وقوله(ص) من طريق عبد اللّه بن عمرو بن العاص: ((من بايع
اماما فاءعطاه صفقة يده وثمرة قلبه فليعطه ان‏استطاع، فان
جاء آخر ينازعه فاضربوا عنق الاخر)).
قال عبدالرحمن بن عبد رب: فدنوت منه فقلت له: انشدك اللّه
انت سمعت هذا من رسول اللّه(ص)؟ فاءهوى‏الى اذنيه وقلبه
بيديه. وقال: سمعته اذناي ووعاه قلبي. فقلت له: هذا ابن عمك
معاوية ياءمرنا ان ناءكل‏اموالنا بيننا بالباطل ونقتل انفسنا، واللّه
عز وجل يقول: ( يا ايها الذين آمنوا لا تاءكلوا اموالكم
بينكم‏بالباطل‏الا ان تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا
انفسكم ان اللّه كان بكم رحيما )((142)) قال: فسكت ساعة‏ثم
قال: اطعه في طاعة اللّه، واعصه في معصية اللّه((143)).
قال النووي في شرح مسلم((144)) هامش ارشاد الساري
(8/43): قوله(ص) : ((فان جاء آخر ينازعه‏فاضربوا عنق الاخر))
معناه: ادفعوا الثاني فانه خارج على الامام، فان لم يندفع الا
بحرب وقتال فقاتلوه،فان دعت المقاتلة الى قتله، جاز قتله ولا
ضمان فيه لانه ظالم متعد في قتاله.
قال: قوله: فقلت له: هذا ابن عمك معاوية. الى آخره. المقصود
بهذا الكلام ان هذا القائل لما سمع كلام عبداللّه بن عمرو بن
العاص وذكر الحديث في تحريم منازعة الخليفة الاول وان
الثاني يقتل، فاعتقد هذا القائل‏هذا الوصف في معاوية لمنازعته
عليا (رضى‏ا...عنه) وكانت قد سبقت بيعة علي، فراى هذا ان
نفقة معاوية‏على اجناده واتباعه في حرب علي ومنازعته
ومقاتلته اياه من اكل المال بالباطل، ومن قتل النفس،
لانه‏قتال بغير حق، فلا يستحق احد مالا في مقاتلته.
وقال (ص‏40) في شرح قوله(ص): ((ستكون خلفاء فتكثر)).
الحديث : معنى‏هذا الحديث: اذا بويع لخليفة‏بعد خليفة فبيعة
الاول صحيحة يجب الوفاء بها، وبيعة الثاني باطلة يحرم الوفاء
بها، ويحرم عليه طلبها،وسواء عقدوا للثاني عالمين بعقد الاول
ام جاهلين، وسواء كانا في بلدين او بلد، او احدهما في بلد
الامام‏المنفصل والاخر في غيره، هذا هو الصواب الذي عليه
اصحابنا وجماهير العلماء، وقيل: تكون لمن عقدت في‏بلد
الامام. وقيل: يقرع بينهم. وهذان فاسدان، واتفق العلماء على
انه لا يجوز ان يعقد لخليفتين في عصرواحد سواء اتسعت دار
الاسلام ام لا، وقال امام الحرمين في كتابه الارشاد((145)):
قال اصحابنا لا يجوزعقدها لشخصين، قال: وعندي انه لا يجوز
عقدها لاثنين في صقع واحد، وهذا مجمع عليه، قال: فان بعد
مابين الامامين وتخللت بينهما شسوع فللاحتمال فيه مجال،
وهو خارج عن القواطع. وحكى‏المازري هذا القول‏عن بعض
المتاءخرين من اهل الاصول، واراد به امام الحرمين، وهو قول
فاسد مخالف لما عليه السلف‏والخلف، ولظواهر اطلاق
الاحاديث، واللّه اعلم. انتهى.
فكان من واجب ابن عمر نظرا الى هذه النصوص ان يبايع عليا
ولا يتقاعد عن بيعته وقد بايعه المهاجرون‏والانصار والبدريون
واصحاب الشجرة على بكرة ابيهم، قال ابن حجر في فتح
الباري((146)) (7/5): كانت بيعة‏علي بالخلافة عقب قتل
عثمان في اوائل ذي الحجة سنة (35)، فبايعه المهاجرون
والانصار وكل من حضر،وكتب بيعته الى الافاق فاءذعنوا كلهم
الا معاوية في اهل الشام فكان بينهم بعد ما كان. انتهى.
وكان من واجب الرجل قتال معاوية الخارج على الامام الطاهر
ان كان هوعضادة الدين آخذا بطقوسه،تابعا سننه اللاحب،
مؤمنا بما جاء به نبيه الاقدس(ص) بل الامر كما قال عبد اللّه بن
هاشم المرقال في كلمة‏له: فلو لم يكن ثواب ولا عقاب، ولا جنة
ولا نار، لكان القتال مع علي افضل من القتال مع معاوية
ابن‏اكالة الاكباد.
كتاب صفين((147)) (ص‏405).
متى اختلف في بيعة علي امير المؤمنين اثنان من رجال الحل
والعقد من صلحاءالامة؟ ومتى تمت كلمة الامة‏في بيعة خليفة
منذ اسس الانتخاب الدستوري مثل ما تمت لعلي (ع)؟ ولم
يكن متقاعس عن بيعته سلام‏اللّه عليه الا شرذمة المعتزلة
العثمانيين وهم سبعة وثامنهم ابن عمر، كما مر في الجزء
السابع (ص‏143)، فماالذي جعل بيعة اناس معدودين لم تبلغ
عدتهم عشرة اجماعا واتفاقا في بيعة ابي بكر، واوجب على ابن
عمراتباعهم، وحرم عليه التزحزح عنهم؟ وجعل اجماع الامة
من المهاجرين والانصار ورجال الامصار على‏بيعة علي امير
المؤمنين، وتخلف عدة تعد بالانامل عنها خلافا وتفرقا؟
وليت ابن‏عمر ان كان لم ياءخذ بحكم الكتاب والسنة في
الاستخلاف كان ياءخذ براي ابيه فيه وقد سمعه‏يقول: هذا الامر
في اهل بدر ما بقي منهم احد، ثم في اهل احد، ثم في كذا
وكذا، وليس فيها لطليق ولا لولدطليق ولا لمسلمة الفتح
شي‏ء((148)).
وقال في كلام له: لا تختلفوا فانكم ان اختلفتم جاءكم معاوية
من الشام وعبداللّه بن ابي ربيعة من اليمن، فلايريان لكم فضلا
لسابقتكم، وان هذا الامر لايصلح للطلقاء ولا لابناء
الطلقاء((149)).
ولعل هذا الراي كان من المتسالم عليه عند السلف، وبذلك
احتج مولانا امير المؤمنين على معاوية في كتاب‏له كتب اليه
بقوله: ((واعلم انك من الطلقاء الذين لاتحل لهم الخلافة، ولا
تعقد معهم الامامة، ولا يدخلون‏في الشورى))((150)).
وكتب ابن عباس الى معاوية: ما انت وذكر الخلافة؟ وانما انت
طليق وابن طليق والخلافة للمهاجرين‏الاولين، وليس الطلقاء
منها في شي‏ء((151))، وفي لفظ: ان‏الخلافة لا تصلح الا لمن
كان في الشورى فما انت‏والخلافة؟ وانت طليق الاسلام، وابن
راس الاحزاب، وابن آكلة الاكباد من قتلى بدر((152)).
