تسيير حجر واصحابه الى معاوية ومقتلهم
دفع زياد حجر بن عدي واصحابه الى وائل بن حجر الحضرمي
وكثير بن شهاب وامرهما ان يسيرا بهم الى الشام،فخرجوا
عشية وسار معهم صاحب‏الشرطة حتى اخرجهم من الكوفة،
فلما انتهوا الى جبانة عرزم نظر قبيصة بن ضبيعة‏العبسي الى
داره وهي في جبانة عرزم فاذا بناته مشرفات، فقال لوائل
وكثير: ائذنا لي فاوصي اهلي. فاذنا له، فلما دنامنهن وهن
يبكين سكت عنهن ساعة ثم قال: اسكن فسكتن. فقال: اتقين
اللّه عزوجل واصبرن فاني ارجو من ربي في‏وجهي هذا احدى
الحسنيين: اما الشهادة وهي السعادة، واما الانصراف اليكن في
عافية. وان الذي يرزقكن ويكفيني‏مؤنتكن هو اللّه تعالى وهو
حي لا يموت، ارجو ان لا يضيعكن وان يحفظني فيكن. ثم
انصرف فمر بقومه فجعل القوم‏يدعون اللّه له بالعافية.
فساروا حتى انتهوا بهم الى مرج عذراء عند دمشق وهم اثنا
عشر رجلا:
حجر بن عدي، الارقم بن عبداللّه، شريك بن شداد، صيفي بن
فسيل، قبيصة بن ضبيعة، كريم بن عفيف، عاصم بن‏عوف،
ورقاء بن سمي، كدام بن حيان، عبدالرحمن بن حسان، محرز
بن شهاب، عبداللّه بن حوية. واتبعهم زياد برجلين‏مع عامر بن
الاسود فتموا اربعة عشر رجلا، فحبسوا بمرج عذراء، فبعث
معاوية الى وائل بن حجر وكثير بن شهاب‏فادخلهما واخذ
كتابهما فقراه على اهل الشام فاذا فيه:
لعبداللّه معاوية بن ابي سفيان امير المؤمنين من زياد بن ابي
سفيان. اما بعد:
فان اللّه قد احسن عند امير المؤمنين البلاء، فاداله من عدوه
وكفاه مؤنة من بغى عليه، ان طواغيت
الترابية‏الصبائية((129))راسهم حجر بن عدي خالفوا امير
المؤمنين، وفارقوا جماعة المسلمين، ونصبوا لنا الحرب،
فاظهرنا اللّه عليهم‏وامكننا منهم وقد دعوت خيار اهل المصر
واشرافهم وذوي النهى والدين فشهدوا عليهم بماراوا وعلموا،
وقد بعثت بهم‏الى امير المؤمنين وكتبت شهادة صلحاء اهل
المصر وخيارهم في اسفل كتابي هذا.
فلما قرا معاوية الكتاب وشهادة الشهود عليهم قال: ماذا ترون
في هؤلاء النفر الذين شهد عليهم قومهم بما تسمعون ؟فقال له
يزيد بن اسد البجلي: ارى ان تفرقهم في قرى الشام فيكفيكهم
طواغيتها. وكتب معاوية الى زياد: اما بعد: فقدفهمت ما
اقتصصت به من امر حجر واصحابه وشهادة من قبلك عليهم
فنظرت في ذلك فاحيانا ارى قتلهم افضل من‏تركهم، واحيانا
ارى العفو عنهم افضل من قتلهم، والسلام.
فكتب اليه زياد مع يزيد بن حجية التميمي: اما بعد: فقد قرات
كتابك وفهمت رايك في حجر واصحابه فعجبت لاشتباه‏الامر
عليك فيهم وقد شهد عليهم بما قد سمعت من هو اعلم بهم،
فان كانت لك حاجة في هذا المصر فلا تردن‏حجراواصحابه الي.
فاقبل يزيد بن حجية حتى مر بهم بعذراء فقال: يا هؤلاء اما واللّه
ما ارى براءتكم ولقد جئت بكتاب فيه الذبح فمروني بمااحببتم
مما ترون انه لكم نافع اعمل به لكم وانطق به. فقال حجر: ابلغ
معاوية: انا على بيعتنا لا نستقيلها ولا نقيلها، وانماشهد علينا
الاعداء والاظناء. فقدم يزيد بالكتاب الى معاوية واخبره بقول
حجر فقال معاوية: زياد اصدق عندنا من‏حجر. فقال
عبدالرحمن بن ام الحكم الثقفي، ويقال عثمان بن عمير
الثقفي: جذاذها جذاذها. فقال له معاوية: لا تعن‏ابرا .فخرج اهل
الشام ولا يدرون ما قال معاوية وعبدالرحمن، فاتوا النعمان بن
بشير فقالوا له مقالة ابن ام الحكم فقال النعمان:قتل القوم.
اقبل عامر بن الاسود العجلي وهو بعذراء يريد معاوية ليعلمه
بالرجلين اللذين بعث بهما زياد ولحقا بحجر واصحابه، فلماولى
ليمضي قام اليه حجر بن عدي‏يرسف في القيود فقال: يا عامر
اسمع مني: ابلغ معاوية ان دماءنا عليه حرام. واخبره اناقد اومنا
وصالحناه فليتق اللّه ولينظر في امرنا. فقال له نحوا من هذا
الكلام فاعاد عليه حجر مرارا. فدخل عامر على‏معاوية فاخبره
بامر الرجلين، فقام يزيد بن اسدالبجلي فاستوهب الرجلين
وكان جرير بن عبداللّه كتب في امر الرجلين‏انهما من قومي من
اهل الجماعة والراي الحسن، سعى بهما ساع ظنين الى زياد
وهما ممن لا يحدث حدثافي الاسلام ولا بغياعلى الخليفة،
فلينفعهما ذلك عند امير المؤمنين. فوهبهما له وليزيد بن
اسد.
وطلب وائل بن حجر في الارقم الكندي فتركه.
وطلب ابو الاعور في عتبة بن الاخنس فوهبه له.
وطلب حمزة بن مالك الهمداني في سعيد بن نمران فوهبه له.
وطلب حبيب بن مسلمة في عبداللّه بن حوية التميمي فخلى
سبيله.
فقام مالك بن هبيرة فساله في حجر فلم يشفعه فغضب وجلس
في بيته، فبعث معاوية هدبة بن فياض القضاعي من
بني‏سلامان بن سعد والحصين بن عبداللّه الكلابي وابا شريف
البدي في الاغاني: ابا حريف البدري فاتوهم عند المساءفقال
الخثعمي حين راى الاعور مقبلا: يقتل نصفنا وينجو نصفنا.
فقال سعيد بن نمران: اللهم اجعلني ممن ينجو وانت
عني‏راض. فقال عبدالرحمن بن حسان العنزي: اللهم اجعلني
ممن تكرم بهوانهم وانت عني راض، فطالما عرضت نفسي
للقتل‏فابى اللّه الا ما اراد. فجاء رسول معاوية اليهم بتخلية ستة
وبقتل ثمانية((130))، فقال لهم رسل معاوية، ثم انا قد امرنا
ان‏نعرض عليكم البراءة من علي واللعن له، فان فعلتم هذا
تركناكم وان ابيتم قتلناكم، وان امير المؤمنين يزعم ان‏دماءكم
قدحلت له بشهادة اهل مصركم عليكم، غير انه قد عفا عن
ذلك فابرؤوا من هذا الرجل نخل سبيلكم. قالوا: لسنا
فاعلين.فامروا بقيودهم فحلت، وبقبورهم فحفرت، وادنيت
اكفانهم،فقاموا الليل كله يصلون فلما اصبحوا قال اصحاب
معاوية:يا هؤلاء قد رايناكم البارحة اطلتم الصلاة واحسنتم
الدعاء فاخبرونا ما قولكم في عثمان ؟ قالوا: هو اول من جار
في‏الحكم، وعمل بغير الحق. فقال اصحاب معاوية: امير
المؤمنين كان اعلم بكم، ثم قاموا اليهم وقالوا: تبرؤون من
هذاالرجل ؟ قالوا: بل نتولاه. فاخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله،
فوقع قبيصة بن ضبيعة في يدي ابي شريف البدي فقال
له‏قبيصة: ان الشر بين قومي وقومك امن اي: آمن فليقتلني
غيرك فقال له: برتك رحم. فاخذه الحضرمي فقتله.
