قال الاميني : تغمرني الحيرة في حياء امة محمد (ص) ومبلغها
منه بعد ان كان عثمان اشدها حياء وبين‏يديك افعاله وتروكه،
فعلى الامة العفا ان صدقت الاحلام. نعم: هذا لا يكون، ونبي
العظمة لا يسرف في‏القول، ولا يجازف في الاطراء، والاسناد
باطل لا يعول عليه لمكان كوثر بن حكيم قال ابو زرعة:
ضعيف،وقال يحيى بن معين: ليس بشي‏ء، وقال احمد بن
حنبل ((982)): احاديثه بواطيل، ليس بشي‏ء، وقال
الدارقطني((983))وغيره: مجهول، وقال ابو طالب: سالت
احمد عنه فقال: ليس هو من عيالنا، وكان احمد اذ لم يرو
عن‏رجل قال: ليس هو من عيالنا، متروك الحديث، وقال:
ضعيف منكر الحديث، وقال الجوزجاني: لا يحل‏كتابة حديثه
عندي، لانه متروك، وقال ابن عدي ((984)): عامة ما يرويه
غير محفوظة، وقال ابن ابي حاتم‏عن‏ابيه ((985)): ضعيف
الحديث، قلت: هو متروك؟ قال: لا، ولا اعلم له حديثا مستقيما
وهو ليس بشي‏ء، وقال‏ابن ابي شيبة: منكر الحديث، وقال ابو
الفتح والساجي: ضعيف، وقال البرقاني والدارقطني ((986)) :
متروك‏الحديث. وذكره العقيلي ((987)) والدولابي
وابن‏الجارود وابن شاهين في الضعفاء.
ميزان الاعتدال (2/359)، لسان الميزان (4/491) ((988)).
6 اخرج ابو نعيم في الحلية (1/56) من طريق زكريا بن يحيى
المقري ((989)) عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه(ص): عثمان
احيا امتي واكرمها.
قال الاميني : ما خطر امة محمد (ص) ان كان احياها واكرمها
قتيل الصحابة العدول اثر هناته وموبقاته،وليد الشجرة الملعونة
في القرآن، وليد ابي العاص وقد صح عنه (ص) في ولده قوله:
«اذا بلغوا ثلاثين‏رجلا اتخذوا مال اللّه دولا، وعباده خولا، ودينه
دخلا» وقد كان بلاغهم ثلاثين يوم عثمان وهو احدهم‏وراسهم،
واسلفنا في ذلك قول ابي ذر الناظر اليه واليهم من كثب. فهل
يثمر الشوك العنب؟ لاها اللّه.
ايحسب الباحث ان النبي (ص) اسر بهذه المنقبة الرابية الى ابن
عمر فحسب من بين الصحابة؟ ام اعلن بهافي ملا من اصحابه
وكان في الاذان وقر؟ ام سمعوها ونسوها من يومهم الاول؟ ام
حفظوها ونبذوها وراءظهورهم يوم تركوا جثمان احيا الامة
واكرمها منبوذا ثلاثة ايام في مزبلة من غير دفن؟ ثم دفنه عدة
اناس‏ليلا وماامكنهم تغسيله وتكفينه وتجهيزه والصلاة عليه،
دفن في مقبرة اليهود بعد ما رجم سريره وكسرضلع من
اضلاعه، وعفي قبره خوفا عليه من النبش.
على ان الاسناد لا يصح لمكان زكريا بن يحيى وهو ضعيف
وشيخه يخطئ في الاسناد والمتن وقد اخطا في‏احاديث
كثيرة، وغرائب حديثه وما ينفرد به كثير.
راجع ((990)) : تاريخ الخطيب البغدادي وميزان الاعتدال
ولسانه.
7 اخرج ابن عساكر ((991)) في ترجمة عثمان من طريق ابي
هريرة مرفوعا: الحياء من الايمان واحيا امتي‏عثمان.
ضعفه السيوط‏ي في الجامع الصغير ((992)) واقره المناوي.
راجع فيض القدير (3/429).
لفت نظر حول فضائل الخلفاء الثلاثة
يعطينا سبر التاريخ والحديث خبرا بان السيرة المطردة لرجال
الوضع والاختلاق في شنشنة التقول‏والافتعال في الفضائل هي
العناية الخاصة بالملكات التي كان يفقدها الممدوح راسا.
