واما في اصطلاح الاصوليين، فمخصوص باستفراغ الوسع في
طلب الظن بشي‏ء من الاحكام الشرعية على‏وجه يحس من
النفس العجز عن المزيد فيه.
واما المجتهد، فكل من اتصف بصفة الاجتهاد، وله شرطان:
الشرط الاول: ان يعلم وجود الرب تعالى، وما يجب له من
الصفات، ويستحقه من الكمالات، وانه واجب‏الوجود لذاته، حي،
عالم، قادر، مريد، متكلم، حتى يتصور منه التكليف. وان يكون
مصدقا بالرسول، وماجاء به من الشرع المنقول بما ظهر على
يده من المعجزات، والايات الباهرات، ليكون فيما يسنده اليه
من‏الاحكام محققا، ولا يشترط ان يكون عارفا بدقائق علم
الكلام، متبحرا فيه كالمشاهير من المتكلمين، بل‏ان يكون
مستند علمه في ذلك بالدليل المفصل، بحيث‏يكون قادرا على
تقريره وتحريره، ودفع الشبه عنه،كالجاري من عادة الفحول
من اهل الاصول، بل ان يكون عالما باءدلة هذه الامور من جهة
الجملة، لا من‏جهة التفصيل.
الشرط الثاني: ان يكون عالما عارفا بمدارك الاحكام الشرعية
واقسامها، وطرق اثباتها، ووجوه دلالاتهاعلى مدلولاتها،
واختلاف مراتبها، والشروط المعتبرة فيها، على ما بيناه، وان
يعرف جهات ترجيحها عندتعارضها، وكيفية استثمار الاحكام
منها، قادرا على تحريرها وتقريرها، والانفصال عن الاعتراضات
الواردة‏عليها، وانما يتم ذلك باءن يكون عارفا بالرواة وطرق
الجرح والتعديل، والصحيح والسقيم، كاءحمد بن حنبل‏ويحيى
بن معين، وان يكون عارفا باءسباب النزول، والناسخ والمنسوخ
في النصوص الاحكامية، عالماباللغة‏والنحو، ولا يشترط ان
يكون في اللغة كالاصمعي، وفي النحو كسيبويه والخليل، بل
ان يكون قد حصل‏من ذلك على ما يعرف به اوضاع العرب،
والجاري من عاداتهم في المخاطبات، بحيث يميز بين
دلالات‏الالفاظ من المطابقة، والتضمين، والالتزام، والمفرد
والمركب، والكلي منها والجزئي، والحقيقة والمجاز،والتواطؤ
والاشتراك، والترادف والتباين، والنص والظاهر، والعام
والخاص، والمطلق والمقيد، والمنطوق‏والمفهوم، والاقتضاء
والاشارة، والتنبيه والايماء، ونحو ذلك مما فصلناه، ويتوقف
عليه استثمار الحكم من‏دليله.
وذلك كله ايضا انما يشترط في حق المجتهد المطلق
المتصدي للحكم والفتوى في جميع مسائل الفقه،
واماالاجتهاد في حكم بعض المسائل، فيكفي فيه ان يكون
عارفا بما يتعلق بتلك المساءلة، وما لا بد منه فيها، ولايضره في
ذلك جهله بما لا تعلق له بها، مما يتعلق بباقي المسائل
الفقهية، كما ان المجتهد المطلق قد يكون‏مجتهدافي المسائل
المتكثرة، بالغا رتبة الاجتهاد فيها، وان كان جاهلا ببعض
المسائل الخارجة عنها، فانه‏ليس من شرط المفتي ان يكون
عالما بجميع احكام المسائل ومداركها، فان ذلك مما لا يدخل
تحت وسع‏البشر، ولهذا نقل عن مالك انه سئل عن اربعين
مساءلة، فقال في ست وثلاثين منها: لا ادري.
واما ما فيه الاجتهاد: فما كان من الاحكام الشرعية دليله ظني،
فقولنا: من الاحكام الشرعية، تمييز له عماكان من القضايا
العقلية واللغوية وغيرها، وقولنا: دليله ظني، تمييز له عما كان
دليله منها قطعيا، كالعبادات‏الخمس ونحوها، فانها ليست
محلا للاجتهاد فيها، لان المخطئ فيها يعد آثما، والمسائل
الاجتهادية ما لا يعدالمخطئ فيها باجتهاده آثما. انتهى.
وقال الشاطبي في الموافقات (4/89) ما ملخصه: الاجتهاد على
ضربين: الاول: الاجتهاد المتعلق بتحقيق‏المناط، وهو الذي لا
خلاف بين الامة في قبوله، ومعناه ان يثبت الحكم بمدركه
الشرعي لكن يبقى النظر في‏تعيين محله.
فلا بد من هذا الاجتهاد في كل زمان، اذ لا يمكن حصول
التكليف الا به، فلو فرض التكليف مع امكان‏ارتفاع هذا الاجتهاد
لكان تكليفا بالمحال، وهو غير ممكن شرعا، كما انه غير ممكن
عقلا.
واما الضرب الثاني: وهو الاجتهاد الذي يمكن ان ينقطع، فثلاثة
انواع: احدها المسمى بتنقيح المناط، وذلك‏ان يكون الوصف
المعتبر في الحكم مذكورا مع غيره في النص، فينقح
بالاجتهاد، حتى يميزما هو معتبر مماهو ملغى.
الثاني المسمى بتخريج المناط، وهو راجع الى ان النص الدال
على الحكم لم يتعرض للمناط، فكاءنه اخرج‏بالبحث، وهو
الاجتهاد القياسي.
الثالث: وهو نوع من تحقيق المناط المتقدم الذكر، لانه ضربان:
احدهما: ما يرجع الى الانواع لا الى‏الاشخاص، كتعين نوع المثل
في جزاء الصيد، ونوع الرقبة في العتق في الكفارات، وما اشبه
ذلك. والضرب‏الثاني: ما يرجع الى تحقيق مناط فيما تحقق
مناط حكمه، فكاءن المناط على قسمين: تحقيق عام، وهو ما
ذكر،وتحقيق خاص من ذلك العام.
انما تحصل درجة الاجتهاد لمن اتصف بوصفين: احدهما فهم
مقاصد الشريعة على كمالها. والثاني: التمكن من‏الاستنباط بناء
على فهمه فيها.
اما الاول: فقد مر في كتاب المقاصد ان الشريعة مبنية على
اعتبار المصالح، وان المصالح انما اعتبرت من‏حيث وضعها
الشارع كذلك، لا من حيث ادراك المكلف، اذ المصالح تختلف
عند ذلك بالنسب والاضافات،واستقر بالاستقراء التام ان
المصالح على ثلاث مراتب، فاذا بلغ الانسان مبلغا فهم عن
الشارع فيه قصده في‏كل مساءلة من مسائل الشريعة، وفي كل
باب من ابوابها، فقد حصل له وصف هو السبب في تنزله
منزلة‏الخليفة للنبي(ص) في التعليم، والفتيا، والحكم بما اراه
اللّه.
واما الثاني: فهو كالخادم للاول، فان التمكن من ذلك انما هو
بواسطة معارف محتاج اليها في فهم الشريعة‏اولا، ومن هنا كان
خادما للاول، وفي استنباط الاحكام ثانيا، لكن لا تظهر ثمرة
الفهم الا في الاستنباط‏فلذلك جعل شرطا ثانيا، وانما كان
الاول هو السبب في بلوغ هذه المرتبة، لانه المقصود والثاني
وسيلة.
