قال ابراهيم: وخرج بسر من الطائف فاتى نجران فقتل عبداللّه
بن عبدالمدان وابنه مالكا، وكان عبداللّه هذا صهرا لعبيد اللّهبن
العباس، ثم جمعهم وقام فيهم، وقال: يا اهل نجران ! يا معشر
النصارى واخوان القرود ! اما واللّه ان بلغني عنكم ما
اكرهلاعودن عليكم بالتي تقطع النسل، وتهلك الحرث،
وتخرب الديار، وتهددهم طويلا، ثم سار حتى دخل ارحب فقتل
اباكرب وكان يتشيع ويقال: انه سيد من كان بالبادية من
همدان فقدمه فقتله، واتى صنعاء قد خرج عنها عبيداللّه بن
العباسوسعيد بن نمران، وقد استخلف عبيداللّه عليها عمرو بن
اراكة الثقفي، فمنع بسرا من دخولها وقاتله فقتله بسر
ودخلصنعاء فقتل منها قوما، واتاه وفد مارب فقتلهم فلم ينج
منهم الا رجل واحد ورجع الى قومه فقال لهم: انعى
قتلانا،شيوخا وشبانا.
قالابراهيم: وهذهالابيات المشهورة لعبد((65)) بن اراكة
الثقفي يرثي بهاابنه عمرا :
لعمري لقد اردى ابن ارطاة فارسا
بصنعاء كالليث الهزبر ابي الاجر
تعز فان كان البكا رد هالكا
على احد فاجهد بكاك على عمرو
ولا تبك ميتا بعد ميت احبة
علي وعباس وآل ابي بكر
قال: ثم خرج بسر من صنعاء فاتى اهل حبسان((66)) وهم
شيعة لعلي (ع) فقاتلهم وقاتلوه فهزمهم وقتلهم قتلا ذريعا،
ثمرجع الى صنعاء فقتل بها مائة شيخ من ابناء فارس لان ابني
عبيداللّه بن العباس كانا مستترين في بيت امراة من
ابنائهمتعرف بابنة بزرج. وكان الذي قتل بسر في وجهه ذلك
ثلاثين الفا، وحرق قوما بالنار، فقال يزيد بن مفرغ:
تعلق من اسماء ما قد تعلقا
ومثل الذي لاقى من الشوق ارقا
سقى منفخ الاكناف منبعج الكلى
منازلها من مشرقات فشرقا
الى الشرف الاعلى الى رامهرمز
الى قربات الشيخ من نهر اربقا
الى دست مارين الى الشط كله
الى مجمع السلان من بطن دورقا
الى حيث يرقى من دجيل سفينه
الى مجمع النهرين حيث تفرقا
الى حيث سار المرء بسر بجيشه
فقتل بسر ما استطاع وحرقا
قال: ودعا علي (ع) على بسر فقال: «اللهم ان بسرا باع دينه
بالدنيا، وانتهكمحارمك، وكانت طاعة مخلوق فاجر آثرعنده
مما عندك، اللهم فلا تمته حتى تسلبه عقله، ولا توجب له
رحمتك، ولا ساعة من نهار، اللهم العن بسراوعمراومعاوية،
وليحل عليهم غضبك، ولتنزل بهم نقمتك، وليصبهم باسك
وزجرك الذي لا ترده عن القوم المجرمين».فلم يلبث بسر بعد
ذلك الا يسيرا حتى وسوس وذهب عقله، فكان يهذي بالسيف
ويقول: اعطوني سيفا اقتل به. لا يزاليردد ذلك حتى اتخذ له
سيف من خشب، وكانوا يدنون منه المرفقة فلا يزال يضربها
حتى يغشى عليه فلبث كذلك الى انمات((67)).
وفي شرح ابن ابي الحديد((68)) (3/15): روى ابو الحسن علي
بن محمد بن ابي سيف المدائني [ في كتاب الاحداث، قال
:كتب معاوية نسخة واحدة الى عماله بعد عام الجماعة: ان
برئت الذمة ممن روى شيئا]((69)) من فضل ابي تراب واهل
بيته،فقامت الخطباء في كل كورة وعلى كل منبر يلعنون عليا
ويبرؤون منه ويقعون فيه وفي اهل بيته، وكان اشد
الناسبلاءحينئذ اهل الكوفة لكثرة من بها من شيعة علي (ع)
فاستعمل عليهم زياد بن سمية وضم اليه البصرة، فكان
يتتبعالشيعة وهو بهم عارف لانه كان منهم ايام علي (ع)
فقتلهم تحت كل حجر ومدر واخافهم، وقطع الايدي والارجل،
وسملالعيون، وصلبهم على جذوع النخل، وطردهم وشردهم
عن العراق، فلم يبق بها معروف منهم. وكتب معاوية الى عماله
فيجميع الافاق: ان لا يجيزوا لاحد من شيعة علي واهل بيته
شهادة. وكتب اليهم: ان انظروا من قبلكم من شيعة عثمان
ومحبيهواهل ولايته والذين يروون فضائله ومناقبه فادنوا
مجالسهم وقربوهم واكرموهم واكتبوا لي بكل ما يروي كلرجل
منهمواسمه واسم ابيه وعشيرته. ففعلوا ذلك حتى اكثروا في
فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه اليهم معاوية من
الصلاتوالكساء والحباء والقطائع، ويفيضه في العرب منهم
والموالي، فكثر ذلك في كل مصر وتنافسوا في المنازل والدنيا،
فليسيجيء احد مردود من الناس عاملا من عمال معاوية
فيروي في عثمان فضيلة او منقبة الا كتب اسمه وقربه وشفعه
فلبثوابذلك حينا، ثم كتب الى عماله: ان الحديث في عثمان
قد كثر وفشا في كل مصر وفي كل وجه وناحية، فاذا جاءكم
كتابي هذافادعوا الناس الى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء
الاولين ولا تتركوا خبرا يرويه احد من المسلمين في ابي
ترابالاوتاتوني بمناقض له في الصحابة مفتعلة، فان هذا احب
الي، واقر لعيني، وادحض لحجة ابي تراب وشيعته، واشد
اليهممن مناقب عثمان وفضله.
ثم كتب الى عماله نسخة واحدة الى جميع البلدان: انظروا الى
من قامت عليهالبينة انه يحب عليا واهل بيته فامحوه
منالديوان واسقطوا عطاءه ورزقه، وشفع ذلك بنسخة اخرى:
من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به واهدموا داره.
فلميكن البلاء اشد ولا اكثر منه بالعراق ولا سيما بالكوفة حتى
ان الرجل من شيعة علي (ع) لياتيه من يثق به فيدخل
بيتهفيلقي اليه سره ويخاف من خادمه ومملوكه ولا يحدثه
حتى ياخذ عليه الايمان الغليظة ليكتمن عليه، فظهر حديث
كثيرموضوع وبهتان منتشر. الى آخره.
استخلف زياد على البصرة سمرة بن جندب لما كتب معاوية
الى زياد بعهده على الكوفة والبصرة، فكان زياد يقيم ستةاشهر
بالكوفة وستة اشهر بالبصرة، وسمرة من الذين اسرفوا في القتل
على علم من معاوية بل بامر منه.
اخرج الطبري من طريق محمد بن سليم، قال: سالت انس بن
سيرين: هل كان سمرة قتل احدا ؟ قال: وهل يحصى منقتل
سمرة بن جندب ؟ استخلفه زياد على البصرة واتى الكوفة فجاء
وقد قتل ثمانية آلاف من الناس، فقال له معاوية: هلتخاف ان
تكون قد قتلتاحدا بريئا؟ قال: لو قتلت اليهممثلهم ما
خشيت،او كما قال.