والمبالغة والاكثار في‏كل غريزة ثبت خلافها مما علم من تاريخ
حياة الرجل ومن سيرته الثابتة المشهورة، فنجدهم يبالغون
في‏شجاعة ابي بكر بما لا مزيد عليه حتى حسبوه اشجع
الصحابة، وقد شهد مشاهد النبي (ص) كلها وماسل فيها سيفا،
ولا نزل في معترك قتال، ولا تقدم لبراز اي مجالد، وما رئي قط
مناضلا، وما شوهد يوما في‏ميادين الحراب منازلا، فاكثروا
القول فيها وجاؤوا باحاديث خرافة في شجاعته رجاء ان يثبت له
منهاشي‏ء تجاه تلك الدراية الثابتة بالمحسوس المشاهد
. ((993))
ويبالغون في زهده وتقواه وجعلوا كبده مشويا من خوف اللّه
والدخان يتصاعد من فمه الى السماء مهماتنفس، ولم يثبت له
ميز في العبادة ولم يرو عنه الاكثار من الصوم والصلاة ومن كل
ما يقربه الى اللّهزلفى ((994)).
ويبالغون في علم عمر وجعلوه اعلم الصحابة في يومه على
الاطلاق وافقههم في دين اللّه، وحابوه تسعة‏اعشار العلم، راجحا
علمه علم اهل الارض، علم احياء العرب في كفة الميزان،
وجاؤوا فيه بكثير لدة هذه‏الخرافات ((995)) والرجل قد الهاه
الصفق بالاسواق عن علم الكتاب والسنة، وكل الناس افقه منه
حتى ربات‏الحجال اخذا بقوله وهو الصادق المصدق فيه
. ((996))
ويبالغون في انكاره الباطل وبغضه الغناء ونكيره الشديد عليه،
وقد ثبت من شكيمته انه كان يتعاطاه‏ويجوزه ((997)).
ولما وجدوا ان التاريخ الصحيح وما ثبت من سيرة عثمان ينفي
عنه ملكة الحياء ويمثله للمجتمع بما يضادها،نسجوا له هذا
النسج المبرم، واتوا بالمخازي ووضعت يد الافتعال فيها ما
سمعت من الافائك، حتى جعلوه‏اشد امة محمد حياء، واحياها
واكرمها، حييا تستحي منه الملائكة. فحياء عثمان كشجاعة ابي
بكر وعلم‏عمر سالبة بانتفاء موضوعاتها، وهي فيهم تضاهي امانة
معاوية وعلمه الواردين فيما يعزى اليه(ص) من‏قوله: كاد ان
يبعث معاوية نبيا من كثرة علمه وائتمانه على كلام ربي.
وقوله: الامناء سبعة: اللوح والقلم‏واسرافيل وميكائيل وجبريل
ومحمد ومعاوية ((998)).
ويعرب عن امانة معاوية ومبلغه من هذه الملكة الفاضلة ما رواه
ابوبكر الهذلي قال: ان ابا الاسود الدؤلي‏كان يحدث معاوية يوما
فتحرك فضرط، فقال لمعاوية: استرها علي. فقال: نعم. فلما
خرج حدث بها معاوية‏عمرو بن العاص ومروان بن الحكم، فلما
غدا عليه ابو الاسود قال عمرو: ما فعلت ضرطتك يا ابا
الاسودبالامس؟ قال: ذهبت كما تذهب الريح مقبلة ومدبرة من
شيخ الان الدهر اعصابه ولحمه عن امساكها، وكل‏اجوف
ضروط. ثم اقبل على معاوية فقال: ان امرا ضعفت امانته
ومروءته عن كتمان ضرطة لحقيق بان لايؤمن على امور
المسلمين.
الاغاني (11/113)، حياة الحيوان للدميري (1/351)، محاضرات
الراغب (2/125) ((999)).
8 اخرج الحاكم في المستدرك ((1000)) (3/102)، من طريق
الدارمي، عن سعيد ابن عبد اللّه الجرجسي، عن‏محمد بن
حرب، عن الزبيدي، عن الزهري، عن عمرو ابن ابان بن عثمان
الممدوح عن جابر بن عبداللّهغ، قال: قال رسول اللّه (ص):
اري الليلة رجل صالح ان ابابكر نيط برسول اللّه (ص) ونيط عمر
بابي‏بكر ونيط عثمان بعمر. فلما قمنا من عند رسول اللّه (ص)
قلنا: اما الرجل الصالح فرسول اللّه، واما ما ذكرمن نوط بعضهم
ببعض فهم ولاة هذا الامر الذي بعث اللّه به نبيه (ص).
قال الحاكم: قال الدارمي: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد
بن حرب يسند هذا الحديث، والناس يحدثون‏به عن الزهري
مرسلا انما هو عمرو بن ابان ولم يكن لابان بن عثمان ابن يقال
له عمرو.
