اي اجتهاد يسوغ له دابه
على لعن الامام المفدى على صهوات
المنابر، وفي ادبار الصلوات، حتى غير سنةاللّه
بتقديم خطبة
صلاة العيدين عليها لاسماع الناس سبابه، وكان يوبخ
الساكتين
عن لعنه بملء فمه وصراحةلهجته؟ فباءي كتاب، ام
باءية سنة،
او اجماع، او قياس، كان يستنبط هذا المجتهد الاثم
اصراره
على تلكمالبدع المخزية؟
اي اجتهاد يحتم عليه استقراء كل من والى عليا
اميرالمؤمنين
في الحواضر والامصار وتقتيلهم، وتشريدهم،والتنكيل
بهم،
وتعذيبهم باءشد العذاب، ولم يرقب فيهم ذمة الاسلام
ولا
اله((1595))، ولم يراع فيهم
حرمةالصحبة وصونها؟ او يساعده
على ذلك شيء من الاي الكريمة؟ او اثارة من السنة
الشريفة؟
او اجماع مناهل الدين؟ واين هم؟! وهم كلهم مناوئو
معاوية
ومنفصلون عن آرائه او ان هناك قياسا خرج ملاكه
منتلكم
الحجج الثلاث؟
اي اجتهاد يبيح له قذف علي (ع) بالالحاد، والغي،
والبغي،
والضلال، والعدوان، والخبث، والحسد، الىطامات
اخرى، او
تحسب انك تجد حجة على شيء من ذلك من مطاوي الكتاب
الكريم؟ او من تضاعيفالسنة النبوية؟ او منمعاقد
اجماع الامة؟
والامة على بكرة ابيها تعلم ان شيئا من هاتيك
المفتريات
والنسبالمائنة لم تكتسح عنها الا ببيان الامام
وبنانه، وسيفه
ولسانه، ولو قام للدين مثال شاخص لما عداه ان
يقومبصورة
علي (ع) ومثاله.
اي اجتهاد يحبذ له المسرة والاستبشار بقتل امير
المؤمنين
وولده الحسن الزكي، امامي الهدى صلوات
اللّهعليهما،
والتظاهر بالجذل والحبور على مصيبة الدين الفادحة
بهما،
ويري لصاحبه قتل علي (ع) من لطف اللّهوحسن صنعه،
وزعم
قاتله اشقى مراد من عباد اللّه؟ وانت جد عليم باءن
فقه الكتاب
الكريم في منتاءى عنهذه الشقوة، كما ان السنة
الكريمة في
مبتعد عن مثلها من قساوة، ودع عنك معقد اجماع الامة
النائي
عن هذهالفظاظة، وملاكات الشريعة منصوصة ومستنبطة
المباينة لتلك الصلافة، نعم: قياس الجاهلية
الاولىيضرب على
وتره، ويغني في وتيرته!
اي اجتهاد يرخص هتك حرمات مكة والمدينة، وشن الغارة
على اهلها لمحض ولائهم عليا (ع)، ويشرعنذر قتل
نساء ربيعة
لحب رجالهم امير المؤمنين وتشيعهم له (ع)؟
اي اجتهاد يحلل مثلة من قتل تحت راية علي (ع) يوم
صفين،
وقد كان قتال الفئة الباغية بعهد من رسولاللّه
وامره؟ كما
فصلنا القول فيه في الجزء الثالث.
اي اجتهاد يمنع امام الحق وآلافا من المسلمين عن
الماء
المباح، ويعطي لمعاوية حق القول باءن هذا واللّه
اولالظفر، لا
سقاني اللّه ولا سقى ابا سفيان ان شربوا منه ابدا
حتى يقتلوا
باءجمعهم عليه((1596))؟
اي اجتهاد يجوز بيع الخمر وشربها، واكل الربا،
واشاعة الفحشاء،
وقد حرمها كتاب اللّه وسنة نبيه،ويتلوهما الاجماع
والقياس؟
اي اجتهاد يحث الناس باعطاء الامارة والولايات،
وبذل القناطير
المقنطرة، لمن لا خلاق لهم
علىعداءاهلبيتالنبيالاقدس،
وبغضهموالنيل منهم ومن شيعتهم؟
اي اجتهاد يراق به دم من سكت عن لعن علي ولم يتبرا
منه،
ولو كان من جلة الصحابة، ومن صلحاء امةمحمد، كحجر
بن
عدي واصحابه، وعمرو بن الحمق؟
اي اجتهاد يؤدي الى خلاف ما ثبت من السنة الشريفة،
ويصحح
ادخال ماليس منها، في الاذان، والصلاة،والزكاة
والنكاح،
والحج، والديات على التفصيل الذي مر في هذا الجزء؟
اي اجتهاد يغير دين اللّه وسنته لمحض مخالفته عليا
(ع). كما
مر (ص205)؟
اي اجتهاد ينقض به حد من حدود اللّه لاستمالة مثل
زياد ابن
امه، وجلب مرضاته باستلحاقه باءبي سفيان،والولد
للفراش
وللعاهر الحجر؟
اي اجتهاد يحابي خلافة اللّه ليزيد السكير
المستهتر، ويستحل
به دماء من تخلف عن تلك البيعةالغاشمة؟
اي اجتهاد يشترط البراءة من امير المؤمنين علي (ع)
في عقد
البيعة للطليق ابن الطليق؟
اي اجتهاد تدعم به الشهادات المزورة، والفرية،
والافك،
والكذب، وقول الزور، والنسب المختلقة،
والمكر،والخديعة،
لنيل الاماني الوبيلة المخزية؟
اي اجتهاد يجوز ايذاء رسول اللّه(ص) في اهل بيته
وعترته،
وايذاء اولياء اللّه وعباده الصالحين من
الصحابةالاولين والتابعين
لهم باحسان، وفي مقدمهم سيدهم، وفي الذكر الحكيم
قوله
تعالى ( والذين يؤذونرسولاللّه لهم عذاب اليم )((1597)) (
والذينيؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا
فقد
احتملوا بهتاناواثمامبينا )((1598)) وجاء عن الصادع
الكريم:
((من آذى مسلما فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى اللّه
عزوجل))((1599))
وقوله عن جبريل، عن اللّه تعالى: ((من
اهان لي وليا فقد بارزني بالمحاربة، ومن عادى لي
وليافقد
آذنته بالحرب)).
