وقال: قال القاضي ابوبكر بن العربي((1326)): هذه الاية اصل
في قتال المسلمين: والعمدة في حرب المتاءولين،وعليها عول
الصحابة، واليها لجاء الاعيان من اهل الملة، واياها عنى
النبي(ص) بقوله: ((تقتل عمارا الفئة‏الباغية)). وقوله (ع) في
الخوارج: ((يخرجون على خير فرقة او على حين فرقة)).
والرواية الاولى اصح لقوله(ع): ((تقتلهم اولى الطائفتين الى
الحق))، وكان الذي قتلهم علي بن ابي طالب ومن كان معه.
فتقرر عندعلماء المسلمين وثبت بدليل الدين ان عليا
(رضى‏ا...عنه) كان اماما، وان كل من خرج عليه باغ، وان
قتاله‏واجب حتى يفي‏ء الى الحق، وينقاد الى الصلح. انتهى
وقال الزيلعي في نصب الراية (4/69): واما ان الحق كان بيد
علي في نوبته، فالدليل عليه قول النبي(ص)لعمار: ((تقتلك
الفئة الباغية)). ولا خلاف انه كان مع علي وقتله اصحاب
معاوية، قال امام الحرمين في كتاب‏الارشاد: وعلي
(رضى‏ا...عنه) كان اماما حقا في ولايته، ومقاتلوه بغاة، وحسن
الظن بهم يقتضي ان‏يظن‏بهم قصد الخير وان اخطاءوه،
واجمعوا على ان عليا كان مصيبا في قتال اهل الجمل، وهم
طلحة،والزبير، وعائشة، ومن معهم، واهل صفين، وهم معاوية
وعسكره، وقد اظهرت عائشة الندم((1327)). انتهى.
وحقا قالت عائشة: ما رايت مثل ما رغبت عنه هذه الامة من
هذه الاية: (وان طائفتان من المؤمنين‏اقت‏تلوا )((1328)) وام
المؤمنين هي اول من رغبت عن هذه الاية، وضيعت حكمها،
وخالفتها وخرجت من عقردارها، وتركت خدرها، وتبرجت تبرج
الجاهلية الاولى، وحاربت امام زمانها، ولعلها ندمت وبكت
حتى‏بلت خمارها، ولما...
ومن هنا وهناك كان مولانا اميرالمؤمنين (ع) يوجب قتال اهل
الشام، ويقول:((لم اجد بدا من قتالهم، اوالكفر بما انزل على
محمد(ص))) وفي لفظ: ((ما هو الا الكفر بما نزل على محمد،
او قتال القوم))((1329)).
وكان رسول اللّه(ص) ياءمر وجوه اصحابه كاءمير المؤمنين،
وابي ايوب الانصاري، وعمار بن ياسر، بقتال‏الناكثين
والقاسطين والمارقين، وقد مرت احاديثه في الجزء الثالث
(ص‏192 195) وكان من المتفق عليه‏عند السلف ان
القاسطين هم اصحاب معاوية.
فباءي حجة ولو كانت داحضة، كان معاوية الذي يجب قتله
وقتاله يستسيغ محاربة علي امير المؤمنين؟ وبين‏يديه كتاب
اللّه وسنة نبيه(ص) ان كان ممن يقتص اثرهما، وفي الذكر
الحكيم قوله سبحانه: ( فان تنازعتم‏في شي‏ء فردوه الى اللّه
والرسول ان كنتم تؤمنون باللّه واليوم الاخر )((1330)) ( ومن
لم يحكم بما انزل‏اللّهفاءولئك‏ه م الك افرون )((1331)) ( ومن
لم يحكم بما انزل اللّه فاءولئك هم الظالمون )((1332)) ( ومن
لم يحكم بماانزل اللّه فاءولئك هم الفاسقون )((1333)).
فلم يكن القتال اول فاصل لنزاع الامة قبل الرجوع الى
محكمات الكتاب، وما فيه فصل الخطاب من السنة‏المباركة،
ولذلك كان مولانا امير المؤمنين يتم عليهم الحجة بكتابه
وخطابه، منذ بدء الامر برفع الخصومه‏الى الكتاب الكريم وهو
عدله، وكان‏يخاطب وفدمعاوية‏ويقول:((الا اني‏ادعوكم الى
كتاب اللّه عز وجل‏وسن‏ة نبيه)).
تاريخ الطبري((1334)) (6/4).
ومن كتاب له (ع) الى معاوية ومن قبله من قريش قوله: ((الا
واني ادعوكم‏الى كتاب اللّه وسنة نبيه، وحقن‏دماء هذه الامة)).
شرح نهج البلاغة((1335)) (1/19).
فلم يعباءوا به الا بعدما اضطروا الى التترس به، وقد اخبر بذلك
الامام قبل‏وقوع الواقعة، فيما كتب الى‏معاوية: ((وكاءني بك غدا
وانت تضج من الحرب ضجيج الجمال من الاثقال، وستدعوني
انت واصحابي الى‏كتاب تعظمونه باءلسنتكم، وتجحدونه
بقلوبكم))
شرح ابن ابي الحديد((1336)) (3/411 و 4/50).
وفي كتاب آخر له (ع) اليه: ((وكاءني بجماعتك تدعوني جزعا
من الضرب المتتابع والقضاء الواقع، ومصارع‏بعد مصارع الى
كتاب اللّه، وهي كافرة جاحدة، او مبايعة حائدة)).
نهج البلاغة((1337)) (2/12).
فقد صدق الخبر الخبر واتخذوه جنة مكرا وخداعا يوم رفعت
المصاحف، وكانوا كما قال مولانا اميرالمؤمنين يومئذ: ((عباد
اللّه اني احق من اجاب الى كتاب اللّه، ولكن معاوية، وعمرو بن
العاص، وابن ابي‏معيط، وحبيب بن مسلمة، وابن ابي‏سرح،
ليسوا باءصحاب دين ولا قرآن، اني اعرف بهم منكم،
صحبتهم‏اطفالا، وصحبتهم رجالا، فكانوا شر اطفال وشر
رجال، انها كلمة حق يراد بها الباطل. انهم واللّه مارفعوها انهم
يعرفونها ويعملون بها، ولكنها الخديعة والوهن
والمكيدة))((1338)).
ولم ياءل الرسول الكريم(ص) جهدا في تحذير المسلمين عن
التورط في هذه الفتنة العمياء بخصوصها،ويعرفهم مكانة امير
المؤمنين، ويكرههم مسه بشي‏ء من الاذى من قتال، او سب، او
لعن، او بغض، اوتقاعد عن نصرته، ويحثهم على ولائه واتباعه
واقتصاص اثره، والكون معه بعدما قرن اللّه ولايته بولايته‏وولاية
الرسول، وطاعته بطاعتهما فقال: ( انما وليكم اللّه ورسوله
والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة‏ويؤتون الزكاة وهم راكعون
)((1339)) وقوله تعالى((1340)): ( يا ايها الذين آمنوا اطيعوا
اللّه واطيعوا الرسول‏واولي الامر منكم )((1341)).
لكن معاوية لم يقنعه الكتاب والسنة فباء بتلكم الاثام كلها،
وجانب هاتيك الاحكام الواجبة جمعاء، فكان‏من القاسطين وهو
يراسهم ( واما القاسطون فكانوالجهنم حطبا )((1342)). نعم،
لم يقنع معاوية :
«1 »قوله(ص): ((علي مني بمنزلة هارون من موسى الا انه لا
نبي بعدي)).
وقوله(ص): ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه،
وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل‏من خذله)).
وقوله(ص): ((من اطاعني فقد اطاع اللّه ومن عصاني فقد
عصى اللّه، ومن اطاع عليا فقد اطاعني، ومن‏عصى عليا فقد
عصاني)).
وقوله(ص): ((اني تارك فيكم الثقلين: كتاب اللّه وعترتي اهل
بيتي، انهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض،فانظروني، بم
تخلفوني فيهما)).
«5 » وقوله(ص): ((من يريد ان يحيى حياتي، ويموت مماتي،
ويسكن جنة‏الخلد التي وعدني ربي‏فليتول‏علي بن ابي طالب،
فانه لن يخرجكم من هدى، ولن يدخلكم في ضلالة)).
وقوله(ص): ((ان رب العالمين عهد الي عهدا في علي بن ابي
طالب، فقال: انه راية الهدى، ومنار الايمان،وامام اوليائي، ونور
جميع من اطاعني)).
وقوله(ص): ((عنوان صحيفة المؤمن حب علي بن ابي
طالب)).
وقوله(ص) لما نظر الى علي وفاطمة والحسن والحسين: ((انا
حرب لمن حاربكم، وسلم لمن‏سالمكم)).
وقوله(ص): ((علي مني وانا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي)).
«10 » وقوله(ص): ((انت وليي في كل مؤمن بعدي)).
وقوله(ص) في حديث: ((علي امير المؤمنين، امام المتقين،
وقائد الغر المحجلين الى جنات رب العالمين، افلح‏من صدقه،
وخاب من كذبه، ولو ان عبدا عبد اللّه بين الركن والمقام الف
عام والف عام، حتى يكون‏كالشن‏البالي، ولقي اللّه مبغضا لال
محمد، اكب ه اللّه على منخره في نار جهنم)).
وقوله(ص) له: ((لا يحبك الا مؤمن، ولا يبغضك الا منافق)).
وقوله(ص) آخذا بيد الحسن والحسين: ((من احبني واحب
هذين واباهما وامهما، كان معي في درجتي يوم‏القيامة)).
وقوله(ص): ((علي مني بمنزلة راسي من بدني)).
«15 » وقوله(ص): ((والذي نفسي بيده لا يبغضنا اهل البيت
احد الا ادخله اللّه النار)).
وقوله(ص): ((يا علي طوبى لمن احبك وصدق فيك، وويل
لمن ابغضك وكذب فيك)).
وقوله(ص): ((من احبني فليحب عليا، ومن ابغض عليا فقد
ابغضني، ومن ابغضني فقد ابغض اللّه عزوجل ،ومن ابغض اللّه
ادخله النار)).
وقوله(ص): ((لا تسبوا عليا فانه ممسوس بذات اللّه)).
وقوله(ص): ((هذا امير البررة، قاتل الفجرة، منصور من نصره،
مخذول من خذله)).
«20 » وقوله(ص): ((من آذى عليا فقد آذاني)).
وقوله(ص): ((من احب عليا فقد احبني، ومن ابغض عليا فقد
ابغضني)).
وقوله(ص): ((اوحي الي في علي ثلاث: انه سيد المسلمين،
وامام المتقين، وقائد الغر المحجلين)).
وقوله(ص): ((من سب عليا فقد سبني، ومن سبني فقد سب
اللّه عز وجل، ومن سب اللّه كبه اللّه على‏منخريه في النار)).
وقوله(ص): ((لو ان عبدا عبد اللّه سبعة‏آلاف سنة، ثم اتى اللّه
عز وجل ببغض علي بن ابي طالب،جاحدالحقه، ناكثا لولايته،
لاتعس اللّه خيره، وجدع انفه)).
«25 » وقوله(ص) في علي (ع): ((سجيته سجيتي، ودمه
دمي، وهو عيبة علمي، لو ان عبدا من عباد اللّه عزوجل عبد اللّه
الف عام بين الركن والمقام، ثم لقي اللّه عز وجل مبغضا لعلي
بن ابي طالب وعترتي، اكبه اللّهعلى منخره يوم القيامة في نار
جهنم)).
وقوله(ص) لعلي (ع): ((يا علي لو ان امتي صاموا حتى يكونوا،
كالحنايا، وصلوا حتى يكونوا كالاوتار، ثم‏ابغضوك لا كبهم اللّه
في النار)).
وقوله(ص): ((لا يجوز احد الصراط الا من كتب له علي
الجواز)).
وقوله(ص): ((لا يجوز احد الصراط الا ومعه براءة بولايته وولاية
اهل بيته، يشرف على الجنة، فيدخل‏محبيه الجنة، ومبغضيه
النار)).
وقوله(ص): ((معرفة آل محمد براءة من النار، وحب آل محمد
جواز على الصراط، والولاية لال محمد امان‏من العذاب)).
«30 » وقوله(ص): ((يا ايها الناس، اوصيكم بحب ذي قرنيها
اخي وابن عمي علي بن ابي طالب، فانه لايحبه الا مؤمن، ولا
يبغضه الا منافق)).
وقوله(ص): ((سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا، على اللّه
جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن‏لم
يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك شي‏ء)).
وقوله(ص) لعلي: ((انت وشيعتك تاءتي يوم القيامة، انت وهم،
راضين‏مرضيين،وياءتي‏اعداؤك‏غضابامقمحين.قال:ومن‏عدوي؟
قال:من تبرا منك ولعنك)).
وقوله(ص): ((مثل اهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها
نجا، ومن تخلف عنها غرق)).
وقوله(ص): ((الزموا مودتنا اهل البيت، فانه من لقي اللّه عز
وجل وهو يودنا دخل الجنة بشفاعتنا، والذي‏نفسي بيده لا ينفع
عبدا عمله الا بمعرفة حقنا)).
«35 » وقوله(ص): ((لو ان رجلا صفن بين الركن والمقام،
فصلى وصام، ثم لقي اللّه وهو مبغض لاهل بيت‏محمد، دخل
النار)).
وقوله(ص): ((ان اللّه جعل اجري عليكم المودة في اهل بيتي،
واني سائلكم غدا عنهم)).
وقوله(ص): ((وقفوهم انهم مسؤولون عن ولاية علي)).
وقوله(ص): ((انا واهل بيتي شجرة في الجنة واغصانها في
الدنيا، فمن تمسك بنا اتخذ الى ربه‏سبيلا)).
وقوله(ص) وقد خيم خيمة وفيها علي وفاطمة والحسن
والحسين: ((معشر المسلمين انا سلم من سالم اهل‏الخيمة،
حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم، لايحبهم الا سعيد الجد،
طيب المولد، ولا يبغضهم الا شقي الجدردي‏ء المولد)).
40 وقوله(ص): ((اذا جمع اللّه الاولين والاخرين يوم القيامة،
ونصب الصراط على جسر جهنم، ما جازهااحد حتى كانت معه
براءة بولاية علي بن ابي طالب))((1343)).
هذا مولانا امير المؤمنين، وهذا غيض من فيض مما جاء في
ولائه وعدائه، فاءي صحابي عادل، عاصرنبي‏الرحمة ووعى منه
هاتيك الكلمات الدر ية، وشاهدمولانا (ع)، وعرف انطباقها عليه
بتمام معنى الكلمة، ثم‏ينحاز عنه ويتخذ سبيلا غير سبيله
فيبغي به الغوائل، ويتربص به الدوائر، ويقع فيه بمل‏ء فمه
وحشو فؤاده،ويرميه بقذائف الحقد والشنن؟ لعلك لا تجد
مسلما هو هكذا غير من الهته العصبية عن الهدى، وتدهورت‏به
الى هوة الشهوات السحيقة، ولعلك لا تجد ذلك الرجل البائس
الا ابن ابي سفيان المجابه للكتاب والسنة،بعد الانكار بقلبه
بالهزء والسخرية بلسانه، فعل مردة الوقت وطواغيت الامة،
فتراه عندما روى له سعد بن‏ابي وقاص اءحد العشرة المبشرة
احاديث مما سمعه عن رسول اللّه(ص) في علي (ع) ونهض
ليقوم ضرط له‏معاوية استهزاء، كما مر حديثه في هذا الجزء
(ص‏258).
وحينما ذكر له ابوذر الغفاري ذلك الصادق المصدق قول
رسول اللّه(ص): ((است معاوية في النار))((1344)).جابهه
بالضحك وامر بحبسه.
ولما بقر عبدالرحمن بن سهل الانصاري روايا خمر لمعاوية
وبلغه شاءنه، قال: دعوه فانه شيخ قد ذهب‏عقله((1345)).
يستهزئ بانكاره على تلك الكبيرة الموبقة، وليت شعري بم هذا
الهزء والسخرية؟ابالصحابي‏العادل؟ ام بمن استند اليه في
حكمه بتحريم الخمر؟ ام بالشريعة التي جاءت به؟ ان ابن
آكلة‏الاكباد بمقربة من كل ذلك، او انه لا يدين اللّه بذلك
الحكم البات؟
ولما سمع من عمرو بن العاص ما حدثه عن رسول اللّه(ص) من
قوله لعمار ((تقتلك الفئة الباغية)). قال‏لعمرو: انك شيخ
اخرق، ولا تزال تحدث بالحديث، وانت ترحض في بولك، انحن
قتلناه؟ انما قتله‏علي‏واصحابه، جاؤوا به حتى القوه بين رماحنا!
وقال: افسدت علي اهل الشام، اكل ما سمعت من رسول‏اللّه
تقوله((1346))؟!
اهذا هزء؟ ام ان معاوية بلغ من السفاهة مبلغا يحسب معه ان
امير المؤمنين هو قاتل عمار، اذن فما قوله في‏سيد الشهداء
حمزة وجعفر الطيار((1347))؟ اكان رسول‏اللّه(ص) قاتلهما
يوم القاهما بين رماح المشركين‏وسيوفهم؟ لا تستبعد مكابرة
الطاغية بقوله: ان رسول اللّه قتلهما. او ان الرجل وجد حمرا
مستنفرة‏فاءلجمها، والجم مراشدها بتلكم التمويهات؟ وكل
هذه معقولة غير مستعصية على استقراء اعمال معاوية‏وافعاله.
ثم ماذا يعني بقوله: افسدت علي... ايريد كبحا امام جري السنة
الشريفة؟ او يروم اسدال غطاء على‏مجاليها؟ او الاعراض عن
مدلولها لانه لا يلائم خطته؟ ولايستبعد شي‏ء من ذلك ممن
طبع اللّه على قلبه‏وهو الد الخصام.
ولما حدثه عبادة بن الصامت حديث حرمة الربا((1348))، وقد
نطق بها القرآن الكريم فقال: اسكت عن هذاالحديث ولا تذكره.
فقال عبادة: بلى وان رغم انف معاوية. ولما سمع من عبادة
حديثه عن رسول اللّه(ص)قال: ان هذا لا يقول شيئا.
فلم يك يرى قول رسول اللّه(ص) شيئا يعباء به ويصاخ اليه،
ويعول عليه.
ولما قدم المدينة لقيه ابو قتادة الانصاري((1349)) فقال له
معاوية: يا ابا قتادة تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشرالانصار،
ما منعكم؟ قال: لم يكن معنا دواب. فقال معاوية: فاءين
النواضح؟ قال ابو قتادة: عقرناها في‏طلبك يوم بدر. قال: نعم يا
ابا قتادة. قال ابو قتادة: ان رسول اللّه(ص) قال لنا: انا سنرى
بعده اثرة. قال‏معاوية: فما امركم به عند ذلك؟ قال: امرنا
بالصبر. قال: فاصبروا حتى تلقوه. قال عبدالرحمن بن
حسان‏حين بلغه قول معاوية:
الا ابلغ معاوية بن صخر
امير المؤمنين نثا كلامي
فانا صابرون ومنظروكم
الى يوم التغابن والخصام((1350))
وحق القول: ان المخذول لا يخضع لهتاف النبوة، ولا انهم
سوف يلقون صاحبها، ويرفعون اليه ظلامتهم،فيحكم لهم على
من استاءثر عليهم، وحسبه ذلك الحادا وبغيا.
وفي رواية: ان ابا ايوب اتى معاوية، فشكا اليه ان عليه دينا فلم
ير منه ما يحب، فراى امرا كرهه، فقال:سمعت رسول اللّه(ص)
يقول: ((انكم سترون بعدي اثرة)). قال: فاءي شي‏ء قال لكم؟
قال: امرنا بالصبر. قال:فاصبروا. قال: فواللّه لااساءلك شيئا
ابدا((1351)).
وفي لفظ: دخل ابو ايوب على معاوية، فقال: صدق رسول اللّه
«سمعت رسول‏اللّه(ص) يقول: يا معشرالانصار»((1352)) انكم
سترون بعدي اثرة فعليكم بالصبر. فبلغت معاوية، فقال: صدق
رسول اللّه انا اول من‏صدقه. فقال ابو ايوب: اجراة على اللّه وعلى
رسوله؟ لا اكلمه ابدا ولا ياءويني واياه سقف بيت. تاريخ
ابن‏عساكر((1353)) (5/42).
وفي لفظ الحاكم((1354)): ان ابا ايوب اتى معاوية، فذكر حاجة
له فجفاه ولم يرفع به راسا، فقال ابو ايوب: اما ان‏رسول اللّه(ص)
قد اخبرنا انه سيصيبنا بعده اثرة. قال: فبم امركم؟ قال: امرنا ان
نصبر حتى نرد عليه‏الحوض. قال: فاصبروا اذا. فغضب ابو ايوب
وحلف ان لا يكلمه ابدا. الخصائص الكبرى((1355)) (2/150).
وحضر ابوبكرة مجلس معاوية، فقال له: حدثنا يا ابابكرة، فقال:
اني سمعت رسول اللّه(ص) يقول: الخلافة‏ثلاثون ثم يكون
الملك. قال عبدالرحمن بن ابي بكرة: وكنت مع ابي، فاءمر
معاوية فوجئ في اقفائنا حتى‏اخرجنا((1356)).
ولعلك تعرف خبيئة ضمير معاوية بما حدثه ابن بكار في
الموفقيات، عن مطرف بن المغيرة بن شعبة الثقفي،قال:
سمعت المدائني يقول: قال مطرف بن المغيرة:وفدت مع ابي
المغيرة الى معاوية، فكان ابي ياءتيه يتحدث‏عنده ثم ينصرف
الي فيذكر معاوية. ويذكر عقله، ويعجب مما يرى منه، اذ جاء
ذات ليلة فاءمسك عن‏العشاء، فرايته مغتما فانتظرته ساعة،
وظننت انه لشي‏ء حدث فينا او في عملنا، فقلت له: مالي اراك
مغتمامنذالليلة؟ قال: يا بني اني جئت من عند اخبث الناس.
قلت له: وماذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: انك قدبلغت منا
يا امير المؤمنين، فلو اظهرت عدلا ، وبسطت خيرا، فانك قد
كبرت، ولو نظرت الى اخوتك من‏بني هاشم، فوصلت ارحامهم،
فواللّه ما عندهم اليوم شي‏ء تخافه. فقال لي: هيهات هيهات،
ملك اخو تيم‏فعدل وفعل ما فعل، فواللّه ما غدا ان هلك فهلك
ذكره، الا ان يقول قائل: ابوبكر ، ثم ملك اخو عدي‏فاجتهد
وشمر عشر سنين، فواللّه ما غدا ان هلك فهلك ذكره، الا ان
يقول قائل: عمر، ثم ملك اخونا عثمان‏فملك رجل لم يكن احد
في مثل نسبه، فعمل ما عمل وعمل به فواللّه ما غدا ان هلك
فهلك ذكره، وذكر مافعل به، وان اخا هاشم يصرخ به في كل
يوم خمس مرات: اشهد ان محمدا رسول‏اللّه. فاءي عمل يبقى
مع‏هذا لا ام لك، واللّه الا دفنا دفنا((1357))؟!!
فهل تجد اذن عند معاوية اذعانا بما جاء من الكتاب في علي
(ع)؟ او تراه مخبتا الى شي‏ء من الكثير الطيب‏الوارد عن رسول
اللّه(ص) في الثناء على الامام الطاهر؟ حينما عاداه، وابغضه،
ونقصه، وسبه، وهتك‏حرماته، وآذاه، وقذفه بالطامات، وحاربه،
وقاتله، وتخلف عن بيعته، وخرج عليه.
او ترى ان يسوغ لمسلم صدق نبيه ولو في بعض تلكم الاثار
والمثر ان يبوح بما كتبه ابن هند الى الامام(ع) من الكلم
القارصة، بمثل قوله في كتاب له اليه (ع):
ثم تركك دار الهجرة التي قال رسول اللّه(ص) عنها: ان المدينة
لتنفي خبثها، كما ينفي الكير خبث الحديد،فلعمري لقد صح
وعده، وصدق قوله، ولقد نفت خبثها وطردت عنها من ليس
باءهل ان يستوطنها، فاءقمت‏بين المصرين، وبعدت عن بركة
الحرمين، ورضيت بالكوفة بدلا من المدينة، وبمجاورة
الخورنق والحيرة‏عوضا عن مجاورة خاتم النبوة.
ومن قبل ذلك ما عيبت خليفتي رسول اللّه(ص) ايام حياتهما
فقعدت عنهما، والبت عليهما، وامتنعت من‏بيعتهما، ورمت امرا
لم يرك اللّه تعالى له اهلا، ورقيت سلما وعرا، وحاولت مقاما
دحضا((1358))، وادعيت ما لم‏تجد عليه ناصرا، ولعمري لو
وليتها حينئذ لما ازدادت الا فسادا واضطرابا، ولا اعقبت
ولايتكها الا انتشاراوارتدادا ، لانك الشامخ باءنفه، الذاهب
بنفسه، المستطيل على الناس بلسانه ويده.
وها انا سائر اليك في جمع من المهاجرين والانصار، تحفهم
سيوف شامية،ورماح قحطانية، حتى يحاكموك‏الى اللّه، فانظر
لنفسك والمسلمين، وادفع الي قتلة عثمان فانهم خاصتك
وخلصاؤك المحدقون بك، فان ابيت‏الا سلوك سبيل اللجاج
والاصرار على الغي والضلال، فاعلم ان هذه الاية انما نزلت
فيك وفي اهل العراق‏معك ( وضرب اللّه مثلا قرية كانت آمنة
مطمئنة ياءتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت باءنعم اللّه
فاءذاقهااللّهلباس الج وع والخوف بما كانوا يصنعون )((1359)).
وقوله في كتاب له: وان كنت موائلا فازدد غيا الى غيك، فطالما
خف عقلك، ومنيت نفسك ما ليس لك،والتويت على من هو
خير منك، ثم كانت العاقبة لغيرك، واحتملت الوزر بما احاط
بك من خطيئتك.
وقوله في كتاب له ايضا: فدعني من اساطيرك، واكفف عني
من احاديثك، واقصر عن تقولك على رسول‏اللّه(ص)، وافترائك
من الكذب ما لم يقل، وغرور من معك والخداع لهم، فقد
استغويتهم ويوشك امرك ان‏ينكشف لهم فيعتزلوك، ويعلمواان
ما جئت به باطل مضمحل.
وقوله من كتاب آخر له: فما اعظم الرين على قلبك! والغطاء
على بصرك! الشره من شيمتك، والحسد من‏خليقتك!!
وقوله في كتاب له اليه (ع): فدع الحسد، فانك طالما لم تنتفع
به، ولا تفسد سابقة جهادك بشرة نخوتك،فان‏الاعمال
بخواتيمها، ولا تمح ص سابقتك بقتال من لاحق لك في حقه،
فانك ان تفعل لا تضر بذلك الا نفسك، ولا تمحق الا عملك،
ولا تبطل الا حجتك، ولعمري ان ما مضى لك من السابقات
لشبيه ان يكون‏ممحوقا لما اجترات عليه من سفك الدماء،
وخلاف اهل الحق، فاقرا السورة التي يذكر فيها الفلق،
وتعوذمن نفسك، فانك الحاسد اذا حسد.
وقوله من كتاب له اليه (ع): فلما استوثق الاسلام وضرب
بجرانه، عدوت عليه، فبغيته الغوائل، ونصبت له‏المكائد،
وضربت له بطن الامر وظهره، ودسست عليه واغريت به،
وقعدت حين استنصرك عن نصره،وساءلك ان تدركه قبل ان
يمزق، فما ادركته، وما يوم المسلمين منك بواحد، لقد حسدت
ابابكر والتويت‏عليه،ورمت افساد امره، وقعدت في بيتك،
واستغويت عصابة من الناس حتى تاءخروا عن بيعته، ثم
كرهت‏خلافة عمر وحسدته، واستطالت مدته وسررت بقتله،
واظهرت الشماتة بمصابه، حتى انك حاولت قتل‏ولده لانه قتل
قاتل ابيه، ثم لم تكن اشد منك حسدا لابن عمك عثمان. الخ.
وقوله في كتاب له اليه (ع): اما بعد: فانا كنا نحن واياكم يدا
جامعة، والفة اليفة، حتى طمعت يابن ابي‏طالب، فتغيرت
واصبحت تعد نفسك قويا على من عاداك بطغام اهل الحجاز،
واوباش اهل العراق، وحمقى‏الفسطاط، وغوغاء السواد، وايم اللّه
لينجلين عنك حمقاها، ولينقشعن عنك غوغاؤها انقشاع
السحاب عن‏السماء.
قتلت عثمان بن عفان، ورقيت سلما اطلعك اللّه عليه مطلع
سوء، عليك لا لك، وقتلت الزبير وطلحة،وشردت امك عائشة،
ونزلت بين المصرين فمنيت وتمنيت، وخيل لك ان الدنيا قد
سخرت لك بخيلهاورجلها، وانما تعرف امنيتك، لو قد زرتك
في المهاجرين من الشام بقية الاسلام، فيحيطون بك من
ورائك،ثم يقضي اللّه علمه فيك، والسلام على اولياء
اللّه((1360)).
فاءي احد من غوغاء الناس ومن جهلة الامة يحسب في صاحب
هذه الكلمات المخزية نزعة دينية؟ اوحياءوانقباضا في النفس
ولو قيد شعرة؟ او بخوعا الى كتاب اللّه وهو يطهر اهل البيت
وعلي سيد العترة،ويراه نفس النبي(ص)، وقرن ولايته بولاية
اللّه و ولاية رسوله، وطاعته بطاعتهما؟!
نعم: هكذا فليكن رضيع ثدي هند وربيب حجر حمامة،
والناشئ تحت راية البغاء، ووليد بيت امية، وثمرة‏تلك الشجرة
الملعونة في القرآن، هكذا يسرف معاوية في القول، ويجازف
مفرطا فيه، ( ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد )((1361))،
وهو سرف الفؤاد لا يعباء بما تلقته الامة بالقبول من قول نبيها
في علي (ع): ((انت‏الصديق الاكبر، انت الفاروق الذي تفرق
بين الحق والباطل، وانت يعسوب الدين))((1362)).
وقوله(ص): علي مع القرآن والقرآن معه، لا يفترقان حتى يردا
علي الحوض))((1363)).
وقوله(ص): ((علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى
يردا علي‏الحوض يوم القيامة))((1364))؟
الى مئات او الوف مما جاء في علي (ع) بلسان سيد العالمين
نبي الامة(ص).
بلغ الطاغية من عداء سيد العترة حدا لا يستطيع ان يسمع
اسمه(ع)، وكان ينهى عن التسمية به، يروى‏ان‏علي بن ابي
طالب (ع) افتقد عبداللّه بن العباس، فقال: ما بال ابي العباس
لم يحضر؟ فقالوا: ولد له مولود.فلم ا صلى علي قال: امضوا بنا
اليه، فاءتاه فهناءه فقال: ((شكرت الواهب وبورك لك في
الموهوب، ما سميته؟))قال: اويجوز لي ان اسميه حتى تسميه؟
فاءمر به فاءخرج اليه، فاءخذه وحنكه ودعا له، ثم رده اليه
وقال:((خذه اليك ابا الاملاك، قد سميته عليا وكنيته ابا
الحسن))، فلما قام معاوية قال لابن عباس: ليس لكم
اسمه‏وكنيته، قد كنيته ابا محمد. فجرت عليه((1365)).
فكان بنو امية اذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه((1366)).
فكان الناس يبدلون اسماء اولادهم. قاله زين
الدين‏العراقي((1367)).
17 هنات وهنابث في ميزان ابن هند
1 لما قتل نعيم بن صهيب بن العلية اتى ابن عمه وسميه
نعيم بن الحارث بن العلية معاوية، وكان معه، فقال:ان هذا
القتيل ابن عمي فهبه لي ادفنه. فقال: لاندفنهم فليسوا اهلا
لذلك، فواللّه ما قدرنا على دفن عثمان‏معهم الا سرا. قال: واللّه
لتاءذنن لي في دفنه او لالحقن بهم ولادعنك. فقال له معاوية:
ويحك ترى‏اشياخ‏العرب لا نواريهم وانت تساءلني دفن ابن
عمك؟ ثم قال له: ادفنه ان شئت او دع.فاءتاه فدفنه((1368)).
2 لما قتل عبد اللّه بن بديل اقبل اليه معاوية وعبداللّه بن عامر
حتى وقفا عليه، فاءما عبداللّه فاءلقى عمامته‏على وجهه وترحم
عليه وكان صديقه، فقال معاوية: اكشف عن وجهه، فقال: لا
واللّه لا يمثل به وفي‏روح.فقال معاوية: اكشف عن وجهه فانا لا
نمثل به فقد وهبته لك((1369)). وذكر النسابة ابو جعفر
البغدادي في المحبر(ص‏479) مما كتبه معاوية الى زياد بن
سلمة: من كان على دين علي ورايه فاقتله وامثل به. ياءتي
الحديث‏بتمامه.
3 قد كان معاوية يوم صفين نذر في سبي نساء ربيعة، وقتل
المقاتلة، فقال في ذلك خالد بن المعمر:
تمنى ابن حرب نذرة في نسائنا
ودون الذي ينوي سيوف قواضب
ونمنح ملكا انت حاولت خلعه
بني هاشم قول امرئ غير كاذب((1370))
4 ذكر الباوردي: ان عمير بن قرة الليثي الصحابي ممن شهد
صفين من‏الصحابة، وكان شديدا على معاوية‏واهل الشام، حتى
حلف معاوية لئن ظفر به ليذيبن الرصاص في اذنيه((1371)).
هذه هنات موبقة، ومحظورات مسلمة، من بوائق ابن هند
الكثيرة، قد ارتكبها او صمم ان يقترفها في‏صفين، فهل من
الدين الحنيف منعه عن دفن من قتل تحت‏راية الحق مع امير
المؤمنين (ع) مع وجوب‏الاسراع في دفن كل مؤمن؟ فهل كان
اولئك الصلحاء من الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان
عندمعاوية خارجين عن الدين؟ او انه كان يتبع فيهم هواه
المردي، ويشفي بذلك غيظه منهم على نصرتهم‏الحق، وكم
عند معاوية من مخازي امثال هذه تقع عن الدين المبين
بمعزل!
افهل تسوغ مثلة المسلم المخالف هواه هوى ابن آكلة الاكباد؟
والمثلة محرمة حتى بالحيوان، حتى بالكلب‏العقور((1372))،
فكيف بصلحاء المؤمنين وقد لعن رسول‏اللّه(ص) من مثل
بالحيوان((1373))؟
وقد جاء حديث النهي عن المثلة من طريق علي امير
المؤمنين، وانس، وابن عمر، وعبداللّه بن يزيدالانصاري، وسمرة
بن جندب، وزيد بن خالد، وعمران بن حصين، ومغيرة بن
شعبة، والحكم بن عمير،وعائذ بن قرط، وابي ايوب الانصاري،
ويحيى بن ابي كثير، واسماء بنت ابي بكر.
واحاديثهم مبثوثة في صحيحي البخاري ومسلم، وسنن ابي
داود، والسنن الكبرى للبيهقي، ومسند احمد،ومعجم
الطبراني. راجع نصب الراية للزيلعي (3/118 121).
فما المسوغ عندئذ لابن هند المثلة بمن كان على دين علي
ورايه، ودينه هو دين محمد الذي جاء بالاسلام‏المقدس؟
وهل ينعقد نذر المعصية بسبي نساء ربيعة المسلمات ان تغلب
عليهم لولاء بعولتهن عليا امير المؤمنين؟ وهومحرم في شرع
الاسلام، ولا ينعقد النذر الا في‏طاعة، ولا اقل من الرجحان في
متعلق النذر، كما مر بيانه في‏الجزء الثامن((1374)) (ص‏79
الطبعة الاولى)، فباءي كتاب ام باءية سنة يسوغ هذا النذر
لصاحبه ان كان من‏اهلهما، ويسع له ان يقول: للّه علي كذا؟
وهل يجوز في شرع الاسلام اليمين باذابة الرصاص في اذن
مسلم صحابي عادل لا يتبع اهواء معاوية، ولايخبت الى
ضلالاته؟ وهل كان يحلف الرجل باله محمد وعلي صلوات اللّه
عليهما وآلهما وهما وربهما برآء عن‏مثل هذا الحلف وصاحبه؟
او كان يقصد اله آبائه دعائم الشرك وعبدة هبل، حملة الاوزار
المستوجبين‏النار؟
(وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون )((1375))
18 قذائف موبقة في صحائف ابن آكلة الاكباد
هاهنا في اي كفة تجد معاوية واعماله الشاذة عن الاسلام؟ فهل
تراه اثقل ميزانه بالصالحات؟ او انه خففهابكل موبقة مهلكة؟
وانه كان يطففها ويخفف المكيال كيفما وزن وكال، وليت ابن
هند ادلى بما عنده من الشبه‏في هذه القضية قتاله عليا (ع)
لنمعن النظر فيها امعان استشفاف لما وراءها، لكنه فات
المخذول ان يدلي‏بشي‏ء من ذلك لا تعارضه البرهنة، ولا يفنده
المنطق غير امرين اراد بهما تلويثالساحة قدس الامام، وان‏كان
هو كشف عن عورته ساعة عرف الناس كذبه في الامرين
جميعا.
نسبة الالحاد الى علي (ع) و انه لا يصلي
الاول : نسبة الالحاد اليه سلام اللّه عليه وانه لا يصلي، هذا وقد
وضح الاسلام بسيفه، وقامت الصلاة‏باءيده، يموه بذلك على
الرعرعة الدهماء من الشاميين.
قال الجاحظ: ان معاوية كان يقول في آخر خطبته: اللهم ان ابا
تراب، الحد في دينك، وصد عن سبيلك،فالعنه لعنا وبيلا،
وعذبه عذابا اليما. وكتب بذلك الى الافاق، فكانت هذه الكلمات
يشاد بها على المنابر الى‏ايام عمر بن عبدالعزيز((1376)).
واخرج ابن مزاحم ان يوم صفين برز شاب من عسكر معاوية
يقول:
انا ابن ارباب الملوك غسان
والدائن اليوم بدين عثمان
انباءنا اقوامنا بما كان
ان عليا قتل ابن عفان
ثم شد فلا ينثني يضرب بسيفه، ثم جعل يلعن عليا ويشتمه
ويسهب في ذمه،فقال له هاشم المرقال: ان هذاالكلام بعده
الخصام، وان هذا القتال بعده الحساب، فاتق اللّه فانك راجع الى
ربك فسائلك عن هذا الموقف‏وما اردت به، قال: فاني اقاتلكم
لان صاحبكم لا يصلي كما ذكر لي، وانكم لا تصلون،
واقاتلكم‏ان‏صاحبكم قتل خليفتنا وانتم وازرتموه على قتله.
فقال له هاشم: وما انت وابن عف ان؟ انما قتله اصحاب محمد
وقراء الناس، حين احدث احداثا وخالف‏حكم الكتاب، واصحاب
محمد هم اصحاب الدين، واولى بالنظر في امور المسلمين. وما
اظن ان امر هذه‏الامة ولا امر هذا الدين عناك طرفة عين قط.
قال الفتى: اجل اجل، واللّه لا اكذب فان الكذب يضر ولاينفع،
ويشين ولا يزين. فقال له هاشم: ان هذا الامر لا علم لك به،
فخله واهل العلم به. قال: اظنك واللّه قدنصحتني.
وقال له هاشم: واما قولك: ان صاحبنا لا يصلي، فهو اول من
صلى مع رسول اللّه، وافقهه في دين اللّه،واولاه برسول اللّه، واما
من ترى معه، فكلهم قارئ الكتاب، لا ينامون الليل تهجدا، فلا
يغررك عن دينك‏الاشقياء المغرورون. قال الفتى: يا عبداللّه اني
لاظنك امرا صالحا، واظنني مخطئا آثما، اخبرني: هل تجد
لي‏من توبة ؟ قال: نعم، تب الى اللّه يتب عليك، فانه يقبل التوبة
عن عباده، ويعفو عن‏السيئات، ويحب‏التوابين،ويحب
المتطهرين. قال: فذهب الفتى بين الناس راجعا. فقال له رجل
من اهل الشام: خدعك العراقي. قال:لا، ولكن نصحني
العراقي((1377)).
كان المخذول يشوه سمعة الامام الطيبة بتلكم القذائف الشائنة
طيلة حياته، ولما استشهد سلام اللّه عليه لم‏يرفع اليد عن غيه
وبغيه، فجاء يري الامة الغوغاء ان ما كان من عدائه المحتدم
للامام (ع) انما كان عن‏اساس ديني للّه وفيه، فكتب الى عماله:
سلام عليكم، فاني احمد اليكم اللّه الذي لا اله الا هو، اما بعد:
فالحمد للّه الذي كفاكم مؤنة عدوكم، وقتلة‏خليفتكم، ان اللّه
بلطفه وحسن صنعه اتاح لعلي بن ابي طالب رجلا من عباده
فاغتاله فقتله، فترك اصحابه‏متفرقين مختلفين، وقد جاءتنا
كتب اشرافهم وقادتهم يلتمسون الامان لانفسهم وعشائرهم،
فاءقبلوا الي‏حين ياءتيكم كتابي هذا بجهدكم وجندكم، وحسن
عدتكم، فقد اصبتم بحمد اللّه الثاءر، وبلغتم الامل، واهلك‏اللّه
اهل البغي والعدوان((1378)). ولما دخل ابن عباس على
معاوية بعد مقتل امير المؤمنين (ع) قال: الحمد للّهالذي امات
عليا((1379)).
ما اغلف قلب هذا الرجل الذي يحسب ان عبدالرحمن بن ملجم
من عباداللّه وقد قيضه المولى سبحانه للنيل‏من امام الهدى!
ويعد ذلك من لطفه وحسن صنعه، وابن ملجم هو ذلك الشقي
المهتوك الخارجي‏الجاني على‏الام ة جمعاء بقتل سيدها نفس
الرسول(ص)، وآتيها بخسارة الابد، وهو اشقى الاخرين في
لسان‏النبي‏الكريم،او اشقى الام ة في حديثه الاخر، واشد الناس
عذابا يوم القيامة، وعاد قوله(ص) فيه ((اشقى))كلقب يعرف به
اشقى مراد، حيث انه اطرد ذكره به في‏موارد كثيرة من
الحديث والتاريخ((1380)).
وليت شعري اي اله يحمده معاوية في موت علي امير
المؤمنين؟ الاله جعل مودة علي اجر الرسالة في محكم‏الذكر
الحكيم؟
الاله اتخذ عليا نفسا لنبيه في قصة المباهلة؟
الاله امر رسوله(ص) بتبليغ ولاية علي (ع) وانه ان لم يفعل فما
بلغ رسالته؟
الاله يرى بولاية علي (ع) اكمال الدين، واتمام النعمة، ورضاه
سبحانه؟
الاله اوحى لنبيه(ص) في علي ثلاثا: انه سيد المسلمين، وامام
المتقين، وقائد الغر المحجلين؟
الاله عهد الى رسول اللّه(ص) في علي انه راية الهدى، ومنار
الايمان، وامام اوليائي، ونور من اطاعني؟
الاله كان علي احب خلقه اليه بعد نبيه، كما جاء في حديث
الطير؟
الاله كان يحب عليا وعلي يحبه في حديث خيبر؟
الاله اختار عليا وصيا لنبيه بعد ما اختاره نبيا، فهو احد
الخيرتين من البشر، كما جاء في النص‏النبوي؟
الاله دعاه صاحب الرسالة الخاتمة حينما قال في مائة الف او
يزيدون: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم‏وال‏من والاه، وعاد
من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
ايسوغ مثل هذا الحمد والثناء لمن يؤمن باللّه واليوم الاخر، وصد
ق نبي الاسلام وما جاء به؟ ام هل يتصورتوجيهه الى رب محمد
وعلي؟ وقد تمت بهما كلمة اللّه صدقا وعدلا، وقامت بهما
دعائم الدين الحنيف،وبسعيهما ادركت الامة المرحومة سعادة
الابد.
نعم، له مسرح ان وجه الى هبل اله آباء معاوية والهه الى اخريات
ايام النبوة ان لم نقل الى آخر نفس لفظه‏معاوية، وقد كان
مرتكزا في اعماق قلبه، ومزيج نفسه طيلة ما لهج باءمثال هذه
الاقاويل المخزية.
ثم اي مسلم يبلغ امله عند قتل امام الحق، و واد خطة الهدى،
الا من ارتطم في الضلالة، وسبح في الالحادسبحا طويلا؟
واما قوله: واهلك اللّه اهل البغي والعدوان. فانظر واقرا قول
العزيز الحكيم: ( كبرت كلمة تخرج من افواههم)((1381))
يلهج بهذه الكلمة كاءنه بمجلب عن البغي والعدوان وهو
ولفيفه هم الفئة الباغية بنص النبي‏الاعظم‏وهو يند د بمن
يحسب انه تردى بهما. نعم، حن قدح ليس منها. هل الباغي هو
من خرج على امام زمانه‏يناضله وينازله؟ او ان امام الوقت
المعصوم بنص الكتاب هو الباغي؟ والعياذ باللّه، وان كان القوم
اعداءه‏وهو عدو لهم فهم اعداء اللّه واعداء رسوله بغير واحد من
النصوص النبوية، وقد شملتهم دعوة صاحب‏الرسالة المتواترة:
((وعاد من عاداه، واخذل من خذله)).
نظرة فيما تشبث به معاوية في قتال علي (ع) :
الثاني من الامرين اللذين تشبث بهما ابن آكلة الاكباد في
تثبيط الملا عن نصرة الامام (ع) وتاءليبهم على‏قتاله: ان عنده
ثاءر عثمان وعليه ترته، وللحاكم في هذه‏القضية ان ينظر:
اولا: الى ان معاوية نفسه لم يشهد وقعة عثمان حتى يبصر
المباشر لقتله، وانما تثبط عن نصرته، بل كان يحبذقتله طمعا
في ان ينال الملك((1382)) بعده بحججه التافهة.
وثانيا : الى ان امير المؤمنين سلام اللّه عليه كان غائبا عن
المدينة المنورة عند وقوع الواقعة((1383))، فكيف‏تصح
مباشرته لقتل او قتال؟! او كان ساكنا في عقر داره بالمدينة لا
له ولا عليه.
وثالثا : الى شهادات الزور المتولدة من دسائس ابن حرب ترمي
ابرا الناس من ذلك الدم المراق، بايعاز من‏ابن النابغة، ذلك
العامل الوحيد في قتل عثمان، وقد سمعت عقيرته اذن الدنيا:
انا ابو عبداللّه قتلته وانا بوادي‏السباع((1384)).
قال الجرجاني: لما بات عمرو عند معاوية واصبح، اعطاه مصر
طعمة له، وكتب له بها كتابا وقال: ما ترى؟قال: امض الراي
الاول. فبعث مالك بن هبيرة الكندي في طلب محمد بن ابي
حذيفة، فاءدركه فقتله، وبعث‏الى قيصر بالهدايا فوادعه. ثم قال:
ما ترى في علي؟ قال: ارى فيه خيرا، اتاك في هذه البيعة خير
اهل‏العراق، ومن عند خير الناس في انفس الناس، ودعواك اهل
الشام الى رد هذه البيعة‏خطر شديد، وراس‏اهل الشام شرحبيل
بن السمط الكندي، وهو عدو لجرير المرسل اليك، فاءرسل اليه
ووطن له ثقاتك‏فليفشوا في الناس: ان عليا قتل عثمان،
وليكونوا اهل الرضا عند شرحبيل، فانها كلمة جامعة لك اهل
الشام‏على ما تحب، وان تعلقت بقلب شرحبيل لم تخرج منه
بشي‏ء ابدا.
فكتب الى شرحبيل: ان جرير بن عبداللّه قدم علينا من عند
علي بن ابي‏طالب باءمر فظيع((1385))، فاقدم. ودعامعاوية:
يزيد بن اسد، وبسربن ارطاة، وعمرو بن سفيان، ومخارق بن
الحارث، وحمزة بن مالك، وحابس‏بن سعد الطائي، وهؤلاء
رؤوس قحطان واليمن، وكانوا ثقات معاوية وخاصته، وبني عم
شرحبيل بن‏السمط، فاءمرهم ان يلقوه ويخبروه: ان عليا قتل
عثمان. فلما قدم كتاب معاوية على شرحبيل وهو
بحمص،استشار اهل اليمن، فاختلفوا عليه، فقام اليه
عبدالرحمن بن غنم الازدي وهو صاحب معاذ بن جبل
وختنه،وكان افقه اهل الشام، فقال: ياشرحبيل ان اللّه لم يزل
يزيدك خيرا مذ هاجرت الى اليوم، وانه لا ينقطع‏المزيد من اللّه
حتى ينقطع الشكر من الناس، ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما
باءنفسهم، انه قد القي الينا قتل‏عثمان، وان عليا قتل
عثمان((1386))، فان يك قتله فقد بايعه المهاجرون والانصار،
وهم الحكام على الناس، وان لم‏يكن قتله فعلام تصدق معاوية
عليه؟ لا تهتك((1387)) نفسك وقومك، فان كرهت ان يذهب
بحظها جرير، فسرالى علي فبايعه على شامك وقومك، فاءبى
شرحبيل الا ان يسير الى معاوية، فبعث اليه عياض الثمالي
وكان‏ناسكا:
يا شرح يا بن السمط انك بالغ
بود علي ما تريد من الامر
ويا شرح ان الشام شاءمك ما بها
سواك فدع قول المضلل من فهر
فان ابن حرب ناصب لك خدعة
تكون علينا مثل راغية البكر((1388))
فان نال ما يرجو بنا كان ملكنا
هنيئا له، والحرب قاصمة الظهر
فلا تبغين حرب العراق فانها
تحرم اطهار النساء من الذعر
وان عليا خير من وطئ الحصى
من الهاشميين المداريك للوتر
له في رقاب الناس عهد وذمة
كعهد ابي حفص وعهد ابي بكر
فبايع ولا ترجع على العقب كافرا
اعيذك باللّه العزيز من الكفر
ولا تسمعن قول الطغام فانما
يريدون ان يلقوك في لجة البحر
وماذا عليهم ان تطاعن دونهم
عليا باءطراف المثقفة السمر
فان غلبوا كانوا علينا ائمة
وكنا بحمد اللّه من ولد الظهر((1389))
وان غلبوا لم يصل بالحرب غيرنا
وكان علي حربنا آخر الدهر
يهون على عليا لؤي بن غالب
دماء بني قحطان في ملكهم تجري
فدع عنك عثمان بن عفان اننا
لك الخير، لا ندري وانك لا تدري
على اي حال كان مصرع جنبه
فلا تسمعن قول الاعيور او عمرو
قال: لما قدم شرحبيل على معاوية تلقاه الناس فاءعظموه،
ودخل على معاوية، فتكلم معاوية، فحمد اللّهواثنى عليه، ثم
قال: يا شرحبيل ان جرير بن عبداللّه يدعونا الى بيعة علي،
وعلي خير الناس((1390)) لولا انه‏قتل عثمان بن عفان، وقد
حبست نفسي عليك، وانما انا رجل من اهل الشام، ارضى ما
رضوا، واكره ماكرهوا. فقال شرحبيل: اخرج فاءنظر. فخرج
فلقيه هؤلاء النفر الموطؤون له، فكلهم يخبره باءن عليا
قتل‏عثمان بن عفان. فخرج مغضبا الى معاوية، فقال: يا معاوية
ابى الناس الا ان عليا قتل عثمان، وواللّه لئن‏بايعت له
لنخرجنك من الشام او لنقتلنك. قال معاوية: ما كنت لاخالف
عليكم، وما انا الا رجل من اهل‏الشام. قال: فرد هذا الرجل الى
صاحبه اذا. قال: فعرف معاوية ان شرحبيل قد نفذت بصيرته
في‏حرب‏اهل العراق، وان الشام كله مع شرحبيل.
فخرج شرحبيل فاءتى حصين بن نمير، فقال: ابعث الى جرير
فلياءتنا، فبعث اليه حصين: ان زرنا، فان عندناشرحبيل بن
السمط، فاجتمعا عنده، فتكلم شرحبيل، فقال: يا جرير اتيتنا
باءمر ملفف((1391)) لتلقينا في لهوات‏الاسد، واردت ان تخلط
الشام بالعراق، واطرات عليا وهو قاتل عثمان، واللّه سائلك عما
قلت يوم القيامة.فاءقبل عليه جرير فقال: يا شرحبيل اما قولك:
اني جئت باءمر ملفف. فكيف يكون امرا ملففا وقد اجتمع‏عليه
المهاجرون والانصار، وقوتل على رده طلحة والزبير؟! واما
قولك: اني القيتك في لهوات الاسد، ففي‏لهواتها القيت نفسك،
واما خلط العراق بالشام، فخلطهما على حق خير من فرقتهما
على باطل. واما قولك:ان عليا قتل عثمان، فواللّه ما في يديك
من ذلك الا القذف بالغيب من مكان بعيد، ولكنك ملت الى
الدنيا،وشي‏ء كان في نفسك على زمن سعد بن ابي
وقاص((1392)).
فبلغ معاوية قول الرجلين، فبعث الى جرير فزجره ولم يدر ما
اجابه اهل الشام، وكتب جرير الى‏شرحبيل:
شرحبيل يا بن السمط لا تتبع الهوى
فمالك في الدنيا من الدين من بدل
وقل لابن حرب مالك اليوم حرمة
تروم بها ما رمت فاقطع له الامل
شرحبيل ان الحق قد جد جده
وانك ماءمون الاديم من النغل
فاءرود((1393)) ولا تفرط بشي‏ء نخافه
عليك ولا تعجل فلا خير في العجل
ولا تك كالمجري الى شر غاية
فقد خرق السربال واستنوق الجمل
وقال ابن هند في علي عضيهة
وللّه في صدر ابن ابي طالب اجل
وما لعلي في ابن عفان سقطة
باءمر ولا جلب عليه ولا قتل((1394))
وما كان الا لازما قعر بيته
الى ان اتى عثمان في بيته الاجل
فمن قال قولا غير هذا فحسبه
من الزور والبهتان قول الذي احتمل
وصي رسول اللّه من دون اهله
فوارسه الاولى به يضرب المثل((1395))
فلما قرا شرحبيل الكتاب ذعر وفكر، وقال: هذه نصيحة لي في
ديني ودنياي.ولا واللّه لا اعجل في هذاالامر بشي‏ء وفي نفسي
منه حاجة. فاستتر له القوم، ولفف له معاوية الرجال يدخلون
اليه ويخرجون،ويعظمون عنده قتل عثمان ويرمون به عليا،
ويقيمون الشهادة الباطلة والكتب المختلقة، حتى اعادوا
رايه‏وشحذوا عزمه، وبلغ ذلك قومه، فبعث ابن اخت له من
بارق وكان يرى راي علي بن ابي طالب فبايعه‏بعد، وكان ممن
لحق من اهل الشام وكان ناسكا فقال:
لعمر ابي الاشقى ابن هند لقد رمى
شرحبيل بالسهم الذي هو قاتله
ولفف قوما يسحبون ذيولهم
جميعا واولى الناس بالذنب فاعله
فاءلفى يمانيا ضعيفا نخاعه
الى كل ما يهوون تحدى رواحله
فطاطا لها لما رموه بثقلها
ولا يرزق التقوى من اللّه خاذله
لياءكل دنيا لابن هند بدينه
الا وابن هند قبل ذلك آكله
وقالوا علي في ابن عفان خدعة
ودبت اليه بالشنان غوائله
ولا والذي ارسى ثبيرا مكانه
لقد كف عنه كفه ووسائله
وما كان الا من صحاب محمد
وكلهم تغلي عليه مراجله
فلما بلغ شرحبيل هذا القول قال: هذا بعيث الشيطان، الان
امتحن اللّه قلبي،واللّه لاسيرن صاحب هذاالشعر او ليفوتنني،
فهرب الفتى الى الكوفة، وكاد اهل الشام ان يرتابوا.
وبعث معاوية الى شرحبيل بن السمط فقال: انه كان من
اجابتك الحق، وما وقع فيه اجرك على اللّه، وقبله‏عنك صلحاء
الناس ما علمت، وان هذا الامر الذي قد عرفته لا يتم الا برضا
العامة، فسر في مدائن الشام،وناد فيهم: باءن عليا قتل عثمان،
وانه يجب على المسلمين ان يطلبوا بدمه، فسار فبدا باءهل
حمص فقام خطيبا،فقال: يا ايها الناس ان عليا قتل عثمان بن
عفان، وقد غضب له قوم فقتلهم، وهزم الجميع وغلب
على‏الارض، فلم يبق الا الشام، وهو واضع سيفه على عاتقه، ثم
خائض به غمار الموت حتى ياءتيكم او يحدث‏اللّه امرا، ولا نجد
احدا اقوى على قتاله من معاوية ، فجدوا وانهضوا، فاءجابه
الناس الا نساك اهل حمص،فانهم قاموا اليه فقالوا: بيوتنا قبورنا
ومساجدنا، وانت اعلم بما ترى، وجعل شرحبيل يستنهض
مدائن‏الشام حتى استفرغها، لا ياءتي على قوم الا قبلوا ما اتاهم
به، فبعث اليه النجاشي بن الحارث((1396)) وكان‏صديقا له:
شرحبيل ما للدين فارقت امرنا
ولكن لبغض المالكي جرير
وشحناء دبت بين سعد وبينه
فاءصبحت كالحادي بغير بعير
وما انت اذ كانت بجيلة عاتبت
قريشا فيا للّه بعد نصير
اتفصل امرا غبت عنه بشبهة
وقد حار فيها عقل كل بصير
بقول رجال لم يكونوا ائمة
ولا للتي لقوكها بحضور
وما قول قوم غائبين تقاذفوا
من الغيب ما دلاهم بغرور
وتترك ان الناس اعطوا عهودهم
عليا على انس به وسرور
اذا قيل: هاتوا واحدا يقتدى به((1397))
نظيرا له لم يفصحوا بنظير
لعلك ان تشقى الغداة بحربه
شرحبيل ما ما جئته بصغير((1398))
راجع((1399)): كتاب صفين لنصر بن مزاحم (49 57)،
الاستيعاب ترجمة‏شرحبيل (1/589) اسد الغابة(2/392)،
الكامل لابن الاثير (3/119)، شرح ابن ابي الحديد (1/139، 249،
250).
فبهذه الصورة البشعة من الشهادات المزورة والكتب المختلقة
تمت بيعة معاوية لقتال علي اميرالمؤمنين.
ورابعا : الى ان عثمان قتله رجال مجتهدون من المهاجرين
والانصار، ووجوه اصحاب محمد(ص) العدول،بعد اقامة الحجة
عليه، واثبات شذوذه عن الكتاب والسنة، واهدار دمه بحكم
الكتاب((1400))، فليس على‏القوم قود ولا قصاص، ولم يك
مولانا امير المؤمنين الا رجلا من المهاجرين، اورد كما اوردوا،
واصدر كمااصدروا، وما كان اللّه ليجمعهم على ضلال، ولا
ليضربهم بالعمى.