وذكر ابن كثير في تاريخه (7/212) وقال: روى الحسن بن
عرفة عن محمد بن القاسم الاسدي الشامي عن‏الاوزاعي
الشامي عن حسان بن عطية الدمشقي عن النبي (ص) مرسلا
انه قال لعثمان: غفر اللّه لك ماقدمت وما اخرت وما اسررت وما
اعلنت وما كان منك وما هو كائن الى يوم القيامة.
قال الاميني : لو لم يكن في اسناد هذه الاكذوبة المرسلة الا
محمد بن القاسم الذي كان عثمانيا كما قاله‏العجلي ((1252))
لكفاه وهنا، ايخفى على ابن كثير المحتج بها قول النسائي
((1253)) في محمد بن القاسم: انه ليس بثقة كذبه‏احمد؟ ام
قول الترمذي: تكلم فيه احمد وضعفه؟ ام قول ابي حاتم
((1254)): ليس بقوي لا يعجبني حديثه؟ ام قول‏ابي داود: انه
غير ثقة ولا مامون احاديثه موضوعة؟ ام قول ابن عدي
((1255)): عامة ما يرويه لا يتابع عليه؟ ام‏قول البراء: حدث
باحاديث لم يتابع عليها؟ ام قول الدارقطني ((1256)): كذاب؟
ام قول ابن القاسم: احاديثه‏موضوعة ليس بشي‏ء؟ ام قول
البخاري ((1257)) عن‏احمد ((1258)): رمينا حديثه؟ ام قوله
في موضع آخر: كذبه احمد؟ ام‏قول ابن حبان ((1259)): يروي
عن الثقات ما ليس من احاديثهم، لا يجوز الاحتجاج به؟ ام قول
العقيلي ((1260)): يعرف‏وينكر، تركه احمد وقال: احاديثه
احاديث سوء؟ ام قول ابي احمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم؟
ام قول‏البغوي: ضعيف الحديث؟ ام قول الازدي: متروك
. ((1261))
وهذا كاف في وهن السند وبطلانه، وان غضضنا الطرف عن
بقية ما فيه من الشاميين اعداء الحق واضدادالعترة الطاهرة
صلوات اللّه عليهم، وما فيه من الارسال الموهن للرواية، ودع
عنك ما في متنه ممايضادالاصول المسلمة من الترخيص في
المعصية مما هو كائن الى يوم القيامة، فهو يوجب التجري
على‏المعاصي فيما يستقبل الرجل من الايام، واي انسان غير
معصوم يقال له: ان كل ما سوف ترتكبه من المثم‏مغفور لك،
فلا تحدوه شهواته الى توهين اقترافها، واستسهال ركوبها.
والشهوة غريزة في الانسان تقوده الى‏مهاوي الهلكة كل حين،
والمعصوم من عصمه اللّه تعالى.
نعم، حقا يقال: ان سيرة عثمان تصدق هذه الرواية، فانها لا
تشبه الا سيرة من رخص بالمثم، واذن في‏اقتحام الطامات
والموبقات، وبشر بغفران هناته وعثراته، فكان غير مكترث
لمغبة فعاله، ولا مبال بمعرة‏مقاله.
وهب ان الحسنات يذهبن السيئات من غير حقوق الناس
والكبائر المخرجة عن الدين التي سلفت من‏الانسان، ولكن اي
عمل بار في الشريعة ولا اقول من اعمال عثمان فحسب
يبيح للمكلف السيئات فيماياتي من عمره الى يوم القيامة
ويبشره بالمغفرة فيها جمعاء؟ وليس في ميزان الاعمال ما هو
ارجح من‏الايمان ومع‏ذلك فهو غير ممتاز عما سواه بمغفرة ما
ياتي به صاحبه في المستقبل، وانما يجب ما قبله:(والذين‏آم نوا
وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من
ربهم كفر عنهم سيئاتهم واصلح‏ب‏الهم) ((1262))، والا
لبطلت المواعيد والعقوبات المتوجه خطابها الى المؤمنين
اجمع.
وانا لم نجد في اعمال عثمان عملا بارا يستدعي هذه المغالاة
الخارجة عن اصول الاسلام، غير ما انفقه على‏جيش العسرة ان
صح من ذلك شي‏ء، وما خسره على بئر رومة، وقد علمت ان
جيش العسرة انفق عليه‏غيره ما هو اكثر مما انفقه هو، وما اكثر
من حفر الابار وكرى الانهار وسبل مياهها للمسلمين، فلو
كان‏عمل عثمان هذا يستدعي المغفرة الى يوم القيامة لوجب
ان يغفر لاولئك الاقوام والامم ذنوبهم الى ما بعدالقيامة بفئام
وفئام، لكن الحظوظ ساعدت عثمان ولم تساعدهم. فتبصر
واعجب!
وهل علمت الصحابة بهذا الغفران ثم نقموا عليه ما كان ينجم
منه من هنات‏بعد هنات فلم يغفروها له‏مخالفين للّه ولرسوله
(ص) وهم عدول؟ او انهم سمعوا هذه الافيكة ثم اودعوها في
محفظة الاباطيل؟ غيران ظني بها ان ميلادها بعد واقعة الدار
وانها كانت في اصلاب الوضاعين عند الحصارين، وفي
حش‏كوكب،وفي مقبرة اليهود، ولم تلدها بعد امه ا العاقر، حتى
فسح المجال لاستيلادها على ايدي قوابل عهد معاوية فمابعد.
30 اخرج احمد في مسنده ((1263)) (1/70) عن بهز ابي
الاسود البصري، عن ابي عوانة الوضاح البصري، عن‏حصين، عن
عمرو بن جاوان البصري، عن الاحنف ابن قيس البصري، قال:
انطلقنا حجاجا فمررنابالمدينة، فبينما نحن في منزلنا اذ جاءنا
آت فقال: الناس من فزع في المسجد. فانطلقت انا وصاحبي
فاذاالناس مجتمعون‏على نفر في المسجد، قال: فتخللتهم
حتى قمت عليهم فاذا علي بن ابي طالب والزبير وطلحة‏وسعد
بن ابي وقاص، قال: فلم يكن ذلك باسرع من ان جاء عثمان
يمشي فقال: اهاهنا علي؟ قالوا: نعم. قال‏اهاهنا طلحة؟ قالوا:
نعم. قال: اهاهنا سعد؟ قالوا: نعم. قال: انشدكم باللّه الذي لا اله
الا هو اتعلمون ان‏رسول اللّه (ص) قال: من يبتاع مربد بني فلان
غفر اللّه له فابتعته فاتيت رسول اللّه (ص) فقلت: اني قدابتعته،
فقال: اجعله في مسجدنا واجره لك؟ قالوا: نعم. قال: انشدكم
باللّه الذي لا اله الا هو اتعلمون ان‏رسول اللّه (ص) قال: من
يبتاع بئر رومة، فابتعتها بكذا وكذا فاتيت رسول اللّه (ص)
فقلت: اني قدابتعتها يعني بئر رومة فقال: اجعلها سقاية
للمسلمين واجرها لك؟ قالوا: نعم. قال: انشدكم باللّه الذي لااله
الا هو اتعلمون ان رسول اللّه (ص) نظر في وجوه القوم يوم
جيش العسرة فقال: من يجهز هؤلاء غفراللّه له، فجهزتهم حتى
ما يفقدون خطاما ولا عقالا؟ قالوا: اللهم نعم. قال اللهم اشهد،
اللهم‏اشهد، الل هم‏اشهد. ثم انصرف. واخرجه البيهقي في
السنن الكبرى (6/167) بالاسناد المذكور.
