وذكر ابن عساكر في تاريخه((259)) (4/69) من خطبة له
قوله: اتقوا اللّه ما استطعتم فليس فيها مثوبة، واسمعواواطيعوا
لامير المؤمنين عبد الملك فانها المثوبة، واللّه لو امرت الناس
ان يخرجوا من باب من ابواب المسجدفخرجوا من باب آخر
لحلت لي دماؤهم واموالهم.
على ان ابن عمر هو الذي جاء بقوله عن رسول اللّه(ص): ((في
ثقيف كذاب ومبير)). وقوله: ((ان في ثقيف‏كذابا
ومبيرا))((260)) واطبق الناس سلفا وخلفا على ان المبير هو
الحجاج.
قال‏الجاحط: خطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر
رسول‏اللّه(ص) بالمدينة فقال: تبا لهم انمايطوفون باءعواد ورمة
بالية هلا طافوا بقصر امير المؤمنين عبد الملك؟ الا يعلمون ان
خليفة المرء خير من‏رسوله((261))؟
وقال الحافظ ابن عساكر في تاريخه((262)) (4/81): اختلف
رجلان فقال احدهما: ان الحجاج كافر، وقال‏الاخر: انه مؤمن
ضال. فساءلا الشعبي فقال لهما: انه مؤمن بالجبت والطاغوت،
كافر باللّه العظيم.
وقال: وسئل عنه واصل بن عبد الاعلى فقال: تساءلوني عن
الشيخ الكافر.
وقال: قال القاسم بن مخيمرة: كان الحجاج ينتفض من
الاسلام((263)).
وقال: قال عاصم بن ابي النجود: ما بقيت للّه تعالى حرمة الا
وقد انتهكها الحجاج.
وقال: قال طاووس: عجبت لاخواننا من اهل العراق يسمون
الحجاج مؤمنا.
وقال الاجهوري: وقد اختار الامام محمد بن عرفة والمحققون
من اتباعه كفر الحجاج.
الاتحاف((264)) (ص‏22).
دع هذه كلها وخذ ما اخرجه الترمذي، وابن عساكر من طريق
هشام بن حسان انه قال: احصي ما قتل‏الحجاج صبرا فوجد مائة
الف وعشرين الفا((265))، ووجد في سجنه ثمانون الفا
محبوسون، منهم ثلاثون الف‏امراة((266))، وكانت هذه
المجزرة الكبرى والسجن العام بين يدي ابن عمر ينظر اليهما
من كثب، ادرك ايام‏الحجاج كلها، ومات وهو حي يذبح ويفتك.
امثل هذا الجائر الغادر الاثم يتاءهل للائتمام به، دون سيد
العرب مثال القداسة والكرامة؟!
وهل ابن عمر نسي يوم بايع الحجاج ما اعتذر به من امتناعه عن
بيعة ابن الزبير، لما قيل له: ما يمنعك ان‏تبايع امير المؤمنين
ابن الزبير فقد بايع له اهل‏العروض وعامة اهل الشام؟ فقال:
واللّه لا ابايعكم وانتم‏واضعو سيوفكم على عواتقكم، تصيب
ايديكم من دماء المسلمين((267)).
هلا كان ابن عمر ونصب عينيه ما كانت تصيبه ايدي الحجاج
وزبانيته من دماء المسلمين، دماء امة كبيرة‏من عباد اللّه
الصالحين، دماء نفوس زكية من شيعة آل اللّه؟ فكيف ائتم به
وبايعه؟ وباءي كتاب ام باءية سنة‏ساغ له حنث يمينه يوم بايع
ابن الزبير ومد يده الى بيعته وهي ترجف من الضعف بعد ما
بايعه رؤوس‏الخوارج اعداء الاسلام، المارقين من الدين: نافع بن
الازرق، وعطية بن الاسود، ونجدة بن عامر((268))؟
ليتني ادري وقومي افي شريعة الاسلام حكم للغلبة يركن اليه
المسلم في الصلاة التي هي عماد الدين وافضل‏اعمال امة
محمد(ص)؟ او ان الائتمام في الجمعة والجماعة يدور مدار
تحقق البيعة واجماع الامة، وعدم النزاع‏بين الامام وبين من
خالفه من الخوارج عليه؟ او ان هاتيك الاعذار اءعذار ابن عمر
احلام نائم واماني‏كاذبة لا طائل تحتها؟ انظر الى ضؤولة عقل
ابن عمر يحسب ان الامة تتلقى‏خزعبلاته بالقبول، وتراه
بهامعذورا في طاماته، ذاهلا عن ان هذه المعاذير اكثر معرة من
بوادره، والانسان على نفسه بصيرة ولو القى‏معاذيره.
كان الرجل يصلي مع الحجاج بمكة كما قاله ابن سعد((269))،
وقال ابن حزم في المحلى (4/213): كان ابن عمريصلي خلف
الحجاج ونجدة((270))، وكان احدهماخارجيا، والثاني افسق
البرية. وذكره ابو البركات في بدائع‏الصنائع (1/156).
اليس احق الناس بالامامة اقراهم لكتاب اللّه واعلمهم بالسنة؟
اليس من السنة الصحيحة الثابتة‏قوله(ص): ((يؤم القوم اقرؤهم
لكتاب اللّه، فان كانوا في القراءة سواء فاءعلمهم بالسنة، فان كانوا
في السنة‏سواء فاءقدمهم هجرة، فان كانوا في الهجرة سواء
فاءقدمهم سلما؟))((271)).
ام لم يكن منها قوله(ص): ((ان سركم ان تقبل صلاتكم
فليؤمكم خياركم، فانهم وفدكم فيما بينكم
وبين‏ربكم))((272))؟
او لم يكن يسر ابن عمر ان تقبل صلاته؟ ام كان يروقه من صلاة
الحجاج انه وخطباءه كانوا يلعنون‏علياوابن الزبير((273))؟ ام
كان يعلم ان الصلاة وغيرها من القربات لا تنجع لاي مسلم الا
بالولاية لسيدالعترة سلام اللّه عليه((274))، وابن عمر على
نفسه بصيرة، ويراه فاقدا اياها، بعيدا عنها، فائتمامه
عندئذبالامام العادل او الجائر المستهتر سواسية؟
ان كان الرجل يجد الغلبة ملاك الائتمام فهلا ائتم بمولانا امير
المؤمنين (ع) وكان هو الغالب في وقعة الجمل‏ويوم النهروان؟
ولم يكن في صفين مغلوبا، وانما لعب ابن العاصي فيها
بخديعته، فالتبس الامر على الاغرار،لكن اهل البصائر عرفوها
فلم يتزحزحوا عن معتقدهم طرفة عين، وقبل هذه الحروب
انعقدت البيعة‏بخليفة الحق من غير معارض ولا مزاحم حتى
يتبين فيه الغالب من المغلوب، فكان امام العدل(ع)
هوالمستولي على عرش الخلافة والمحتبي بصدر دستها،
فلماذا تركه (ع) ابن عمر ولم ياءتم به وقد تم امره، بتمام‏شروط
البيعة وملاك الائتمام على رايه هو؟
ومن نجدة الخارجي؟ ومتى غلب على جميع الحواضر
الاسلامية؟ وما قيمته وقيمة الائتمام به، ورسول‏اللّه(ص) يعرف
الخوارج بالمروق من الدين بقوله : ((يخرج قوم من امتي
يقرؤون القرآن ليست قراءتكم الى‏قراءتهم بشي‏ء، ولا صلاتكم
الى صلاتهم بشي‏ء، ولا صيامكم الى صيامهم بشي‏ء، يقرؤون
القرآن يحسبون‏انه لهم، وهو عليهم، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم،
يمرقون من الدين كما يمرق السهم
من‏الرمية((275))))((276)).