وقوله: ((من آذى لي وليا فقد استحل محاربتي)). وقوله:
((من
اهان لي وليا فقد استحل محاربتي)). وقوله:((من اهان لي
وليا
فقد بارزني بالعداوة)). وقوله: ((من عادى لي وليا فقد
ناصبني
بالمحاربة))((1600))؟
اي اجتهاد يري صاحبه نقض الال وحنث العهد، ومن
السهل
الهين في جميع موارده ومصادره؟
اي اجتهاد يجابه به سنة رسول اللّه وما يؤثر عنه
بالهزء والازدراء
والضرطة؟ كما فصل في (ص281 آ283).
اي اجتهاد يفسد البلاد، ويضل العباد، ويشق عصا
المسلمين
بالشذوذ عن الجماعة، وخلع ربقة الاسلام عنالبيعة
الحقة،
ومحاربة امام الوقت بعد اجماع الامة من اهل الحل
والعقد من
المهاجرين والانصار علىبيعته؟
الى غير هذه من اجتهادات باطلة، وآراء سخيفة تافهة،
ليس لها
في مستوى الصواب مقيل، ولا لها فيسوق الدين
اعتبار يعذر
صاحبه، وكلها مباينة للكتاب، مضادة للسنة الثابتة
الصحيحة،
ونقض للاجماعالصحيح المتسالم عليه، والقياس الذي
نص في
المقيس عليه على ملاك الحكم في اي من الكتاب
والسنة،
اوانه مستنبط بالاجتهاد والتظني فيهما؟
وهل وقف الباحث في جملة ما سبره من الاحكام والعلل
على
اجتهاد يكون هذا نصيبه من تحري الحق؟اللهم انها
ميول
واهواء ومطامع وشهوات تزجي بصاحبها الى هوات
المهالك،
وهل هذا يضاهي شيئا مناجتهاد المجتهدين؟
على ان جملة من المذكورات مما لا مساغ للاجتهاد
فيه، ولا
يتطرق اليه الراي والاستنباط، لان الحكم فيهاملحق
بالضروريات من الدين، ومما لا يسع فيه الخلاف، فمن
حاول
شيئا من ذلك فقد حاولدفاعاللضروري من الدين،
واستباح
محظورا ثابتا من الشريعة، كمن يستبيح قتل النبي(ص)
باجتهاده، اويروم تحليل حرام من الشريعة دون
تحليله شق
المرائر، واستمراء جرع الحتف المبير.
من هو هذا المجتهد؟:
اهو ابن آكلة الاكباد نكس
اللّه رايتها الهاتك لحرمات اللّه،
المعتدي على حدوده، المجرم الجاني؟
يحسب ابناء حزم، وتيمية، وكثير، ومن لف لفهم انه
مجتهد
ماءجور، ويقول ابن حجر: انه خليفة حق، وامامصدق.
هكذا يقول هؤلاء ونحن لا نقول باجتهادهم، بل نقول
بما قاله
المقبلي((1601))
في كتابه العلم الشامخ في ايثارالحقعلى
الاباء المشايخ (ص365): ما كان علي رضي اللّهعنه
وارضاه الا
امام هدى، ولكنه ابتلي وابتلي به،ومضى لسبيله
حميدا، وهلك
به من هلك، هذا يغلو في حبه او دعوى حبه لغرض له،
اعظمهم ضلالا منرفعه على الانبياء او زاد على
ذلك، وادناهم
من لم يرض له بما رضي لنفسه لتقديم اخوانه واخدانه
عليه
فيالامارة رضي اللّه عنهم اجمعين.
وآخر يحط من قدره الرفيع، ابعدهم ضلالا الخوارج
الذين
يلعنونه على المنابر، ويرضون على ابن ملجمشقي هذه
الامة،
وكذلك المروانية، وقد قطع اللّه دابرهم، واقربهم
ضلالا الذين
خطاءوه في حرب الناكثين،واللّه سبحانه يقول:
(فقاتلوا التي
تبغي حتى تفيء الى امر اللّه )((1602)) فان لم تصدق هذه في
امير المؤمنين ففيمن تصدق؟!
مع انهم بغوا بغيا محققا بعد استقرار الامر له، ولا
عذر لهم، ولا
شبهة الا الطلب بدم عثمان، وقد اجاب(رضىا...عنه)
بما هو
جواب الشريعة فقال: ((يحضر وارث عثمان ويدعي ما شاء،
واحكم بينهم بكتاب اللّهتعالى وسنة رسول اللّه(ص))).
او كما
قال. فان تصح هذه الرواية، والا فهي معلومة من حاله
بل من
حالمن هو ادنى الناس من المتمسكين بالشريعة، واما
انه
يقطع قطيعا من غوغاء المسلمين الذين اجتمعوا
علىعثمان
خمسمائة واكثر، بل قيل: انهم يبلغون نحو عشرة آلاف
كما
حكاه ابن حجر في الصواعق((1603))، فيقتلهمعن بكرة ابيهم،
والقاتل واحد، اربعة، عشرة، قيل: هما اثنان فقط.
وذكره في
الصواعق ايضا((1604))، فهذا مايعتذر به عاقل،
ولكن كانت
الدعوى باطلة والعلة باطلة، خلا ان طلحة والزبير
وعائشة غ
ومن يلحقبهم من تلك الدرجة التي يقدر قدرها من
الصحابة
لا يشك عاقل في شبهة غلطوا فيها، ولو
بالتاءويللصلاح
مقاصدهم!
واما معاوية والخوارج فمقاصدهم بينة، فان لم
يقاتلهم علي
فمن يقاتل؟ اما الخوارج فلا يرتاب في ضلالهمالا
ضال، واما
معاوية فطالب ملك، اقتحم فيه كل داهية، وختمها
بالبيعة
ليزيد، فالذي يزعم انه اجتهدفاءخطاء، لا نقول:
اجتهد واخطاء.
لكنه اما جاهل لحقيقة الحال مقلد، واما ضال اتبع
هواه، اللهم
انا نشهدبذلك.
ورايت لبعض متاءخري الطبريين في مكة رسالة ذكر فيها
كلاما
عزاه لابن عساكر((1605)) وهو: ان النبي(ص)اخبر ان
معاوية
سيلي امر الامة، وانه لن يغلب، وانعليا كرم اللّه
وجهه قال يوم
صفين: لو ذكرت هذاالحديث او بلغني لما حاربته.