هذا هو الاجتهاد عند الاصوليين، واما الفقهاء فهو عندهم مرتبة
راقية من الفقه يقتدر بها الفقيه على‏ردالفرع الى الاصل،
واستنباطه منه، والتمك ن من دفع ما يعترض المقام من نقد
ورد، وابرام ونقض، وشبه‏واوهام.
قال الامدي في الاحكام((1532)) (1/7): الفقه في عرف
المتشرعين مخصوص بالعلم‏الحاصل بجملة من
الاحكام‏الشرعية الفروعية بالنظر والاستدلال.
وقال ابن نجيم في البحر الرائق (1/3): الفقه اصطلاحا على ما
ذكره النسفي في شرح المنار تبعا للاصوليين:العلم بالاحكام
الشرعية العملية المكتسبة من ادلتها التفصيلية بالاستدلال.
وفي الحاوي القدسي: اعلم ان معنى الفقه في اللغة الوقوف
والاطلاع، وفي الشريعة الوقوف الخاص، وهوالوقوف على معاني
النصوص واشاراتها، ودلالاتها، ومضمراتها، ومقتضياتها، والفقيه
اسم للواقف‏عليها.
وقال: الفقه قوة تصحيح المنقول، وترجيح المعقول، فالحاصل
ان الفقه في الاصول علم الاحكام من‏دلائلها، فليس الفقيه الا
المجتهد عندهم.
واما استمداده فمن الاصول الاربعة: الكتاب، والسنة، والاجماع،
والقياس المستنبط من هذه الثلاثة، واماشريعة من قبلنا فتابعة
للكتاب، واما اقوال الصحابة فتابعة للسنة، واما تعامل الناس
فتابع للاجماع، واماالتحري واستصحاب الحال فتابعان للقياس،
واما غايته فالفوز بسعادة الدارين.
وقال ابن عابدين في حاشية البحر (1/3): في تحرير الدلالات
السمعية لعلي ابن محمد بن احمد بن مسعود،نقلا عن
التنقيح: الفقه لغة هو الفهم والعلم، وفي الاصطلاح هو العلم
بالاحكام الشرعية العملية‏بالاستدلال.
وقال ابن قاسم الغزي في الشرح (1/18): الفقه هو لغة الفهم،
واصطلاحا العلم بالاحكام الشرعية العملية‏المكتسب من ادلتها
التفصيلية.
وقال ابن رشد في مقدمة المدونة الكبرى (ص‏8): فصل في
الطريق الى معرفة‏احكام‏الشرائع،واحكام‏شرائع‏الدين تدرك
من‏اربعة‏اوجه: احدها كتاب‏اللّه عزوجل، الذي لا ياءتيه
الباطل‏من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
والثاني: سنة نبيه (ع) الذي قرن اللّه طاعته بطاعته،وامرنا
باتباع سنته، فقال عزوجل:(واطيعوا اللّه والرسول )((1533))
وقال: ( من يطع الرسول فقد اطاع اللّه)((1534)) وقال: (
وماآتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا )((1535))
وقال: (واذكرن ما يتلى‏في‏بيوتكن من‏آيات اللّه والحكمة
)((1536)) والحكمة: السنة. وقال: ( لقد كان لكم في‏رسول‏اللّه
اسوة حسنة )((1537)) والثالث:الاجماع الذي دل تعالى على
صحته بقوله: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى
ويتبع غيرسبيل‏المؤم نين نوله ماتولى ونصله جهنم وساءت
مصيرا )((1538)) لانه عز وجل توعد باتباع
غيرسبيل‏المؤمنين، فكان ذلك امرا واجبا باتباع سبيلهم، وقال
رسول اللّه(ص): لاتجتمع امتي على ضلالة.والرابع: الاستنباط
وهو القياس على هذه الاصول الثلاثة التي هي الكتاب والسنة
والاجماع، لان اللّه تعالى‏جعل المستنبط من ذلك علما، واوجب
الحكم به فرضا، فقال عز وجل: ( ولو ردوه الى الرسول والى
اولي‏الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم)((1539)) وقال
عز وجل: ( انا انزلنا اليك الكتاب بالحق لتحكم بين‏الناس بما
اراك اللّه)((1540)) اي بما اراك فيه من الاستنباط والقياس،
لان الذي اراه فيه من الاستنباط والقياس‏هو مما انزل اللّه عليه
وامره بالحكم به حيث يقول: (وان احكم بينهم بما انزل اللّه
)((1541)).
نظرة في اجتهاد معاوية :
هاهنا حق علينا ان نميط الستر عن اجتهاد معاوية، ونناقش
القائلين به في اعماله، افهل كانت على شي‏ء من‏النواميس
الاربعة: الكتاب، السنة، الاجماع، القياس؟ او هل علم معاوية
علم الكتاب؟ وعند من درسه؟ومتى زاوله؟ وقد كان عهده به
منذ عامين((1542)) قبل وفاة رسول اللّه(ص)، وهل كان يميز
بين محكماته‏ومتشابهاته؟ او يفرق بين مجمله ومبينه؟ او
يمكنه الحكم في عمومه وخصوصه؟ او احاط خبرا
بمطلقه‏ومقيده؟ او عرف شيئا من ناسخه ومنسوخه، الى غير
هذه من اضراب الاي الكريمة، ومزايا المصحف‏الشريف الداخل
علمها في استنباط الاحكام منه؟
ان ظروف معاوية على عهد استسلامه لا يسع شيئا من ذلك،
على حين انها تستدعي فراغا كثيرا لا يتصرم‏بالسنين الطوال،
فكيف بهذه الاويقات اليسيرة التي تلهيه في اكثرها الهواجس
والافكار المتضاربة من‏نواميس دينه القديم الوثنية وقد اتى
عليها ما انتحله من الدين الجديد الاسلام، فاءذهب عنه
هاتيك، ولم‏يجئ بعد هذا على وجهه بحيث يرتكز في مخيلته،
ويتبوا في دماغه.
وكان قد سبقه جماعة الى الاسلام وكتابه، وهم بين حكم النبي
ومحكماته، وافاضاته وتعاليمه، وهم لايبارحون منتديات النبوة،
وهتافها بالتنزيل والتاءويل الصحيح الثابت، قضوا على ذلك
اعواما متعاقبة‏ومددا كثيرة، فلم يتسن لهم الحصول على اكثر
تلكم المبادئ، وانكفؤوا عنها صفر الاكف، خاوي الوطاب،انظر
الى ذلك الذي حفظ سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة، حتى
اذا تمكن من الحفظ بعد ذلك‏الاجل‏المذكور نحر جزورا شكرا
على ما اتيح له من تلك النعمة بعد جهود جبارة، واللّه يعلم
ماعاناه طيلة تلكم‏المدة من عناء ومشقة، وهذا الرجل ثاني
الامة عند القوم في العلم والفضيلة، وكان من علمه بالكتاب انه
لم‏يع تنصيصه على موت النبي(ص)، فلما سمع قوله تعالى: (
انك ميت وانهم ميتون )((1543)) القى السيف من
يده،وسكنت فورته، وايقن بوفاته(ص) كمن لم يقرا الاية
الكريمة الى حينه، وان تقس موارد علمه بالكتاب‏ونصوصه،
قضيت منها العجب، واعيتك الفكرة في مبلغ فهمه، وماذا
الذي كان يلهيه عن الخبرة باءصول‏الاسلام وكتابه؟ ولئن
راجعت فيما يؤول الى هذا الموقف (الجزء السادس) من هذا
الكتاب رايت العجب‏العجاب.