وقتل‏القضاعي صاحبه.
قال لهم حجر: دعوني اصلي ركعتين، فايمن اللّه ما توضات قط
الا صليت ركعتين فقالوا له: صل فصلى ثم انصرف فقال:واللّه ما
صليت صلاة قط اقصر منها ولولا ان تروا ان ما بي جزع من
الموت لاحببت ان استكثر منها. ثم قال: اللهم انانستعديك
على امتنا فان اهل الكوفة شهدوا علينا، وان اهل الشام يقتلوننا،
اما واللّه لئن قتلتموني بها اني لاول فارس من‏المسلمين سلك
في واديها، واول رجل من المسلمين نبحته كلابها. فمشى اليه
هدبة الاعور بالسيف فارعدت خصائله((131))،فقال: كلا
زعمت انك لا تجزع من الموت فانا ادعك فابرا من صاحبك.
فقال: مالي لا اجزع وانا ارى قبرامحفورا ، وكفنامنشورا، وسيفا
مشهورا، واني واللّه ان جزعت لا اقول ما يسخط الرب. فقيل له:
مد عنقك. فقال: ان ذلك لدم ما كنت‏لاعين عليه. فقدم
فضربت عنقه واقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة.

الخثعمي والعنزي من اصحاب حجر
قال عبدالرحمن بن حسان العنزي، وكريم بن عفيف الخثعمي:
ابعثوا بنا الى امير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل
مثل‏مقالته. فبعثوا الى معاوية فاخبروه فبعث: ائتوني بهما.
فالتفتا الى حجر، فقال له العنزي: لا تبعد يا حجر ولا
يبعدمثواك،فنعم اخو الاسلام كنت. وقال الخثعمي نحو ذلك
ثم مضى بهما، فالتفت العنزي فقال متمثلا:
كفى بشفاة القبر بعدا لهالك
وبالموت قطاعا لحبل القرائن
فلما دخل عليه الخثعمي قال له: اللّه اللّه يا معاوية انك منقول
من هذه الدار الزائلة الى الدار الاخرة الدائمة ومسؤول
عمااردت بقتلنا وفيم سفكت دماءنا، فقال معاوية: ما تقول في
علي ؟ قال: اقول فيه قولك، اتتبرا من دين علي الذي كان‏يدين
اللّه به ؟ فسكت، وكره معاوية ان يجيبه، فقام شمر بن عبداللّه
الخثعمي فاستوهبه. فقال: هو لك غير اني حابسه شهرافحبسه،
فكان يرسل اليه بين كل يومين فيكلمه، ثم اطلقه على ان لا
يدخل الكوفة ما دام له سلطان. فنزل الموصل فكان‏يقول: لو قد
مات معاوية قدمت المصر، فمات قبل معاوية بشهر.
ثم اقبل على عبدالرحمن بن حسان فقال له: ايه يا اخا ربيعة ما
قولك في‏علي؟ قال: دعني ولا تسالني فانه خير لك. قال:واللّه
لا ادعك حتى تخبرني عنه. قال: اشهد انه كان من الذاكرين
اللّه كثيرا، ومن الامرين بالمعروف والناهين عن
المنكر((132))والعافين عن الناس. قال: فما قولك في عثمان
؟ قال: هو اول من فتح باب الظلم وارتج ابواب الحق. قال:
قتلت نفسك. قال‏بل اياك قتلت لا ربيعة بالوادي يعني انه
ليس ثم احد من قومه فيتكلم فيه فبعث به معاوية الى زياد
وكتب اليه: امابعد: فان هذا العنزي شر من بعثت به فعاقبه
بالعقوبة التي هو اهلها واقتله شر قتلة. فلما قدم به على زياد
بعث به الى قس‏الناطف((133)) فدفن به حيا.
فقتل من اصحاب حجر معه:
شريك بن شداد الحضرمي، صيفي بن فسيل الشيباني، قبيصة
بن ضبيعة‏العبسي، محرزبن‏شهاب‏المنقري،
كدام‏بن‏حيان‏العنزي، عبدالرحمن‏بن‏حسان‏العنزي.
ونجا منهم:
كريم بن عفيف الخثعمي، عبداللّه بن حوية التميمي، عاصم بن
عوف البجلي، ورقاء بن سمي البجلي، ارقم بن عبداللّهالكندي،
عتبة بن الاخنس السعدي، سعد بن نمران الهمداني.
اخذنا ما في هذا الفصل((134)) من : الاغاني (16/2 11)،
عيون الاخبار لابن قتيبة (1/147)، تاريخ الطبري (6/141
آ156)، مستدرك الحاكم (3/468)، تاريخ ابن عساكر (4/84 و
6/459)، الكامل لابن الاثير (3/202 208)، تاريخ ابن‏كثير
(8/49 55)((135)).
قال الاميني : من حجر بن عدي ؟ ومن الذين كانوا معه ؟ وما
الذي كانت غايتهم في تلكم المواقف الهائلة ؟ وماذا اقترفوه‏من
ذنب حتى قتلوا تقتيلا ؟ ولماذا هتكت حرماتهم، وقطعت
اوصال حياتهم وهم فئة مسلمة ؟!
حجر بن عدي من عدول الصحابة، او احد الصحابة العدول،
راهب اصحاب محمد (ص) كما قاله الحاكم((136))، من
افاضل‏الصحابة وكبارهم مع صغر سنه مستجاب الدعوة كما في
الاستيعاب((137))، وكان ثقة معروفا كما قاله ابن
سعد((138))، وقال‏المرزباني:انه وفد الى رسول اللّه (ص)
وكان من عباد اللّه وزهادهم وكان بارا بامه، وكان كثير الصلاة
والصيام((139))، وقال ابومعشر: كان عابدا وما احدث الا توضا
وما توضا الا صلى((140))، وكان له صحبة ووفادة وجهاد
وعبادة كما في الشذرات((141))،وكان صاحب كرامة
واستجابة دعاء مع التسليم الى اللّه. روى ابن الجنيد في كتاب
الاولياء: ان حجر بن عدي اصابته‏جنابة فقال للموكل به:
اعطني شرابي اتطهر به ولا تعطني غدا شيئا. فقال: اخاف ان
تموت عطشا فيقتلني معاوية، قال:فدعا اللّه فانسكبت له سحابة
بالماء فاخذ منها الذي احتاج اليه، فقال له اصحابه: ادع اللّه ان
يخلصنا. فقال: اللهم خرلنا((142)).
وقالت عائشة: اما واللّه ان كان ما علمت لمسلما حجاجا
معتمرا((143)). وقالت لمعاوية: قتلت حجرا واصحابه، اما واللّه
لقدبلغني انه سيقتل بعذراء سبعة رجال وفي لفظ: اناس
يغضب اللّه واهل السماء لهم((144)).