ولا يبعد نحو هذا ممن سل سيفه على علي والحسن
والحسين
وذريتهما، والراضي كالفاعل كما صرحت بهالسنة
النبوية، انما
استغربنا وقوع هذا الظهور حكاية الاجماع من جماعة
المتسمين بالسنة باءن معاوية هوالباغي، وان الحق
مع علي،
وما ادري ما راي هذا الزاعم في خاتمة امر علي بعدما
ذكر،
وكذلك الحسنالسبط غ، وترى هؤلاء الذين ينقمون على
علي
قتاله البغاة يحسنون لمن سن لعنه على المنابر في
جميعجوامع المسلمين، منذ وقته الى وقت عمر بن
عبدالعزيز
اللاحق بالاربعة الراشدينغ، مع ان سب عليفوق
المنابر وجعله
سنة تصغر عنده العظائم. وفي جامع المسانيد في مسند
ام
سلمةغ: ايسب رسولاللّه(ص) فيكم؟ قلت: معاذ اللّه.
قالت:
سمعت رسول اللّه(ص) يقول: ((من سب عليا فقد
سبني)).الكلام.
ولعلك ان نظرت الى ما سردناه من سيرة هذا المجتهد
الجاهل
الضال، تاءخذ لك مقياسا لمبلغ علمه،
وقسطهالمتضائل من
الاجتهاد في احكام اللّه، وانه منكفئ عنه، فارغ
الوطاب، صفر
الاكف عن اي علم ناجع، اوعمل نافع، بعيدا عن فهم
الكتاب،
والتفقه في السنة، والالمام باءدلة الاجتهاد.
نعم، لم يكن معاوية هو نسيج وحده في الجهل بمبادئ
الاجتهاد وغاياته، وانماله اضراب ونظراء سبقوه
اولحقوه في
الراي الشائن، والاجتهاد المائن، ممن صحح القوم
بدعهم
المحدثة، وآراءهم الشاذة عن الكتابوالسنة
بالاجتهاد وتترسوا
في طاماتهم باءنهم مجتهدون((1606)).
ولعلك تعرف مكانة هذا المجتهد خليفة الحق وامام
الصدق،
من لعن رسولاللّه(ص) اياه واباه واخاه، ومنقنوت
امير
المؤمنين في صلاته بلعنه، ومن دعاء ام المؤمنين
عائشة عليه
دبر صلاتها.
ومن ايعاز الامام امير المؤمنين (ع)، وولده السبط
الزكي ابي
محمد سلام اللّه عليه والعبد الصالح محمد بنابي
بكر، الى
لعن رسول اللّه(ص) المخزي، ومن لعن ابن عباس وعمار
اياه.
ومن قوله(ص) وقد سمع غناء واخبر باءنه لمعاوية وعمرو
بن
العاصي: ((اللهم اركسهم في الفتنة ركسا،اللهمدع هم
الى النار
دعا)).
ومن قوله(ص) وقد رآه مع ابن العاص جالسين: ((اذا رايتم
معاوية وعمرو ابن العاص مجتمعين ففرقوابينهما،
فانهما لا
يجتمعان على خير)).
ومن قوله(ص): ((اذا رايتم معاوية على منبري فاقتلوه))
المعاضد بالصحيح الثابت من قوله(ص): ((اذا
بويعلخليفتين
فاقتلوا الاخر منهما)). وفي صحيح: ((فان جاء احد
ينازعه
فاضربوا الاخر)).
ومن قوله(ص): ((يطلع عليكم من هذا الفج رجل يموت وهو
على غير سنتي)) فطلع معاوية((1607)).
ومن قول امير المؤمنين له: ((طالما دعوت انت
واولياؤك
اولياء الشيطانالرجيم الحق اساطير
الاولينونبذتموه وراء
ظهوركم، وحاولتم اطفاء نور اللّه باءيديكم
وافواهكم، واللّه متم
نوره ولو كرهالكافرون)).
ومن قوله (ع): ((انك دعوتني الى حكم القرآن، ولقد علمت
انك لست من اهل القرآن، ولا حكمهتريد)).
ومن قوله (ع): ((انه الجلف المنافق، الاغلف القلب،
والمقارب
العقل)).
ومن قوله (ع): ((انه فاسق مهتوك ستره)).
ومن قوله (ع): ((انه الكذاب امام الردى، وعدو النبي،
وانه
الفاجر ابن الفاجر، وانه منافق ابن منافق،
يدعوالناس الى
النار)). الى كلمات اخرى مفصلة في هذا الجزء.
ومن قول ابي ايوب الانصاري: ان معاوية كهف
المنافقين.
ومن قول قيس بن سعد الانصاري: انه وثن ابن وثن، دخل
في
الاسلام كرها وخرج منه طوعا، لم يقدمايمانه، ولم
يحدث
نفاقه.
ومن قول معن السلمي الصحابي البدري له: ماولدت
قرشية
من قرشي شرا منك.
ومن اقوال الامام الحسن السبط واخيه الحسين صلوات
اللّه
عليهما، وعمار بن ياسر، وعبداللّه بن بديل،وسعيد
بن قيس،
وعبداللّه بن العباس، وهاشم بن عتبة المرقال،
وجارية بن
قدامة، ومحمد بن ابي بكر،ومالك بن الحارث الاشتر((1608)).
هذا مجتهدنا الطليق عند اولئك الاطايب، وعند
الوجوه
والاعيان من الصحابة الاولين العارفين به على
سرهوعلانيته،
المطلعين على ادوار حياته طفلا ويافعا وكهلاوهما((1609))،
وانت بالخيار في الاخذ باءي من النظريتين:ما سبق
للّه ولرسوله
وخلفائه واصحابه المجتهدين العدول، او ما يقول
هؤلاء الابناء
ومن شاكلهم منالمتعسفين الناحتين للرجل اعذارا
هي افظع
من جرائمه.
الامر الثاني: ثاني الامرين((1610)) اللذين ينتهي
اليهما دفاع
ابن حجر عن معاوية، قوله فيالصواعق((1611))(ص130):
فالحق ثبوت الخلافة لمعاوية من حينئذ وانه بعد ذلك
خليفة
حق وامام صدق،كيف؟ وقد اخرج الترمذي((1612))
وحسنه
عن عبدالرحمن بن ابي عميرة الصحابي، عن النبي(ص) انه
قاللمعاوية: اللهماجعله هاديا مهدى ا.
واخرج احمد في مسنده((1613)) عن العرباض بن سارية،
سمعت رسول اللّه(ص) يقول: اللهم علم معاويةالكتاب
والحساب وقه العذاب.
