وبتصديره(ص) الكلام بقوله: «من كنت مولاه» نعلم انه على
هذا التقدير لا يريد من المحبة او النصرة الا ما هو علىالحد
الذي فيه(ص) منهما، فان حبه ونصرته لامته ليس كمثلهما
في افراد المؤمنين، وانما هو(ص) يحب امته فينصرهم،بما انه
زعيم دينهم ودنياهم، ومالك امرهم وكالئ حوزتهم، وحافظ
كيانهم، واولى بهم من انفسهم، فانه لو لم يفعل بهمذلك
لاجفلتهم الذئاب العادية، وانتاشتهم ((2300)) الوحوش
الكواسر، ومدت اليهم الايدي من كل صوب وحدب،
فمنغارات تشن، واموال تباح، ونفوس تزهق، وحرمات تهتك،
فينتقض غرض المولى من بث الدعوة، وبسط اديم الدين،ورفع
كلمة اللّه العليا، بتفرق هاتيك الجامعة، فمن كان في المحبة
والنصرة على هذا الحد فهو خليفة اللّه في ارضهوخليفة رسوله،
والمعنى على هذا الفرض لا يحتمل غير ما قلناه.
المعاني التي يمكن ارادتها من الحديث
لم يبق من المعاني الا الولي والاولى بالشيء والسيد غير
قسيميه: المالك والمعتق والمتصرف في الامر ومتوليه.
اما الولي فيجب ان يراد منه خصوص ما يراد في (الاولى) لعدم
صحة بقية المعاني كما عرفناكه، واما السيد ((2301))بالمعنى
المذكور فلا يبارح معنى الاولى بالشيء، لانه المتقدم على
غيره، لا سيما في كلمة يصف بها النبي(ص) نفسه، ثمابن عمه
على حذو ذلك، فمن المستحيل حمله على سيادة حصل
عليها السائد بالتغلب والظلم، وانما هي سيادة دينيةعامة يجب
اتباعها على المسودين اجمع.
وكذلك المتصرف في الامر، ذكره الرازي في تفسيره
((2302)) (6/210) عن القفال عند قوله تعالى: (واعتصموا باللّه
هومولاكم) الحج [78]: فقال: قال القفال: هو مولاكم، سيدكم
والمتصرف فيكم. وذكرهما سعيد الچلبي مفتي الروم
وشهابالدين احمد الخفاجي في تعليقيهما على البيضاوي،
وعده في الصواعق ((2303)) (ص25) من معانيه الحقيقية،
وحذاحذوه كمال الدين الجهرمي في ترجمة الصواعق، ومحمد
بن عبدالرسول البرزنجي في النواقض ((2304)) ،
والشيخعبدالحق في لمعاته، فلا يمكن في المقام الا ان يراد به
المتصرف الذي قيضه اللّه سبحانه لان يتبع، فيحدو البشر
الىسنن النجاح فهو اولى من غيره بانحاء التصرف في الجامعة
الانسانية، فليس هو الا نبيا مبعوثا، او اماما مفترض
الطاعةمنصوصا به من قبله بامر الهي لا يبارحه في اقواله
وافعاله، (وما ينطق عن الهوى # ان هو الا وحي يوحى((2305))
) .