ومن كلام لابن عباس يخاطب ابا موسى الاشعري: ليس في
معاوية خلة يستحق بها الخلافة، واعلم يا اباموسى ان معاوية
طليق الاسلام، وان اباه راس‏الاحزاب، وانه يدعي الخلافة من
غير مشورة ولابيعة((153)).
ومن كتاب لمسور بن مخرمة((154)) الى معاوية: انك
اخطاءت خطاء عظيما، واخطاءت مواضع النصرة، وتناولتهامن
مكان بعيد، وما انت والخلافة يا معاوية؟وانت طليق وابوك من
الاحزاب؟ فكف عنا فليس لك قبلناولي ولانصير((155)).
وفي مناظرة لسعنة بن عريض((156)) الصحابي مع معاوية:
منعت ولد رسول‏اللّه(ص)الخلافة، وما انت وهي،وانت طليق
ابن طليق؟ ياءتي تمام الحديث ان شاء اللّه تعالى.
وعاتب عبد الرحمن بن غنم الاشعري الصحابي((157)) ابا
هريرة وابا الدرداء بحمص اذ انصرفا من عندعلي(رضى‏ا...عنه)
رسولين لمعاوية، وكان مم ا قال لهما: عجبا منكماكيف جاز
عليكما ما جئتما به تدعوان‏عليا الى ان يجعلها شورى؟ وقد
علمتما انه قد بايعه المهاجرون والانصار واهل الحجاز والعراق،
وان من‏رضيه خير ممن كرهه، ومن بايعه خير ممن لم يبايعه،
واي مدخل لمعاوية في الشورى وهو من الطلقاء الذين‏لا تجوز
لهم الخلافة؟ وهو وابوه من رؤوس الاحزاب. فندما على
مسيرهما وتابا منه بين يديه((158)).
ومن كلام لصعصعة بن صوحان يخاطب به معاوية: انما انت
طليق ابن طليق، اطلقكما رسول اللّه(ص) فاءنى‏تصح الخلافة
لطليق((159))؟!
فاءين يقع عندئذ معاوية الطليق ابن الطليق من الخلافة؟ واي
قيمة في سوق‏الاعتبار لراي ابن عمر؟ وماالذي يبرر بيعته اياه
ان لم يبررها عداء سيد العترة؟
اي اجماع على بيعة يزيد؟
ثم اي اجماع صحيح من رجال الدين صحح لابن عمر بيعة
يزيد الممجوج‏عند الصحابة والتابعين، المنبوذلدى صلحاء
الامة، المعروف بالخلاعة والمجون والخمور والفجور على حد
قول شاعر القضاة الاستاذبولس سلامة في ملحمة
الغدير((160)) (ص‏217).
رافع الصوت داعيا للفلاح
اخفض الصوت في اذان الصباح
وترفق بصاحب العرش مشغو
لا عن اللّه بالقيان الملاح
الف ((اللّه اكبر)) لا يساوي
بين كفي يزيد نهلة راح
عنست في الدنان بكرا فلم
تدنس بلثم ولا بماء قراح
والامة مجمعة على شرطية العدالة في الامامة؟ قال القرطبي
في تفسيره((161))(1/231): الحادي عشر من‏شروط الامامة
ان يكون عدلا لانه لا خلاف بين الامة انه لا يجوز ان تعقد
الامامة لفاسق، ويجب ان‏يكون من افضلهم في العلم لقوله(ع):
((ائمتكم شفعاؤكم فانظروا بمن تستشفعون)). وفي التنزيل
في وصف‏طالوت ( ان اللّه اصطفاه عليكم وزاده بسطة في
العلم والجسم )((162)) فبدا بالعلم ثم ذكر ما يدل على القوة.
وقال في (صفحة 232): الامام اذا نصب ثم فسق بعد انبرام
العقد، فقال الجمهور: انه تنفسخ امامته ويخلع‏بالفسق الظاهر
المعلوم، لانه قد ثبت ان الامام انما يقام لاقامة الحدود،
واستيفاء الحقوق، وحفظ اموال‏الايتام والمجانين، والنظر في
امورهم الى غير ذلك مما تقدم ذكره، وما فيه من الفسق يقعده
عن القيام بهذه‏الامور والنهوض فيها، فلو جوزنا ان يكون فاسقا
ادى الى ابطال ما اقيم لاجله، الا ترى في الابتداء انما لم‏يجز ان
يعقد للفاسق لاجل انه يؤدي الى ابطال ما اقيم له وكذلك هذا
مثله. انتهى.
اجل: المائة الف المقبوضة من معاوية لتلك البيعة
الغاشمة((163)) جعلت الفرقة لابن عمر اجماعا،
والاختلاف‏اصفاقا، كما فعلت مثله عند غير ابن عمر من
سماسرة‏النهمة والشره، فركضوا الى البيعة ضابحين
يقدمهم‏عبد اللّه، فبايعه بعد ابيه، وكتب اليه ببيعته، ونصب
عينه الناهض الكريم، والفادي الاقدس، الحسين‏السبط سلام
اللّه عليه المتحلي بصرة النبوة، وشرف الامامة، وعلم الشريعة،
وخلق الانبياء، والفضائل‏المرموقة، سيد شباب اهل الجنة
اجمعين، وقد حنت اليه القلوب، وارتمت اليه الافئدة فرحين
بكسر رتاج‏الجور، رافضين لمن بعده.
لكن الرجل لم يتاءثر بكل هذه ولم يرها خلافا، ونبذ وصية نبيه
الكريم وراء ظهره ولم يعباء بقوله(ص):((ان‏ابني هذا يعني
الحسين يقتل باءرض يقال لها: كربلاء فمن شهد ذلك منكم
فلينصره))((164)) نعم: نصر ذلك‏المظلوم قرة عين
رسول‏اللّه(ص) بتقرير بيعة يزيد. وحسبانها بيعة صحيحة، كان
ينهى عن نكثها عند مرتجع‏الوفد المدني من الشام، وقد
شاهدوا منه البوائق والموبقات، معتقدين خروجه عن حدود
الاسلام قائلين:انا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب
الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب‏بالكلاب،
ويسامر الحراب والفتيان، وانا نشهدكم انا قد خلعناه. فتابعهم
الناس((165)). وقال ابن فليح: ان اباعمرو ابن حفص وفد على
يزيد فاءكرمه واحسن جائزته، فلما قدم المدينة قام الى جنب
المنبر وكان مرضياصالحا فقال: الم احب؟ الم اكرم؟ واللّه لرايت
يزيد بن معاوية يترك الصلاة سكرا. فاءجمع الناس على
خلعه‏بالمدينة((166)).
وكان مسور بن مخرمة الصحابي ممن وفد الى يزيد، فلما قدم
شهد عليه بالفسق وشرب الخمر، فكتب الى‏يزيد بذلك، فكتب
الى عامله ياءمره ان يضرب مسورا الحد، فقال ابو حرة:
ايشربها صهباء كالمسك ريحها
ابو خالد والحد يضرب مسور((167))
قد جبههم ابن عمر بما جاء هو عن رسول اللّه(ص) كما فصلناه
في الجزء السابع(ص‏146)، جمع اهل بيته‏وحشمه ومواليه
وقال: لا يخلعن احد منكم يزيد، ولايشرفن احدمنكم في هذا
الامر فيكون صيلما وبيني‏وبينه. وفي لفظ البخاري: اني لا اعلم
احدا منكم خلعه ولا بايع في هذا الامر الا كانت الفيصل
بيني‏وبينه.