واخرج((1614))
ابن ابي شيبة في المصنف، والطبراني في
الكبير عن عبدالملك بن عمير((1615))، قال: قال معاوية:
مازلت اطمع في الخلافة مذ قال لي رسول اللّه(ص):
يامعاوية
اذا ملكت فاءحسن.
فتاءمل دعاء النبي(ص) في الحديث الاول باءن اللّه
يجعله هاديا
مهديا، والحديث حسن كما علمت فهو ممايحتج به على
فضل
معاوية، وانه لا ذم يلحقه بتلك الحروب لما علمت
انها مبنية
على اجتهاد، وانه لم يكن لهالا اجر واحد، لان
المجتهد اذا
اخطاء لا ملام عليه، ولا ذم يلحقه بسبب ذلك لانه
معذور، ولذا
كتب لهاجر.
وممايدل لفضله الدعاء له في الحديث الثاني باءن
يعلم ذلك،
ويوقى العذاب، ولاشك ان دعاءه(ص)مستجاب، فعلمنا منه
انه
لا عقاب على معاوية فيما فعل منتلك الحروب بل له
الاجر
كما تقرر، وقد سمىالنبي(ص) فئته المسلمين،
وساواهم
بفئة الحسن في وصف الاسلام، فدل على بقاء حرمة
الاسلامللفريقين، وانهم لم يخرجوا بتلك الحروب
عن الاسلام،
وانهم فيه على حد سواء، فلا فسق ولا نقص
يلحقاحدهما لما
قررناه من ان كلا منهما متاءول تاءويلا غير قطعي
البطلان،
وفئة معاوية وان كانت هي الباغيةلكنه بغي لا فسق
به، لانه انما
صدر عن تاءويل يعذر به اصحابه.
وتاءمل انه(ص) اخبر معاوية باءنه يملك وامره
بالاحسان، تجد
في الحديث اشارة الى صحة خلافته، وانهاحق بعد
تمامها له
بنزول الحسن له عنها، فان امره بالاحسان المترتب
على الملك
يدل على حقية ملكهوخلافته، وصحة تصرفه ونفوذ
افعاله من
حيث صحة الخلافة لا من حيث التغلب، لان المتغلب
فاسقمعاتب لا يستحق ان يبشر، ولا ان يؤمر
بالاحسان فيما
تغلب عليه، بل انما يستحق الزجر والمقت
والاعلامبقبيح افعاله
وفساد احواله، فلو كان معاوية متغلبا لاشار له(ص)
الى ذلك، او
صرح له به، فلما لم يشر لهفضلا على ان يصرح الا بما
يدل على
حقية ما هو عليه علمنا انه بعد نزول الحسن له خليفة
حق
وامامصدق. انتهى.
هذا نهاية جهد ابن حجر في الدفاع عن معاوية!!
قال الاميني : ان الكلام يقع على هذه الروايات من
شتى
النواحي الا وهي:
1 النظر الى شخصية معاوية، وتصفح كتاب نفسه المشحون
بالمخازي، ثمنعطف النظر في انه هل تلكمالصحائف
السوداء
تلائم ان يكون صاحبها مصبا لاقل منقبة له تعزى الى
رسول
اللّه(ص) فضلا عن هذهالنسب المزعومة او لا؟ ولقد
اوقفناك
على حياته المشفوعة بالمخاريق، مما لا يكاد ان
يجامع شيئا
من المديحوالاطراء، او ان تعزى اليه حسنة، ولا
احسب انك
تجد من ايام حياته يوما خاليا عن الموبقات، من
سفكدماء
زاكية، واخافة مؤمنين ابرياء، وتشريد صلحاء لم
يدنسهم اثم، ولا
المت بساحتهم جريرة، ومعاداةللحق الواضح، ورفض
لطاعة
امام الوقت، والبغي عليه، وقتاله، الى جرائم جمة
يستكبرها
الدين والشريعة،ويستنكرها الكتاب والسنة، ولا
يتسرب الى
شيء منها الاجتهاد كما مر بيانه.
2 من ناحية عدم ملائمة هذه الفضائل المنحوتة لما روي
وصح عن رسولاللّه(ص) وما يؤثر عن مولاناامير
المؤمنين (ع)،
وعن جمع من الصحابة العدول، فانه مما لا يتفق معها
في شيء
وقد اسلفنا من ذلك مايناهز الثمانين حديثا في هذا
الجزء
(ص138 177).
فانك متى نظرت اليها، واستشففت حقائقها دلتك على ان
رجل السوء معاوية جماع المثم والجرائم، وانههو
ذلك
الممقوت عند صاحب الشريعة (ص) ومن احتذى مثاله من
خلفائه الراشدين، واصحابه السابقينالاولين
المجتهدين حقا،
المصيبين في اجتهادهم.
3 انا وجدنا نبي الرحمة(ص)، ونظرنا في الماءثور
الثابت
الصحيح عنه في طاغية الشام والامر بقتاله،والحث
على
مناواته، وتعريف من لاث به باءنهم الفئة الباغية،
وانهم هم
القاسطون، وعهده الى خليفته اميرالمؤمنين (ع) على
ان
يناضله، ويكتسح معرته، ويكبح جماحه، وقد علم(ص) انه
سيكون الخليفة المبايع له،الواجب قتله، وانه سيكون
في عنقه
دماء الصلحاء الابرار التي لا يبيحها اي اجتهاد،
نظراء حجر بن
عدي،وعمرو بن الحمق، واصحابهما، وكثير من
البدريين،
وجمعكثير من اهل بيعة الرضوان، رضوان اللّهعليهم.
فهل من المعقول انه(ص) يرى لمعاوية والحالة هذه قسطا
من
الفضيلة؟ او حسنة تضاهي حسناتالمحسنين؟ ويوقع
الامة في
التهافت بين كلماته المعزوة اليه هذه، وبين ما صرح
به وصح
عنه(ص) مما اوعزنااليه. وزبدة المخض انه(ص) لم ينبس
عن
هاتيك المفتعلات ببنت شفة، ولكن القوم نحتوها
ليطلوا
علىالضعفاء ما عندهم من طلاء مبهرج.
4 ما قاله الحفاظ من ائمة الحديث وحملة السنة، من
انه لم
يصح لمعاوية منقبة، وسيوافيك بعيد هذانصعباراتهم
عند
البحث عن فضائل معاوية المختلقة.