وقال مولانا امير المؤمنين (ع): «يا اهل الكوفة سيقتل فيكم
سبعة نفر هم من خياركم بعذراء مثلهم كمثل
اصحاب‏الاخدود». وفي لفظ: «حجر بن عدي واصحابه
كاصحاب الاخدود، وما نقموا منهم الا ان يؤمنوا
باللّهالعزيزالحميد»((145)).
وفيما كتب((146)) الامام السبط الحسين (ع) الى معاوية:
«الست قاتل حجر واصحابه العابدين المخبتين الذين كانوا
يستفظعون‏البدع، ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر؟
فقتلتهم ظلما وعدوانا من بعد ما اعطيتهم المواثيق الغليظة
والعهود المؤكدة‏جراة على اللّه واستخفافا بعهده.
اولست بقاتل عمرو بن الحمق الذي اخلقت وابلت وجهه
العبادة، فقتلته من بعد ما اعطيته من العهود ما لو
فهمته‏العصم((147)) نزلت من شعف((148)) الجبال ؟
اولست قاتل الحضرمي((149)) الذي كتب اليك فيه زياد: انه
على دين علي كرم اللّه وجهه. ودين علي هو دين ابن عمه
(ص)الذي اجلسك مجلسك الذي انت فيه، ولولا ذلك كان
افضل شرفك وشرف آبائك تجشم الرحلتين: رحلة
الشتاءوالصيف، فوضعها اللّه عنكم بنا، منة عليكم‏».
هذا حجر واصحابه، واما غاية ذلك العبد الصالح والتابعين له
باحسان في مواقفهم كلها فهي النهي عن المنكر الموبق
من‏لعن مولانا امير المؤمنين (ع) على صهوات المنابر، فكانوا
يغبرون في وجه من يرتكب تلكم الجريمة من عمال
معاوية‏وزبانيته الاشداء على امام الحق واوليائه، ولم ينقم القوم
منهم غير ذلك من عيث في‏المجتمع، او افساد على السلطان،
اوشق لعصا المسلمين، وكان حجر وهو سيد قومه يقول: الا اني
على بيعتي لا اقيلها ولا استقيلها سماع اللّه والناس.
ويقول‏ليزيد بن حجية: ابلغ معاوية انا على بيعتنا لا نستقيلها
ولا نقيلها، وانه انما شهد علينا الاعداء والاظناء. ويقول: ماخلعت
يدا عن طاعة ولا فارقت جماعة واني على بيعتي. ولما ادخل
على معاوية سلم عليه بامرة المؤمنين((150)).
لم يكن صلاح الرجل واصحابه يخفى على اي احد حتى على
مثل المغيرة الذي كان من زعانف معاوية الخصماء الالداء
على‏شيعة امير المؤمنين علي (ع) فانه لما اشيرعليه بالتنكيل
بحجر واصحابه قال: لا احب ان ابتدئ اهل هذا المصر
بقتل‏خيارهم وسفك‏دمائهم، فيسعدوا بذلك‏واشقى، ويعز في
الدنيا معاوية ويذل يوم القيامة المغيرة. وراى اصحاب معاوية
منهم‏آخر ليلة حياتهم بعذراء حسن صلاة ودعاء فاعجبهم
نسكهم واكبروا موقفهم من طاعة اللّه غير انهم القوا عليهم
البراءة‏من علي امير المؤمنين (ع) بامر من معاوية براءة يتبعها
الامان والسلام فلم يفعلوا، فقتلوا في موالاة علي(ع) كما
قاله‏الحاكم في المستدرك((151)) (3/470)، وسمعت في
كلمة الامام السبط (ع) قوله: «اولست قاتل الحضرمي الذي
كتب اليك فيه‏زياد: انه على دين علي كرم اللّه وجهه، فلم يك
ذنبهم الا موالاة من قرن اللّه ولايته بولايته وولاية رسوله‏».
ونحن لا ندري هل ثبت في الشريعة ان البراءة من امام الهدى
ولعنه مجلبة للامان على حين ان الرجل مستحق للاعدام ؟او
ان ذلك نفسه فريضة ثابتة قامت بها الضرورة من الدين، فيهدر
به دم تاركها، ويكون قتله من احب ما يكون‏الى‏معاوية كما جاء
فيما رواه ابن كثير في‏تاريخه((152))(8/54)من‏ان
عبدالرحمن بن الحارث قال لمعاوية: اقتلت حجر
بن‏الادبر؟فقال معاوية: قتله‏احب الي من‏ان اقتل معه مائة‏الف.
نعم ، نحن لا ندري، لكن فقه معاوية وشهواته يستسيغان ذلك،
فلا يصيخ الى نصح اي ناصح، فانه لما استشار اصحابه في‏امر
حجر وهو في سجن عذراء قال له عبداللّه بن زيد بن اسد
البجلي: يا امير المؤمنين انت راعينا ونحن رعيتك، وانت‏ركننا
ونحن عمادك، ان عاقبت قلنا: اصبت. وان عفوت قلنا: احسنت.
والعفو اقرب للتقوى، وكل راع مسؤول‏عن‏رعيته((153)).
وما ذنب حجر واصحابه الصلحاء ومن شاكلهم من اهل الصلاح
وحملة الاسلام الصحيح اذ عبسوا على امارة السفهاء ؟امارة
الوزغ ابن الوزغ، الى ازنى ثقيف مغيرة، الى طليق استه بسر بن
ارطاة، الى ابن ابيه زياد، الى خليفتهم الغاشم ابن‏هند. وحجر
واصحابه هم الذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه واخبتوا الى ما جاء
به نبي الاسلام، وقد صح عنه (ص) انه‏قال لجابر بن عبداللّه:
«اعاذك اللّه من امارة السفهاء». قال: وما امارة السفهاء ؟ قال:
«امراء يكونون بعدي لا يقتدون‏بهديي، ولا يستنون بسنتي،
فمن صدقهم بكذبهم، واعانهم على ظلمهم فاولئك ليسوا
مني ولست منهم، ولا يردواعلي‏حوضي، ومن لم يصدقهم
بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فاولئك مني وانا منهم،
وسيردوا علي حوضي‏»((154)).
وقال (ص): «ان هلاك امتي او فساد امتي رؤوس امراء
اغيلمة سفهاء من قريش‏»((155)).
وعن كعب بن عجرة مرفوعا: «سيكون امراء يكذبون ويظلمون،
فمن صدقهم بكذبهم واعانهم على ظلمهم، فليس مني‏ولا انا
منه، ولا يرد علي الحوض يوم القيامة، ومن لم يصدقهم
بكذبهم، ولم يعنهم على ظلمهم فهو مني وانا منه، وهو
واردعلي الحوض يوم القيامة‏»((156)).
وقال (ص): «ستكون عليكم امراء تشغلهم اشياء عن الصلاة
حتى يؤخروها عن وقتها، فصلوها لوقتها»((157)). وابن
سمية‏من اولئك الامراء الذين اخروا الصلاة وانكره عليه ذلك
حجر بن عدي، كما مر حديثه في الجزء التاسع (ص‏119).
ولم يكن لمعاوية عذر في قتل اولئك الصفوة الا التشبث
بالتافهات، فكان يتلون في الجواب بمثل قوله: اني رايت في
قتلهم‏صلاحا للامة وفي مقامهم فسادا للامة، وقوله: اني
وجدت قتل رجل في صلاح الناس خيرا من استحيائه في
فسادهم((158)).وهل صلاح الناس في الالتزام بلعن علي امير
المؤمنين (ع) والبراءة منه والتحامل على شيعته، وفسادهم في
تركها اوالنهي عنها ؟ انظر لعلك تجد له وجها في غير شريعة
الاسلام.
