وقد كتب بهذا امير المؤمنين (ع) الى معاوية((1401))، وجاء
الحجاج به في كلمات غير واحد من الصحابة، مثل‏قول
الصحابي العظيم هاشم المرقال المذكور (9/121) وفي هذا
الجزء (ص‏290)، وقول عمار بن ياسرالممدوح بالكتاب والسنة،
الذي اسلفناه في (9/110)، وقول ابي الطفيل الشيخ الصحابي
الكبير الانف في(9/139)،وقول عبدالرحمن بن عثمان السابق
في (9/158)، فما ذنب علي (ع) ان آواهم، ونصرهم
وايدهم،ودفع عنهم عادية الباغين.
وخامسا : الى ان الذين كانوا في جيش امير المؤمنين (ع) او
الذين تحكمت بينه وبينهم آصرة المودة لم يكونواكلهم قتلة
عثمان، ولا باشروا شيئا من امره، ولم يكن لاكثرهم في الامر
ورد ولا صدر، وانما كان فيهم من‏اولئك الصحابة العدول اناس
معلومون اووا الى امام الحق، فباءي حجة شرعية كان ابن صخر
يستبيح قتل‏الجميع، واستقراهم في البلاد بعد مقتل مولانا
امير المؤمنين (ع) وقبله، فقتلهم تقتيلا؟!
وسادسا : الى ان معاوية لم يكن ولي دم عثمان وانما اولياؤه
ولده، وان كان لهم حق القصاص فعجزوا عن‏طلبه، فعليهم
رفع الامر الى خليفة الوقت وهو مولانا امير المؤمنين (ع)
لينظر في امرهم، ويحكم بحكم اللّهالبات، وهو اقضى الامة
بنص الرسول الامين.
نعم، كانت لمعاوية ترات((1402)) عند امير المؤمنين (ع)
باءخيه حنظلة بن ابي سفيان، وجده لامه عتبة بن ربيعة،وخاله
الوليد بن عتبة بن ربيعة، وابناء عمه‏العاص بن سعيد بن العاص
بن امية، وعقبة بن ابي معيط بن ابي‏عمرو بن امية. لكنه لم
ينبس عنهم ببنت شفة لانها ما كانت تنطلي على المسلمين،
فانهم وثنيون‏مشركون‏حاربوا رسول اللّه(ص)، فذاقوا وبال
امرهم، وانما تترس بدم عثمان‏بضرب من السيرة الجاهلية من
صحة‏قيام اي فرد من افراد العشيرة بدم اي مقتول منها وان
بعدت بينهم الرحم والقرابة، وهذه السيرة غيرالمشروعة كان
يرن صداها في مسامع اهل الشام البعداء من مبادئ الدين
وطقوسه، ومن ثم استهواهم‏معاوية، واستحوذ عليهم بذلك
التدجيل، ولم تكن تلك الحرب الزبون الا انها احن بدرية،
واحقاد جاهلية،وضغائن احدية، وثب بها معاوية حين الغفلة،
ليدرك ثارات بني عبد شمس، ولم تك تخفى هذه الغاية
على‏اي احد حتى المخدرات في الحجال((1403)).
وسابعا : الى ان اول واجب على معاوية ان يتنازل الى مالزمه من
البيعة الحقة‏فيدخل في جماعة المسلمين،ولا يشق عصاهم
بالتقاعس عنها، ثم يرفع الخصومة الى صاحب البيعة، فيرى
فيه رايه كما جاء في كتاب‏لامير المؤمنين الى معاوية، من قوله:
((واما قولك: ادفع الي قتلة عثمان. فما انت وذاك؟ وهاهنا بنو
عثمان وهم اولى بذلك منك((1404))، فان زعمت انك‏اقوى
على طلب دم عثمان منهم، فارجع((1405)) الى البيعة التي
لزمتك لانها بيعة شاملة لا يستثنى فيها الخيار،ولا يستاءنف
فيها النظر وحاكم القوم الي))((1406)).
وفي كتاب آخر له (ع) كتبه اليه:
((وقد اكثرت في قتلة عثمان، فان انت رجعت عن رايك
وخلافك، ودخلت فيما دخل فيه المسلمون، ثم‏حاكمت القوم
الي حملتك واياهم على كتاب اللّه، واما تلك التي تريدها فهي
خدعة الصبي عن‏اللبن.
ولعمري يا معاوية لئن نظرت بعقلك دون هواك لتجدنني ابرا
الناس من دم عثمان، ولتعلمن اني كنت في‏عزلة عنه، الا ان
تتجنى((1407)) فتجن ما بدا لك))((1408)).
وثامنا : الى ان طلحة والزبير قد نهضا قبل معاوية بتلك الغاية
التي هو راميها، واخرجا حبيسة رسول‏اللّه(ص) من خدرها،
وحاربهما الامام (ع) بعد ما اتم عليهما الحجة، وكتب اليهما:
((وقد زعمتما ان((1409)) قتلت‏عثمان، فبيني وبينكما من
تخلف عني وعنكما من اهل المدينة((1410))، ثم يلزم كل
امرئ بقدر ما احتمل، وزعمتمااني آويت قتلة عثمان، فهؤلاء
بنو عثمان فليدخلوا في طاعتي، ثم يخاصموا الي قتلة ابيهم.
وما انتما وعثمان ان‏كان قتل ظالما او مظلوما؟ وقد بايعتماني
وانتما بين خصلتين قبيحتين: نكث بيعتكما،
واخراجكماامكما))((1411)).
وكتب (ع) الى معاوية: ((ان طلحة والزبير بايعاني، ثم نقضا
بيعتهما، وكان‏نقضهما كردتهما، فجاهدتهما بعد مااعذرت
اليهما، حتى جاء الحق وظهر امر اللّه وهم كارهون، فادخل فيما
دخل فيه المسلمون))((1412)).
فهلا كانت بحسب معاوية تلكم الحجج؟! وقد طن في اذن
الدنيا قول اميرالمؤمنين (ع): ((ما هو الا الكفر، اوقتال القوم)).
فهلا عرف الرجل وبال امر اصحاب الجمل، ومغبة تلك النخوة
والغرور، والتركاض وراءالاهواء والشهوات، بعد قتل آلاف مؤلفة
من الصالح والطالح، من اهل الحق والباطل؟ فاشهاره
السيف‏لازهاق النفوس بريئة كانت او متهمة من رجال او نساء او
اغلمة، وقتل امم وزرافات تعد بالالاف‏بانسان واحد قتله
المجتهدون العدول من امة محمد بعد اقامة الحجة عليه، انما
هو مما حظرته الشريعة، ولم‏يعرف له مساغ من الدين، وكان
ابن هند في الامر كما كتب اليه الامام (ع): ((لست تقول فيه
باءمر بين يعرف‏له اثر، ولا عليك منه شاهد، ولست متعلقا بية
من كتاب اللّه، ولا عهد من رسول اللّه))((1413)).
وتاسعا: الى ان ما حكم به خليفة الوقت يجب اتباعه ولا يجوز
نقضه، فقد كتب علي (ع) الى معاوية في‏كتاب له: ((واما ما
ذكرت من امر قتلة عثمان، فاني نظرت في هذا الامر، وضربت
انفه وعينه فلم اره يسعني‏دفعهم اليك ولا الى غيرك، ولعمري
لئن لم تنزع عن غيك وشقاقك لتعرفنهم عما قليل يطلبونك،
لايكلفونك ان تطلبهم في بر ولا بحر))((1414)).