5 النظر في اسناد ومتن ما جاء به ابن حجر، وعل ى عليه
اسس تمويهه على الحقائق، وبه طفق يرتئيمعاوية
خليفة حق،
وامام صدق.
الرواية الاولى :
اما ما اخرجه الترمذي وحسنه،
عن عبدالرحمن بن ابي عميرة
مرفوعا: اللهم اجعله هاديا مهديا واهدبه((1616)).
فان كون ابن
ابي عميرة صحابيا في محل التشكيك، فانه لا يصح، كما
ان
حديثه هذا لا يثبت، قال ابوعمر في الاستيعاب((1617))
(2/395) بعد ذكره بلفظ: اللهم اجعله هاديا مهديا، واهده
واهد
به: عبدالرحمنحديثه مضطرب، لا يثبت في الصحابة،
وهو
شامي، ومنهم من يوقف حديثه هذا ولا يرفعه،
ولايصحمرفوعا
عندهم. وقال: لا يثبت احاديثه، ولا يصح صحبته.
ورجال الاسناد كلهم شاميون وهم:
1 ابو سهر الدمشقي.
2 سعيد بن عبدالعزيز الدمشقي.
3 ربيعة بن يزيد الدمشقي.
4 ابن ابي عميرة الدمشقي.
وتفرد به ابن ابي عميرة ولم يروه غيره، ولذلك حكم
فيه
الترمذي بالغرابة بعد ما حسنه، وابن حجر حرفكلمة
الترمذي
حرصا على اثبات الباطل، فما ثقتك برواية تفرد بها
شامي عن
شامي الى شامي ثالث الىرابع مثلهم ايضا؟ ولا يوجد
عند
غيرهم من حملة السنة علم بها، ولم يك يومئذ يتحرج
الشاميون منالافتعال لما ينتهي فضله الى معاوية
ولو كانت
مزعمة باطلة، على حين ان امامهم القناطير المقنطرة
لذلكالعمل الشائن، ومن ورائهم النزعات الاموية
السائقة لهم
الى الاختلاق، لتحصيل مرضاة صاحبهم، فهناكمرتكم
الاباطيل والروايات المائنة.
على ان هذا المزعوم حسنه كان بمراى ومشهد من
البخاري،
الذي يتحاشى في صحيحه عن ان يقول: بابمناقب
معاوية.
وانما عبر عنه بباب ذكر معاوية((1618)). وكذلك من شيخه
اسحاق بن راهويه الذي ينص علىعدم صحة شيء من
فضائل
معاوية. ومن الحفاظ: النسائي، والحاكم النيسابوري،
والحنظلي،والفيروزآبادي، وابن تيمية، والعجلوني
وغيرهم،
وقد اطبقوا جميعا على انه لم يصح لمعاوية حديث
فضيلة،ومساغ كلماتهم يعطي نفي ما يصح الاعتماد
عليه لا
الصحيح المصطلح في باب الاحاديث، فلا ينافي
شمولقولهم
على حسنة الترمذي المزعومة مع غرابتها، فانهم
يقذفون
الحديث باءقل مما ذكرناه في هذا المقام، ولوكان
لهذه الحسنة
وزن يقام كحسنات معاوية لاوعزوا اليها عند نفيهم
العام.
وان مفاد الحديث لمما يربك القارئ ويغنيه عن التكلف
في
النظر الى اسناده، فان دعاء النبي(ص)مستجاب لا
محالة كما
يقوله ابن حجر، ونحن في نتيجة البحث والاستقراء
التام
لاعمال معاوية لم نجدههادياولا مهديا في شيء
منها، ولعل ابن
حجر يصافقنا على هذه الدعوى، وليس عنده غير ان
الرجلمجتهد مخطئ في كل ما اقدم واحجم، فله اجر
واحد في
مزعمته، ولا يلحقه ذم وتبعة لاجتهاده، وقداعلمناك
انعام ة
اخطائه وجرائمه مما لا يتطرق اليه الاجتهاد، على ما
اسلفنا
لك انه ليس من الممكن انيكون معاوية مجتهدا
لفقدانه العلم
بمبادئ الاستنباط من كتاب وسنة، وبعده عن الاجماع
والقياسالصحيح.
او هل ترى ان الدعاء المستجاب كهذا يقصد به هذا
النوع من
الاجتهاد المستوعب للاخطاء في اقوالالرجل
وافعاله؟ حتى انه
لا يرى مصيبا في واحد منها، وهل يحتاج تاءتي مثل هذا
الاجتهاد الى دعاءصاحب الرسالة؟ فمرحبا بمثله من
اجتهاد
معذر، وهداية لا تبارح الضلال.
ثم من الذي هداه معاوية طيلة ايامه، وانقذه من
مخالب
الهلكة؟! ايعد منهم ابن حجر: بسر بن ارطاة
الذياغار باءمره
على الحرمين، وارتكب فيهما ما ارتكبه من الجرائم
القاسية؟
ام الضحاك بن قيس الذي امره بالغارة على كل من في
طاعة
علي (ع) من الاعراب، وجاء بفجائع لميعهدها
التاريخ؟
ام زياد بن ابيه او امه الذي استحوذ على العراق،
فاءهلك الحرث
والنسل، وذبح الاتقياء، ودمر على الاولياء،وركب
نهابير لا
تحصى؟
ام عمرو بن العاص الذي اطعمه مصر فباعه على ذلك دينه
بدنياه، وفعل من الجنايات ما فعل؟
ام مروان بن الحكم الطريد اللعين وابنهما، الذي كان
لعنه عليا
امير المؤمنين على منبر رسول اللّه(ص) عدةاعوام
احدى
طاماته؟
ام عمرو بن سعيد الاشدق الجبار الطاغي، الذي كان
يبالغ في
شتم علي امير المؤمنين صلوات اللّه عليه،وبغضه
اياه؟
ام مغيرة بن شعبة، ازنى ثقيف الذي كان ينال من علي
(ع)
ويلعنه على منبر الكوفة؟
ام كثير بن شهاب الذي استعمله على الري، وكان يكثر
سب
علي (ع) امير المؤمنين والوقيعة فيه؟
ام سفيان بن عوف الذي امره ان ياءتي هيت والانبار
والمدائن،
فقتل خلقا، ونهب اموالا، ثم رجع اليه؟
ام عبد اللّه الفزاري الذي كان اشد الناس على علي
(ع)، ووجهه
الى اهل البوادي فجاء بطامات كبرى؟
ام سمرة بن جندب الذي كان يحرف كتاب اللّه لارضائه،
وقتل
خلقا دون رغباته لا يحصى؟
ام طغام الشام وطغاتها الذين كانوا يقتصون اثر كل
ناعق،
وانحاز بهم هو عن اي نعيق فاءوردهمالمهالك؟
اهذه كلها من ولائد ذلك الدعاء المستجاب؟ اللهم،
لا. ولو كان
مكان هذا الدعاء من رسول اللّه(ص)العياذ باللّه
قوله: اللهم
اجعله ضالا مضلا . لما عداه ان يكون كما كان عليه من
البدع
والضلالات.
