارحته بكلمة الحق في كل
محتشد الى آخر حياته، وعدم انخداعه ببهرجة الباطل،وزبرجة
الالحاد السفياني، وثراء معاوية الطائل الهاطل عليه لخدعه عن
دينه، حينما بذل له الف الف درهم على ان يصيرمعه او ينصرف
عنه كما مر (ص‏84)، انك لا تشك بعد ذلك كله، في ان قيسا
من عمد الدين، واركان المذهب، وعظماءالامة، ودعاة الحق،
فدون مقامه الباذخ ما في‏المعاجم والكتب من جمل الثناء
عليه، مهما بالغوا فيها.
ولولا مثل قيس في آل سعد، لما قال رسول اللّه(ص) وهو رافع
يديه: ((اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد
بن‏عبادة)). وما كان يقول في غزوة ذي قرد((450)): ((اللهم
ارحم سعدا وآل سعد، نعم المرء سعد بن عبادة)). وما كان
يقول‏لما اكل طعاما في منزل سعد: ((اكل طعامكم الابرار،
وصلت عليكم الملائكة، وافطر عندكم الصائمون)). وما كان
يقول‏لسعد وقيس، لما اتيا بزاملة تحمل زادا يوم ضلت زاملة
النبي:
((بارك اللّه عليكما يا ابا ثابت((451)) ابشر فقد افلحت، ان
الاخلاف بيد اللّه فمن شاء ان يمنحه منها خلفا صالحا
منحه،ولقد منحك اللّه خلفا صالحا))((452)).
فلينظر القارى‏ء في قيس بن سعد الى آثار رحمة اللّه، ومظاهر
صلواته، ومجالي فضله، وما اثرت فيه تلك الدعوة النبوية،وما
ظهر فيه وفي آله من بركاتها، وقد حفت به الصلوات والرحمة
الالهية صلوات اللّه عليه ورحمته وبركاته.
ولقيس محاضرة ومناظرة مع الشيخين في قصة طوق خالد،
ذكرها ابو محمد الديلمي الحسن بن ابي الحسن في
ارشادالقلوب((453)) (2/201)، افاضها بلسان ذلق، وايمان
مستقر، وجنان ثابت، نضرب عنها صفحا، تحريا للايجاز.
مشايخ قيس والرواة عنه
يروي سيد الخزرج عن النبي(ص) وصنوه الطاهر، وعن والده
السعيد سعد، كما في الاصابة وتهذيب التهذيب.
ومن رواياته عن والده ما اخرجه الحافظ محمد بن عبدالعزيز
الجنابذي الحنبلي، في كتاب معالم العترة، مرفوعا الى
قيس،عن ابيه: انه سمع عليا(رض) يقول:
((اصابتني يوم احد ست عشرة ضربة، سقطت الى الارض في
اربع منهن، فجاء رجل حسن الوجه، طيب الريح، فاخذبضبعي
فاقامني، ثم قال: اقبل عليهم فانك في طاعة اللّه وطاعة
رسوله، وهما عنك راضيان.
قال علي: فاتيت النبي(ص) فاخبرته فقال: يا علي اقر اللّه
عينك ذاك جبريل)). كفاية الطالب طبعة مصر (ص‏37)،
نورالابصار((454))(ص‏87).
ويروي عن عبداللّه بن حنظلة بن الراهب الانصاري، المقتول
يوم الحرة (سنة‏63) وكانت الانصار قد بايعته يومئذ، ذكرروايته
عنه ابن حجر في تهذيب التهذيب((455))(2/193 و5/193
و8/396).
ويروي عن سيدنا قيس زرافات من الصحابة والتابعين، ذكر
منهم في حلية الاولياء((456)) واسد الغابة((457))
(4/215)،والاصابة (3/249)، وتهذيب التهذيب((458))
(8/396):
1 انس بن مالك الانصاري، خادم رسول اللّه(ص).
2 بكر بن سوادة. يروي عن قيس حديثا في الملاهي، كما في
السنن الكبرى للبيهقي.(10/222).