فهلا كان ذلك نصا من الامام (ع) على انه لا مساغ له لان يدفع
قتلة عثمان لاي انسان ثائر، وان طلب ذلك‏منه غي وشقاق،
فهل كان معاوية يحسب ان امير المؤمنين (ع) يتنازل عن رايه
اذا ما ارتضاه هو؟ او يعدل‏عن الحق ويتبع هواه؟ حاشا ثم حاشا،
او لم يكن من واجب معاوية البخوع لحكم الامام
المطهربنص‏القرآن، والاخبات الى رايه الذي لا يفارق القرآن؟
كيف لا؟ وقد صح عند القوم عن رسول اللّه(ص)روايات تمسكوا
بها في اتباع نظراء معاوية ويزيد من ائمة الضلال وامراء الجور
والعدوان، مثل ما عزي‏اليه(ص): ((يكون بعدي ائمة لا يهتدون
بهداي، ولا يستنون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم
قلوب‏الشياطين في جثمان انس)). قال حذيفة: قلت: كيف
اصنع يا رسول اللّه ان ادركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع‏للامير،
وان ضرب ظهرك، واخذ مالك، فاسمع واطع((1415)).
وساءل سلمة بن يزيد رسول اللّه(ص) فقال: يا نبي اللّه ارايت ان
قامت علينا امراء يساءلوننا حقهم، ويمنعوناحقنا، فما تاءمرنا؟
فاءعرض عنه، ثم ساءله فاءعرض عنه، ثم ساءله فجذبه الاشعث
بن قيس، فقال(ص):اسمعوا واطيعوا فانما عليهم ماحملوا
وعليكم ما حملتم((1416)). هذا راي القوم في امراء الشر
والفساد فما ظنك‏بالامام العادل، المستجمع لشرائط الخلافة،
الذي ملات الدنيا النصوص في وجوب اقتصاص اثره،
والموافقة‏لارائه، وكل ما يرتئيه من حق واضح؟!
وعاشرا: الى ان قاتل عثمان المباشر لقتله اختلف فيه، كما مر
تفصيله في الجزء التاسع وياءتي ايضا بين جبلة‏بن الايهم
المصري، وكبيرة السكوني، وكنانة بن بشر التجيبي، وسودان
بن حمران، ورومان اليماني، ويساربن غلياض((1417))، وعند
ابن عساكر((1418)) يقال له: حمال((1419)). فقتل منهم من
قتل في الوقت، ولم يكن احد من‏الباقين في جيش الامام (ع)،
ولا ممن آواهم هو، فلم يكن لاحد عند غيرهم ثار، واما الذين
آواهم الامام(ع) فهم المسببون لقتله من المهاجرين والانصار،
او المؤلبون عليه من الصحابة العدول، ولم يشذ عنهم الا اناس
يعدون بالانامل.
وبعد هذه كلها هلا كانت لتبرئة مولانا امير المؤمنين (ع) نفسه
من دم عثمان وقد كتبها الى طلحة والزبيرومعاوية، ولتبرئة
الاعيان من الصحابة اياه منذ مقتل عثمان الى ان استحر القتال
في واقعة صفين، وقدكتبوها الى طلحة والزبير ومعاوية‏ومن
لف لفهم، قيمة توازن عند معاوية شهادات الزور التي لفقها هو
من‏اناس لاخلاق لهم، وثبتتها حيله ودسائسه، واجراها ترغيبه
وترهيبه؟ وقد علم هو ان امير المؤمنين من‏هو، وصلحاء
الصحابة الذين وافقوه على التبرئة والتبرير من هم، ومن اولئك
الطغمة الثائرون لخلافه،والمجلبون عليه، جير: كان يعلم كل
ذلك لكنه الملك والسلطان، وهما يبرران لصاحب النهمة
والشره‏كل‏بائقة وموبقة.
19 دفاع ابن حجر عن معاوية باءعذار مفتعلة
انت اذا قضيت الوطر من معاوية ومعاذيره التافهة في هذه
المعمعة، فهلم معي الى ناصره الاخير ابن‏حجر الذي فاتته
النصرة بالضرب والطعن، فطفق يسود صحيفة من صحائفه
الشوهاء باءعذار مفتعلة في‏صواعقه، يتصول بها كمن يدلي
بحجج قاطعة، وابن حجر وان لم يكن اول من نحت تلكم
الاعذار، وقدسبقه اليها اناس آخرون من ابناء حزم وتيمية
وكثير، غير ان ما جاء به ابن حجر يجمع شتات ما تترس به‏القوم
دفاعا عن ابن هند، وزاد هو في طنبوره نغمات، قال في
الصواعق((1420)) (ص‏129):
ومن اعتقاد اهل السنة والجماعة: ان ما جرى بين معاوية وعلي
غ من الحروب فلم يكن لمنازعة معاوية‏لعلي في الخلافة،
للاجماع على حقيتها لعلي كما مر((1421))، فلم تهج الفتنة
بسببها وانما هاجت بسبب ان معاوية‏ومن معه، طلبوا من علي
تسليم قتلة عثمان اليهم لكون معاوية ابن عمه، فامتنع علي
ظنا منه ان تسليمهم‏اليهم‏على الفور مع كثرة عشائرهم
واختلاطهم بعسكر علي يؤدي الى اضطراب وتزلزل في امر
الخلافة التي‏بها انتظام كلمة اهل الاسلام، سيما وهي في
ابتدائها لم يستحكم الامر فيها، فراى علي (ع) ان
تاءخيرتسليمهم اصوب الى ان يرسخ قدمه في الخلافة،
ويتحقق التمكن من الامور فيها على وجهها، ويتم له
انتظام‏شملها واتفاق كلمة المسلمين، ثم بعد ذلك يلتقطهم
واحدا فواحدا ويسلمهم اليهم، ويدل لذلك ان بعض‏قتلته عزم
على الخروج على علي ومقاتلته، لما نادى يوم الجمل باءن
يخرج عنه قتلة عثمان، وايضا فالذين‏تمالؤوا على قتل عثمان
كانوا جموعا كثيرة كما علم مما قدمته في‏قصة محاصرتهم له
الى ان قتله بعضهم، جمع‏من اهل مصر قيل: سبعمائة، وقيل:
الف، وقيل خمسمائة، وجمع من الكوفة، وجمع من البصرة
وغيرهم، قدمواكلهم المدينة، وجرى منهم ما جرى، بل ورد
انهم هم وعشائرهم نحو من عشرة آلاف، فهذا هو الحامل‏لعلي
(رضى‏ا...عنه) على الكف عن تسليمهم، لتعذره كما عرفت.
ويحتمل ان عليا (رضى‏ا...عنه) راى ان قتلة عثمان بغاة،
حملهم على قتله تاءويل فاسد استحلوا به دمه(رضى‏ا...عنه)،
لانكارهم عليه امورا كجعله مروان ابن عمه كاتبا له، ورده الى
المدينة بعد ان طرده‏النبي(ص) منها، وتقديمه اقاربه في ولاية
الاعمال، وقضية محمد ابن ابي بكر، ظنوا انها مبيحة لما
فعلوه‏جهلا منهم وخطاء ، والباغي اذا انقاد الى الامام العدل لا
يؤاخذ بما اتلفه في حال الحرب عن تاءويل دما كان‏او مالا، كما
هو المرجح من قول الشافعي (رضى‏ا...عنه)، وبه قال جماعة
آخرون من العلماء، وهذا الاحتمال‏وان امكن لكن ما قبله اولى
بالاعتماد منه. الخ.