ولو كان لهذا الدعاء المزعوم نصيب من الصدق لما كان
يعزب
علمه عن مثل مولانا امير المؤمنين،
وولديهالامامين وعيون
الصحابة الذين كانوا لا يبارحون الحق: كاءبي ايوب
الانصاري،
وعمار بن ياسر، وخزيمةبن ثابت ذي الشهادتين، ولما
عهد
اليهم رسول اللّه(ص) على حربه وقتاله، ولما عرف فئته
بالبغيوالقسط.
ولو كان السلف الصالح يرى شيئا زهيدا من هداية
الرجل
واهتدائه اثر ذلك الدعاء المستجاب، لما
كانوايعرفونه في صريح
كتاباتهم وخطاباتهم بالنفاق والضلال والاضلال.
وللسيد العلا مة ابن عقيل كلمة حول هذه المنقبة
المزيفة
ونعما هي، قال في النصائح الكافية((1619)) (ص167):وهاهنا
دلالة على عدم استجابة اللّه هذه الدعوة لمعاوية لو
فرضنا
صحة الحديث، من حديث صحيحاخرجه مسلم((1620))
عن
سعد، قال: قال رسول اللّه(ص): ((ساءلت ربي ثلاثا
فاءعطاني
اثنتين ومنعني واحدة،ساءلت ربي ان لا يهلك امتي
بالسنة((1621))
فاءعطانيها، وساءلته ان لا يهلك امتي
بالغرقفاءعطانيها، وساءلته ان لايجعل باءسهم
بينهم
فمنعنيها)). تعرف بهذا الحديث وغيره شدة حرصه(ص) على
ان يكون السلم دائما بينامته، فدعا اللّه تارة ان
لا يكون باءس
امته بينهم كما في حديث مسلم، وتارة ان يجعل معاوية
هاديامهديالانه بلا ريب يعلم ان معاوية اكبر من
يبغي ويجعل
باءس الامة بينها، فمل الدعوتين واحد،
وعدمالاجابة في حديث
مسلم تستلزم عدمها في حديث الترمذي، والمناسبة بل
التلازم
بينهما واضح بين، وفيمعنى حديث مسلم هذا جاءت
احاديث
كثيرة ومرجعها واحد.
الرواية الثانية :
اللهم علمه الكتاب والحساب
وقه العذاب:
في اسنادها الحارث بن زياد، وهو ضعيف مجهول كما
قاله ابن
ابي حاتم((1622))، عنابيه، وابن عبدالبر،
والذهبي،كما في
ميزان الاعتدال((1623)) (1/201)، وتهذيب التهذيب((1624))
(2/142)، ولسان الميزان((1625)) (2/149). وهوشاميغير
مكترث لرواية الموضوعات في طاغية الشام.
وان متنه لفي غنى عن اي تفنيد، فان المراد به اما
علم الكتاب
كله اوبعضه، ونحن لم نجد عنده شيئا من علمالكتاب
فضلا
عن كله، فان اعماله وتروكه مضادة كلها لمحكمات
الذكر
الحكيم، من ايذاء رسول اللّه(ص)بايذاء اهل بيته
وصلحاء امته،
ولا سيما صنوه وخليفته، المفروض طاعته، الذي هو
نفسه،
ومطهر عنايرجاسة في نصوص من الكتاب العزيز.
ومن ايذاء المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا
اثما، لمحض
ولائهم من قرن اللّه ولايته بولايته وولايةرسوله.
ومن القتل الذريع للصلحاء الابرار، لعدم نزولهم
على رغباته
الباطلة، وميوله واهوائه.
ومن الكذب الصراح، وكل فرية وبهت وافك وقول زور،
طفح
الكتاب بتحريمها النهائي.
ودع عنك بيع الخمر وشربها، واكل الربا، وتبديل سنة
اللّه التي
لا تبديل لها متى ما خالفت خطته السيئة،وتعديه حدود
اللّه،
ومن يتعد حدود اللّه فاءولئك هم الظالمون، الى
طامات
صافقت على خطرها الكتابضرورة الدين.
فالاعتقاد بجهله بكل هذه الموارد وماشاكلها خير له
من علمه
بها ومروقه عنها، وخروجه عن حكمالكتاب، ونبذه
اياه وراء
ظهره، كما ذهب اليه مولانا امير المؤمنين وامة
صالحة من
الصحابة، فالدعاءالمزعوم له قد عدته الاجابة في كل
ورد له
وصدر.
واما بعض الكتاب فما عسى ان يجديه نفعا ان كان يؤمن
ببعض
ويكفر ببعض؟ ولو كان يعرف من الكتابقوله تعالى: (
وان
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فاءصلحوا بينهما فان
بغت
احداهما على الاخرى فقاتلوا التيتبغي )((1626)).
وقوله تعالى: ( والذين ينقضون عهد اللّه من بعد
ميثاقه
ويقطعون ما امر اللّه به ان يوصل ويفسدون فيالارض
اولئك
لهم اللعنة ولهم سوء الدار )((1627)) وقوله تعالى: (انما
جزاء
الذين يحاربون اللّهورسولهويسعونفي الارض ف
سادا ان ى
قتلوا او يصلبوا او تقطع ايديهم وارجلهم من خلاف او
ينفوا
منالارض ذلكل هم خزي في الدنيا ولهم في الاخرة
عذاب
عظيم )((1628))
وقوله تعالى: ( والذين يؤذون
المؤمنينوالمؤمناتب غير ما اكتسبوا فقد
احتملوا بهتانا واثما
مبينا )((1629))
او كان يعرف شيئا من امثال هذه من
كتاباللّه، لكان يعرف حده ولم يتعد طوره.