وبمثل قوله: لست انا قتلتهم انما قتلهم من شهد
عليهم((159)). ولقد عرفت حال تلك الشهادة المزورة، او انها
من قوم لا خلاق‏لهم، وكان معاوية اعرف بها وبهم، ومع ذلك
استباح دماء القوم، وتترس بقيله عن مراشق العتاب، والانسان
على نفسه‏بصيرة ولو القى معاذيره.
وبمثل قوله: فما اصنع كتب الي فيهم زياد يشدد امرهم ويذكر
انهم سيفتقون‏علي فتقا لا يرقع((160)). وقوله: حملني ابن
سمية‏فاحتملت((161)). قبح اللّه الصلف والوقاحة اكان زياد
عاملا له او هو عامل لزياد حتى يحتمل الموبقات باشارته ؟ وهل
يهدردماء الصالحين وبذلك عرفهم المجتمع الديني بقول
فاسق مستهتر ؟! واللّه يقول: (يا ايها الذين آمنوا ان جاءكم
فاسق‏بنبافتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم
نادمين )((162)) لكن معاوية بعد ان استلحق زيادا بابي سفيان
راقه ان‏لا ينحرف عن مرضاته وفيها شفاء غلته وان زحزحته عن
زمرة اناس خوطبوا بالاية الشريفة.
وبمثل قوله لعائشة لما عاتبته على قتله حجرا واصحابه:
فدعيني وحجرا نلتقي عند ربنا عز وجل. وقوله لها حين قالت
له:اين عزب عنه حلم ابي سفيان في حجر واصحابه ؟: حين
غاب عني مثلك من حلماء قومي((163)). ان هو الا الهزء
باللّهوبلقائه، او لم يكف من آمن باللّه واليوم الاخر نصح القرآن
وحده وشرعة محمد (ص) معه في حرمة دماء المؤمنين‏الابرياء
؟ هل يسع معاوية او يغنيه يوم لقاء اللّه التمسك بالترهات تجاه
قوله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم اللّه الا بالحق)((164))،
وقوله تعالى ( وما كان لمؤمن ان يقتل مؤمنا الا خطا... # ومن
يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيهاوغضب اللّه عليه
ولعنه واعد له عذابا عظيما)((165))، وقوله تعالى: (ان
الذين‏يكفرون بيات اللّه ويقتلون النبيين بغير حق‏ويقتلون
الذين يامرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب
اليم)((166))، وقوله تعالى: ( وعباد الرحمن الذين يمشون
على‏الارض هونا ) الى قوله ( ولا يقتلون النفس التي حرم
اللّه الا بالحق ولا يزنون ومن‏يفعل ذلك يلق اءثاما )((167))؟
اولم يكف معاوية ما رواه هو نفسه عن رسول اللّه (ص) من قوله:
«كل ذنب عسى اللّه ان يغفره الا الرجل يموت كافرا اوالرجل
يقتل مؤمنا متعمدا» ؟
مسند احمد((168)) (4/96).
او ما كتبه بيده الاثيمة الى مولانا امير المؤمنين من كتاب:
واني سمعت رسول‏اللّه (ص) يقول: «لو تمالا اهل صنعاء
وعدن‏على قتل رجل واحد من المسلمين لاكبهم اللّه على
مناخرهم في النار» ؟
او ما رواه ابن عمر مرفوعا: «لن يزال المؤمن في فسحة من
دينه ما لم يصب دما حراما» ؟
او ما جاء به البراء بن عازب مرفوعا: «لزوال الدنيا اهون على اللّه
من قتل مؤمن بغير حق‏» ؟ رواه
ابن‏ماجة((169))والبيهقي((170))، وزاد فيه الاصبهاني: «ولو
ان اهل سمواته واهل ارضه اشتركوا في دم مؤمن لادخلهم
النار».
وفي رواية لبريدة مرفوعا: «قتل المؤمن اعظم عند اللّه من
زوال الدنيا».
وفي حديث لابي هريرة مرفوعا: «لو ان اهل السماء واهل الارض
اشتركوا في دم مؤمن لاكبهم اللّه في النار».
ومن حديث لابن عباس مرفوعا: «لو اجتمع اهل السماء والارض
على قتل امرى لعذبهم اللّه الا ان يفعل ما يشاء».
ومن حديث لابي بكرة مرفوعا: «لو ان اهل السموات والارض
اجتمعوا على قتل مسلم لكبهم اللّه جميعا على وجوههم‏في
النار».
ومن طريق ابن عباس مرفوعا: «ابغض الناس الى اللّه ملحد في
الحرم، ومبتغ في الاسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم‏امرى بغير
حق ليهريق دمه‏».
صحيح البخاري((171))، سنن البيهقي (8/27).
ومن طريق ابي هريرة مرفوعا: «من اعان على قتل مؤمن بشطر
كلمة لقي اللّه مكتوبا بين عينيه: آيس من رحمة اللّه».
ومن حديث ابي موسى مرفوعا: «اذا اصبح ابليس بث جنوده
فيقول: من‏اخذل اليوم مسلما البسه التاج. فيجي‏ء هذافيقول:
لم ازل به حتى طلق امراته. فيقول: اوشك ان يتزوج. ويجي‏ء
هذا فيقول: لم ازل به حتى عق والديه. فيقول: يوشك‏ان
يبرهما. ويجي‏ء هذا فيقول: لم ازل به حتى اشرك. فيقول: انت
انت. ويجي‏ء هذا فيقول: لم ازل به حتى قتل فيقول: انت‏انت
ويلبسه التاج‏».
ومن حديث عبداللّه بن عمرو مرفوعا: «من قتل معاهدا لم يرح
رائحة الجنة وان ريحها يوجد من مسيرة اربعين عاما».وفي لفظ
احمد((172)): «من قتل نفسا معاهدة بغير حلها حرم اللّه
تبارك وتعالى عليه الجنة لم يشم ريحها».
الى‏احاديث جمة اخرى اخرجها الحفاظ وائمة الحديث في
الصحاح والمسانيد، وجمع شطرا منها الحافظ المنذري
في‏الترغيب والترهيب((173))(3/120 123).
ما احوج معاوية مع هذه كلها الى نصح ضرائب عائشة في هذه
الموبقة الكبيرة، وهي نفسها لم تكترث لسفك دماء آلاف‏مؤلفة
ممن حسبتهم ابناءها على حد قول الشاعر:
جاءت مع الاشقين في هودج
تزجي الى البصرة اجنادها
كانها في فعلها هرة
تريد ان تاكل اولادها
نعم ، مضى حجر سلام اللّه عليه الى ربه سجيح الوجه، وضي‏ء
الجبين، حميداسعيدا مظلوما مهتضما، مضرجا بدمه،
مصفدابقيود الظلم والجور، خاتما حياته الحميدة بالصلاة،
قائلا: لا تطلقوا عني حديدا، ولا تغسلوا عني دما، وادفنوني في
ثيابي‏فاني مخاصم. وفي لفظ: فانا نلتقي معاوية على
الجادة((174)). وابقت تلك الموبقة على معاوية خزي الابد،
وعدالحسن من اربع‏خصال كن في معاوية لو لم يكن فيه منهن
الا واحدة لكانت موبقة: قتله حجرا، وقال: ويل له من حجر
واصحاب‏حجر((175)).
ونحن على يقين من ان اللّه تعالى سياخذ ابن آكلة الاكباد بما
خطته يده الاثيمة الى اهل البصرة من قوله: ان سفك
الدماءبغير حلها، وقتل النفوس التي حرم اللّه قتلها، هلاك
موبق، وخسران مبين، لا يقبل اللّه ممن سفكها صرفا ولا
عدلا((176)).