قال ابو سوار العدوي: قتل سمرة من قومي في غداة سبعة
واربعين رجلا قد جمع القرآن.
وروى باسناده عن عوف، قال: اقبل سمرة من المدينة فلما كان
عند دور بني اسد خرج رجل من ازقتهم ففجا اوائل
الخيلفحمل عليه رجل من القوم فاوجره الحربة، قال: ثم
مضت الخيل فاتى عليه سمرة بن جندب وهو متشحط في
دمهفقال: ما هذا؟ قيل: اصابته اوائل خيل الامير. قال: اذا
سمعتم بنا قد ركبنا فاتقوا اسنتنا((70)).
اعطى معاوية سمرة بن جندب من بيت المال اربعمائة الف
درهم على ان يخطب في اهل الشام بان قوله تعالى:
(ومنالناس من يعجبك قوله في الحياة الدنياويشهد اللّه على
ما في قلبه وهو الد الخصام # واذا تولى سعى
فيالارضليفسدفيها ويهلك الحرث والنسل واللّه لا يحب
الفساد )((71)) انها نزلت في علي بن ابي طالب (ع). وان قوله
تعالى: (ومنالناس م ن يشري نفسه ابتغاء مرضات اللّه )((72)).
نزل في ابن ملجم اشقى مراد((73)).
واخرج الطبري من طريق عمر بن شبه، قال: مات زياد وعلى
البصرة سمرة ابن جندب خليفة له، فاقر سمرة على
البصرةثمانية عشر شهرا. قال عمر: وبلغني عن جعفر الضبعي
قال: اقر معاوية سمرة بعد زياد ستة اشهر ثم عزله، فقال سمرة:
لعناللّه معاوية واللّه لو اطعت اللّه كما اطعت معاوية ما عذبني
ابدا.
وروى من طريق سليمان بن مسلم العجلي، قال: سمعت ابي
يقول: مررت بالمسجد فجاء رجل الى سمرة فادى زكاة ماله،ثم
دخل فجعل يصلي في المسجد، فجاء رجل فضرب عنقه فاذا
راسه في المسجد وبدنه ناحية، فمر ابو بكرة فقال: يقولاللّه
سبحانه: ( قد افلح من تزكى # وذكر اسم ربه فصلى )((74)).
قال ابي: فشهدت ذلك فما مات سمرة حتى اخذه
الزمهرير،فمات شر ميتة. قال: وشهدته واتي بناس كثير واناس
بين يديه فيقول للرجل: ما دينك ؟ فيقول: اشهد ان لا اله الا
اللّهوحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله، واني بريء من
الحرورية. فيقدم فيضرب عنقه حتى مر بضعة وعشرون.
تاريخ الطبري((75)) (6/164).
وفي مقدم عمال معاوية الحاملين عداء سيد العترة، المهاجمين
شيعة آل اللّه بكلقوى متيسرة: زياد بن سمية، ومن الزائدجدا
بحثنا عن جرائمه الوبيلة التي حفظها له التاريخ، واسودت بها
صفحات تاريخه، ولا بدع وهو وليد البغاء
منالادعياءالمشهورين، ربيب حجر سمية البغي، والاناء انما
يترشح بما فيه، والشوك لا يثمر العنب، وقد صدق النبيالكريم
فيقوله (ص) في السبطين ووالديهما: «لا يحب هم الا سعيد
الجد طيب المولد، ولا يبغضهم الا شقي الجد ردي
المولد».وكان السلف يبور اولادهم((76)) بحب علي (ع) فمن
كان لا يحبه علموا انه لغير رشدة((77)). فلا تعجب من
الدعي ومن كتابهالقارص الى الامام السبط الحسن الزكي (ع)
قد شفع اليه في رجل من شيعته. قال ابن عساكر: كان سعد بن
سرح مولىحبيب بن عبدشمس من شيعة علي بن ابي طالب،
فلما قدم زياد الكوفة واليا عليها اخافه وطلبه زياد، فاتى
الحسن ابنعلي فوثب زياد على اخيه وولده وامراته وحبسهم
واخذ ماله وهدم داره، فكتب الحسن الى زياد: «من الحسن بن
عليالى زياد. اما بعد: فانك عمدت الى رجل من المسلمين له
ما لهم وعليه ما عليهم، فهدمت داره، واخذت ماله
وعيالهفحبستهم، فاذا اتاك كتابي هذا فابن له داره، واردد
عليه عياله وماله، فاني قد اجرته فشفعني فيه». فكتب اليه زياد:
من زياد بن ابي سفيان الى الحسن بن فاطمة. اما بعد: فقد
اتاني كتابك تبدا فيه بنفسك قبلي وانت طالب حاجة
واناسلطان، وانت سوقة كتبت الي في فاسق لا يؤبه به، وشر من
ذلك توليه اباك واياك، وقد علمت انك ادنيته اقامة منكعلى
سوء الراي ورضى منك بذلك، وايم اللّه لا تسبقني به، ولو كان
بين جلدك ولحمك، وان نلت بعضك فغير رفيق بكولا مرع
عليك، فان احب لحم الي ان آكل منه اللحم الذي انت منه،
فسلمه بجريرته الى من هو اولى به منك، فان عفوتعنه لم
اكنشفعتك فيه، وان قتلته لم اقتله الا لحبه اباك الفاسق،
والسلام((78)).
ولما بلغ موته ابن عمر قال: يابن سمية لا الاخرة ادركت ولا
الدنيا بقيت عليك.
كان زياد جمع الناس بالكوفة بباب قصره يحر ضهم على لعن
علي (ع). وفي لفظ البيهقي: يحرضهم على البراءة من عليكرم
اللّه وجهه، فملا منهم المسجد والرحبة فمن ابى ذلك عرضه
على السيف. وعن المنتظم لابن الجوزي((79)): ان زيادالما
حصبهاهل الكوفة وهو يخطب على المنبر قطع ايدي ثمانين
منهم، وهم ان يخرب دورهم، ويجمر نخلهم، فجمعهم حتى
ملا بهمالمسجد والرحبة يعرضهم على البراءة من علي(ع)،
وعلم انهم سيمتنعون فيحتج بذلك على استئصالهم واخراب
بلدهم.فذكر عبدالرحمن بن السائب، قال: احضرت فصرت الى
الرحبة ومعي جماعة من الانصار، فرايت شيئا في منامي
واناجالس في الجماعة وقد خفقت، وهو اني رايت شيئا طويلا
قد اقبل فقلت: ما هذا ؟ فقال: انا النقاد ذو الرقبة بعثت
الىصاحب هذا القصر، فانتبهت فزعا فما كان الا مقدار ساعة
حتى خرج خارج من القصر فقال: انصرفوا فان الامير
عنكممشغول، واذا به قد اصابه ما ذكرنا من البلاء، وفي ذلك
يقول عبداللّه بن السائب:
ما كان منتهيا عما اراد بنا
حتى تاتى له النقاد ذو الرقبه
فاسقط الشق منه ضربة ثبتت
لما تناول ظلما صاحب الرحبه((80))
قال الاميني : هلم معي نقرا هذه الصحائف السوداء المحشوة
بالمخازي وشية العار، المملوة بالموبقات والبوائق، فننظر هل
فيالشريعة البيضاء، او في نواميس البشرية، او في طقوس
العدل مساغ لشيء منها ؟ دع ذلك كله هل تجد في
عاداتالجاهلية مبررا لشيء من تلكم الهمجية ؟ وهل فعل
اولئك الاشقياء الاشداء في ايامهم المظلمة فعلا يربو على
مخاريق ابنهند ؟ لا. وانك لا تسمع عن احد ممن يحمل
عاطفة انسانية، ولا اقول ممن يعتنق الدين الحنيف فحسب،
يستبيح شيئامنذلك او يحبذ مخزاة من تلكم المخازي، وهل
تجد معاوية وهذه جناياته من مصاديق قوله تعالى: ( محمد
رسول اللّهوالذ ينمعه اشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا
سجدا يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا سيماهم في وجوههم
مناثر السجود )الاية((81))؟
فهلترىابنابيسفيانخارجاعنهم؟فليسهومنرسولاللّه (ص)
ولا ممن معه، ولا رحيما بهم، اوان من ناواه وعاداه وسبه وآذاه
وقتله وهتكه خارجون عن ربقة الاسلام؟
فهو شديد عليهم وهم خيرة امة محمد المسلمة، تراهم ركعا
سجدا يبتغون فضلا من اللّه ورضوانا. فالحكم للنصفة لاغيرها.