وكذلك متولي الامر الذي عده من معاني المولى ابو العباس
المبرد، قال في قوله: (بان اللّه مولى الذين امنوا((2306)) )
:والولي والمولى معناهما سواء ، وهو الحقيق بخلقه المتولي
لامورهم ((2307)) ، وابو الحسن الواحدي فيتفسيرهالوسيط،
والقرطبيفي تفسيره ((2308)) (4/232) في قوله تعالى في
ال عمران [150( ]بل اللّه مولاكم) ، وابن الاثير فيالنهاية
(4/246)، والزبيدي في تاج العروس (10/398)، وابن ((2309))
منظور فيلسان العرب ((2310)) ، وقالوا: ومنهالحديث: «ايما
امراة نكحت بغير اذن مولاها فنكاحها 3باطل»، وفي رواية:
(وليها)، اي متولي امرها، والبيضاوي((2311)) في تفسير قوله
تعالى: (ما كتب اللّه لنا هو مولانا) التوبة [51] في تفسيره
(1/505)، وفي قوله تعالى:(واعتصموا باللّههو مولاكم)
الحج[78] (2/114)، وفي قوله تعالى: (واللّه مولاكم) التحريم
[2] (2/530)، وابو السعود العمادي ((2312))فيتفسير قوله
تعالى: (واللّه مولاكم) التحريم هامش تفسير الرازي (8/183)،
وفي قوله تعالى: (هي مولاكم)، والراغب فيالمفردات
((2313)) ، وعن احمد بن الحسن الزاهد الدرواجكي في
تفسيره: المولى في اللغة من يتولى مصالحك، فهومولاك، يلي
القيام بامورك، وينصرك على اعدائك، ولهذا سمي ابن العم
والمعتق مولى، ثم صار اسما لمن لزم الشيء،والزمخشري في
الكشاف ((2314)) ، وابو العباس احمد بن يوسف الشيباني
الكواشي المتوفى سنة (680) فيتلخيصه، والنسفي
في تفسير قوله تعالى: (انت مولانا((2316)) ) ، ((2315))
والنيسابوري في غرائب القران ((2317)) فيقوله تعالى: (انت
مولانا) وقوله تعالى: (فاعلموا ان اللّه مولاكم((2318)) ) ، وقوله
تعالى: (هي مولاكم)، وقال القسطلاني((2319)) في حديث مر
في (ص318) عن البخاري ومسلم في قوله(ص): «انا مولاه» :
اي ولي الميت اتولى عنهاموره، والسيوطي في تفسير الجلالين
((2320)) في قوله تعالى: (انت مولانا)، وقوله: (فاعلموا ان اللّه
مولاكم)، وقوله: (لن يصيبناالا ما كتب اللّه لنا هو مولانا)، فهذا
المعنى لا يبارح ايضا معنى الاولى، لا سيما بمعناه الذي يصف
به صاحب الرسالة(ص)نفسه على تقدير ارادته.
الحقيقة من معانى المولى ليس الا الاولى
بالشىء
على ان الذي نرتئيه في خصوص المقام بعد الخوض في غمار
اللغة، ومجاميع الادب، وجوامع العربية : ان الحقيقةمن معاني
المولى ليس الا الاولى بالشيء، وهو الجامع لهاتيك المعاني
جمعاء، وماخوذ في كل منها بنوع من العناية،ولم يطلق لفظ
المولى على شيء منها الا بمناسبة هذا المعنى:
1 فالرب سبحانه هو اولى بخلقه من اي قاهر عليهم، خلق
العالمين كما شاءت حكمته، ويتصرف بمشيئته.
2 والعم اولى الناس بكلاءة ابن اخيه والحنان عليه، وهو القائم
مقام والده الذي كان اولى به.
3 وابن العم اولى بالاتحاد والمعاضدة مع ابن عمه لانهما
غصنا شجرة واحدة.3
4 والابن اولى الناس بالطاعة لابيه والخضوع له ، قال اللّه
تعالى: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) ((2321)) .
5 وابن الاخت ايضا اولى الناس بالخضوع لخاله الذي هو
شقيق امه.
6 والمعتق بالكسر اولى بالتفضل على من اعتقه من غيره.
7 والمعتق بالفتح اولى بان يعرف جميل من اعتقه عليه،
ويشكره بالخضوع بالطاعة.
8 والعبد ايضا اولى بالانقياد لمولاه من غيره، وهو واجبه الذي
نيطت سعادته به.
9 والمالك اولى بكلاءة مماليكه وامرهم والتصرف فيهم بما
دون حد الظلم.
10 والتابع اولى بمناصرة متبوعه ممن لا يتبعه.
11 والمنعم عليه اولى بشكر منعمه من غيره.
12 والشريك اولى برعاية حقوق الشركة وحفظ صاحبه عن
الاضرار.
13 والامر في الحليف واضح، فهو اولى بالنهوض بحفظ من
حالفه ودفع عادية الجور عنه.
14 وكذلك الصاحب اولى بان يؤدي حقوق الصحبة من غيره.
15 كما ان الجار اولى بالقيام بحفظ حقوق الجوار كلها من
البعداء.
16 ومثلها النزيل، فهو اولى بتقدير من اوى اليهم ولجا الى
ساحتهم وامن في جوارهم.