قال الاميني : هب ان عثمان قتل مظلوما بيد الجور والتعدي.
وانه لم يك يقترف قط ما يهدر دمه.
وان قتله لم يقع بعد اقامة الحجة عليه والاخذ بكتاب اللّه في
امره.
وانه لم يقتل في معمعة بين آلاف مكردسة من المدنيين،
والمصريين، والكوفيين، والبصريين.
ولم تكن البلاد تمخضت عليه، وما نقم عليه عباد اللّه
الصالحون.
وان قاتله لم يجهل من يوم اودى به، وكان مشهودا يشار اليه،
ولم يكن قتيل عمية((1422)) لا يدرى من قتله،حتى تكون
ديته من بيت مال المسلمين.
ولم يقتل الذين باشروا قتله، وكان قد بقي منهم باقية يقتص
منها.
وان المهاجرين والانصار ما اجتمعوا على قتله، ولم تكن
لاولئك المجتهدين العدول يد في تلك الواقعة، ولم‏يشارك في
دمه عيون الصحابة.
وان اهل المدينة ليسوا كاتبين الى من بالافاق من اصحاب
رسول اللّه(ص)انكم انما خرجتم ان تجاهدوا في‏سبيل اللّه عز
وجل تطلبون دين محمد(ص)، فان دين محمد قد افسده من
خلفكم وترك، فهلموا فاءقيموادين محمد(ص).
وان المهاجرين لم يكتبوا الى من بمصر من الصحابة والتابعين:
ان تعالوا الينا وتداركوا خلافة رسول اللّه قبل‏ان يسلبها اهلها،
فان كتاب اللّه قد بدل، وسنة رسول اللّه قد غيرت، واحكام
الخليفتين قد بدلت. الى آخرما مر (ج‏9).
وان طلحة، والزبير، وام المؤمنين عائشة، وعمرو بن العاص، لم
يكونوا اشد الناس عليه، ولم يكن لهم‏تركاض وراء تلك الثورة.
وما قرع سمع الدنيا نداء عثمان: ويلي على ابن الحضرمية
يعني طلحة اعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا وهو يروم‏دمي،
يحرض على نفسي.
وان طلحة لم يقل: ان قتل عثمان فلا ملك مقرب ولا نبي
مرسل، وانه لم يمنع الناس عن ايصال الماءاليه.
وان مروان لم يقتل طلحة دون دم عثمان، ولم يؤثر عنه قوله
يومئذ: لا اطلب بثاءري بعد اليوم.
وان الزبير ما باح بقوله: اقتلوه فانه غير دينكم، وان عثمان
لجيفة على الصراط غدا.
وان عائشة ما رفعت عقيرتها بقولها: اقتلوا نعثلا قتله اللّه فقد
كفر. وانها لم تقل لمروان: وددت واللّه انك‏وصاحبك هذا الذي
يعنيك امره، في رجل كل واحد منكما رحا وانكما في البحر.
ولم تقل لابن عباس: اياك‏ان ترد الناس عن هذا الطاغية.
وان عمرو بن العاص لم يقل: انا ابو عبداللّه قتلته وانا بوادي
السباع، ان كنت لاحرض عليه حتى اني‏لاحرض عليه الراعي
في غنمه في راس الجبل.
وان سعد بن ابي وقاص لم يبح بقوله: امسكنا نحن ولو شئنا
دفعناه عنه.
وان عثمان لم يبق جثمانه ملقى ثلاثا في مزبلة لا يهم امره
احدا من المهاجرين والانصار وغيرهم من الصحابة‏العدول.
وان طلحة لم يك يمنع عن تجهيزه ودفنه في مقابر
المسلمين، وانه لم يقبر في حش كوكب جبانة اليهود، بعدذل
الاستخفاف.
وان ما اسلفناه في الجزء التاسع من حديث امة كبيرة من
الصحابة، وفيهم‏العمد والدعائم كل ذلك لم‏يصح.
وان امام الوقت ليس له العفو عن قصاص، كما عفا عثمان عن
عبيد اللّه بن عمر حين قتل هرمزان وجفينة‏بنت ابي لؤلؤة بلا
اي جريرة.
وان معاوية لم يك يتثبط عن نصرته، ولم يتربص عليه دائرة
السوء، ولم يشهد عليه عيون الصحابة باءن الدم‏المهراق عنده،
وانه اولى رجل باءن يقتص منه ويؤخذ بدم عثمان.
وان عثمان لم يكن له خلف يتولى دمه غير معاوية.
وان عليا (ع) هو الذي قتل عثمان، او آوى قاتليه.
وان معاوية لم يك غائبا عن ذلك الموقف، وكان ينظر اليه من
كثب، فعلم بمن قتله، وبمن انحاز عن قتله.
وان ما ادعاه معاوية لم يكن افكا وبهتا وزورا من القول، متخذا
عن شهادة مزورة واختلاق.
وان هذه الخصومة لها شاءن خاص لا ترفع كبقية الخصومات
الى امام الوقت.
وان قتال معاوية انما كان لطلب قتلة عثمان فحسب لا لطلب
الخلافة، وانه لم يك يروم الخلافة في قتاله بعدما كان يعلم
نفسه انه طليق وابن طليق، ليس ببدري ولا له سابقة، وانه لا
يستجمع شرائط الخلافة، وانه لم‏تؤهله لها الخيرة والاجماع
والانتخاب.
هب ان الوقائع هكذا وقعت يابن حجر واغضض عن كل ما
هنالك من حقائق ثابتة على الضد مماسطر((1423))، فهلا
كانت مناواة معاوية لخليفة وقته الامام المنصوص والمجمع
عليه خروجا عليه؟! وهلا كان‏الحزب السفياني بذلك بغاة اهانوا
سلطان اللّه، واستذلوا الامارة الحقة، وخلعوا ربقة الاسلام من
اعناقهم؟فاستوجبوا اهانة اللّه، يجب قتالهم ودرؤهم عن حوزة
الايمان، وكانوا مصاديق للاحاديث المذكورة في اول‏هذا البحث
(ص‏272، 273).
ان معاوية لم يكن خليفة ولا انعقدت له بيعة، وانما كان واليا
عمن تقدم من الذين تصرمت ايام خلافتهم،فلزمته بيعة امير
المؤمنين وهو بالشام، كما كتب اليه بذلك الامام (ع)، وكان
تصديه للشؤون العامة والياعلى‏اهل ناحيته محتاجا الى امر
جديد، او تقرير لولايته الاولى من خليفة الوقت، وكل ذلك لم
يكن، ان لم نقل:ان امير المؤمنين (ع) عزله عما تولا ه، وانه
سلام اللّه عليه اوفد عليه من يبلغه عنه لزوم الطاعة
واللحوق‏بالجماعة، كما انه (ع) كتب اليه بذلك.
حديث الوفود :
وفد علي (ع) الاول الى معاوية:
اوفد الامام (ع) في اول ذي الحجة سنة (36) بشير بن عمرو
بن محصن الانصاري، وسعيد بن قيس‏الهمداني، وشبث بن
ربعي التميمي على معاوية، وقال: ائتوا هذا الرجل فادعوه الى
اللّه، والى الطاعة‏والجماعة. فاءتوه ودخلوا عليه، فتكلم بشير بن
عمرو، فحمد اللّه واثنى عليه وقال: يا معاوية، ان الدنيا
عنك‏زائلة، وانك راجع الى الاخرة، وان اللّه عز وجل محاسبك
بعملك، وجازيك بما قدمت يداك، واني انشدك اللّهعز وجل ان
تفرق جماعة هذه الامة، وان تسفك دماءها بينها.
