سلام عليكم، فاني احمد اليكماللّه الذي لا اله الا هو، اما بعد:
فان للّه عباداآمنوا بالتنزيل، وعرفوا التاءويل،وفقهوا في الدين،
وبين اللّه فضلهم في القرآن الحكيم، وانتم في ذلك الزمان
اعداء للرسول، تكذبون بالكتاب،مجمعون على حرب
المسلمين، من ثقفتم منهم حبستموه او عذبتموه او قتلتموه،
حتى اراد اللّه تعالى اعزازدينه، واظهار امره، فدخلت العرب في
الدين افواجا، واسلمت له هذه الامة طوعا وكرها، فكنتم
فيمندخل في هذا الدين اما رغبة او رهبة، على حين فاز اهل
السبق بسبقهم ، وفاز المهاجرون الاولون بفضلهم،ولا ينبغي
لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين، ولا فضائلهم في
الاسلام، ان ينازعهم الامر الذي هم اهله،واولى به فيحوب
ويظلم ، ولا ينبغي لمن كان له عقل ان يجهل قدره، ويعدو
طوره، ويشقي نفسه بالتماس ماليس باءهله، فان اولى الناس
باءمر هذه الامة قديما وحديثا اقربها من الرسول، واعلمها
بالكتاب، وافقهها فيالدين، اولهم اسلاما، وافضلهم جهادا،
واشدهم بما تحمله الائمة من امر الامة اضطلاعا، فاتقوا اللّه
الذي اليهترجعون، ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق
وانتم تعلمون، واعلموا انخيار عباد اللّه الذينيعملون
بمايعلمون، وان شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل اهل
العلم، فانللعالم بعلمه فضلا، وان الجاهل لايزداد بمنازعته
العالم الا جهلا، الا واني ادعوكم الى كتاب اللّه وسنة نبيه،
وحقن دماء هذه الامة، فان قبلتماصبتم رشدكم، واهتديتم
لحظكم، وان ابيتم الا الفرقة وشق عصا هذه الامة، لم تزدادوا
من اللّه الا بعدا، ولايزداد الرب عليكم الا سخطا،
والسلام))((1450)).
راجع((1451)): الامامة والسياسة (1/20، 71، 72، 77، 78)،
كتاب صفين(ص34، 38، 58، 59، 62 65 طبعةمصر)، كامل
المبرد (1/155، 157)، العقد الفريد (2/233، وفي طبعة:
ص284) نهج البلاغة (2/7، 8، 30،35، 98)، شرح ابن ابي
الحديد (1/77، 136، 248، 252 و 3/300، 302)، صبح الاعشى
(1/229)، نهايةالارب (7/233). ومر بعض هذه الكتب بتمامه
في هذا الجزء.
قال الاميني : الم تعلم ايها القارئ الكريم عقيب ما استشففت
هذه الكتب المترددة بين امام الحق ورجلالسوء معاوية، انه
حين يسر حسوا في ارتغاء((1452))، محتجا بقتل عثمان تارة،
وبايواء قاتليه تارة اخرى،وبطلبه حقن الدماء كمن لا يبتغيه هو،
انه كان لا يبتغي الا الخلافة؟ وانه يعدو اليها ضابحا، ويضحي
دونهابكل غال ورخيص، ويهب دونها الولايات، ويمنح تجاهها
المنائح، ويهب الرضائخ، ويستهوي بها النفوسالخائرة،
ومهملجي نهمة الحاكمية، ويستهين ببيعة المهاجرين
والانصار، وهم الب واحد لبيعة امام الهدىصلوات اللّه عليه،
ويحسبهم قد فارقوا الحق وخبطوا في العمى، ويرجح كفة
الشام على كفة عاصمةالاسلام، واهلوه هم الصحابة العدول من
المهاجرين والانصار، على انه ليس للطليق ابن الطليق ان
يتدخلفي شاءنهم اثبتوا دعائمه، وشيدوا معالمه، ومن الذي
منحه النظر في امر هذا شاءنه؟ ومتى كان له ولطغام الشامان
يجابهوا امرة الحق التي نهض بها اهل الحل والعقد؟ ولم يباشر
الحرب هنالك الا بعد ان اتم الامام (ع)عليه الحجة، والحب له
الطريق، واوقفه على حكم اللّه البات وامره النهائي، غير ان
معاوية في اذنه وقر عنسماع كلم الحق والبخوع لها، والملك
عقيم.
تصريح لا تلويح يعرب عن مرمى ابن هند :
مر في سالف القول (ص317) ان معاوية قال لجرير: يجعل علي
له الشام ومصر جباية، ويكون الامر لهبعده، حتى يكتب اليه
بالخلافة، وكتب بذلك اليه(ع)،وكتب اليه (ع) يساءله اقراره
على الشام، فكتب اليهعلي (ع):
((اما بعد: فان الدنيا حلوة خضرة، ذات زينة وبهجة، لم يصب
اليها احد الا شغلته بزينتها عما هو انفع لهمنها، وبالاخرة امرنا،
وعليها حثثنا، فدع يا معاوية ما يفنى، واعمل لما يبقى، واحذر
الموت الذي اليهمصيرك، والحساب الذي اليه عاقبتك، واعلم
ان اللّه تعالى اذا اراد بعبد خيرا حال بينه وبين ما يكره،
ووفقهلطاعته، واذا اراد بعبد سوءا اغراه بالدنيا وانساه الاخرة،
وبسط له امله، وعاقه عما فيه صلاحه، وقدوصلني كتابك
فوجدتك ترمي غير غرضك، وتنشد غير ضالتك، وتخبط في
عماية، وتتيه في ضلالة، وتعتصمبغير حجة، وتلوذ باءضعف
شبهة.
فاءما سؤالك المتاركة والاقرار لك على الشام، فلو كنت فاعلا
ذلك اليوم لفعلته امس، واما قولك: ان عمرولا كه فقد عزل
من كان ولا ه صاحبه((1453))، وعزل عثمان من كان عمر ولا
ه((1454))، ولم ينصب للناس امام الا ليرى من صلاح الامة ما
قد كان ظهر لمن قبله او اخفي عنه عيبه، والامر يحدث بعده
الامر، ولكل وال رايواجتهاد))((1455)).
وكتب الرجل اليه(ص) ثانية قبل ليلة الهرير بيومين او ثلاثة
يساءله اقراره على الشام، وذلك ان عليا(ع)قال: ((لاناجزنهم
مصبحا )). وتناقل الناس كلمته، ففزع اهل الشام لذلك، فقال
معاوية: قد رايت ان اعاودعليا واساءله اقراري على الشام، فقد
كنت كتبت اليه ذلك فلم يجب اليه((1456))، ولاكتبن ثانية،
فاءلقي في نفسهالشك والرقة، فكتب اليه:
اما بعد: فانك لو علمت وعلمنا ان الحرب تبلغ بنا وبك ما
بلغت، لم يجنها بعضنا على بعض، ولئن كنا قدغلبنا على
عقولنا، لقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى، ونصلح به ما
بقي، وقد كنت ساءلتك الشام علىان لا تلزمني لك بيعة
وطاعة، فاءبيت ذلك علي، فاءعطاني اللّه ما منعت، وانا ادعوك
اليوم الى ما دعوتك اليهامس، فاني لا ارجو من البقاء الا ما
ترجو، ولا اخاف من الفناء الا ما تخاف، وقد واللّه رقت
الاجناد،وذهبت الرجال، ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على
بعض فضل الا فضل لا يستذل به عزيز، ولايسترق به حر،
والسلام.