وتمسك في تقرير تلك البيعة الملعونة بما عزاه الى رسول
اللّه(ص) من قول: ان الغادر ينصب له لواء يوم‏القيامة فيقال:
هذه غدرة فلان. جهلا منه باءساليب الكلام لما هو المعلوم من
ان مصداق هذا الكلي هو الفردالمتاءهل للبيعة الدينية، بيع اللّه
ورسوله، لا من هو بمنتاءى عن اللّه سبحانه، وبمجنب عن
رسوله، كيزيدالطاغية او والده الباغي.
ومهما ننس من شي‏ء فانا لا ننسى مبدا البيعة ليزيد على عهد
ابن آكلة الاكباد بين صفيحة مسلولة ومنيحة‏مفاضة، اقعدت
هاتيك من نفى جدارة الخلافة عن يزيد، واثارت هذه سماسرة
الشهوات، فبايعوا بين صدورواغرة، وافئدة لا ترى ما تاءتي به
من البيعة الا هزوا.
وفي لهوات الفضاء واطراف المفاوز كل فار بدينه، متعوذين من
معرة هذه البيعة الغاشمة، وكان عبد اللّه نفسه‏ممن تاءبى عن
البيعة((168)) لاول وهلة من قبل ان يتذوق طعم هاتيك
الرضيخة مائة الف وكان يقول: ان هذه‏الخلافة ليست
بهرقلية‏ولا قيصرية ولا كسروية يتوارثها الابناء على
الاباء((169))، وبعد ان تذوقه كان لم يزل‏بين اثنتين: فضيحة
العدول عن رايه في يزيد، ومغبة التمرد عليه، لا سيما بعد اخد
المنحة، فلم يبرح‏مصانعاحتى بايعه بعد ابيه، ولما جاءت بيعته
قال: ان كان خيرا رضينا، وان كان بلاء صبرنا((170))،
ونحت‏لذلك التريث حجة تافهة من ان المانع عن البيعة كان
هو وجود ابيه. وكان ليزيد ان يناقشه الحساب باءن‏اباه لم يكن
ياءخذ البيعة له في عرض بيعته، وانما اخذها طولية لما بعده،
لكنه لم يناقشه لحصول الغاية.
هذه صفة بيعة يزيد منذ اول الامر، ولما هلك ابوه ازدلفت اليه
رواد المطامع‏نظراء ابن عمر في نهيق ورغاءيجددون ذلك
الارهاب والاطماع، فمن جراء تقريرهم بيعة ذلك المجرم
المستهتر، وتعاونهم على الاثم‏والعدوان، واللّه يقول ( وتعاونوا
على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان )((171))
وشقهم عصاالمسلمين، وخلافهم الامة الصالحة من الصحابة
والتابعين لهم باحسان، جهز يزيد جيش مسلم بن عقبة،واباح
له دماء مجاوري رسول اللّه(ص) واموالهم، فاستباحها ثلاثة ايام
نهبا وقتلا، وقتل من حملة القرآن‏يوم ذاك سبعمائة نفس،
وحكى البلاذري: انه قتل بالحرة من وجوه قريش سبعمائة
رجل وكسر، سوى من‏قتل من الانصار، وفيهم ممن صحب
رسول اللّه(ص) جماعة، وممن قتل صبرا من الصحابة عبداللّه
بن‏حنظلة غسيل الملائكة، وقتل معه ثمانية من بنيه، ومعقل
بن سنان الاشجعي، وعبد اللّه بن زيد، والفضل بن‏العباس بن
ربيعة، واسماعيل بن خالد، ويحيى بن نافع، وعبد اللّه((172))
بن عتبة، والمغيرة بن عبد اللّه، وعياض‏بن حمير، ومحمد بن
عمرو بن حزم، وعبد اللّه ابن ابي عمرو، وعبيد اللّه وسليمان ابنا
عاصم، ونجى اللّه اباسعيد وجابرا وسهل بن‏سعد((173))، وقد
جاء في قتلى الحرة عن رسول اللّه(ص): ((انهم خيار امتي
بعداصحابي))((174))، ثم بايع من بقي على انهم عبيد ليزيد
ومن امتنع قتل((175))، ووقعت يوم ذاك جرائم
وفجائع‏وطامات حتى قيل: انه قتل في تلكم الايام نحو من
عشرة آلاف انسان سوى النساء والصبيان، وافتض فيهانحو الف
بكر، وحبلت الف امراة في تلك الايام من غير زوج((176))،
ولما بلغ يزيد خبر تلك الواقعة المخزية،قال:
ليت اشياخي ببدر شهدوا
جزع الخزرج من وقع الاسل((177))
فاتبع ابن عمر في بيعة يزيد اجماع اولئك الاوباش، سفلة
الاعراب وبقية الاحزاب، ولم يعباء باجماع رجال‏الحل والعقد
من ابناء المهاجرين والانصار، وخيرة‏الخلف للسلف الصالح
وفيهم من فيهم، فساهم يزيدوفئته الباغية في دم السبط
الشهيد الطاهر، ومن قتل يوم الحرة، وفي جميع تلكم المثم
التي جنتها يد يزيدالاثيمة، واللّه يعلم منقلبهم ومثواهم.
الا تعجب من ابن عمر وهو يرى يزيد الكفر والالحاد، واباه
الغاشم الظلوم، ومن يتلوهما في الفسوق،صلحاء لا يوجد
مثلهم؟ اخرج ابن عساكر((178)) من عدة‏طرق كما قاله
الذهبي((179)) وذكره السيوط‏ي في تاريخ‏الخلفاء((180))
(ص‏140) عن ابن عمر انه قال: ابو بكر الصديق اصبتم اسمه،
عمر الفاروق قرن من حديداصبتم اسمه، ابن عفان ذو النورين
قتل مظلوما يؤتى كفلين من الرحمة، ومعاوية وابنه ملكا
الارض المقدسة،والسفاح، وسلام، ومنصور، وجابر، والمهدي،
والامين، وامير العصب، كلهم من بني كعب بن لؤي،
كلهم‏صالح لا يوجد مثله.
وفي لفظ: يكون على هذه الامة اثنا عشر خليفة: ابو بكر الصديق
اصبتم اسمه، عمر الفاروق قرن من حديداصبتم اسمه، عثمان
بن عفان ذو النورين قتل مظلوما اوتي كفلين من الرحمة،
ملك الارض المقدسة، ومعاوية‏وابنه، ثم يكون السفاح،
ومنصور، وجابر، والامين، وسلام((181))، وامير العصب لا يرى
مثله ولا يدرى مثله،كلهم من بني كعب بن لؤي، فيهم رجل
من قحطان، منهم من لا يكون ملكه الا يومين، منهم من يقال
له‏لتبايعنا او لنقتلنك، فان لم يبايعهم قتلوه. كنز
العمال((182)) (6/67) ومن جراء هذا الراي الباطل قتل
الصحابي‏ابن الصحابي محمد بن ابي الجهم لما شهد على يزيد
بشرب الخمر، كما في الاصابة (3/473).
اخبار ابن عمر ونوادره :
هذه عقلية ابن عمر في باب الخلافة، فما قيمة رايه وقوله
واختياره فيها وفي غيرها؟ وله اخبار تنم عن‏ضؤولة رايه
وسخافة فكرته، واخبار تدل على مناواته امير المؤمنين (ع)
وانحيازه عنه، وتحيزه الى الفئة‏الاموية الباغية، فلا حجة فيما
يرتئيه في اي من الفئتين.