وليس من البعيد عنه اول رجل في الاسلام عند القوم، الذي
بلغ من القصور والجهل بالمبادئ والخواتيم‏والاشكال والنتائج
حدا لا يقصر عنه غمار الناس والعاديون منهم الذين اشرقت
عليهم انوار النبوة منذبزوغها، ولعلك تجد في الجزء السابع من
هذا الكتاب((1544)) ما يلمسك باليد يسيرا من هذه الحقائق.
وانت اذن في غنى عن استحفاء اخبار كثير من اولئك الاولين
الذين لا تعزب عنك انباؤهم في الفقه‏والحديث والكتاب
والسنة، فكيف بمثل معاوية الملتحق بالمسلمين في اخريات
ايامهم((1545))؟ وكانت تربيته في‏بيت حافل بالوثنية،
متهالك في الظلم والعدوان، متفان في عادات الجاهلية، ترف
عليه رايات العهارة‏واعلام البغاء، واذا قرع سمع احدهم دعاء الى
وحي او هتاف بتنزيل جعل اصبعه في اذنه، وراعته من
ذلك‏خاطرة جديدة لم يكن يتهجس بها منذ آبائه الاولين.
نعم، المعروفون بعلم الكتاب على عهد الصحابة اناس
معلومون، وكانوا مراجع الامة في مشكلات القرآن‏ومغازيه،
وتنزيله، وتاءويله، كعبد اللّه بن مسعود، وعبداللّه بن العباس،
وابي بن كعب، وزيد بن ثابت.
واما مولانا امير المؤمنين (ع)، فهو عدل القرآن والعالم باءسراره
وغوامضه، كما ان عنده العلم الصحيح بكل‏مشكلة، والحكم
البات عند كل قضية، والجواب الناجع عند كل عويصة، وقد
صح عند الامة جمعاء قوله‏الصادق المصدق صلوات اللّه عليه:
((سلوني قبل ان لا تساءلوني، لا تساءلوني عن آية في كتاب اللّه
ولا سنة‏عن رسول‏اللّه(ص) الا انباءتكم بذلك)). راجع الجزء
السادس (ص‏193).
السنة :
وماذا تحسب ان يكون نصيب معاوية من علم الحديث الذي هو
سنة رسول‏اللّه(ص)، من قوله وفعله‏وتقريره؟ لقد عرفنا موقفه
منها قوله هو فيما اخرجه احمد في مسنده((1546)) (4/99)
من طريق عبداللّه بن عامرقال: سمعت معاوية يحدث وهو
يقول: اياكم واحاديث رسول اللّه(ص) الا حديثا كان على عهد
عمر. لماذاهذا التحذير عن الاحاديث بعد ايام عمر؟ الان
الافتعال والوضع كثرا بعده؟ ام لان الصحابة العدول‏الموثوق
بهم على عهد عمر وما قبله منذ تصرم العهد النبوي سلبت
عنهم الثقة بعد خلافة عمر؟ فكاءنهم‏ارتدوا العياذ باللّه بعده
كذابين وضاعين، ولازمه الطعن في اكثر الاحاديث، وعدم
الاعتداد بمدارك‏الاحكام، لان شيئا كثيرا منها انتشر بعد ذلك
الاجل، وما كانت الدواعي والحاجة تستدعيان روايتها قبل‏ذلك،
على ان الجهل بتاريخ اخراجها، هل هو في ايام عمر او بعدها
يوجب سقوطها عن الاعتبار لعدم الثقة‏برواتها وروايتها، ولم
تكن الرواة تسجل تاريخ ما يروونه حتى يعلم ان ايا منها محاط
بسياج الثقة، وايا منهامنبوذ وراء سورها.
وما خصوصية عهد عمر في قبول الرواية ورفضها؟ الان الحقائق
تمحصت فيه؟ ومن ذا الذي محصها؟ ام‏لان التمحيص افرد فيه
الصحيح من السقيم؟ ومن ذا الذي فعل ذلك؟ ام ان يد الامانة
قبضت على السنة‏عندئذ، وعضتها بالنواجذ حرصا عليها، فلم
يبق الا لبابها المحض؟ فمتى وقعت تلكم البدع
والتافهات؟ومتى بدلت السنن؟ ومتى غيرت الاحكام؟ راجع
الجزء السادس وهلم جرا.
ولعل قول معاوية هذا في سنة الرسول(ص) كاف في قلة
اعتداده بها، او انه كان ينظر اليها نظر مستخف‏بها،وكان
يستهين بقائلها مر ة، ويضرط لها اذا سمعها مرة اخرى، وينال
من رواتها بقوارص طورا، وينهى‏راويها عن الرواية بلسان بذي‏ء
بكل شدة وحدة، الى اشياء من مظاهر الهزء والسخرية((1547))
فما ظنك بمن‏هذا شاءنه مع السنة الشريفة؟ فهل تذعن له انه
يعباءبها ويحتج بها في موارد الحاجة، وياءخذها مدركا
عندعمله؟ او ينبذها وراء ظهره كما فعل ذلك في موارده
ومصادره كلها؟
وان حداثة عهد معاوية بالاسلام واخذه بالروايات بعد كل ما
قدمناه، وما كان يلهيه عن الاصاخة اليهاطيلة ايامه من كتابة
وامارة وملوكية، وان حياته في دور الاسلام كلها كانت
مستوعبة بضروب السياسة‏وادارة شؤون الملك والنزاع
والمخاصمة دونه، فمتى كان يتفرغ لاخذ الروايات وتعلم
السنن؟ ثم من ذا الذي‏اخذ عنه السنة؟ والصحابة جلهم في
منتاءى عن مباءته الشام، ولم يكن معه الا طليق اعرابي،
اويماني‏مستدرج، وهو يسي‏ء ظنه بجملة الصحابة المدنيين،
حملة الاحكام ونقلة الاحاديث النبوية، ويقول بمل‏ءفمه: انما
كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحق فيهم، فلما
فارقوه كان الحكام على الناس اهل‏الشام((1548)). وعلى اثر
ظنه السيئ وقوله الاثم كان يمنع هو وامراؤه عن الحديث عن
رسول اللّه(ص)، كمايظهر ممااخرجه الحاكم في
المستدرك((1549)) (4/486) من قول عبداللّه بن عمرو بن
العاص لما قال له نوف:انت احق‏بالحديث من ي، انت صاحب
رسول اللّه(ص): ان هؤلاء قد منعونا عن الحديث يعني
الامراء.وجاء في حديث: ان معاوية ارسل الى عبداللّه بن عمر
فقال: لئن بلغني انك تحدث لاضربن عنقك((1550)).
وعلى ذلك الظن اهدر دماء بقية السلف الصالح، وبعث بسر بن
ارطاة الى المدينة الطيبة فشن الغارة على‏اهلها، فقتل نفوسا
بريئة، واراق دماء زكية، واقتص اثره من بعده جروه يزيد في
واقعة الحرة، ومن يشابه‏ابه فما ظلم.