وبقوله(ص): ((سيخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الاسنان،
سفهاء الاحلام، يقولون من خير قول البرية،يقرؤون القرآن، لا
يجاوز ايمانهم حناجرهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم
من الرمية، فاءينما لقيتموهم‏فاقتلوهم، فان في قتلهم اجرا
لمن قتلهم عنداللّه يوم القيامة))((277)).
وبقوله(ص): ((سيكون في امتي اختلاف وفرقة، قوم يحسنون
القيل ويسيئون الفعل، يقرؤون القرآن لايجاوز تراقيهم،
يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم لا يرجعون
حتى يرتد على فوقه، هم‏شرالخلق، طوبى لمن قتلهم وقتلوه،
يدعون‏الى كتاب‏اللّه وليسوا منه في شي‏ء، من قاتلهم كان اولى
باللّهمنهم)). قالوا: يارسول‏اللّه ما سيماهم؟ قال:
التحليق((278)).
وبقوله(ص): ((يخرج من قبل المشرق قوم كان هديهم هكذا
يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من‏الدين كما يمرق
السهم من الرمية، ثم لا يرجعون اليه ووضع يده على صدره،
سيماهم التحليق، لا يزالون‏يخرجون حتى يخرج آخرهم،فاذا
رايتموهم فاقتلوهم)).
مستدرك الحاكم((279)) (2/147).
وبقوله(ص): ((يوشك ان ياءتي قوم مثل هذا يتلون كتاب اللّه
وهم اعداؤه، يقرؤون كتاب اللّه محلقة‏رؤوسهم، فاذا خرجوا
فاضربوا رقابهم)).
المستدرك((280)) (2/145).
وبقوله(ص): ((ان اقواما من امتي اشدة، ذلقة السنتهم بالقرآن،
لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الدين كما يمرق‏السهم من
الرمية، فاذا لقيتموهم فاقتلوهم فان الماءجور من قتلهم)).
المستدرك((281)) (2/146).
وبقوله(ص): ((الخوارج كلاب النار))((282))، من طريق
صححه السيوط‏ي في‏الجامع الصغير((283)).
فما قيمة صحابي لا ينتجع مما جاء عن النبي الاقدس(ص) من
الكثير الصحيح‏في‏الناكثين‏والقاسطين‏والمارقين؟ولم يرقط
قيمة لتلكم النصوص، ويضرب عنها صفحا ولم يتبصر بها
في‏دينه، ويتترس تجاه ذلك الحكم البات النبوي عن التقاعس
عن تلك المشاهد باءنها فتنة (احسب الناس‏ان‏يت ركوا ان
يقولوا آمناوهم لا يفتنون)((284)).
لقد ذاق ابن عمر وبال امره بتركه واجبه من البيعة لمولانا امير
المؤمنين(ص)، والتبرك بيده الكريمة التي هي‏يد رسول
اللّه(ص) وهو خليفته بلا منازع، وبتركه الائتمام به والدخول
في حشده، وهو نفس الرسول‏الاعظم(ص) والبقية منه، بذل
البيعة لمثل الحجاج الفاجر، فضرب اللّه عليه الذلة والهوان
هاهنا، حتى‏ان‏ذلك المتجب ر الكذاب المبير لم ير فيه جدارة
باءن يناوله يده فمد اليه رجله فبايعها! واخذه اللّه بصلاته‏خلفه
وخلف نجدة المارق من الدين، وحسبه بذينك هوانا في‏الدنيا
ولعذاب الاخرة اشد وابقى، وكان من‏اخذه سبحانه اياه ان سلط
عليه الحجاج فقتله وصلى عليه((285)) ويالها من صلاة
مقبولة ودعاء مستجاب‏من ظالم غاشم.
معذرة اخرى لابن عمر :
ولابن عمر معذرة اخرى، اخرج ابو نعيم في الحلية (1/292) من
طريق نافع عن ابن عمر انه اتاه رجل‏فقال: يا ابا عبد الرحمن
انت ابن عمر وصاحب‏رسول‏اللّه(ص) فما يمنعك من هذا الامر؟
قال: يمنعني ان اللّهتعالى حرم علي دم المسلم قال: فان اللّه عز
وجل يقول: ( وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة
ويكون‏الدين‏للّه)((286)). قال: قد فعلنا وقد قاتلناهم حتى كان
الدين للّه، فاءنتم تريدون ان تقاتلوا حتى يكون الدين‏لغير اللّه.
واخرج في الحلية (1/294) من طريق القاسم بن عبد الرحمن:
انهم قالوا لابن عمر في الفتنة الاولى: الاتخرج فتقاتل؟ فقال:
قد قاتلت والانصاب بين الركن والباب حتى نفاها اللّه عز وجل
من ارض العرب، فاءنااكره ان اقاتل من يقول لا اله الا اللّه.
دع ابن عمر يحسب نفسه افقه من كل الصحابة من المهاجرين
الاولين والانصار الذين باشروا الحرب مع‏امير المؤمنين(ص)
في تلكم المعامع، ولكن هل كان يجد نفسه افقه من رسول
اللّه(ص) حيث امر اصحابه‏بمناصرة مولانا امير المؤمنين (ع)
فيها، وامره صلوات اللّه عليه بمباشرة هاتيك الحروب الدامية،
ونهى عن‏التثبط عنها. وهل كان(ص) يعلم ان المقاتلين من
الفئتين من اهل لا اله الا اللّه فاءمر بالمقاتلة مع علي (ع)؟او
عزب عنه علم ذلك فاءمر باراقة دماء المسلمين؟ غفرانك
اللهم.
وهل علم(ص) باءن نتيجة ذلك القتال ان يكون الدين لغير اللّه
فحض عليه؟
او فاته ذلك لكن علمه ابن عمر فتجنبه؟ اعوذ باللّه من شطط
القول.
وما اشبه اعتذار ابن عمر باعتذار ابيه يوم امره رسول اللّه(ص)
بقتل ذي الثدية راس الخوارج، فما قتله‏واعتذر باءنه وجده
متخشعا واضعا جبهته للّه. راجع الجزء السابع (ص‏216).
ثم ان كون الدين لغير اللّه، هل كان من ناحية مولانا امير
المؤمنين علي، وكان‏هو واصحابه يريدونه؟ او من‏ناحية مناوئيه
ومن بغى عليه من الفئة الباغية؟ والاول لا يتفق مع ما جاء في
الكتاب الكريم والسنة‏الشريفة في حق الامام علي (ع) وفي
مواليه وتابعيه ومناوئيه، وفي خصوص الحروب الثلاث، كما
هومبثوث في مجلدات كتابنا هذا، وان ذهل او تذاهل عنها ابن
عمر.
وان كان يريد الثاني فلماذا بايع معاوية بعد ان تقاعد عن بيعة
امير المؤمنين(ع)؟ هذه اسئلة ووجوه لاادري هل يجد ابن عمر
عنها جوابا في محكمة العدل الالهي؟ لا احسب، ولعله يتخلص
عنها بضؤولة العقل‏المسقط للتكليف.