الحضرميان وقتلهما على التشيع
قال النسابة ابو جعفر محمد بن حبيب البغدادي المتوفى
(245) في كتابه المحبر (ص‏479): صلب زياد بن ابيه مسلم
بن زيمروعبداللّه بن نجي الحضرميين، على‏ابوابهما اياما
بالكوفة وكانا شيعيين وذلك بامر معاوية. وقد عدهما الحسين
بن‏علي‏غ على معاوية في كتابه اليه: «الست صاحب حجر
والحضرميين اللذين كتب اليك ابن سمية انهما على
دين‏علي‏ورايه، فكتبت اليه من كان على دين علي ورايه فاقتله
وامثل به، فقتلهما ومثل بامرك بهما ؟ ودين علي وابن
عم‏علي‏الذي كان يضرب عليه اباك يضربه عليه ابوك
اجلسك مجلسك الذي انت فيه. ولولا ذلك كان افضل
شرفك‏وشرف ابيك تجش م الرحلتين((177)) اللتين بنا من
اللّه عليك بوضعها عنكم‏».
قال الاميني : هلموا معي يا اهل دين اللّه، هل اعتناق دين علي
(ع) مما يستباح به دم مسلم، وتستحل المثلة
والتنكيل‏المحظورة في الشريعة المطهرة، الممنوع عنها ولو
بالكلب العقور ؟ اليس دين علي هو دين محمد (ص) الذي
صدع به عن‏اللّه تعالى ؟ نعم هو كذلك لكن معاوية حائد عن
الدين القويم ولا يقيم له وزنا ما، ولا يكترث لمغبة هتكه، ولا
يتريث عن‏الوقيعة فيه.

مالك الاشتر
ومن الصلحاء الذين قتلهم معاوية بغير ذنب اتاه مالك بن
الحارث الاشتر النخعي، للّه در مالك! وما مالك ؟ لو كان
من‏جبل لكان فندا((178))، ولو كان من حجر لكان صلدا، على
مثل مالك فلتبك البواكي، وهل موجود كمالك ؟ اشد عباد
اللّهباسا، واكرمهم حسبا، كان اضر على الفجار من حريق النار،
وابعد الناس من دنس او عار، حسام صارم، لا نابي‏الضريبة، ولا
كليل الحد، حكيم في السلم، رزين في الحرب، ذو راي اصيل،
وصبر جميل.
كان ممن لا يخاف وهنه ولا سقطته، ولا بطؤه عما الاسراع اليه
احزم، ولا اسراعه الى ما البط‏ء عنه امثل، كان يجمع بين‏اللين
والعنف، فيسطو في موضع السطوة، ويرفق في موضع الرفق،
كان فارسا شديد الباس شجاعا رئيسا حليماجوادافصيحا
شاعرا((179)).
كتب علي (ع) الى مالك وهو يومئذ بنصيبين: «اما بعد: فانك
ممن استظهرته على اقامة الدين، واقمع به نخوة
الاثيم،واشدالثغر المخوف، وكنت وليت محمد بن ابي بكر مصر
فخرجت عليه بها خوارج وهو غلام حدث ليس بذي
تجربة‏للحرب ولا بمجرب للاشياء، فاقدم علي لننظر في ذلك
فيما ينبغي، واستخلف على عملك اهل الثقة والنصيحة
من‏اصحابك. والسلام‏».
فاقبل مالك الى علي حتى دخل عليه فحدثه حديث اهل مصر
وخبره خبر اهلها وقال: «ليس لها غيرك، اخرج رحمك‏اللّه،
فاني لم اوصك، اكتفيت برايك، واستعن باللّه على ما اهمك،
فاخلط الشدة باللين، وارفق ما كان الرفق ابلغ، واعتزم‏بالشدة
حين لا يغني عنك الا الشدة‏». فخرج الاشتر من عند علي فاتى
رحله فتهيا للخروج الى مصر واتت معاوية‏عيونه فاخبروه بولاية
علي الاشتر، فعظم ذلك عليه وقد كان طمع في مصر فعلم ان
الاشتر ان قدمها كان اشد عليه من‏محمد بن ابي بكر، فبعث
معاوية الى المقدم على اهل الخراج بالقلزم وقال له: ان الاشتر
قد ولي مصر فان كفيتنيه لم آخذمنك خراجا ما بقيت وبقيت
فاحتل له بما قدرت عليه. فخرج الرجل حتى اتى القلزم واقام
به، وخرج الاشتر من العراق‏الى مصر، فلما انتهى الى القلزم
استقبله ذلك الرجل فعرض عليه النزول، فقال: هذا منزل وهذا
طعام وعلف وانا رجل‏من‏اهل الخراج. فنزل عنده فاتاه بطعام،
فلما اكل اتاه بشربة من عسل قد جعل فيها سما فسقاه اياها،
فلما شربها مات، واقبل‏معاوية يقول لاهل الشام: ان عليا وجه
الاشتر الى مصر فادعوا اللّه ان يكفيكموه. فكانوا كل يوم يدعون
اللّه على الاشتر،واقبل الذي سقاه الى معاوية فاخبره بمهلك
الاشتر، فقام معاوية خطيبا فحمد اللّه واثنى عليه وقال: اما بعد:
فانه كانت‏لعلي يمينان قطعت‏احداهما يوم صفين يعني عمار
بن ياسر، وقطعت الاخرى اليوم. يعني الاشتر((180)).
وفي لفظ ابن قتيبة في العيون (1/201): فقال معاوية لما بلغه
الخبر: يا بردها على الكبد ! ان للّه جنودا منها العسل. وقال‏علي:
لليدين وللفم((181)).
وفي لفظ المسعودي في المروج((182)) (2/39): ولى علي
الاشتر مصر وانفذه اليها في جيش، فلما بلغ ذلك معاوية دس
الى‏دهقان وكان بالعريش((183)) فارغبه وقال: اترك خراجك
عشرين سنة فاحتل للاشتر بالسم في طعامه. فلما نزل
الاشترالعريش سال الدهقان: اي الطعام والشراب احب اليه ؟
قيل: العسل. فاهدى له عسلا وقال: ان من امره وشانه كذاوكذا،
ووصفه للاشتر وكان الاشتر صائما فتناول منه شربة فما
استقرت في جوفه حتى تلف، واتى من كان معه على‏الدهقان
ومن كان معه. وقيل: كان ذلك بالقلزم والاول اثبت. فبلغ ذلك
عليا فقال: لليدين وللفم. وبلغ ذلك معاوية فقال:ان للّه جندا
من العسل.
قال الاميني : ها هنا تجد معاوية كيف لا يتحوب من ذلك
الحوب الكبير قتل العبد الصالح الممدوح بلسان رسول
اللّهوخليفته مولانا امير المؤمنين (ع)((184)). وانه‏واهل الشام
فرحوا فرحا شديدا، بموت ذلك البطل المجاهد((185))
لمحض انه كان‏يناصر امام وقته المنصوص عليه والمجمع على
خلافته، ولا غرو فانه كان يسر ابن هند كل ما ساء ملة الحق
وائمة الهدى‏واولياء الصلاح، وما كان يسعه ان ياتي بطامة اكبر
من هذه لو لم يكن في الاسلام للنفوس القادسة اي حرمة،
وللائمة (ع)ومناصريهم اي مكانة، حتى لو كان معاوية مستمرا
على ما داب عليه الى اخريات عهد النبوة من الكفر المخزي
فلم يحده‏الفرق من بارقة الاسلام الى الاستسلام، فما جاء
زبانيته الكفرة يومئذ بافظع من هذه وامثالها يوم قتلوا خيار
اصحاب‏محمد (ص) لمناصرتهم اياه، وحبهم ذوي قرباه،
ودفاعهم عن ناموس اهل بيته الاكرمين.