ومما لا نشك فيه ان ابن حجر الذي يقول: لا شك ان
دعاءه(ص) مستجاب لا يؤول الرواية باءنه اريد بهاعلم
الكتاب لا
العمل به، وان ابى الزاعم الا ذلك، فياهبلته
الهبول.
وانا لا نعلم معنى الحساب وعلمه الذي جاء في هذه
الرواية
معطوفا على الكتاب، فاما ان يراد به تطبيقافعاله
وتروكه على
نواميس الشريعة المقررة،اوعلمه بكل ما يحاسب عليه
اللّه
عباده، فيخرج من العهدة منغير تبعة، او انه يحاسب
نفسه قبل
ان يحاسب بكل قول وعمل، او انه يقسم بالسوية فيعطي
كل
ذيحقحق ه، ولا يحيف في مال اللّه، ولا يميل في
اعطيات
الناس بمحاباة احد وقطع آخر من غير تخط عنسنن
الحق، او
انه يعرف فروض المواريث الحسابية، او انه يعلم
بقواعد
الحساب العددية من الجمعوالضرب والتقسيم
والتفريق والجبر
والمقابلة والخطاءين الى امثالها من اصول علم
الحساب.
اما ما قبل الاخيرين فان الرجل كان ياءثم بغير
حساب، ويقتل
بغير حساب،ويكذب بغير حساب،ويحيف بغير حساب، ويجهل
من معالم الدين بغير حساب، وان اخطاءه في الاجتهاد
المزعوم
بغير حساب،ويعطي ويمنع من غير حجة بغير حساب،
فياله
من دعاء لم يقرن بالاجابة في مورد من الموارد!
واما قواعد علم الحساب ويلحق بها فروض المواريث،
فماذا
الذي نجم منها بين معلومات معاوية وفتاواهغير جهل
شائن
مستوعب لكل ما ناء به من كل فرض وندب؟ ولم تعهد له
دراسة لهذه العلوم والقواعدحتى تتحقق بها اجابة
الدعوة
بتوفيق الهي.
واما جملة: وقه العذاب، فان صحت الرواية فانها تشبه
ان تكون
ترخيصا في المعصية لرجل مثل معاوية يلغفي المثم،
ويتورط
بالموبقات، ويرتطم في المهالك، فليس فيما سبرناه
واحصيناه
من افعاله وتروكه الا جنايات للعامة، وميول وشهوات
في
الخاصة، وحيف وميل في الحقوق، وبسط وقبض، واقصاء
وتقريبمن غير حق، فلا يكاد يخلو ماناء به من مثم
اوعد اللّه
تعالى فاعله بالنار، او محظور في الشريعة
يمقتصاحبها، او
عمل بغيض يمجه الحق، ويزور عنه الصواب، او بدع
محدثة في
منتاءى عن رضا الرب وتشريعالرسول(ص)، فان كان يوقى
مثل
هذا الانسان عن العذاب المجرئ له على الهلكات فاءين
مصب
الوعدالمعدلمن عصى اللّه ورسوله؟ ان اللّه لا يخلف
الميعاد، (
ام حسب الذين اجترحوا السيئات ان
نجعلهمكالذينآم نوا
وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما
يحكمون
)((1630)).
فالخضوع لمثل هذه الرواية على طرف النقيض من مسلمات
الشريعة بتحريم ما كان يستبيحة معاوية،ولذلك كان
يراه مولانا
امير المؤمنين ووجوه الصحابة الاولين من اهل النار((1631))،
مع ان هذا الموضوعالمفتعل كان بطبع الحال بمراى
منهم
ومسمع، الا ان يكون تاريخ ايلاده بعد صدور تلكم
الكلم القيمة.
ولو كان مثل معاوية يدرا عنه العذاب، ويدعى له
بالسلامة منه،
وحاله ما علمت، وكان رسول اللّه(ص)اعلم بها منك ومن
كل
احد، وعنده من حقوق الناسما لا يحصى مما لا تدركه
شفاعة
اي معصوم من دممسفوك، ومن مال منهوب، ومن عرض
مهتوك، ومن حرمة مضاعة، فما حال من ساواه في
الخلاعة، او
منهو دونه في النفاق والضلال؟ واي قيمة تبقى
سالمة
لتوعيدات الشريعة عندئذ؟ لاها اللّه، هذه امنية
حالمقطلا
تتحق ق، الا ان تكون تلك المحاباة تشريفا لابن ابي
سفيان
بخرق النواميس الالهية، والخروج عنحكم الكتاب
والسنة،
وتكريما لراية هند ومكانة حمامة، اذن فعلى الاسلام
السلام.
افمن الحق لمن له اقل المامة بالعلم والحديث ان
يركن الى
امثال هذه التافهات، ولا يقتنع بذلك حتى
يحتجبهالامامة
الرجل عن حق ، وصدق خلافته؟ كما فعله ابن حجر في
الصواعق((1632))،
وفي هامشه تطهيرالجنان((1633))
(ص32)، وكاءنه غض الطرف عن كل ما جاء في حق الرجل من
حديث وسيرة وتاريخ، واغضىعن كل ما انتهى اليه من
الاصول
المسلمة في الاسلام، وحرمات الدين. نعم، الحب يعمي
ويصم.
الرواية الثالثة :
اذا ملكت فاءحسن:
فهي وما في معناها من رواية: ان وليت فاتق اللّه
واعدل((1634))،
ورواية: اما انك ستلي امر امتي بعدي فاذا
كانذلك فاقبل من محسنهم، واعف عن مسيئهم. تنتهي
طرقها جميعا الى نفس معاوية، ولم يشترك في
روايتهااحد
غيره من الصحابة، فالاستناد اليه في اثبات اي فضيلة
له من
قبيل استشهاد الثعلب بذنبه، علىانالرجل غير
مقبول الرواية
ولا مرضى ها، فانه فاسق، فاجر، منافق، كذاب، مهتوك
ستره
بشهادة ممنعاشره وباشره، وسبرغوره، ودرس كتاب
نفسه،
وفيهم مثل مولانا امير المؤمنين صلوات اللّه
عليهوآخرون من
الصحابة العدول، وقد تقدم نص كلماتهم في هذا الجزء
(ص139
177) وتكفي في الجرحواحدة من تلكم الشهادات
المحفوظة
اهلها بالتورع عن كل سقطة في القول او العمل، فكيف
بها
جمعاء؟
وتؤيد هاتيك الشهادات بما اقترفه الرجل من الذنوب،
وكسبته
يده الاثيمة من جرائر وجرائم، ولفقها فيسبيل
شهواته من
شهادات مزورة، وكتب افتعلها على اناس من الصحابة،
ونسب
مكذوبة كان يريد بهاتشويه سمعة الامام صلوات اللّه
عليه وانى
له بذلك الى آخر ما اوقفناك على تفاصيله.