كان هاهنا نسيت ثارات عثمان وعادت تبعة اولئك
المضطهدين محض ولاء علي امير المؤمنين (ع) وقد قرن اللّه
ولايتهبولايته وولاية رسوله، وحبهم لمن يحبه اللّه ورسوله،
وطاعتهم لمن فرض اللّه طاعته، وودهم من جعل اللّه وده
اجرالرسالة. فلم يقصد معاوية وعماله احدا بسوء الا هؤلاء،
فطفق يرتكب منهم ما لايرتكب الا من اهل الردة والمحادة
للّهولرسوله. فكان الطريد اللعين ابن الطريد اللعين مروان،
وازنى ثقيف مغيرة بن شعبة، واغيلمة قريش الفسقة
فيامنودعة، وكان يولي لاعماله الزعانفة الفجرة اعداء اهل
بيت الوحي: بسر بن ارطاة، ومروان بن الحكم، ومغيرة
بنشعبة، وزياد بن ابيه، وعبداللّه الفزاري، وسفيان بن عوف،
والنعمان بن بشير، والضحاك بن قيس، وسمرة بن
جندب،ونظراءهم، يستعملهم على عباد اللّه وهو يعرفهم حق
المعرفة ولا يبالي بقول رسول اللّه (ص): «من تولى من
امرالمسلمين شيئا فاستعمل عليهم رجلا وهو يعلم ان فيهم
من هو اولى بذلك واعلم بكتاب اللّه وسنة رسوله فقد خان
اللّهورسوله وجميع المؤمنين»((82)). فكانوا يقترفون السيئات،
ويجترحون المثم بامر منه ورغبة، ولم تكن عنده حريجة
منالدين تزعه عن تلكم الجرائم، فامر بالاغارة على مكة
المكرمة وقد جعلها اللّه بلدا آمنا يامن من حل بها وان كان
كافرا،ولاهلها وطيرها ووحشها ونباتها حرمات عند اللّه، وهي
التي حقنت دم ابي سفيان ومن على شاكلته من حاملي
الويةالكفر والالحاد، فكان رسول اللّه (ص) يرعاها كل الرعاية
يوم الفتح وغيره، فما عامل اهلها هو وجيشه الفاتح الا
بكلجميل، وكان (ص) يقول: «ان هذا بلد حرم اللّه يوم خلق
السموات والارض، وهو حرام بحرمة اللّه الى يوم القيامة، وانهلم
يحل القتال فيه لاحد قبلي، ولم يحل لي الا ساعة من نهار، فهو
حرام بحرمة اللّه الى يوم القيامة، لا يعضد شوكه، ولا ينفرصيده،
ولا يلتقط لقطته الا من عرفها ولا يختلى خلاها»((83)).
وقال (ص): «ان مكة حرمها اللّه ولم يحرمها الناس، فلا يحل
لامرى يؤمنباللّه واليوم الاخر ان يسفك بها دما، ولا يعضدبها
شجرة، فان احد ترخص لقتال رسول اللّه (ص) فقولوا له: ان اللّه
اذن لرسوله (ص) ولم ياذن لكم، وانما اذن لي
ساعةمننهار،وقد عادتحرمتها اليوم كحرمتها بالامس،
وليبلغالشاهد الغائب»((84)).
وامر ابن هند بالاستحواذ على مدينة الرسول (ص) واخافة اهلها
والوقيعة فيهم واستقراء من يوجد فيها من شيعةعليامير
المؤمنين صلوات اللّه عليه، وللمدينةالمنو رة في الاسلام
حرمتها الثابتة، ولنبيه (ص) فيها قوله الصادق: «المدينةحرم ما
بين عائر الى كذا، من احدث فيها حدثا((85)) او آوى محدثا
فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين، لا يقبل منهصرف
ولا عدل، ذمة المسلمين واحدة، فمن اخفر مسلما فعليه لعنة
اللّه والملائكة والناس اجمعين، لا يقبل منه صرف
ولاعدل»((86)) .
وقوله (ص): «لا يكيد اهل المدينة احد الا انماع كما ينماع
الملح في الماء»((87)).
وقوله (ص): «لا يريد احد اهل المدينة بسوء الا اذابه اللّه في النار
ذوب الرصاص او ذوب الملح في الماء»((88)).
وقوله (ص): «اللهم ان ابراهيم حرم مكة فجعلها حرما واني
حرمت المدينة حراما ما بين مازميها، ان لا يهراق فيها دم،ولا
يحمل فيها سلاح لقتال، ولا تخبط فيها شجرة الا
لعلف»((89)).
وقوله (ص): «من اراد اهل هذه البلدة بسوء يعني المدينة
اذابه اللّه كمايذوب الملح في الماء». وفي لفظ سعد: «مناراد
اهل المدينة بسوء اذابه اللّه...»((90)).
وقوله (ص): «المدينة حرم من كذا الى كذا، لا يقطع شجرها،
ولا يحدث فيهاحدث، من احدث حدثا فعليه لعنة اللّهوالملائكة
والناس اجمعين»((91)).
وقوله (ص): «ايما جبار اراد المدينة بسوء اذابه اللّه تعالى كما
يذوب الملح في الماء». وفي لفظ: «من اراد اهل هذه
البلدةبدهم او بسوء»((92)).
وقوله (ص): فيما اخرجه الطبراني((93)) برجال الصحيح:
«اللهم من ظلم اهل المدينة واخافهم فاخفه، وعليه لعنة
اللّهوالملائكة والناس اجمعين، لا يقبل منه صرف ولا
عدل»((94)).
وقوله (ص): «من اخاف اهل المدينة اخافه اللّه يوم القيامة،
وغضب عليه، ولم يقبل منه صرفا ولا عدلا»((95)).
وقوله (ص) فيما اخرجه النسائي((96)): «من اخاف اهل
المدينة ظالما لهم اخافه اللّه، وكانت عليه لعنة اللّه»((97)).
وفي لفظ ابنالنجار: «من اخاف اهل المدينة ظلما اخافه اللّه
وعليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين».
وقوله (ص): «من اخاف اهل المدينة فقد اخاف ما بين جنبي».