فاءجابه علي (ع):
((اما بعد فقد جاءني كتابك تذكر انك لو علمت وعلمنا ان
الحرب تبلغ بنا وبك «ما بلغت»((1457)) لم يجنهابعضنا على
بعض، فاني لو قتلت في ذات اللّه وحييت، ثم قتلت ثم حييت
سبعين مرة لم ارجع عن الشدة فيذات اللّه، والجهاد لاعداء
اللّه، واما قولك: انه قد بقيمن عقولنا ما نندم على ما مضى
فاني ما تنقصت عقلي،ولا ندمت على فعلي، واما طلبك الي
الشام فاني لم اكن لاعطيك اليوم ما منعتك امس، واما قولك:
انالحرب قد اكلت «العرب»((1458)) الا حشاشات انفس
بقيت، الا ومن اكله الحق فالى الجنة، ومن اكله الباطلفالى
النار)) الكتاب((1459)).
وكتب معاوية الى ابن عباس:
اما بعد: فانكم معشر بني هاشم لستم الى احد اسرع منكم
بالمساءة الى انصار ابن عفان حتى انكم قتلتمطلحة والزبير
لطلبهما بدمه، واستعظامهما ما نيل منه، فان كان ذلك
منافسة لبني امية في السلطان، فقد وليهاعدي وتيم((1460))
فلمتنافسوهم واظهرتم لهم الطاعة.
وقد وقع من الامر ما قد ترى، وادالت هذه الحرب بعضنا على
بعض حتى استوينا فيها، فما يطمعكم فينايطمعنا فيكم، وما
يؤيسنا منكم يؤيسكم منا، ولقد رجونا غير الذي كان، وخشينا
دون ما وقع، ولستمملاقينا اليوم باءحد من حدكم امس، ولا
غدا باءحد من حدكم اليوم، وقد قنعنا بما في ايدينا من ملك
الشام،فاقنعوا بما في ايديكم من ملك العراق، وابقوا على
قريش، فانما بقي من رجالها ستة: رجلان بالشام،ورجلان
بالعراق، ورجلان بالحجاز، فاءما اللذان بالشام فاءنا وعمرو، واما
اللذان بالعراق فاءنت وعلي، وامااللذان بالحجاز فسعد وابن
عمر((1461))، فاثنان من الستة ناصبان لك، واثنان واقفان
فيك، وانت راس هذاالجمع، ولو بايع لك الناس بعد عثمان كنا
اليك اسرع منا الى علي.
فكتب ابن عباس اليه:
اما بعد: فقد جاءني كتابك وقراته، فاءما ما ذكرت من سرعتنا
بالمساءة الى انصار عثمان وكراهتنا لسلطانبني امية، فلعمري
لقد ادركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره
حتى صرت الى ما صرت اليه،وبيني وبينك في ذلك ابن عمك
واخو عثمان الوليد بن عقبة، واما طلحة والزبير فانهما اجلبا
عليه، وضيقاخناقه، ثم خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك،
فقاتلناهما على النكث وقاتلناك على البغي، واما قولك: انهلم
يبق من قريش الا ستة فما اكثر رجالها، واحسن بقيتها! وقد
قاتلك من خيارها من قاتلك، ولم يخذلنا الا من خذلك، واما
اغراؤك ايانا بعدي وتيم، فان ابابكر وعمر خير من عثمان كما
ان عثمان خير منك، وقد بقيلك منا ما ينسيك ما قبله وتخاف
ما بعده، واما قولك: انه لو بايعني الناس استقمت((1462))،
فقد بايع الناسعلياوهو خير مني فلم تستقم له((1463))، وما
انت وذكر الخلافة يا معاوية؟ وانما انت طليق وابن
طليق،والخلافة للمهاجرين الاولين، وليس الطلقاء منها في
شيء والسلام((1464)).وفي لفظ ابن قتيبة: فما انتوالخلافة؟
وانت طليق الاسلام، وابن راس الاحزاب، وابن آكلة الاكباد من
قتلى بدر.
وخطب معاوية بعد دخوله الكوفة وصلح الامام السبط سلام اللّه
عليه، فقال: يا اهل الكوفة اترانيقاتلتكم على الصلاة والزكاة
والحج؟ وقد علمت انكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكنني
قاتلتكم لاتاءمرعليكم وعلى رقابكم، وقد آتاني اللّه ذلك وانتم
كارهون، الا ان كل مال او دم اصيب في هذه الفتنة
فمطلول،وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين. شرح ابن ابي
الحديد((1465)) (4/6)، تاريخ ابن كثير((1466))
(8/131)واللفظ للاول.
قال معروف بن خربوذ المكي: بينا عبداللّه بن عباس جالس في
المسجد ونحن بين يديه، اذ اقبل معاويةفجلس اليه فاءعرض
عنه ابن عباس، فقال له معاوية: مالي اراك معرضا؟ الست تعلم
اني احق بهذا الامرمن ابن عمك؟ قال: لم لانه كان مسلما
وكنت كافرا؟ قال: لا، ولكني ابن عم عثمان. قال: فابن عمي
خير منابن عمك. قال: ان عثمان قتل مظلوما. قال: وعندهما
ابن عمر، فقال ابن عباس: فان هذا واللّه احق بالامرمنك. فقال
معاوية: ان عمر قتله كافر وعثمان قتله مسلم. فقال ابن عباس:
ذاك واللّه ادحض لحجتك.مستدرك الحاكم((1467))
(3/467).
قال الاميني : ان هذه الكلم لتعطي القارئ دروسا ضافية من
تحري معاوية للخلافة لا غيرها من اول يومه،ولم يكن في وسع
ابن آكلة الاكباد دفع شيء مما كتب اليه من ذلك، وانه كان
يريد، على فرض قصوره عننيل كل الامنية، القناعة ببعضها،
فيصفو له ملك الشام ومصر، وللامام (ع) ما تحت يده من
الحواضرالاسلامية وزرافات الاجناد، عسى ان يتخذ ذلك
وسيلة للتوصل الى بقية الامل في مستقبل ايامه، وكانتهذه
القسمة ابتداعا في امر الخلافة الاسلامية، وتفريقا بين صفوفها،
لم تاءل الى سابقة في الدين، ولا امضاهااهله في دور من
الادوار، وانما هي فصمة في الجماعة، وتفريق للطاعة، وتفكيك
لعرى الاسلام، وتضعيفلقواه، وبيعة عامة تلزم القاصي والداني
لا يستثنى منها جيل دون جيل، ولا يجوز انحياز امة عنها دون
امة،وانما هو الخليفة الاخير الذي اوجبت الشريعة قتله كما مر
حديثه الصحيح الثابت، وانه هو معاوية نفسه،فما كان يسع
الامام (ع) والحالة هذه الا قتال هذا الطاغية او يفيء الى امر اللّه.
فكرة معاوية لها قدم :
ان راي معاوية في خلافة الامام (ع) لم يكن وليد يومه ولا بنت
ليلته، وانما كان مناوئا منذ فرق بينهماالاسلام، وقتل في يوم
واحد اخوه وجده وخاله بسيف علي (ع)، فلم يزل يلهج ويهملج
فيتفخيذ الناسعنه صلوات اللّه عليه من يوم قتل عثمان،
بعث رجلا من بني عميس وكتب معه كتابا الى الزبير بن
العوام،وفيه:
بسم اللّه الرحمن الرحيم، لعبد اللّه الزبير امير المؤمنين من
معاوية بن ابي سفيان.