17 والصهر اولى بان يرعى حقوق من صاهره، فشد بهم ازره،
وقوى امره، وفي الحديث: «الاباء ثلاثة: اب ولدك،واب زوجك،
واب علمك».
18 واعطف عليها القريب الذي هو اولى بامر القريبين منه
والدفاع عنهم والسعي وراء صالحهم.
19 والمنعم اولى بالفضل على من انعم عليه، وان يتبع
الحسنة بالحسنة.
20 والعقيد كالحليف في اولوية المناصرة له مع عاقده،
ومثلهما.
21 ، 22 المحب والناصر، فان كلا منهما اولى بالدفاع عمن
احبه، او التزمبنصرته.
23 وقد عرفت الحال في الولي.
24 والسيد.
25 والمتصرف في الامر.
26 والمتولي له.
اذن فليس للمولى الا معنى واحد وهو الاولى بالشيء ، وتختلف
هذه الاولوية بحسب الاستعمال في كل من موارده،فالاشتراك
معنوي، وهو اولى من الاشتراك اللفظي المستدعي لاوضاع
كثيرة غير معلومة بنص ثابت، والمنفية بالاصلالمحكم.
وقد سبقنا الى بعض هذه النظرية شمس الدين بن البطريق في
العمدة ((2322)) (ص56)، وهو احد اعلام الطائفة فيالقرن
السادس، وتطفح بشيء من ذلك كلمات غير واحد من علماء
اهل السنة ((2323)) ، حيث ذكروا المناسبات فيجملة من
معاني المولى تشبه ما ذكرنا.
ويكشف عن كون المعنى المقصود (الاولى) هو المتبادر من
المولى اذا اطلق، كما ياتي بيانه عن بعض في الكلماتحول
المفاد ما رواه مسلم باسناده في صحيحه ((2324)) (ص197)
عن رسول اللّه(ص): «لا يقل العبد لسيده مولاي»،وزاد في
حديث ابي معاوية: «فان مولاكم اللّه»، واخرجه غير واحد من
ائمة الحديث في تاليفهم.
القرائن المعينة متصلة ومنفصلة
الى هنا لم يبق للباحث ملتحد عن البخوغ لمجيء المولى
بمعنى الاولى بالشيء وان تنازلنا الى انه احد معانيه، وانه
منالمشترك اللفظي، فان للحديث قرائن متصلة واخرى
منفصلة تنفي ارادة غيره، فاليك البيان:
القرينة الاولى :
مقدمة الحديث، وهي قوله(ص): «الست اولى بكم من انفسكم»،
او ما يؤدي مؤداه من الفاظ متقاربة، ثم فرع علىذلك قوله:
«فمن كنت مولاه فعلي مولاه»، وقد رواها الكثيرون من علماء
الفريقين، فمن حفاظ اهل السنة وائمتهم:
1 احمد بن حنبل. 2 ابن ماجة. 3 النسائي.
4 الشيباني.5 ابو يعلى.6 الطبري.
7 الترمذي.8 الطحاوي.9 ابن عقدة.
10 العنبري.11 ابو حاتم.12 الطبراني.
13 القطيعي.14 ابن بطة.15 الدارقطني.
16 الذهبي.17 الحاكم.18 الثعلبي.
19 ابو نعيم.20 ابن السمان.21 البيهقي.
22 الخطيب.23 السجستاني.24 ابن المغازلي.
25 الحسكاني.26 العاصمي.27 الخلعي.
28 السمعاني.29 الخوارزمي.30 البيضاوي.
31 الملا .32 ابن عساكر.33 ابو موسى.
34 ابو الفرج.35 ابن الاثير.36 ضياء الدين.
37 قزاوغلي.38 الكنجي.39 التفتازاني.
40 محب الدين.41 الوصابي.42 الحموئي.
43 الايجي.44 ولي الدين.45 الزرندي.
46 ابن كثير.47 الشريف.48 شهاب الدين.
49 الجزري.50 المقريزي.51 ابن الصباغ.
52 الهيثمي.53 الميبذي.54 ابن حجر.
55 اصيل الدين.56 السمهودي.57 كمال الدين.
58 البدخشي.59 الشيخاني.60 السيوطي.