وان اخذناه بما حكاه ابن حجر في تهذيب التهذيب((1635))
(1/509) عن يحيى بن معين من قوله: كل من شتمعثمان او
طلحة او احدا من اصحاب رسول اللّه(ص) دجال لا يكتب
عنه،
وعليه لعنة اللّه والملائكة والناساجمعين، الى
كلمات
اخرىمرت (ص267) من هذا الجزء، فمعاوية في الرعيل
الاول
من الدجالين الذينلايكتب عنهم، وعليهم لعنة
اللّه والملائكة
والناس اجمعين، اذ هو الذي فعل ذلك المحظور بمثل
مولانا
اميرالمؤمنين وشبليه الامامين، وحبر الامة
عبداللّه بن العباس،
وقيس بن سعد، وهؤلاء كلهم اعيان
الصحابةووجهاؤهم، لا
يعدوهم اي فضل سبق لاحدهم، ولا ينتاءون عن اي مكرمة
لحقت بواحد منهم، وكانمعاوية قد استباح شتمهم،
والوقيعة
فيهم وفي كل صحابي احتذى مثالهم في ولاية امير
المؤمنين(ع)، ولميقنعه ذلك حتى قنت بلعنهم في
صلواته،
ورفع عقيرته به على صهوات المنابر، وامر بذلك حتى
عمت
البليةالبلاد والعباد، واتخذوها بدعة مخزية الى
ان لفظ نفسه
الاخير، واحتقبها من بعده خزاية موبقة ما دامت
لالحرب
دولة، واكتسحت معرتهم من اديم الارض.
افمثل هذا السباب الفاحش المتفحش تجوز الرواية
عنه،
ويخضع لما يرويه في دين او دنيا؟!
على ان في اسناد رواية: ان ملكت فاءحسن، عبد الملك
بن
عمر((1636))،
وقد جاء عن احمد((1637)): انه
مضطربالحديث جدا مع قلة روايته، ما ارى له
خمسمائة
حديث وقد غلط في كثير منها. وقال ابن منصور:
ضعفهاحمد
جدا. وعن ابن معين: مخلط. وقال العجلي: تغير حفظه قبل
موته. وقال ابن حبان((1638)) : مدلس((1639)).
وفيه: اسماعيل بن ابراهيم المهاجر، ضعفه ابن معين((1640))،
والنسائي((1641))، وابن الجارود، وقال ابو
داود: ضعيفضعيف
انا لا اكتب حديثه. وقال ابو حاتم((1642)): ليس بقوي. وقال
ابن حبان((1643)): كان فاحش الخطاء.
وقالالساجي: فيه
نظر((1644)).
فلمكان الرجلين نص الحافظ البيهقي على ضعفها،
واقره
الخفاجي في شرح الشفا: (3/161)، وعلي القاريفي شرحه
هامش شرح الخفاجي((1645)) (3/161).
واما مؤدى هذه الروايات الثلاث فكبقية اخبار
الملاحم، لا
يستنتج منها مدحلصاحبها او قدح، الا اذاقايسناها
باءعمال
معاوية المباينة لها في الخارج، المضادة لما جاء
فيها من العهد
والوصية، فلم يكن ممن ملكفاءحسن، ولا ممن ولي
فاتقى
وعدل، ولا ممن قبل من محسن، وعفا عن مسيء، فماذا
عسى
ان يجديه مثلهذه البشائر وليست هي ببشائر بل
اقامة حجة
عليه وهو غير متصف بما امر به فيها؟ وكل ماناء به
فيمنتاءى
عن الاحسان والعدل والتقوى، وكان(ص) يعلم انه لا
يعمل
بشيء من ذلك لكنه اراد اتمام الحجةعليه على
كونها تامة عليه
بعمومات الشريعة واطلاقاتها، فاءين هي من التبشير
باءن ما
يليه من الملكالعضوض ملوكية صالحة، فضلا عن
الخلافة عن
اللّه ورسوله(ص)؟ وقد جاء عنه(ص) في ذلك الملك
قوله:((ان
فيه هنات وهنات وهنات))((1646))، وقوله(ص): ((يا معاوية:
انك ان اتبعت عورات الناس افسدتهم اوكدت ان
تفسدهم))((1647))
الى كلمات اخرى فيه وفي ملكه.
ولو كان ابن حجر ممن يعرف لحن الكلام ومعاريض
المحاورات، ولم يكن في اذنه وقر، وفي بصره عمى
لعلمان
الروايات المذكورة باءن تكون ذموما لمعاوية اولى
من ان تكون
مدائح له لما قلناه، والا لما امر(ص) بقتلهاذا رئي
على منبره،
ولما اعلم الناس باءنه وطغمته هم الفئة الباغية
المتولية قتل
عمار، ولما رآه وحزبه منالقاسطين الذين يجب
قتالهم، ولما
امر خليفته حقا الامام امير المؤمنين (ع) بقتاله،
ولما حث
صحابته العدولبمناضلته ومكاشفته، ولما ولما...
ولو كانت هذه الروايات صادقة، وكانت بشائر، وقد
عرفتها
صحابة رسولاللّه(ص) كذلك، فلماذا كان ذلكاللوم
والتاءنيب
له من وجوه الصحابة؟ لما منته هواجسه بتسنم عرش
الخلافة،
والاقعاء على صدر دستها،وليس ذلك الا من ناحية
ادعائه ما
ليس له، وطمعه فيما لم يكن له بحق، ونزاعه في امر
ليس
للطلقاء فيهنصيب.
هذه عمدة ما جاء به ابن حجر في الدفاع عن معاوية،
واما بقية
كلامه المشوه بالسباب المقذع فنمر بهاكراما، اقرا
واحكم.
هاهنا قصرنا عن القول
وامسكناه عن الافاضة بانتهاء الجزء العاشر
وارجانا بقية البحث عن موبقات معاوية الى الجزء
الحادي عشر
وسيوافيك في المستقبل العاجل ان شاء اللّه تعالى
والحمد للّه اولا وآخرا وله الشكر
الصفحة
السابقة |