قال الاميني : زعم البصريون جند المراة انهم يسعهم تدارك
تجمهر صلحاء البصرة على عثمان بتسطير امثال‏هذه الافائك
المفتعلة، وحسبوا انهم يبررون ساحة الرجل من تلكم الهنات
الموبقة التي سجلها له التاريخ،ذاهلين عن ان صحة هذه
الاساطير تزيد عليه وبالا، فبعد ما سمع اعاظم الصحابة حجاجه
هذا، وقرعت‏سمعهم تلكم المناشدات وما اصاخوا اليها، وما
زحزحوا عما كانوا عليه من خذلانه‏الى التاليب عليه الى‏الوقيعة
فيه بكل ما يوهنه ويزريه الى قتله الى كسر اضالعه الى رمي
جنازته الى دفنه في مقابر اليهود، وبعدما اصرت الامة على
مقته مجمعة على النقمة عليه وهي لا تجتمع على الخطا كما
يحسبون، لم يبق للرجل‏اي‏قيمة في سوق الاعتبار وان اختلقت
يد الافتعال له الف اسطورة.
وتحص ل مما قدمناه ان الاجور المذكورة على تقدير الصحة
كانت مرتبة على الاعمال‏ولم‏تكن‏حقوقاثابتة‏للرجال فهي‏تدور
مع‏الاعمال ان لم‏يبطلها ما هو اقوى منها كما هو الحال في
المقتضيات‏المقارنة بالموانع، وكان معتقد القوم فيما
استنشدهم عثمان انها مقرونة بها، فلذلك لم يقيموا لكل ما
استنشدهم‏فيه‏وزنا ان كانت‏للمزاعم حقيقة.
ومنها:
31 اخرج البيهقي في السنن الكبرى (6/167)، من طريق ابي
اسحاق السبيعي، عن ابي عبدالرحمن‏السلمي، قال: لما حصر
عثمان بن عفان (رضى‏ا...عنه) واحيط بداره اشرف على الناس،
فقال: انشدكم باللّههل تعلمون ان رسول اللّه (ص) كان على
جبل حراء فقال: اسكن حراء فما عليك الا نبي او صديق
اوشهيد؟ قالوا: اللهم نعم. قال: انشدكم باللّه هل تعلمون ان
رسول اللّه (ص) قال في غزوة العسرة: من ينفق‏نفقة متقبلة،
والناس يومئذ معسرون مجهودون، فجهزت ثلث ذلك الجيش
من مالي؟ قالوا: اللهم‏نعم. ثم‏قال: انشدكم باللّه هل تعلمون ان
رومة لم يكن يشرب منها احد الا بثمن فابتعتها بمالي فجعلتها
للغني‏والفقير وابن السبيل؟ قالوا: اللهم نعم. في اشياء عددها.
في الاسناد ابو اسحاق السبيعي، وقد مر في الجزء السابع
(ص‏276) انه مدلس افسد حديث اهل الكوفة،ضعيف جدا لا
يحتج بحديثه. واما ابو عبدالرحمن فهو عثماني لا يعول عليه
ولا يركن الى حديثه.
32 اخرج البلاذري في الانساب ((1264)) (5/10) عن
المدائني، عن عباد بن راشد البصري، عن الحسن البصري‏قال:
قال رسول اللّه (ص): من يجهز هذا الجيش‏بشفاعة متقبلة؟
فقال عثمان: يا رسول اللّه بشفاعة متقبلة!قال: نعم على اللّه
ورسوله. قال: انا اجهزهم بسبعين الفا.
قال الاميني : هذا الجيش جهزه الحسن البصري، بعد سنين
من وفاة النبي‏الاقدس، وقد ولد الرجل لسنتين‏بقيتا من خلافة
عمر، ولعله نظر الى ذلك الموقف واسترق السمع من وراء ستر
رقيق في صلب ابيه، اواوعز بارسال الرواية الى بطلانها، وغير
بعيد ان يكون عباد بن راشد هو الذي تقول بها على الحسن
وهوبري‏ء منها. قال الدوري عن ابن معين ((1265)): حديث
عباد ليس بالقوي ولكن يكتب يعني للاعتبار .وقال الدورقي
عن ابن معين: ضعيف. وقال البخاري ((1266)) والازدي :
تركه يحيى القطان. وقال ابو داود:ضعيف. وقال النسائي
((1267)): ليس بالقوي. وقال ابن المديني: لا اعرف حاله.
وقال ابن البرقي: ليس بالقوي.وقال ابن حبان ((1268)): كان
ممن ياتي بالمناكير عن المشاهير، حتى يسبق الى القلب انه
كان المتعمد فبطل‏الاحتجاج به، روى عن الحسن حديثا
طويلا اكثره موضوع ((1269)).
ومنها:
33 اخرج ابو نعيم في حلية الاولياء (1/58)، من طريق ابراهيم
بن سعدان، عن بكر بن بكار البصري،عن عيسى بن المسيب،
عن ابي زرعة، عن ابي هريرة، قال: اشترى عثمان بن عفان من
رسول اللّه (ص)الجنة مرتين بيع الخلق: حين حفر بئر رومة،
وحين جهز جيش العسرة.
رجال الاسناد:
1 بكر بن بكار ابو عمرو البصري، قال ابن ابي حاتم ((1270)):
ضعيف الحديث‏سيئ الحفظ له تخليط. وقال ابن‏معين
((1271)): ليس بشي‏ء. وقال النسائي ((1272)): ليس بالقوي.
وقال ايضا: ليس بثقة. وقال ابو حاتم ((1273)): ليس
بالقوي.وذكره العقيلي ((1274)) وابن الجارود والساجي في
الضعفاء ((1275)).
2 عيسى بن المسيب، قال يحيى والنسائي والدارقطني
((1276)): ضعيف. وقال ابو حاتم ((1277)) وابو زرعة:
ليس‏بالقوي. وتكلم فيه ابن حبان وغيره. وقال ابو داود:ضعيف.
وقال يحيى بن معين ((1278)) ايضا: ليس بشي‏ء. وقال‏ابن
حبان ((1279)): يقلب الاخبار ولا يفهم ويخطئ‏حتى خرج عن
حد الاحتجاج به.
لسان الميزان ((1280)) (4/405).
والباحث جد عليم بان الصحابة لم تكن على يقين من هذا
البيع المزعوم والا لما تجمهروا على مقت الرجل‏وخذلانه، ولم
يكن عثمان نفسه على ثقة بذلك ايضا والا لما كان حذرا من ان
يكون هو الملحد بمكة الذي‏عليه نصف عذاب اهل الارض، كما
مر حديثه في هذا الجزء (ص‏153).
ومنها:
34 اخرج احمد في المسند ((1281)) (4/75)، وابو نعيم في
الحلية (1/58) من طريقين : احدهما عن عبداللّه بن‏جعفر، عن
يونس بن حبيب، عن ابي داود. والاخر: عن فاروق الخطابي،
عن ابي مسلم الكجي، عن‏حجاج بن نصر ((1282)) ابي
محمد البصري قالا: حدثنا سكن بن المغيرة الاموي
البصري مولى آل عثمان ،عن الوليد بن ابي هشام البصري،
عن فرقد بن ابي طلحة، عن عبدالرحمن بن ابي خباب
السلمي‏البصري،قال: خطب النبي (ص) فحث على ((1283))
جيش العسرة، فقال عثمان: علي مائة بعير باحلاسها واقتابها.