سلام عليك. اما بعد: فاني قد بايعت لك اهل الشام، فاءجابوا
واستوسقوا كما يستوسق الحلب((1468))، فدونكالكوفة
والبصرة لا يسبقك اليهما ابن ابي طالب، فانه لا شيء بعد
هذين المصرين، وقد بايعت لطلحة بنعبيداللّه من بعدك،
فاءظهرا الطلب بدم عثمان، وادعوا الناس الى ذلك، وليكن
منكما الجد والتشمير، اظفركمااللّه، وخذل مناوئكما.
فسر الزبير بهذا الكتاب، واعلم به طلحة، ولم يشكا في النصح
لهما من قبل معاوية، واجمعا عند ذلك علىخلاف علي (ع).
شرح ابن ابي الحديد((1469)) (1/77).
قال الاميني : انظر الى دين الرجل و ورعه، يستسيغ ان
يخاطب الزبير بامرة المؤمنين لمحض حسبانه انه بايعله
اجلاف اهل الشام، ولا يقول بها لامير المؤمنين حقا علي (ع)
وقد تمت له بيعة المسلمين جمعاء، وفيمقدمهم الزبير نفسه،
وطلحة بن عبيداللّه الذي حاباه معاوية ولاية العهد بعد صاحبه،
فغرهما على نكثالبيعة، فذاقا وبال امرهما، وكان عاقبتهما
خسرا.
وانت ترى ان الطلب بدم عثمان قنطرة النزاع في الملك،
ووسيلة النيل الى الاماني من الخلافة الباطلة، اوحاهمعاوية الى
الرجلين ( وان الشياطين ليوحون الى اوليائهم )((1470)).
ويدعو الرجل لمناوئي علي (ع) بالظفر وعليه (ع) بالخذلان،
والصادع الكريم يقول في الصحيح المتفق عليه:((اللهم وال
من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله)).
وكتب الى الزبير ايضا:
اما بعد: فانك الزبير بن العوام، ابن ابي خديجة((1471))، وابن
عمة((1472)) رسولاللّه(ص) وحواريه،وسلفه((1473))وصهر
ابي بكر، وفارس المسلمين، وانت الباذل في اللّه مهجته بمكة
عند صيحة الشيطان، بعثكالمنبعث، فخرجت كالثعبان
المنسلخ بالسيف المنصلت، تخبط خبط الجمل الرديع، كل
ذلك قوة ايمان وصدقيقين، وسبقت لك من رسول اللّه(ص)
البشارة بالجنة، وجعلك عمر احد المستخلفين على الامة.
واعلم يا ابا عبداللّه: ان الرعية اصبحت كالغنم المتفرقة لغيبة
الراعي، فسارع رحمك اللّه الى حقن الدماء،ولم الشعث، وجمع
الكلمة، وصلاح ذات البين، قبل تفاقم الامر، وانتشار الامة، فقد
اصبح الناس على شفاجرف هار، عما قليل ينهار ان لم يراب،
فشمر لتاءليف الامة، وابتغ الى ربك سبيلا، فقد احكمت
الامرمنقبلي لك ولصاحبك على ان الامر للمقدم، ثم لصاحبه
من بعده، جعلك اللّه من ائمة الهدى، وبغاة الخيروالتقوى،
والسلام((1474)).
الا مسائل ابن هند عن قوله: ان الرعية اصبحت كالغنم
المتفرقة. الى آخره. لماذا اصبحت؟ ومتى اصبحت؟وكيف
اصبحت؟ وراعيها الذي يرقبها ويرقب كل صالح لها، ويشمر
لدرء كل معرة عنها، هو صنو رسولاللّه ونفسه، الامام المنصوص
عليه، وقد اجمعت الامة على بيعته لولا ان معاوية يكدر الصفو،
ويقلق السلام،ويفرق الكلمة بدسائسه وتسويلاته، فمثله كما
قال مولانا امير المؤمنين (ع) كمثل الشيطان ياءتي المرء
منبين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله، لم يجعل اللّه
له سابقة في الدين، ولا سلف صدق فيالاسلام.
وكتب الى طلحة :
اما بعد: فانك اقل قريش في قريش وترا، مع صباحة وجهك،
وسماحة كفك، وفصاحة لسانك، فاءنت بازاءمن تقدمك في
السابقة، وخامس المبشرين بالجنة، ولك يوم احد وشرفه
وفضله، فسارع رحمك اللّه الى ماتقلدك الرعية من امرها، مما
لا يسعك التخلف عنه، ولا يرضى اللّه منك الا بالقيام به، فقد
احكمت لك الامرقبلي، والزبير فغير متقدم عليك بفضل،
وايكما قدم صاحبه فالمقدم الامام، والامر من بعده للمقدم له،
سلكاللّه بك قصد المهتدين، ووهب لك رشد الموفقين،
والسلام((1475)).
قال الاميني : لمسائل هاهنا ان يحفي معاوية السؤال عن ان ما
تبجح به للزبير وطلحة من الفضائل التياستحقا بها الخلافة
هل كان علي (ع) خلوا منها؟ يذكر لهما البشارة بالجنة، وان
زبيرا احد اولئك المبشرين،وان طلحة خامسهم، فهلا كان
علي(ع) عاشرهم؟ فلماذا سلخها عنه، وحثهما على المبادرة
اليها حتى لايسبقهما اليها ابن ابي طالب؟! وان كان تلكم
البشارة المزعومة بمجردها كافية في اثبات الجدارة
للخلافةفلماذا اخرج عنها سعد بن ابي وقاص؟ وهو احد القوم
المبشرين وكان يومئذ حيا يرزق، ولعل طمعه فيهماكان آكد،
فحلب حلبا له شطره.
والاعجب قوله لطلحة: فاءنت بازاء من تقدمك في السابقة. فهلا
كان امير المؤمنين اول السابقين واولاهمبالمثر كلها؟ وهلا
ثبت عن رسول اللّه(ص) قوله: ((السباق ثلاثة: السابق الى
موسى يوشع، وصاحبياسين الى عيسى، والسابق الىمحمد
علي بن ابي طالب))((1476)).
وهلا صح عند امة محمد(ص) ان عليا اول من آمن باللّه،
وصدق نبيه(ص) وصلى معه، وجاهد فيسبيله؟
وان كان لطلحة يوم احد شرفه وفضله فلعلي (ع) مغازي
الرسول(ص) كلها، من بدر واحد وخيبروالاحزاب وحنين ويوم
حمراء الاسد((1477))، هب ان معاوية كان في اذنه وقر من
شركه لم يسمع نداء جبريلورضوان يوم ناديا:
لافتى الا علي
لا سيف الا ذوالفقار((1478))
فهل كان في بصره عمى كبصيرته لا يبصر نضال علي ونزاله
في تلكم المعاركالدامية؟ نعم، معاوية لا يرىمواقف علي (ع)
فضلا وشرفا، لانه هو الذي اثكل امهات بيته، وضرب اقذلة اخيه
وجده وخاله وابناءبيته الساقط بسيفه البتار، والى هذا يومىء
قوله لطلحة: فانك اقل قريش في قريش وترا.
ومن كتاب له الى مروان :
فاذا قرات كتابي هذا فكن كالفهد، لا يصطاد الا غيلة، ولا
يتشازر الا عن حيلة، وكالثعلب لا يفلت الا روغانا، واخف نفسك
منهم اخفاء القنفذ راسه عند لمس الاكف، وامتهن((1479))
نفسك امتهان من يياءس القوممن نصره وانتصاره، وابحث عن
امورهم بحث الدجاجة عن حب الدخن عند
فقاسها((1480))،وانغل((1481))الحجاز، فانيمنغل الشام،
والسلام((1482)).