واعجب من هذه كلها ما جاء به ابو نعيم في الحلية (1/309) من
قول ابن عمر: انما كان مثلنا في هذه الفتنة‏كمثل قوم كانوا
يسيرون على جادة يعرفونها، فبينماهم كذلك اذ غشيتهم
سحابة وظلمة، فاءخذ بعضهم‏يميناوشمالا فاءخطاء الطريق،
واقمنا حيث ادركنا ذلك حتى جلى اللّه ذلك عنا، فاءبصرنا
طريقنا الاول فعرفناواخذنا فيه، وانما هؤلاء فتيان قريش
يقتتلون على هذا السلطان وعلى هذه الدنيا، ما ابالي ان لا
يكون لي‏ما يقتل((287)) بعضهم بعضا بنعلي هاتين
الجرداوين.
ليت شعري متى غشيت الامة سحابة وظلمة فاءقام الرجل
حيث ادرك ذلك؟ اعلى العهد النبوي وهو اصفى‏ادوار الجو
الديني؟ ام في دور الخلافة؟ وقد بايع الرجل شيخ تيم واباه،
وهما عنده خيرا خلق اللّه واحدابعدواحد، فلا يرى فيه غشيان
الظلمة او قبول السحابة، واعطف على ذلك ايام عثمان فقد
بايعه ولم يتسلل عنه‏حتى يوم مقتله، كما مر في (ص‏23) من
هذا الجزء، فلم تكن ايام عثمان عنده ايام ظلمة وسحابة وان
كان من‏ملقحي فتنتها بما ارته، فلم يبق الا عهد الخلافة
العلوية وملك معاوية بن ابي سفيان.
اما معاوية فقد بايعه الرجل طوعا ورغبة وان رآه رسول اللّه(ص)
ملكا عضوضا ولعن صاحبه. وبايع يزيدبن معاوية بعد ما اخذ مائة
الف من معاوية، فلم يبق دور ظلمة عنده الا ايام خلافة خير
البشر سيد الامة‏مولانا امير المؤمنين علي(ع)، وفيها اخذ
بعضهم يمينا وشمالا فاءخطاء الطريق، وكانت الادوار مجلاة
قبل ذلك‏وبعده ايام امارة معاوية ويزيد وعبد الملك والحجاج،
فقد ابصر الرجل طريقه المهيع الاول عند ذلك فعرفه‏واخذ فيه
وبايعهم.
وهل هنا من يسائل الرجل عن الذين اخطاءوا الطريق ببيعتهم
وانحيازهم هل هم الذين بايعوا امير المؤمنين(ع)؟ وهم
الصحابة العدول والبدريون من المهاجرين والانصار، والامة
الصالحة من التابعين من رجالات‏المدينة المشرفة وغيرها من
الامصار الاسلامية. او الذين اكبوا على تلكم الايدي العادية
فبايعوها؟ من‏طغام الشام، سفلة الاعراب، وبقية الاحزاب، واهل
المطامع والشره، فيرى هل تحدوه القحة والصلف الى‏ان يقول
بالاول؟ ونصب عينه قول رسول اللّه(ص): ((ان تولوا عليا
تجدوه هاديا مهديا، يسلك بكم الطريق‏المستقيم)).
وقوله(ص): ((ان تؤمروا عليا ولا اراكم فاعلين تجدوه هاديا
مهديا يسلك بكم الطريق‏المستقيم)).
وقوله(ص): ((ان تستخلفوا عليا وما اراكم فاعلين تجدوه
هاديا مهديا، يحملكم على المحجة البيضاء)) الى‏احاديث اخرى
اوعزنا اليها في الجزء الاول (ص‏12).
او ان النصفة تلقى على روعه فينطق وهو لا يشعر بما يقول،
فيقول بالثاني فينقض ما ارتكبه من بيعة القوم‏جميعا.
ثم ان من غريب المعتقد ما ارته من ان فتيان قريش كانوا
يقتتلون على السلطان، ويبغون بذلك حطام‏الدنيا، وهو يعلم
ان لهذا الحسبان شطرين، فشطر لعلي امير المؤمنين
واصحابه، وهو الذي كانت الدنيا عنده‏كعفطة عنز، كما لهج به
صلوات اللّه عليه وصدق الخبر الخبر، وكانت نهضته تلك باءمر
من رسول‏اللّه(ص)وعهد منه اليه والى اصحابه، كما تقدم في
هذا الجزء والجزء الثالث. وشطر لطلحة والزبير ولمعاوية.
اما الاولان فيعرب عن مرماهما قول مولانا امير المؤمنين (ع)
في خطبة له: ((كل واحد منهما يرجو الامر له‏ويعطفه عليه
دون صاحبه لا يمتان الى اللّه بحبل، ولا يمدان اليه بسبب، كل
واحد منهما حامل ضب لصاحبه،وعما قليل يكشف قناعه به،
واللّه لئن اصابوا الذي يريدون لينزعن هذا نفس هذا، ولياءتين
هذا على هذا، قدقامت الفئة الباغية فاءين المحتسبون؟))
ولما خرج طلحة والزبير وعائشة الى البصرة جاء مروان بن
الحكم الى طلحة والزبير وقال: على ايكمااسلم بالامارة، وانادي
بالصلاة؟ فسكتا، فقال عبد اللّه بن الزبير: على ابي. وقال محمد
بن طلحة: على ابي.فاءرسلت عائشة الى مروان: اتريد ان ترمي
الفتنة بيننا؟ او قالت: بين اصحابنا، مروا ابن
اختي‏فليصل‏بالناس. يعني عبد اللّه بن الزبير.
مرآة الجنان لليافعي (1/95).
وام ا معاوية فهو الذي صدق فيه ظنه بل تنجز يقينه، وقد عرفه
بذلك اصحاب محمد(ص) وتعرفه اياك‏بغايته الوحيدة،
ونفسيته الذميمة كلماتهم، وابن‏لا يصيخ اليها وقد اصمه
واعماه حب العبشميين، فاتبع هواه‏واضله، واليك نماذج من
تلكم الكلم:
1 قال هاشم المرقال مخاطبا امير المؤمنين عليا (ع): سر بنا
يا امير المؤمنين الى هؤلاء القوم القاسية‏قلوبهم، الذين نبذوا
كتاب اللّه وراء ظهورهم، وعملوا في عباد اللّه بغير رضا اللّه،
فاءحلوا حرامه، وحرمواحلاله، واستهوى بهم الشيطان،ووعدهم
الاباطيل، ومناهم الاماني حتى ازاغهم عن الهوى، وقصد
بهم‏قصد الردى، وحبب اليهم الدنيا، فهم يقاتلون على دنياهم
رغبة فيها كرغبتنا في‏الاخرة.
كتاب‏صفين(ص‏125)، شرح‏ابن‏ابي‏الحديد(1/282)، جمهرة
الخطب (1/151)((288)).
2 ومن كلام لهاشم المرقال ايضا: يا امير المؤمنين فاءنا بالقوم
جد خبير، هم لك ولاشياعك اعداء، وهم‏لمن يطلب حرث
الدنيا اولياء، وهم مقاتلوك ومجادلوك، لا يبقون جهدا مشاحة
على الدنيا، وضنا بما في‏ايديهم منها، ليس لهم اربة غيرها الا ما
يخدعون به الجهال من طلب دم ابن عفان، كذبوا ليسوا
لدمه‏ينفرون، ولكن الدنيا يطلبون.
كتاب ابن مزاحم (ص‏103)، شرح ابن ابي الحديد
(1/278)((289)).