فقطع عليه الكلام وقال: هلا اوصيت بذلك صاحبك؟ فقال
بشير: ان صاحبي ليس مثلك، ان صاحبي احق‏البرية كلها بهذا
الامر في الفضل، والدين، والسابقة في الاسلام، والقرابة من
رسول اللّه(ص). قال: فيقول‏ماذا؟ قال: ياءمرك بتقوى اللّه عز
وجل، واجابة ابن عمك الى ما يدعوك اليه من الحق، فانه اسلم
لك في‏دنياك، وخير لك في عاقبة امرك.
قال معاوية: ونطل دم عثمان (رضى‏ا...عنه)؟ لا واللّه لا افعل
ذلك ابدا.
فتكلم شبث بن ربعي، فحمد اللّه واثنى عليه، وقال:
يا معاوية اني قد فهمت ما رددت على ابن محصن، انه واللّه ما
يخفى علينا ما تغزو وما تطلب، انك لم تجدشيئا تستغوي به
الناس، وتستميل به اهواءهم، وتستخلص به طاعتهم، الا قولك:
قتل امامكم‏مظلومافنحن نطلب بدمه، فاستجاب له سفهاء
طغام، وقد علمنا انك قد ابطاءت عنه بالنصر، واحببت له‏القتل،
لهذه المنزلة التي اصبحت تطلب، ورب متمني امر وطالبه اللّه
عز وجل يحول دونه بقدرته، وربما اوتي‏المتمني امنيته وفوق
امنيته، وواللّه مالك في واحدة منهما خير، لئن اخطاءت‏ما
ترجو، انك لشر العرب حالافي ذلك، ولئن اصبت ما تمنى لا
تصيبه حتى تستحق من ربك صلي النار، فاتق اللّه يا معاوية
ودع ما انت‏عليه، ولا تنازع الامر اهله.
فتكلم معاوية وكان من كلامه: فقد كذبت ولؤمت ايها الاعرابي
الجلف الجافي في كل ما ذكرت ووصفت،انصرفوا من عندي،
فانه ليس بيني وبينكم الا السيف، وغضب وخرج القوم، واتوا
عليا واخبروه بالذي‏كان من قوله((1424)).
وفد علي (ع) الثاني الى معاوية:
ولما دخلت سنة (37) توادعا على ترك الحرب في المحرم الى
انقضائه طمعا في الصلح، واختلف فيما بينهماالرسل في ذلك
من دون جدوى، فبعث علي (ع) عدي بن حاتم، ويزيد بن
قيس، وشبث بن ربعي، وزيادبن حنظلة((1425)) الى معاوية،
فلما دخلوا عليه تكلم عدي بن حاتم، فحمد اللّه ثم قال:
اما بعد: فانا اتيناك ندعوك الى امر يجمع اللّه عز وجل به كلمتنا
وامتنا ويحقن به الدماء، ويؤمن به السبل،ويصلح به ذات البين،
ان ابن عمك سيد المسلمين، افضلها سابقة، واحسنها في
الاسلام اثرا، وقد استجمع له‏الناس، وقد ارشدهم اللّه عز وجل
بالذي راوا، فلم يبق احد غيرك وغير من معك، فانته يا معاوية
لايصبك اللّه واصحابك بيوم مثل يوم الجمل.
فقال معاوية : كاءنك انما جئت متهددا، لم تاءت مصلحا، هيهات
يا عدي، كلا واللّه، اني لابن حرب مايقعقع‏لي
بالشنان((1426))، اما واللّه انك لمن المجلبين على ابن
عفان(رضى‏ا...عنه)، وانك لمن قتلته، واني لارجو ان‏تكون
ممن يقتل اللّه عز وجل به، هيهات يا عدي بن حاتم قد حلبت
بالساعد الاشد.
فقال له شبث بن ربعي، وزياد بن حنظلة: اتيناك فيما يصلحنا
واياك، فاءقبلت تضرب الامثال، دع ما لاينتفع به من القول
والفعل، واجبنا فيما يعمنا واياك نفعه.
وتكلم يزيد بن قيس، فقال:
انا لم ناءتك الا لنبلغك ما بعثنا به اليك، ولنؤدي عنك ما
سمعنا منك، ونحن على ذلك لن ندع ان ننصح لك،وان نذكر
ما ظننا ان لنا عليك به حجة، وانك راجع به الى الالفة
والجماعة، ان صاحبنا من قد عرفت‏وعرف المسلمون فضله،
ولا اظنه يخفى عليك، ان اهل الدين والفضل لم يعدلوا بعلي،
ولن يميلوا((1427)) بينك‏وبينه فاتق اللّه يا معاوية ولا تخالف
عليا، فانا واللّه ما راينا رجلا قط اعمل بالتقوى، ولا ازهد في
الدنيا،ولا اجمع لخصال الخير كلها منه.
فتكلم معاوية وقال : اما بعد: فانكم دعوتم الى الطاعة
والجماعة، فاءما الجماعة التي دعوتم اليها فمعنا هي،واما
الطاعة لصاحبكم فانا لا نراها، ان صاحبكم قتل خليفتنا، وفرق
جماعتنا، وآوى ثاءرنا وقتلتنا،وصاحبكم يزعم انه لم يقتله،
فنحن لا نرد ذلك عليه، ارايتم قتلة صاحبنا؟ الستم تعلمون
انهم اصحاب‏صاحبكم؟ فليدفعهم الينا فلنقتلهم به، ثم نحن
نجيبكم الى الطاعة والجماعة.
فقال له شبث: ايسرك يا معاوية انك امكنت من عمار تقتله؟
فقال معاوية:وما يمنعني من ذلك؟ واللّه لوامكنت من ابن
سمية ما قتلته بعثمان (رضى‏ا...عنه)، ولكن كنت قاتله بناتل
مولى عثمان. فقال شبث:
واله الارض واله السماء ما عدلت معتدلا، لا والذي لا اله الا هو،
لا تصل الى عمار حتى تندر الهام عن‏كواهل الاقوام، وتضيق
الارض الفضاء عليك برحبها.
فقال له معاوية: انه لو قد كان ذلك كانت الارض عليك اضيق.
وتفرق القوم عن معاوية، فلما انصرفوا، بعث معاوية الى زياد بن
حنظلة((1428)) التميمي فخلا به، فحمد اللّهواثنى عليه،
وقال:
اما بعد يا اخا ربيعة، فان عليا قطع ارحامنا، وآوى قتلة صاحبنا،
واني اساءلك النصر باءسرتك وعشيرتك،ثم لك عهد اللّه جل
وعز وميثاقه ان اوليك اذاظهرت اي المصرين احببت. قال
زياد: فلما قضى معاوية‏كلامه، حمدت اللّه عز وجل واثنيت
عليه، ثم قلت:
اما بعد: فاني على بينة من ربي، وبما انعم علي، فلن اكون
ظهيرا للمجرمين، ثم قمت((1429)).