قال الاميني : الا تعجب من رؤيا رآها رسول اللّه (ص) وحدث
بها في ملا الصحابة ولم يسمعها منه (ص)الا جابر بن عبداللّه
وهو لم يرتب عليها اي اثر عملي، ولم يروها عنه الا حفيد
عثمان عمرو بن ابان الذي لم‏يكن له وجود، او اختلف في انه
كان او لم يكن؟ نعم، ينبغي حقا ان يكون مستدرك الصحيحين
امثال هذه‏التافهات.
9 اخرج ابن ماجة في سننه ((1001)) (1/53)، عن ابي مروان
محمد بن عثمان الاموي العثماني، عن ابيه عثمان بن‏خالد
حفيد عثمان بن عفان، عن عبدالرحمن بن ابي الزناد، عن ابيه
مولى عائشة بنت عثمان عن الاعرج،عن ابي هريرة، ان
رسول‏اللّه(ص) قال: لكل نبي رفيق في الجنة ورفيقي فيها
عثمان بن عفان.
رجال الاسناد :
1 ابو مروان، مر الايعاز اليه (ص‏290).
2 عثمان بن خالد، اسلفنا في هذا الجزء (ص‏291) كلمات
الحفاظ فيه وانه ليس بثقة، واحاديثه كلها غيرمحفوظة،
وحدث باحاديث موضوعة لا يجوز الاحتجاج به. ورواه الترمذي
((1002)) من طريق طلحة بن عبيداللّهوقال: غريب ليس
اسناده بالقوي، وهو منقطع.
3 عبدالرحمن بن ابي الزناد، قال يحيى بن معين ((1003)):
ليس ممن يحتج به اصحاب الحديث ليس بشي‏ء. وقال‏ابن
صالح وغيره عن ابن معين: ضعيف. وقال الدوري عن ابن
معين: لا يحتج بحديثه. وقال صالح بن احمدعن ابيه: مضطرب
الحديث. وعن ابن المديني: كان عند اصحابنا ضعيفا. وقال
النسائي ((1004)): لا يحتج‏بحديثه.وقال ابن سعد ((1005)):
كان كثير الحديث وكان يضعف لروايته عن ابيه.
تهذيب التهذيب ((1006)) (6/171).
وبعد ذلك كله فاني استغرب هذه الرفاقة وان الرجل بماذا
اختص بها وحصل عليها من دون الصحابة‏المقدمين ذوي
الفضائل والمثر، وفي مقدمهم صنوه (ص) امير المؤمنين علي
صلوات اللّه عليه وهو نفسه‏في الذكر الحكيم، واخوه
المخصوص به في حديث الموآخاة المعربة عن المجانسة
بينهما في النفسيات، وهوالذاب الوحيد عنه في حروبه
ومغازيه، ومثله الاعلى في العصمة والقداسة بصريح آية
التطهير، وباب مدينة‏علمه في الحديث المتواتر.
فبماذا اختص عثمان بهذه الرفاقة دون علي امير المؤمنين،
المشاكلته مع صاحب الرسالة العظمى في النسب اوالحسب في
العلم والتقوى والملكات الفاضلة؟ او لاتباعه ما جاء به (ص) من
كتاب او سنة؟ وانت متى‏استشففت ما تلوناه في هذا الكتاب من
موارد الخليفة ومصادره، واخذه ورده، وافعاله وتروكه، تعلم
مبواه‏من كل هاتيك الفضائل وتجد من المستحيل ما اثبتته له
هذه الرواية الواهية باسنادها الساقط، تعالى‏نبي‏العظمة عن
ذلك علو ا كبيرا.
ولست ادري لماذا رد اللّه دعاء نبيه الاعظم في ابي بكر الوارد
فيما اخرجه ابن‏عدي ((1007)) من طريق الزبير بن‏العوام قال:
قال رسول اللّه (ص): اللهم انك جعلت ابا بكر رفيقي في الغار
فاجعله رفيقي في الجنة ((1008)).
نعم، هذا كحديث ابن ماجة هما سواسية في البطلان، في
اسناده محمد بن‏الوليد القلانسي البغدادي، كذاب،يضع
الحديث كما مر في سلسلة الكذابين (5/256)، ومصعب بن
سعيد يحدث عن الثقات بالمناكيرويصحف ((1009))، وكان
مدلسا لا يدري ما يقول وستوافيك ترجمته، وعيسى بن يونس
مجهول لا يعرف ((1010)).