قال الاميني : هذه شنشنة معاوية منذ بلغه امر الامام (ع)
وانعقاد البيعة له، فوجد نفسه عند الامة في معزلعن المشورة
او اعتضاد في راي، وان البيعة لاحقته لا محالة، فلم يجد
منتدحا عن اقلاق الامر على صاحبالبيعة الحقة، وان يستدني
منه امانيه الخلابة بتعكير الصفو له (ع)، فطفق يفسد ما
اطماءن اليه من الامصار،ويوعز في كتبه الى افساد الراي،
وتفريق الكلمة، وهو ضالته المنشودة.
وان تعجب فعجب اخذه البيعة لطلحة والزبير واحدا بعد آخر
وقد ثبت في اعناقهما بيعة الامام (ع)، وكانتهذه البيعة ابان
ثبوت بيعتهما كما ينم عنه نص كتبه اليهما، ثم ومن هو معاوية
حتى يرشح احداللخلافة بعدانعقاد الاجماع لخليفة الحق؟ ولم
يكن هو من اهل الترشيح حتى لو لم تنعقد البيعة المذكورة.
على ان الغبي لم يهتد الى ان اخذ البيعة لهما مستلزم لنكثهما
البيعة الاولى، وما غناء امام ناكث عن مناجحالامة ومصالحها؟
مع انهما على تقدير صحة البيعةيكون كل منهما ثاني
الخليفتين الذي يجب قتله بالنصوصالصحيحة
الثابتة((1483))، فهل هناك خليفة على المسلمين يجب
اعدامه؟!
مناظرات وكلم :
1 قال ابو عمر في الاستيعاب((1484)) كان عبدالرحمن بن
غنم الصحابي من افقه اهل الشام وهو الذي فقهعامة التابعين
بالشام، وكانت له جلالة وقدر، وهو الذي عاتب ابا هريرة وابا
الدرداء بحمص اذ انصرفا منعند علي (رضىا...عنه)
رسولينلمعاوية، وكان مما قال لهما: عجبا منكما، كيف جاز
عليكما ما جئتما به،تدعوان عليا الى ان يجعلها شورى، وقد
علمتما انه قد بايعه المهاجرون والانصار واهل الحجار والعراق،
وانمن رضيه خير ممن كرهه، ومن بايعه خير ممن لم يبايعه؟
واي مدخل لمعاوية في الشورى وهو من الطلقاءالذين لا تجوز
لهم الخلافة؟ وهو وابوه من رؤوس الاحزاب، فندما على
مسيرهما وتابا منه بين يديهرحمة اللّه عليهم.
2 خرج رجل من اهل الشام يوم صفين ينادي بين الصفين: يا
ابا الحسن يا علي ابرز الي. فخرج اليهعلي حتى اذا اختلفت
اعناق دابتيهما بين الصفين فقال: يا علي ان لك قدما في
الاسلام وهجرة، فهل لك فيامر اعرضه عليك يكون فيه حقن
هذه الدماء، وتاءخير هذه الحروب حتى ترى رايك؟ فقال
لهعلي((وماذاك))؟ قال: ترجع الى عراقك، فنخل ي بينك
وبين العراق، ونرجع الى شامنا فتخلي بيننا وبينشامنا. فقال له
علي: ((لقد عرفت انما عرضت هذا نصيحة وشفقة، ولقد اهمني
هذا الامر واسهرني، وضربتانفه وعينه فلم اجد الا القتال او
الكفر بما انزل اللّه على محمد(ص)، ان اللّه تبارك وتعالى لم
يرضمن اوليائهان يعصى في الارض وهم سكوت مذعنون، لا
ياءمرون بمعروف، ولا ينهون عن منكر، فوجدت القتالاهون
علي من معالجة الاغلال في جهنم))((1485)).
3 قال عتبة بن ابي سفيان لجعدة بن هبيرة: يا جعدة انا واللّه
ما نزعم ان معاوية احق بالخلافة منعليلولا امره في عثمان،
ولكن معاوية احق بالشام، لرضا اهلها به، فاعفوا لنا عنها، فواللّه
ما بالشام رجلبه طرق الا وهو اجد من معاوية فيالقتال، ولا
بالعراق من له مثل جد علي في الحرب، ونحن اطوعلصاحبنا
منكم لصاحبكم، وما اقبح بعلي ان يكون في قلوب المسلمين
اولى الناس بالناس، حتى اذا اصابسلطانا افنى العرب.
فقال جعدة: اما فضل علي على معاوية فهذا ما لا يختلف فيه
اثنان، واما رضاكم اليوم بالشام فقد رضيتمبها امس فلم نقبل،
واما قولك: انه ليس بالشام من رجل الا وهو اجد من معاوية،
وليس بالعراق لرجلمثل جد علي، فهكذا ينبغي ان يكون،
مضى بعلي يقينه، وقصر بمعاوية شكه، وقصد اهل الحق خير
منجهد اهل الباطل. الحديث.
كتاب صفين (ص529 طبعة مصر)، شرح ابن ابي الحديد
(2/301)((1486)).
4 من خطبة لعبد اللّه بن بديل الخزاعي يوم صفين: ان معاوية
ادعى ما ليس له، ونازع الامر اهله، ومنليس مثله، وجادل
بالباطل ليدحض به الحق، وصال عليكم بالاعراب والاحزاب،
وزين لهم الضلالة،وزرع في قلوبهم حب الفتنة، ولبس عليهم
الامر، وزادهم رجسا الى رجسهم.
تاريخ الطبري (6/9)، كتاب صفين لابن مزاحم (ص263)،
كامل ابن الاثير (3/128)، شرح ابن ابي
الحديد(1/483)((1487)).
5 من كلمة لعبد اللّه ايضا يخاطب بها امير المؤمنين (ع):
يا امير المؤمنين: ان القوم لو كانوا اللّه يريدون، او للّه يعلمون، ما
خالفونا، ولكن القوم انما يقاتلون فرارا منالاسوة، وحبا للاثرة،
وضنا بسلطانهم، وكرها لفراق دنياهم التي في ايديهم، وعلى
احن في انفسهم،وعداوةيجدونها في صدورهم، لوقائع اوقعتها
يا امير المؤمنين بهم قديمة، قتلت فيها آباءهم واخوانهم.
ثم التفت الى الناس فقال: فكيف يبايع معاوية عليا وقد قتل
اخاه حنظلة،وخاله الوليد، وجده عتبة فيموقف واحد؟ واللّه ما
اظن ان يفعلوا((1488)).
6 من خطبة ليزيد بن قيس الارحبي بصفين: ان هؤلاء القوم
ما ان يقاتلوننا على اقامة دين راونا ضيعناه،ولا على احياء حق
راونا امتناه، ولا يقاتلوننا الا لهذه الدنيا ليكونوا فيها جبابرة
وملوكا. الى آخر ما مر في(ص59).
7 من كتاب لسعد بن ابي وقاص الى معاوية:
اما بعد: فان اهل الشورى ليس منهم احد احق بها من صاحبه،
غير ان علياكان من السابقة، ولم يكن فيناما فيه، فشاركنا في
محاسننا، ولم نشاركه في محاسنه، وكان احقنا كلنا بالخلافة،
ولكن مقادير اللّه تعالى التيصرفتها عنه حيث شاء لعلمه
وقدره، وقد علمنا انه احق بها منا، ولكن لم يكن بد من الكلام
في ذلكوالتشاجر، فدع ذا، واما امرك يا معاوية فانه امر كرهنا
اوله وآخره، واما طلحة والزبير فلو لزما بيعتهمالكان خيرا لهما،
واللّه تعالى يغفر لعائشة ام المؤمنين.
الامامة والسياسة((1489)) (1/86).