وروى ابن ديزيل من طريق عمرو بن سعد باسناده، ان قراء اهل
العراق، وقراء اهل الشام عسكروا ناحية‏وكانوا قريبا من ثلاثين
الفا، وان جماعة من قراء العراق منهم: عبيدة السلماني،
وعلقمة بن قيس، وعامر بن‏عبد قيس، وعبداللّه بن عتبة بن
مسعود وغيرهم، جاؤوا معاوية فقالوا له: ما تطلب؟ قال: اطلب
بدم عثمان.قالوا: فمن تطلب به؟ قال: عليا. قالوا: اهو قتله؟
قال: نعم وآوى قتلته. فانصرفوا الى علي فذكروا له ما قال‏فقال:
((كذب لم اقتله وانتم تعلمون اني لم اقتله))، فرجعواالى
معاوية، فقال: ان لم يكن قتله بيده فقد امررجالا، فرجعوا الى
علي فقال: ((واللّه لاقتلت ولا امرت ولا ماليت)). فرجعوا فقال
معاوية: فان كان‏صادقافليقدنا من قتلة عثمان، فانهم في
عسكره وجنده. فرجعوا، فقال علي: ((تاءول القوم عليه القرآن
في‏فتنة ووقعت الفرقة لاجلها، وقتلوه في سلطانه وليس لي
عليهم سبيل)). فرجعوا الى معاوية فاءخبروه،فقال: ان كان
الامر على ما يقول فما له انفذ الامر دوننا من غير مشورة منا ولا
ممن هاهنا؟ فرجعوا الى علي‏فقال علي: ((انما الناس مع
المهاجرين والانصار، فهم شهود الناس على ولايتهم وامر
دينهم، ورضواوبايعوني، ولست استحل ان ادع مثل معاوية
يحكم على الامة ويشق عصاها))، فرجعوا الى معاوية، فقال:ما
بال من هاهنا من المهاجرين والانصار لم يدخلوا في هذا الامر؟
فرجعوا، فقال علي: ((انما هذا للبدريين‏دون غيرهم، وليس
على وجه الارض بدري الا وهو معي، وقد بايعني وقد رضي، فلا
يغرنكم من دينكم‏وانفسكم))((1430)).
هاهنا تجد الباغي متجهما تجاه تلك الدعوة الحقة كاءنه هو
بمفرده، او هو وطغام الشام والاحلاف الذين‏حوله بيدهم عقدة
امر الامة، تنحل وتعقد بمشيئتهم والمهاجرون والانصار
والبدريون من الصحابة قط لاقيمة لهم، ولا لبيعتهم
وجماعتهم، عنده في سوق الاعتبار، يقول: ان الجماعة معه،
وان الطاعة لا يراها هو،على حين انهما حصلتا له صلوات اللّه
عليه رضي به ابن هند او ابى، وان الجماعة التي كانت لعلي
(ع)وبيعتهم اياه كانت من سروات المجد، واهل الحل والعقد
من المهاجرين والانصار، ووجوه الامصار والبلاد،ولم يتحقق
اجماع في الاسلام مثله، واما التي كانت لمعاوية في حسبانه
فمن رعرعة الشام، ورواد الفتن،وسماسرة الاهواء، ولم يكن معه
كما قال سيدنا قيس بن سعد بن عبادة : الا طليق اعرابي او
يماني‏مستدرج، وكان معه مائة الف ما فيهم من يفرق بين
الناقة والجمل، كما مرحديثه في (ص‏195)، فاءي عبرة‏بموقف
هؤلاء؟ واي قيمة لبيعتهم بعد شذوذهم عن الحق، ونبذهم اياه
وراء ظهورهم؟
من يكن ابن آكلة الاكباد وزبانيته حتى يكون لهم راي في
الخلافة؟ ويطلبوا من امير المؤمنين اعتزال الامر،ورده شورى
بين المسلمين، بعد ان العمد والدعائم من المسلمين رضوا
بتلكم البيعة وعقدوها للامام الحق‏على زهد منه (ع) فيها،
لكنهم تكاثروا عليه كعرف الفرس، حتى لقد وطئ الحسنان،
وشق عطفاه، فكان‏تدخل الطليق ابن الطليق في‏امر الامة الذي
اصفق عليه رجال الراي والنظر تبرعا منه من غير طلب
ولاجدارة، بل كان خروجا على الامام الذي كانت معه جماعة
المسلمين، وانعقدت عليه طاعتهم، فتبا لمن شق‏عصاهم،
وفت في عضدهم.
وابن هند ان لم يكن ينازع للخلافة كما حسبه ابن حجر، فما
كانت تلك المحاباة وتغرير وجوه‏الناس‏ورجالات‏الثورات
بولايات‏البلاد؟فترى يجعل‏مصر طعمة لعمرو ابن‏العاص، وله
خطواته‏الواسعة‏وراء قتل عثمان، ويعهد على زياد التميمي ان
يوليه اي المصرين احب اذا ظهر، غير ان التميمي كان على
بينة‏من ربه فيما انعم اللّه عليه لم يك ظهيرا للمجرمين،
وكذلك قيس بن سعد الانصاري، كتب اليه معاوية
يعده‏بسلطان العراقين اذا ظهر ما بقي، ولمن احب قيس
سلطان الحجاز ما دام له سلطان((1431))، وقيس
شيخ‏الانصار، وهم المتسربلون بالحديد يوم الجمل، قائلين:
نحن قتلة عثمان.
ولنا حق النظر في قوله لشبث بن ربعي: وما يمنعني من ذلك،
واللّه لو امكنت‏من ابن سمية ما قتلته بعثمان...الى آخره. من
الذي اخبر معاوية عن عمار وعن قتله عثمان ومولاه ناتل؟
وكان معاوية يومئذ بالشام،ولينظر في البينة التي حكم بها على
عمار، ولعلها قامت بشهادة مزورة زورها نفس معاوية جريا على
عادته‏في امثال هذه المواقف.
وان صدق في دعواه وكان الامر كما قرره هو، فلا قود عندئذ، اذ
عمار من المجتهدين العدول، لا يقتل‏انساناالا من هدر الاسلام
دمه، يتبع اثره، ولا ينقض حكمه، كيف لا؟ وقد ورد الثناء عليه
في خمس آيات‏فصلناها في (9/21 24)، وجاء عن النبي
الاعظم قوله(ص): ((ان عمارا ملئ ايمانا من قرنه الى
قدمه،وخلط الايمان بلحمه ودمه)).
وقوله(ص) ((عمار خلط اللّه الايمان ما بين قرنه الى قدمه،
وخلط الايمان بلحمه ودمه، يزول مع الحق‏حيث‏زال، وليس
ينبغي للنار ان تاءكل منه شيئا)).
وقوله(ص): ((ملئ ايمانا الى مشاشه. وفي لفظ: حشي ما بين
اخمص قدميه الى شحمة اذنيه‏ايمانا)).
وقوله(ص): ((ان عمارا مع الحق والحق معه، يدور عمار مع
الحق اينما دار، وقاتل عمار في‏النار)).
وقوله(ص): ((اذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق)).
وقوله(ص): ((دم عمار ولحمه حرام على النار ان تطعمه)).
وقوله(ص): ((ما لهم ولعمار؟ يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى
النار، ان عمارا جلدة ما بين عيني وانفي، فاذابلغ ذلك من
الرجل فلم يستبق فاجتنبوه)).
نعم: صدق معاوية في قوله: ما يمنعني من ذلك؟ واي وازع
للانسان عن قتل عمار اذا ما صدق النبي(ص) في‏اقواله هذه
وقوله: ((ما لقريش وعمار يدعوهم الى الجنة، ويدعونه الى
النار، قاتله وسالبه في النار)).