3 ثعلبة بن ابي مالك القرظ‏ي.
4 عامر بن شراحيل الشعبي: المتوفى(104).
5 عبد الرحمن بن ابي ليلى الانصاري، خاصة امير المؤمنين
وصاحب رايته يوم الجمل، ضربه الحجاج حتى اسود كتفاه‏على
سب علي فما فعل. كان اصحاب رسول اللّه يسمعون لحديثه،
وينصتون له.
قال عبد اللّه بن حارث: ما ظننت ان النساء ولدن مثله. ووثقه
ابن معين والعجلي((459)) وغيرهما، توفي (81، 82، 83،86)،
ترجمه ابن خلكان((460)) (1/296) وكثير من ارباب المعاجم.
6 عبد اللّه بن مالك الجيشاني: المتوفى (77).
ترجمه ابن حجر في تهذيبه((461)) (5/380)، وحكى عن
جمع ثقته، وعن مرثد: كان اعبد اهل مصر، يروي عن
اميرالمؤمنين، وعمر، وابي ذر، و معاذ بن جبل، وعقبة.
7 ابو عبد اللّه عروة بن الزبير بن العوام الاسدي، المدني.
8 ابو عمار عريب بن حميد الهمداني.
يروي عن امير المؤمنين، وحذيفة، وعمار، وابي ميسرة،وثقه
احمد وغيره. راجع تهذيب التهذيب((462)) (7/191).
9 ابو ميسرة عمرو بن شرحبيل الهمداني، الكوفي: المتوفى
(63).
اثنى عليه شيخنا الشهيد الثاني في درايته((463)) وقال:
تابعي فاضل من اصحاب محمد بن مسعود. وترجمه ابن حجر
في‏الاصابة (3/114)، وفي تهذيبه((464)) (8/47) وقال: ذكره
ابن حبان في الثقات((465)) وقال: كان من العباد، وكانت
ركبته‏كركبة البعير من كثرة الصلاة.
10 عمرو بن الوليد السهمي المصري: المتوفى سنة (103)
مولى عمرو بن العاص، يروي عن جمع من الصحابة
منهم:المترجم له قيس كما في تهذيب التهذيب((466))
(8/116)، ومن احاديثه عنه: حديث في الملاهي، اخرجه من
طريقه‏البيهقي في السنن (10/222).
11 ابونصر ميمون بن‏ابي شبيب الربعي الكوفي: المتوفى (83)
ويقال: الرقي.
يروي عن امير المؤمنين وعمر ومعاذ بن جبل وابي ذر
والمقداد وابن مسعود.
ترجمه ابن حجر في تهذيبه((467)).
12 هزيل بن شرحبيل الازدي الكوفي. كما في حلية الاولياء
(5/24)، والاصابة (3/619).
13 الوليد بن عبدة بفتح الباء مولى عمرو بن العاص. يروي
عن المترجم له كما في تهذيب ابن حجر((468))(11/141)،
ولعله عمرو بن الوليد المذكور، كما يظهر من كلام
الدارقطني((469)).
14 ابو نجيح يسار الثقفي، المكي: المتوفى (109).
حكى ابن حجر في تهذيبه((470)) عن جمع ثقته، وروى ابن
الاثير في اسد الغابة((471))(4/215) عنه، عن قيس،
عن‏النبي(ص) قوله: ((لو كان العلم متعلقا بالثريا لناله ناس من
فارس)). واخرجه ابو بكر الشيرازي: المتوفى (407)
فى‏الالقاب، كما في تبييض الصحيفة (ص‏4).
معاوية وقيس قبل وقعة صفين
ذكر غير واحد من رجال التاريخ في معاجمهم((472)): انه لما
قرب يوم صفين، خاف معاوية على نفسه ان ياتيه علي
باهل‏العراق، وقيس باهل مصر، فيقع بينهما، ففكر في استدراج
قيس واختداعه فكتب اليه:
اما بعد: فانكم ان كنتم نقمتم على عثمان في اثرة رايتموها، او
ضربة سوط ضربها، او في شتمه رجلا، او تسييره احدا، اوفي
استعماله الفتيان من اهله، فقد علمتم ان دمه لم يحل لكم
بذلك، فقد ركبتم عظيما من الامر، وجئتم شيئا ادا،
فتب‏ياقيس‏الى ربك ان كنت من ال مجلبين على عثمان ان
كانت التوبة من قتل المؤمن تغني شيئا.