نظرة في احاديث معاوية :
ان لنا حق النظر في شتى مناحي رواياته، لقد اخرج عنه احمد
في مسنده في الجزء الرابع((1551)) (ص‏91 102)مائة وستة
احاديث وفيها من المكرر:
1 حديث اذا اراد اللّه بعبده خيرا يفقهه‏في‏الدين. كرره ست
عشرة مرة((1552))في(ص‏92، 92، 93، 93، 93،93، 93، 95،
96، 96 ، 97، 98، 98، 99، 101، 101).
2 حديث تقصير شعر النبي بمشقص. مكرر عشر
مرات((1553)) في (ص‏92، 95، 96،97، 97، 97، 97، 98،102،
102).
3 حديث حكاية رسول اللّه(ص) الاذان. كرره سبع
مرات((1554)) في (ص‏91، 92، 93، 98، 98، 100،100).
4 حديث عقوبة شرب الخمر. مكرر خمس مرات((1555))
في (ص‏93، 95، 96، 97 ، 101).
5 حديث وفاة رسول اللّه(ص) وابي بكر وعمر. جاء((1556))
في (ص‏96، 97، 97، 100).
6 حديث كبة الشعر. يوجد((1557)) في (ص‏91، 94، 95،
101).
7 حديث مناشدته عن احاديث. جاء((1558)) في (ص‏92، 95،
96، 99).
8 حديث صوم عاشوراء((1559)). في (ص‏95، 96، 97).
9 حديث حب الانصار. يوجد((1560)) في (ص‏96، 100، 100).
10 حديث من احب ان يمثل له قياما((1561)). في (ص‏91،
93، 100).
11 حديث النهي عن لبس الذهب والحرير. يوجد((1562)) في
(ص‏96، 100، 101).
12 حديث منقبة المؤذنين((1563)). في (ص‏95، 98).
13 حديث انما انا خازن((1564)). (ص‏99، 100).
14 حديث العمرى جائزة((1565)). (ص‏97، 99).
15 حديث سجدة السهو لكل منسي((1566)). (ص‏100، 100).
16 حديث التبعية في الركوع والسجود((1567)). (ص‏92،
98).
17 حديث النهي عن ركوب الخز والنمار((1568)). (ص‏93،
93).
فالباقي من احاديثه من غير تكرير سبعة واربعون حديثا، وهل
تسد هي فراغ الاستنباط في احكام الدين‏لاي مجتهد؟ مع ان
فيها ما ليس من الاحكام، مثل رواية ان رسول اللّه(ص) وابابكر
وعمر توفي كل منهم‏وهو ابن ثلاث وستين،وقوله: رايت
النبي(ص) يمص لسان الحسن الى امثال ذلك.ولقد آن لنا ان
ننظرنظرة اخرى في غير واحد من متون احاديثه فمنها:
1 ان معاوية دخل على عائشة، فقالت له: اما خفت ان اقعد لك
رجلا يقتلك؟ فقال: ما كنت لتفعليه وانافي بيت امان، وقد
سمعت النبي(ص) يقول. يعني: الايمان قيد الفتك كيف انا
في الذي بيني وبينك وفي‏حوائجك؟ قالت: صالح، قال: فدعينا
واياهم حتى نلقى ربنا عز وجل. مسند احمد((1569)) (4/92).
قال الاميني : انه ينم عن ان ام المؤمنين كانت تستبيح دم
الرجل بما ارتكبه من‏الجرائم والمثم، وسفك دماءزكية، ونفوس
مزهقة بريئة، حتى انها كانت ترى من المعقول السائغ ان تقعد
له رجلا فيقتله، فاءقنعها باءنه‏في بيت امان، وداخل في
ذمتها،وان ما بينه وبينها صالح، وارجاء الموافاة للجزاء الى يوم
التلاقي بينه وبين‏الناس.
ويستشف من هذه انه لم يكن عند معاوية درء لما كانت ام
المؤمنين تنقمه‏عليه، والا لكان للرجل ان يتشبث‏به في تبرير
اعماله، وتبرئة نفسه دون التافهات.
وان تعجب فعجب اقتناع ام المؤمنين من معاوية باءن مابينه
وبينها صالح، وان لم يكن صالحا بينه وبين اللّه،ولا صالحا بينه
وبينها لانه قاتل اخيها محمد بن ابي بكر، وكان على عنق
معاوية ذلك الدم الطاهر، وان‏غضت الطرف عنه اخته لان
مابينه وبينها صالح، كما انها غضت الطرف عن دم حجر
واصحابه، وهو من‏موبقات ابن آكلة الاكباد، وطالما نقمت عليه
ذلك وكانت توبخه، لكن برره ذلك الصالح بينهما بلا
عقل‏ولاقود، واما دم عثمان فما غضت عنه ام المؤمنين مهما
لم يكن ما بينها وبين علي (ع) صالحا، وهل‏يحتج‏معاوية يوم
القيامة في موقف العدل الالهي متى خاصمه محمد وحجر
واصحابه وآلاف من الصلحاءالابرار ممن سفك دماءهم باءن
مابينه وبين عائشة صالح ؟ وهل يفيده هذا الحجاج؟ انا لا
ادري.
اما كان لعائشة ان تفحم الرجل باءن الايمان لو كان قيد الفتك
وهو قيد الفتك فلماذا لم يقيده؟ وقد فتك‏بلاف من وجوه
المؤمنين، واعيان الامة المسلمة، ولم ياءمن من فتكه اهل حرم
امن اللّه مكة، ولا مجاوروبيت امانه المدينة ولعل ام
المؤمنين كانت تنظر الى ايمان الرجل من وراء ستر رقيق، ولم
تجده ايمانامستقراان لم نقل انها وجدته مستودعا يقيد
صاحبه، ويسلم المسلمون بذلك من يده‏ولسانه، وقد صح
عن‏رسول اللّه(ص): ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه
ويده، والمؤمن من امنه الناس على
دمائهم‏واموالهم))((1570)).
2 عن عباد بن عبداللّه بن الزبير، قال: لما قدم علينا معاوية
حاجا، قدمنا معه مكة فصلى بنا الظهرركعتين، ثم انصرف الى
دار الندوة، وكان عثمان حين اتم الصلاة اذا قدم مكة صلى بها
الظهر والعصروالعشاء الاخرة اربعا اربعا، فاذا خرج الى منى
وعرفات قصر الصلاة، فاذا فرغ من الحج واقام بمنى‏اتم‏الصلاة
حتى يخرج من مكة، فلما صلى بنا الظهر ركعتين نهض اليه
مروان بن الحكم، وعمرو بن عثمان،فقالا له: ما عاب احد ابن
عمك باءقبح ما عبته به، فقال لهما: وما ذاك؟ قال: فقالا له: الم
تعلم انه اتم الصلاة‏بمكة؟ فقال لهما: ويحكما وهل كان غير ما
صنعت؟ قد صليتهما مع رسول اللّه(ص)، ومع ابي بكر وعمر
غ،قالا: فان ابن عمك قد كان اتمها، وان خلافك اياه له عيب،
قال: فخرج معاوية الى العصر فصلا ها بنااربعا.
مسند احمد((1571))(4/94).