وقوله: ((من عادى عمارا عاداه اللّه، ومن ابغض عمارا ابغضه
اللّه، ومن يسفه عمارا يسفهه اللّه، ومن‏يسب‏عمارا يسبه اللّه،
ومن يحقر عمارا حقره اللّه، ومن يلعن عمارا لعنه اللّه، ومن
ينتقص عمارا ينتقصه‏اللّه))((1432)).
وفد معاوية الى الامام (ع) :
وبعث معاوية الى علي: حبيب بن مسلمة الفهري، وشرحبيل
بن السمط، ومعن بن يزيد بن الاخنس،فدخلوا عليه، وتكلم
حبيب، فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال:
اما بعد: فان عثمان بن عفان (رضى‏ا...عنه) كان خليفة مهديا،
يعمل بكتاب اللّه عز وجل، وينيب الى امر اللّهتعالى، فاستثقلتم
حياته، واستبطاءتم وفاته، فعدوتم عليه فقتلتموه
(رضى‏ا...عنه)، فادفع الينا قتلة عثمان ان‏زعمت انك لم تقتله
نقتلهم به، ثم اعتزل امر الناس، فيكون امرهم شورى بينهم،
يولي الناس امرهم من‏اجمع عليه رايهم.
فقال له علي بن ابي طالب: ((وما انت لا ام لك والعزل، وهذا
الامر؟ اسكت، فانك لست هناك ولا باءهل‏له)). فقام وقال له:
واللّه لتريني بحيث تكره. فقال علي: ((وما انت ولو اجلبت
بخيلك ورجلك؟ لا ابقى اللّهعليك ان ابقيت علي، احقرة
وسوءا؟ اذهب فصوب وصعد ما بدا لك)).
وقال شرحبيل: اني ان كلمتك فلعمري ما كلامي الا مثل كلام
صاحبي قبل، فهل عندك جواب غير الذي‏اجبته به؟ فقال علي:
((نعم، لك ولصاحبك جواب غير الذي اجبته به))، فحمد اللّه
واثنى عليه، ثم قال:
((اما بعد: فان اللّه جل ثناؤه بعث محمدا(ص) بالحق، فاءنقذ به
من الضلالة، وانتاش به من الهلكة، وجمع به‏من الفرقة، ثم
قبضه اللّه اليه، وقد ادى ما عليه(ص)، ثم استخلف الناس ابا بكر
(رضى‏ا...عنه)، واستخلف‏ابوبكر عمر (رضى‏ا...عنه)، فاءحسنا
السيرة، وعدلا في الامة، وقد وجدنا عليهما ان توليا علينا،
ونحن آل‏رسول اللّه (ص) فغفرنا ذلك لهما، وولي عثمان
(رضى‏ا...عنه) فعمل باءشياء عابها الناس عليه، فساروا
اليه‏فقتلوه، ثم اتاني الناس وانا معتزل امورهم، فقالوا لي: بايع،
فاءبيت عليهم، فقالوا لي: بايع، فان الامه لاترضى الا بك، وانا
نخاف ان لم تفعل ان يفترق الناس، فبايعتهم، فلم يرعني الا
شقاق رجلين قد بايعاني،وخلاف معاوية الذي لم يجعل اللّه عز
وجل له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الاسلام، طليق
ابن‏طليق، حزب من هذه الاحزاب، لم يزل للّه عز وجل
ولرسوله(ص) وللمسلمين عدوا، هو وابوه، حتى دخلافي
الاسلام كارهين، فلا غرو الا خلافكم معه، وانقيادكم له،
وتدعون آل نبيكم(ص) الذين لاينبغي لكم‏شقاقهم ولا
خلافهم، ولا ان تعدلوا بهم من الناس احدا، الا اني ادعوكم الى
كتاب اللّه عز وجل، وسنة‏نبيه(ص) واماتة الباطل، واحياء معالم
الدين، اقول قولي هذا، واستغفر اللّه لي ولكم ولكل مؤمن
ومؤمنة‏ومسلم ومسلمة)).
فقالا: اشهد ان عثمان (رضى‏ا...عنه) قتل مظلوما. فقال لهما:
((لا اقول انه قتل مظلوما، ولا انه قتل ظالما)).قالا: فمن لم
يزعم ان عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء. ثم قاما فانصرفا،
فقال علي: ( انك لا تسمع الموتى‏ولا تسمع الصم الدعاء اذا ولوا
مدبرين # وما اءنت بهادي العمي عن ضلالتهم ان تسمع الا من
يؤمن بياتنا فهم‏مسلمون )((1433)).((1434))
انباء في طيات الكتب تعرب عن مرمى معاوية :
هلم معي ننظر في شطر من كتب ابن حرب المعربة عن مرماه
الذي كان تركاضه وراءه، هل فيها ايعاز اوتلويح او تصريح بغايته
المتوخاة في نزاعه الامام الطاهر (ع)، وانه كان يروم الخلافة
ويحوم حولها وينازع‏الامر اهله، رغم انكار ابن‏حجر اياه انكارا باتا
نصرة له.
ان النعمان بن بشير لما قدم على معاوية بكتاب زوجة عثمان
تذكر فيه دخول القوم عليه، وما صنع محمد بن‏ابي بكر من
نتف لحيته، في كتاب رققت فيه وابلغت حتى اذا سمعه السامع
بكى حتى يتصدع قلبه. وبقميص‏عثمان مخضبا بالدم ممزقا،
وعقدت شعر لحيته في زر القميص، قال: فصعد المنبر معاوية
بالشام وجمع الناس،ونشر عليهم القميص، وذكر ما صنعوا
بعثمان فبكى الناس وشهقوا حتى كادت نفوسهم ان تزهق، ثم
دعاهم‏الى الطلب بدمه، فقام اليه اهل الشام فقالوا: هو ابن
عمك وانت وليه، ونحن الطالبون معك بدمه، فبايعوه‏اميرا
عليهم، وكتب، وبعث‏الرسل الى كور الشام، وكتب الى شرحبيل
بن السمط الكندي وهو بحمص،ياءمره ان يبايع له بحمص كما
بايع اهل الشام، فلما قرا شرحبيل كتاب معاوية، دعا اناسا من
اشراف اهل‏حمص، فقال لهم: ليس من قتل عثمان باءعظم
جرما ممن يبايع لمعاوية اميرا، وهذه سقطة، ولكنا نبايع
له‏بالخلافة، ولا نطلب بدم عثمان مع غير خليفة، فبايع لمعاوية
بالخلافة هو واهل حمص، ثم كتب الى معاوية:اما بعد: فانك
اخطاءت خطاء عظيما حين كتبت الي ان ابايع لك بالامرة،
وانك تريد ان تطلب بدم الخليفة‏المظلوم وانت غير خليفة، وقد
بايعت ومن قبلي لك بالخلافة.
فلما قرا معاوية كتابه سره ذلك، ودعا الناس، وصعد المنبر
واخبرهم بما قال شرحبيل، ودعاهم الى بيعته‏بالخلافة،
فاءجابوه ولم يختلف منهم احد، فلما بايع القوم له بالخلافة،
واستقام له الامر، كتب الى علي((1435)).
وفي حديث عثمان بن عبيد اللّه الجرجاني قال:
بويع معاوية على الخلافة، فبايعه الناس على كتاب اللّه وسنة
نبيه، فاءقبل مالك ابن هبيرة الكندي وهويومئذ رجل من اهل
الشام فقام خطيبا، وكان غائبا من‏البيعة، فقال: يا امير المؤمنين
اخدجت هذا الملك،وافسدت الناس، وجعلت للسفهاء
مجالا((1436))، وقد علمت العرب انا حي فعال، ولسنا بحي
مقال، وانا ناءتي‏بعظيم فعالنا على قليل مقالنا، فابسط يدك
ابايعك على ما احببنا وكرهنا.