قال: ثم‏حث، فقال عثمان: علي مائة اخرى باحلاسها واقتابها
قال: ثم حث فقال عثمان: علي مائة اخرى باحلاسهاواقتابها.
فرايت النبي(ص) يقول بيده يحركها: ما على عثمان ما عمل
بعد هذا.
قال الاميني : هلا مخبر يخبرني عن هذا الصحابي البصري
الذي لا يعرف الا بحديثه هذا، ولا يعلم من تاريخ‏حياته شي‏ء غير
اختلاقه هذه الرواية، ولا يروي عن النبي الاعظم الا هذه
الخطبة المزعومة كما صرح به‏ابن عبدالبر في الاستيعاب
((1284)) وابن حجر في الاصابة ((1285))، ولم يسمعها
صحابي قط غيره منه (ص).
ثم يخبرني ذلك المخبر عمن انتهى اليه الاسناد ان فرقد بن
طلحة من هو؟ ومتى ولد؟ واين وانى كان؟ وماالمعروف من
ترجمته؟ فكاني به وهو يجيبني بما قاله علي ابن المديني: لا
اعرفه ((1286)).
وهل تخفى على امام او حافظ في الحديث آراء رجال الجرح
والتعديل في حجاج بن نصير؟ وقد ورد فيه‏قول ابن معين
((1287)): ضعيف. وقول علي بن المديني: ذهب حديثه كان
الناس لا يحدثون عنه، وقول النسائي ((1288)):ضعيف. وقوله
ايضا: ليس بثقة ولا يكتب حديثه. وقول ابن حبان ((1289)):
يخطئ ويهم. وقول العجلي ((1290)): كان‏معروفا بالحديث
ولكنه افسده اهل الحديث بالتلقين، كان يلقن وادخل في
حديثه ما ليس منه فترك. وقول‏ابن سعد ((1291)): كان
ضعيفا. وقول الدارقطني ((1292)) والازدي: ضعيف. وقول ابي
احمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم.وقول الاجري عن ابي داود:
تركوا حديثه. وقول ابن قانع: ضعيف لين الحديث ((1293)).
واني احسب ان الافة من سكن بن المغيرة وانه ادى حقوق آل
عثمان وهو مولاهم باختلاق هذه المنقبة‏لعثمان، ولا ينافي
ذلك كونه صالحا امام جمعة وجماعة، وكم وكم من صلحاء
وضاعين، ومن ائمة كذابين!راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا
سلسلة الكذابين والوضاعين.
ومنها:
35 اخرج ابو نعيم في الحلية (1/59)، من طريق عمر بن
هارون البلخي، عن عبداللّه بن شوذب البصري‏ثم المقدسي،
عن عبداللّه بن القاسم، عن كثير بن ابي‏كثير البصري مولى
((1294))، عن عبداللّه بن سمرة ((1295)) عامل‏معاوية سمرة
بن ابي سفيان على البصرة قال: كنت مع رسول اللّه (ص) في
جيش العسرة، فجاء عثمان بالف‏دينار فنثرها بين يدي رسول
اللّه (ص) ثم ولى، قال: فسمعت رسول اللّه (ص) وهو يقلب
الدنانير وهويقول: ما يضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم.
وفي لفظ احمد في المسند ((1296)) (5/63): ما ضر ابن عفان
ما عمل بعد اليوم. يرددها مرارا.
وذكره ابن الجوزي في التبصرة كما في تلخيصها قرة العيون
المبصرة (1/179).
قال الاميني : الا تعجب من حفاظ يروون عن كذاب خبيث
مرسلين روايته ارسال المسلم يمرون بهاكراما؟ اي قيمة في
سوق الاعتبار لرواية جاء بها عمر بن هارون؟ وقد جاء فيه قول
ابن سعيد: كتب‏الناس عنه كتابا كبيرا وتركوا حديثه وقول
البخاري ((1297)): تكلم فيه يحيى بن معين ((1298)) وقال:
عمر بن هارون‏كذاب قدم مكة‏وقد مات جعفر بن محمد فحدث
عنه. وقول ابن ابي حاتم ((1299)): سالت ابي عنه فقال: تكلم
فيه‏ابن المبارك فذهب حديثه، قلت لابي: ان الاشج حدثنا عنه
فقال: هو ضعيف الحديث نخسه ابن المبارك‏نخسة. وقول
قتيبة: قلت لجرير: ان عمر بن هارون حدثنا عن القاسم بن
مبرور قال: نزل جبريل على‏النبي (ص) فقال: ان كاتبك هذا
امين يعني معاوية فقال جرير: اذهب اليه فقل له: كذبت.
رواهاالعقيلي((1300)). وعن احمد انه قال: لا اروي عنه شيئا
وقد اكثرت عنه. وقول ابن مهدي: لم يكن له عندي قيمة،
حدثني‏باحاديث فلما قدم مرة اخرى حدث بها عن ابن عباس
عن اولئك فتركت حديثه. وقول ابي زكريا: عمربن هارون:
كذاب خبيث ليس حديثه بشي‏ء، قد كتبت عنه وبت على بابه
وذهبنا معه الى النهروان، ثم تبين‏لنا امره فحرقت حديثه ما
عندي عنه كلمة. وقول ابن محرز عن ابن معين: ليس هو بثقة
وبنحوه قال‏الغلابي عنه. وقال عنه مرة: ضعيف. وقول ابي داود
عنه: غير ثقة. وقول ابن ابي خيثمة وغيره عن ابن‏معين: ليس
بشي‏ء: وقول جعفر الطيالسي عن ابن معين: يكذب. وقول
عبداللّه بن علي بن المديني: سالت‏ابي عنه فضعفه جدا. وقول
ابراهيم بن موسى: الناس تركوا حديثه. وقول الجوزجاني: لم
يقنع الناس‏بحديثه. وقول النسائي ((1301)) وصالح بن محمد
وابي علي الحافظ: متروك الحديث. وقول الساجي: فيه
ضعف.وقول الدارقطني ((1302)): ضعيف. وقول ابي نعيم:
حدث بالمناكير لا شي‏ء ((1303)). وقول العجلي ((1304)):
ضعيف. وقول ابن‏حبان ((1305)): يروي عن الثقات المعضلات
ويدعي شيوخا لم يرهم ((1306)).
وفي الاسناد: كثير بن ابي كثير، ذكره العقيلي في الضعفاء
((1307))، وقال ابن حزم وعبدالحق: انه مجهول، ولو
كان‏لتوثيق العجلي الرجل وزن لما جهله الحافظان ولم‏يضعفه
العقيلي، واي قيمة لثقة العجلي ((1308)) وهو يوثق عمربن
سعد قاتل الامام السبط الشهيد ونظراءه من المهتوكين
المفضوحين؟!
وفي طريق احمد مضافا الى كثير ضمرة بن ربيعة، وقد مر فيه
قول الساجي:صدوق يهم، عنده مناكير.وروى ضمرة عن
الثوري، عن عبداللّه بن دينار، عن ابن عمر حديثا انكره احمد
ورده ردا شديدا، وقال: لوقال رجل: ان هذا كذب لما كان
مخطئا. واخرجه الترمذي ((1309)) وقال: لا يتابع ضمرة عليه
وهو خطا عند اهل‏الحديث.
فهذه مكانة الرجل من الرواية وان كان ثقة مامونا، واكبر الظن
ان الافة في هذه الرواية من ابن سمرة وانه‏اختلقها تقربا الى
اعطيات معاوية وهباته التي كانت تصل من دون وزن وكيل‏الى
وضاعي‏الاحاديث‏ورجال‏الاختلاق‏الذين لاخلاق لهم.