10 اخرج الحاكم في المستدرك ((1011)) (3/97)، من طريق
عبيداللّه بن عمرو القواريري البصري، عن القاسم‏بن الحكم بن
اوس الانصاري، عن ابي عبادة الزرقي، عن زيد بن اسلم، عن
ابيه قال: شهدت عثمان يوم‏حصر في موضع الجنائز، فقال:
انشدك اللّه يا طلحة اتذكر يوم كنت انا وانت مع رسول اللّه
(ص) في مكان‏كذا وكذا وليس معه من اصحابه غيري وغيرك
فقال لك: يا طلحة انه ليس من نبي الا وله رفيق من امته‏معه
في الجنة وان عثمان رفيقي ومعي في الجنة؟ فقال طلحة:
اللهم نعم. قال: ثم انصرف طلحة.
وفي لفظ احمد في مسنده ((1012)) (1/74)، بالاسناد نفسه،
عن اسلم قال: شهدت عثمان (رضى‏ا...عنه) يوم
حوصرفي‏موضع الجنائز، ولو القي حجر لم يقع الا على راس
رجل، فرايت عثمان (رضى‏ا...عنه) اشرف من الخوخة‏التي تلي
مقام جبريل (ع)، فقال: ايها الناس افيكم طلحة؟ فسكتوا. ثم
قال: ايها الناس افيكم طلحة؟فسكتوا. ثم قال: يا ايها الناس
افيكم طلحة؟ فقام طلحة بن عبيداللّه، فقال له عثمان
(رضى‏ا...عنه): الا اراك‏هاهنا! ما كنت ارى انك تكون في
جماعة تسمع ندائي آخر ثلاث مرات ثم لا تجيبني، انشدك اللّه
يا طلحة‏تذكر يوم كنت انا وانت مع رسول اللّه (ص) في موضع
كذا وكذا ليس معه احد من اصحابه غيري‏وغيرك؟ قال: نعم.
فقال لك رسول اللّه (ص): يا طلحة انه ليس من نبي الا ومعه
من اصحابه رفيق من‏امته معه في الجنة، وان عثمان
بن‏عفان(رضى‏ا...عنه) هذا يعنيني رفيقي معي في الجنة.
قال طلحة: اللهم‏نعم. ثم انصرف.
صححه الحاكم ((1013)) وعقبه الذهبي، فقال: قلت: قاسم
هذا، قال البخاري: لا يصح حديثه، وقال ابو حاتم
:مجهول. وذكره ابن حجر في تهذيب التهذيب ((1014))
(8/312) وحكى عن البخاري وابي حاتم ما ((1015))
ذكره‏الذهبي.
وفي الاسناد عبيد اللّه القواريري، روى عنه البخاري خمسة
احاديث فحسب، ومسلم اربعين حديثا ((1016)) وقدسمع منه
احمد بن يحيى مائة الف حديث ((1017)). فما حكم ذلك
الحوش الحائش مما جاء به القواريري بعدما لم‏ياخذ البخاري
ومسلم منه الا عدة احاديث وضربا عن كل ذلك صفحا؟ ومن
المستبعد جدا عدم وقوفهماعليها.
وفيه: ابو عبادة الزرقي عيسى بن عبدالرحمن الانصاري، قال
ابو زرعة: ليس بالقوي. وقال ابو حاتم ((1018)):منكر الحديث
ضعيف الحديث شبيه بالمتروك لا اعلمه روى عن الزهري
حديثا صحيحا. وقال البخاري‏والنسائي ((1019)): منكر
الحديث. وقال ابن حبان ((1020)): يروي المناكير عن
المشاهير فاستحق الترك. وقال العقيلي ((1021)):مضطرب
الحديث. وقال الازدي: منكر الحديث مجهول. وقال ابن عدي
((1022)): عامة ما يرويه لا يتابع عليه.وقال ابن حبان ايضا: لا
ينبغي ان يحتج بما انفرد به ((1023)).
قال الاميني : ولا يكاد يصح انصراف طلحة مع اصراره الثابت
في التشديد على عثمان الى آخر نفس لفظه‏الرجل، ولم يقنعه
الاجهاز عليه حتى انه منعه عن الدفن في مقابر المسلمين،
وجعل ناسا هناك اكمنهم‏كميناورموا حملة جنازته بالحجارة
وصاحوا: نعثل نعثل. وقال طلحة: يدفن بدير سلع يعني مقابر
اليهود،ولذلك قال مروان لما قتل طلحة لابان بن عثمان: قد
كفيتك بعض قتلة ابيك، ومروان كان شاهدا عليه من‏كثب
. ((1024))
ومن العجيب ان هذه المناشدة كانت في ذلك المحتشد
الرحيب بمسمع من اولئك الجم الغفير وكان لو القي‏الحجر لم
يقع الا على راس رجل لكنها لم تكفئ احدا منهم، فهل كانوا
معترفين بها معرضين عنها؟ فاين‏العدالة المزعومة فيهم؟ او
انهم عرفوا بطلانها وما صدقوا الرجلين في دعواهما فتركوها
في مدحرة‏الاعراض؟ او لم تكن هنالك مناشدة قط؟ وهو اقرب
الوجوه الى الحق.