اخرجه احمد في مسنده((98)) (3/354) بالاسناد عن جابربن
عبداللّه: ان اميرا من امراء الفتنة قدم المدينة وكان قد ذهب
بصر جابر فقيل لجابر: لو تنحيت عنه، فخرج يمشي بينابنيه
فنكب فقال: تعس من اخاف رسول اللّه (ص). فقال ابناه او
احدهما: يا ابت !وكيف اخاف رسول اللّه (ص) وقدمات ؟ قال:
سمعت رسول اللّه (ص) يقول: «من اخاف...» الحديث.
قلت: الامير المشار اليه هو بسر بن ارطاة كما في وفاء الوفا
للسمهودي((99)) (1/31) وصحح الحديث.
وقوله (ص) فيما اخرجه الطبراني في الكبير((100)): «من آذى
اهل المدينة آذاه اللّه، وعليه لعنة اللّه والملائكة والناس
اجمعين،ولا يقبل منه صرف ولا عدل».
وفاء الوفا((101)) (1/32).
نعم ، ان بسرا لم يلو على شيء من ذلك وانما اؤتمر بما سول له
معاوية من هتك الحرمات بقتل الرجال، وسبي النساء،
وذبحالاطفال، وهدم الديار، وشتم الاعراض، وما رعى لرسول
اللّه (ص) الا ولا ذمة في مجاوري حرم امنه، وساكني
حماهالمنيع فخفر ذمته كما هتك حرمته، واستخف بجواره ،
وآذاه باباحة حرمة حرم اللّه تعالى، ( و الذين يؤذون رسولاللّه ل
همعذاب اليم )((102)) ( ان الذين يؤذون اللّه ورسوله لعنهم
اللّه في الدن يا والاخرة )((103))، فيالها من جراة تقحم
صاحبها في المحادة للّهولرسوله (ص) ودينه القويم.
كما ان يزيد كان يحذو حذو ابيه في جرائمه الوبيلة وشن الغارة
على اهل المدينة المشرفة، وبعث مسلم بن عقبة الهاتكالفاتك
الى هتك ذلك الجوار المقدس بوصية من والده الاثم.
قال السمهودي في وفاء الوفا((104)) (1/91): واخرج ابن ابي
خيثمة ، بسند صحيح الى جويرية بنت اسماء: سمعت
اشياخالمدينة يتحدثون ان معاوية (رضىا...عنه) لما احتضر دعا
يزيد فقال له: ان لك من اهل المدينة يوما فان فعلوا
فارمهمبمسلم بن عقبة فاني عرفت نصيحته. فلما ولي يزيد
وفد عليه عبداللّه بن حنظلة وجماعة، فاكرمهم واجازهم،
فرجعفحرض الناس على يزيد وعابه ودعاهم الى خلع يزيد
فاجابوه، فبلغ ذلك يزيد فجهز اليهم مسلم بن عقبة. الى آخره.
واخرجهالبلاذريفيانسابالاشراف((105))(5/43)بلفظابسط
منلفظ السمهودي.
معاوية وحجر بن عدي واصحابه
ان معاوية استعمل مغيرة بن شعبة على الكوفة سنة احدى
واربعين، فلما امرهعليها دعاه وقالله: امابعد:
فانلذيالحلمقبلاليوم ماتقرع العصا. وقد قالالمتلمس:
لذي الحلم قبل اليوم ما تقرع العصا
وما علم الانسان الا ليعلما
وقد يجزي عنك الحكيم بغير التعليم، وقد اردت ايصاءك باشياء
كثيرة فانا تاركها اعتمادا على بصرك بما يرضيني،
ويسعدسلطاني، ويصلح رعيتي، ولست تارك ايصائك بخصلة:
لا تقهم عن شتم علي وذمه، والترحم على عثمان والاستغفار
له،والعيب على اصحاب علي والاقصاء لهم، وترك الاستماع
منهم، واطراء شيعة عثمان رضوان اللّه عليه والادناء
لهم،والاستماع منهم. فقال المغيرة: قد جربت وجربت وعملت
قبلك لغيرك، فلم يذمم بي رفع ولا وضع، فستبلو فتحمد
اوتذم. ثم قال: بل نحمد ان شاء اللّه. فاقام المغيرة عاملا على
الكوفة سبع سنين واشهرا وهو من احسن شيء سيرة واشدهحبا
للعافية، غير انه لا يدع شتم علي والوقوع فيه والعيب لقتلة
عثمان واللعن لهم، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار
لهوالتزكية لاصحابه، فكان حجر بن عدي اذا سمع ذلك قال:
بل اياكم فذم اللّه ولعن، ثم قام وقال: ان اللّهغ يقول: (
كونواقوامين بالقسط شهداء للّه )((106)) وانا اشهد ان من
تذمون وتعيرون لاحق بالفضل، وان من تزكون وتطرون اولى
بالذم.فيقول له المغيرة:يا حجر لقد رمي بسهمك اذ كنت انا
الوالي عليك، يا حجر ويحك اتق السلطان، اتق غضبه
وسطوته،فان غضب السلطان احيانا مما يهلك امثالك كثيرا، ثم
يكف عنه ويصفح، فلم يزل حتى كان في آخر امارته قام
المغيرةفقال في علي وعثمان كما كان يقول وكانت مقالته:
اللهم ارحم عثمان بن عفان، وتجاوز عنه واجزه باحسن عمله،
فانه عملبكتابك واتبع سنة نبيك (ص)، وجمع كلمتنا، وحقن
دماءنا، وقتلمظلوما((107))، اللهم فارحم انصاره واولياءه
ومحبيهوالطالبين بدمه. ونال من علي بن ابي طالب (ع) ولعنه
ولعن شيعته، فوثب حجر فنعر نعرة اسمعت كل من كان في
المسجدوخارجه وقال: انك لا تدري بمن تولع من هرمك ايها
الانسان مر لنا بارزاقنا واعطياتنا فانك قد حبستها عنا ولم
يكنذلك لك، ولم يكن يطمع في ذلك من كان قبلك، وقد
اصبحت مولعا بذم امير المؤمنين، وتقريظ المجرمين. فقام معه
اكثر منثلثي الناس يقولون: صدق واللّه حجر وبر، مر لنا بارزاقنا
واعطياتنا فانا لا ننتفع بقولك هذا ولا يجدي علينا شيئا.واكثروا
في مثل هذا القول، فنزل المغيرة فدخل القصر فاستاذن عليه
قومه فاذن لهم فقالوا: علام تترك هذا الرجل يقولهذه المقالة
ويجترئ عليك في سلطانك هذه الجراة ؟ فيوهن سلطانك،
ويسخط عليك امير المؤمنين معاوية، وكان اشدهمله قولا في
امر حجر والتعظيم عليه عبداللّه بن ابي عقيل الثقفي، فقال
لهم المغيرة: اني قد قتلته انه سياتي امير بعديفيحسبه مثلي
فيصنعبه شبيها بما ترونه يصنع بي، فياخذه عند اول وهلة
فيقتله شر قتلة، انه قد اقترب اجلي، وضعفعملي، ولا احب ان
ابتدئ اهل هذا المصر بقتل خيارهم وسفك دمائهم، فيسعدوا
بذلك واشقى، ويعز في الدنيا معاوية،ويذل يوم القيامة المغيرة.