ومنها:
36 عن مسعر، عن عطية، عن ابي سعيد، قال: رايت رسول اللّه
(ص) من اول‏الليل الى ان طلع‏الفجررافعا يديه‏لعثمان يقول:
اللهم عثمان‏رضيت عنه‏فارض عنه.
ذكره ابن الجوزي في كتابه التبصرة كما في تلخيصه ((1310))
(1/179) مرسلا اياه ارسال المسلم، وهو اول حديث‏ذكره في
فضائل عثمان، وذكره الواحدي في اسباب النزول ((1311))
مرسلا (ص‏61) فزاد: فانزل اللّه تعالى فيه:(الذين ينفقون
اموالهم في سبيل اللّه) ((1312)). وذكره ابن كثير في تاريخه
((1313))((1313)) (7/212) ولم يذكر من رجال اسناده‏الاالثلاثة
المذكورة، ولعله هو ومن رواه مرسلا وجدوا في سلسلة السند
اناسا ساقطين لا يعبا بهم ولا يحتج‏بحديثهم، وما راقهم ابطال
هذه المنقبة بابداء علله بذكر اولئك الرجال.
ومن العجب العجاب هذا الداب منه (ص) من اول الليل الى
منتهى الفجر على الدعاء لعثمان الذي فوت‏عليه مرغباته
وفرائضه، فان صلاة الليل والوتر كانت فريضة عليه (ص) دون
الامة ((1314))، ولا ادري هل‏نزل عليه (ص) وحي جديد يامره
باستبدال نوافله وفرائضه في تلك الليلة بالدعاء لعثمان؟ او ماذا
كان‏فيها؟ نعم، الذي يظهر من السيوط‏ي في الخصائص الكبرى
((1315)) (2/164 170) ان ذلك الوحي لم ينزل،وان‏الدعاء
لعثمان لم يكن فضلا عن استيعابه الليل كل ه فانه ذكر فيها
كل من دعا له‏رسول اللّه (ص)وسماهم حتى يهوديا سمت
رسول اللّه (ص) ولم يعد منهم عثمان. ((1316))
ولو كان انفاق عثمان في جيش العسرة موجبا للدعاء
المستوعب ليله (ص) كما يظهر من رواية الواحدي،فانفاق ابي
بكر الذي انفق كل ما كان يملكه ذات يده كما يحسبه القوم
وكان يراه رسول اللّه (ص)امن‏الناس عليه بماله ((1317))
يستوجب دعاء مستغرقا ليله ونهاره، فاين؟ وانى؟ ولو كان كل
انفاق في مهمة‏يستدعي دعاء الليل فكان عليه (ص) ان يقضي
حياته ليلا ونهارا بالدعاء للمنفقين، وما اكثرهم! ولو كان(ص)
رافعا يديه لعثمان فعليه (ص) ان يديم رفعهما في الدعاء لابي
بكر ولرجال الانصار المكثرين من‏الانفاق في السلم والحرب
ولغيرهم من اهل اليسار الذين بذلوا كنوزا عامرة من الدرهم
والدينار في مهام‏الاسلام المقدس والدعوة اليه والذب عنه.
واما زيادة الواحدي من نزول الاية الكريمة في عثمان
((1318))، فقد فصلنا القول فيه وانه لا يصح في الجزء
الثامن(ص‏57).

بقية مناقب عثمان
((1319)) (7/212): قال ليث بن 37 قال ابن كثير في تاريخه
ابي سليم ابن زنيم القرشي مولاهم : اول من‏خبص الخبيص
عثمان، خلط بين العسل والنقي ثم بعث به الى رسول اللّه (ص)
الى منزل ام سلمة فلم‏يصادفه، فلما جاء وضعوه بين يديه،
فقال: من بعث هذا؟ قالوا: عثمان. قالت: فرفع يديه الى السماء،
فقال:اللهم ان عثمان يترضاك فارض عنه.
وذكره السيوط‏ي في مسامرة الاوائل (ص‏87) نقلا عن البيهقي
وابن عساكر ((1321)) من طريق ليث. ((1320))
قال الاميني : خبص ابن زنيم هذا الخبيص لعثمان بعد لاي من
وفاة رسول‏اللّه(ص) وقد مات الرجل بعدالمائة‏والاربعين
من‏الهجرة، ولم يدرك النبي(ص)، ولم نعرف الذي اخذ الرواية
منه ممن شهد قصعة الخبيص‏وحضر مشهد الدعاء، كما لا
يعرف احد من بقية رجال الاسناد، فالرواية مرسلة من
الطرفين.
واما ابن زنيم فقد جاء فيه عن عبداللّه بن احمد قال: ما رايت
يحيى بن سعيد اسوا رايا منه في ليث وابن‏اسحاق وهمام لا
يستطيع احد ان يراجعه فيهم. وقال ابن ابي شيبة وابو حاتم
((1322)) والجوزجاني: كان ضعيف‏الحديث. وضعفه ابن‏سعد
وابن معين وابن عيينة. وقال احمد ((1324)) وابو ((1323))
حاتم ((1325)) ايضا وابو زرعة: مضطرب‏الحديث لا تقوم به
الحجة عند اهل العلم بالحديث. وقال يحيى: عامة شيوخه لا
يعرفون. وقال ابن حبان((1326)): اختلط في آخر عمره فكان
يقلب الاسانيد ويرفع المراسيل، وياتي عن الثقات بما ليس من
حديثهم،تركه القطان وابن مهدي وابن معين واحمد. وقال ابو
احمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقال ابو عبداللّهالحاكم:
مجمع على سوء حفظه ((1327)).
الا تعجب من حافظ كابن كثير يذكر رواية هذا شانها وهذه
عللها وذلك متنها المعلول ويرسلها ارسال‏المسلم في مقام
الحجاج ويعدها من فضائل عثمان؟ وياتي الى حديث المؤاخاة
الصحيح الثبت المتواتر الواردمن طرق مسندة معنعنة في
الصحاح والاسانيد ويتخلص منه بقوله ((1328)): اسانيدها
كلها ضعيفة لا يقوم بشي‏ءمنها حجة، واللّه اعلم ((1329)).
ويروي في تاريخه ((1330)) (7/357) نزول آية الولاية في علي
(ع) فقال: هذا لايصح‏بوجه من الوجوه لضعف اسانيده، ولم
ينزل في علي شي‏ء من القرآن بخصوصيته ((1331)). حيا اللّه
الامانة!وقاتل اللّه الحب المعمي والمصم.
ولو كان (ص) يرفع يديه لكل هدية ولو كانت لقمة خبيص
للزمه ان لا ينزلهما في اغلب اوقاته لكثرة‏الهدايا اليه وكثرة
مهديها، ولم تكن لعثمان ولخبيصه خاصة توجب اداء حقها دون
المؤمنين عامة‏وهداياهم.
38 اخرج الخطيب البغدادي في تاريخه (6/321)، من طريق
عبداللّه بن الحسن بن احمد، عن يزيد بن‏مروان الخلال، عن
اسحاق بن نجيح الملط‏ي، عن عطاء، عن ابي هريرة، قال: قال
رسول اللّه (ص): ان‏لكل نبي خليلا من امته وان خليلي عثمان
بن عفان.
قال الاميني : حسبك من عرفان رجال الاسناد كذابان: الخلال
والملط‏ي، اما الخلال فقال يحيى بن معين:الخلال كذاب. وقال
الدارمي: وقد ادركته وهو ضعيف قريب مما قال يحيى. وقال ابو
داود: ضعيف. وقال‏الدارقطني: ضعيف جدا ((1332)).