61 الحلبي. 62 ابن باكثير. 63 السهارنپوري.
64 ابن حجر المكي.
وقد المعنا الى موارد ذكر المقدمة بتعيين الجزء والصفحات
من كتب هؤلاء الاعلام فيما اسلفناه عند بيان طرق الحديثعن
الصحابة والتابعين، وهناك جمع اخرون من رواتها لا يستهان
بعدتهم لا نطيل بذكرهم المقال، اضف الى ذلك منرواها من
علماء الشيعة الذين لا يحصى عددهم.
فهذه المقدمة من الصحيح الثابت الذي لا محيد عن الاعتراف
به، كما صرح بذلك غير واحد من الاعلام المذكورين((2325))
فلو كان(ص) يريد في كلامه غير المعنى الذي صرح به في
المقدمة لعاد لفظه ونجله عن كل سقطة محلولالعرى،
مختزلا بعضه عن بعض، وكان في معزل عن البلاغة وهو افصح
البلغاء، وابلغ من نطق بالضاد، فلا مساغ فيالاذعان بارتباط
اجزاء كلامه، وهو الحق في كل قول يلفظه عن وحي يوحى، الا
ان نقول باتحاد المعنى في المقدمةوذيها.
ويزيدك وضوحا وبيانا ما في التذكرة لسبط ابن الجوزي
الحنفي ((2326)) (ص20)،فانه بعد عد معان عشرة
للمولىوجعل عاشرها الاولى، قال:3
والمراد من الحديث: الطاعة المخصوصة، فتعين الوجه العاشر
وهو الاولى، ومعناه: من كنت اولى به من نفسه فعلي اولىبه،
وقد صرح بهذا المعنى الحافظ ابو الفرج يحيى بن سعيد الثقفي
الاصبهاني في كتابه المسمى بمرج البحرين، فانهروى هذا
الحديث باسناده الى مشايخه، وقال فيه: فاخذ رسول اللّه(ص)
بيد علي فقال: «من كنت وليه واولى به مننفسه فعلي وليه»،
فعلم ان جميع المعاني راجعة الى الوجه العاشر، ودل عليه ايضا
قوله(ع): «الست اولى بالمؤمنينمن انفسهم» وهذا نص صريح
في اثبات امامته وقبول طاعته.
ونص ابن طلحة الشافعي في مطالب السؤول (ص16) على
ذهاب طائفة الى حمل اللفظ في الحديث على
الاولى،وسيوافيك نظير هذه الجمل في محله ان شاء اللّهتعالى.
القرينة الثانية :
ذيل الحديث، وهو قوله(ص): «اللهم وال من والاه، وعاد من
عاداه» وفي جملة من طرقه بزيادة قوله: «وانصر مننصره،
واخذل من خذله» او ما يؤدي مؤداه، وقد اسلفنا ذكر الجماهير
الراوين له، فلا موجب الى التطويل باعادةذكرهم، ومر عليك
في ذكر الكلمات الماثورة حول سند الحديث (ص266 281)
بان تصحيح كثير من العلماء لهمصبه الحديث مع ذيله، وفي
وسع الباحث ان يقرب كونه قرينة للمدعى بوجوه لا تلتئم الا
مع معنى الاولوية الملازمةللامامة:
احدها: انه(ص) لما صدع بما خول اللّه سبحانه وصيه من المقام
الشامخ بالرئاسة العامة على الامة جمعاء، والامامةالمطلقة من
بعده، كان يعلم بطبع الحال ان تمام هذا الامر بتوفر الجنود
والاعوان وطاعة اصحاب الولايات والعمال مععلمه بانفي
الملا من يحسده، كما ورد في الكتاب العزيز ((2327)) ، وفيهم
من يحقد عليه ، وفي زمر المنافقين منيضمر له العداء لاوتار
جاهلية، وستكون من بعده هنات تجلبها النهمة والشره من
ارباب المطامع لطلب الولاياتوالتفضيل في العطاء، ولا يدع
الحقعليا(ع) ان يسعفهم بمبتغاهم، لعدم الحنكة والجدارة
فيهم فيقلبون عليه ظهرالمجن،وقد اخبر(ص) مجمل الحال
بقوله: «ان تؤمروا عليا ولا اراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا»،
وفي لفظ: «انتستخلفوا عليا وما اراكم فاعلين تجدوه هاديا
مهديا» راجع (ص12 و13) من هذا الكتاب.