ثم هلك المغيرة سنة (51) فجمعت الكوفة والبصرة لزياد ابن
سمية فاقبل زياد حتى دخل القصر بالكوفة ووجه الىحجر
فجاءه، وكان له قبل ذلك صديقا، فقال له: قد بلغني ما كنت
تفعله بالمغيرة فيحتمله منك واني واللّه لا احتملك علىمثل
ذلك ابدا، ارايت ما كنت تعرفني به من حب علي ووده، فان اللّه
قد سلخه من صدري فصيره بغضا وعداوة، وما كنتتعرفني به
من بغض معاوية وعداوته فان اللّه قد سلخه من صدري وحوله
حبا ومودة، واني اخوك الذي تعهد، اذا اتيتنيوانا جالس للناس
فاجلس معي على مجلسي، واذا اتيت ولم اجلس للناس
فاجلس حتى اخرج اليك، ولك عندي في كليوم حاجتان:
حاجة غدوة، وحاجة عشية، انك ان تستقم تسلم لك دنياك
ودينك، وان تاخذ يمينا وشمالاتهلك نفسك،وتشط عندي
دمك، اني لا احب التنكيل قبل التقدمة، ولا آخذ بغير حجة،
اللهم اشهد. فقال حجر: لن يرىالامير منيالا مايحب وقد نصح
وانا قابل نصيحته.ثم خرج من عنده.
ولما ولي زياد، جمع اهل الكوفة فملا منهم المسجد والرحبة
والقصر ليعرضهمعلى البراءة من علي((108))، فقام في
الناسوخطبهم ثم ترحم على عثمان واثنى على اصحابه ولعن
قاتليه، فقام حجر ففعل مثل الذي كان يفعل بالمغيرة، وكان
زياديقيم ستة اشهر في الكوفة وستة اشهر في البصرة، فرجع
الى البصرة واستخلف على الكوفة عمرو بن حريث،
فبلغهانحجرا يجتمع اليه شيعة علي ويظهرون لعن معاوية
والبراءة منه، وانهم حصبوا عمرو بن حريث فشخص الى
الكوفةحتى دخلها فاتى القصر فدخله ثم خرج فصعد المنبر
وعليه قباء سندس ومطرف خز اخضر قد فرقشعره
وحجرجالسفي المسجد حوله اصحابه اكثر ما كانوا، فصعد
المنبر وخطب وحذر الناس وقال: اما بعد: فان غب البغي
والغيوخيم، انهؤلاء جم وا فاشروا، وامنوني فاجترؤوا على اللّه،
وايم اللّه لئن لم تستقيموا لاداوينكم بدوائكم، ولست بشيء ان
لم امنعباحة الكوفة من حجر، وادعه نكالا لمن بعده، ويل امك
يا حجر سقط العشاء بك على سرحان((109)).
ثم قال لشداد بن الهيثم الهلالي امير الشرطة: اذهب فاتني
بحجر، فذهب اليه فدعاه فقال اصحابه: لا ياتيه ولا كرامةفسبوا
الشرط فرجعوا الى زياد فاخبروه، فقال: يا اشراف اهل الكوفة
اتشجون بيد وتاسون باخرى ؟ ابدانكم عنديواهواؤكم مع هذا
الهجاجة المذبوبة((110)). وفي الكامل((111)): ابدانكم معي
وقلوبكم مع حجر الاحمق. واللّه ليظهرن لي براءتكماو لاتينكم
بقوم اقيم بهم اودكم وصعركم. فقالوا: معاذ اللّه ان يكون لنا
راي الا طاعتك وما فيه رضاك. قال: فليقم كلرجل منكم
فليدع من عند حجر من عشيرته واهله. ففعلوا واقاموا اكثر
اصحابه عنه، وقال زياد لصاحب شرطته:انطلق الى حجر فان
تبعك فاتني به والا فشدوا عليهم بالسيوف حتى تاتوني به،
فاتاه صاحب الشرطة يدعوه فمنعهاصحابه من اجابته فحمل
عليهم، فقال ابو العمرطة الكندي لحجر: انه ليس معك رجل
معه سيف غيري فما يغني سيفي ؟قم فالحق باهلك يمنعك
قومك.
فقام وزياد ينظر اليهم وهو على المنبر وغشيهم اصحاب زياد
فضرب رجل من الحمراء يقال له بكر بن عبيد راس عمروبن
الحمق بعمود فوقع وحمله رجلان من الازد واتيا به دار رجل
يقال له عبيداللّه بن موعد((112)) الازدي،
وضرببعضالشرطة يد عائذ بن حملة التميمي وكسر نابه،
واخذ عمودا من بعض الشرط فقاتل به وحمى حجرا واصحابه
حتىخرجوا من ابواب كندة.
مضى حجر وابو العمرطة الى دار حجر واجتمع اليهما ناس
كثير ولم ياته من كندة كثير احد، فارسل زياد وهو على
المنبرمذحج وهمدان الى جبانة كندة وامرهم ان ياتوه بحجر،
وارسل سائر اهل اليمن الى جبانة الصائدين وامرهم ان يمضوا
الىصاحبهم حجر فياتوه به، ففعلوا فدخل مذحج وهمدان الى
جبانة كندة فاخذوا كل من وجدوا، فاثنى عليهم زياد، فلماراى
حجر قلة من معه امرهم بالانصراف وقال لهم: لا طاقة لكم
بمن قد اجتمع عليكم وما احب ان تهلكوا، فخرجوافادركهم
مذحج وهمدان فقاتلوهم واسروا قيس بن يزيد ونجا الباقون،
فاخذ حجر طريقا الى بني حوت فدخل داررجل منهم يقال له
سليم بن يزيد، وادركه الطلب فاخذ سليم سيفه ليقاتل، فبكت
بناته فقال حجر: بئسما ادخلت علىبناتك اذا قال: واللّه لا تؤخذ
من داري اسيرا ولا قتيلا وانا حي، فخرج حجر من خوخة في
داره، فاتى النخع فنزل دارعبداللّه بن الحارث اخي الاشتر
فاحسن لقاءه فبينما هو عنده اذ قيل له: ان الشرط تسال عنك
في النخع. وسبب ذلك انامة سوداء لقيتهم فقالت: من
تطلبون ؟ فقالوا: حجر بن عدي. فقالت: هو في النخع. فخرج
حجر من عنده فاتى الازدفاختفى عند ربيعة بن ناجد، فلما
اعياهم طلبه دعا زياد محمد بن الاشعث وقال له: واللّه لتاتيني
به او لاقطعن كل نخلة لكواهدم دورك، ثم لا تسلم مني حتى
اقطعك اربا اربا. فاستمهله فامهله ثلاثا. واحضر قيس بن يزيد
اسيرا فقال له زياد: لاباس عليك قد عرفت رايك في عثمان
وبلاءك مع معاوية بصفين وانك انما قاتلت مع حجر حمية وقد
غفرتها لك ولكنائتني باخيك عمير. فاستامن له منه على ماله
ودمه فامنه فاتاه به وهو جريح، فاثقله حديدا، وامر الرجال ان
يرفعوهويلقوه ففعلوا به ذلك مرارا. فقال قيس بن يزيد لزياد:
الم تؤمنه ؟ قال: بلى قد امنته على دمه ولست اهريق له دما،
ثمضمنه وخلى سبيله.