الفريق الاول:
ومن نماذج الفريق الاول من اخباره قوله: ما اعط‏ي احد بعد
رسول اللّه(ص) من الجماع ما اعطيت انا((183))،وهو يعطينا
انه رجل شهوي لاصلة له بغيرها، ومن ضعف رايه انه حسب
رسول اللّه(ص) مثله بل اربى‏منه في الجماع، جهلا منه باءن
ملكات صاحب الرسالة وقواه كلها كانت متعادلة ثابتة على
نقطة المركز قدتساوت اليها خطوط الدائرة، فاذا آن له(ص) ان
يفخر فخر بجميعها على حد واحد، لا كابن عمر شهوة‏قوية
مهلكة، وعقلية ضعيفة يباهي بالجماع وقد ترك غيره، وهي
التي كانت تحذر اباه من ان ياءذن له‏بالجهاد حين استاءذنه له
فقال: اي بني اني اخاف عليك الزنا((184))، فما قيمة رجل
في مستوى الدين، وهو يمنع‏عن مواقف الجهاد حذرا من معرة
شهوته الغالبة، وسقطات شغبه وشبقه؟
نعم، كان لابن عمر ان يشبه نفسه باءبيه ومن يشابه ابه فما
ظلم اذ له كلمة قيمة في النكاح تعرب عن قوة‏شهوته، قال
محمد بن سيرين: قال عمر بن الخطاب: ما بقي في شي‏ء من
امر الجاهلية الا اني لست ابالي اي‏الناس نكحت وايهم انكحت.
اخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى((185)) (3/208)، ورواه
عبد الرزاق((186)) كما في كنز العمال((187)) (8/297).
ومن جراء تلك النزعة الجاهلية التي كانت قد بقيت فيه قحم
في مثم سجلها له التاريخ، جاء عنه انه اتى‏جارية له فقالت: اني
حائض فوقع بها فوجدها حائضا،فاءتى النبي(ص) فذكر له ذلك،
فقال: يغفر اللّه لك ياابا حفص، تصدق بنصف دينار((188)).
وسولت له نفسه ليلة الصيام قبل حلية الرفث فيها وواقع اهله،
فغدا على‏النبي(ص) فقال: اعتذر الى اللّهواليك، فان نفسي
زينت لي فواقعت اهلي، فهل تجد لي من رخصة؟ فقال: ((لم
تكن حقيقا بذلك يا عمر!))فنزلت: ( علم اللّه انكم كنتم
تختانون انفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالان باشروهن ).
الاية((189)).
واخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى عن علي بن زيد: ان
عاتكة بنت زيد كانت تحت عبد اللّه بن ابي بكر،فمات عنها
واشترط عليها الا تزوج بعده، فتبتلت فجعلت لا تتزوج، وجعل
الرجال يخطبونها وجعلت‏تاءبى، فقال عمر لوليها: اذكرني لها،
فذكره لها فاءبت على عمر ايضا، فقال عمر: زوجنيها، فزوجه
اياها،فاءتاها عمر فدخل عليها فعاركها حتى غلبها على نفسها
فنكحها، فلما فرغ قال: اف اف اف افف بها، ثم‏خرج من عندها
وترك لا ياءتيها، فاءرسلت اليه مولاة ان تعال فاني ساءتهياء
لك((190)).
ايصح عن رجل هذا شاءنه ما عزاه اليه الزمخشري في ربيع
الابرار((191)) باب‏68 من قوله: اني لاكره نفسي‏على الجماع
رجاء ان يخرج اللّه نسمة تسبحه وتذكره؟!
ومنها : عن الهيثم، عن ابن عمر: اتاه رجل فقال: اني نذرت ان
اقوم على حراء عريانا يوما الى الليل. فقال:اوف بنذرك. ثم اتى
ابن عباس فقال له: اولست تصلي؟ قال له: اجل، قال: افعريانا
تصلي؟ قال: لا. قال: اوليس حنثت؟ انما اراد الشيطان ان
يسخربك ويضحك منك هو وجنوده، اذهب فاعتكف يوما وكفر
عن‏يمينك. فاءقبل الرجل حتى وقف على ابن عمر فاءخبره
بقول ابن عباس فقال: ومن يقدر منا على ما يستنبط‏ابن
عباس((192))؟
هاهنا يوقفنا السير على مبلغ الرجل من العلم بالاحكام، اي
فقيه هذا لايعرف حكم النذر وانه لا بد فيه‏من الرجحان في
المنذور، وان نذر التافهات وما ينكره العقل لا ينعقد قط؟ وهل
مثل هذا يعد من‏المعضلات حتى لا يقدر على عرفانه غير ابن
عباس؟
ويكفي الرجل جهلا انه ما كان يحسن طلاق زوجته، وقد عجز
واستحمق كمافي صحيح‏مسلم((193))(4/181) ولم يك يعلم
انه لا يقع الا في طهر لم يواقعها فيه((194))،وفي لفظ مسلم
في صحيحه(4/181): انه طلق امراته ثلاثا وهي حائض.
ولذلك لم يره ابوه اهلا للخلافة بعدما كبر وبلغ منتهى الكهولة،
لما قال له رجل: استخلف عبد اللّه بن عمر.قال عمر: قاتلك اللّه
واللّه ما اردت اللّه بها، استخلف من لم يحسن ان يطلق
امراته((195))؟ وكاءن عمر كان يجدابنه يوم وفاته على‏جهله
ذاك حين طلق امراته وهو شاب غض ايام حياة رسول اللّه(ص)،
والا فكل من‏الخلفاء بالانتخاب الدستوري لم يكن عالما
بالاحكام من اول يومه ان غضضنا الطرف عن يوم تسنمه‏عرش
الخلافة، والى ان اودع مقره الاخير، وعمر نفسه كان في
المساءلة نفسها لدة ولده لم يك يعلم حكم‏ذلك الطلاق، حتى
ساءل عمر رسول‏اللّه(ص) فقال: ((مره فليراجعها، ثم ليتركها
حتى تطهر، ثم تحيض، ثم‏تطهر، ثم ان شاء امسك بعد وان شاء
طلق))((196)).
فالمانع عن الاستخلاف هو الجهل الحاضر، وهذا من سوء حظ
ابن عمر يخص به ولا يعدوه.
واني لست ادري اي مرتبة رابية من الجهل كان يحوزها ابن
عمر حتى عرفه منه والده الذي يمتاز في المجتمع‏الديني
بنوادر الاثر((197))؟ فمن رآه عمر جاهلا لا يقدر مبلغه من
الجهل!
ومما يدلنا على فقه الرجل، او على مبلغه من اتباع الهوى
واحياء البدع،او على نبذه سنة اللّه ورسوله وراءظهره، اتمامه
الصلاة في السفر اربعا مع الامام، واعادته اياها في منزله قصرا
كما في موطاء مالك((198)) (1/126)تقريرا للبدعة التي
احدثها عثمان في شريعة محمد (ص)، واتبعه في احدوثته
رجال الشره والتره وحملة‏النزعات الاموية كابن عمر، وابناء
البيت الاموي، كما فصلناه في الجزء الثامن (ص‏116). واخرج
احمد في‏مسنده((199)) (2/16) عنه قوله: صليت مع
النبي(ص) بمنى‏ركعتين، ومع ابي بكر، وعمر، وعثمان صدرا
من‏امارته، ثم اتم.
ومن نوادر فقهه ما اخرجه ابو داود في سننه((200)) (1/289)
من طريق سالم: ان عبد اللّه بن عمر كان يصنع آيعني يقطع
الخفين للمراة المحرمة، ثم حدثته صفية بنت ابي عبيد: ان
عائشة حدثتها: ان رسول اللّه(ص)قد كان رخص للنساء في
الخفين، فترك ذلك.