فطفق(ص) يدعو لمن والاه ونصره، وعلى من عاداه وخذله،
ليتم له امر الخلافة، وليعلم الناس ان موالاته مجلبة لموالاةاللّه
سبحانه، وان عداءه وخذلانه مدعاة لغضب اللّه وسخطه،
فيزدلف الى الحق واهله، ومثل هذا الدعاء بلفظ العام لايكون الا
في من هذا شانه، ولذلك ان افراد المؤمنين الذين اوجب اللّه
محبة بعضهم لبعض لم يؤثر فيهم هذا القول، فانمنافرة
بعضهم لبعض جزئيات لا تبلغ هذا المبلغ، وانما يحصل مثله
فيما اذا كان المدعو له دعامة الدين، وعلم الاسلام،وامام الامة،
وبالتثبيط عنه يكون فت في عضد الحق وانحلال لعرى
الاسلام.
ثانيها: ان هذا الدعاء بعمومه الافرادي بالموصول، والازماني
والاحوالي بحذف المتعلق يدل على عصمة الامام(ع)لافادته
وجوب موالاته ونصرته والانحياز عن العداء له وخذلانه على كل
احد في كل حين وعلى كل حال، وذلكيوجب ان يكون(ع) في
كل تلك الاحوال على صفة لا تصدر منه معصية، ولا يقول الا
الحق، ولا يعمل الا به، ولا يكونالا معه، لانه لو صدر منه شيء
من المعصية لوجب الانكار عليه ونصب العداء له، لعمله المنكر
والتخذيل عنه، فحيثلم يستثن(ص) من لفظه العام شيئا من
اطواره وازمانه علمنا انه لم يكن(ع) في كل تلك المدد
والاطوار الا على الصفةالتي ذكرناها، وصاحب هذه الصفة يجب
ان يكون اماما لقبح ان يؤمه من هو دونه على ما هو المقرر في
محله، واذاكان اماما فهو اولى بالناس منهم بانفسهم.
ثالثها: ان الانسب بهذا الدعاء الذي ذيل(ص) به كلامه، ولا بد
انه مرتبط بما قبله ان يكون غرضه(ص) بيان تكليف
علىالحاضرين من فرض الطاعة ووجوب الموالاة، فيكون في
الدعاء ترغيب لهم على الطاعة والخضوع له، وتحذير
عنالتمردوالجموح تجاه امره، وذلك لا يكون الا اذا نزلنا
المولى بمعنى الاولى، بخلاف ما اذا كان 3 المراد به المحب
اوالناصر، فانه حينئذ لم يعلم الا ان عليا(ع) محب من يحبه
رسول اللّه(ص) او ينصر من ينصره، فيناسب اذن ان يكونالدعاء
له ان قام بالمحبة او النصرة، لا للناس عامة ان نهضوا بموالاته،
وعليهم ان تظاهروا بنصب العداء له، الا ان يكونالغرض بذلك
توكيد الصلات الودية بينه وبين الامة اذا علموا انه يحب وينصر
كل فرد منهم في كل حال وفي كل زمان،كما ان النبي(ص)
كذلك، فهو يخلفه عليهم، وبذلك يكون لهم منجاة من كل
هلكة، وماوى من كل خوف، وملجا من كلضعة، شان الملوك
ورعاياهم، والامراء والسوقة، فانهما في النبي(ص) على هذه
الصفة، فلا بد ان يكونا فيمن يحذوحذوه ايضا كذلك، والا
لاختل سياق الكلام، فالمعنى على ما وصفناه بعد المماشاة مع
القوم متحد مع معنى الامامة،ومؤد مفاد الاولى.
وللحديث الفاظ اثبتها حفاظ الحديث متصلة به في مختلف
تخريجاتهم لاتلتئم الا مع المعنى الذي حاولنا منالمولى.
القرينة الثالثة :
قوله(ص): «يا ايها الناس بم تشهدون؟ قالوا: نشهد ان لا اله الا
اللّه. قال: ثم مه؟ قالوا: وان محمدا عبده ورسوله. قال:فمن
وليكم؟ قالوا: اللّه ورسوله مولانا.