8 من كتاب لمحمد بن مسلمة الى معاوية:
ولعمري يا معاوية ما طلبت الا الدنيا، ولا اتبعت الا الهوى، ولئن
كنت نصرت عثمان ميتا، لقد خذلته حيا،ونحن ومن قبلنا من
المهاجرين والانصار اولى بالصواب.
الامامة والسياسة((1490)) (1/87).
الى كتابات وخطابات لجمع من صلحاء السلف، يجدها الباحث
مبثوثة في فصول هذا الجزء من كتابنا.
قال الاميني : هذه كلمات تامات ممن كانوا يرون معاوية
ويشهدون اعماله، وقد عرفوا نفسياته ومغازيه منذعرفوه وثنيا
ومستسلما حتى وقفوا عليه من كثب، وقد تعالى به الوقت بل
تسافل حتى طفق يطمع مثله فيالخلافة الاسلامية، وبينهما
ذاك البون الشاسع، وخلال الفضائل التي تخلى عنها، والملكات
الرذيلة الذي حازشية عارها والبرهنة الناصعة التي اكفاءته عنها
بخفي حنين، وهؤلاء وان اختلفت كلماتهم لكنها ترمي
الىمغزى واحد من عدم كفاءة الطاغية لما يرومه من امرة
المسلمين، او ما يتحراه من حكومة الشام، خلافةمختزلة عن
الخلافة الاسلامية الكبرى المنعقدة لاهلها يومئذ، او انه لا
يتحرى الا امرة مغتصبة، ومالها منمفعول اثرة وثراء، او انه
منبعث عن ضغائن واحن مما اصاب اهله وذويه من الامام (ع)،
فقتلوا تقتيلا تحتراية الاوثان، وظهر امر اللّه وهم كارهون.
ولم يكن لمعاوية واصحابه مرمى غير الاسفاف الى هذه الهوات
السحيقة مما خفي على هؤلاء الحضور،واستكشفه من بعدهم
المهملجون وراء الحزب السفياني، الحاملون ولاء ذلك البيت
الساقط، وانت ترى انهلا يقام في سوق الدين لشيءمنهااي
قيمة، ولا تكون لها اي عبرة، فدحضا لدعوة
الباطل،وسحقالشرة الاستعباد.
وكان ابن هند الجاهل بنفسه والانسان على نفسه بصيرة يرى
نفسه احق بالخلافة من عمر، كما جاء في مااخرجه البخاري في
صحيحه((1491))، عن عبداللّه بن عمر قال: دخلت على
حفصة ونسواتها تنطف((1492))، قلت:قد كان من امر الناس ما
ترين فلم يجعل لي من الامر شيء. فقالت: الحق فانهم
ينتظرونك واخشى انيكون في احتباسك عنهم فرقة. فلم
تدعه حتى ذهب.
فلما تفرق الناس خطب معاوية((1493))، قال: من يريد ان
يتكلم في هذا الامر فليطلع لنا قرنه، فلنحن احق بهمنه ومن
ابيه. قال حبيب بن مسلمة: فهلا اجبته؟ قال عبداللّه: فحللت
حبوتي وهممت ان اقول: احق بهذاالامر منك من قاتلك واباك
على الاسلام. فخشيت ان اقول كلمة تفرق بين الجمع، وتسفك
الدم، ويحملعني غير ذلك، فذكرت ما اعد اللّه في الجنان. قال
حبيب: حفظت وعصمت.
اين كان ابن عمر عن هذه العقلية التي حفظ بها وعصم يوم
تقاعس عن بيعة امير المؤمنين الامام الحق بعداجماع الامة
المسلمة عليها، ولم يخش ان يقول كلمة تفرق بين الجمع
وتسفك الدم؟ ففرق الجمع، وشق عصاالمسلمين، وسفكت
دماء زكية، واللّه من ورائهم حسيب.
ولم تكن الخلافة فحسب هي قصوى الغاية المتوخاة لمعاوية،
بل ينبئنا التاريخ: انه لم يك يتحاشى عن انيعرفه الناس
بالرسالة، ويقبلونه نبيا بعد نبي العظمة، روى ابن جرير الطبري
بالاسناد: ان عمرو بن العاصوفد الى معاوية ومعه اهل مصر،
فقال لهم عمرو: انظروا اذا دخلتم على ابن هند فلا تسلموا
عليه بالخلافةفانه اعظم لكم في عينه، وصغروه ما استطعتم،
فلما قدموا عليه، قال معاوية لحجابه: اني كاءني اعرف
ابنالنابغة، وقد صغر امري عند القوم، فانظروا اذا دخل الوفد
فتعتعوهم اشد تعتعة تقدرون عليها، فلا يبلغنيرجل منهم الا
وقد همته نفسه بالتلف، فكان اول من دخل عليه رجل من اهل
مصر يقال له: ابنالخياط. فدخل وقد تعتع، فقال: السلام عليك
يارسول اللّه فتتابع القوم على ذلك، فلما خرجوا قال لهمعمرو:
لعنكم اللّه، نهيتكم ان تسلموا عليه بالامارة فسلمتم عليه
بالنبوة((1494)).
ولعل هذه الواقعة هي بذرة تلك النزعة الفاسدة التي كانت عند
جمع ممن تولى معاوية بعد وفاته.
قال شمس الدين البناء المقدسي((1495)) في كتابه احسن
التقاسيم في معرفة الاقاليم((1496)) (ص399): وفي
اهلاصفهان بله وغلو في معاوية، ووصف لي رجل بالزهد
والتعبد فقصدته، وتركت القافلة خلفي، وبت عندهتلك الليلة،
وجعلت اسائله الى ان قلت: ما قولك في الصاحب((1497))،
فجعل يلعنه ثم قال: انه اتانا بمذهب لانعرفه. قلت وما هو؟ قال:
يقول: معاوية لم يكن مرسلا: قلت: وما تقول انت؟ قال: اقول
كما قال اللّهعزوجل : ( لا نفرق بين اءحد من رسله )((1498))،
اءبو بكر كان مرسلا، وعمر كان مرسلا، حتى ذكر الاربعة،
ثمقال: ومعاوية كان مرسلا. قلت: لا تفعل، اما الاربعة فكانوا
خلفاء ومعاوية كان ملكا، وقال النبي(ص):الخلافة بعدي الى
ثلاثين سنة ثم تكون ملكا. فجعل يشنع علي واصبح يقول
للناس: هذا رجل رافضي، فلولم ادرك القافلة لبطشوا بي، ولهم
في هذا الباب حكايات كثيرة.
هب ان القوم اخذت منهم الرهبة ماءخذه فلم يلتفتوا الى ما
يقولون، لكن هذا الذي يدعي الخلافة عنرسول اللّه بملكه
العضوض هلا كان عليه ان يردعهم عن ذلك التسليم المحظور
او يسكن روعتهم فيرجعواالى حق المقام؟ لولا ان معاوية لم
يكن له في مبوئه ذلك ضالة الا الحصول على الملوكية الغاشمة
باسمالخلافة المغتصبة! لانه لا يبلغ امنيته الا بها، فلا يبالي
اسلم عليه بالربوبية او الرسالة او امرة المؤمنين، وقدحاول
ارغام ابن النابغة فيما توسمه منه في مقتبله ذلك، فبلغ ما اراد،
فحالت نشوة الغلبة بينه وبين ان يجعللامره الامر، او امرته
الخرقاء صورة محفوظة.