مكث حجر بن عدي في بيت ربيعة يوما وليلة، فارسل الى
محمد بن الاشعث يقول له لياخذ له من زياد امانا حتى يبعثبه
الى معاوية، فجمع محمد جماعة منهم: جرير بن عبداللّه وحجر
بن يزيد، وعبداللّه بن الحارث اخو الاشتر، فدخلوا علىزياد
فاستامنوا له على ان يرسله الى معاوية، فاجابهم فارسلوا الى
حجر بن عدي فحضر عند زياد فلما رآه قال: مرحبابك ابا
عبدالرحمن حرب في ايام الحرب، وحرب وقد سالم الناس،
على اهلها تجني براقش((113)). فقال حجر: ما خلعت
طاعةولا فارقت جماعة واني لعلى بيعتي. فقال هيهات هيهات
يا حجر ! اتشج بيد وتاسو باخرى ؟ وتريد اذا امكننا اللّه منك
اننرضى ؟ كلا واللّه لاحرصن على قطع خيط رقبتك. فقال:
الم تؤمني حتى آتي معاوية فيرى في رايه ؟ قال: بلى، انطلقوا
بهالى السجن، فلما مضى به قال: اما واللّه لولا امانه ما برح حتى
يلقط عصبه فاخرج وعليه برنس في غداة باردة فحبسعشر
ليال، وزياد ماله غير الطلب لرؤوس اصحاب حجر.
عمرو بن الحمق
خرج عمرو بن الحمق ورفاعة بن شداد حتى نزلا المدائن ثم
ارتحلا حتى اتيا الموصل فاتيا جبلا فكمنا فيه، وبلغ عاملذلك
الرستاق يقال له عبيد اللّه بن ابي بلتعة خبرهما فسار اليهما في
الخيل فخرجا اليه، فاما عمرو فكان بطنه قد استسقىفلم يكن
عنده امتناع. واما رفاعة فكان شابا قويا فوثب على فرس له جواد
وقال لعمرو: اقاتل عنك ؟ قال: وما ينفعنيان تقتل ؟! انج
بنفسك. فحمل عليهم فافرجوا له حتى اخرجه فرسه وخرجت
الخيل في طلبه وكان راميا فلم يلحقهفارس الا رماه فجرحه او
عقره فانصرفوا عنه، واخذ عمرو بن الحمق فسالوه من انت ؟
فقال: من ان تركتموه كان اسلملكم، وان قتلتموه كان اضر
عليكم. فسالوه فابى ان يخبرهمفبعث به ابن ابي بلتعة الى
عامل الموصل وهو عبدالرحمن بنعبداللّه بن عثمان الثقفي،
فلما راى عمرا عرفه وكتب الى معاوية بخبره فكتب اليه
معاوية: انه طعن عثمان تسع طعناتبمشاقص كانت معه، وانا
لا نريد ان نعتدي عليه فاطعنه تسع طعنات كما طعن عثمان.
فاخرج فطعن تسع طعنات فمات فيالاولى منهن او في الثانية
وبعث براسه الى معاوية، فكان راسه اول راس حمل في الاسلام.
قال الاميني : هذا الصحابي العظيم عمرو بن الحمق الذي
اخلقت وابلتوجهه العبادة((114)) محكوم عليه عند
القوموغيرهم بالعدالة وكون اقواله وافعاله حجة. لولا ان عدالة
الصحابة تمطط الى اناس معلومين بالخلاعة والمجون كمغيرة
بنشعبة، والحكم بن ابي العاص، والوليد بن عقبة، وعبداللّه بن
ابي سرح، وزياد بن ابيه، واغيلمة قريش من الشباب الزائفممن
جرت المخازي اليهم الويلات، وتتقلص عن آخرين انهكتهم
العبادة، وحنكتهم الشريعة، وابلتهم الطاعة كعمرو بنالحمق،
وحجر بن عدي، وعدي بن حاتم، وزيد وصعصعة ابني صوحان،
ولداتهم.
انا لا ادري ما كان المبرر للنيل من عمرو وقتله ؟ واي جريمة
اوجبت ان يطعن بالطعنات التسع اللاتي اجهزت عليهاولاهن
او ثانيتها ؟ اما واقعة عثمان فكان الصحابة مجمعين عليها بين
سبب ومباشر كما قدمناه لكم في الجزء التاسع(ص69 169)
فلم لم يؤاخذوا عليها واختصت المقاصة اناسا انقطعوا الى ولاء
مولانا امير المؤمنين ولاء اللّه وولاءرسوله (ص) ؟ ولم يجهز
معاوية الجيوش ولا بعث البعوث على طلحة والزبير وهما اشد
الناس في امر عثمان واوغلهم فيدمه ؟! ومن ذا الذي اودى
بعثمان غير معاوية نفسه في تثبطه عن نصره وتربصه به حتى
بلغ السيف منه المحز((115))؟ ولماذا كانيندد ويهدد، ويؤاخذ
اهل المدينة وغيرهم بانهم تخاذلوا عن نصرته ولا يفعل شيئا
عن ذلك بنفسه المتهاونة عن امرالرجل ؟ نعم ، كانت
تلكمالافاعيل على من يوالي عليا صلوات اللّه عليه، فهي
منكمشة عمن يعاديه ويقدمهم ابن آكلةالاكباد.
هل لمعاوية ان يثبت ان هلاك عثمان كان بطعنات عمرو ؟
وهؤلاء المؤرخون ينصون على ان المجهز عليه هو كنانة بن
بشرالتجيبي، وقد جاء في شعر الوليد بن عقبة:
الا ان خير الناس بعد ثلاثة
قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
وقال هو او غيره:
علاه بالعمود اخو تجيب
فاوهى الراس منه والجبينا((116))
واخرج الحاكم في المستدرك((117)) (3/106) باسناده عن
كنانة العدوي، قال: كنت فيمن حاصر عثمان. قال: قلت:
محمد بنابي بكر قتله ؟ قال: لا، قتله جبلة بن الايهم رجل من
اهل مصر. قال: وقيل: قتله كبيرة السكوني فقتل في الوقت.
وقيل:قتله كنانة بن بشر التجيبي، ولعلهم اشتركوا في قتله
لعنهم اللّه. وقال الوليد بن عقبة:
الا ان خير الناس بعد نبيهم
قتيل التجيبي الذي جاء من مصر
وفي الاستيعاب((118))(2/477، 478): كان اول من دخل
الدار عليه محمد بن ابيبكر فاخذ بلحيته فقال: دعها يابن اخي
واللّهلقد كان ابوك يكرمها. فاستحى وخرج، ثم دخل رومان بن
سرحان رجل ازرق قصير محدود عداده في مراد وهو منذي
اصبح معه خنجر فاستقبله به وقال: على اي دين انت يا نعثل ؟!
فقال عثمان:لست بنعثل ولكني عثمان بن عفان واناعلى ملة
ابراهيم حنيفا مسلما وما انا من المشركين. قال: كذبت، وضربه
على صدغه الايسر فقتله فخر.
وقال: اختلف فيمن باشر قتله بنفسه فقيل: محمد بن ابي بكر
ضربه بمشقص. وقيل: بل حبسه محمد بن ابي بكر
واسعده((119))غيره، وكان الذي قتله سودان بن حمران
وقيل: بل ولي قتله رومان اليمامي. وقيل: بل رومان رجل من
بني اسد بنخزيمة. وقيل: بل ان محمد بن ابي بكر اخذ بلحيته
فهزها وقال: ما اغنى عنك معاوية، وما اغنى عنك ابن ابي سرح،
ومااغنى عنك ابن عامر فقال له: يا بن اخي ارسل لحيتي فواللّه
انك لتجبذ لحية كانت تعز على ابيك، وما كان ابوك
يرضىمجلسك هذا مني. فيقال: انه حينئذ تركه وخرج عنه.
ويقال: انه حينئذ اشار الى من كان معه فطعنه احدهم وقتلوه.
واللّهاعلم.