فقال الزبرقان بن عبداللّه السكوني:
معاوي اخدجت الخلافة بالتي
شرطت فقد بوا لك الملك مالك
ببيعة فصل ليس فيها غميزة
الا كل ملك ضمه الشرط هالك
وكان كبيت العنكبوت مذبذبا
فاءصبح محجوبا عليه الارائك
واصبح لا يرجوه راج لعلة
ولا تنتحي فيه الرجال الصعالك
وما خير ملك يا معاوي مخدج
تجرع فيه الغيظ والوجه حالك
اذا شاء ردته السكون وحمير
وهمدان والحي الخفاف السكاسك((1437))
جرت بين الامام (ع) وبين معاوية مكاتبات، نحن ناءخذ من
تلكم الكتب مايخص الموضوع، كتب (ع) اليه‏في اول ما بويع له
بالخلافة:
((اما بعد: فقد علمت اعذاري فيكم، واعراضي عنكم، حتى كان
مالابد منه، ولا دفع له، والحديث طويل،والكلام كثير، وقد ادبر
ما ادبر، واقبل ما اقبل، فبايع من قبلك، واقبل الي في وفد من
اصحابك،والسلام)).
وفي لفظ :
((اما بعد: فان الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة مني،
وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع، فاذا اتاك كتابي‏فبايع لي،
واوفد الي اشراف اهل الشام قبلك)).
وفي لفظ ابن قتيبة: ((اما بعد: فقد وليتك ما قبلك من الامر
والمال، فبايع من قبلك، ثم اقدم الي في الف رجل‏من اهل
الشام)).
فكتب معاوية: اما بعد، فانه:
ليس بيني وبين قيس عتاب
غير طعن الكلى وضرب الرقاب
ومن كتاب له (ع) الى معاوية: ((وقد بلغك ما كان من قتل
عثمان، وبيعة الناس عامة اياي، ومصارع الناكثين‏لي، فادخل
فيما دخل الناس فيه، والا فاءنا الذي عرفت، وحولي من تعلمه.
والسلام)).
ومما كتب (ع) اليه مع جرير البجلي: ((فان بيعتي بالمدينة
لزمتك وانت بالشام، لانه بايعني القوم الذين بايعواابابكر وعمر
وعثمان على ما بايعوهم عليه، فلم يكن للشاهد ان يختار ولا
للغائب ان يرد، وانماالشورى‏للمهاجرين والانصار، فاذا اجتمعوا
على رجل وسموه اماما، كان ذلك للّه رضا، وان خرج عن
امرهم‏خارج بطعن او بدعة((1438)) ردوه الى ما خرج منه،
فان ابى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين، وولا ه اللّهما
تولى، واصلاه جهنم وساءت مصيرا.
فادخل فيما دخل فيه المسلمون، فان احب الامور الي قبولك
العافية((1439))، الا ان تتعرض للبلاء، فان‏تعرضت له قاتلتك،
واستعنت باللّه عليك، وقد اكثرت في قتلة عثمان، فان انت
رجعت عن رايك وخلافك،ودخلت فيما دخل فيه المسلمون،
ثم حاكمت القوم الي، حملتك واياهم على كتاب اللّه، واما تلك
التي تريدهافهي خدعة الصبي عن اللبن.
واعلم انك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة، ولا تعقد
معهم الامامة، ولايدخلون في الشورى، وقدبعثت اليك والى
من قبلك جرير بن عبداللّه البجلي، وهو من اهل الايمان
والهجرة، فبايعه، ولا قوة الا باللّه)).
قدم جرير على معاوية بكتاب علي، فلما ابطاء عليه معاوية برايه
استحثه بالبيعة، فقال له معاوية: يا جريران البيعة ليست
بخلسة، وانه امر له ما بعده، فاءبلعني ريقي، ودعا اهل ثقته
فاستشارهم، فقال له اخوه عتبة:استعن على هذا الامر بعمرو
بن العاص، فانه من قد عرفت، فكتب معاوية الى عمرو، وهو
بفلسطين.
اما بعد: فقد كان من امر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك، وقد
سقط الينا مروان بن الحكم في نفر من اهل‏البصرة، وقدم علينا
جرير بن عبداللّه في بيعة علي، وقد حبست نفسي عليك،
فاقدم على بركة اللّه اذاكرك‏امورا لا تعدم صلاح مغبتها ان شاء
اللّه.
فقال معاوية لجرير: اني قد رايت رايا، قال جرير: هات. قال:
اكتب الى علي ان يجعل لي الشام ومصرجباية، فان حضرته
الوفاة لم يجعل لاحد من بعده في عنقي بيعة، واسلم اليه هذا
الامر، واكتب اليه بالخلافة.قال جرير: اكتب ما شئت. فكتب الى
علي يساءله ذلك، فلما اتى عليا كتاب معاوية عرف انها خدعة
منه،وكتب الى جرير بن عبداللّه:
اما بعد: ((فان معاوية انما اراد بما طلب الا يكون لي في عنقه
بيعة، وان يختار من امره ما احب، واراد ان‏يريثك ويبطئك
حتى يذوق اهل الشام، وقد كان المغيرة ابن شعبة اشار علي وانا
بالمدينة ان استعمله على‏الشام، فاءبيت ذلك عليه((1440))،
ولم يكن اللّه ليراني ان اتخذ المضلين عضدا، فان بايعك الرجل
والا فاءقبل.والسلام))((1441)).
ولما فشا كتاب معاوية في العرب، كتب اليه اخو عثمان لامه
الوليد بن عقبة:
معاوي ان الشام شامك فاعتصم
بشامك لا تدخل عليك الافاعيا
وحام عليها بالصوارم والقنا
ولا تك موهون الذراعين وانيا
وان عليا ناظر ما تجيبه
فاءهد له حربا تشيب النواصيا
والا فسلم ان في السلم راحة
لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا
وان كتابا يا بن حرب كتبته
على طمع يزجي اليك الدواهيا
ساءلت عليا فيه ما لن تناله
وان نلته لم تبق الا لياليا
وسوف ترى منه التي ليس بعدها
بقاء فلا تكثر عليك الامانيا
امثل علي تعتريه بخدعة
وقد كان ما جربت من قبل كافيا
وكتب الى معاوية ايضا:
معاوي ان الملك قد جب غاربه
وانت بما في كفك اليوم صاحبه
اتاك كتاب من علي بخطة
هي الفصل فاختر سلمه او تحاربه
فلا ترج عند الواترين مودة
ولا تاءمن اليوم الذي انت راهبه
وحاربه ان حاربت حر ابن حرة
والا فسلم لا تدب عقاربه
فان عليا غير ساحب ذيله
على خدعة ما سوغ الماء شاربه
فلا تدعن الملك والامر مقبل
وتطلب ما اعيت عليه مذاهبه
فان كنت تنوي ان تجيب كتابه
فقبح ممليه وقبح كاتبه
وان كنت تنوي ان ترد كتابه
وانت باءمر لا محالة راكبه
فاءلق الى الحي اليمانين كلمة
عدو ومالاهم عليه اقاربه((1442))
افانين منهم قاتل ومحرض
بلا ترة كانت وآخر سالبه
وكنت اميرا قبل بالشام فيكم
فحسبي واياكم من الحق واجبه
تجيبوا ومن ارسى ثبيرا مكانه
تدافع بحر لا ترد غواربه((1443))
فاءقلل واكثر مالها اليوم صاحب
سواك فصرح لست ممن تواربه((1444))
فاءقام جرير عند معاوية ثلاثة اشهر. وقيل: اربعة. وهو يماطله
بالبيعة،فكتب علي الى جرير:
((سلام عليك، اما بعد: فاذا اتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على
الفصل، وخذه‏بالامر الجزم، وخيره بين‏حرب مجلية، او سلم
مخزية، فان اختار الحرب فانبذ اليهم على سواء ان اللّه لا يحب
الخائنين، وان اختارالسلم فخذ بيعته واقبل الي، والسلام)).