3 من خطبة ليزيد بن قيس الارحبي: ان المسلم من سلم
دينه ورايه، وان هؤلاء القوم واللّه ما ان يقاتلونناعلى اقامة دين
راونا ضيعناه، ولا على احياء حق راونا امتناه، ولا يقاتلوننا الا
على هذه الدنيا ليكونوا فيهاجبابرة وملوكا، ولو ظهروا عليكم
لا اراهم اللّه ظهورا وسرورا اذن لوليكم مثل
سعيد((290))والوليد((291))وعبداللّه ابن عامر((292))
السفيه، يحدث احدهم في مجلسه بذيت وذيت، وياءخذ مال اللّه
ويقول: لااثم علي فيه، كاءنما اعط‏ي تراثه من ابيه. كيف؟ انما
هو مال اللّه افاءه علينا باءسيافناورماحنا، قاتلوا عباداللّهالقوم
الظالمين الحاكمين بغير ما انزل اللّه، ولا تاءخذكم فيهم لومة
لائم، انهم ان يظهروا عليكم يفسدواعليكم دينكم ودنياكم،
وهم من قد عرفتم وجربتم، واللّه ما ارادوا باجتماعهم عليكم الا
شرا، واستغفر اللّهالعظيم لي ولكم.
كتاب صفين (ص‏279)، تاريخ الطبري (6/10)، شرح ابن ابي
الحديد (1/485)((293)).
4 من مقال لعمار بن ياسر بصفين: امضوا معي عباد اللّه الى
قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه،الحاكم على عباد
اللّه بغير ما في كتاب اللّه، انما قتله الصالحون المنكرون
للعدوان، الامرون بالاحسان. فقال‏هؤلاء الذين لا يبالون اذا
سلمت لهم دنياهم ولو درس هذا الدين: لم قتلتموه؟ فقلنا:
لاحداثه. فقالوا: انه‏ما احدث شيئا، وذلك لانه مكنهم من الدنيا
فهم ياءكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدت عليهم الجبال،واللّه
ما اظنهم يطلبون دمه، انهم ليعلمون انه لظالم، ولكن القوم
ذاقوا الدنيا فاستحبوهاواستمرؤوها،وعلموا لو ان‏صاحب‏الحق
لزمهم‏لحال‏بينهم وبين ما ياءكلون ويرعون فيه منها، ولم يكن
للقوم‏سابقة في الاسلام يستحقون بها الطاعة والولاية، فخدعوا
اتباعهم باءن قالوا: قتل امامنا مظلوما. ليكونوابذلك جبابرة
وملوكا، وتلك‏مكيدة قد بلغوا بها ما ترون، ولولا هي ما بايعهم
من‏الناس رجلان.
كتاب صفين (ص‏361)، تاريخ الطبري (6/21)، شرح ابن ابي
الحديد (1/504)، الكامل لابن الاثير(3/123)، تاريخ ابن كثير
(7/266) واللفظ لابن مزاحم((294)).
5 من خطبة لعبد اللّه بن بديل بن ورقاء الخزاعي: يا امير
المؤمنين ان القوم لو كانوا اللّه يريدون، وللّهيعملون، ما خالفونا،
ولكن القوم انما يقاتلوننا فرارا من الاسوة وحبا للاثرة، وضنا
بسلطانهم، وكرهالفراق‏دنياهم التي في ايديهم، وعلى احن في
نفوسهم، وعداوة يجدونها في صدورهم لوقائع اوقعتها يا امير
المؤمنين‏بهم قديمة، قتلت فيها آباءهم واخوانهم.
كتاب صفين (ص‏114)، شرح ابن ابي الحديد (1/281)، جمهرة
الخطب (1/148)((295)).
6 من كلام لشبث بن ربعي مخاطبا معاوية: انه واللّه لا يخفى
علينا ما تغزو وما تطلب. الى آخر ما ياءتي في‏هذا الجزء.
7 قال وردان غلام عمرو بن العاص له: اعتركت الدنيا والاخرة
على قلبك، فقلت: علي معه الاخرة في‏غير دنيا، وفي الاخرة
عوض من الدنيا، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة، وليس في الدنيا
عوض الاخرة.فقال عمرو:
يا قاتل اللّه وردانا وفطنته
ابدى لعمرك ما في النفس وردان
لما تعرضت الدنيا عرضت لها
بحرص نفسي وفي الاطباع ادهان
نفس تعف واخرى الحرص يقلبها
والمرء ياءكل تبنا وهو غرثان
اما علي فدين ليس يشركه
دنيا وذاك له دنيا وسلطان
فاخترت من طمعي دنيا على بصر
وما معي بالذي اختار برهان
الى آخر ابيات مرت في (2/141)، ومر لعمرو بن العاص قوله:
معاوي لا اعطيك ديني ولم انل
بذلك دنيا فانظرن كيف تصنع
فان تعطني مصرا فاءربح بصفقة
اخذت بها شيخا يضر وينفع
وما الدين والدنيا سواء وانني
لاخذ ما تعط‏ي وراسي مقنع
الى آخر ما اسلفناه في (2/143).
8 من كتاب لمحمد بن مسلمة الانصاري الى معاوية: واما انت
فلعمري ما طلبت الا الدنيا، ولا اتبعت الا الهوى. فان تنصر
عثمان ميتا فقد خذلته حيا.
كتاب صفين((296)) (ص‏86).
9 قال نصر: لما اشترطت عك والاشعريون على معاوية ما
اشترطوا من الفريضة والعطاء فاءعطاهم((297))، لم‏يبق من
اهل العراق احد في قلبه مرض الا طمع في معاوية، وشخص
بصره اليه حتى فشا ذلك في الناس،وبلغ ذلك عليا فساءه، وجاء
المنذر بن ابي حميصة الوادعي((298))، وكان فارس همدان
وشاعرهم فقال: ياامير المؤمنين ان عكا والاشعريين طلبوا الى
معاوية الفرائض والعطاء فاءعطاهم، فباعوا الدين بالدنيا،
وانارضينا بالاخرة من الدنيا، وبالعراق من الشام، وبك من
معاوية، واللّه لاخرتنا خير من دنياهم، ولعراقناخير من شامهم،
ولامامنا اهدى من امامهم، فاستفتحنا بالحرب، وثق منا بالنصر،
واحملنا على الموت. ثم‏قال في ذلك:
ان عكا ساءلوا الفرائض والاش
عر سالوا جوائزا بثنيه((299))
تركوا الدين للعطاء وللفر
ض فكانوا بذاك شر البريه
وساءلنا حسن الثواب من الل
ه وصبرا على الجهاد ونيه
فلكل ما ساله ونواه
كلنا يحسب الخلاف خطيه
ولاهل العراق احسن في الحر
ب اذا ما تدانت السمهريه
ولاهل العراق احمل للثق
ل اذا عمت العباد بليه
ليس منا من لم يكن لك في الل
ه وليا ياذا الولا والوصيه
فقال علي: ((حسبك رحمك اللّه))، واثنى عليه خيرا وعلى
قومه. وانتهى شعره‏الى معاوية، فقال معاوية: واللّهلاستميلن
بالاموال ثقات علي، ولاقسمن فيهم المال حتى تغلب دنياي
آخرته.
كتاب صفين (ص‏495)، شرح ابن ابي الحديد
(2/293)((300)).