واخرج ايضا ما رويناه عن المستدرك بلفظ: فقال محمد بن
طلحة: فقلت لكنانة: هل ندى محمد بن ابي بكر بشيء مندمه
؟ قال: معاذ اللّه دخل عليه فقال له عثمان: يا بن اخي لست
بصاحبي وكلمه بكلام فخرج ولم يند بشيء من دمه. قال:فقلت
لكنانة: من قتله ؟ قال: قتله رجل من اهل مصر يقال له: جبلة
بن الايهم ثم طاف بالمدينة ثلاثا يقول: انا قاتلنعثل.
وذكر المحب الطبري في رياضه((120)) (2/130) ما اخرجه ابو
عمر في الاستيعابمناستحياءمحمدبنابيبكر وخروجه
منالدارودخولرومان بن سرحانوقتله عثمان. فقال: وقيل:
قتله جبلة بن الايهم. وقيل: الاسود التجيبي. وقيل: يسار
بنغلياض.
واخرج ابن عساكر((121)) في حديث ذكره ابن كثير في
تاريخه((122)) (7/175): وجاءرجل من كندة من اهل مصر
يلقبحماراويكنى بابي رومان. وقال قتاده: اسمه رومان. وقال
غيره. كان ازرق اشقر. وقيل: كان اسمه سودان بن
رومانالمرادي. وعن ابن عمر قال: كان اسم الذي قتل عثمان
اسود بن حمران ضربه بحربة وبيده السيف صلتا . الى آخره.
وقال ابن كثير في تاريخه((123)) (7/198): اما ما يذكره بعض
الناس من ان بعض الصحابة اسلمه ورضي بقتله فهذا لا
يصح((124))عن احد من الصحابة انه رضي بقتل عثمان
(رضىا...عنه) بل كلهم كرهه ومقته وسب من فعله لكن
بعضهم كان يود لوخلع نفسه من الامر كعمار بن ياسر، ومحمد
بن ابي بكر، وعمرو بن الحمق وغيرهم.
ثم اي مبرر لابن هند في امره باتمام الطعنات التسع بعد
الطعنة المودية به ؟ وهل في الشريعة تعبد بان يفعل بالمقتص
منهمثل ما فعله بمن يقتص له ؟ او يكتفى بما هو المقصود من
القصاص من اعدام القاتل ؟ ولعل عند فقيه بني امية مسوغا
لانعرفه. اضف الى ذلك حمل راسه من بلد الى بلد، وهو اول
راس مطاف به في الاسلام((125)). قال النسابة ابو جعفر
محمد بنحبيب في كتاب المحبر (ص490): ونصب معاوية
راس عمرو بن الحمق الخزاعي وكان شيعيا ودير به في السوق.
وكانعبدالرحمن بن ام الحكم اخذه بالجزيرة. وقال ابن
كثير((126)): فطيف به في الشام وغيرها، فكاناولراس طيف
به ثم بعثمعاوية براسه الى زوجته آمنة بنت الشريد وكانت
في سجنه فالقي في حجرها. فوضعت كفها على جبينه
ولثمت فمهوقالت:غيبتموه عني طويلا ثم اهديتموه الي قتيلا،
فاهلا بها من هدية غير قالية ولا مقلية.
نعم ، هذه الافاعيل الى امثالها من نماذج فقه امه آكلة الاكباد
الذي سوغ لها مافعلت بعم النبي الاعظم سيد الشهداء
حمزةسلام اللّه عليه، واقتص اثر ابيه يزيد بن معاوية فيما ارتكبه
من سيد شباب اهل الجنة الحسين السبط صلوات اللّه
عليه،فقتله وآله وصحبه الاكرمين اشنع قتلة وطيف برؤوسهم
الكريمة في الامصار على سمر القنا فاعقبهما خزاية لا
يغسلهامرالدهور، وشية قرن ذكرها بالخلود.
على ان ه لو كان هناك قصاص فهو لاولياء الدم وهم ولد
عثمان، وان لم يكن هناك ولي او انه عجز عن تنفيذ الحكم
فيقومبه خليفة الوقت فانه ولي الدم واولى بالمؤمنين من
انفسهم، وهو يومئذ وقبله مولانا امير المؤمنين علي (ع) فهو
موكولاليه ، وكان عمرو بن الحمق في كنفه يراه ويبصر موقفه
وخضوعه له، فلو كان عليه قصاص اجراه عليه وهو الذي
لمتاخذه في اللّه لومة لائم، وساوى عدله القريب والبعيد،
وكانت يده مبسوطة عند ذاك، وعمرو اخضع له من الظل
لذيه،ومعاوية عندئذ احد افراد الامة ان صدق انه احد افرادها
لا يحويه عير ولا نفير، ولا يناط به حكم من احكامالشريعة، غير
انه قحمه في الورطات حب الوقيعة في محبي علي امير
المؤمنين (ع) واللّه من ورائه حسيب.
صيفي بن فسيل
وجد زياد في طلب اصحاب حجر وهم يهربون منه وياخذ من
قدر عليه منهم، فجاء قيس بن عباد الشيباني الى زيادفقال له:
ان امرا منا يقال له: صيفي بن فسيل من رؤوس اصحاب حجر
وهو اشد الناس عليه، فبعث اليه فاتي به، فقال لهزياد: يا عدو
اللّه ما تقول في ابي تراب ؟ فقال: ما اعرف ابا تراب. قال: ما
اعرفك به ! اما تعرف علي بن ابي طالب ؟ قال:بلى. قال: فذلك
ابو تراب. قال: كلا ذاك ابو الحسن والحسين. فقال له صاحب
الشرطة: ايقول لك الامير: هو ابو تراب،وتقول انت: لا ؟ قال:
افان كذب الامير اردت ان اكذب، واشهد له بالباطل كما شهد
؟ قال له زياد: وهذا ايضامع ذنبك،علي بالعصا، فاتي بها، فقال:
ما قولك في علي ؟ قال: احسن قول انا قائله في عبد من عبيد
اللّه اقوله في امير المؤمنين. قال:اضربوا عاتقهبالعصا حتى
يلصق بالارض. فضرب حتى لصق بالارض ثم قال: اقلعوا عنه،
ايه ما قولك في علي ؟ قال:واللّه لو شرحتني بالمواسى والمدى
ما قلت الا ما سمعت مني. قال: لتلعننه او لاضربن عنقك. قال:
اذا واللّه تضربها قبلذلك، فاسعد وتشقى. قال: ادفعوا في رقبته.
ثم قال: اوقروه حديدا واطرحوه في السجن، ثم قتل مع من
قتل مع حجرواصحابه.
قال الاميني : ما اكبرها من جناية على رجل يقول: ربي اللّه،
ويدين بالرسالة ويوالي امام الحق، وليس عليه ما يجلبالتنكيل
به كما فعله ابن سمية بايعاز من ابن آكلة الاكباد الا الخضوع
لولاية امر الكتاب بها والرضوخ لها، وقد اكدته السنةفي
نصوصها المتواترة.
وهل الامتناع عن لعن من امر اللّه باتباعه وطهره وقدسه يسوغ
الضرب والحبس والقتل ؟ انا لا ادري. وان ابن الزانيةومن ركزه
على ولاية الامصار لعليمان بما ارته، لكن احتدام بغضهما
لصاحب الولاية الكبرى، حداهما الى ان يلغا في دممن اسلم
وجهه للّه وهو محسن. والى اللّه المنتهى.