قال الاميني : انا لا ادري ان الشائنة هاهنا تعود الى فقه معاوية؟
ام الى دينه؟ حيث يتعمد الاتمام حيثما قصرفيه رسول
اللّه(ص) واتخذته الامة سنة متبعة، وفيهم ابوبكر وعمر، وقد
صح عن عبداللّه مرفوعا: ((الصلاة‏في السفر ركعتان))، من
خالف السنة فقد كفر. لكن الرجل خالف الجميع، وجابه حكم
الرسول(ص) نزولامنه الى رغبة مروان الطريد ابن الطريد
وعمرو بن عثمان، صونا لسمعة ابن عمه عثمان، مبتدع
هذه‏الاحدوثة، فان كان هذا فقه الرجل في الحديث فمرحى
بالفقاهة! او ان ذلك مبلغه من الدين؟ فبعدا له في‏موقف
الديانة.
راجع الجزء الثامن (ص‏98 119، 262).
3 عن الهنائي قال: كنت في ملا من اصحاب رسول اللّه(ص)
عند معاوية، فقال معاوية: انشدكم اللّهاتعلمون ان رسول
اللّه(ص) نهى عن لبس الحرير؟ قالوا: اللهم نعم. الى ان قال:
قال: انشدكم اللّه تعالى اتعلمون ان رسول اللّه(ص) نهى عن
الجمع بين حج‏وعمرة؟ قالوا: اما هذا فلا، قال:اما انها معهن.
وفي لفظ :
قال: وتعلمون انه نهى عن المتعة يعني متعة الحج قالوا: اللهم
لا.
راجع المسند((1572)) (4/92، 95، 99).
قال الاميني : هذا معطوف على ما قبله، فان حرص الرجل على
احياء البدع تجاه السنة النبوية الثابتة، اوقفه‏هاهنا موقف المكابر
المعاند، فقد اسلفنا في الجزء السادس (ص‏198 205، 213
220) ان متعة الحج‏نزل‏بها القرآن الكريم ولم ينسخ حتى قضى
رسول اللّه(ص) نحبه، وكان عليها العمل اى ام ابي بكر وصدرا
من‏ايام عمر حتى منع عنها. وعليه فاقتصاص معاوية اثر ذلك
المحرم بالكسر يجلب الطعن، اما في فقهه هووجهله بالسنة،
او في دينه، والجمع اولى، والثاني اقرب اليه.
4 من طريق حمران، يحدث عن معاوية، قال: انكم لتصلون
صلاة، لقد صحبنا رسول اللّه(ص) فما رايناه‏يصليها، ولقد نهى
عنهما، يعني الركعتين بعد العصر((1573)). (4/99، 100).
قال الاميني : عرفت في الجزء السادس (ص‏183 186) ان
الصلاة بعدالعصر كانت مطردة على العهدالنبوي، يصليها
هو(ص) ولم يكن يدعهما سرا ولاعلانية، وما تركهما حتى لقي
اللّه تعالى، وصلا هما اصحابه‏الى ان منع عنها عمر، واحتجت
الصحابة عليه باءنها سنة ثابتة، ولا تبديل لسنة اللّه، غير ان
الرجل لم يصخ‏الى قولهم، وطفق يمضي وراء احدوثته، وجاء
معاوية وقد زاد في الطنبور نغمة، وعزا الى رسول اللّه
النهي‏عنهما، وهل هذا مقتضى جهله بالسنة، او مبلغه من الفقه
والدين؟ فاسمع القول، واقض بالحق لك اوعليك.
5 من عدة طرق، عن معاوية مرفوعا: ((من شرب الخمر
فاجلدوه، فان عاد فاجلدوه، فان عاد فاجلدوه،فان عاد الرابعة
فاقتلوه)).
اخرجه((1574)) في (4/93، 95، 96، 97، 101).
قال الاميني : اني واقف هاهنا موقف التحير، ولا ادري هل كان
معاوية عاملا بمفاد هذا الحديث يوما من‏ايامه ابان خلافته
وامارته وقبلهما؟ او كان يناقضه كمناقضته بكثير من الاحكام؟
ولئن كان خاضعا لما فيه‏من الحكم البات لما حملت اليه روايا
الخمر قطارا، ولما حملها اليه خماره الذي كان يصاحبه، ولا
ادخرها في‏حجرته، ولا اتخذ متجرا لبيعها، ولا شربها هو، ولا
عربد بشعره فيها وهو سكران، ولا قدمها الى وفوده،ولا
استخلف جروه السكير بمراى منه ومسمع، ولا اضاع حد اللّه
على من يشربها وينتشي بها وحديث‏معاوية هذا مع جودة
سنده، واخراج مثل احمد، والترمذي، وابي داود اياه، لم ياءخذ
به وبمفاده احد من ائمة‏الفقه، وضربوا عنه صفحا، لتفرد معاوية
بروايته وهو لا يؤتمن على حديثه. هذا موقفه مع السنة التي
اتخذهاهو عن رسول اللّه(ص) على قلتها، فما ظنك بالكثير
الذي لم يبلغه منها.
6 عن‏ابي ادريس قال: سمعت معاوية‏وكان قليل‏الحديث
عن‏رسول‏اللّه(ص)،قال: سمعت رسول اللّه(ص)وهو يقول:
((كل ذنب عسى اللّه ان يغفره الا الرجل يموت كافرا، او الرجل
يقتل مؤمنا متعمدا)).المسند((1575))(4/99).
وقد جاء كما ياءتي في الجزء الحادي عشر من كتاب له كتبه الى
علي اميرالمؤمنين (ع): واني سمعت رسول‏اللّه(ص) يقول: ((لو
تمالا اهل صنعاء وعدن على قتل رجل واحد من المسلمين،
لاكبهم اللّه على مناخرهم‏في النار)).
قال الاميني : هل هذان الحديثان اللذان رواهما معاوية حجة له
او عليه؟ والحقيقة جلية لا يخفيها ستار،فانك جد عليم بالذي
باء باثم تلكم الدماء المهراقة منذ يوم صفين وبعده، ريثما تتاح
له الفرص مع‏مهب‏الريح، وتحت كل حجر ومدر، وعلى الروابي
والثنيات، وعدد الرمل والحصى، عند كل هاتيك دم‏مسفوك،
ونفس مزهقة، واوصال مفصولة، وحرمات مهتوكة، وهل شي‏ء
من تلكم البوائق يباح بية من‏الكتاب؟ او يبرر بسنة صحيحة؟ او
يحبذ بشي‏ء من معاقد اجماع المسلمين؟ وهل هناك قياس
ينتهي الى‏شي‏ء من هذه المبادئ الاجتهادية؟ وهل معاوية
يحسن شيئا منها او يتقنها؟ واين وانى له الراي‏والاجتهاد؟ او هو
مجرم جاهل، وباغ ظلوم، وثاني الخليفتين اللذين بويعا في
عهد، فيجب قتال هذا، وقتل‏ذاك، بالنصوص النبوية، فلا يرقب
فيه ال ولا ذمة، فلا ذمة لمهدور الدم، ولا حرمة لمن يجب
اعدامه في‏الشريعة؟ اين هو والخلافة؟ حتى يستبيح الدماء
الزاكية دون شهواته ومطامعه، وهل تدري اي دماءسفكها؟ واي
حرمات انتهكها؟ نعم، اقترف بها اراقه دماء المهاجرين والانصار
من الصحابة العدول‏والتابعين لهم باحسان، وباء باثم دماء
البدريين ومئات من اهل بيعة الشجرة الذين رضي اللّه عنهم
ورضواعنه، وفيهم مثل عمار الذي قتلته الفئة الباغية فئة
معاوية، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، وثابت ابن‏عبيد
الانصاري، وابي الهيثم مالك بن التيهان، وابي عمرة بشر
الانصاري، وابي‏فضالة الانصاري، كل‏هؤلاءمن البدرى ين،
وفيهم حجر بن عدي راهب اصحاب محمد(ص)، وثم البطل
المجاهد مالك بن الحارث‏الاشتر النخعي، والعابد الصالح محمد
ابن ابي بكر.