واخرج امام الشافعية في كتابه الام((201))، ان ابن عمر كان
يفتي النساء اذا احرمن ان يقطعن الخفين، حتى‏اخبرته صفية،
عن عائشة: انها تفتي النساء ان لا يقطعن، فانتهى عنه.
واخرجه البيهقي في سننه (5/52) باللفظين، واخرجه احمد
في مسنده((202)) (2/29) بلفظ ابي داود.
والامة كما حكى الزركشي في الاجابة((203)) (ص‏118)
مجمعة على ان المراد بالخطاب المذكور في اللباس‏الرجال
دون النساء، وانه لا باءس بلباس المخيط والخفاف للنساء.
ومنها : ما اخرجه الشيخان من ان ابن عمر كان يكري مزارعه
على عهد رسول اللّه (ص) وفي امارة ابي‏بكر، وعمر، وعثمان،
وصدرا من خلافة معاوية، حتى بلغه في آخر خلافة معاوية ان
رافع بن خديج يحدث‏فيها بنهي عن النبي (ص) فدخل عليه
فساءله، فقال: كان رسول اللّه(ص) ينهى عن كراء المزارع،
فتركها ابن‏عمر بعد، وكان اذا سئل عنها بعد قال: زعم رافع بن
خديج ان رسول اللّه(ص) نهى‏عنها((204)).
وفي التعليق على صحيح مسلم((205)): قوله: وصدرا من
خلافة معاوية، قد اغرب في وصف معاوية بالخلافة‏بعد ما وصف
الخلفاء الثلاثة بالامارة، واسقط رابعهم من البين مع ان الخلافة
الكاملة خصيصتهم، وعبارة‏البخاري: ان ابن عمر(رضى‏ا...عنه)
كان يكري مزارعه على عهد النبي(ص) وابي بكر، وعمر،
وعثمان،وصدرا من امارة معاوية، وكان معاوية كما ذكره
القسطلاني((206)) في باب صوم عاشوراء يقول: انا اول‏الملوك.
وقال المناوي في شرح حديث الجامع الصغير((207)): الخلافة
بالمدينة والملك بالشام، وهذا من معجزاته‏صلى اللّه تعالى
عليه وسلم فقد كان كما اخبر، وقال في شرح حديثه: الخلافة
بعدي في امتي ثلاثون سنة‏: قالوا: لم يكن في الثلاثين الا
الخلفاء الاربعة وايام الحسن (ثم ملك بعد ذلك) لان اسم
الخلافة انما هو لمن‏صدق هذا الاسم بعمله للسنة، والمخالفون
ملوك وانما تسموا بالخلفاء. انتهى.
ولابن حجر حول الحديث كلمة اسلفناها في (ص‏24) من هذا
الجزء.
قال الاميني : الا تعجب من ابن خليفة شب ونما وترعرع وشاخ
في عاصمة الدين، في محيط وحي اللّه، في‏دار النبوة والرسالة،
في مدرسة الاسلام الكبرى، بين ناشئة الصحابة وفي حجور
مشيختهم، بين امة عالمة‏استقى العالم من نمير
علمهم،واهتدى الخلائق بنور هداهم، وبقي هذا الانسان في
ظلمة الجهل الى اخريات‏ايام معاوية، وعاش خمسين سنة
باجارة محرمة، وشد بها عظمه ومخه، ونبت بها لحمه وجلده،
حتى هداه‏الى السنة رافع بن خديج الذي لم يكن من مشيخة
الصحابة وقد استصغره رسول اللّه(ص) يوم بدر؟وكانت السنة
في المحاقلة والمخابرة((208)) تروى في لسان الصحابة، وفي
بعض الفاظه شدة ووعيد مثل‏قوله(ص) في حديث جابر: ((من
لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من اللّه ورسوله))((209))
وجاءت هذه السنة في‏الصحاح والمسانيد باءسانيد تنتهي الى
جابر بن عبد اللّه، وسعد بن ابي وقاص، وابي هريرة، وابي
سعيدالخدري، وزيد بن ثابت((210)).
وليت ابن عمر بعد ما علم الحظر فيما اشبع به طيلة حياته
نهمته، وطبع الحال انه كان يعلم بذلك ويرشدويهدي او يهلك
ويغوي، وكان غيره يقتص اثره لانه ابن فقيه الصحابة
وخليفتهم، الذي اوعزنا الى مواردمن فقهه وعلمه، في نوادر
الاثر في الجزء السادس، كان يساءل من فقهاء الامة او من
خليفته معاوية عن‏حكم المال الماءخوذ الماءكول بالعقد
الباطل.
اليس من الغلو الفاحش او الجناية الكبيرة على المجتمع
الديني ان يعد هذا الانسان من مراجع الامة،وفقهائها، واعلامها،
ومستقى علمها، وممن يحتج بقوله وفعله؟ وهل كان هو يعرف
من الفقه موضع قدمه؟انا لا ادري.
ومنها : ما اخرجه الدارقطني في سننه((211)) من طريق
عروة، عن عائشة انه بلغها قول ابن عمر: في القبلة‏الوضوء.
فقالت: كان رسول اللّه(ص) يقبل وهو صائم، ثم‏لايتوضاء.
الاجابة للزركشي((212)) (ص‏118).
ومنها : قوله في المتعة، والبكاء على الميت، وطواف الوداع على
الحائض، والتطيب عند الاحرام. وستوافيك‏اخبارها.
ويعرب عن مبلغ الرجل من فقه الاسلام ما ذكره ابن حجر في
فتح الباري((213)) (8/209) من قوله: ثبت عن‏مروان انه قال
لما طلب الخلافة فذكروا له ابن عمر، فقال: ليس ابن عمر
باءفقه مني، ولكنه اسن مني، وكانت‏له صحبة.
فما شاءن امرئ يكون مروان افقه منه؟
ولعله نظرا الى هذه وما ياءتي من نوادر الرجل او بوادره في
الفقه، ترى ابراهيم النخعي لما ذكر له ابن عمروتطيبه عند
الاحرام قال: ما تصنع بقوله((214))؟ وقال الشعبي: كان ابن
عمر جيد الحديث ولم يكن جيد الفقه،كما رواه ابن سعد في
الطبقات الكبرى((215)) (رقم التسلسل 891).
هذا راي الشعبي، واما نحن فلا نفرق بين فقه الرجل وحديثه،
وكلاهما شر ع سواء غير جيدين، بل حديثه‏اردا من فقهه، ورداءة
فقهه من رداءة حديثه، وكاءن الشعبي لم يقف على شواهد سوء
حفظه او تحريفه‏الحديث، فاليك نماذج منها:
1 اخرج الطبراني((216)) من طريق موسى بن طلحة قال:
بلغ عائشة ان ابن‏عمر يقول: ان موت الفجاءة‏سخطة على
المؤمنين. فقالت: يغفر اللّه لابن عمر، انما قال رسول اللّه(ص):
((موت الفجاءة تخفيف على‏المؤمنين وسخطة على
الكافرين)).
الاجابة للزركشي((217)) (ص‏119).
2 اخرج البخاري((218)) من طريق ابن عمر قال: وقف
النبي(ص) على قليب بدر فقال: ((هل وجدتم ماوعد ربكم
حقا؟)) ثم قال: ((انهم الان يسمعون ما اقول)) فذكر ذلك
لعائشة فقالت: قال رسول اللّه(ص):((انهم الان ليعلمون ان ما
كنت اقول لهم حق)).