محمد بن ابي بكر
ومن ضحايا ملك معاوية العضوض، وذبائح حكومته الغاشمة،
وليد حرم امن اللّه، وربيب بيت العصمة والقداسة: محمدبن ابي
بكر.
بعث معاوية عمرو بن العاص الى مصر في ستة آلاف رجل،
ومحمد بن ابي بكر عامل امير المؤمنين عليها، فخرج
عمرووسار حتى نزل اداني ارض مصر فاجتمعت العثمانية اليه
فاقام بهم وكتب الى محمد بن ابي بكر:
اما بعد: فتنح عني بدمك يابن ابي بكر فاني لا احب ان يصيبك
مني ظفر، ان الناس بهذه البلاد قد اجتمعوا على
خلافك‏ورفض امرك، وندموا على اتباعك، فهم مسلموك لو قد
التقت حلقتا البطان، فاخرج منها فاني لك من
الناصحين.والسلام.
وبعث اليه عمرو بكتاب كتبه معاوية اليه ايضا وفيه:
اما بعد: فان غب البغي والظلم عظيم الوبال، وان سفك الدم
الحرام لا يسلم صاحبه من النقمة في الدنيا ومن التبعة
الموبقة‏في الاخرة، وانا لا نعلم احدا كان اعظم على عثمان
بغيا، ولا اسوا له عيبا، ولا اشد عليه خلافا منك، سعيت عليه
في‏الساعين ، وسفكت دمه في السافكين، ثم انت تظن اني
عنك نائم او ناس لك، حتى تاتي فتامر على بلاد انت فيها
جاري،وجل اهلها انصاري، يرون رايي، ويرقبون قولي،
ويستصرخوني عليك، وقد بعثت اليك قوما حناقا عليك
يستسقون‏دمك، ويتقربون الى اللّه بجهادك، وقد اعطوا اللّه
عهدا ليمثلن بك، ولو لم يكن منهم اليك ما عدا قتلك ما
حذرتك ولاانذرتك، ولاحببت ان يقتلوك بظلمك وقطيعتك
وعدوك على عثمان يوم يطعن بمشاقصك بين
خششائه((186)) واوداجه، ولكن‏اكره ان امثل بقرشي، ولن
يسلمك اللّه من القصاص ابدا اينما كنت. والسلام.
فطوى محمد كتابيهما وبعث بهما الى علي، وكتب الى معاوية
جواب كتابه:
اما بعد: فقد اتاني كتابك تذكرني من امر عثمان امرا لا اعتذر
اليك منه، وتامرني بالتنحي عنك كانك لي ناصح
وتخوفني‏المثلة كانك شفيق، وانا ارجو ان تكون لي الدائرة
عليكم فاجتاحكم في الوقيعة، وان تؤتوا النصر ويكن لكم الامر
في‏الدنيا فكم لعمري من ظالم قد نصرتم، ومن مؤمن قد
قتلتم ومثلتم به ! والى اللّه مصيركم ومصيرهم، والى اللّه مرد
الاموروهو ارحم الراحمين، واللّه المستعان على ما تصفون.
والسلام.
وكتب الى عمرو بن العاص:
اما بعد: فقد فهمت ما ذكرت في كتابك يابن العاص، زعمت
انك تكره ان يصيبني منك ظفر واشهد انك من
المبطلين،وتزعم انك لي نصيح واقسم انك عندي ظنين،
وتزعم ان اهل البلد قد رفضوا رايي وامري وندموا على اتباعي
فاولئك‏لك وللشيطان الرجيم اولياء، فحسبنا اللّه رب العالمين،
وتوكلنا على اللّه رب العرش العظيم. والسلام.
فاقبل عمرو بن العاص حتى قصد مصر، فقام محمد بن ابي بكر
في الناس فحمد اللّه واثنى عليه وصلى على رسوله ثم‏قال:
اما بعد: معاشر المسلمين والمؤمنين ! فان القوم الذين كانوا
ينتهكون الحرمة، وينعشون الضلالة، ويشبون نار
الفتنة،ويتسلطون بالجبرية قد نصبوا لكم العداوة وساروا اليكم
بالجنود، عباد اللّه ! فمن اراد الجنة والمغفرة فليخرج الى
هؤلاءالقوم فليجاهدهم في اللّه، انتدبوا الى هؤلاء رحمكم اللّه مع
كنانة بن بشر.
فانتدب مع كنانة نحو من الفي رجل وخرج محمد في الفي
رجل، واستقبل عمرو بن العاص كنانة وهو على مقدمة
محمد،فاقبل عمرو نحو كنانة، فلما دنا من كنانة شرح الكتائب
كتيبة بعد كتيبة، فجعل كنانة لا تاتيه كتيبة من كتائب اهل
الشام‏الا شد عليها بمن معه فيضربها حتى يقربها بعمرو بن
العاص، ففعل ذلك مرارا فلما راى ذلك عمرو بعث الى معاوية
بن‏حديج السكوني فاتاه في مثل الدهم((187)) فاحاط بكنانة
واصحابه، واجتمع اهل الشام عليهم من كل جانب، فلما راى
ذلك‏كنانة بن بشر نزل عن فرسه ونزل اصحابه وكنانة يقول:
وما كان لنفس ان تموت الا باذن اللّه كتابا مؤجلاومن يرد
ثواب‏الدنيا نؤته منها، ومن يرد ثواب الاخرة نؤته منها، وسنجزي
الشاكرين. فضاربهم بسيفه حتى استشهد رحمه اللّه.
واقبل عمرو بن العاص نحو محمد بن ابي بكر وقد تفرق عنه
اصحابه لما بلغهم‏قتل كنانة حتى بقي وما معه احد من‏اصحابه،
فلما راى ذلك محمد خرج يمشي في الطريق حتى انتهى الى
خربة في ناحية الطريق فاوى اليها، وجاء عمرو بن‏العاص حتى
دخل الفسطاط، وخرج معاوية بن حديج في طلب محمد حتى
انتهى الى علوج في قارعة الطريق فسالهم هل‏مر بكم احد
تنكرونه ؟ فقال احدهم: لا واللّه الا اني دخلت تلك الخربة فاذا
انا برجل فيها جالس. فقال ابن حديج: هوهو ورب الكعبة.
فانطلقوا يركضون حتى دخلوا عليه فاستخرجوه وقد كاد يموت
عطشا فاقبلوا به نحو فسطاط مصر، ووثب اخوه‏عبدالرحمن بن
ابي بكر الى عمرو بن العاص وكان في جنده فقال: اتقتل اخي
صبرا ؟ ابعث الى معاوية بن حديج فانهه.فبعث اليه عمرو بن
العاص يامره ان ياتيه بمحمد بن ابي بكر، فقال معاوية: اكذاك
قتلتم كنانة ابن بشر واخلي انا عن‏محمد بن ابي بكر ؟ هيهات
اكفاركم خير من اولئكم ام لكم براءة في الزبر ؟!
فقال لهم محمد: اسقوني من الماء. قال له معاوية بن حديج: لا
سقاه اللّه ان سقاك قطرة ابدا، انكم منعتم عثمان ان يشرب‏الماء
حتى قتلتموه صائما محرما فتلقاه اللّه بالرحيق المختوم، واللّه
لاقتلنك يابن ابي بكر فيسقيك اللّه الحميم والغساق.