وقبل هذه كلها استبشاره بدم الامام المقدس، الخليفة عليه
وعلى الامة جمعاء مولانا امير المؤمنين، وسروره‏بذلك، وعده
ذلك من لطيف صنع اللّه.
وما ظنك بمجرم يكون عنده دم الامام السبط الزكي ابي
محمد الحسن (ع) بدس السم اليه؟! وقد استبشر لماباء باثمه،
وناء بجرمه، فسيؤاخذ بما رواه عن رسول اللّه(ص) في هذه
كلها.
7 من طريق ابي صالح عن معاوية مرفوعا: ((من مات بغير
امام مات ميتة جاهلية)).
المسند للامام احمد((1576)) (4/96).
قال الاميني : هاهنا نسائل انصار معاوية واوداءه عن ان اي موتة
مات هو بها؟ وعن اي امام مات وفي‏عنقه بيعته؟ ومن الذي
اخترم الرجل وقد طوقته ولايته؟ وهل كان هناك امام يجب
طاعته وبيعته‏بالنص‏والاجماع غير مولانا امير المؤمنين(ع) يوم
بارزه وكاشفه؟ والقح دون مناواته الحرب الزبون،ونازعه في امر
الخلافة، وخلع ربقة الاسلام من عنقه، او يوم استبشر بقتل
الامام (ع)، وهي الطام ة‏الكبرى؟ والمصاب بها خاتم
الانبياء(ص)، او يوم افتجعت به الصديقة الكبرى فاطمة بشظية
قلبها الامام‏السبط المجتبى بسم من معاوية مدسوس اليه؟
فهل بايعه‏يومئذ وهو خليفة الوقت بالجدارة والنص واجماع‏لا
يستهان به من بقايا رجال الحل والعقد؟ او انه ناواه في الامر
وغدر به وكاده؟ لما ظهر من اجناده الخوروالفشل، وقلبوا على
امام الحق ظهر المجن، وحدت بهم المطامع والميول الى ان
يسلموه لمعاوية ان قامت‏الحرب على اشدها، فالتجاء الامام الى
الصلح صونا لدماء شيعته، وابقاء على حياة ذويه.
فهل كان معاوية طيلة هذه المدد في ذكر من روايته هذه؟
وهل علم انه طوى تلكم السنين وليس في عنقه‏بيعة لامام؟
وانه لا يحل لمسلم ان يبيت ليلتين ليس في عنقه لامام
بيعة((1577))؟ وانه ان مات والحالة هذه مات‏ميتة جاهلية؟ او
انه كان يرى من فقهه استثناءه من هذه الكلية التي لم يستثن
منها الرسول(ص) احدا؟ اوان جهله بالاحكام وبنفسه كان
يطمعه في ان يكون هو الخليفة المبايع له، والمطاع باءمر اللّه
ورسوله؟وهيهات له ذلك، وهو طليق ابن طليق، ولم يؤهله لها
علم ولا حنكة، ولا نص ولا اجماع، الا شره نهم،وطمع زائغ،
وحلوم مطاشة، او ان الرجل كان لم يكترث لان يموت ميتة
جاهلية على ولاية سواع وهبل؟
لفت نظر :
ان حديث معاوية: ((من مات بغير امام، مات ميتة جاهلية)).
اخرجه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد(5/218)، وابو داود
الطيالسي في مسنده (ص‏259) من طريق عبداللّه بن عمر
وزاد: ومن نزع يدا من طاعة‏جاء يوم القيامة لا حجة له.
وهذا الحديث معتضد باءلفاظ اخرى من طرق شتى منها:
قوله(ص): ((من مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة
جاهلية)).
اخرجه: مسلم في صحيحه((1578)) (6/22)، والبيهقي في
سننه (8/156)، وابن كثير في تفسيره (1/517)،والحافظ
الهيثمي في المجمع (5/218)، واستدل بهذا اللفظ شاه‏ولي اللّه
في ازالة الخفاء (1/3) على وجوب‏نصب الخليفة على المسلمين
الى يوم القيامة وجوبا كفائيا.
وقوله(ص): ((من مات وليس عليه طاعة، مات ميتة جاهلية)).
اخرجه: احمد في مسنده((1579)) (3/446)، والهيثمي في
المجمع (5/223).
وقوله(ص): ((من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة
جاهلية)).
ذكره التفتازاني في شرح المقاصد((1580)) (2/275) وجعله
لدة قوله تعالى: (اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي‏الامر منكم
)((1581)) في المفاد. وبهذا اللفظ ذكره التفتازاني ايضا في
شرح عقائد النسفي المطبوع سنة (1302)غير ان يد الطبع
الامينة على ودائع العلم والدين حرفت من الكتاب في طبع
سنة (1313) سبع صحائف‏يوجد فيها هذا الحديث. وحكاه
الشيخ علي القاري صاحب المرقاة في خاتمة الجواهر المضيئة
(2/509)،وقال في (ص‏457): وقوله (ع) في صحيح مسلم:
((من مات ولم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهلية)).معناه: من
لم يعرف من يجب عليه الاقتداء والاهتداء به في اوانه.
وقوله(ص): ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات
ميتة جاهلية)).
اخرجه: مسلم في صحيحة((1582)) (6/21)، والبيهقي في
سننه (8/156)، وذكر في تيسير الوصول((1583))
(3/39)نقلاعن الصحيحين للشيخين من طريق ابي هريرة.
وقوله(ص): ((من فارق الجماعة شبرا ، فمات، فميتة
جاهلية)).
اخرجه مسلم في صحيحه((1584)) (6/21).
وقوله(ص): ((من مات ولا امام له مات ميتة جاهلية)).
ذكره ابو جعفر الاسكافي في خلاصة نقض كتاب العثمانية
للجاحظ (ص‏29)، وذكره الهيثمي في المجمع(5/224، 225)
بلفظ: ((من مات وليس عليه امام فميتته ميتة جاهلية)).
وبلفظ: ((من مات وليس عليه امام‏مات ميتة جاهلية)).
وقوله(ص): ((من مات وليس لامام جماعة عليه طاعة مات
ميتة جاهلية)).
اخرجه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد (5/219).
وقوله(ص): ((من اتاه من اميره ما يكرهه فليصبر، فان من
خالف المسلمين قيد شبر ثم مات مات ميتة‏الجاهلية)).
شرح السير الكبير (1/113).