وفي لفظ احمد في مسنده((219)) (2/31): وقف رسول
اللّه(ص) على القليب يوم بدر فقال: ((يا فلان، يا فلان‏هل
وجدتم ما وعدكم ربكم حقا؟ اما واللّه انهم الان ليسمعون
كلامي)). قال يحيى: فقالت عائشة: غفر اللّهلابي عبد الرحمن
انه وهم، انماقال رسول اللّه(ص): ((واللّه انهم ليعلمون الان ان
الذي كنت اقول لهم‏حقا((220))، وان‏اللّه تعالى يقول: ( انك لا
تسمع الموتى ) (وما انت بمسمع من في القبور )((221)).
3 روى الحكيم الترمذي في نوادر الاصول((222)) من طريق
ابن عمر قال: قال رسول اللّه(ص): ((اهتزالعرش لموت سعد بن
معاذ)) قال ابو عبد اللّه: فتاءول ناس في هذا الحديث وقالوا:
العرش سريره الذي حمل‏عليه، واحتجوا بحديث رووه عن ابن
عمر انه تاءوله، كذا حدثنا الجارود قال: حدثنا جرير، عن عطاء
بن‏السائب، عن‏مجاهد، عن ابن عمر قال: ذكر يوما عنده حديث
سعد: ان العرش اهتز لحب اللّه لقاء سعد، قال‏ابن عمر: ان
العرش ليس يهتز لموت احد، ولكن سريره الذي حمل عليه.
قال: فهذا مبلغ ابن عمر(ره) من‏علم ما القي اليه من ذلك،
وفوق كل ذي علم عليم((223)). انتهى.
واخرجه الحاكم في المستدرك((224)) (3/606) ولفظه: قال
ابن عمر: اهتز لحب لقاء اللّه العرش يعني‏السريرقال: ورفع ابويه
على العرش تفسخت اعواده.
وانت تعرف سخافة هذا التاءويل مما اخرجه البخاري والحاكم
في المستدرك من طريق جابر بن عبداللّه غ‏قال: سمعت
ورسول اللّه(ص) يقول: ((اهتز عرش((225)) الرحمن لموت
سعد بن معاذ)) فقال رجل لجابر: فان‏البراء يقول: اهتز السرير،
فقال: انه كان بين هذين الحيين الاوس والخزرج ضغائن،
سمعت رسول اللّه(ص)يقول: ((اهتز عرش الرحمن لموت سعد
بن معاذ))((226)). واخرجه مسلم بلفظ اهتز عرش
الرحمن((227)).
وفي فتح الباري((228)) (7/98): قد جاء حديث اهتزاز العرش
لسعد بن معاذ عن عشرة من الصحابة او اكثروثبت في
الصحيحين فلا معنى لانكاره.
4 في كتاب الانصاف لشاه صاحب: روى ابن عمر عنه(ص)
من ان الميت‏يعذب ببكاء اهله عليه، فقضت‏عائشة عليه باءنه لم
ياءخذ الحديث على وجهه، مر رسول اللّه(ص) على يهودية
يبكي عليها اهلها،فقال(ص): ((انهم يبكون عليها، وانها تعذب
في قبرها)) وظن ابن عمر العذاب معلولا بالبكاء،
وظن‏الحكم‏عام ا على كل ميت.
واخرج احمد في المسند((229)) (6/281) عن عائشة: انه بلغها
ان ابن عمر يحدث عن ابيه ان رسول اللّه(ص)قال: الميت
يعذب ببكاء اهله عليه. فقالت: يرحم اللّه عمر وابن عمر، فواللّه ما
هما بكاذبين ولا مكذبين ولامتزيدين، انما قال ذلك
رسول‏اللّه(ص) في رجل من اليهود، ومر باءهله وهم يبكون
عليه فقال: ((انهم‏ليبكون عليه وان اللّه عز وجل ليعذبه في
قبره)). ولاحمد في مسنده لفظ آخر ياءتي بعد بضع صحائف
من‏هذا الجزء.
اسلفنا الحديث نقلا عن عدة صحاح ومسانيد في الجزء السادس
(ص‏151 الطبعة الاولى) وفصلنا هنالك‏القول حول المساءلة.
5 اخرج البخاري في كتاب الاذان من صحيحه((230)) (2/6)
عن عبداللّه بن عمر ان رسول اللّه(ص) قال:((ان‏بلالا يؤذ ن
بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن ام مكتوم)).
هذا الحديث مما استدركت به عائشة على ابن عمر وكانت تقول
غلط ابن عمر وصحيحه: ((ان ابن ام‏مكتوم‏ينادي بليل فكلوا
واشربوا حتى يؤذ ن بلال))، وبهذا جزم الوليد وكذا اخرجه ابن
خزيمة((231)) وابن المنذروابن حبان((232)) من طرق عن
شعبة،وكذلك اخرجه الطحاوي والطبراني((233)) من طريق
منصور بن زاذان‏عن خبيب بن عبد الرحمن.
وفي لفظ البيهقي في سننه (1/382): قالت عائشة: قال رسول
اللّه(ص): ((ان ابن مكتوم رجل اعمى فاذا اذن‏فكلوا واشربوا
حتى يؤذن بلال)). قالت: وكان بلال يبصر الفجر، وكانت عائشة
تقول غلط ابن‏عمر.
وقال ابن حجر: ادعى ابن عبدالبر وجماعة من الائمة باءنه
مقلوب، وان الصواب حديث الباب يعني لفظ‏البخاري وقد
كنت اميل الى ذلك الى ان رايت الحديث في صحيح ابن
خزيمة من طريقين آخرين عن‏عائشة، وفي بعض الفاظه ما
يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله: اذا اذن عمرو فانه ضرير البصر
فلا يغرنكم،واذا اذن بلال فلا يطعمن احد. واخرجه
احمد((234)). وجاء عن عائشة ايضا: انها كانت تنكر حديث ابن
عمروتقول: انه غلط، اخرج ذلك البيهقي من طريق
الدراوردي، عن هشام، عن ابيه، عنها، فذكر الحديث وزاد:قالت
عائشة: وكان بلال يبصر الفجر. قال: وكانت عائشة تقول: غلط
ابن عمر.
فتح الباري((235)) (2/81).
6 اخرج احمد في مسنده((236)) (2/21) من طريق يحيى
بن عبد الرحمن بن حاطب، قال: قال عبد اللّه بن‏عمر: قال
رسول اللّه(ص): الشهر تسع وعشرون وصفق بيديه مرتين، ثم
صفق الثالثة وقبض ابهامه. فقالت‏عائشة: غفر اللّه لابي
عبدالرحمن انه وهل((237))، انما هجر رسول اللّه(ص) نساءه
شهرا، فنزل لتسع‏وعشرين‏فقالوا: يا رسول اللّه انك نزلت لتسع
وعشرين؟ فقال: ان الشهر يكون تسعا وعشرين. وفي(ص‏56):
فقيل له، فقال(ص): ان الشهر قد يكون تسعا وعشرين. ورواه ابو
منصور البغدادي ولفظه:اخبرت عائشة غ بقول ابن عمر
(رضى‏ا...عنه): ان الشهر تسع وعشرون، فاءنكرت ذلك عليه
وقالت:يغفر اللّه لابي عبد الرحمن ماهكذا قال رسول اللّه، ولكن
قال: ان الشهر قد يكون تسعا وعشرين.