قال له محمد: يابن اليهودية النساجة ليس ذلك اليك والى من
ذكرت انما ذلك الى اللّه عزوجل يسقي اولياءه ويظمئ
اعداءه‏انت وضرباؤك ومن تولاه، اما واللّه لو كان سيفي في يدي
ما بلغتم مني هذا. قال له معاوية: اتدري ما اصنع بك ؟
ادخلك‏في جوف حمار ثم احرقه عليك بالنار. فقال له محمد:
ان فعلتم بي ذلك فطالما فعل ذلك باولياء اللّه، واني لارجو
هذه النارالتي تحرقني بها ان يجعلها اللّه علي بردا وسلاما كما
جعلها على خليله ابراهيم، وان يجعلها عليك وعلى اوليائك
كما جعلهاعلى نمرود واوليائه، ان اللّه يحرقك ومن ذكرته قبل
وامامك يعني معاوية وهذا واشار الى عمرو بن العاص
بنارتلظ‏ى عليكم كلما خبت زادها اللّه سعيرا.
قال له معاوية: اني انما اقتلك بعثمان. قال له محمد: وما انت
وعثمان ؟ ان عثمان عمل بالجور ونبذ حكم القرآن، وقد قال
اللّهتعالى: ( ومن لم يحكم بما انزل اللّه فاولئك هم الفاسقون)
((188)). فنقمنا ذلك عليه فقتلناه وحسنت انت له ذلك
ونظراؤك، فقدبرانا اللّه ان شاء اللّه من ذنبه وانت شريكه في
اثمه وعظم ذنبه وجاعلك على‏مثاله. قال: فغضب معاوية
فقدمه فقتله ثم القاه‏في جيفة حمار ثم احرقه بالنار. فلما بلغ
ذلك عائشة جزعت عليه جزعا شديدا وقنتت عليه في دبر
الصلاة تدعو على‏معاوية وعمرو((189)).
وفي النجوم الزاهرة (1/110) وقيل: انه قطع راسه وارسله الى
معاوية بن ابي سفيان بدمشق وطيف به وهو اول راس‏طيف به
في الاسلام.
صورة اخرى :
وجه معاوية عمرو بن العاص في سنة ثمان وثلاثين الى مصر
في اربعة آلاف، ومعاوية بن حديج، وابو الاعور
السلمي،واستعمل عمرا عليها حياته فالتقوا هم ومحمد بن ابي
بكر وكان عامل علي عليها، بالموضع المعروف بالمسناة
فاقتتلواحتى قتل كنانة بن بشر، وهرب عند ذلك محمد
لاسلام اصحابه اياه وتركهم له، فاختبا عند رجل يقال له: جبلة
بن‏مسروق، فدل عليه، فجاء معاوية بن حديج واصحابه فاحاطوا
به، فخرج اليهم محمد بن ابي بكر فقاتل حتى قتل،فاخذه
معاوية بن حديج وعمرو بن العاص فجعلوه في جلد حمار
واضرموه بالنار، وذلك بموضع في مصر يقال له: كوم‏شريك.
وقيل: انه فعل به ذلك وبه شي‏ء من الحياة، وبلغ معاوية‏قتل
محمد واصحابه فاظهر الفرح والسرور. وبلغ علياقتل‏محمد
وسرور معاوية فقال: جزعنا عليه على قدر سرورهم، فما
جزعت على هالك منذ دخلت هذه الحرب جزعي عليه،كان لي
ربيبا وكنت اعده ولدا، كان بي برا، وكان ابن اخي((190)) فعلى
مثل هذا نحزن وعند اللّه نحتسبه((191)).
قدم عبدالرحمن الفزاري على علي (ع) من الشام وكان عينه
بها، وحدثه انه لم يخرج من الشام حتى قدمت البشراء من‏قبل
عمرو بن العاص تترى يتبع بعضها بعضا بفتح مصر وقتل محمد
وحتى اذن بقتله على المنبر، وقال: يا امير المؤمنين !قلما
رايت قوما قط اسر، ولا سرورا قط اظهر من سرور رايته بالشام
حين اتاهم هلاك‏محمد بن ابي بكر.
فقال علي: «اما ان حزننا عليه قدر سرورهم به بل يزيد اضعافا»،
وحزن علي على محمد بن ابي بكر حتى رؤي ذلك في‏وجهه
وتبين فيه، وقام في الناس خطيبا فحمد اللّه واثنى عليه وصلى
على رسوله (ص) وقال: «الا ان مصر قد افتتحهاالفجرة اولو
الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل اللّه وبغوا الاسلام عوجا، الا
وان محمد بن ابي بكر قد استشهد رحمه اللّهفعند اللّه نحتسبه،
اما واللّه ان كان ما علمت لممن ينتظر القضاء، ويعمل للجزاء،
ويبغض شكل الفاجر، ويحب هدى‏المؤمن‏». الخطبة((192)).
وقال ابو عمر: يقال: ان محمد بن ابي بكر اتي به عمرو بن
العاص فقتله صبرا. وروى شعبة وابن عيينة، عن عمرو
بن‏دينار، قال: اتي عمرو بن العاص‏بمحمد بن ابي بكر اسيرا
فقال: هل معك عهد ؟! هل معك عقد من احد ؟! قال: لا.
فامربه فقتل، وكان علي بن ابي طالب يثني على محمد بن ابي
بكر ويفضله لانه كانت له عبادة واجتهاد((193)).
وقال ابن حجر: قيل: انه اختفى في بيت امراة من غافق آواه فيه
اخوها، وكان الذي يطلبه معاوية بن حديج، فلقيتهم‏اخت
الرجل الذي كان آواه وكانت ناقصة العقل فظنت انهم يطلبون
اخاها فقالت: ادلكم على محمد بن ابي بكر على ان‏لا تقتلوا
اخي ؟ قالوا: نعم. فدلتهم عليه، فقال: احفظوني لابي بكر. فقال
معاوية: قتلت ثمانين من قومي في دم عثمان‏واتركك وانت
صاحبه ؟
تهذيب التهذيب((194))(9/80).
قال الاميني : ان امثال هذه الفظائع والفجائع لبمقربة من
مخازي ابن العاصي واذنابه، ومن مرضاة ابن آكلة الاكباد الذين
لم‏يبالوا باراقة الدماء الزاكية منذ بلغوا اشدهم، ولا سيما من
لدن مباشرتهم الحرب في صفين الى ان اصطلوا نار الحطمة
فلم‏يفتاوا والغين في دماء الاخيار الابرار دون شهواتهم
المخزية.
وهب ان محمدا نال من عثمان ما حسبوه، فعجيب ان ينهض
بثاره مثل معاوية‏المتثبط عنه يوم استنهضه عثمان حتى
قتل،وعمرو بن العاصي القائل المبتهج بقتله بقوله: انا ابو
عبداللّه قتلته وانا بوادي السباع. وقوله: انا ابو عبداللّه اذا
حككت‏قرحة نكاتها. وقوله: انا ابو عبداللّه قد يضرط العير
والمكواة في النار.
وكان يؤلب عليه حتى الراعي في غنمه في راس
الجبل((195)). وهلا ساق معاوية‏ذلك الحشد اللهام الى عائشة
الرافعة عقيرتهابين جماهير الصحابة: اقتلوا نعثلا قتله اللّه فقد
كفر. وامثالها من الكلم القارصة((196)). والى طلحة والزبير
وكانا اشد الناس‏عليه، وطلحة هو الذي منع عنه الماء في
حصاره، ومنع الناس عن تجهيزه، ومنعه ان يدفن الا في حش
كوكب جبانة‏اليهود. الى فظائع مر تفصيلها في الجزء التاسع
(92 110)، وقال الشهرستاني في الملل والنحل((197))
(ص‏25): كان امراءجنوده: معاوية عامل الشام، وسعد بن ابي
وق اص عامل الكوفة، وبعده الوليد بن عقبة، وعبداللّه بن عامر
عامل البصرة،وعبداللّه بن ابي سرح عامل مصر، وكلهم خذلوه
ورفضوه حتى اتى قدره عليه.