هذا مجمل القول في الخلال، واما الملط‏ي فقال احمد
: اسحاق من اكذب الناس، وقال ابن معين ((1333))
: كذاب‏عدو اللّه رجل سوء خبيث. وقال ابن ابي شيبة ((1334))
عنه: كان ببغداد قوم يضعون الحديث منهم اسحاق بن‏نجيح.
وقال ابن ابي مريم: انه من المعروفين بالكذب ووضع الحديث،
وقال عمرو بن علي: كذاب كان يضع‏الحديث. وقال الجوزجاني:
غير ثقة ولا من اوعية الامانة. وقال ابن عدي ((1335)):
احاديثه موضوعات‏وضعها هو، وعامة ما اتى عن ابن جريج فكله
منكر ووضعه عليه، وهو بين الامر في الضعفاء، وهو ممن‏يضع
الحديث. وقال النسائي ((1336)): كذاب. وقال ابن حبان
: دجال من الدجاجلة يضع الحديث صراحا.وقال ((1337))
البرقاني: نسب الى الكذب. وقال الجوزقانى: كذاب وضاع لا
يجوز قبول خبره ولا الاحتجاج بحديثه‏ويجب بيان امره. وقال
ابو سعيد: مشهور بوضع الحديث. وقال ابن طاهر: دجال كذاب.
وقال ابن الجوزي:اجمعوا على انه كان يضع الحديث
. ((1338))
ومن العجب سكوت الخطيب عن هذه الرواية وعما في اسنادها
من العلل، وقد ذكر هو كثيرا من آراءالحفاظ المذكورة في
ترجمة اسحاق، ولعله اكتفى بذكرها عن تفنيد الرواية صريحا،
وكان مفتعلها لم يقف على‏المفتعلة الاخرى المرفوعة: لكل
نبي خليل وخليلي سعد بن معاذ ((1339)). ويضاد كلاهما ما
جاء به البخاري في‏صحيحه ((1340)) (5/243) من القول
المعزو الى رسول اللّه (ص): لو كنت متخذا خليلا لاتخذت
ابابكر. وقدقدمنا الكلام حول ذلك في الاجزاء الماضية وانه
موضوع مختلق ايضا.
39 روى ابن ابي الدنيا بسنده عن فاطمة بنت عبدالملك،
قالت: انتبه عمر ابن عبد العزيز ذات ليلة وهويقول: لقد رايت
الليلة رؤيا عجيبة، فقلت: اخبرني بها، فقال: حتى نصبح، فلما
صلى بالمسلمين دخل‏فسالته، فقال: رايت كاني دفعت الى
ارض خضراء واسعة كانها بساط اخضر، واذا فيها قصر كانه
الفضة،فخرج منه خارج فنادى: اين محمد بن عبداللّه؟ اين
رسول اللّه؟ اذ اقبل رسول اللّه (ص) حتى دخل ذلك‏القصر، ثم
خرج آخر فنادى: اين ابو بكر الصديق؟ فاقبل فدخل، ثم خرج
آخر فنادى: اين عمر بن‏الخطاب؟ فاقبل فدخل، ثم خرج آخر
فنادى: اين عثمان بن عفان؟ فاقبل فدخل، ثم خرج آخر
فنادى:اين علي بن ابي طالب ؟ فاقبل فدخل، ثم خرج آخر
فنادى: اين عمر بن عبدالعزيز؟ فقمت فدخلت‏فجلست الى
جانب ابي ((1341)) عمر بن الخطاب، وهو عن يسار رسول اللّه
(ص) وابوبكر عن يمينه، وبينه وبين‏رسول اللّه (ص) رجل،
فقلت لابي: من هذا؟ قال: هذا عيسى بن مريم، ثم سمعت هاتفا
يهتف بيني وبينه‏نور لا اراه، وهو يقول: يا عمر بن عبدالعزيز
تمسك بما انت عليه واثبت على ما انت عليه، ثم كانه اذن لي
في‏الخروج فخرجت، فالتفت فاذا عثمان بن عفان وهو خارج
من القصر وهو يقول: الحمد للّه الذي نصرني‏ربي، واذا علي في
اثره وهو يقول: الحمد للّه الذي غفر لي ربي. وذكره ابن كثير
في تاريخه ((1342)) (9/206).
قال الاميني : انا لا ازال ارحب بقوم يحاولون اثبات الحقائق
بالاطياف، ويجابهون ما ثبت في الخارج‏بالخيال، فتصور لهم
ريشة الاوهام عثمان منزها عن كل وصمة عرفتها فيه الصحابة
العدول من امة محمدالناظرين اليه من كثب والمشاهدين
اعماله الناقمين عليه بها، وقد اهدروا دمه من جرائها، وهم
الذين يقتدى‏بهم وباقوالهم وافعالهم عند القوم ويحتذى
مثالهم، وبامثال هذه السفاسف يجرئون البسطاء على التورط
في‏المثم بالنظر الى هذا الانسان المغمور فيها في نظارة مكبرة
تريه منزها عن دنس كل حوب، منصورا من اللّهبعد ان خذلته
الصحابة جمعاء.
ولهم هناك نظارة اخرى تصغر المنظور اليه من امام
المسلمين وسيد الخلفاء خير البشر بعد رسول اللّه(ص) امير
المؤمنين (ع) الى حد اثبتوا له ذنبا مغفورا.
الا من مسائل اياهم عن انه متى صدر هذا الذنب عن امام
المسلمين؟ احين عده النبي (ص) نفسه كما في‏الذكر
الحكيم؟ ام حين طهره الجليل بقوله تعالى: (انما يريد اللّه
ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم‏تطهيرا)
((1343))؟ ام حين قرن‏ولايته بولايته وولاية نبيه (ص) بقوله
سبحانه: (انما وليكم اللّه ورسوله والذين‏آمنوا الذين يقيمون
الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون) ((1344))؟ ام حين اكمل
بولايته الدين واتم نعمته على‏المسلمين بقوله عز من قائل:
(اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم
الاسلا م دينا) ((1345))؟ام حين جعله (ص) اولى بالناس من
انفسهم كما هو اولى بهم من انفسهم فرشحه للخلافة الكبرى
في‏حديث الغدير المتواتر المقطوع بصدوره؟ ام حين جعله
عدل القرآن في حديث الثقلين الثابت المتواتر؟ ام‏حين انزله
من نفسه بمنزلة هارون من موسى، وفصل بينه وبين نفسه
بالنبوة فحسب فقال: «الا انه لا نبي‏بعدي‏» ((1346))؟
ام..؟ ام..؟ الى الف ام؟؟
على انه‏ سلام اللّه عليه كان حلس بيته والناس متجمهرون
على عثمان لا يشاركهم في شي‏ء من امره،ولعل في الفئة
المهملجة من يعد ما كان ينوء به الامام(ع) من نهي عثمان
عما نقم عليه به من هنات‏وعثرات وامره اياه بالمعروف والعمل
بالكتاب والسنة فلا يجد منه اذنا مصيخة حتى قال: «ما انا بعائد
بعدمقامي هذا لمعاتبتك، اذهبت شرفك وغلبت على امرك‏»
((1347)) ذنبا مغفورا له، ويعده تقوية لجانب الثائرين‏على
الرجل، وما هو من ذلك بشي‏ء، وانما اراد (ع) كشف المثلات
عنه باقلاعه عما كان يرتكبه من‏الموبقات ولكن على حد قول
الشاعر:
امرتكم امري بمنعرج اللوى
فلم تستبينوا النصح الا ضحى الغد
او على حد قوله:
وكم سقت في آثاركم من نصيحة
وقد يستفيد الظنة المتنصح
فزه زه بهذه المعرفة وحيا اللّه العلم الناجع الذي يرى صاحبه
الواجب ذنباوالمذنب منصورا.