ياءنس ابن هند بذلك الخطاب الباطل، ولم يشنع على من
يسلم عليه بالرسالة،غير انه لم يرقه ان يذكرنبيالاسلام
بالرسالة، ويزريه بذكر اسمه، وهو يعلم ان العظمة لا تفارقه،
والرسالة تلازمه، ذكر الحفاظ منمحاورة جرت بين معاوية
وبين امد بن ابد الحضرمي((1499))، ان معاوية قال: ارايت
هاشما؟ قال: نعم واللّه طوالاحسن الوجه، يقال: ان بين عينيه
بركة. قال: فهل رايت امية؟ قال: نعم، رايته رجلا قصيرا اعمى،
يقال: انفي وجهه شرا او شؤما. قال: افرايت محمدا؟ قال: ومن
محمد؟ قال: رسول اللّه. قال: افلا فخمته كما فخمهاللّه، فقلت:
رسول اللّه((1500))؟!
التحكيم لماذا:
ان آخر بذرة بذرها ابن النابغة لخلافة معاوية المرومة منذ بدا
الامر، وان تستر بها آونة على الاغبياء،وتترس بطلب دم عثمان
دون نيل الامنية بين القوم آونة اخرى، حين سولت له نفسه ان
يستحوذ على امرةالمسلمين بالدسائس، فاءول تلكم البذرة او
القنطرة الاولى الطلب بدم عثمان، وفي آخر الحيل الدعوة
الىتحكيم كتاب اللّه واستقضائه في الواقعة بعد ما نبذوه وراء
ظهورهم، وكان مولانا امير المؤمنين (ع) يدعوهممنذ اول
ظهور الخلاف بينه وبين ابن هند، ومنذ نشوب الحرب
الطاحنة((1501)) الى التحكيم الصحيح الذي لايعدو محكمات
القرآن ونصوصه، لولا ان ابن النابغة وصاحبه يسيران على الامة
غدرا ومكرا، وعلى امامالحق خيانة وظلما غير ما يتظاهران به
من تحكيم الكتاب، فوقع هنالك ما وقع من لوائح الفتنة،
ومظاهرالعدوان، بين دهاء ابن العاص وحمارية الاشعري، بين
قول ابي موسى لابن العاصي:لا وفقك اللّه
غدرتوفجرت((1502))، انما مثلك كمثل الكلب ان تحمل
عليه يلهث او تتركه يلهث، وبين قول ابن العاصي لابيموسى:
وانما مثلك مثل الحمار يحمل اسفارا((1503))،فوئد الحق،
واودي بالحقيقة، بين شيطان وغبي، فكان منالمتسالم عليه
بين الفريقين ان الخلافة هي المتوخاة لكل منهما، ولذلك
انعقد التحكيم، وبه كان يلهج خطباءالعراق وامراؤهم عند
النصح للاشعري، وزبانية الشام المنحازة عن ضوء الحق، وبلج
الاصلاح. فمن قولابن عباس للاشعري:
انه قد ضم اليك داهية العرب، وليس في معاوية خلة يستحق
بها الخلافة، فان تقذف بحقك على باطلةتدرك حاجتك منه،
وان يطمع باطله في حقك يدرك حاجته منك، واعلم يا ابا
موسى ان معاوية طليقالاسلام، وان اباه راس الاحزاب، وانه
يدعي الخلافة من غير مشورة ولا بيعة، فان زعم لك ان
عمروعثمان استعملاه فلقد صدق، استعمله عمر وهو الوالي
عليه بمنزلة الطبيب يحميه ما يشتهي،
ويوجره((1504))مايكره، ثم استعمله عثمان براي عمر، وما
اكثر من استعملا ممن لم يدع الخلافة، واعلم ان لعمرو مع كل
شيءيسرك خباء يسوؤك، ومهما نسيت فلا تنس ان عليا بايعه
القوم الذين بايعوا ابابكر وعمر وعثمان، وانها بيعةهدى، وانه لم
يقاتل الا العاصين والناكثين. شرح ابن ابي الحديد((1505))
(1/195).
ومن قول الاحنف بن قيس له: ادع القوم الى طاعة علي، فان
ابوا فادعهم ان يختار اهل الشام من قريشالعراق من احبوا،
ويختار من قريش الشام من احبوا((1506)).
ومن قول شريح بن هانئ للاشعري: انه لا بقاء لاهل العراق ان
ملكهم معاوية، ولا باءس على اهل الشام انملكهم علي، فانظر
في ذلك نظر من يعرف هذا الامر حقا، وقد كانت منك تثبيطة
ايام الكوفة والجمل، فانتشفعها بمثلها يكن الظن بك يقينا،
والرجاء منك ياءسا، ثم قال:
ابا موسى رميت بشر خصم
فلا تضع العراق فدتك نفسي
واعط الحق شامهم وخذه
فان اليوم في مهل كاءمس
وان غدا يجيء بما عليه
كذاك الدهر من سعد ونحس
ولا يخدعك عمرو ان عمرا
عدو اللّه مطلع كل شمس
له خدع يحار العقل منها
مموهة مزخرفة بلبس
فلا تجعل معاوية بن حرب
كشيخ فيالحوادث غير نكس
هداه اللّه للاسلام فردا
سوى عرس النبي واي عرس((1507))
ومن قول معاوية لعمرو بن العاص: ان خوفك العراق فخوفه
بالشام، وانخوفك مصر فخوفه باليمن، وانخوفك عليا فخوفه
بمعاوية.
ومن جواب عمرو بن العاص لمعاوية: ارايت ان ذكر عليا وجاءنا
بالاسلام والهجرة واجتماع الناس عليه،ما اقول؟ فقال معاوية:
قل ما تريد وترى. الامامة والسياسة((1508)) (1/99، وفي
طبعة: ص113).
قال الاميني: هذه صفة الحال، ومصاص الحقيقة، من نوايا اهل
العراق واهل الشام من طلب كل منهماالخلافة، واثباتها
لصاحبه، ودونه تحقق الخلع والتثبيت، وعليه وقع التحكيم
حقا او باطلا، ولم يكن السامعيجد هنالك قط من دم عثمان
ركزا، ولا عن ثاراته ذكرا، وانما تطامنت النفوس على تحري
الخلافة فحسب،ولقصر النزاع على الخلافة محيت امرة
المؤمنين عند ذكر اسم مولانا الامام (ع) عن صحيفة الصلح.
فلقد تمخضت لك صورة الواقع من امنية معاوية الباطلة في
كل من هذه العناوين الستة المذكورة المدرجةتحت:
1 حديث الوفود.
2 انباء في طيات الكتب.
3 تصريح لا تلويح.
4 فكرة معاوية لها قدم.
5 مناظرات وكلم.
6 التحكيم لماذا؟
فاءين يقع منها كلمة ابن حجر وحكمه البات بقصر النزاع بين
الامام (ع) وبين ابن هند على طلب ثاراتعثمان لا الخلافة؟
لتبرير عمل الرجل الوبيل الذي قتل به ما يناهز السبعين الفا
ضحية لشهواته ومطامعه،وهو يحسب انه لا يوافيه مناقش في
الحساب، او ناظر الى صفحات التاريخ نظر تنقيب وامعان،
وكاءنه لايخجل ان جاثاه منقب، او واقفه مجادل، كما انه لا
يتحاشى عن موقف الحساب يوم القيامة، وان اللّه
سبحانهلبالمرصاد.
ونختم البحث بكلمة الباقلاني، قال في التمهيد (ص231): ان
عقد الامامة لرجل على ان يقتل الجماعةبالواحد لا محالة خطاء
لا يجوز، لانه متعبد في ذلك باجتهاده والعمل على رايه، وقد
يؤدي الامام اجتهادهالى ان لا يقتل الجماعة بالواحد، وذلك
راي كثير من الفقهاء، وقد يكون ممن يرى ذلك، ثم يرجع عنه
الىاجتهاد ثان، فعقد الامر له على الا يقيم الحد الا على مذهب
من مذاهب المسلمين مخصوص فاسد باطلممن عقده ورضي
به.