فاما صاحبك، فانا استيقنا انه الذي اغرى الناس، وحملهم حتى
قتلوه، وانه لم يسلم من دمه عظيم قومك، فان استطعت
ان‏تكون ممن يطلب بدم عثمان، فبايعنا على علي في امرنا،
ولك سلطان العراقين ان انا ظفرت مابقيت، ولمن احببت من
اهل‏بيتك سلطان الحجاز مادام لي سلطان، وسلني غير هذا
ماتحب.
فكتب اليه قيس:
اما بعد: فقد وصل الي كتابك، وفهمت الذي ذكرت من امر
عثمان، وذلك امر لم اقاربه، وذكرت ان صاحبي هو الذي
اغرى‏الناس بعثمان، ودسهم اليه حتى قتلوه، وهذا امر لم اطلع
عليه، وذكرت لي ان عظم عشيرتي لم تسلم من دم عثمان،
فلعمري‏ان اولى الناس كان في امره عشيرتي. واما ماسالتني
من مبايعتك على الطلب بدم عثمان، وماعرضته علي، فقد
فهمته، وهذاامر لي فيه نظر وفكر، وليس هذا مما يعجل الى
مثله، وانا كاف عنك، وليس ياتيك من قبلي شي‏ء تكرهه، حتى
ترى‏ونرى.
فكتب اليه معاوية:
اما بعد: فقد قرات كتابك، فلم ارك تدنو فاعدك سلما، ولم
ارك تتباعد فاعدك حربا، اراك كحبل الجزور، وليس
مثلي‏يصانع بالخداع، ولا يخدع بالمكائد، ومعه عدد الرجال،
وبيده اعنة الخيل، فان قبلت الذي عرضت عليك
فلك‏مااعطيتك، وان انت لم تفعل، ملات عليك خيلا ورجلا،
والسلام.
فكتب اليه قيس:
اما بعد: فالعجب من استسقاطك رايي والطمع في ان
تسومني‏ لا ابالغيرك الخروج عن طاعة اولى الناس
بالامر،واقولهم للحق، واهداهم سبيلا، واقربهم من رسول اللّه
وسيلة، وتامرني بالدخول في طاعتك، طاعة ابعد الناس من
هذاالامر، واقولهم للزور، واضلهم سبيلا، وابعدهم من رسول
اللّه وسيلة، ولديك قوم ضالون مضلون، طاغوت من
طواغيت‏ابليس. واما قولك: انك تملا علي مصر خيلا ورجلا،
فلئن لم اشغلك عن ذلك حتى يكون منك، انك لذو جد،
والسلام.
وفي لفظ الطبري: فواللّه ان لم اشغلك بنفسك حتى تكون
نفسك اهم اليك، انك لذو جد.
فلما ايس معاوية منه كتب اليه((473)):
اما بعد: فانك يهودي ابن يهودي، ان ظفر احب الفريقين اليك
عزلك، واستبدل بك، وان ظفر ابغضهما اليك قتلك ونكل‏بك،
وكان ابوك وتر قوسه، ورمى غير غرضه، فاكثر الحز، واخطا
المفصل، فخذله قومه، وادركه يومه، ثم مات‏طريدابحوران.
والسلام.
فكتب اليه قيس:
اما بعد: فانما انت وثن ابن وثن، دخلت في الاسلام كرها ،
وخرجت منه طوعا، لم يقدم ايمانك، ولم يحدث نفاقك، وقد
كان‏ابي وتر قوسه، ورمى غرضه، وشغب عليه من لم يبلغ كعبه،
ولم يشق غباره، ونحن انصار الدين الذي خرجت منه،واعداء
الدين الذي دخلت فيه. والسلام.