واحسب ان الذي افتعل هذه الاكذوبة الخيالية رجل من بسطاء
الاكراد اوالاعجام البعداء عن العربية،والافالعربي الصميم لا
يقول: الحمد للّه الذي نصرني ربي، والحمد للّه الذي غفر لي
ربي.
ولعمر بن عبدالعزيز منام اشنع من هذه المهزاة يحوي فصل
الخصومات الواقعة بين‏الامام امير المؤمنين‏ومعاوية بن هند،
اخرجه ابوبكر بن ابي الدنيا ايضا بالاسناد عن عمر بن عبدالعزيز
قال: رايت رسول اللّه(ص) في المنام وابوبكر وعمر جالسان
عنده فسلمت عليه وجلست، فبينما انا جالس اذ اتي
بعلي‏ومعاوية،فادخلا بيتا واجيف الباب وانا انظر، فما كان
باسرع من ان خرج علي وهو يقول: قضي لي ورب الكعبة، ثم‏ما
كان باسرع من ان خرج معاوية وهو يقول: غفر لي ورب الكعبة
. ((1348))
ويظهر من الجمع بين المنامين ان موقف امير المؤمنين علي
من عثمان كان كموقف معاوية من علي صلوات‏اللّه عليه،
موقف الخروج على امام الوقت، موقف البغي والجور، لا ضير انا
الى ربنا منقلبون، واللّه هوالحكم العدل يوم لا ينفع طيف ولا
خيال.
40 اخرج‏البلاذري في‏الانساب ((1349))(5/3)من طريق
سعيد بن خالد، عن صالح‏ابن كيسان اموي النزعة‏مؤدب ولد
عمر بن عبدالعزيز عن سعيد بن المسيب قال: نظر رسول اللّه
(ص) الى عثمان فقال: هذاالتقي‏المؤمن الشهيد شبيه ابراهيم.
قال الاميني : كان سعيدبن خالدبن عمرو بن عثمان بن عفان
الاموي، او سعيد ابن خالد الخزاعي المدني‏المجمع على ضعفه
لم يجد في صحابة النبي الاقدس من يتحمل عب‏ء هذا السرف
من القول والغلو في‏الفضيلة، فتركه مرسلا مقطوع العرى بين
سعيد بن المسيب المولود بعد سنتين مضتا من خلافة عمر
بن‏الخطاب وبين رسول‏اللّه(ص).
لعل الباحث بعد قراءة ما سردناه من سيرة الممدوح وآراء
الصحابة فيه واصفاق الامة على النقمة عليه‏بافعاله وتروكه
الشاذة عن التقوى لا يخفى عليه ان تشبيه الرجل بابراهيم
النبي المعصوم (ع) جناية على‏المعصومين وسفه من القول
وتره، نعوذ باللّه من التقول بلا تعقل.
ولو كان التشبيه بمن كان من الانبياء مقبولا لامكن ان يتصور
له وجه شبه ولو مع الف فارق، غير ان نوبة‏الظلم عند وضع هذا
الحديث كانت قد انتهت الى خليل اللّه سلام اللّه عليه.
واني احسب ان مصحح هذه المهزاة قرع سمعه حديث التشبيه
الوارد في مولانا امير المؤمنين المذكور في‏الجزء الثالث
(ص‏355 360) وراقه من ذلك تشبيهه بخليل الرحمن
فحابى الرجل بذلك، وقد اعماه‏الحب‏عن عدم وجود وجه شبه
ولو من جهة واحدة مع التمح ل بين نبي معصوم خص بفضيلة
الخلة من‏المولى سبحانه وبين من قتل دون هناته وسقطاته.
انا لا ادري ان هتاف النبي(ص) هذا الذي سمعه سعيد بن
المسيب المولود بعده هل‏سمعته عائشة ومع ذلك‏كانت‏تهتف
بقولها: اقتلوا نعثلا قتله‏اللّه فانه‏قد كفر؟ وبقولها لابن عباس:
يابن عباس ان اللّه قد آتاك‏عقلاوفهما وبيانا فاياك ان ترد الناس
عن هذا الطاغية؟ وبقولها: وددت واللّه انه في غرارة من غرائري
هذه‏واني طوقت حمله حتى القيه في البحر؟ وبقولها لمروان:
وددت واللّه انك وصاحبك هذا الذي يعنيك امره في‏رجل كل
واحد منكما رحا وانكما في البحر؟ وبقولها للداخلين اليها: هذا
ثوب رسول اللّه (ص) لم يبل وان‏عثمان قد ابلى سنته؟ وبقولها
لما بلغها نعيه: ابعده اللّه، ذلك بما قدمت يداه وما هو بظلام
للعبيد؟ وبقولها: ابعده‏اللّه قتله ذنبه، واقاده اللّه بعمله، يا معشر
قريش لا يسومنكم قتل عثمان كما سام احمر ثمود قومه
؟ ((1350))
وهل سمع حديث التشبيه في عثمان اولئك الصحابة الذين
سمعت اقوالهم وافعالهم حول الرجل؟ او ان‏الحديث‏كان باطلا
فلم يسمعه احد منهم؟ الحكم في ذلك انت اى ها القارئ
الكريم.
واخرج رواة السوء من طريق عائشة في التشبيه ما هو اعظم من
هذا واهتك لناموس الاسلام ونبيه‏الاقدس، واليك نصه:
عن المسيب بن واضح السلمي الحمصي، عن خالد بن عمرو
بن ابي الاخيل السلفي الحمصي، عن عمرو بن‏الازهر العتكي
البصري قاضي جرجان، عن هشام ابن عروة، عن ابيه، عن
عائشة: غ، قالت: لما زوج النبي(ص) ام كلثوم قال لام ايمن:
خذي بنتي وزفيها الى عثمان واخفقي بالدف. ففعلت، فجاءها
النبي(ص) بعدثالثة فقال: كيف وجدت بعلك؟ قالت: خير
رجل. قال: اما انه اشبه الناس بجدك‏ابراهيم وابيك محمد
. ((1351))
ذكره الذهبي في ميزان الاعتدال ((1352)) في ترجمة عمرو
بن الازهر فقال: هذاموضوع. ونحن نقول: رجال‏الاسناد:
1 المسيب بن واضح، قال ابو حاتم ((1353)): صدوق يخطئ
كثيرا، فاذا قيل له لم يقبل. وقال الدارقطني: ضعيف.وقال
الساجي: تكلموا فيه في احاديث كثيرة. وقال عبدان: هو
وعبدالوهاب بن الضحاك كلاهما سواء ((1354)).وعبد الوهاب
كما مر في الجزء الخامس (ص‏242): كذاب يضع الحديث
متروك كثير الخطا والوهم وكان‏معروفا بالكذب في الرواية.
2 خالد بن عمرو، كذبه الفريابي، ووهاه ابن عدي ((1355))
وغيره، وقال الدارقطني ((1356)): ضعيف. وقال ابن عدي:له
احاديث مناكير. وذكر الذهبي حديثا من طريقه فقال: باطل
ومن بلايا الاخيل ((1357)) حديث كذب في‏مشيخة ابن
شاذان ((1358)).