وعلى انه اذا ثبت ان عليا ممن يرى قتل الجماعة بالواحد، لم
يجز ان يقتل جميعقتلة عثمان الا باءن تقوم البينةعلى القتلة
باءعيانهم، وباءن يحضر اولياء الدممجلسه يطالبوا بدم ابيهم
ووليهم، ولا يكونوا في حكم من يعتقدانهم بغاة عليه، وممن لا
يجب استخراج حق لهم، دون ان يدخلوا في الطاعة، ويرجعوا
عن البغي، وباءنيؤدي الامام اجتهاده الى ان قتل قتلة عثمان
لا يؤدي الى هرج عظيم، وفساد شديد، قد يكون فيه مثل
قتلعثمان او اعظم منه، وان تاءخير اقامة الحد الى وقت
امكانه، وتقصي الحق فيه، اولى واصلح للامة، والملشعثهم،
وانفى للفساد والتهمة عنهم.
هذه امور كلها تلزم الامام في اقامة الحدود، واستخراج الحقوق،
وليس لاحد ان يعقد الامامة لرجل منالمسلمين بشريطة
تعجيل اقامة حد من حدود اللّه، والعمل فيه براي الرعية، ولا
للمعقود له ان يدخل فيالامامة بهذا الشرط، فوجب اطراح هذه
الرواية((1509)) لو صحت، ولو كانا قد بايعا على هذه الشريطة
فقبلهو ذلك، لكان هذا خطاء منهم، غير انه لم يكن بقادح في
صحة امامته، لان العقد له قد تقدم هذاالعقدالثاني، وهذه
الشريطة لا معتبر بها، لان الغلط في هذا من الامام، الثابتة
امامته ليس بفسق يوجب خلعهوسقوط فرض طاعته عند احد.
الكلام.
حجج داحضة :
استرسل ابن حجر في تدعيم ما منته به هواجسه اقتصاصا منه
اثر سلفه في تبرير اعمال معاوية القاسية،والاعتذار عنه بما
ركبه من الموبقات، وتصحيح خلافته باسهاب في القول
وتطويل من غير طائل فيالصواعق((1510)) (ص129 131)
بما تنتهي خلاصة ما لفقه الى امرين:
احدهما : القول باجتهاده في جملة ما ناء به وباء باثمه، من
حروب دامية، ونزاع مع خليفة الوقت، الى مايستتبعانه من
مخاريق ومرديات من ازهاق نفوس بريئة تعد بالالاف
المؤلفة((1511))،وفيهمثلاثمائةونيفمناهل بيعةالشجرة،
وجماعة من البدريين((1512))، ولفيف من المهاجرين
والانصار، وعدد لا يستهان بهمن الصحابة العدول او التابعين
لهم باحسان، وهو يحسب ان شيئا من هذه التلفيقات يبرر ما
حظرتهالشريعة في نصوصها الجلية من الكتاب والسنة، وان
الاجتهاد المزعوم نسق حول معاوية سياجا دون انيلحقه
ايحوب كبير، واسدل عليه ستارا عم ا اقترفه من ذنوب وآثام
تجاه النصوص النبوية، ولم يعلم انهلا قيمة لاجتهاد هذا شاءنه
يتجهم امام النص، ويتهجم على احكام الدين الباتة وطقوسه
النهائية، بلغالرجل ان الاجتهاد جائز على الضد من اجتهاد
المجتهدين، وما تعقل انه غير جائز على خلاف اللّهورسوله.
وقصارى القول انه ليس عند ابن حجر ومن سبقه الى قوله او
لحقه به((1513)) ضابط للاجتهاد يتم طردهوعكسه، وانما
يمطط مع الشهوات والاهواء، فيعذر به خالد بن الوليد في
فجائع بني حنيفة ومالك بننويرة، شيخها الصالح وزعيمها
المبرور، وفضائحه من قتل الابرياء، والدخول على حليلة
الموؤود غيلةوخدعة((1514)).
ويعذر به ابن ملجم((1515)) المرادي اشقى الاخرين بنص
الرسول الامين(ص) على ما انتهكه من حرمةالاسلام، وقتل
خليفة الحق وامام الهدى في محراب طاعة اللّه، الذي اكتنفته
الفضائل والفواضل من شتىنواحيه، واحتفت به النفسيات
الكريمة جمعاء، وقد قال فيه رسول اللّه(ص) ما قاله من كثير
طيب عداهالحصر، وكبا عنه الاستقصاء، وهو قبل هذه كلها
نفس النبي الطاهرة في الذكر الحكيم.
قال محمد بن جرير الطبري في التهذيب((1516)): اهل السير
لا تدافع بينهم ان عليا امر بقتل قاتله قصاصا،ونهى ان يمثل به،
ولا خلاف بين احد من الامة ان ابن ملجم قتل عليا
متاءولا،مجتهدا، مقدرا علىانهعلىصواب، وفيذلك يقول
عمران بن حطان:
يا ضربة من تقي ما اراد بها
الا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
اني افكر فيه ثم احسبه
اوفى البرية عند اللّه ميزانا
سننن البيهقي((1517)) (8/58، 59).
ويبرر به عمل ابي الغادية((1518)) الفزاري قاتل عمار،
الممدوح على لسان اللّه ولسان رسوله(ص) ومنالصحيح
الثابت قوله(ص) له: ((تقتلك الفئة الباغية)). وقد مر في
(9/21) ويبرئ به ساحة عمرو بنالعاص((1519)) عن وصمة
مكيدة التحكيم، وقد خان فيها امة محمد(ص) وكسر شوكتها،
وقد قال مولانا اميرالمؤمنين صلوات اللّه عليه فيه وفي
صاحبه الشيخ المخرف:
((الا ان هذين الرجلين اللذين اخترتموهما حكمين، قد نبذا
حكم القرآن وراء ظهورهما، واحييا ما اماتالقرآن، واتبع كل
واحد منهما هواه، بغير هدى من اللّه، فحكما بغير حجة بينة،
ولا سنة ماضية، واختلفا فيحكمهما، وكلاهما لم يرشد،فبرئ
اللّه منهما ورسوله وصالح المؤمنين))((1520)).
ويحبذ به ما ارتكبه يزيد الطاغية((1521)) من البوائق
والطامات، من استئصال شاءفة النبوة وقتل ذراريها،
وسبيعقائلها، التي لم تبق للباحث عن صحيفة حياته السوداء
الا ان يلعنه ويتبرا منه.
ويقدس به اذيال المتقاعدين((1522)) عن بيعة الامام امير
المؤمنين (ع)، على حين اجتماع شروط البيعة الواجبةله،
فماتوا ميتة جاهلية ولم يعرفوا امام زمانهم.
وينزه به السابقون الذين اوعزنا الى سقطاتهم في الدين
والشريعة، في الجزء (6، 7، 8، 9) باءعذار عنهم لاتقل في
الشناعة عن جرائرهم، الى امثال هذه مما لايحصى.
نعم: هناك موارد جمة ينبو عنها الاجتهاد، فلا يصاخ الى
مفعوله، لوقوفالميول والشهوات سدا دون ذلك،فلا يدرا به
التهمة عن المؤلبين على عثمان، وهم عدول الصحابة ووجوه
المهاجرين والانصار، واعيانالمجتهدين، الذين اخذوا الكتاب
والسنة من نفس رسول اللّه(ص)، فهم عند ابن حزم المبرر
لفتكة اشقىمراد باجتهاده المشوم: فساق، ملعونون، محاربون،
سافكون دما حراما عمدا((1523)). وعند ابن تيمية: قومخوارج
مفسدون في الارض، لم يقتله الا طائفة قليلة باغية ظالمة،
واما الساعون في قتله فكلهم مخطئون،بل ظالمون باغون
معتدون((1524)). وعند ابن كثير: اجلاف اخلاط من الناس، لا
شك انهم من جملة المفسدينفي الارض، بغاة خارجون على
الامام، جهلة، متعنتون، خونة، ظلمة، مفترون((1525)). وعند
ابن حجر: بغاة،كاذبون، ملعونون، معترضون، لا فهم لهم بل ولا
عقل((1526)).