هذه حقيقة راهنة اثبتتها الصحاح والمسانيد فلا ندحة عن
البخوع لمفادها، ولا يتم اسلام مسلم الا بالنزول‏لمؤداها، ولم
يختلف في ذلك اثنان، ولا ان احدا خالجه في ذلك شك، وهذا
التعبير ينم عن سوء عاقبة من‏يموت بلا امام، وانه في منتاءى
عن اي نجاح وفلاح، فان ميتة الجاهلية انما هي شرميتة، ميتة
كفروالحاد، لكن هنا دقيقة لا بد من البحث عنها، وهي ان
الصديقة الطاهرة المطهرة بنص الكتاب الكريم، التي‏يغضب اللّه
ورسوله لغضبها ويرضيان لرضاها، ويؤذيهما ما يؤذيها، قضت
نحبها وليس في عنقها بيعة لمن‏زعموا انه خليفة الوقت،
ومثلها بعلها طيلة ستة اشهر ايام حياة حليلته، كما جاء في
الصحيحين وفيهما: كان‏لعلي من الناس وجه حياة فاطمة،
فلما توفيت استنكر علي وجوه الناس((1585)). قال القرطبي
في المفهم:كان‏الناس يحترمون عليا في حياتها كرامة لها، لانها
بضعة من رسول اللّه وهو مباشر لها، فلما ماتت وهو لم
يبايع‏ابابكر، انصرف الناس عن ذلك الاحترام، ليدخل فيما دخل
فيه الناس ولا يفرق جماعتهم. انتهى.
فالحقيقة هاهنا مرددة بين ان الصديقة سلام اللّه عليها عزبت
عنها ضرورية من ضروريات دين ابيها وهي‏اولاها واعظمها،
وقد حفظته الامة جمعاء حضريها وبدويها، وماتت العياذ باللّه
على غير سنة ابيها، وبين‏ان لا يكون للحديث مقيل من الصحة،
وقد رواه الحفظة الاثبات من الفريقين وتلقته الامة بالقبول،
وبين‏انها سلام اللّه عليها لم تك تعترف للمتقمص بالخلافة، ولا
توافقه على ما يدعيه، ولم تكن تراه اهلا لذلك،وكذلك الحال
في مولانا امير المؤمنين (ع).
فهل يسع لمسلم ان يختار الشق الاول ويرتئي لبضعة النبوة
ولزوجها نفس النبي الامين و وصيه على‏التعيين ما ياءباه
العقل والمنطق، ويبرا منه اللّه ورسوله؟ لا، ليس لاحد ان يقول
ذلك.
واما الشق الثاني، فلا اظن جاهلا يسف الى مثله بعد استكمال
شرائط الصحة والقبول، واصفاق ائمة‏الحديث ومهرة الكلام على
الخضوع لمفاده، واطباق الامم الاسلامية على مؤداه.
فلم يبق الا الشق الثالث، فخلافة لم تعترف لها الصديقة
الطاهرة، وماتت وهي واجدة عليها وعلى‏صاحبها، ويجوز مولانا
امير المؤمنين التاءخر عنها ولو آنا ما، ولم ياءمر حليلته
بالمبادرة الى البيعة، ولا بايع‏هو، وهو يعلم ان من مات ولم
يعرف امام زمانه وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية،
فخلافة هذا شاءنهاحقيقة بالاعراض عنها، والنكوص عن البخوع
لصاحبها.
8 من طريق ابي امية عمرو بن يحيى بن سعيد، عن جده: ان
معاوية اخذ الاداوة بعد ابي هريرة يتبع‏رسول اللّه(ص) بها،
واشتكى ابو هريرة، فبينا هو يوضئ رسول اللّه(ص)، رفع راسه
«اليه‏»((1586)) مرة اومرتين، فقال: يا معاوية ان وليت امرا
فاتق اللّه عز وجل واعدل. قال: فما زلت اظن اني مبتلى بعمل،
لقول‏رسول اللّه(ص) حتى ابتليت. المسند((1587)) (4/101).
قال الاميني : ان من الماءسوف عليه ان الرجل نسي هذه
الوصية النبوية في عهديه جميعا من الامارة والملك‏العضوض،
او انه كان يذكرها غير انه لم يكترث لها، فلم يدع شيئا من
مظاهر العدل والتقوى الا وتركه، ولاامرا من موجبات الاثم
والعدوان الا وارتكبه، وان البحث لفي غنى عن سرد تلك المثم
والجرائم، وقد كررنابعضها في اجزاء هذا الكتاب، وفي حيطة
سعة الباحث الوقوف عليها كلها.
فليته كان يذكر تلك الوصية الخالدة يوم تثبط عن نصرة
عثمان حتى اودي به، ويوم كاشف امام الوقت اميرالمؤمنين
(ع) بالحروب الطاحنة، وجابه ولاية اللّه الكبرى بكل ما كان
يسعه عناده ومكائده، وناوا الصحابة‏العدول بالقتل والتشريد،
واضطهد صلحاء الامة بكل ما في حوله وطوله من اخافة،
وارجاف، وقتل ذريع،واخذ بالظنون والتهم ، او كان من العدل
والتقوى شي‏ء من هذه؟ او كان منهما بيع الخمر وشرابها
واكل‏الربا، واستلحاق زياد باءبي سفيان، واستخلاف يزيد؟
ولعلك اعرف بيزيد من غيرك، كما ان مستخلفه كان‏اعرف به
من كل احد.
ولعل من اظهر مصاديق عدله وتقواه دابه على سب الامام
الطاهر، ولعنه على صهوات المنابر، وقنوته بذلك‏في صلواته
التي كانت تلعنه وحمله الناس على ذلك بالحواضر الاسلامية
واوساطها طول حياته، حتى‏كانت بدعة مخزية مستمرة في
العهد الاموي كله بعد ان اخترمته المنية.
وليتني كنت ادري انه ماذا كان يفعله مما يخالف العدل
والتقوى لولا وصية‏رسول اللّه(ص) اياه؟ او انه‏والعياذ باللّه لو
كانت الوصية بخلاف ما سمعه منه(ص)؟ فهل كان يتاح له اكثر
واشنع مما فعل؟
9 من غير طريق عن معاوية، قال: سمعت رسول اللّه(ص)
يقول: ((اذا اراد اللّه بعبد خيرا فقهه في الدين))،وفي لفظ:
((من يرد اللّه به خيرا يفقهه في الدين)). وفي بعض الالفاظ:
وكان معاوية قلما خطب الا ذكر هذاالحديث في
خطبته((1588)).
قال الاميني : كان من قضية هذا السماع ووعيه، والاكثار من
روايته حتى انه جاء مكررا في مسند احمدست‏عشرة مر ة، وما
كان يخطب معاوية الا وذكره، التاءثر((1589)) بمفاده،
والتهالك في التفقه في الدين، والحرص‏على ما كان يسمعه او
يبلغه عن رسول اللّه(ص) في مبادئ الفقه وغاياته، فما هذا
الذي قهقره عن ضبط ماهنالك من حكم واحكام؟ وابعده عن
مستقى السنة ذلك البون الشاسع، الذي تركه اجهل خلق
اللّهباءحكامه، عدا ما خالفه وباينه، من احاديث كانت حجة عليه،
بعيدا عن مغازيه واعماله، وعدا طفائف لايعود العالم بها فقيها
في دينه متبصرا في امره، كل ذلك ينم عن ان الرجل لم يرد
اللّه به خيرا ولا فقهه في‏دينه، وليس ذلك من ابن هند ببعيد.
10 من طريق محمد بن جبير بن مطعم يحدث: انه بلغ
معاوية وهو عنده في وفد من قريش، ان عبداللّه بن‏عمرو بن
العاص يحدث انه سيكون ملك من قحطان، فغضب معاوية،
فقام فاءثنى على اللّه عز وجل بما هواهله، ثم قال: اما بعد: فانه
بلغني ان رجالا منكم يحدثون احاديث ليست في كتاب اللّه ولا
تؤثر عن رسول‏اللّه(ص)، اولئك جهالكم، فاياكم والاماني التي
تضل اهلها، فاني سمعت رسول اللّه(ص) يقول: ان هذا الامرفي
قريش لا ينازعهم احد الا اكبه اللّه على وجهه ما اقاموا الدين.