الاجابة للزركشي((238)) (ص‏120).
كان ابن عمر يعمل بوهمه هذا ويرى كل شهر تسعة وعشرين
يوما وكان يقول: قال رسول اللّه: الشهر تسع‏وعشرون، وكان اذا
كان ليلة تسع وعشرين وكان في السماء سحاب او قتر اصبح
صائما((239)).
7 اخرج الشيخان من جهة نافع قال: قيل لابن عمر: ان ابا
هريرة يقول: سمعت رسول اللّه(ص) يقول: من‏تبع جنازة فله
قيراط من الاجر. فقال ابن عمر: اكثر علينا ابو هريرة، فبعث الى
عائشة فساءلها فصدقت اباهريرة، فقال ابن عمر: لقد فرطنا في
قراريط كثيرة.
واخرج مسلم من طريق عامر بن سعد بن ابي وقاص: انه كان
قاعدا عند عبداللّه بن عمر اذ طلع خباب‏صاحب المقصورة
فقال: يا عبداللّه بن عمر الا تسمع ما يقول ابو هريرة؟ انه سمع
رسول‏اللّه(ص) يقول:((من خرج مع جنازة من بيتها وصلى
عليها ثم تبعها حتى دفن كان له قيراطان من اجر، كل قيراط
مثل‏احد، ومن صلى عليها ثم رجع كان له من الاجر مثل احد))
فاءرسل ابن عمر خبابا الى عائشة يساءلها عن‏قول ابي هريرة ثم
يرجع اليه فيخبره بما قالت، واخذ ابن عمر قبضة من حصى
المسجد يقلبها في يده حتى‏رجع اليه الرسول، فقال: قالت
عائشة : صدق ابو هريرة. فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في
يده‏الارض وقال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة((240)).
ولعل الباحث لا يشك اذا وقف على هذه الروايات وامثالها في
ان رواية ابن عمر لا تقل عن فقاهته في‏الرداءة، ومن هذا شاءنه
في الفقه والحديث لا يعباء به وبرايه، ولا يوثق بحديثه.
راي ابن عمر في القتال والصلاة :
ومنها: اخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى((241)) (4/110)
طبعة ليدن عن ابن عمر انه كان يقول: لا اقاتل في‏الفتنة،
واصلي وراء من غلب. وقال ابن حجر في فتح الباري((242))
(13/39): كان راي ابن عمر ترك القتال في‏الفتنة ولو ظهر ان
احدى الطائفتين محقة والاخرى مبطلة. وقال ابن كثير في
تاريخه((243)) (9/5): كان في مدة‏الفتنة لا ياءتي اميرا الا
صلى خلفه، وادى اليه زكاة ماله.
يتراءى هاهنا من وراء ستر رقيق تترس ابن عمر باءغلوطته هذه
عن سبة تقاعده عن حرب الجمل‏وصفين مع مولانا امير
المؤمنين، ذاهلا عن ان هذه جناية اخرى لا يغسل بها دنس
ذلك الحوب الكبير،متى كانت تلكم الحروب فتنة حتى يتظاهر
ابن عمر تجاهها بزهادة جامدة لاقتناص الدهماء؟ والامر
كماقال حذيفة اليماني ذلك الصحابي العظيم: لا تضرك الفتنة
ما عرفت دينك، انما الفتنة اذا
اشتبه‏عليك‏الحق‏والباطل((244)).
او كان ابن عمر بمنتاءى عن عرفان دينه؟ او كان على حد قوله
تعالى: (يعرفون نعمة اللّه ثم ينكرونها)((245)) وهل كان ابن
عمر لم يعرف من القرآن قوله تعالى: ( وان طائفتان من
المؤمنين اقتتلوا فاءصلحوابينهما فان‏بغت احداهما على
الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي‏ء الى امر اللّه فان فاءت
فاءص لحوا بينهمابالعدل‏واقس طوا ان اللّه يحب المقسطين
)((246)) وقد افحمه رجل عراقي بهذه الاية وحيره، فلم يحر
ابن عمرجوابا غير انه تخلص منه بقوله: مالك ولذلك؟ انصرف
عني. وسيوافيك تمام الحديث.
هلا كان ابن عمر بان له الرشد من الغي، ولم يك يشخص الحق
من الباطل؟وهلا كان يعرف الباغية من‏الفئتين؟ وهل كان
يزعم باءن رسول اللّه(ص) اخبر عن الفتن بعده وانها تغشى امته
كقطع الليل‏المظلم((247))، وترك الامة مغمورة في
مدلهماتها، هالكة في غمراتها، ولم يعبد لها طريق النجاة، وما
رشدها الى‏مهيع الحق، ولم ينبس عما ينجيها ببنت شفة؟
حاشا نبي الرحمة عن ذلك، وهو(ص) لم يبق عذرا لاي احدمن
عرفان الباغية من الطائفتين في تلكم الحروب، ولم يك يخفى
حكمها على اي ديني، قال مولانا اميرالمؤمنين: ((لقد اهمني
هذا الامر واسهرني، وضربت انفه وعينيه فلم اجد الا القتال او
الكفر بما انزل اللّه على‏محمد صلى اللّه عليه وآله، ان اللّه
تبارك وتعالى لم يرض من اوليائه ان يعصى في الارض وهم
سكوت‏مذعنون، لا ياءمرون‏بالمعروف ولا ينهون عن المنكر،
فوجدت القتال اهون علي من معالجة الاغلال
في‏جهنم))((248)).
اكان في اذن ابن عمر وقر عن سماع ذلك الهتاف القدسي
بمثل قوله (ص) لعائشة ((كاءني بك تنبحك كلاب‏الحواب،
تقاتلين عليا وانت له ظالمة))؟
وقوله لزوجاته: ((كاءني باحداكن قد نبحها كلاب الحواب،
واياك ان تكوني انت يا حميراء))؟
وقوله لها: ((انظري ان لا تكوني انت))؟
وقوله للزبير: ((انك تقاتل عليا وانت ظالم له))؟
وقوله: ((سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا على اللّه جهادهم،
فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم‏يستطع بلسانه
فبقلبه، ليس وراء ذلك شي‏ء)) حقا جاهد ابن عمر في الخلاف
على قول رسول اللّه هذا،بلسانه وقلبه ما استطاع؟
وقوله لعلي: ((يا علي ستقاتل الفئة الباغية وانت على الحق،
فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني))؟
وقوله له: ((ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين))؟
وقوله له: ((انت فارس العرب وقاتل الناكثين والمارقين
والقاسطين))؟
وقوله لام سلمة لما راى عليا: ((هذا واللّه قاتل القاسطين
والناكثين والمارقين من بعدي))؟
وعهده الى علي (ع) ان يقاتل بعده القاسطين والناكثين
والمارقين((249))؟
وقوله لاصحابة: ((ان فيكم من يقاتل على تاءويل القرآن كما
قاتلت على تنزيله)) قال ابو بكر: انا هو يارسول اللّه؟ قال: ((لا)).
قال عمر: انا هو يا رسول‏اللّه؟ قال: ((لا، ولكن خاصف النعل)).
وكان اعط‏ى‏عليانعله يخصفها((250)).
وقوله لعمار بن ياسر: ((تقتلك الفئة الباغية)). وقد قتلته فئة
معاوية.
وقول ابي ايوب الانصاري، وابي سعيد الخدري، وعمار بن ياسر:
امرنا رسول اللّه(ص) بقتال الناكثين‏والقاسطين والمارقين.