ولو فرضنا انها اكفات طلحة كما يحسبه مختلق هذه الرواية،
فانه لم يكن الا اكفاء وقتيا ثم راجع طلحة‏رشده فعرف انها
حجة داحضة فاستمر على ما ثار له، وثبت عنه من الثبات على
عمله وتضييقه.
هذه غاية ما يمكن ان يقال متى تجشمنا لوضع هذه المزعمة
في بقعة الامكان، ومن المستصعب ذلك اوالمتعذر، وقد اسلفنا
ان الرفاقة المزعومة ليس من السهل تصديقها لعدم المجانسة
بين الرفيقين قط ولو كانت‏من جهة.
والرفاقة كالاخوة والصحبة المنبعثة ثلاثتها عن التجانس في
الخلل والمزايا تخص بعلي امير المؤمنين(ع) كما جاء مرفوعا:
«يا علي انت اخي وصاحبي ورفيقي في الجنة‏» ((1025))، وهذا
التخصص تعاضده البرهنة‏الثابتة، ويؤيد بالاعتبار.
11 اخرج ((1026)) ابو يعلى وابو نعيم وابن عساكر في تاريخه
(7/65)، والحاكم في المستدرك (3/97) من طريق‏شيبان بن
فروخ، عن طلحة بن زيد الدمشقي، عن عبيدة ((1027)) بن
حسان، عن عطاء الكيخاراني، عن جابر بن‏عبداللّه قال: بينما
نحن في بيت ابن حشفة في نفر من المهاجرين فيهم: ابو بكر،
وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة،والزبير، وعبدالرحمن بن عوف،
وسعد بن ابي وقاص‏غ، فقال رسول اللّه(ص): لينهض كل‏رجل
منكم‏الى كفئه، فنهض النبي (ص) الى عثمان فاعتنقه، وقال:
انت وليي في الدنيا والاخرة.
صححه الحاكم وعقبه الذهبي في تلخيصه وقال: قلت: بل
ضعيف، فيه طلحة ابن زيد، وهو واه عن عبيدة‏بن حسان شويخ
مقل عن عطاء. وقال السيوط‏ي في اللالئ (1/317): موضوع،
طلحة لا يحتج به، وعبيدة‏يروي الموضوعات عن الثقات.
انتهى.
وذكره ((1028)) المحب الطبري في رياضه النضرة (2/101)،
وابن كثير في تاريخه (7/212) ساكتين عما في اسناده
من‏الغمز شانهما في فضائل من يحبانه ويواليانه، ولايخفى
عليهما قول احمد: طلحة بن زيد ليس بذاك قد حدث‏باحاديث
مناكير. وقوله: ليس بشي‏ء كان يضع الحديث لا يعجبني حديثه.
وقول ((1029)) البخاري والنسائي:منكر الحديث. وقول
النسائي ايضا: ليس بثقة متروك. وقول صالح بن محمد: لا
يكتب حديثه. وقول ابن‏حبان ((1030)): منكر الحديث لا يحل
الاحتجاج بخبره. وقول‏الدارقطني ((1031)) والبرقاني: ضعيف.
وقول ابي نعيم:حدث بالمناكير لا شي‏ء. وقول الاجري عن ابي
داود: يضع الحديث. ونسبة ابن المدائني اياه الى وضع‏الحديث.
وقول الساجي: منكر الحديث ((1032)).
كما لا يخفى على الرجلين راي الحفاظ في عبيدة بن حسان،
قال ابو حاتم ((1033)): منكر الحديث، وقال ابن
حبان((1034)): يروي الموضوعات عن الثقات، وقال
الدارقطني: ضعيف. لسان الميزان ((1035)) (4/125).
والغرابة في هذه المماثلة والولاية المنبعثة عنها في الدنيا
والاخرة، وهي ليست باقل من الرفاقة التي اسلفناالقول فيها
قبيل هذا، وان من المؤسف جدا المقارنة بين رسول العظمة
وبين من لم يقم الصحابة الاولون آالعدول كلهم فيما يرتاون
له وزنا ولا راوا لحياته قيمة، ولا حسبوه لتسنم عرش الخلافة
مؤهلا، فلم يزل‏ممقوتا عندهم حتى كبت به بطنته، واجهز
عليه عمله، كما قاله مولانا امير المؤمنين ((1036)) ولم يفتا
الصحابة‏مصرين على مقته حتى اوردوه حياض المنية، ولم
تبرح اعماله مؤكدة لعقائد الملا الديني في همزه ولمزه
حتى‏وقع من الامر ما وقع.
ولا يسع قط لعارف عرفان وجه المكافاة بين نبي العظمة وبين
عثمان، فانها ان كانت من ناحية النسب فانى‏هي؟ هذا من
شجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء، وذلك من شجرة
ملعونة في القرآن.
وان كانت من حيث الحسب ففرق بينهما فيه بعد المشرقين
ولا حرج، هذا حسيب. وذلك مقشب ((1037))الحسب؟وان
كان من جهة الملكات الفاضلة والنفسيات الكريمة فالمشاكلة
منتفية وهما طرفا نقيض، هذا ناصح‏الجيب، واري الزند
((1038)) لعلى‏خلق عظيم، والاخر يحمل منها بين جنبيه ما
عرفناك حديثه.
ونحن ان اخذنا ما جاء به القوم من قضايا الملكات فالبون بينهما
شاسع ايضا، فالنبي الاقدس مثلا عندهم‏كما مر كان يكشف في
الملا عن ركبتيه وعن فخذيه وعما هو بينهما وبين سرته ولم
يكن يبالي. وعثمان ان كان‏ليكون في البيت والباب عليه مغلق،
فما يضع عنه الثوب ليفيض عليه الماء، يمنعه الحياء ان يقيم
صلبه، كما مرفي حديث الحسن (ص‏287).
وان فرضت المشاكلة من جانب الاخذ بالدين والعمل بما فيه
من افعال او تروك، فالتباين بينهما ظاهرواي‏تباين (ضرب اللّه
مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل
يستويان مثلا) ((1039)) هذا رسول‏التوحيد اسلم وجهه للّه وهو
محسن، يعبد ربه مخلصا له الدين تحت راية لا اله الا اللّه، وقرط
اذنه قوله تعالى(قل اللّه ثم ذرهم) ((1040))، وورد لسانه: (وما
توفيقي الا باللّه عليه توكلت) ((1041))، واما عثمان فهو اسير
هوى مروان‏ومعاوية وسعيد ومن شاكلهم من ابناء بيته، يسير
مع‏ميولهم‏وشهواتهم، حتى قال مولانا امير المؤمنين:«مارضيت
من مروان ولا رضي منك الا بتحويلك عن دينك وعقلك، وان
مثلك مثل جمل الظعينة سارحيث يساربه ((1042))» قدم ربه
وقد خلط عملا صالحا وآخر سيئا، كسب سيئة واحاطت به
خطيئته.
ايه ايه يا نبي العظمة انزلك الدهر ثم انزلك حتى جعلك كفو
عثمان بعد ما اختارك ربك واصطفاك من بريته‏وجعلك لسان
صدق نبيا! هذا جزاؤك من امتك جزاء سنمار (وسيعلم الذين
ظلموا اي منقلب ينقلبون)((1043)).

لفت نظر
وضعت يد الامانة الخائنة على ودائع الاسلام المقدس هذه
الرواية تجاه ما صح عن النبي الاقدس في صنوه‏الطاهر امير
المؤمنين في حديث طويل عن ابن عباس من قوله (ص) لعلي
(ع): «انت وليي في الدنياوالاخرة‏».
اخرجه احمد في مسنده ((1044)) (1/331) باسناد صحيح
رجاله كلهم ثقات كما مر الايعاز اليه في الجزء الاول(ص‏50)،
وفي الجزء الثالث (ص‏195)، رجاله:
1 يحيى بن حماد ابو بكر البصري، احد رجال الصحيحين،
وثقه ((1045)) ابن سعد وابو حاتم وابن حبان‏والعجلي.
2 ابو عوانة الوضاح اليشكري، من رجال الصحيحين. وثقه
((1046)) ابو زرعة‏وابو حاتم واحمد وابن حبان وابن‏سعد
والعجلي وابن شاهين. وقال ابن عبد البر: اجمعوا على انه ثقة
ثبت حجة.
3 ابو بلج يحيى بن سليم الواسط‏ي، وثقه ابن معين وابن سعد
((1047)) والنسائي والدارقطني وابن حبان وابوالفتح الازدي.
4 عمرو بن ميمون ابو عبداللّه الكوفي، ادرك الجاهلية ولم
يلق النبي (ص). وثقه ((1048)) العجلي وابن معين‏والنسائي
وغيرهم، عن ابن عباس.
واخرجه جمع من الحفاظ وذكره غير واحد من المؤلفين،
ومنهم ((1049)):
1 الحافظ ابو عبدالرحمن النسائي المتوفى (303)، في
الخصائص (ص‏7).
2 الحافظ ابو القاسم الطبراني المتوفى (360)، كما في الفرائد
والمجمع وغيرهما.
3 الحافظ ابو يعلى النيسابوري المتوفى (374) ((1050)) كما
في البداية والنهاية.
4 الحافظ ابو عبداللّه الحاكم المتوفى (405) في المستدرك
(3/132) وصححه.
5 الحافظ ابو بكر البيهقي المتوفى (458) كما في المناقب
للخوارزمي.
6 اخطب خوارزم ابو المؤيد المتوفى (568) في المناقب
(ص‏75).
7 الحافظ ابو القاسم بن عساكر المتوفى (571) في الاربعين
الطوال والموافقات.
8 الحافظ ابو عبداللّه الكنجي المتوفى (658) في كفاية
الطالب (ص‏115).
9 الحافظ المحب الطبري المتوفى (694) في الرياض النضرة
(2/203) وذخائر العقبى (ص‏87).
10 شيخ الاسلام الحموئي المتوفى (722) في فرائد
السمطين.
11 الحافظ ابن كثير الدمشقي المتوفى (774) في البداية
والنهاية (7/337).
12 الحافظ ابو الحسن الهيثمي المتوفى (807) في مجمع
الزوائد (9/108) وصححه من طريق احمد.
13 الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى (852) في الاصابة
(2/509).
14 ابو حامد محمود الصالحاني ((1051)) كما في توضيح
الدلائل لشهاب الدين احمد.
15 السيد شهاب الدين احمد ((1052)) في توضيح الدلائل
على ترجيح الفضائل.
16 الشيخ احمد بن الفضل باكثير المتوفى (1047) في وسيلة
المل.
17 ميرزا محمد البدخشاني المتوفى (1123) ((1053)) في
نزل الابرار (ص‏16) ومفتاح النجا.
18 شاه ولي اللّه الهندي المتوفى (1126) ((1054)) في ازالة
الخفاء (2/261).
19 الامير محمد بن اسماعيل اليمني الصنعاني في الروضة
الندية.
20 المولوي ولي اللّه الهندي المتوفى (1270) ((1055)) في
مرآة المؤمنين. وغيرهم.
هذا ما صح عن النبي الاعظم من قوله: «انت وليي في الدنيا
والاخرة‏»، (فبدل الذين ظلموا منهم قولا غيرالذي قيل لهم)
. ((1056))
12 اخرج البزار ((1057)) من طريق خارجة بن مصعب، عن
عبداللّه بن عبيد الحميري البصري، عن ابيه قال:كنت عند
عثمان حين حصر فقال: هاهنا طلحة؟ فقال طلحة: نعم. فقال:
انشدتك اللّه اما علمت انا كنا عندرسول اللّه (ص)، فقال: لياخذ
كل رجل منكم بيد جليسه فاخذت بيد فلان، واخذ فلان بيد
فلان،حتى‏اخذ كل رجل بيد صاحبه واخذ رسول اللّه (ص)
بيدي وقال: هذا جليسي في الدنيا ووليي في‏الاخرة؟ قال:
اللهم نعم.
وذكره ابن حجر في فتح الباري ((1058)) (5/315) عن ابن
مندة من طريق عبيد الحميري المذكور ساكتا عما في‏اسناده
من العلة، كانه ليس هو الذي حكى تلكم الاراء الواردة في جرح
خارجة بن مصعب عن الحفاظ‏وائمة الجرح والتعديل. قال في
تهذيب التهذيب ((1059)) (3/78): قال الاثرم عن احمد: لا
يكتب حديثه. وقال‏عبداللّه بن احمد: نهاني ابي ان اكتب عنه
شيئا من الحديث. وقال الدوري ومعاوية وعباس عن ابن
نمير:ليس بثقة، ليس بشي‏ء، كذاب ضعيف. وقال ابن معين
((1060)): ليس بشي‏ء. وقال يحيى بن يحيى: يدلس.
وقال‏النسائي ((1061)): متروك الاحاديث، ليس بثقة،ضعيف.
وقال ابن سعد ((1062)): اتقى الناس حديثه فتركوه. وقال
ابن‏خراش وابو احمد: متروك الحديث. وقال الدارقطني
((1063)): ضعيف. وقال يعقوب: ضعيف الحديث عند
جميع‏اصحابنا. وقال ابن المديني: هو عندنا ضعيف. وقال ابو
داود: ضعيف ليس بشي‏ء. وقال ابن حبان ((1064)): وقع
في‏حديثه الموضوعات عن الاثبات لا يجوز الاحتجاج بخبره.
وذكره ابن الجارود والعقيلي ((1065)) وابن السكن‏وابو زرعة
وابو العرب وغيرهم في الضعفاء.