نعم ، هؤلاء قتلوه لكن معاوية لا يريد المقاصة الا من اولياء علي
(ع) فيستاصل شافتهم تحت كل حجر ومدر،ويستسهل فيهم
كل شقوة وقسوة، وليس له مع اضداد علي (ع) اي مقصد
صحيح، والا فاي حرمة لدم اجمعت الصحابة‏على سفكه ؟
واحتجت عليه بي الذكر الحكيم كما مر تفصيله في الجزء
التاسع (ص‏163 168، 205) لو لم يكن اتباع‏القوم بالصحابة
والاحتجاج بما قالوا وعملوا واعتبارهم فيهم العدالة جميعا
تسري مع الميول والشهوات، فيحتجون‏بدعوى اجماعهم على
خلافة ابي بكر ولم يكن هنالك اجماع ولا يحتجون به في
قتل عثمان، وقد ثبت فيه الاجماع.
وهب ان محمد بن ابي بكر هو قاتل عثمان الوحيد من دون اي
حجة ولا مبرر له وهو المحكوم عليه بالقصاص، وفي‏القصاص
حياة، فهل جاء في شريعة الاسلام قصاص كهذا بان يلقى
المقتص به في جيفة حمار ثم يحرق بالنار، ويطاف‏براسه في
البلاد ؟ هل هذا دين اللّه الذي كان يدين به محمد بن ابي بكر ؟
او دين هبل اله معاوية واله آبائه الشجرة الملعونة في القرآن ؟

(نحن نقص عليك نباهم بالحق )((198))، ( فسوف ياتيهم انباء
ما كانوا به يستهزئون )((199))، (ان الحكم الا للّه يقص
الحق وهو خير الفاصلين )((200)).

نظرة في مناقب ابن هند
لعلك الى هاهنا عرفت معاوية، وانه اي رجل هو، وانه كيف
كانت نفسياته وملكاته، وان رجلا كمثله لا يتبوا مقعده‏الاحيث
تنيخ شية العار، وفي مستوى السواة والبوائق، وان اي فضيلة
تلصقه به رواة السوء وتخط عنه الاقلام المستاجرة‏فهو حديث
افك نمقته الاهواء والشهوات، ولا يقام له في سوق الاعتبار
وزن، ولا في مبوا الحق مقيل، فظن‏خيرا ولاتسال عن الخبر.
اليس معاوية هو صاحب تلكم الموبقات والجراة على اللّه وعلى
الاسلام ونبيه وكتابه وسنته. سنة اللّه التي لا تبديل لها؟!

اليس هو الهاتك حرمات اللّه والمصغر قدر اوليائه، والمريق
دماءهم الزكية، والدؤوب على الظلم والجور بازهاق
النفوس‏البريئة من غير جرم؟ ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا
فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب اللّه عليه ولعنه واعد له
عذاباعظيما)((201)).
اليس هو من آذى اللّه ورسوله في الصالحين من رجالات الامة
وعدول الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان،
المحرمة‏دماؤهم واقدارهم وحرماتهم بزجهم الى اعماق
السجون، وابعادهم عن عقر دورهم واخافتهم ؟ ( ان الذين
يؤذون‏اللّهورسوله لعنهم اللّه في الدنيا والاخرة واعد لهم عذابا
مهينا # والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما
اكتسبوافقداحتملوا بهتانا وا ثما مبينا )((202)).
اليس هو من آذى رسول اللّه في اهل بيته باثارة الحرب على
صنوه ونفسه وخليفته حقا، وكان من واجبه ان يخضع
له‏ويتحرى مرضاته؟ (والذين يؤذون رسول اللّه لهم عذاب اليم
)((203)).
اليس هو الذي لم يراقب حرمة الرسول الاعظم في ذوي قرباه
وصغرها بسب‏ابي ولده، وامر الملا الديني بتلك
الجريمة‏الموبقة، واتخذها سنة متبعة، وقذف من طهره الجليل
بالافائك والمفتريات ؟
اليس هو السباق الاول في المثم الجمة المخزية ؟
اول من باع الخمر وشربها من الخلفاء ؟! والخمر وشاربها وبائعها
ومشتريها ملعون ملعون.
اول من اشاع الفاحشة في الملا الاسلامي ؟! ( ان الذين يحبون
ان تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب اليم في
الدنياوالاخرة واللّه يعلم وانتم لا تعلمون)((204)).
اول من احل الربا واكله ؟! واحل اللّه البيع وحرم الربا، ( الذين
ياكلون الربا لا يقومون الا كما يقوم الذي يتخبطه‏الشيطان‏من
المس )((205)) وآكل الربا وموكله ملعون بلسان النبي (ص).
اول من اتم الصلاة في السفر تقديسا لاحدوثة ابن عمه ؟!
اول من احدث الاذان في صلاة العيدين ؟!
اول من راى الجمع بين الاختين احياء لما ذهب اليه عثمان ؟!
اول من غير السنة في الديات وادخل فيها ما ليس منها ؟!
اول من ترك التكبير في الصلوات عند كل هوي وانتصاب وهي
سنة ثابتة ؟!
اول من ترك التلبية وامر به خلافا لعلي امير المؤمنين (ع)
العامل بسنة اللّه ورسوله ؟!
اول من قدم الخطبة على الصلاة في العيد لاسماع الناس سب
علي (ع) ؟! وقد صح عن نبي الاسلام: «من سب عليا فقدسبه،
ومن سبه فقد سب اللّه».
اول من عصى ربه بترك حدوده واقامة سنته ؟! ( ومن يعص
اللّه ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله‏عذاب‏مهين
)((206)).
اول من نقض حكم العاهر، واحيى طقوس الجاهلية، وخالف
دين محمد (ص) و «الولد للفراش وللعاهر الحجر» ؟!
اول من تختم باليسار ؟ فاخذ المروانية((207)) بذلك الى ان
نقله السفاح الى اليمين‏فبقى الى ايام الرشيد فنقله الى
اليسار((208)).
اول من سن سب علي (ع) وقنت به وجعله سنة جارية في
خلفه الذين اضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات، وشوه خطب‏المنابر
بذلك الحادث المخزي ؟!
اول من بغى على امام وقته وحاربه وقاتله وقتل امة كبيرة من
صلحاء الصحابة البدريين واهل بيعة الشجرة الذين رضي‏اللّه
عنهم ورضوا عنه ؟!
اول من اعط‏ى المال لوضع الحديث وتحريف كتاب اللّه وكلمته
الطيبة عن مواضعها ؟!
اول من اشترط البراءة من علي (ع) على من بايعه في خلافته
الغاشمة او في ملكه العضوض ؟!
اول من حمل اليه راس الصحابي العادل عمرو بن الحمق وادير
به في البلاد ؟!
اول من قتل عدول الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان من
عيون الامة وعبادها ونساكها لمحض ولائهم سيد العترة،وقد
جعله اللّه اجر رسالة نبيه الخاتم (ص) ؟!
اول من قتل نساء كل من والى اهل بيت النبي (ص) وذبح
صبيانهم ونهب اموالهم، ومثل قتلاهم وشتت شملهم،
وفرق‏جمعهم، واستاصل شافتهم، ونفاهم عن عقر دورهم،
وابادهم تحت كل حجر ومدر ؟!