فكتب معاوية الى علي جوابا عن كتابه مع جرير:
اما بعد: فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك وانت بري‏ء من
دم عثمان لكنت كاءبي بكر وعمر وعثمان‏رضي اللّه عنهم
اجمعين، ولكنك اغريت بدم عثمان المهاجرين، وخذلت عنه
الانصار، فاءطاعك الجاهل،وقوي بك الضعيف، وقد ابى اهل
الشام الا قتالك، حتى تدفع اليهم قتلة عثمان، فان فعلت كانت
شورى بين‏المسلمين، وانما كان الحجازيون هم الحكام على
الناس والحق فيهم، فلما فارقوه كان الحكام على الناس
اهل‏الشام، ولعمري ما حجتك علي كحجتك على طلحة
والزبير، لانهما بايعاك ولم ابايعك، وما حجتك على اهل‏الشام
كحجتك على اهل البصرة، لان اهل البصرة اطاعوك، ولم
يطعك اهل الشام.
فكتب اليه الامام (ع):
((زعمت انك انما افسد عليك بيعتي خفري((1445)) بعثمان،
ولعمري ما كنت الا رجلا من المهاجرين، اوردت كمااوردوا،
واصدرت كما اصدروا، وما كان ليجمعهم على ضلال، ولا
ليضربهم بالعمى، وما امرت فلزمتني‏خطيئة الامر، ولا قتلت
فاءخاف على نفسي قصاص القاتل.
واما قولك: ان اهل الشام هم حكام اهل الحجاز، فهات رجلا من
قريش الشام يقبل في الشورى، او تحل‏له‏الخلافة، فان سم يت
كذبك المهاجرون والانصار، ونحن ناءتيك به من قريش
الحجاز، فارجع الى البيعة التي‏لزمتك، وحاكم القوم الي.
واما تمييزك بين اهل الشام والبصرة، وبينك وبين طلحة
والزبير، فلعمري فماالامر هناك‏الا واحد، لانهابيعة‏عامة، لا
يتاءتى((1446))فيها النظر، ولا يستاءنف‏فيها الخيار)).
ومن كتاب كتبه معاوية الى علي (ع) في اواخر حرب صفين:
فان كنت اءبا حسن انما تحارب على الامرة والخلافة، فلعمري
لو صحت خلافتك لكنت قريبا من ان تعذرفي حرب
المسلمين، ولكنها ما صحت لك، انى بصحتها واهل الشام لم
يدخلوا فيها ولم يرتضوها؟ وخف اللّهوسطواته، واتق‏باءسه
ونكاله، واغمد سيفك عن الناس، فقد واللّه اكلتهم الحرب، فلم
يبق منهم الا كالثمد((1447))في قرارة الغدير. واللّه المستعان.
فكتب علي (ع) اليه كتابا منه:
((واما تحذيرك اياي ان يحبط عملي وسابقتي في الاسلام،
فلعمري لو كنت‏الباغي عليك لكان لك ان تحذرني‏ذلك،
ولكني وجدت اللّه تعالى يقول: ( فقاتلوا التي تبغي حتى تفي‏ء
الى امر اللّه ) فنظرنا الى الفئتين، اماالفئة الباغية فوجدناها
الفئة التي انت فيها، لان بيعتي لزمتك وانت بالشام، كما
لزمتك بيعة عثمان بالمدينة،وانت امير لعمر على الشام، وكما
لزمت يزيد اخاك بيعة عمر وهو امير لابي بكر على الشام.
واما شق عصا هذه الامة، فاءنا احق ان انهاك عنه، فاءما تخويفك
لي من قتل اهل البغي، فان رسول اللّه(ص)امرني بقتالهم
وقتلهم، وقال لاصحابه: ان فيكم من يقاتل على تاءويل القرآن
كما قاتلت على تنزيله. واشارالي، وانا اولى من اتبع امره. واما
قولك: ان بيعتي لم تصح، لان اهل الشام لم يدخلوا فيها،
فكيف؟ وانما هي‏بيعة واحدة تلزم الحاضر والغائب، لا يثنى فيها
النظر، ولا يستاءنف فيها الخيار، الخارج منها
طاعن،والمروي((1448)) فيها مداهن، فاربع على ظلعك،
وانزع سربال غيك. واترك ما لا جدوى له عليك، فليس
لك‏عندي الا السيف، حتى تفي‏ء الى امر اللّه صاغرا، وتدخل في
البيعة راغما، والسلام)).
ومن كتاب لمعاوية الى علي (ع):
فدع اللجاج والعبث جانبا، وادفع الينا قتلة عثمان، واعد الامر
شورى بين المسلمين، ليتفقوا على من هو للّهرضا، فلا بيعة
لك في اعناقنا، ولا طاعة لك علينا، ولا عتبى لك عندنا، وليس
لك ولاصحابك الا السيف.
فاءجابه الامام (ع) بكتاب منه قوله:
((وزعمت ان افضل الناس في الاسلام فلان وفلان، فذكرت
امرا ان تم‏اعتزلك كله، وان نقص لم يلحقك‏ثلمه، وما انت
والفاضل والمفضول؟ والسائس والمسوس؟ وما للطلقاء وابناء
الطلقاء والتمييز بين‏المهاجرين الاولين، وترتيب درجاتهم،
وتعريف طبقاتهم؟ هيهات لقد حن قدح ليس منها، وطفق
يحكم‏فيها من عليه الحكم لها، الا تربع ايها الانسان على
ظلعك؟ وتعرف قصور ذرعك، وتتاءخر حيث اخرك‏القدر؟ فما
عليك غلبة المغلوب، ولا لك ظفر الظافر)).
ومنه قوله (ع):
((وذكرت انه ليس لي ولاصحابي عندك الا السيف، فلقد
اضحكت بعد استعبار، متى الفيت بني عبد المطلب‏عن الاعداء
ناكلين، وبالسيوف مخوفين؟! فلبث قليلا يلحق الهيجا
حمل((1449))، فسيطلبك من تطلب، ويقرب‏منك ما
تستبعد، وانا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والانصار
والتابعين لهم باحسان، شديدزحامهم، ساطع قتامهم،
متسربلين سرابيل الموت، احب اللقاء اليهم لقاء ربهم، وقد
صحبتهم ذرية بدرية،وسيوف هاشمية، قد عرفت مواقع نصالها
في اخيك وخالك وجدك واهلك، وما هي من الظالمين
ببعيد)).
ولما نزل علي (ع) الرقة، قالت له طائفة من اصحابه: يا امير
المؤمنين اكتب الى معاوية ومن قبله من قومك،فان الحجة لا
تزداد عليهم بذلك الا عظما. فكتب اليهم:
((من عبداللّه علي امير المؤمنين الى معاوية ومن قبله من
قريش: