ثم خرج وخرجوا معه حتى رقى المنبر، فحمد اللّه واثنى عليه،
ثم قال: ان هؤلاء الرهط سادة المسلمين‏وخيارهم، لا يبتز امر
دونهم، ولا يقضى الا عن مشورتهم، وانهم قد رضوا وبايعوا
ليزيد، فبايعوا على اسم‏اللّه. فبايع الناس، وكانوا يتربصون بيعة
هؤلاء النفر، ثم ركب رواحله وانصرف الى المدينة، فلقي
الناس‏اولئك النفر، فقالوا لهم: زعمتم انكم لا تبايعون، فلم
رضيتم واعطيتم وبايعتم؟((1232)) قالوا: واللّه ما فعلنا.فقالوا:
ما منعكم ان تردوا على الرجل؟ قالوا: كادنا وخفنا القتل. وبايعه
اهل المدينة، ثم انصرف الى الشام‏وجفا بني هاشم، فاءتاه ابن
عباس فقال له: ما بالك جفوتنا؟ قال: ان صاحبكم يعني
الحسين (ع) لم يبايع‏ليزيد فلم تنكروا ذلك عليه. فقال: يا
معاوية اني لخليق ان انحاز الى بعض السواحل فاءقيم به، ثم
انطق بماتعلم حتى ادع الناس كلهم خوارج عليك. قال: يا ابا
العباس تعطون، وترضون، وترادون((1233)).
وجاء في لفظ ابن قتيبة: ان معاوية نزل عن المنبر وانصرف
ذاهبا الى منزله، وامر من حرسه وشرطته‏قوماان يحضروا هؤلاء
النفر الذين ابوا البيعة وهم: الحسين بن علي، وعبداللّه بن عمر،
وعبد اللّه بن الزبير،وعبداللّه بن عباس، وعبدالرحمن بن ابي
بكر، واوصاهم معاوية قال: اني خارج العشية الى اهل
الشام‏فاءخبرهم ان هؤلاء النفر قد بايعوا وسلموا، فان تكلم احد
منهم بكلام يصدقني اويكذبني فيه فلا ينقضي‏كلامه حتى
يطير راسه. فحذر القوم ذلك، فلما كان العشي‏خرج معاوية
وخرج معه هؤلاء النفر وهويضاحكهم ويحدثهم وقد البسهم
الحلل، فاءلبس ابن عمر حلة حمراء، والبس الحسين حلة
صفراء، والبس‏عبداللّه بن عباس حلة خضراء، والبس ابن الزبير
حلة يمانية، ثم خرج بينهم واظهر لاهل الشام الرضاعنهم اءي
القوم وانهم بايعوا، فقال: يا اهل الشام ان هؤلاء النفر دعاهم
اميرالمؤمنين فوجدهم واصلين‏مطيعين، وقد بايعوا وسلموا
ذلك، والقوم سكوت لم يتكلموا شيئا حذر القتل، فوثب اناس
من اهل الشام‏فقالوا: يا امير المؤمنين ان كان رابك منهم ريب
فخل بيننا وبينهم حتى نضرب اعناقهم. فقال معاوية:سبحان
اللّه ما احل دماء قريش عندكم يا اهل الشام! لا اسمع لهم ذاكرا
بسوء، فانهم قد بايعوا وسلموا،وارتضوني فرضيت عنهم رضي
اللّه عنهم، ثم ارتحل معاوية راجعا الى مكة، وقد اعط‏ى الناس
اعطياتهم،واجزل العطاء، واخرج الى كل قبيلة جوائزها
واعطياتها، ولم يخرج لبني هاشم جائزة ولا عطاء، فخرج‏عبداللّه
بن عباس في اثره حتى لحقه بالروحاء، فجلس ببابه، فجعل
معاوية يقول: من بالباب؟ فيقال:عبداللّه ابن عباس، فلم ياءذن
لاحد. فلما استيقظ قال: من بالباب؟ فقيل: عبداللّه بن عباس.
فدعا بدابته‏فاءدخلت اليه ثم خرج راكبا، فوثب اليه عبداللّه بن
عباس فاءخذ بلجام البغلة، ثم قال: اين تذهب؟ قال: الى‏مكة.
قال: فاءين جوائزنا كما اجزت غيرنا؟ فاءوما اليه معاوية فقال:
واللّه ما لكم عندي جائزة ولا عطاءحتى يبايع صاحبكم. قال ابن
عباس: فقد ابى ابن الزبير فاءخرجت جائزة بني اسد، وابى
عبداللّه بن عمرفاءخرجت جائزة بني عدي، فما لنا ان ابى
صاحبنا وقد ابى صاحب غيرنا. فقال معاوية: لستم كغيركم،
لاواللّه لا اعطيكم درهما حتى يبايع صاحبكم، فقال ابن عباس:
اما واللّه لئن لم تفعل لالحقن بساحل من‏سواحل الشام ثم
لاقولن ما تعلم، واللّه لاتركنهم عليك خوارج. فقال معاوية: لا
بل اعطيكم جوائزكم،فبعث بها من الروحاء، ومضى راجعا الى
الشام. الامامة والسياسة((1234)) (1/156).
قال الاميني : ان المستشف لحقيقة الحال من امر هذه البيعة
الغاشمة جد عليم انها تمت برواعد الارهاب،وبوارق التطميع،
وعوامل البهت والافتراء، فيرى معاوية يتوعد هذا، ويقتل ذاك،
ويولي آخر على المدن‏والامصار ويجعلها طعمة له، ويدر من
رضائخه على النفوس الواطئة ذوات الملكات الرذيلة، وفي
القوم من‏لايؤثر فيه شي‏ء من ذلك كله، غير انه لا راي لمن لا
يطاع، لكن امام الهدى، وسبط النبوة، ورمز الشهادة‏والاباء لم
يفتاء بعد ذلك كله مصحرا بالحقيقة، ومصارحا بالحق، وداحضا
للباطل مع كل تلكم الحنادس‏المدلهمة، اصغت اليه اذن ام لا،
وصغى الى قيله احد او اعرض، فقام بواجب الموقف رافعا
عقيرته بماتستدعيه الحالة، ويوجبه النظر في صالح المسلمين
ولم يثنه اختلاق معاوية عليه وعلى من وافقه في شي‏ءمن
الامر، ولا ما اعده لهم من التوعيد والارجاف بهم، ولم تك
تاءخذه في اللّه لومة لائم، حتى لفظ معاوية‏نفسه الاخير رمزا
للخزاية وشية العار، ولقي الحسين (ع) ربه وقد ادى ما عليه،
رمزا للخلود ومزيد الحبورفي رضوان اللّه الاكبر، نعم، لقي
الحسين(ع) ربه وهو ضحية تلك البيعة بيعة يزيد كما لقي
اخوه الحسن ربه‏مسموما من جراء تلكم البيعة الملعونة التي
جرت الويلات على امة محمد(ص) واستتبعت هدم
الكعبة،والاغارة على دار الهجرة يوم الحرة، وابرزت بنات
المهاجرين والانصار للنكال والسواة، واعظمها رزايامشهد
الطف التي استاءصلت شاءفة اهل بيت الرحمة صلوات اللّه
عليهم، وتركت بيوت الرسالة تنعق فيهاالنواعب، وتندب
النوادب، وقرحت الجفون، واسكبت المدامع، انا للّه وانا اليه
راجعون ( وسيعلم الذين‏ظ‏لموا اي منقلب ينقلبون )((1235)).
نعم، تمت تلك البيعة المشومة مع فقدان اي جدارة وحنكة في
يزيد، تؤهله لتسنم عرش الخلافة على ماتردى به من ملابس
الخزي وشية العار، من معاقرة‏الخمور، ومباشرة الفجور،
ومنادمة القيان ذوات‏المعازف، ومهارشة الكلاب، الى ما لا
يتناهى من مظاهر الخزاية، وقد عرفته الناس بذلك كله منذ
اولياته‏وعرفه به اناس آخرون، وحسبك شهادة وفد بعثه اهل
المدينة الى يزيد، وفيهم: عبداللّه بن حنظلة غسيل‏الملائكة،
وعبداللّه بن ابي عمرو المخزومي، والمنذر بن الزبير، وآخرون
كثيرون من اشراف اهل المدينة،فقدموا على يزيد فاءكرمهم،
واحسن اليهم، واعظم جوائزهم، وشاهدوا افعاله، ثم انصرفوا
من عنده وقدمواالمدينة كلهم الا المنذر، فلما قدم الوفد
المدينة قاموا فيهم، فاءظهروا شتم يزيد وعتبة((1236))،
وقالوا: انا قدمنا من‏عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر،
ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب،
ويسامرالحراب وهم اللصوص والفتيان وانا نشهدكم انا قد
خلعناه، فتابعهم الناس((1237)).
وقال عبداللّه بن‏حنظلة، ذلك‏الصحابي
العظيم‏المنعوت‏بالراهب، قتيل يوم الحرة يومئذ: يا قوم اتقوا اللّه
وحده‏لا شريك له، فواللّه ما خرجنا على يزيد حتى خفنا ان‏نرمى
بالحجارة من السماء، ان رجلا ينكح الامهات‏والبنات والاخوات،
ويشرب الخمر،ويدع‏الصلاة، واللّه لو لم يكن معي احد من الناس
لابليت للّه فيه‏بلاءحسنا ((1238)).
ولما قدم المدينة اتاه الناس، فقالوا: ما وراءك؟ قال: اتيتكم من
عند رجل، واللّه لو لم اجد الا بني هؤلاءلجاهدته بهم((1239)).
وقال المنذر بن الزبير لما قدم المدينة: ان يزيد قد اجازني
بمائة الف، ولا يمنعني ما صنع بي ان اخبركم خبره،واللّه انه
ليشرب الخمر، واللّه انه ليسكر حتى يدع الصلاة((1240)).
وقال عتبة بن مسعود لابن عباس: اتبايع يزيد وهو يشرب
الخمر، ويلهو بالقيان، ويستهتر بالفواحش؟قال: مه فاءين ما
قلت لكم؟ وكم بعده من آت ممن يشرب الخمر، او هو شر من
شاربها، انتم الى بيعته‏سراع، اما واللّه اني لانهاكم وانا اعلم انكم
فاعلون، حتى يصلب مصلوب قريش بمكة يعني عبداللّه
بن‏الزبير((1241)).
نعم: لم يك على مخازي يزيد من اول يوم حجاب مسدول
يخفيها على الاباعد والاقارب، غير ان اقرب‏الناس اليه وهو ابوه
معاوية غض الطرف عنها جمعاء، وحسب انها تخفى على الملا
الديني بالتمويه، وطفق‏يذكر له فضلا وعلما بالسياسة، فجابهه
لسان‏الحق، وانسان‏الفضيلة، حسين‏العظمة، بكلماته المذكورة
في‏صفحة (248 و 250) ومعاوية هو نفسه يندد بابنه في كتاب
كتبه اليه، ومنه قوله: اعلم يا يزيد: ان اول ماسلبكه السكر
معرفة مواطن الشكر للّه على نعمه المتظاهرة، وآلائه المتواترة،
وهي الجرحة العظمى،والفجعة الكبرى: ترك الصلوات
المفروضات في اوقاتها، وهو من اعظم ما يحدث من آفاتها، ثم
استحسان‏العيوب، وركوب الذنوب، واظهار العورة، واباحة السر،
فلا تاءمن نفسك على سرك، ولا تعتقد على‏فعلك((1242)).
فنظرا الى ما عرفته الامة من يزيد، من مخازيه وملكاته الرذيلة،
عد الحسن البصري استخلاف معاوية اياه‏من موبقاته الاربع،
كما مر حديثه في صفحة (225).
15 جنايات معاوية في صفحات تاريخه السوداء
انما نجتزئ منها على شي‏ء يسير يكون كاءنموذج مما له من
السيئات التي ينبو عنها العدد، ويتقاعس عنهاالحساب،
ويستدعي التبسط فيها مجلدات ضخمة فمنها: دابه على لعن
مولانا علي امير المؤمنين صلوات‏اللّه عليه، وكان يقنت به في
صلواته كما مر حديثه في الجزء الثاني (ص‏132)، واتخذه سنة
جارية في خطب‏الجمعة والاعياد، وبدل سنة محمد(ص) في
خطبة العيدين المتاءخرة عن صلاتهما وقدمها عليها،
لاسماع‏الناس لعن الامام الطاهر، كما مر تفصيله في الجزء
الثامن (ص‏164 167) واوعزنا اليه في هذا الجزء(ص‏212)
وكان ياءمر عماله بتلك الاحدوثة الموبقة، ويحث الناس عليها،
ويوبخ المتوقفين عنها، ولا يصيخ‏الى قول اي ناصح وازع.
1 اخرج مسلم، والترمذي، عن طريق عامر بن سعد بن ابي
وقاص، قال: امر معاوية سعدا فقال: مامنعك ان تسب ابا تراب؟
فقال: اما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول اللّه(ص) فلن اسبه، لا
ن تكون لي‏واحدة منهن احب الي من حمر النعم.فذكر حديث
المنزلة، والراية، والمباهلة. واخرجه الحاكم وزاد: فلاواللّه ما
ذكره معاوية بحرف حتى خرج من المدينة((1243)).
وفي لفظ الطبري من طريق ابن ابي نجيح، قال: لما حج
معاوية طاف بالبيت ومعه سعد، فلما فرغ انصرف‏معاوية الى دار
الندوة فاءجلسه معه على سريره، و وقع معاوية في علي، وشرع
في سبه، فزحف سعد ثم‏قال: اجلستني معك على سريرك
ثم‏شرعت في سب علي، واللّه لا ن يكون لي خصلة واحدة من
خصال‏كانت لعلي احب الي من ان يكون لي ما طلعت عليه
الشمس. الى آخر الحديث، وفيه من قول سعد: وايم‏اللّه لا
دخلت لك دارا ما بقيت. ونهض.
قال المسعودي بعد رواية حديث الطبري: ووجدت في وجه
آخر من الروايات وذلك في كتاب علي بن‏محمد بن سليمان
النوفلي في الاخبار، عن ابن عائشة وغيره: ان سعدا لما قال
هذه المقالة لمعاوية ونهض‏ليقوم ضرط له معاوية وقال له: اقعد
حتى تسمع جواب ما قلت: ما كنت عندي‏قط الام منك
الان،فهلانصرته؟ ولم قعدت عن بيعته؟ فان ي لو سمعت من
النبي(ص) مثل الذي سمعت فيه لكنت خادما لعلي‏ماعشت،
فقال سعد: واللّه ان ي لاحق بموضعك منك. فقال معاوية،
ياءبى عليك «ذلك‏» بنو عذرة. وكان سعدفيما يقال لرجل من
بني عذرة((1244)).
وفي رواية ذكرها ابن كثير في تاريخه((1245)) (8/77): دخل
سعد بن ابي وقاص على معاوية فقال له: مالك لم‏تقاتل عليا،
فقال: اني مرت بي ريح مظلمة فقلت: اخ اخ، فاءنخت راحلتي
حتى انجلت عني، ثم عرفت‏الطريق فسرت. فقال معاوية: ليس
في كتاب اللّه اخ اخ، ولكن قال اللّه تعالى: ( وان طائفتان
من‏المؤمنين‏اقت تلوا فاءصلحوا بينهما فان بغت احداهما على
الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي‏ء الى امر اللّه)((1246)).
فواللّه ما كنت مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على
الباغية، فقال سعد: ما كنت لاقاتل‏رجلاقال له رسول اللّه(ص):
((انت مني بمنزلة هارون من موسى غير انه لانبي بعدي))
فقال معاوية: من‏سمع هذا معك؟ فقال: فلان وفلان وام سلمة.
فقال معاوية: اما اني لو سمعته منه(ص) لما قاتلت عليا .
قال: وفي رواية من وجه آخر: ان هذا الكلام كان بينهما وهما
بالمدينة في حجة حجها معاوية، وانهما قاماالى ام سلمة
فساءلاها فحدثتهما بما حدث به سعد، فقال معاوية: لو سمعت
هذا قبل هذا اليوم لكنت‏خادمالعلي‏حتى يموت او اموت.
قال الاميني : لقد افك معاوية في ادعائه عدم احاطة علمه
بتلكم الاحاديث المطردة الشائعة، فانها لم تكن‏من الاسرار التي
لا يطلع عليها الا البطانة والخاصة، وانما هتف بهن(ص) على
رؤوس الاشهاد، اما حديث‏الراية فكان في واقعة خيبر وله
موقعيته الكبرى لقوله(ص): ((لاعطين الراية غدا رجلا يحب
اللّه ورسوله،ويحبه اللّه ورسوله)). الحديث.
فاستطالت اعناق كل فريق
ليروا اي ماجد يعطاها
فلم تزل النفوس مشرئبة متطلعة الى من عناه(ص) حتى جي‏ء
باءميرالمؤمنين(ع) ومنح الفتح من ساحة‏النبوة العظمى،
فانطبق القول، وصدقت الاكرومة، وعلم الغزاة كلهم انه(ص)
ما كان يريد غيره.
هب ان معاوية يوم واقعة خيبر كان عداده في المشركين،
وموقفه مع من يحاد اللّه ورسوله، لكن هلا بلغه‏ذلك بعدما
حداه الفرق الى الاستسلام؟ والحديث مطرد بين الغزاة وسائر
المسلمين، وهم بين مشاهد له‏وعالم به.
واما حديث المنزلة، فقد نطق به رسول اللّه(ص) في موارد
عديدة، منها غزاة تبوك، على ما مر تفصيله في‏الجزء الثالث
(ص‏198) وقد حضرها وجوه الصحابة واعيانهم، وكلهم علموا
بهاتيك الفضيلة الرابية،فالاعتذار عن معاوية باءنه لم يحضرها
لاشراكه يومئذ مدفوع بما قلناه في واقعة خيبر.
ومن جملة موارده يوم غدير خم الذي حضره معاوية وسمعه هو
ومائة الف‏اويزيدون، لكنه لم يعه بدليل انه‏ما آمن به، فحارب
عليا (ع) بعده، وعاداه، وامر بلعنه محادة منه للّه ولرسوله،
وعقيرة رسول اللّه المرفوعة‏بقوله(ص) في علي ((اللهم وال
من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله)).
بعد ترن في‏اذن الدنيا.
ومن موارده يوم المؤاخاة كما اخرجه احمد((1247))، باسناده
عن محدوج بن زيد الباهلي، قال: آخى رسول‏اللّه(ص) بين
المهاجرين والانصار، فبكى علي (ع) فقال رسول اللّه: ((ما
يبكيك فقال: لم تواخ بيني وبين‏احد. فقال: انما ادخرتك
لنفسي ثم قال: انت مني بمنزلة هارون من موسى))((1248)).
ومنها يوم كان رسول اللّه(ص) في دار ام سلمة، اذ اقبل علي
(ع) يريد الدخول على النبي(ص)، فقال: ياام‏سلمة هل تعرفين
هذا؟ قالت: نعم، فقال: ((هذا علي سيط لحمه بلحمي ودمه
بدمي، وهو مني بمنزلة‏هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي)).
راجع الجزء الثالث (ص‏116).
على ان حديث المنزلة قد جاء من طريق معاوية نفسه، رواه في
حياة علي (ع) فيما اخرجه احمد في مناقبه‏من طريق ابي
حازم، كما في الرياض النضرة((1249)) (2/195).
واما نباء المباهلة فصحيح ان معاوية لم يدركه، لان الكفر كان
يمنعه عند ذلك عن سماعه، غير ان القرآن‏الكريم قد اعرب عن
ذلك النباء العظيم ان لم يكن ابن حرب في معزل عن الكتاب
والسنة، على ان قصتهامن القضايا العالمية وليس من
المستطاع لاي احد ان يدعي الجهل بها.
وهنا نماشي ابن صخر في عدم اطلاعه على تلكم الفضائل الى
حد اخبار سعد اياه، لكنه بماذا يعتذر وهويقرا قوله تعالى: ( وان
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاءصلحوا بينهما ) الاية؟! وبماذا
يعتذر بعدما رواه قبل‏يوم صفين من قوله(ص) لعمار: ((تقتلك
الفئة الباغية)) وبماذا يعتذر بعد علمه بتلكم الاحاديث
باخبارصحابي معدود عند القوم في العشرة المبشرة، وبعد
اقامة الشهود عليه؟! ومن هناتعلم انه افك مرة اخرى‏بقوله: اما
اني لو سمعت من رسول اللّه ما سمعت في علي لكنت له خادما
ما عشت. لانه عاش ولم يرتدع عن‏غيه، وحارب امير المؤمنين
(ع) حيا وميتا، وداب على لعنه والامر به حتى اجهز عليه عمله،
وكبت به‏بطنته.
نعم: انه استمر على بغيه، وقابل سعدا في حديثه بالضرطة،
وهل هي هزء منه بمصدر تلكم الانباء القدسية؟او بخضوع سعد
لها؟ او لمحض ان سعدا لم يوافقه على ظلمه؟ انا لا ادري، غير
ان كفر معاوية الدفين لا ياءبى‏شيئا من ذلك، وهلا منعه الخجل
عن مثل هذا المجون وهو ملك؟ وبطبع الحال ان مجلسه
يحوي الاعاظم‏والاعيان.
من اين تخجل اوجه اموية
سكبت بلذات الفجور حياءها
2 لما مات الحسن بن علي (ع) حج معاوية، فدخل المدينة
واراد ان يلعن‏عليا على منبر رسول اللّه(ص)،فقيل له: ان هاهنا
سعد بن ابي وقاص ولا نراه يرضى بهذا، فابعث اليه وخذ رايه،
فاءرسل اليه وذكر له‏ذلك، فقال: ان فعلت لاخرجن من
المسجد، ثم لا اعود اليه، فاءمسك معاوية عن لعنه حتى مات
سعد. فلمامات لعنه على المنبر، وكتب الى عماله ان يلعنوه
على المنابر، ففعلوا فكتبت ام سلمة زوج النبي(ص) الى‏معاوية:
انكم تلعنون اللّه ورسوله على منابركم، وذلك انكم تلعنون علي
بن ابي طالب ومن احبه، وانا اشهدان اللّه احبه ورسوله. فلم
يلتفت الى كلامها. العقد الفريد((1250)) (2/301).
3 قال معاوية لعقيل بن ابي طالب: ان عليا قد قطعك وانا
وصلتك، ولا يرضيني منك الا ان تلعنه على‏المنبر، قال: افعل.
فصعد المنبر، ثم قال بعد ان حمد اللّه واثنى عليه وصلى على
نبيه(ص): ايها الناس‏ان‏معاوية بن ابي سفيان قد امرني ان العن
علي بن ابي طالب، فالعنوه، فعليه لعنة اللّه والملائكة
والناس‏اجمعين. ثم نزل فقال له معاوية: انك لم تبين من لعنت
منهما، بينه. فقال: واللّه لازدت حرفا ولا نقصت حرفا،والكلام
الى نية المتكلم. العقد الفريد (2/144)، المستطرف
(1/54)((1251)).
4 بعث معاوية الى عبيداللّه بن عمر لما قدم عليه بالشام
فاءتى، فقال له معاوية: يابن اخي ان لك اسم ابيك،فانظر بمل‏ء
عينيك، وتكلم بكل فيك، فاءنت الماءمون المصدق، فاصعد
المنبر واشتم عليا، واشهد عليه انه قتل‏عثمان. فقال: يا امير
المؤمنين اما شتمه فانه علي بن ابي طالب، وامه فاطمة بنت
اسد بن هاشم، فما عسى ان‏اقول في حسبه؟ واما باءسه فهو
الشجاع المطرق. واما ايامه فما قد عرفت، ولكني ملزمه دم
عثمان. فقال‏عمرو بن العاص: اذا واللّه قد نكاءت
القرحة((1252)).
5 روى ابن الاثير في اسد الغابة((1253)) (1/134) عن شهر
بن حوشب، انه قال: اقام فلان((1254)) خطباءيشتمون عليا
رضي اللّه عنه وارضاه ويقعون فيه، حتى كان آخرهم رجل من
الانصار او غيرهم يقال له:انيس. فحمد اللّه واثنى عليه، ثم قال:
انكم قد اكثرتم اليوم في سب هذا الرجل وشتمه، واني اقسم
باللّه اني‏سمعت رسول‏اللّه(ص) يقول: ((ان ي لاشفع يوم
القيامة لاكثر مما على الارض من مدر وشجر)) واقسم باللّهما
احد اوصل لرحمه منه، افترون شفاعته تصل اليكم وتعجزعن
اهل بيته؟! وذكره ابن حجر في الاصابة(1/77).
6 بينما معاوية جالس في بعض مجالسه وعنده وجوه الناس،
فيهم: الاحنف ابن قيس، اذ دخل رجل من‏اهل الشام، فقام
خطيبا، وكان آخر كلامه ان لعن عليا، فقال الاحنف: يا امير
المؤمنين ان هذا القائل لويعلم ان رضاك في لعن المرسلين
للعنهم، فاتق اللّه يا امير المؤمنين ودع عنك عليا فلقد لقي
ربه، وافرد في‏قبره، وخلا بعمله، وكان واللّه المبرور سيفه،
الطاهر ثوبه، العظيمة مصيبته. فقال له معاوية: يا احنف
لقداغضيت العين على القذى، وقلت ما ترى، وايم اللّه
لتصعدن‏المنبر فتلعننه طوعا او كرها، فقال له الاحنف:يا امير
المؤمنين ان تعفني فهو خير لك، وان تجبرني على ذلك فواللّه
لا تجري شفتاي به ابدا. فقال: قم‏فاصعد المنبر.
قال الاحنف: اما واللّه لانصفنك في القول والفعل. قال: وما انت
قائل ان انصفتني؟
قال: اصعد المنبر، فاءحمد اللّه واثني عليه، واصلي على نبيه
محمد(ص)، ثم اقول: ايها الناس ان امير المؤمنين‏معاوية امر
ان العن عليا، وان عليا ومعاوية اختلفا واقتتلا، فادعى كل واحد
منهما انه بغي عليه وعلى فئته،فاذا دعوت فاءمنوا رحمكم اللّه.
ثم اقول: اللهم العن انت وملائكتك وانبياؤك وجميع خلقك
الباغي منهما على‏صاحبه، والعن الفئة الباغية، اللهم العنهم
لعنا كثيرا، امنوا رحمكم اللّه. يا معاوية لا ازيد على هذا ولا
انقص‏حرفا ولو كان فيه ذهاب روحي. فقال معاوية: اذا نعفيك
يا ابا بحر.
العقد الفريد (2/144)، المستطرف (1/54)((1255)).
7 في كتاب المختصر في اخبار البشر((1256)) للعلا مة
اسماعيل بن علي بن محمود:كتب الحسن الى معاوية‏واشترط
عليه شروطا، وقال: ((ان اجبت اليها فاءنا سامع مطيع))
فاءجاب معاوية اليها، وكان الذي طلبه‏الحسن ان يعطيه ما في
بيت مال الكوفة، وخراج دارابجرد من فارس، وان لا يشتم عليا،
فلم يجب الى‏الكف عن شتم علي، فطلب الحسن ان لا يشتم
علي وهو يسمع، فاءجابه الى ذلك ثم لم يف به.
راجع((1257)) ايضا: تاريخ الطبري (6/92)، كامل ابن الاثير
(3/175)، تاريخ ابن كثير (8/14)، تذكرة السبط(ص‏113)،
اتحاف الشبراوي (ص‏10).
8 جاء قيس بن عباد الشيباني الى زياد، فقال له: ان امرا منا
من بني همام‏يقال له: صيفي بن فسيل، من‏رؤوس اصحاب
حجر، وهو اشد الناس عليك،فبعث اليه زياد فاءتي «به‏»، فقال له
زياد: يا عدو اللّه ما تقول‏في ابي تراب؟قال: ما اعرف ابا تراب.
قال: ما اعرفك به! قال: ما اعرفه. قال: اما تعرف علي بن ابي
طالب؟قال: بلى. قال: فذاك ابو تراب. قال: كلا ذاك ابو الحسن
والحسين (ع).
وفيه: قال زياد: لتلعننه او لاضربن عنقك. قال: اذا تضربها واللّه
قبل ذلك، فان ابيت الا ان تضربها رضيت‏باللّه وشقيت انت. قال:
ادفعوا في رقبته. ثم قال. اوقروه حديدا والقوه في السجن. ثم
قتل((1258)) مع حجرواصحابه سنة (51). وسيوافيك الحديث
بتمامه ان شاء اللّه تعالى.
9 خطب بسربن ارطاة على منبر البصرة، فشتم عليا (ع) ثم
قال: نشدت اللّهرجلا علم اني صادق الا صدقني او كاذب الا
كذبني. فقال ابو بكرة((1259)): اللهم انا لا نعلمك الا كاذبا.
قال: فاءمر به فخنق. تاريخ‏الطبري((1260)) (6/96).
10 استعمل معاوية كثير بن شهاب على الري، وكان يكثر سب
علي على منبر الري، وبقي عليها الى ان‏ولي زياد الكوفة فاءقره
عليها. كامل ابن الاثير((1261)) (3/179).
11 كان المغيرة بن شعبة لما ولي الكوفة، كان يقوم على
المنبر ويخطب وينال من علي (ع) ويلعنه ويلعن‏شيعته، وقد
صح ان المغيرة لعنه على منبر الكوفة مرات لاتحصى، وكان
يقول: ان عليا لم ينكحه رسول‏اللّه(ص) ابنته حبا ولكنه اراد ان
يكافئ بذلك احسان ابي طالب اليه. وصح عند الحاكم والذهبي
ان المغيرة‏سب عليا فقام اليه زيد بن ارقم فقال: يا مغيرة الم
تعلم ان رسول اللّه(ص) نهى عن سب الاموات؟فلم‏تسب عليا
وقد مات((1262))؟
راجع((1263)): مسند احمد (1/188)، الاغاني (16/2)
المستدرك (1/385)، شرح‏ابن ابي الحديد (1/360).
قدمت الخطباء الى المغيرة بن شعبة بالكوفة، فقام صعصعة بن
صوحان فتكلم، فقال المغيرة: اخرجوه‏فاءقيموه على المصطبة
فليلعن عليا. فقال: لعن اللّه من لعن اللّه ولعن علي بن ابي
طالب. فاخبروه بذلك فقال:اقسم باللّه لتقيدنه. فخرج فقال: ان
هذا ياءبى الا علي بن ابي طالب فالعنوه لعنه اللّه. فقال المغيرة:
اخرجوه‏اخرج اللّه نفسه.
الاذكياء لابن الجوزي((1264)) (ص‏98).
12 اخرج ابن سعد، عن عمير بن اسحاق، قال: كان مروان
اميرا علينا يعني بالمدينة فكان يسب‏علياكل جمعة على
المنبر، وحسن بن علي يسمع فلا يرد شيئا ، ثم ارسل اليه رجلا
يقول له: بعلي وبعلي‏وبعلي‏وبك وبك وبك، وما وجدت مثلك
الا مثل البغلة يقال لها: من ابوك؟ فتقول: امي الفرس. فقال
له‏الحسن : ((ارجع اليه فقل له: ان ي واللّه لا امحو عنك شيئا
مما قلت باءن اسبك، ولكن موعدي‏وموعدك اللّه،فان كنت
صادقا جزاك اللّه بصدقك، وان كنت كاذبا فاللّه اشد نقمة)).
تاريخ الخلفاء للسيوط‏ي((1265)) (ص‏127)، راجع الجزء الثامن
ترجمة مروان.
وكان الوزغ ابن الوزغ يقول لما قيل له: ما لكم تسبون عليا على
المنابر: انه لايستقيم لنا الامر الا بذلك.
الصواعق المحرقة((1266)) (ص‏33).
13 استناب معاوية على المدينة عمرو بن سعيد بن العاص بن
امية الاموي المعروف بالاشدق، الذي جاءفيه في مسند
احمد((1267)) (2/522) من طريق ابي هريرة‏مرفوعا:
((ليرعفن على منبري جبار من جبابرة بني‏امية يسيل
رعافه)). قال: فحدثني من‏راى عمرو بن سعيد رعف على منبر
رسول اللّه(ص) حتى سال‏رعافه((1268)).
كان هذا الجبار ممن يسب عليا (ع) على صهوة المنابر، قال
القسطلاني في ارشاد الساري في شرح
صحيح‏البخاري((1269)) (4/368)، والانصاري في تحفة
الباري شرح البخاري المطبوع في ذيل ارشاد الساري،
في‏الصفحة المذكورة: سمي عمرو بالاشدق لانه صعد المنبر
فبالغ في شتم علي (رضى‏ا...عنه) فاءصابته لقوة‏اءي داء في
وجهه.
وعمرو بن سعيد هو الذي كان بالمدينة يوم قتل الامام السبط
(ع)، قال عوانة ابن الحكم: لما قتل الحسين‏بن علي دعا عبيد
اللّه بن زياد عبد الملك بن ابي الحرث السلمي، وبعثه الى
المدينة ليبشر عمرو بن سعيد،فدخل السلمي على عمرو فقال:
ما وراءك؟ فقال: ما سر الامير قتل الحسين بن علي. فقال: ناد
بقتله.فناديت بقتله، فلم اسمع واللّه واعية قط مثل واعية نساء
بني هاشم في دورهن على الحسين، فقال عمرووضحك:
عجت نساء بني زياد عجة
كعجيج نسوتنا غداة‏الارنب((1270))
ثم قال عمرو: هذه واعية بواعية عثمان بن عفان. ثم صعد
المنبر فاءعلم الناس‏قتله((1271))، وفي مثالب ابي عبيدة:ثم
اوماء الى القبر الشريف وقال: يا محمد يوم بيوم بدر. فاءنكر عليه
قوم من الانصار.
كان ابو رافع عبدا لابي احيحة سعيد بن العاص بن امية،
فاءعتق كل من بنيه نصيبه منه الا خالد بن سعيد،فانه وهب
نصيبه للنبي(ص) فاءعتقه، فكان يقول: انا مولى رسول
اللّه(ص)، فلما ولي عمرو بن سعيد بن‏العاص المدينة ايام
معاوية، ارسل الى البهي((1272)) بن ابي رافع، فقال له: مولى
من انت؟ فقال: مولى رسول‏اللّه(ص)، فضربه‏مائة سوط، ثم
تركه ثم‏دعاه، فقال: مولى من‏انت؟ فقال: مولى‏رسول‏اللّه(ص)
فضربه مائة‏سوط، حتى ضربه‏خمسمائة سوط. فلماخاف ان
يموت قال‏له:انا مولاكم.
كامل المبرد((1273)) (2/75)، الاصابة (4/68).
14 اخرج الحاكم من طريق طاووس قال: كان حجر بن قيس
المدري من المختصين بخدمة امير المؤمنين‏علي بن ابي
طالب (رضى‏ا...عنه)، فقال له علي يوما: ((يا حجر انك تقام
بعدي فتؤمر بلعني فالعني ولا تبرامني((1274)))). قال
طاووس: فرايت حجر المدري وقد اقامه احمد بن ابراهيم
خليفة بني امية في الجامع، ووكل‏به ان يلعن عليا او يقتل.
فقال حجر: اما ان الامير احمد بن ابراهيم امرني ان العن عليا
فالعنوه لعنه اللّه.فقال طاووس: فلقد اعمى اللّه قلوبهم حتى لم
يقف احد منهم على ما قال.
المستدرك((1275)) (2/358).
قال الاميني : لم يزل معاوية وعماله دائبين على ذلك حتى
تمرن عليه الصغير وهرم الشيخ الكبير، ولعل في‏اوليات الامر
كان يوجد هناك من يمتنع عن القيام بتلك السبة المخزية،
وكان يسع لبعض النفوس الشريفة‏ان يتخلف عنها، غير ان
شدة معاوية الحليم في‏اجراءاحدوثته، وسطوة عماله الخصماء
الالداء على اهل بيت‏الوحي، وتهالكهم دون تدعيم تلك الامرة
الغاشمة، وتنفيذ تلك البدعة الملعونة،حكمت في البلاء حتى
عمت‏البلوى، وخضعت اليها الرقاب، وغللتها ايدي الجورتحت
نير الذل والهوان، فكانت العادة مستمرة منذشهادة امير
المؤمنين (ع) الى نهي عمر بن عبدالعزيز طيلة اربعين سنة
على صهوات المنابر، وفي الحواضرالاسلامية كلها من الشام
الى الري، الى الكوفة، الى البصرة الى عاصمة الاسلام المدينة
المشرفة، الى حرم‏امن اللّه مكة المعظمة، الى شرق العالم
الاسلامي وغربه، وعند مجتمعات المسلمين جمعاء، وقد مر في
الجزءالثاني قول ياقوت في معجم البلدان((1276)): لعن علي
بن ابي طالب (رضى‏ا...عنه) على منابر الشرق والغرب،ولم
يلعن على منبر سجستان الا مرة، وامتنعوا على بني امية حتى
زادوا في عهدهم: وان لا يلعن على‏منبرهم احد، واي شرف
اعظم من امتناعهم من لعن اخي رسول اللّه(ص) على منبرهم
وهو يلعن على‏منابر الحرمين: مكة والمدينة. انتهى.
وقد صارت سنة جارية، ودعمت في ايام الامويين سبعون الف
منبر يلعن فيها امير المؤمنين (ع)((1277))،واتخذوا ذلك
كعقيدة راسخة، او فريضة ثابتة، او سنة متبعة يرغب فيها بكل
شوق وتوق، حتى ان عمر بن‏عبد العزيز لما منع عنها، لحكمة
عملية او لسياسة وقتية، حسبوه كاءنه جاء بطامة كبرى، او
اقترف اثماعظيما.
والذي يظهر من كلام المسعودي في مروجه((1278))
(2/167)، واليعقوبي في تاريخه((1279)) (3/48)، وابن الاثير
في‏كامله((1280)) (7/17)، والسيوط‏ي في تاريخ
الخلفاء((1281)) (ص‏161) وغيرهم: ان عمر بن عبدالعزيز انما
نهى عن‏لعنه (ع) في الخطبة على المنبر فحسب، وكتب بذلك
الى عماله وجعل مكانه: ( ربنا اغفر لنا ولا خوانناالذين‏سبقونا
بالايمان )((1282)) الاية. وقيل: بل جعل مكان ذلك: ( ان اللّه
ياءمر بالعدل والاحسان )((1283)) الاية.وقيل: بل جعلهما
جميعا، فاستعمل الناس في الخطبة.
واما نهيه عن مطلق الوقيعة في امير المؤمنين والنيل منه (ع)،
واخذه كل متحامل عليه بالسب والشتم،واجراء العقوبة على
مرتكبي تلكم الجريرة، فلسنا عالمين بشي‏ء من ذلك، غير انا
نجد في صفحات التاريخ‏ان عمر بن عبدالعزيز كان يجلد من
سب عثمان ومعاوية، كما ذكره ابن تيمية في كتابه
الصارم‏المسلول((1284))(ص‏272) ولم نقف على جلده احدا
لسبه امير المؤمنين (ع).
دع عنك موقف امير المؤمنين (ع) من خلافة اللّه الكبرى،
وسوابقه في تثبيت‏الاسلام والذب عنه، وبثه‏العدل والانصاف،
وتدعيمه فرائض الدين وسننه، ودعوته الى اللّه وحده والى
نبيه(ص) والى دينه الحنيف،وتهالكه في ذلك كله، حتى لقي
ربه مكدودا في ذات اللّه.
دع عنك فضائله، وفواضله، والاي النازلة فيه، والنصوص
النبوية الماءثورة في مناقبه، لكنه هل هو بدع من‏آحاد
المسلمين الذين يحرم لعنهم وسبابهم وعليه تعاضدت
الاحاديث واطردت الفتاوى؟
وحسبك قول رسول اللّه(ص) ((سباب المسلم فسوق)).
اخرجه((1285)): البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجة، واحمد،والبيهقي، والطبري، والدارقطني،والخطيب،
وغيرهم من طريق ابن مسعود، وابي هريرة، وسعد بن ابي
وقاص، وجابر، وعبداللّه بن مغفل،وعمرو بن النعمان. راجع
الترغيب والترهيب((1286)) (3/194)، وفيض القدير (4/84،
505، 506).
وقوله(ص) ((سباب المسلم كالمشرف على الهلكة)).
اخرجه البزار((1287)) من طريق عبداللّه بن عمرو باسناد
جيد، كما قاله الحافظ المنذري في
الترغيب‏والترهيب((1288)) (3/194).
وقوله(ص) ((لا يكون المؤمن لعانا)).
اخرجه الترمذي((1289))، وقال: حديث حسن. وسمعت
نهيه(ص) عن سب الاموات (ص‏263).
على ان الامام امير المؤمنين (ع) مع غض الطرف عن طهارة
مولده، وقداسة محتده، وشرف ارومته،وفضائله النفسية
والكسبية، وملكاته الكريمة، هو من العشرة الذين بشروا بالجنة
عند القوم، ولا اقل من‏انه احد الصحابة الذين يعتقد القوم
فيهم العدالة جميعا((1290))، ويحتجون باءقوالهم وافعالهم،
ولا يستسيغون‏الوقيعة فيهم، ويشددون النكير على الشيعة
لحسبانهم انهم يقعون في بعض الصحابة، ورتبوا على
ذلك‏احكاما، قال يحيى بن معين: كل من شتم عثمان، او
طلحة، او احدا من اصحاب رسول اللّه(ص) دجال لايكتب عنه،
وعليه لعنة اللّه والملائكة والناس اجمعين((1291)).
وعن احمد امام الحنابلة((1292)): خير الامة بعد النبي(ص)
ابوبكر، وعمر بعد ابي‏بكر، وعثمان بعد عمر،وعلي‏بعد عثمان،
ووقف قوم، وهم خلفاء راشدون مهدى ون، ثم اصحاب رسول
اللّه(ص) بعد هؤلاءالاربعة خير الناس، لا يجوز لاحد ان يذكر
شيئا من مساوئهم، ولا طعن على احد منهم بعيب ولا
نقص،فمن فعل ذلك فقد وجب تاءديبه وعقوبته، ليس له ان
يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبه، فان تاب قبل منه، وان‏ثبت اعاد
عليه العقوبة، وخلده في الحبس حتى يموت او يراجع.
وعنه ايضا: ما لهم ولمعاوية نساءل اللّه العافية. وقال: اذا رايت
احدا يذكر اصحاب رسول اللّه(ص) بسوءفاتهمه على الاسلام.
وعن عاصم الاحول قال: اتيت برجل قد سب عثمان، قال:
فضربته عشرة اسواط، قال: ثم عاد لما قال،فضربته عشرة
اخرى. قال: فلم يزل يسبه حتى ضربته سبعين سوطا.
وقال القاضي ابو يعلى: الذي عليه الفقهاء في سب الصحابة، ان
كان مستحلا لذلك كفر، وان لم يكن‏مستحلا فسق ولم يكفر،
سواء كفرهم او طعن في دينهم مع اسلامهم، وقد قطع طائفة
من الفقهاء من اهل‏الكوفة وغيرهم بقتل من سب الصحابة،
وكفر الرافضة.
قال ابوبكر بن عبدالعزيز في المقنع: فاءما الرافضي فان كان
يسب فقد كفر، فلا يزوج((1293)).
وقال الشيخ علاء الدين ابو الحسن الطرابلسي الحنفي في
معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من‏الاحكام((1294))
(ص‏187): من شتم احدا من اصحاب النبي (ع) ابا بكر، او عمر،
او عثمان، او عليا، او معاوية،او عمرو بن العاص، فان قال:
كانواعلى ضلال وكفر، قتل، وان شتمهم بغير هذا من مشاتمة
الناس، نكل‏نكالا شديدا.
وعد الذهبي في كتاب الكبائر((1295)) (ص‏233) منها: سب
احد من الصحابة، وقال‏في (ص‏235): فمن طعن‏فيهم او سبهم
فقد خرج من الدين، ومرق من ملة‏المسلمين، لان الطعن لا
يكون الا عن اعتقاد مساوئهم،واضمار الحقد فيهم،وانكار ما
ذكره اللّه في كتابه من ثنائه عليهم، وما لرسول اللّه(ص)
من‏ثنائه‏عليهم،وفضائلهم، ومناقبهم، وحبهم، ولانهم ارضى
الوسائل من الماءثور والوسائط من المنقول، والطعن
في‏الوسائط طعن في الاصل، والازدراء بالناقل ازدراءبالمنقول،
وهذا ظاهر لمن تدبره، وسلم من النفاق ومن‏الزندقة والالحاد
في‏عقيدته، وحسبك ما جاء في الاخبار والاثار من ذلك، كقول
النبي(ص): ان اللّهاختارني‏واختار لي اصحابا فجعل لي‏منهم
وزراء وانصارا واصهارا، فمن سبهم‏فعليه لعنة اللّه والملائكة
والناس‏اجمعين، لا يقبل اللّه منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا.
ولهم في سب الشيخين وعثمان تصويب وتصعيد، قال محمد
بن يوسف الفريابي: سئل القاضي ابو يعلى عمن‏شتم ابابكر. قال:
كافر. قيل: فيصلى عليه؟ قال: لا. وساءله كيف يصنع به وهو
يقول: لا اله الا اللّه؟ قال: لاتمسوه باءيديكم، ادفعوه بالخشب
حتى تواروه في حفرته. الصارم المسلول (ص‏575).
وقال الجرداني في مصباح الظلام((1296)) (2/23): قال اكثر
العلماء: من سب ابابكر وعمر كان كافرا.
وقال ابن تيمية في الصارم المسلول (ص‏581): قال ابراهيم
النخعي: كان يقال شتم ابي بكر وعمر من‏الكبائر. وكذلك قال
ابو اسحاق السبيعي: شتم ابي بكر وعمر من الكبائر التي قال اللّه
تعالى: ( ان تجتنبواكبائر ما تنهون عنه )((1297)).
وقتل عيسى بن جعفر بن محمد «بن عاصم‏» لشتمه ابابكر،
وعمر، وعائشة وحفصة، باءمر المتوكل على اللّه.قاله ابن كثير
في تاريخه((1298)) (10/324).
وفي الصارم المسلول (ص‏576): قال احمد في رواية ابي
طالب، في الرجل يشتم عثمان: هذا زندقة.
هب ان هذه الفتاوى المجردة من مسلمات الفقه، وليس
للباحث ان يناقش اصحابها الحساب، ويطالبهم‏مدارك تلكم
الاحكام من الكتاب والسنة، او الاصول والقواعد، او القياس
والاستحسان، ولا سيما مدارك‏جملة من خصوصياتها العجيبة
الشاذة عن شرعة الاسلام، لكنها هل هي مخصوصة بغير
رجالات اهل‏البيت، فهي منحسرة عنهم؟!
ولعل فيهم من يجافيك على ذلك فيقول: نعم هي منحسرة
عن علي (ع) وابنيه السبطين سيدي شباب اهل‏الجنة، لان ابن
هند كان يقع فيهم ويلعنهم، ويلجئ الناس الى ذلك باءنواع من
الترغيب والترهيب، فليس‏من الممكن تسريبها اليه، لانه كاتب
الوحي وان كان لم يكتب غير عدة كتب الى رؤساء القبائل في
ايام‏اسلامه القليلة من اخريات العهد النبوي، وهو خال
المؤمنين لمكان ام حبيبة من رسول‏اللّه(ص)، لكنهم لم‏يسموا
بذلك غيره من اخوة ازواج النبي(ص) كمحمد بن ابي بكر،
وليس له مبرر الا ان محمدا كان في‏الجيش العلوي ومعاوية
حاربه صلوات اللّه عليه، فهي ضغائن قديمة انفجر بركانها
اخيرا عند منتشرالاحقاد ومحتدم الاحن، قد بدت البغضاء من
افواههم وما تخفي صدورهم اكبر ( قد بينا لكم الايات
ان‏كنتم‏تعقلون)((1299)).
وهل سنة رسول اللّه(ص) المزعومة في قوله: لا تسبوا اصحابي.
وقوله(ص) من سب اصحابي فعليه لعنة‏اللّه والملائكة والناس
اجمعين. كانت مختصة بغير المخاطبين بها في صدر الاسلام
من الصحابة؟ او انها عامة‏مطردة؟ كما يقتضيه كونها من
الشريعة الاسلامية المستمرة الى ان تقوم الساعة، وقد حسبوها
كذلك لانهامتخذة من السنة المخاطب بها، وقد جاء في بعض
طرق الرواية الاولى عند مسلم: انه كان بين خالد بن‏الوليد
وبين عبدالرحمن بن عوف شي‏ء، فسبه خالد، فقال رسول
اللّه(ص): لا تسبوا اصحابي، وفي رواية‏انس: قال اناس من
اصحاب رسول اللّه(ص): انا نسب. فقال رسول اللّه(ص): من
سب اصحابي فعليه لعنة‏اللّه والملائكة والناس
اجمعين((1300)).
فليس من المعقول ان يكونوا مستثنين من حكم خوطبوا به،
لولا ان الميول والشهوات قد استثنتهم.
او كان امير المؤمنين (ع) مستثنى من بين الصحابة عن شمول
تلكم الاحكام؟ فلا تجري على من نال منه(ع) او وقع فيه.
اضف الى هذه كلها ان مولانا امير المؤمنين (ع) كان احد
الخلفاء الراشدين عندهم، وبالاجماع المتسالم عليه‏بين فرق
الاسلام كلها، وللقوم فيمن يقع فيهم‏احكام شديدة، ومنهم من
قال كما سمعته قبيل هذا بكفر من‏سب الشيخين، وزندقة من
سب عثمان، وقد جاء في الصحيح الثابت قوله(ص): عليكم
بسنتي وسنة الخلفاءالراشدين المهديين من بعدي((1301)).
فهلم معي نسائلهم عن المبرر لعمل معاوية والامويين منتسبا
ونزعة،وتابعيهم‏المجترحين لهذه السيئة‏المخزية، وعن
المغضين عنهم الذين اخرجوا امام العدل‏صنو محمد صلى اللّه
عليهما وآلهما عن حكم الخلفاء،وعن حكم الصحابة،بل وعن
حكم آحاد المسلمين، فاستباحوا النيل منه على رؤوس
الاشهاد، وفي‏كل‏منتدى ومجمع من دون اي وازع يزعهم.
فالى اي هوة اسفوا بالامام الطاهر(ع) حتى استلبوه الاحكام
المرتبة على المواضيع الثلاثة: الخلافة،الصحبة، الاسلام؟ ولم
يقيموا له اي وزن، وما راعوا فيه اي حق، وما تحفظوا له باءية
كرامة وهو نفس‏الرسول(ص) وزوج ابنته، وابو سبطيه، واول
من اسلم له، وقام الاسلام بسيفه، وتمت برهنة الحق
ببيانه،واكتسحت المعرات عن الدين بلسانه وسنانه، وهو مع
الحق والحق معه، وهو مع القرآن والقرآن معه ولن‏يفترقا حتى
يردا على النبي(ص) الحوض((1302))، وما غير وما بدل حتى
لفظ نفسه الاخير، وهم يمنعون عن‏لعن الادعياء، وحملة الاوزار
المستوجبين النار، ويذبون عن الوقيعة في اهل المعرة
والخمور والفجور، من‏طريد، الى لعين، الى متهاون بالشريعة،
الى عائث بالاحكام، الى مبدل للسنة، الى مخالف للكتاب
ومحالف‏للهوى، الى الى الى... انا للّه وانا اليه راجعون.
نعم، لعمر الحق كان الامر كما قال عامر بن عبداللّه بن الزبير
لما سمع ابنه ينال من علي (ع): يا بني اياك وذكرعلي
(رضى‏ا...عنه) فان بني امية تنقصته ستين عاما فما زاده اللّه
بذلك الا رفعة. المحاسن والمساوئ‏للبيهقي((1303)) (1/40).
( يريدون ان يطفئوا نور اللّه باءفواههم وياءبى اللّه الا ان يتم نوره
)((1304))
16 قتال ابن هند عليا امير المؤمنين (ع)
نحن مهما غضضنا الطرف عن شي‏ء في الباب، فلا يسعنا ان
نتغاضى عن ان مولانا امير المؤمنين هو ذلك‏المسلم الاوحدي
الذي يحرم ايذاؤه وقتاله ( والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات
بغير ما اكتسبوا فقداحتملوا بهتانا واثما مبينا )((1305))، ومن
المتسالم عليه عند امة محمد(ص) قوله: ((سباب
المسلم‏المؤمن‏فسوق، وقتاله كفر ))((1306)). وقد اقترف
معاوية الاثمين معا، فسب وقاتل سيد المسلمين جميعا،
وآذى‏اول من اسلم من الامة المرحومة، وآذى فيه رسول
اللّه(ص) ( والذين يؤذون رسول اللّه لهم عذاب اليم)((1307))،
ومن آذى رسول اللّه(ص) فقد آذى اللّه ( ان الذين يؤذون اللّه
ورسوله لعنهم اللّه في الدنيا والاخرة)((1308)).
على انه سلام اللّه عليه كان خليفة الوقت يومئذ كيفما قلنا او
تمحلنا في امر الخلافة، وكان تصديه لهابالنص، واجماع اهل
الحل والعقد، وبيعة المهاجرين والانصار، ورضى الصحابة
جمعاء، خلا نفر يسير شذواعن الطريقة المثلى لا يفتون في
عضد جماعة، ولا يؤثرون على انعقاد طاعة، بعثت بعضهم
الضغائن، وحدت‏آخرالمطامع، واندفع ثالث الى نوايا خاصة رغب
فيها لشخصياته. وكيفما كانت الحالة فاءمير المؤمنين
(ع)وقتئذ الخليفة حقا، وان من ناواه وخرج عليه يجب قتله،
وانما خلع ربقة الاسلام من عنقه، واهان سلطان‏اللّه، ويلقى اللّه
ولا حجة له، وقد جاء في النص الجلي قوله(ص): ((ستكون
هنات وهنات، فمن اراد ان يفرق‏امر هذه الامة وهم جميع
فاضربوا راسه بالسيف كائنا من كان)).
وفي لفظ: ((فمن رايتموه يمشي الى امة محمد فيفرق
جماعتهم فاقتلوه)).
وفي لفظ الحاكم: ((فاقتلوه كائنا من كان من الناس)). راجع
صفحة (27، 28) من هذا الجزء.
وقوله(ص) ((من اتاكم وامركم جمع على رجل واحد يريد ان
يشق عصاكم او يفرق جماعتكم، فاقتلوه)).راجع (ص‏28) من
هذا الجزء.
وقوله(ص): ((من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات،
مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية‏يغضب للعصبية،
او يدعو الى عصبية، او ينصر عصبية، فقتل فقتلة جاهلية، ومن
خرج على امتي يضرب‏برها وفاجرها، لايتحاشى من مؤمنها ولا
يفي لذي عهدها، فليس مني ولست منه))((1309)).
وقوله(ص): ((من خلع يدا من طاعة لقي اللّه يوم القيامة ولا
حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات‏ميتة
جاهلية))((1310)).
وقوله(ص): ((من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة
الاسلام من راسه الا ان يراجع، ومن دعادعوة جاهلية فانه من
جثا جهنم))، قال رجل: يا رسول اللّه وان صام وصلى؟ قال:
((نعم وان صام وصلى،فادعوا بدعوة اللّه الذي سماكم بها
المسلمين المؤمنين، عباد اللّه))((1311)).
وقوله(ص): ((من فارق الجماعة شبرا فقد خلع ربقة الاسلام
من عنقه))((1312)).
وقوله(ص): ((ليس احد يفارق الجماعة قيد شبر فيموت الا
مات ميتة جاهلية))((1313)).
وقوله(ص): ((من خرج عن الطاعة وفارق الجماعة فمات، مات
ميتة جاهلية))((1314)).
وقوله(ص): ((من اهان سلطان اللّه في الارض اهانه
اللّه))((1315)).
وقوله(ص) من طريق معاوية نفسه: ((من فارق الجماعة شبرا
دخل النار))((1316)).
وقوله(ص): ((من فارق الجماعة، واستذل الامارة لقي اللّه ولا
حجة له عند اللّه))((1317)).
وقوله(ص): ((اسمعوا واطيعوا وان استعمل عليكم عبد حبشي
كاءن راسه زبيبة))((1318)).
اوهل ترى معاوية في خروجه على امير المؤمنين (ع) الف
الجماعة ولازم‏الطاعة؟ او انه باغ اهان سلطان‏اللّه، واستذل
الامارة الحقة، وخرج عن الطاعة، وفارق الجماعة وخلع ربقة
الاسلام من راسه؟
النصوص النبوية تاءبى الا ان يكون الرجل على راس البغاة، كما
كان على راس الاحزاب يوم كان وثنيا،وما اشبه آخره باءوله،
ولذلك امر رسول اللّه(ص) امير المؤمنين بقتاله، وان من يقتل
عمارا هي الفئة الباغية،ولم يختلف اثنان في ان اصحاب معاوية
هم الذين قتلوه، غير ان معاوية نفسه لم يتاءثر بتلك الشية، ولم
تثنه‏عن بغيه تلكم القتلة وامثالها من الصلحاء الابرار، الذين ولغ
في دمائهم.
اضف الى ذلك ان معاوية هو الخليفة الاخير ببيعة طغام الشام
وطغاتهم، ان كانت لبيعتهم الشاذة قيمة في‏الشريعة، وقد حتم
الاسلام قتل خليفة مثله، بقول نبيه الاعظم(ص): ((اذا بويع
لخليفتين فاقتلوا الاخرمنهما)).
وقوله(ص): ((ستكون خلفاء فتكثر)) قالوا: فما تاءمرنا؟ قال:
((فوا ببيعة الاول فالاول، واعطوهم‏حقهم)).
وقوله(ص): ((من بايع اماما فاءعطاه صفقة يده وثمرة قلبه
فليطعه ان استطاع، فان جاء احد ينازعه‏فاضربوا عنق الاخر)).
وهذه الاحاديث الصحيحة الثابتة((1319))، هي التي تصحح
الحديث الوارد في معاوية نفسه، وان ضعف اسناده‏عند القوم،
من قوله(ص): ((اذا رايتم معاوية على منبري
فاقتلوه))((1320)). وهو المعتضد بما ذكره المناوي في‏كنوز
الدقائق((1321)) (ص‏145) من قوله(ص): ((من قاتل عليا
على الخلافة فاقتلوه كائنا من كان)).
وبعد ان تراءت الفئتان اصحاب امير المؤمنين (ع) وطغمة
معاوية حكم فيهم كتاب اللّه تعالى بقوله: (وان‏طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا فاءصلحوا بينهما فان بغت احداهما على
الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى‏تفي‏ءالى امر اللّه )((1322)) وبها
استدل ائمة الفقه كالشافعي على قتال اهل البغي((1323))،
واصحاب معاوية هم الفئة‏الباغية بنص من‏الرسول
الاعظم(ص)((1324)).
وقال محمد بن الحسن الشيباني الحنفي المتوفى (187): لو
لم يقاتل معاوية عليا ظالما له، متعديا باغيا، كنا لانهتدي لقتال
اهل البغي. الجواهر المضيئة (2/26).
قال القرطبي في تفسيره((1325)) (16/317): في هذه الاية
دليل على وجوب قتال الفئة الباغية، المعلوم بغيها على‏الامام
او على احد من المسلمين.