قال الاميني : لقد غلط معاوية في فهم الحديث على تقدير
صحته، فان الذي ذكر عبداللّه بن عمرو ان ذلك‏الكائن ملك،
ولم ينص على انه خليفة، وكم في الدهر بعد رسول اللّه(ص)
من ملوك من غير قريش ومن‏الجائز ان يكون ذلك الملك
الموعود به من اصحاب الملك العضوض، فما رده به معاوية من
ان الذين يجب ان يكونوا من قريش هم الائمة الذين لا ينازعون
في امرهم ما اقاموا الدين، فمعاوية‏ومن اهتدى مثاله ممن
لم‏يقيموا الدين بل ناواوه وباينوه خارجون عنهم، وهاهنا تسقط
مطامع معاوية وامانيه التي اضلته من‏انطباق الرواية عليه وعلى
نظرائه وان لم يكونوا قحطانيين، فاءولى به من تحذره عن
تخلف نسبة قحطان عنه‏اخذه الحذر عن موانع الخلافة التي لا
تبارحه، او كانت الخلافة في الطلقاء؟ او كانت في غير
البدريين؟ اوكان يشترط فيها فقدان العدل والتقوى في
الخليفة؟ او كان لاكلة الاكباد ورايتها نصيب من خلافة‏اللّه؟
وان تعجب فعجب ان الرجل يعد عبداللّه بن عمرو من الجهال،
وهو الذي جاء فيه عن ابي هريرة انه اكثرالناس حديثا من
رسول اللّه(ص)، وكان يكتب الحديث، وفي لفظ ابي عمر: احفظ
حديثا. وقال: كان‏فاضلا حافظا عالما، قرا الكتاب واستاءذن
النبي(ص) في ان يكتب حديثه فاءذن له، وهو الذي اثنى عليه
ابن‏حجر بغزارة العلم والاجتهاد في العبادة((1590)).
نعم، يقع معاوية في الرجل كمن ملا اهابه علما، وشحن
الطروس والسطور فقها وحديثا، ذهولا منه عن‏ان‏الام ة المنقبة
حفظت عليه حديث عبادة بن الصامت من قوله له: ان امك
هند اعلم منك((1591)).
هذا معاوية ومبلغه من العلم بالسنة.
الاجماع :
قد عرفت آنفا ان من مدارك الاجتهاد في الاحكام الشرعية
ومبادئها: الاجماع، ولعل اقسط تعاريفه ما قاله‏الامدي في
الاحكام((1592)) (1/280): انه اتفاق جملة من اهل الحل
والعقد من امة محمد في عصر من الاعصارعلى حكم واقعة من
الوقائع.
فهلم ولننظر الى معاوية واقواله، وتقولاته، واعماله، وجرائمه،
وفقهه، واجتهاده، هل يقع شي‏ء منها في معقدمن معاقد
الاجماع؟ واين اولئك الفقهاء، واهل الحل والعقد في الفقه
والدين الذين اصفقوا مع معاوية على ماعنده من بدع وتافهات؟
ومن كان منهم يومئذ ليطلوا سقطات معاوية الشاذة بالاجماع؟
وهل كان‏مباءة‏الفقهاء يومئذ في غير المدينة المنورة من
الصحابة الاولين والتابعين لهم باحسان؟ وفي بلاد غيرها
انتشروامنها اليها، وكلهم كانوا في منتاءى عن ابن هند وآرائه،
ولم يزل هو يناوئهم ويضادهم في القول والعمل‏ويتحرى
الوقيعة فيهم.
نعم، كان يصافقه على مخاريقه حثالة من طغام الشام، الذين
حدتهم النهمة والشره وهملج بهم المطامع‏والشهوات، فما
قيمة اجتهاد يكون هذا احد مبادئه؟
القياس :
المعتبر من القياس عند ائمة السنة والجماعة ان يكون المناط
منصوصا عليه في الكتاب والسنة، اومخرجاعنهما بالبحث
والاستنباط اما بنوعه او بشخصه((1593))، ولم نجد في
اختيارات معاوية شيئا من تلكم‏المناطات في المقيس عليه
منصوصة او مستنبطة يصح القياس في المقيس ويجوز التعويل
عليها، نعم، كانت‏عنده اقيسة جاهلية اراد تطبيق احكام
الاسلام بها.
اي اجتهاد هذا؟:
لعلك الى هنا عرفت معنى الاجتهاد الصحيح وحقيقته ومبانيه
عند ائمة الاسلام من رجالات الفقه واصوله،والمسك باليد بعد
معاوية عن كل ذلك بعد المشرقين، فهلم معي نقرا صحيفة
مكررة من افعال هذا المجتهدالطاغية، وتروكه التي اجتهد
فيها، ويرى ابناء حزم، وتيمية، وكثير، وحجر، ومن لف لفهم، ان
الرجل لم‏يلحقه ذم وتبعة من تلكم الهفوات، بل يحسبونه
ماءجورا فيها لكونه مجتهدا مخطئا.
الا تقول اي اجتهاد جوز على هذا المجتهد او اوجب عليه وعلى
كل مسلم باءمره رضي بذلك ام‏ابى‏سب‏مثل مولانا امير
المؤمنين علي صلوات اللّه عليه، والقنوت بلعنه في الصلوات،
والدعاء عليه وعلى‏الامامين السبطين((1594)) والصلحاء
الاخيار معه؟!
هل اجتهد هذه الاحدوثة من آية التطهير والمباهلة، او من
المئات النازلة في علي (ع)؟ او من الالاف من‏السنة الشريفة
الماءثورة عن صاحب الرسالة(ص) من فضائله ومناقبه؟ او من
الاجماع المعقود على بيعته‏واتخاذه خليفة مفترضة طاعته؟
ولئن تنازلنا عن الخلافة له، فهل هناك اجماع على نفي
اسلامه، ونفي كونه‏من اعيان الصحابة العدول، حتى يستسيغ
هذا المجتهد رضيع ثدي هند المتفيئ تحت رايتها الوقيعة
فيه‏والنيل منه؟
وهل هناك قياس يخرج ملاكه من مبادئ الاجتهاد الثلاثة التي
قامت بسيف علي (ع) واعتنقتها الامة‏بباءسه، وعرفتها ببيانه،
يسوغ للرجل ما تقحم فيه؟ نعم، كانت ترات واحن بين
القبيلتين اءبناء هاشم وبني‏امية منذ العهد الجاهلي، وكان من
عادات ذلك العهد وتقاليده نيل كل من الفئتين المتخاصمتين
من الاخرى‏كيفما وقع، واينما اصاب، وريثما انتهز الفرصة من
تمكن من الانتقام، سواء حمل المنكوب شيئا من الظلامة‏اولا،
فيقتل غير القاتل، ويعذب غير المجرم، ويؤاخذ غير الجاني،
شنشنة جاهلية ثبت عليها الجاهلون،واستمروا دائبين عليها
حتى بعد انتحالهم الاسلام، والى مثل هذا القياس كان يطمح
معاوية المجتهد في‏اعماله واجتهاده.