3 عمرو بن الازهر العتكي، قال ابو سعيد الحداد: كان يكذب
مجاوبة، وعن ابن معين ((1359)) انه ليس بثقة‏ضعيف، وقال
البخاري ((1360)): يرمى بالكذب. وقال النسائي ((1361))
وغيره: متروك. وقال احمد: كان يضع الحديث.وقال عباس
الدوري عن يحيى: كان كذابا ضعيفا. وقال الدولابي: متروك
الحديث. وقال الجوزجاني: غيرثقة.
ميزان الاعتدال (2/281)، لسان الميزان (4/353) ((1362)).
واعطف الى هذه المكذوبة ما اخرجه ابن عدي من طريق زيد
بن الحريش، عن عمرو بن صالح قاضي‏رامهرمز، عن العمري،
عن نافع، عن ابن عمر (رضى‏ا...عنه) مرفوعا: انا نشبه عثمان
بابينا ابراهيم.
قال الذهبي ((1363)): منكر جدا، وقال ابن عدي ((1364))
في ذكر عمرو بن صالح بعد هذا الحديث: وله غير هذا مما
لايتابع عليه.
41 اخرج البلاذري في الانساب ((1365)) (5/7) عن الحسين
بن علي بن الاسود عن عبدالرحمن قال: قمت في‏الحجر
فقلت: لا يغلبني عليه احد الليلة فجاء رجل من خلفي فغمزني
فابيت ان التفت، ثم غمزني فابيت ان‏التفت، ثم غمزني الثالثة
فالتفت فاذا عثمان فتاخرت عن الحجر فقرا القرآن في ركعة
ثم انصرف.
واخرجه ابو نعيم بالاسناد في حلية الاولياء (1/56، 57) ولفظه:
قال عبدالرحمن: لاغلبن الليلة على المقام،فلما صليت العتمة
تخلصت الى المقام حتى قمت فيه، قال: فبينا انا قائم اذا رجل
وضع يده بين كتفي فاذا هوعثمان بن عفان. قال: فبدا بام
القرآن فقرا حتى ختم القرآن فركع وسجد، ثم اخذ نعليه فلا
ادري اصلى قبل‏ذلك شيئا ام لا؟
قال الاميني : سل عن راوي هذه الفضيلة الحافظ ابن عدي
((1366)) انه قال: الحسين ابن علي كان يسرق
الحديث،واحاديثه لا يتابع عليها. وسل عنه الازدي، فانه قال:
انه ضعيف جدا يتكلمون في حديثه. وسل عنه احمدامام
الحنابلة، فانك تسمع منه ماسمعه ابوبكر المروزي لما ساله
عنه من قوله: لا اعرفه ((1367)).
ثم هلم معي نسائل عبد الرحمن التيمي هلا كان من واجبه ان
يخبر ابن عمه طلحة بن عبيداللّه التيمي بهذه‏السيرة الصالحة
يوم ضيق على صاحبها الخناق، وضاقت عليه الارض بما
رحبت، يوم هتك حرمته، واباح‏دمه، واورده المنية، ومنع
جنازته عن ان تدفن في مقابر المسلمين؟
ولنا ان نسائل الممدوح عثمان الم يكن في الحجر مكان يسعه
الا موقف عبدالرحمن؟ وهل كان له ان يغمزالرجل مرة بعد
اخرى وهو في محراب الطاعة؟ او ان يزيحه عن مكانه والوقف
لمن سبق؟ وقد جاء في السنة‏الشريفة من طريق جابر مرفوعا:
«لا يقيمن احدكم اخاه يوم الجمعة ثم ليخالف الى مقعده
فيقعد فيه ولكن‏يقول: افسحوا».
صحيح مسلم ((1368)) (7/10).
ومن طريق ابن عمر مرفوعا: «لا يقيم الرجل الرجل من مقعده
ثم يجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا»وزاد في حديث ابن
جريج قلت: في يوم الجمعة؟ قال: «في يوم الجمعة وغيرها».
صحيح مسلم (7/10)، مسند احمد (2/22)، صحيح البخاري
(2/94) ((1369)).
وفي لفظ لمسلم: «لا يقيمن احدكم الرجل من مجلسه ثم
يجلس فيه‏». وفي لفظ له ايضا: «لا يقيمن‏احدكم‏اخاه ثم يجلس
في مجلسه‏».
قال النووي في شرح مسلم هامش ارشاد الساري ((1370))
(8/479): هذا النهي للتحريم، فمن سبق الى موضع‏مباح في
المسجد وغيره يوم الجمعة او غيره لصلاة او غيرها فهو احق به،
ويحرم على غيره اقامته منه لهذاالحديث.
وقال القسطلاني في ارشاد الساري ((1371)) (2/169): ظاهر
النهي التحريم، فلا يصرف عنه الا بدليل، فلا يجوز ان‏يقيم احدا
من مكانه ويجلس فيه، لان من سبق الى مباح فهو احق به،
ولاحمد ((1372)) حديث: ان الذي يتخط‏ى‏رقاب الناس او
يفرق بين اثنين بعد خروج الامام كالجار قصبه ((1373)) في
النار، والتفرقة صادقة بان يزحزح‏رجلين عن مكانهما ويجلس
بينهما.
وقال الشوكاني في نيل الاوطار ((1374)) (3/306): من سبق
الى موضع مباح سواء كان مسجدا او غيره في يوم‏الجمعة او
غيرها لصلاة او لغيرها من الطاعات فهو احق به، ويحرم على
غيره اقامته منه والقعود فيه.
فاقامة عثمان عبدالرحمن من مكانه الذي كان هو احق به
وغمزه اياه مرة بعد اخرى محظور محرم شاذ عن‏السنة الثابتة.
ثم هل تسع الليلة لقراءة القرآن ختمة واحدة؟ ولعلها تسع
بالتمحل من كون الليلة من ليالي الشتاء الطويلة،ومن قدوم
عثمان الحجر بعد فريضة العشاء بلا فصل، وانه كان طلق
اللسان خفيفه، وان كنا لا نعلم شيئا من‏ذلك.
اليس عثمان هذا هو الذي صعد المنبر وارتج عليه وقام مليا لا
يتكلم فقال: ان‏ابا بكر وعمر كانا يعدان لهذاالمقام مقالا واني لم
ازور له خطبة ولا اعددت له كلاما وسنعود فنقول ((1375))؟
اي خطيب يعوزه الكلام ويفتقرالى تزوير مقال وفي ذاكرته
كلام اللّه المجيد؟ وفيه بلغة وكفاية عن كل تلفيق وترميق
وترميغ.
وهلا كان على الرجل ان يعمل بالقرآن الذي كان يختمه في
صلاته؟ الم يك في قرآنه قوله تعالى:(والذين‏يؤذون المؤمنين
والمؤمنات بغيرما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا واثما مبينا)
((1376)) او لم يكن ابو ذر وعماروابن مسعود والامة الصالحة
امثالهم من المؤمنين؟ وقد آذاهم بالنفي والضرب والتنكيل
وبكل ما كان‏يمكنه.
اما كان‏فيه قوله‏تعالى:(والذين يؤذون رسول اللّه لهم عذاب
((1377))؟وقد آذى الرسول في كريمته ام كلثوم‏باقترافه اليم)
ليلة وفاتها، وبايواء من طرده ولعنه، وبازراء صحابته الاكرمين
وفي مقدمهم ابن عمه الطاهر،وبتبديل سنته والحياد عن
محجته.
اما كان فيه قوله تعالى: (اطيعوا اللّه واطيعوا الرسول واولي
الامر منكم ) ((1378))؟ وقد خالف اللّه ورسوله ولم‏يطعهما
ونبذ الكتاب والسنة وراء ظهره في غير موضع من الاموال
والصدقات والزكاة والصلات والصلاة‏والقطائع والاوقاف والحج
والنكاح والحدود والديات ((1379)).