ثم ضرب بيده الى عضد علي، فاقامه، فقال: من يكن اللّه
ورسوله مولاه فان هذا مولاه...».
هذا لفظ جرير، وقريب منه لفظ امير المؤمنين(ع) ولفظ زيد
بن ارقم وعامر ابن ليلى، وفي لفظ حذيفة بن اسيد
بسندصحيح:
«الستم تشهدون ان لا اله الا اللّه وان محمدا عبده ورسوله؟...
الى ان قال :
قالوا: بلى نشهد بذلك.
قال: اللهم اشهد، ثم قال: يا ايها الناس ان اللّه مولاي وانا مولى
المؤمنين، وانا اولى بهم من انفسهم، فمن كنت مولاه
فهذامولاه». يعني عليا ((2328)) .
فان وقوع الولاية في سياق الشهادة بالتوحيد والرسالة وسردها
عقيب المولوية المطلقة للّه سبحانه ولرسوله من بعده لايمكن
الا ان يراد بها معنى الامامةالملازمة للاولوية على الناس منهم
بانفسهم.
القرينة الرابعة :
قوله(ص) عقيب لفظ الحديث: «اللّه اكبر على اكمال الدين،
واتمام النعمة، ورضا الرب برسالتي، والولاية لعلي بن
ابيطالب».
وفي لفظ شيخ الاسلام الحموئي ((2329)) : «اللّه اكبر، تمام
نبوتي وتمام دين اللّه ولاية علي بعدي» ((2330)) .
فاي معنى تراه يكمل به الدين، ويتم النعمة، ويرضي الرب في
عداد الرسالة غير الامامة التي بها تمام امرها وكمالنشرها
وتوطيد دعائمها؟ اذن فالناهض بذلك العبء المقدس اولى
الناس منهم بانفسهم.
القرينة الخامسة :
قوله(ص) قبل بيان الولاية: «كاني دعيت فاجبت»، او: «انه
يوشك ان ادعى فاجيب»، او: «الا واني اوشك انافارقكم»، او:
«يوشك ان ياتي رسول ربي فاجيب»، وقد تكرر ذكره عند حفاظ
الحديث كما مر ((2331)) .
وهو يعطينا علما بانه(ص) كان قد بقي من تبليغه مهمة يحاذر
ان يدركه الاجل قبل الاشادة بها، ولولا الهتاف بها بقي مابلغه
مخدجا، ولم يذكر(ص) بعد هذا الاهتمام الا ولاية امير
المؤمنين وولاية عترته الطاهرة الذين يقدمهم هو صلواتاللّه
عليه كما في نقل مسلم ((2332)) ، فهل من الجائز ان تكون
تلك المهمة المنطبقة على هذه الولاية الا معنى
الامامةالمصرح بها في غير واحد من الصحاح؟ وهل صاحبها الا
اولى الناس بانفسهم؟
القرينة السادسة :
قوله(ص) بعد بيان الولاية لعلي(ع):
«هنئوني هنئوني ان اللّه تعالى خصني بالنبوة، وخص اهل بيتي
بالامامة» كمامر (ص274)، فصريح العبارة هو
الامامةالمخصوصة باهل بيته الذين سيدهم والمقدم فيهم هو
امير المؤمنين(ع) ، وكان هو المراد في الوقت الحاضر.
ثم نفس التهنئة والبيعة والمصافقة والاحتفال بها واتصالها
ثلاثة ايام، كما مرت هذه كلها (ص269 283) لا تلائم
غيرمعنى الخلافة والاولوية، ولذلك ترى الشيخين ابا بكر وعمر
لقيا امير المؤمنين فهناه بالولاية. وفيها بيان لمعنى
المولىالذي لهج به(ص)، فلا يكون المتحلي به الا اولى الناس
منهم بانفسهم.
«اللهم انت شهيد عليهم اني قد بلغت ونصحت». فالاشهاد على
الامة بالبلاغ والنصح يستدعي ان يكون ما بلغه(ص)ذلك اليوم
امرا جديدا لم يكن قد بلغه قبل. مضافا الى ان بقية معاني
المولى العامة بين افراد المسلمين من الحبوالنصرة لاتتصور
فيها اي حاجة الى الاشهاد على الامة في علي خاصة، الا ان
تكون فيه على الحد الذي بيناه.