ولو كان للاجتهاد منتوج مقرر فلم لم يتبع في ارجاء امير
المؤمنين (ع) امر المتهمين بقتل عثمان الى ما يراهمن
المصلحة، فينتصب للقضاء فيه على ما يقتضيه الكتاب والسنة،
فشنت عليه الغارات يوم الجمل وفيواقعة صفين، وكان من
ذيولها وقعه الحروريين، فلم يتبع اجتهاد خليفة الوقت الذي
هو باب مدينة علمالنبي، واقضى الامة بنص من الصادق
المصدق، لكنما اتبع اجتهاد عثمان في العفو عن عبيد اللّه ابن
عمر في قتلهلهرمزان وبنت ابي لؤلؤة، واهدار ذلك الدم
المحرم من غير اي حجة قاطعة او برهنة صحيحة، فلو
كانللخليفة مثل ذلك العفو فلم لم يجر حكمه في الاوين الى
مولانا امير المؤمنين من المتجمهرين على عثمان؟ ولميكن
يومئذ من المقطوع به ما سوف يقضي به الامام من حكمه
البات، ايعطي دية المقتول من بيتالمال لانهاودي به بين
جمهرة المسلمين لا يعرف قاتله، كما فعله في
اربدالفزاري((1527))، او انه يراهم من المجتهدينوكانوا
كذلك الذين تاءولوا اصابوا او اخطاءوا، او انه كان يرى من صالح
الخلافة واستقرار عروشها انيرجئ امرهم الى ما وراء ما انتابه
من المثلات، وما هنالك من ارجاف وتعكير يقلقان السلام
والوئام، حتىيتمكن من الحصول على تدعيم عرش امرته
الحقة المشروعة، فعلى اي من هذه الاقضية الصحيحة كانينوء
الامام (ع) به، فلا حرج عليه ولا تثريب، لكن سيف البغي الذي
شهروه في وجهه، ابى للقوم الا انيتبع الحق اهواءهم، وماذا
نقموا عليه صلوات اللّه عليه من تلكم المحتملات؟ حتى
يسوغ لهم القاح الحربالزبون التي من جرائها تطايرت
الرؤوس، وتساقطت الايدي، وازهقت نفوس بريئة، واريقت
دماءمحترمة، فباءي اجتهاد بادروا الى الفرقة، وتحملوا اوزارها،
ولم تتجل لهم حقيقة الامر ولباب الحق، لكنهمابتغوا الفتنة،
وقلبوا له الامور، الا في الفتنة سقطوا.
ومن اعجب ما يتراءى من مفعول الاجتهاد في القرون الخالية:
انه يبيح سب علي امير المؤمنين (ع)وسبكل صحابي احتذى
مثاله، ويجوز لاي احد كيف شاء واراد لعنهم، والوقيعةفيهم،
والنيلمنهم، فيخطبالصلوات، والجمعات، والجماعات، وعلى
صهوات المنابر، والقنوت بها، والاعلان بذلك في
الانديةوالمجتمعات، والخلا والملا، ولا يلحق لفاعلها ذم ولا
تبعة، بل له اجر واحد لاجتهاده خطاء، وان كان هومن حثالة
الناس، وسفلة الاعراب، وبقايا الاحزاب، البعداء عن العلوم
والمعارف.
واما علي وشيعته فلا حق لهم في بيان ظلامتهم عند
مناوئيهم، والوقيعة فيخصمائهم، ومبلغ اسفافهم الى
هوةالضلالة، على حد قوله تعالى ( لا يحب اللّه الجهر بالسوء من
القول الا من ظلم )((1528)) وليس لاحدهم فيالاجتهاد في
ذلك كله نصيب، ولو كان ضليعا في العلوم كلها، فان احد منهم
نال من انسان من اولئكالظالمين فمن الحق ضربه وتاءديبه،
او تعذيبه واقصاؤه، او التنكيل به وقتله، ولا يؤبه باجتهاده
المؤدي الىذلك صوابا او خطاء، وعلى هذا عمل القوم منذ اول
يوم اسس اساس الظلم والجور، وهلم جرا حتى اليومالحاضر.
راجع معاجم السيرة والتاريخ فانها نعم الحكم الفصل، وبين
يديك كلمة ابن حجر فيالصواعق((1529)) (ص132) قال في
لعن معاوية: واما ما يستبيحه بعض المبتدعة من سبه ولعنه
فله فيه اسوة،اي اسوة بالشيخين وعثمان واكثر الصحابة، فلا
يلتفت لذلك، ولا يعول عليه، فانه لم يصدر الا من قومحمقى،
جهلاء، اغبياء، طغاة، لا يبالي اللّه بهم في اي واد هلكوا، فلعنهم
اللّه وخذلهم، اقبح اللعنة والخذلان،واقام على رؤوسهم من
سيوف اهل السنة وحججهم المؤيدة باءوضح الدلائل والبرهان
ما يقمعهم عنالخوض في تنقيص اولئك الائمة الاعيان. انتهى.
اتعلم من لعن ابن حجر؟ والى من تتوجه هذه القوارص؟ انظر
الى حديث لعن رسول اللّه(ص) معاوية،واحاديث لعن علي امير
المؤمنين، وقنوته بذلك في صلواته، ولعن ابن عباس، وعمار،
ومحمد بن ابي بكر،ودعاء ام المؤمنين عائشة عليه في دبر
الصلاة، وآخرين من الصحابة، اقرا واحكم!!
الاجتهاد ماذا هو؟:
ومما يجب ان يبحث في المقام هو ان يفهم معنى الاجتهاد،
الذي توسعوا فيه، حتى سفكت الدماء من اجلهوابيحت، وغصبت
الفروج وانتهكت المحارم، وغيرت الاحكام من جرائه، وكاد ان
يكون توسعهم فيه انيرد الشريعة بدءا الى عقب، ويفصم عروة
الدين، ويقطع حبله.
ثم لننظر هل فيه من الاستعداد والمنة((1530)) لتبديل
السنن المتبعة التي لاتبديل لها؟ وهل هو من منح اللّهسبحانه
على رعاع الناس ودهمائهم، فيتقحمونه كيف شاء لهمالهوى؟
او ان له اصولا متبعة لا يعدوهاالمجتهد من كتاب وسنة، او
تاءول صحيح ان ماشينا القوم في امضاء الاجتهاد تجاه النص، او
انه اتسعتالفسحة فيه واطلق الصراح حتى نزا عليه كل ارنب
وثعلب، وتحراه كل بوال على عقبيه، او اعرابي جلفجاف؟ انا لا
اكاد اسوغ للعلماء القول بتصحيح مثل هذا الاجتهاد، وانما
المتسالم عليه بينهم ما يلي:
قال الامدي في الاحكام في اصول الاحكام((1531)) (4/218):
اما الاجتهاد: فهو في اللغة عبارة عن استفراغالوسع في تحقيق
امر من الامور مستلزم للكلفة والمشقة، ولهذا يقال: اجتهد
فلان في حمل حجر البزارة، ولايقال: اجتهد في حمل خردلة.
|