اما كان فيه ذكر لحدود اللّه؟ او لم يكن فيه قوله سبحانه: (ومن
يتعد حدود اللّه فاولئك هم الظالمون) ((1380))؟ وقدتعدى
الحدود، ونسي العهود، ونقض التوبة، وحنث‏الال، وجاء بما لا
يحمد عقباه، واتى بنهابير اوردته القتل‏الذريع، وجرت عليه
الويلات كما جرتها على الامة حتى اليوم.
اما كانت في قرآنه آية المباهلة او آية التطهير؟ واللّه يعد في
الاولى عليا نفس النبي الاعظم، ويطهره من‏الرجس بالثانية
كما طهر نبيه. وكان عثمان يرى مروان لعين رسول اللّه
وطريده افضل منه (ع) ((1381)).
وليت الرجل ترك تلك التلاوة المتعبة والتزم بالعمل بالقرآن
الكريم واقام حدوده واقتصر من التلاوة على‏ما تيسر.
42 اخرج البلاذري في الانساب ((1382)) (5/7) عن خلف
البزار، عن عبدالوهاب ابن عطاء ((1383)) الخفاف
البصري،عن سعيد بن ابي عروبة ابي النضر البصري، عن ابن
اخي ((1384)) مطرف بن عبداللّه بن الشخير، عن
مطرف‏البصري قال: لقيت عليايوم الجمل فاسرع الي بدابته
فقلت: انا احق ان اسرع اليك، فقال: احسب عثمان‏منعك من
اتياننا، فاقبلت اعتذر اليه، فقال: لئن احببته لقد كان ابرنا
واوصلنا.
رجال الاسناد :
1 خلف البزار، الثقة الامين السكير. راجع من الجزء الخامس
(ص‏295).
2 عبدالوهاب بن عطاء: قال المروزي: قلت لاحمد:
عبدالوهاب ثقة؟فقال ((1385)): ما تقول؟ انما الثقة
يحيى‏القطان. وقال الساجي: صدوق ليس بالقوي‏عندهم. وقال
البخاري: ليس بالقوي عندهم وهو يحتمل.وقال النسائي
: ليس بالقوي. وقال ابو حاتم ((1387)): ليس ((1386))
عندهم بقوي في الحديث. وقال ابن ابي شيبة: ليس‏بكذاب
ولكن ليس هو ممن يتكل عليه. وقال الميموني عن احمد بن
حنبل: ضعيف الحديث. وقال البزار:ليس بالقوي وقد احتمل
اهل العلم حديثه ((1388)). تهذيب التهذيب ((1389))
(6/451).
3 سعيد بن ابي عروبة. قال ابو حاتم ((1390)): هو قبل ان
يختلط ثقة. وقال دحيم: اختلط. وقال الازدي: اختلط‏اختلاطا
قبيحا. وقال ابن سعد ((1391)): كان ثقة كثير الحديث ثم
اختلط في آخر عمره. وقال ابن حبان ((1392)): بقي
في‏اختلاطه خمس سنين ولا يحتج الا بما روى عنه القدماء
مثل يزيد بن زريع وابن المبارك، وقال عبدالوهاب‏ الراوي عنه
: خولط سعيد سنة (47) وعاش بعد ما خولط تسع سنين.
وقال النسائي: من سمع منه بعدالاختلاط فليس بشي‏ء. وقال
ابن عدي ((1393)): من سمع منه قبل الاختلاط فان ذلك
صحيح حجة ومن سمع منه‏بعد الاختلاط لا يعتمد عليه. وقال
ابو بكر البزار: ابتدا به الاختلاط سنة (133) ((1394)).
فعلى الاخذ بقول ابي بكر البزار في ابتداء اختلاطه وقول ابن
حبان من انه مات سنة (155) تربو اعوام‏اختلاطه على اثنتين
وعشرين سنة. هذا اكثر ما قيل في‏مدة اختلاطه واقله خمس
سنين وبينهما اقوال‏اخر.
هذه علل الرواية اسنادا، واما هي من ناحية المتن فسل عنها
مولانا امير المؤمنين ورايه المدعوم في عثمان،وقد اسلفناه في
هذا الجزء (ص‏69 77)، اتراه صلوات اللّه عليه يرى الرجل
ابرهم واوصلهم ثم يرفع‏عقيرته على صهوة الخطابة بمثل قوله
فيه: «قام ثالث القوم نافجا حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه
بنوابيه يخضمون مال اللّه خضمة الابل نبتة الربيع، الى ان
انتكث فتله، واجهز عليه عمله، وكبت به بطنته‏»((1395))؟
وقوله فيه: «ان بني امية ليفوقونني تراث محمد (ص) تفويقا»
؟ ((1396))
وقوله في اقطاعه واعطياته: «الا ان كل قطيعة اقطعها عثمان،
وكل مال اعطاه من مال اللّه فهو مردود في بيت‏المال، فان
الحق القديم لا يبطله شي‏ء، ولو وجدته قد تزوج به النساء، وفرق
في البلدان لرددته الى حاله‏».راجع (8/287).
انى كانت صلات عثمان مشروعة مرضية عند امير المؤمنين
حتى يثني بها عليه ويراه ابرهم واوصلهم، وقداوقفناك في
الجزء الثامن على شطر مهم من هباته ومدرها فاقرا وتبصر.
43 اخرج ابن عساكر ((1397)) عن يزيد بن ابي حبيب كما
في تاريخ الخلفاء للسيوط‏ي ((1398)) (ص‏110)، انه قال:
بلغني‏ان عامة الركب الذين ساروا الى عثمان عامتهم جنوا.
وفي لفظ القرماني في اخبار الدول هامش الكامل لابن‏الاثير
(1/213): ان عامة من اشار الى قتل عثمان جنوا. ((1399))
قال الاميني : اليست هذه المهزاة من فنون الجنون؟ انظر الى
عقل من جاء بها. اولا: يزيد بن ابي حبيب،ثم‏ارجع البصر كرتين
الى عقل اولئك الحفاظ الذين عدوا مثل هذا التره التافه من
فضائل عثمان وكراماته،واني احسب ان في قول ابن سعد في
ترجمة يزيد بن ابي حبيب: انه كان حليما عاقلا، دفعا لما يدخل
هاجسة‏القارئ من روايته هذه، لكنه لا يثبت له العقل بعد ما
حفظها له التاريخ، كيف يصدق ذو مسكة هذه‏السفسطة
والركب السائرون الى عثمان تعد بالالاف من رجال
الحواضرالاسلامية وهم معروفون‏مشهورون ولم يعرف احد
منهم بما قذفهم ابن حبيب؟ وما الذي اخفى ما عرف منهم
الرجل على‏كل‏الصحابة والتابعين في الاوساط ولم يعلم به الا
هو فحسب؟
على ان ا نعرف جماهير من القوم لا نشك ولا يشك عاقل في
ثبوت كمال العقل لهم الى ان ماتوا او قتلواكسيدنا عمار بن
ياسر ومالك الاشتر، وكعب بن عبده، وزيد ابن صوحان،
وصعصعة بن صوحان، وعمروبن بديل بن ورقاء، ومحمد بن ابي
بكر، وعمرو بن الحمق، الى نظرائهم الكثيرين وجلهم من
رجال‏الصحاح والمسانيد، اخرج ائمة الحديث من طرقهم
احاديث جمة وصححوها، ولم يتوقف احد منهم في شي‏ءمنها
للجهل بصدورها قبل جنونهم او بعده.