«ان اللّه ارسلني برسالة ضاق بها صدري، وظننت ان الناس
مكذبي فاوعدني لا بلغها او ليعذبني».
ومر في (ص221) بلفظ: «ان اللّه بعثني برسالة، فضقت بها ذرعا،
وعرفت ان الناس مكذبي، فوعدني لا بلغن، اوليعذبني».
و(ص166) بلفظ: «اني راجعت ربي خشية طعن اهل النفاق
ومكذبيهم فاوعدني لابلغها او ليعذبني».
ومر (ص51): «لما امر النبي ان يقوم بعلي بن ابي طالب المقام
الذي قام به فانطلق النبي(ص) الى مكة، فقال: رايتالناس
حديثي عهد بكفر بجاهلية، ومتى افعل هذا به يقولوا: صنع هذا
بابن عمه. ثم مضى حتى قضى حجة الوداع».الحديث.
ومر (ص219): ان اللّه امر محمدا ان ينصب عليا للناس،
فيخبرهم بولايته، فتخوف النبي(ص) ان يقولوا: حابى ابن
عمه،وان يطعنوا في ذلك عليه. الحديث.
ومر (ص217): لما امر اللّه رسوله(ص) ان يقوم بعلي، فيقول له
ما قال، فقال:«يا رب ان قومي حديثو عهد بجاهلية» آكذا في
النسخ ثم مضى بحجه، فلما اقبل راجعا نزل بغدير خم.
الحديث.
ومر (ص217): لما جاء جبرئيل بامر الولاية ضاق النبي(ص)
بذلك ذرعا، وقال: «قومي حديثو عهد بالجاهلية»،فنزلت: (يا
ايها الرسول) الاية.
هذه كلها تنم عن نبا عظيم كان يخشى في بثه بوادر اهل
النفاق وتكذيبهم، فالذي كان يحاذره(ص) ويتحقق به القول
بانهحابى ابن عمه يستدعي ان يكون امرا يخص امير المؤمنين،
لا شيئا يشاركه فيه المسلمون اجمع من النصرة والمحبة،وما
هو الا الاولوية بالامر وما جرى مجراها من المعاني.
فوجبت واللّه في رقاب القوم، في لفظ. وفي اعناق القوم،في
اخر، فهو يعطي ثبوت معنى جديد مستفاد من الحديث غير ما
عرفه المسلمون قبل ذلك وثبت لكل فرد منهم، واكدذلك
باليمين وهو معنى عظيم يلزم الرقاب، وياخذ بالاعناق لدة
الاقرار بالرسالة، لم يساو الامام(ع) فيه غيره، وليس هوالا
الخلافة التي امتاز بها من بين المجتمع الاسلامي، ولا يبارحه
معنى الاولوية.
ان ختنا له ساله عن حديث غدير خم، فقال له: انتم اهل العراق
فيكم ما فيكم.
فقلت له: ليس عليك مني باس.3
فقال: نعم، كنا بالجحفة فخرج رسول اللّه....
ومر (ص24) عن عبداللّه بن العلاء انه قال للزهري لما حدثه
بحديث الغدير: لا تحدث بهذا بالشام. واسلفناك(ص273) عن
سعيد بن المسيب انه قال: قلت لسعد بن ابي وقاص: اني اريد
ان اسالك عن شيء واني اتقيك. قال: سلعما بدا لك فانما انا
عمك....
فان الظاهر من هذه كلها انه كان بين الناس للحديث معنى لا
يامن معه راويه من ان يصيبه سوء اولدته العداوة للوصي
آصلوات اللّه عليه في العراق وفي الشام، ولذلك ان زيدا اتقى
ختنه العراقي، وهو يعلم ما في العراقيين من النفاقوالشقاق
يوم ذاك، فلم يبد بسره حتى امن من بوادره، فحدثه بالحديث،
وليس من الجائز ان يكون المعنى حينئذ آهو ذلك المبتذل
لكل مسلم، وانما هو معنى ينوء بعبئه الامام(ع) بمفرده،
فيفضل بذلك على من سواه، وهو معنى الخلافةالمتحدة مع
الاولوية المرادة.
|