قبيصة بن ضبيعة
بعث زياد الى قبيصة بن ضبيعة بن حرملة العبسي صاحب
شرطته شداد بن الهيثم، فدعا قبيصة في قومه واخذ
سيفه،فاتاه ربعي بن حراش بن جحش العبسي ورجال من
قومه ليسوا بالكثير فاراد ان يقاتل، فقال صاحب الشرطة:
انتآمن على دمك ومالك، فلم تقتل نفسك ؟ فقال له اصحابه:
قد اومنت فعلام تقتل نفسك وتقتلنا معك ؟ قال: ويحكمانهذا
الدعي ابن العاهرة واللّه لئن وقعت في يده لا افلت منهابدا او
يقتلني. قالوا: كلا. فوضع يده في ايديهم، فاقبلوا به الىزياد.
فلما دخلوا عليه قال زياد: وحي عسى تعزون على الدين، اما
واللّه لاجعلن لك شاغلا عن تلقيح الفتن والتوثبعلى الامراء.
قال: اني لم آتك الا على الامان. قال: فانطلقوا به الى السجن،
وقتل مع من قتل من اصحاب حجر.
عبداللّه بن خليفة
بعث زياد بكير بن حمران الاحمري الى عبداللّه بن خليفة
الطائي وكان شهد مع حجر، فبعثه في اناس من اصحابه
فاقبلوافي طلبه فوجدوه في مسجد عدي بن حاتم فاخرجوه،
فلما ارادوا ان يذهبوا به وكان عزيز النفس امتنع منهم
فحاربهموقاتلهم فشجوه ورموه بالحجارة حتى سقط فنادت
ميثاء اخته: يا معشر طيئ اتسلمون ابن خليفة لسانكم وسنانكم
؟فلما سمع الاحمري نداءها خشي ان تجتمع طيئ فيهلك
فهرب، فخرج نسوة من طيئ فادخلنه دارا، وانطلق الاحمري
حتىاتى زيادا فقال: ان طيئا اجتمعت الي فلم اطقهم فاتيتك،
فبعث زياد الى عدي وكان في المسجد فحبسه وقال: جئني
بهوقد اخبر عدي بخبر عبداللّه، فقال عدي: كيف آتيك برجل
قد قتله القوم ؟ قال: جئني حتى ان قد قتلوه. فاعتل له وقال:لا
ادري اين هو ولا ما فعل. فحبسه فلم يبق رجل من اهل المصر
من اهل اليمن وربيعة ومضر الا فزع لعدي، فاتوا زيادافكلموه
فيه. واخرج عبداللّه فتغيب في بحتر((127))، فارسل الى عدي
ان شئت ان اخرج حتى اضع يدي في يدك فعلت، فبعثاليه
عدي: واللّه لو كنت تحت قدمي ما رفعتهما عنك. فدعا زياد
عديا فقال له: اني اخلي سبيلك على ان تجعل لي لتنفيه
منالكوفة ولتسير به الى جبلي طيئ. قال: نعم. فرجع وارسل
الى عبداللّه ابن خليفة: اخرج فلو قد سكن غضبه لكلمته
فيكحتى ترجع ان شاء اللّه. فخرجالى الجبلين ومات بهما قبل
موت زياد.
الشهادة المزورة على حجر
جمع زياد من اصحاب حجر بن عدي اثني عشر رجلا في
السجن ثم دعا رؤساء الارباع وهم: عمرو بن حريث على ربعاهل
المدينة، وخالد بن عرفطة على ربع تميم وهمدان، وقيس بن
الوليد على ربع ربيعة وكندة، وابو بردة بن ابي موسىعلى ربع
مذحج واسد، فشهد هؤلاء ان حجرا جمع اليه الجموع واظهر
شتم الخليفة ودعا الى حرب امير المؤمنين، وزعمان هذا الامر
لا يصلح الا في آل ابي طالب، واظهر عذر ابي تراب والترحم
عليه والبراءة من عدوه واهل حربه، وانهؤلاء الذين معه هم
رؤوس اصحابه وعلى مثل رايه. ونظر زياد في شهادة الشهود
وقال: ما اظن هذه شهادة قاطعةواحب ان يكون الشهود اكثر
من اربعة، فدعا الناس ليشهدوا عليه، وقال زياد:
على مثل هذه الشهادة فاشهدوا، اما واللّه لاجهدن على قطع
خيط عنق الخائن الاحمق، فقام عثمان بن شرحبيل
التيمياول الناس فقال: اكتبوا اسمي. فقال زياد: ابدؤوا بقريش
ثم اكتبوا اسم من نعرفه ويعرفه امير المؤمنين
بالصحةوالاستقامة((128)). فشهد عليه سبعون رجلا، فقال
زياد: القوهم الا من عرف بحسب وصلاح في دينه، فالقوا حتى
صيروا الىهذه العدة وهم اربع واربعون فيهم: عمر بن سعد بن
ابي وقاص، شمر بن ذي الجوشن، شبث بن ربعي، زجر بن
قيس.
وممن شهد شداد بن المنذر اخو الحضين وكان يدعى: ابن
بزيعة، فكتب: شهادة ابن بزيعة. فقال زياد: اما لهذا
ابينسباليه ؟ الغوه من الشهود. فقيل له: انه اخو الحضين بن
المنذر. فقال: انسبوه الى ابيه فنسب، فبلغ ذلك شدادافقال:
والهفاهعلى ابن الزانية اوليست امه اعرف من ابيه ؟ فواللّه ما
ينسب الا الى امه سمية.
وكتب في الشهود شريح بن الحرث، وشريح بن هانئ، فاما
شريح بن الحرث فقال: سالني عنه فقلت: اما انه كان
صواماقواما . واما شريح بن هانئ فقال: بلغني ان شهادتي كتبت
فاكذبته ولمته، وكتب كتابا الى معاوية وبعثه اليه بيد وائل
بنحجر وفي الكتاب: بلغني ان زيادا كتب شهادتي، وان
شهادتي على حجر انه ممن يقيم الصلاة، ويؤتي الزكاة،
ويديمالحجوالعمرة، ويامر بالمعروف وينهى عن المنكر، حرام
الدم والمال، فان شئت فاقتله، وان شئت فدعه. فلما قرا
معاويةالكتاب قال: ما ارى هذا الا قد اخرج نفسه من شهادتكم.
وكتب شهادة السري بن وقاص الحارثي وهو غائب في عمله.
قال الاميني : هذه شهادة زور لفقها ابن ابيه او ابن امه على
اصناف من الناس، منهم الصلحاء والاخيار الذين اكذبوا
ذلكالعزو المختلق كشريح بن الحرث وشريح ابن هانئ ومن
حذا حذوهما، وشهدوا بخلاف ما كتب عنهما. ومنهم من
كانواغائبين عن ساعة الشهادة وساحتها، لكن يد الافك اثبتتها
عليهم كابن وقاص الحارثي ومن يشاكله. ومنهم رجرجة
منالناس يستسهلون شهادة الزور ويستسيغون من جرائها
اراقة الدماء ليس لهم من الدين موضع قدم ولا قدم: كعمر
بنسعد، وشمر بن ذيالجوشن،وشبثبنربعي،وزجربن قيس،
فتناعقوابشهادةباطلةلاجلهاوصفهم الدعي بانهم خيار
اهلالمصر واشرافهم، وذوو النهى والدين. وان معاوية جد عليم
بحقيقة الحال لكن شهوة الوقيعة في كل ترابي حبذت له
قبولالشهادة المزورة والتنكيلبحجر واصحابهالصلحاء الاخيار،
فصرم بهماصولالصلاح وقطع اواصرهم يوم اودى بهم،
ولميكترث لمغبة ما ناء به من عمل غير مبرور. فالى اللّه
المشتكى.
|