قلنا: يا رسول اللّه امرت بقتال هؤلاء مع من؟ قال: ((مع علي بن
ابي طالب)).
الى احاديث اخرى ذكرناها في الجزء الثالث (ص‏192 195)
هب ان ابن عمر لم يكن يسمع شيئا من هذه‏الاحاديث الثابتة
عن رسول اللّه(ص)، اوما كان يسمع ايضا، اوما كان يصدق
اولئك الجم الغفير من‏البدريين اعاظم الصحابة الاولين، الذين
حاربوا الناكثين والقاسطين ومل‏ء اسماعهم عهد رسول
اللّه(ص)اليهم، وامره اياهم بقتال اولئك الطوائف الخارجة على
الامام الحق الطاهر؟ فاءي مين اعظم مما جاء به ابن‏عمر في
كتاب له الى معاوية من قوله: احدث علي امرا لم يكن الينا فيه
من رسول اللّه(ص) عهد، ففزعت‏الى الوقوف. وقلت: ان كان
هذا هدى ففضل تركته، وان كان ضلالة فشر منه
نجوت((251))؟
وهل ابن عمر كان يخفى عليه هتاف الصادع الكريم: ((علي مع
الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يرداعلي الحوض يوم
القيامة))؟
او قوله: ((علي مع الحق والحق معه وعلى لسانه، والحق يدور
حيثما دارعلي))؟
او قوله لعلي: ((ان الحق معك والحق على لسانك. وفي قلبك
وبين عينيك، والايمان مخالط لحمك ودمك كماخالط لحمي
ودمي))؟
او قوله مشيرا الى علي: ((الحق مع ذا، الحق مع ذا، يزول معه
حيثما زال))؟
او قوله: ((علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا
علي الحوض))؟
او قوله لعلي: ((لحمك لحمي، ودمك دمي، والحق معك))؟
او قوله: ((ستكون بعدي فتنة فاذا كان ذلك فالزموا علي بن
ابي طالب، فانه اول من يصافحني يوم القيامة،وهو الصديق
الاكبر، وهو فاروق هذه الامة، يفرق بين الحق والباطل، وهو
يعسوب المؤمنين، والمال‏يعسوب المنافقين))((252))؟
او قوله لعلي وحليلته وشبليه: ((انا حرب لمن حاربتم وسلم
لمن سالمتم)).
او قوله لهم: ((انا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم))؟
او قوله وهم في خيمة: ((معشر المسلمين انا سلم لمن سالم
اهل الخيمة، حرب لمن حاربهم، ولي لمن والاهم،لا يحبهم الا
سعيدالجد، طيب المولد، ولا يبغضهم الا شقي الجد، ردي
الولادة))؟
او قوله وهو آخذ بضبع علي: ((هذا امير البررة، قاتل الفجرة،
منصور من نصره، مخذول من خذله))((253))؟
او قوله في حجة الوداع في ملا من مائة الف او يزيدون: ((من
كنت مولاه فهذاعلي مولاه، اللهم وال من‏والاه، وعاد من عاداه،
وانصر من نصره، واخذل من خذله واحب من احبه، وابغض من
ابغضه، وادر الحق‏معه حيث دار))((254)).
الى اخبار جمة ملات مابين الخافقين، فهل ابن عمر كان
بمنتاءى عن هذه كلها فحسب تلكم المواقف‏حربادنيوية او فتنة
لا يعرف وجهها، قتالا على الملك((255))؟ او كان تتلى عليه
ثم يصر مستكبرا كاءن لم‏يسمعها، كاءن في اذنيه وقرا، وعلى
كل تقدير لم يك رايه الا اجتهادا في مقابل النص، لا يصيخ اليه
اي ديني‏صميم.
ومن الماءسوف عليه ان الرجل ندم يوم لم ينفعه الندم عما فاته
في تلكم الحروب‏من مناصرة علي اميرالمؤمنين، وكان يقول:
ما اجدني آسى على شي‏ء من امر الدنيا الا اني لم اقاتل الفئة
الباغية. وفي لفظ: ماآسى على شي‏ء الا اني لم اقاتل مع علي
الفئة الباغية. وفي لفظ: ما اجدني آسى على شي‏ء فاتني من
الدنيا الا اني لم اقاتل مع علي الفئة الباغية. وفي لفظ: قال حين
حضرته الوفاة: ما اجد في نفسي من امر الدنيا شيئا الا اني لم
اقاتل الفئة الباغية مع علي بن ابي طالب (رضى‏ا...عنه). وفي
لفظ ابن ابي الجهم: ما آسى على شي‏ء الا تركي قتال الفئة
الباغية مع علي (رضى‏ا...عنه)((256)).
واخرج البيهقي في سننه (8/172) من طريق حمزة بن عبداللّه
بن عمر قال: بينما هو جالس مع عبداللّه بن‏عمر اذ جاءه رجل
من اهل العراق فقال: يا ابا عبدالرحمن اني واللّه لقد حرصت ان
اتسمت بسمتك،واقتدي بك في امر فرقة الناس، واعتزل الشر
ما استطعت، واني اقرا آية من كتاب اللّه محكمة قد
اخذت‏بقلبي فاءخبرني عنها،ارايت قول اللّه تعالى: ( وان
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاءصلحوا بينهما فان
بغت‏اح‏ديهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفي‏ء الى امر
اللّه فان فاءت فاءصلحوا بينهما بالعدل واقسطوا ان اللّهيحب
المقسطين ) اخبرني عن هذه الاية. فقال عبداللّه: ومالك
ولذلك؟ انصرف عني، فانطلق حتى توارى‏عنا سواده، اقبل
علينا عبداللّه بن عمر فقال: ما وجدت في نفسي من شي‏ء من
امر هذه الامة ما وجدت في‏نفسي اني لم اقاتل هذه الفئة
الباغية كما امرني اللّه عز وجل.
هذه حجة اللّه الجارية على لسان ابن عمر ونفثات ندمه، وهل
اثرت تلكم‏الحجج في قلبه؟ وصدق الخبرالخبر يوما ما من
ايامه؟ انا لاادري.
هلم معي الى صلاة ابن عمر :
واما صلاته مع من غلب وتاءمر فمن شواهد جهله بشاءن
العبادات وتهاونه بالدين الحنيف، ولعبه بشعائر اللّهشعائر
الاسلام المقدس، قد استحوذ عليه الشيطان فاءنساه ذكر اللّه،
اعتذر الرجل بهذه الخزاية عن تركه‏الصلاة وراء خير البشر احد
الخيرتين. احب الناس الى اللّه ورسوله، علي امير المؤمنين
المعصوم بلسان اللّهالعزيز، وعن اقامته اياها وراء الحجاج الفاتك
المستهتر، وقد جاء من طريق سفيان الثوري، عن سلمة
بن‏كهيل قال: اختلفت انا وذر المرهبي((257)) في الحجاج،
فقال: مؤمن. وقلت: كافر. قال الحاكم: وبيان صحته‏ما اطلق
فيه مجاهد بن جبر (رضى‏ا...عنه) فيما حدثناه من طريق ابي
سهل احمد القطان، عن الاعمش قال:واللّه لقد سمعت الحجاج
بن يوسف يقول: يا عجبا من عبد هذيل يعني عبداللّه بن
مسعود يزعم انه يقراقرآنا من عند اللّه، واللّه ما هو الا رجز من
رجز الاعراب ، واللّه لو ادركت عبد هذيل‏لضربت
عنقه((258))،وزاد ابن عساكر، ولاخلين منها المصحف ولو
بضلع خنزير.