10 من كتاب لمولانا امير المؤمنين الى معاوية: ((واعلم يا
معاوية انك قد ادعيت امرا لست من اهله لا في‏القدم ولا في
الولاية، ولست تقول فيه باءمر بين تعرف لك به اثرة، ولا لك
عليه شاهد من كتاب اللّه، ولاعهد تدعيه من رسول اللّه، فكيف
انت صانع اذا انقشعت عنك جلابيب ما انت فيه من دنيا ابهجت
بزينتها،وركنت الى لذتها، وخلي فيها بينك وبين عدو جاهد
ملح، مع ما عرض في نفسك، من دنيا قد دعتك‏فاءجبتها،
وقادتك فاتبعتها، وامرتك فاءطعتها، فاءقعس عن هذا الامر،
وخذ اهبة الحساب، فانه يوشك ان‏يقفك واقف على ما لا يجنك
منه مجن، ومتى كنتم يا معاوية ساسة للرعية؟ او ولاة لامر
هذه الامة بغيرقدم‏حسن؟ ولا شرف سابق على قومكم، فشمر
لما قد نزل بك، ولا تمكن الشيطان من بغيته فيك، مع
اني‏اعرف ان اللّه ورسوله صادقان، فنعوذ باللّه من لزوم سابق
الشقاء، والا تفعل اعلمك ما اغفلك من نفسك،فانك مترف قد
اخذ منك الشيطان ماءخذه، فجرى منك مجرى الدم في
العروق)).
كتاب صفين(ص‏122)، نهج البلاغة(2/10)، شرح ابن ابي
الحديد(3/410)((301)).
11 روي: ان الحسن بن علي غ قال لحبيب((302)) بن
مسلمة في بعض خرجاته بعد صفين: ((يا حبيب‏رب‏مسير لك
في غير طاعة اللّه)). فقال له حبيب: ام ا الى ابيك فلا. فقال له
الحسن: ((بلى واللّه ولقد طاوعت‏معاوية على دنياه وسارعت
في هواه، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك،
فليتك اذ اساءت‏الفعل احسنت القول، فتكون كما قال اللّه
تعالى: ( وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا
وآخرسيئا)((303)). ولكنك كما قال اللّه تعالى: ( كلا بل ران
على قلوبهم ما كانوا يكسبون )((304))))((305)).
12 قال القحذمي: لما قدم معاوية المدينة، قال: ايها الناس ان
ابابكر(رضى‏ا...عنه) لم يرد الدنيا ولم ترده،واما عمر فاءرادته
الدنيا ولم يردها، واما عثمان فنال منها ونالت منه، واما انا
فمالت بي وملت بها، وانا الينهاوهي امي وانا ابنها، فان لم
تجدوني خيركم فاءنا خير لكم.
العقد الفريد((306)) (2/300).
الى كلمات اخرى تعرب عن مدى غايات معاوية وتركاضه وراء
حطام الدنيا وملكها العضوض.
ابن عمر يحيي احداث ابيه :
هاهنا يوقفنا السبر عن اخبار ابن عمر على مواقف اتباعه احداث
والده،واتخاذه آراءه الشاذة عن الكتاب‏والسنة دينا بعد تبين
الرشد من الغي، ما بالهم اذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا
واللّه امرنابها؟!
منها : ذكر الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (4/265) عن ابن
عمر لما سئل عن المتعة، قال: حرام. فقيل:ان‏ابن عب اس لا
يرى بها باءسا. فقال: واللّه لقد علم ابن عباس ان رسول اللّه(ص)
نهى عنها يوم خيبر وماكنا مسافحين.
واخرج البيهقي في السنن الكبرى (7/206) عن عبد اللّه بن
عمر انه سئل عن متعة النساء فقال: حرام، اماان عمر بن
الخطاب (رضى‏ا...عنه) لو اخذ فيها احدا لرجمه بالحجارة.
ان الرجل متقول على اللّه وعلى رسوله بحكمه البات بحرمة
المتعة، والسائل انما ساءله عن دين اللّه لا عمااحدثه ابوه، وهو
في قوله هذا مكذب لابيه، حيث يقول:متعتان كانتا على عهد
رسول اللّه(ص) وانا انهى‏عنهما واعاقب عليهما. ويقول: ثلاث
كن على عهد رسول اللّه انا محرمهن ومعاقب عليهن: متعة
الحج، ومتعة‏النساء، وحي على خير العمل. ولم يستثن من ذلك
العهد شيئا، ونسب التحريم الى نفسه، وقد عد من‏اوليات عمر.
ومكذب ايضا ابن عباس وقاذف اياه باءنه كان يعلم حكم اللّه
ويحكم بخلافه، ويحلف باللّه في قوله الفاحش،وحاشا حبر الامة
عن هذه الطامة الكبرى.
ومكذب فحول الصحابة نظراء جابر بن عبداللّه، وابي سعيد
الخدري، وعمران بن حصين، القائلين باباحة‏المتعة في السنة
الشريفة، وانهم تمتعوا على عهد ابي بكر وشطر من خلافة عمر،
وان عمر هو الذين نهى‏عنها.
ومكذب سيد العترة امير المؤمنين (ع) في عزوه النهي عن
المتعة الى عمر، وقوله: ((لولا نهيه عنها ما زنى الا شقي)).
على ان النهي عن المتعة بخيبر يكذبه اطباق الحفاظ وشراح
البخاري على عدم وجود النهي عنها يومئذ،وقد سبق القول
عن السهيلي وابي عمر والزرقاني في الجزء السادس (ص‏226)
باءنه وهم وغلط لا يعرفه‏احد من اهل السير ورواة الاثر.
مر الكلام حول هذا البحث ضافيا في الجزء السادس (ص‏198
240).
ومنها : نهيه عن البكاء على الاموات احتذاء منه سيرة ابيه،
خلاف ما جاء في السنة الشريفة من فعل‏النبي(ص) وقوله
وتقريره، وكان ذلك بعد قيام الحجة عليهما كما مر في الجزء
السادس، وكان الرجل يقول:مر رسول اللّه(ص) بقبر فقال: ان
هذا ليعذب الان ببكاء اهله عليه، فقالت عائشة: غفر اللّه لابي
عبدالرحمن، انه وهم، ان اللّه تعالى يقول ( ولا تزر وازرة وزر
اخرى )((307)): انما قال رسول اللّه(ص): ((ان هذاليعذب الان
واهله يبكون عليه))((308)).
فصلنا القول في المساءلة في الجزء السادس (159 167) وفي
هذا الجزء (ص‏43، 44).
ومنها : استنكافه من الحديث عن رسول اللّه(ص) اخذا براي
ابيه، السابق‏ذكره في (6/294)، قال الشعبي:قعدت مع ابن عمر
سنتين او سنة ونصفا فما سمعته يحدث عن رسول اللّه(ص) الا
حديثا((309)).
ومنها : قوله في طواف الوداع على الحائض التي افاضت حذو
راي ابيه خلاف السنة النبوية الشريفة، وكان‏على ذلك ردحا
من الزمان، ثم لما لم ير من وافقه في الراي‏لم يجد بدا من
البخوع للحق فاءخبت اليه، كمااسلفناه في (6/111).
ومنها : حضه الناس على ما احدثه ابوه من المنع عن السؤال
عما لم يقع((310))، وقوله: يا ايها الناس لا تساءلواعما لم يكن،
فاني سمعت عمر بن الخطاب يلعن من ساءل عما لم
يكن((311)).
الا تعجب من سوء حظ امة محمد(ص) ان تدعم الاحدوثة فيها
بالمسبة، وتنهى عن المعروف‏بالفسوق؟!
ومنها : قوله في‏المتطيب عند الاحرام اقتداء باءحدوثة ابيه
خلاف السنة الثابتة، اخرج البخاري ومسلم من‏طريق ابراهيم
بن محمد بن المنتشر، عن ابيه قال: سمعت ابن عمر يقول:
لئن اصبح مطليا بقطران احب‏الي‏من ان اصبح محرما
انضخ((312)) طيبا، قال: فدخلت على عائشة فاءخبرتها بقوله
فقالت: طيبت رسول‏اللّه(ص) فطاف على نسائه ثم اصبح
محرما.
وفي لفظ البخاري: ذكرته لعائشة فقالت: يرحم اللّه ابا
عبدالرحمن، كنت اطيب رسول اللّه(ص) فيطوف على‏نسائه ثم
يصبح محرما ينضخ طيبا.
وفي لفظ النسائي: ساءلت ابن عمر عن الطيب عند الاحرام
فقال: لا ن اطلى بالقطران احب الي من ذلك.فذكرت ذلك
لعائشة فقالت: يرحم اللّه ابا عبدالرحمن، قد كنت اطيب رسول
اللّه(ص) فيطوف في نسائه ثم‏يصبح ينضخ طيبا((313)).
ومنها : ما اخرجه الشيخان((314)) من طريق مجاهد قال:
دخلت انا وعروة بن الزبير المسجد، فاذا عبد اللّهبن عمر جالس
الى حجرة عائشة والناس يصلون الضحى في المسجد، فساءلناه
عن صلاتهم فقال: بدعة،فقال له عروة: يا ابا عبدالرحمن كم
اعتمر رسول اللّه(ص)؟ قال: اربع عمر، احداهن في رجب،
فكرهنا ان‏نكذبه ونرد عليه، وسمعنا استنان عائشة في الحجرة،
فقال عروة: الا تسمعين يا ام المؤمنين الى ما يقول
ابوعبدالرحمن؟ فقالت: وما يقول؟ قال: يقول: اعتمر
رسول‏اللّه(ص) اربع عمر احداهن في رجب. فقالت:يرحم اللّه ابا
عبدالرحمن، ما اعتمر رسول اللّه الا وهو معه، وما اعتمر في
رجب قط.
الظاهر من الرواية ان ابن عمر تعمد باختلاق عمرة لرسول
اللّه(ص) في رجب، وان كره مجاهد وعروة ان‏يكذباه، وانما فعل
ذلك روما لتدعيم ما تاءول به راي ابيه الشاذ في متعة الحج
مما رواه احمد في‏مسنده((315))(2/95) من قوله: ان عمر لم
يقل لكم ان العمرة في اشهر الحج حرام، ولكنه قال: ان اتم
العمرة ان‏تفردوها من اشهر الحج.
فاءراد ابن عمر بعزو عمرة رجب المختلقة الى رسول اللّه(ص)
تاءييدا لتاءويله الذي يضاد صريح قول ابيه: اني‏احرمها واعاقب
عليها. وقد فصلنا القول فيها في(ج‏6).
ورسول اللّه(ص) ما اعتمر في رجب قط كما جاء في حديث انس
ايضا: اعتمررسول اللّه(ص) اربع عمركلها في ذي
القعدة((316))، واخرج ابن ماجة في سننه((317)) (2/233)
من طريق ابن عباس قال: لم يعتمر رسول‏اللّه(ص) عمرة الا
في ذي القعدة.
وكان ابن عمر يحسب ان رسول اللّه(ص) اعتمر مرتين فاءنكرت
عليه عائشة ايضا، ولعله كان قبل انكارهاالسابق عليه، اخرج ابو
داود واحمد((318)) من طريق مجاهد قال: سئل ابن عمر: كم
اعتمر رسول اللّه(ص)؟فقال: مرتين. فقالت عائشة : لقد علم
ابن عمر ان رسول اللّه(ص) قد اعتمر ثلاثا سوى التي قرنها
بحجة‏الوداع.
ولعل الباحث يقرب من عرفان حقيقة ابن عمر ان امعن النظر
فيما اخرجه ابن‏عساكر من طريق امام‏الحنابلة((319)) عن ابن
ابزي: ان عبداللّه بن الزبير قال لعثمان يوم حصر: ان عندي
نجائب قد اعددتها لك، فهل‏لك ان تتحول الى مكة فياءتيك
من اراد ان ياءتيك؟ قال: لا، اني سمعت رسول اللّه(ص) يقول:
((يلحد بمكة‏كبش من قريش اسمه عبد اللّه عليه نصف اوزار
الناس))، ولا اراك الا اياه او عبداللّه بن عمر.
تاريخ ابن عساكر((320)) (7/414).
واخرج احمد في مسنده((321)) (2/136): اتى عبداللّه بن عمر
عبداللّه بن الزبير فقال: يا ابن الزبير اياك‏والالحاد في حرم اللّه
تبارك وتعالى، فاني سمعت‏رسول‏اللّه(ص) يقول: ((انه سيلحد
فيه رجل من قريش لووزنت ذنوبه بذنوب الثقلين لرجحت)).
قال: فانظر لا تكونه.
الفريق الثاني :
اما الفريق الثاني من اخبار ابن عمر فحدث عنه ولا حرج، تراه لا
يدعه عداؤه المحتدم ونفسيته الواجدة‏على امير المؤمنين، او
حبه المعمي والمصم للبيت العبشمي، ان يجري على لسانه
اسم علي وذكر ايام خلافته‏فضلا عن ان يبايعه، مر حول حديث
ذكرناه في هذا الجزء صفحة (24) قول ابن حجر: لم يذكر ابن
عمرخلافة علي لانه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه. الى آخر
كلامه.
وسبق في (ص‏36) من طريق الحافظ ابن عساكر، ذكر ابن عمر
الخلافة الاسلامية وعده خلفاءها الاثني‏عشر من قريش: ابا بكر،
وعمر، وعثمان، ومعاوية، ويزيد، والسفاح، ومنصور، وجابر،
والامين، وسلام،والمهدي، وامير العصب، وقوله فيهم: ان كلهم
صالح لا يوجد مثله.
اي نفسية ذميمة او عقلية ساقطة دعت الرجل الى هذه
العصبية، عصبية الجاهلية الاولى؟ هب ان خلافة‏امير المؤمنين
كانت غير مشروعة العياذ باللّه ولكن هل كانت من السقوط
على حد هو اسوا حالا من ايام‏يزيد الطاغية الباغية وملكه
العضوض، الذي استساغ الرجل ان يلهج به دون عهد امير
المؤمنين وخلافته؟وهل تسوغ تسمية ايام الفراعنة والجبابرة
لدى سرد تاريخ قصة او قضية،وقد ثبت عن رسول اللّه(ص)عند
القوم ان الخلافة بعده(ص) ثلاثون عاما، ثم ملك‏عضوض، ثم
كائن عتوا وجبرية وفسادافي الامة،يستحلون الفروج
والخمور((322))؟
وهل كان على لسان الرجل عقال عي به عن سرد فضائل امير
المؤمنين وتبكمت عليه مما ملا بين‏الخافقين؟ وقد نزلت فيه
(ع) ثلاثمائة آية، وجاءت في الثناء عليه آلاف من الاحاديث لم
يرو منها عن ابن‏عمر الا نزر يعد بالانامل، وذلك بصورة مصغرة
مشوهة، يضم آراءه السخيفة اليها مثل ما اخرجه احمد
في‏مسنده((323)) (2/26) عن ابن عمر قال: كنا نقول في
زمن النبي(ص): رسول اللّه خير الناس، ثم ابو بكر، ثم‏عمر،
ولقد اوتي ابن ابي طالب ثلاث خصال لا ن تكون لي واحدة
منهن احب الي من حمر النعم! زوجه‏رسول اللّه ابنته وولدت
له، وسدت الابواب الا بابه في المسجد، واعطاه الراية يوم خيبر.
وفي حديث: قيل لابن عمر: ما قولك في علي وعثمان غ؟ فقال
ابن عمر: اماعثمان فقد عفا اللّه عنه فكرهتم‏ان تعفوا، واما علي
فابن عم رسول اللّه وختنه((324)).
وتراه يوازن ابا بكر وعمر وعثمان مع رسول اللّه ويزنهم بميزان
قسطه الذي فيه الف عين، ثم يرفعه ولم‏تلحق الزنة عليا. اخرج
احمد في المسند((325)) (2/76) من طريق ابن عمر، قال:
خرج علينا رسول اللّه ذات‏غداة بعد طلوع الشمس، فقال: رايت
قبيل الفجر كاءني اعطيت المقاليد والموازين، فاءما المقاليد
فهذه‏المفاتيح، واما الموازين فهي التي تزنون بها، فوضعت في
كفة ووضعت امتي في كفة، فوزنت بهم فرجحت، ثم‏جي‏ء باءبي
بكر فوزن بهم فوزن، ثم جي‏ء بعمر فوزن «فوزن‏»((326))، ثم
جي‏ء بعثمان فوزن بهم. ثم رفعت.
يؤيد ابن عمر بهذه الاسطورة رايه في المفاضلة بين الصحابة،
وانه لا تفاضل‏بينهم بعد ابي بكر وعمروعثمان، واذا ذهبوا
استوى الناس.
نعم، ثقيل على ابن عمر ان يذكر عليا بخير، ويبوح بشي‏ء من
فضائله الجمة، وهو ياءتي في غيره بما لا يقبله‏قط ذو مسكة، ولا
يساعده فيه العقل والمنطق، مثل قوله: كنت عند النبي(ص)
وعنده ابوبكر الصديق عليه‏عباءة قد خلها على صدره بخلال،
فنزل عليه جبريل فقال: مالي ارى ابا بكر عليه عباءة قد خلها
على‏صدره بخلال؟ الى آخر ما مر في (5/274 الطبعة الاولى
وص‏321 الطبعة الثانية).
وقوله مرفوعا: لو وزن ايمان ابي بكر بايمان اهل الارض لرجح.
لسان الميزان((327)) (3/310).
وقوله مرفوعا: اتيت في المنام بعس مملوء لبنا فشربت منه
حتى «اذا» امتلات فرايته يجري في عروقي فضلت‏فضلة
فاءخذها عمر بن الخطاب فشربها. الى آخر ما اسلفناه في
(5/279 الطبعة الاولى و ص‏326 الطبعة‏الثانية).
وقوله مرفوعا: احشر يوم القيامة بين ابي بكر وعمر، حتى اقف
بين الحرمين فياءتيني اهل مكة‏والمدينة.
وقوله مرفوعا: هبط جبريل فقال: ان رب العرش يقول لك: لما
اخذت ميثاق النبيين اخذت ميثاقك،وجعلتك سيدهم،
وجعلت وزيرك ابا بكر وعمر.
وقوله مرفوعا: لما اسري بي الى السماء فصرت الى السماء
الرابعة سقطت في حجري تفاحة فاءخذتها بيدي‏فانفلقت
فخرجت منها حوراء تقهقه، فقلت لها: تكلمي لمن انت؟ قالت:
للمقتول شهيدا عثمان بن‏عفان.
وقوله مرفوعا: اما ان معاوية يبعث يوم القيامة عليه رداء من نور
الايمان.
وقوله مرفوعا: انه اوحي الي ان اشاور ابن ابي سفيان في بعض
امري.
وقوله: لما نزلت آية الكرسي قال رسول اللّه(ص) لمعاوية:
اكتبها فقال لي: مالي بكتبها ان كتبتها؟ قال: لايقرؤها احد الا
كتب لك اجرها.
وقوله مرفوعا: الان يطلع عليكم رجل من اهل الجنة فطلع
معاوية، فقال: انت يا معاوية مني وانا منك،لتزاحمني على باب
الجنة كهاتين. واشار باصبعيه.
وقوله مرفوعا: يطلع عليكم رجل من اهل الجنة فطلع معاوية،
ثم قال من الغد مثل ذلك، فطلع معاوية، ثم‏قال من الغد مثل
ذلك، فطلع معاوية.
وقوله: ان جعفر بن ابي طالب اهدى الى النبي(ص) سفرجلا،
فاءعط‏ى معاوية ثلاث سفرجلات وقال:تلقاني بهن في الجنة.
الى روايات اخرى اسلفناها في الجزء الخامس في سلسلة
الموضوعات، ونحن‏وان ماشينا القوم هنالك‏واخذنا بتلكم
الطامات اناسا آخرين من رجال اسانيدها، غير ان ما صح عن ابن
عمر من اخباره كحديث‏المفاضلة، وما علم من نزعاته الوبيلة،
وما ثبت عنه من افعاله وتروكه تقرب الى الذهن انه هو صائغ
تلكم‏الصحاصح((328))، ولا رجحان لغيره عليه في كفة
الاختلاق والتقول، كما ان له في نحت الاعذار لمن انحازاليهم
من الامويين قدما وقدما، وقد مر شطر من شواهد ذلك. ومنها
ما اخرجه احمد في مسنده((329))(2/101)من طريق عثمان
بن عبداللّه بن موهب، قال: جاء رجل من مصر يحج البيت، قال:
فراى قوماجلوسا فقال:من هؤلاء القوم؟ فقالوا: قريش. قال:
فمن الشيخ فيهم؟ قالوا: عبداللّه بن عمر. قال: يا بن عمر اني
سائلك‏عن شي‏ء او انشدك بحرمة هذا البيت، اتعلم ان عثمان
فر يوم احد؟ قال:نعم. قال: فتعلم انه غاب عن بدرفلم يشهده؟
قال: نعم. قال: وتعلم انه تغيب عن بيعة الرضوان؟ قال: نعم.
قال: فكبر المصري، فقال ابن‏عمر: تعال ابين لك ما ساءلتني
عنه، اما فراره يوم احد فاءشهد ان اللّه قد عفا عنه وغفر له. واما
تغيبه عن‏بدر فانه كانت تحته ابنة رسول اللّه(ص) وانها مرضت،
فقال له رسول اللّه(ص): لك اجر رجل شهد بدر اوسهمه. واما
تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان احد اعز ببطن مكة من عثمان
لبعثه، بعث رسول اللّه(ص)عثمان، وكانت بيعة الرضوان بعدما
ذهب عثمان، فضرب بها يده وقال: هذه لعثمان. قال: وقال ابن
عمر: اذهب‏بهذا الان معك. واخرجه البخاري في
صحيحه((330)) (6/122).
وفي مرسلة عن المهلب بن عبداللّه: انه دخل على سالم بن
عبداللّه بن عمر رجل وكان ممن يحمد عليا ويذم‏عثمان، فقال
الرجل: يا ابا الفضل الا تخبرني هل شهد عثمان البيعتين
كلتيهما: بيعة الرضوان وبيعة الفتح؟ فقال‏سالم: لا. فكبر الرجل
وقام ونفض رداءه وخرج منطلقا.
فلما ان خرج قال له جلساؤه: واللّه ما اراك تدري ما امر الرجل،
قال: اجل، وما امره؟ قالوا: فانه ممن يحمدعليا ويذم عثمان،
فقال : علي بالرجل، فاءرسل اليه فاءتاه، فقال: يا عبداللّه الصالح
انك ساءلتني: هل شهدعثمان البيعتين كلتيهما: بيعة‏الرضوان
وبيعة الفتح، فقلت: لا. فكبرت وخرجت شامتا، فلعلك ممن
يحمدعليا ويذم عثمان؟ فقال: اجل واللّه اني لمنهم، قال:
فاستمع مني ثم اردد علي، فان رسول‏اللّه(ص) لما بايع‏الناس
تحت الشجرة كان بعث عثمان في سرية، وكان في حاجة اللّه
وحاجة رسوله وحاجة المؤمنين، فقال‏رسول اللّه(ص): الا ان
يميني يدي وشمالي يد عثمان، فضرب شماله على يمينه
وقال: هذه يد عثمان واني قدبايعت له، ثم كان من شاءن عثمان
في البيعة الثانية: ان رسول اللّه(ص) بعث عثمان الى علي،
فكان اميراليمن‏فصنع به مثل ذلك.
الى آخر الرواية وهي طويلة، اخرجها المحب الطبري في
الرياض النضرة((331)) (2/94) وقد حذف اسنادهاتحفظا
عليها، وفي متنها شواهد تدل على وضعها، وانها مكذوبة
مختلقة، وهي تغنينا عن عرفان رجال‏السند.
واخرج الحاكم في المستدرك((332)) (3/98) من طريق
حبيب بن ابي مليكة، قال: جاء رجل الى ابن عمر غ‏فقال: اشهد
عثمان بيعة الرضوان؟ قال: لا. قال : فشهد بدرا؟ قال: لا. قال:
فكان ممن استزله الشيطان. قال:نعم. فقام الرجل، فقال له
بعض القوم: ان هذا يزعم الان انك وقعت في عثمان. قال:
كذلك يقول؟ قال: ردواعلي الرجل، فقال: عقلت ما قلت لك؟
قال: نعم ساءلتك هل شهد عثمان بيعة الرضوان؟ قلت: لا،
وساءلتك‏هل شهد بدرا؟ فقلت: لا، وساءلتك هل كان
ممن‏استزله الشيطان؟ فقلت: نعم. فقال: اما بيعة
الرضوان‏فان‏رسول اللّه(ص) قام فقال: ان عثمان انطلق في
حاجة اللّه وحاجة رسوله. فضرب له بسهم ولم يضرب‏لاحد غاب
غيره، واما الذين تولوا يوم التقى الجمعان انما استزلهم
الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا اللّهعنهم ان اللّه غفور حليم.
الا تعجب من هذه الاعذار المفتعلة الباردة وقد خفيت على
الصحابة الحضور يوم بدر البالغ جمعهم ثلاثمائة‏واربعة عشر
رجلا((333))، وعلى الذين بايعوا تحت الشجرة وكانوا الفا
واربعمائة او اكثر((334))، لم يك يعلم بها الا رجلان احدهما
ابن عمر الذي كان‏يوم بدر واحد صبيا لم يبلغ الحلم، وقد
استصغره رسول اللّه في اليومين،وكان له يوم بيعة الرضوان
ست عشرة سنة((335))، وثانيهما نفس عثمان الغائب عن
هاتيك المواقف، فالرواية‏مدبرة بين اثنين، بين صبي وغائب يوم
حوصر عثمان، وتبعهما في بعضها انس فحسب.
ومن الغريب جدا ان عبدالرحمن بن عوف اخا عثمان((336))
وصاحبه الذي اقعده دست الخلافة، وكان‏حاضرافي بدر واحد
لم يكن قرع سمعه شي‏ء من تلكم الاعذار الى يوم حوصر
عثمان، ولو كانت بمقربة من‏الصحة لكانت الالسن تتداولها،
والاندية لا تخلو عن ذكرها، فجاء عبدالرحمن ينتقد الرجل
بعدم حضوره‏في الغزوتين وتركه سنة عمر، فبلغ ذلك عثمان
فتخلص عنه بما خلق له ابن عمر او اختلق هو. اخرج‏احمدفي
مسنده((337)) (1/68) من طريق شقيق قال: لقي عبد
الرحمن بن عوف الوليد بن عقبة، فقال له الوليد: مالي‏اراك قد
جفوت امير المؤمنين عثمان (رضى‏ا...عنه)؟ فقال له
عبدالرحمن: ابلغه اني لم افر يوم عينين قال‏عاصم: يقول: يوم
احد ولم اتخلف يوم بدر، ولم اترك سنة عمر (رضى‏ا...عنه) قال:
فانطلق فخبر ذلك عثمان(رضى‏ا...عنه) فقال: اما قوله: اني لم
افر يوم عينين فكيف «يعيرني‏»((338)) بذنب وقد عفا اللّه عنه؟
فقال: (ان‏ال ذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان انما استزلهم
الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا اللّه عنهم)((339))،
واماقوله: اني تخلفت يوم بدر، فاني كنت امرض رقية بنت
رسول‏اللّه(ص) حين ماتت، وقد ضرب لي رسول‏اللّه(ص)
بسهمي، ومن ضرب له رسول اللّه(ص) بسهمه فقد شهد. واما
قوله: اني لم اترك سنة عمر(رضى‏ا...عنه)، فاني‏لااطيقها ولا
هو، فاءته وحدثه بذلك.
دع ابن عمر يصور لبعث عثمان الى مكة صورة مكبرة من انه لم
يبعثه الا لانه اعز من في بطن مكة((340))، فان‏الواقف على
القصة جد عليم باءن تلك البعثة ما كانت لها صلة بالعزة والذلة،
فانها كانت الى ابي سفيان يريدبها التخفيف من وطاءته في
استهواء قريش، واستهدائه على استثارتها على رسول اللّه(ص) ،
وكان طبع‏الحال يستدعي ان يبعث اليه رجلا من حامته، ياءمن
من بطشه، ويؤمل تنازله له لما بينهمامن واشجة‏الرحم
والقرابة، ولذلك انتخب لها عثمان، ان لم يقل القائل: انه(ص)
انما بعثه ليغيب عن بيعة الرضوان‏وفضلها، حتى لا يقال غدا: ان
عدول الصحابة قد اجمعت على قتل رجل من اهل بيعة
الرضوان.
ها هنا ننهي البحث عن حديث المفاضلة الذي جاء به ابن عمر
وصححه البخاري((341)) وانه باطل لايعتمد عليه، يخالف
الكتاب والسنة والعقل والقياس والاجماع والمنطق، ونرجع الى
بقية ما جاء في‏المناقب.
5 عن انس: ان النبي(ص) كان على حراء وابوبكر وعمر
وعثمان، فرجف بهم، فقال رسول اللّه(ص): اثبت‏حراء، فما
عليك الا نبي وصديق وشهيدان.
قال الاميني : اخرجه الخطيب في تاريخه (5/365) من طريق
محمد بن يونس الكديمي، ذلك الكذاب الوضاع‏الذي وضع على
رسول اللّه(ص) اكثر من الف حديث، كما مر في الجزء الخامس
في سلسلة الكذابين(ص‏266)، وفي هذا الجزء فيما ياءتي.
عن قريش بن انس الاموي البصري. قال ابن حبان((342)):
اختلط فظهر في‏حديثه مناكير، فلم يجزالاحتجاج باءفراده.
وقال البخاري: اختلط ست سنين((343)).
عن سعيد بن ابي عروبة البصري. قال ابن سعد((344)):
اختلط في آخر عمره، وقال ابن حبان((345)): بقي
في‏اختلاطه خمس سنين، ولا يحتج الا بما روى القدماء، مثل
يزيد بن زريع، وابن المبارك. وقال الذهلي: عاش‏بعد ما خولط
تسع سنين. وقال غيرهم: اختلط سنين، لم يجز الاحتجاج
بحديثه فيما انفرد((346)).
هذا ما في اسناد هذه الاكذوبة من العلل، غير ان الخطيب مر
بها كريما، لا تسمع منه حولها ركزا، ولم ينبس‏فيها ببنت شفة،
عادته في فضائل من اعماه حبه واصمه.