وقال السيوط‏ي في اللالئ (1/317): قال ابن حبان: خارجة
يدلس عن‏الكذابين ووقع في حديثه‏الموضوعات.
ولعلنا اوقفناك على مقياس صحيح في امثال هذه الرواية في
ذيل الروايتين اللتين تشبهانها قبيل هذا، فانك‏اذن لا تجد
مقيلا لها من الصحة والاعتبار نظرا الى متنها قبل ان تقف على
ضعف اسنادها، فدعها ومر بهاكريما، وذر الوضاعين في غلوائهم
يرمون القول على عواهنه.
ولو كان طلحة سمع هذه المزعمة منه (ص) واعترف بها يوم
الحصار في ملا الصحابة لما كان ياخذ بخناق‏الرجل ويشدد
عليه، وما كان يثير عليه نقع الفتن حتى يورده مورد المنية،
ولم يك يمنع عنه ايصال الماء اليه،ولم يرض بانهاء امره الى
القتل الذريع، ولم يرضه دفنه في مقابر اليهود.
لو كان طلحة يعرف شيئا من هذه الرواية لما استسهل ركوب
ذلك المركب الصعب الجموح وهو صحابي‏عادل احد العشرة
المبشرة كما يحسبون.
13 اخرج ابن ماجة في سننه ((1066)) (1/53)، عن ابي
مروان محمد بن عثمان الاموي العثماني، عن ابيه عثمان
بن‏خالد حفيد عثمان بن عفان، عن عبدالرحمن بن ابي الزناد،
عن ابيه، عن الاعرج، عن ابي هريرة: ان النبى(ص) لقي عثمان
عند باب المسجد فقال: يا عثمان هذا جبريل اخبرني ان اللّه قد
زوجك ام كلثوم بمثل‏صداق رقية على مثل صحبتها. ورواه ابن
عساكر ((1067)) كما في تاريخ ابن كثير ((1068)) (7/211).
قال الاميني : اسلفنا فيما مر صفحة (290) ان محمد بن عثمان
يخطئ ويخالف ويروي عن ابيه مناكير، وان اباه‏ليس بثقة
واحاديثه غير محفوظة، وانه حدث باحاديث موضوعة لا يجوز
الاحتجاج به، ومر في صفحة(295) ان عبدالرحمن بن‏ابي
الزناد ليس ممن يحتج به اصحاب الحديث، وانه ضعيف
مضطرب الحديث لايحتج بحديثه، وعليك بمراجعة ما فصلناه
في الجزء الثامن (ص‏231 234).
14 اخرج ابن عدي ((1069))، قال: حدثنا محمد بن داود بن
دينار، حدثنا احمدابن محمد بن الحباب البصري،حدثنا عمرو
بن فائد البصري، عن موسى بن سيار البصري، عن الحسن
البصري، عن انس مرفوعا: ان‏للّهتعالى سيفا مغمودا في غمده ما
دام عثمان بن عف ان حيا، فاذا قتل جرد ذلك السيف فلم
يغمد الى يوم‏القيامة، ورواه ابن عساكر ((1070)) بالاسناد.
قال السيوط‏ي في اللالئ (1/316): موضوع آفته عمرو بن فائد،
وشيخه كذاب ايضا.
قال الاميني : الا تعجب من السيوط‏ي؟ يحكم هاهنا على
الرواية بالوضع‏ويكذب راويها ويذكرها في تاريخ‏الخلفاء
((1071)) (ص‏110) في عد فضائل عثمان ويقتصر على قوله:
تفرد به عمرو بن فائد وله مناكير. نعم، هكذايموهون على
الحقائق ويغرون الناس بالجهل، كان على الرجل ان يلغيها عن
سياق عد الفضائل التي من‏طبعها ان يحتج بها بعد ما رآها
موضوعة رواها كذاب عن كذاب، غير انه لو اقتصر على ما يحتج
به في‏باب الفضائل، والغى مالا يصح منها سندا او متنا، لما يجد
هو وغيره فضيلة قط لعثمان، وهذا مما لا يروقه‏هو ولا يحبذه
قومه.
وللدارقطني، وابن المديني، والعقيلي، وابن عدي، والنسائي،
والذهبي، كلمات‏في جرح عمرو بن فائد وبطلان‏حديثه. راجع
لسان الميزان (4/372). ((1072))
وليحيى القطان، وابي حاتم، وابن عدي، وابن معين، والذهبي،
اقوال في تفنيد موسى بن سيار البصري‏وتكذيبه وبطلان
حديثه.
راجع ((1073)) : ميزان الاعتدال (3/211)، ولسان الميزان
(6/120).
وفي الاسناد محمد بن داود الفارسي، قال الذهبي في الميزان
(3/54): من شيوخ ابن عدي، ذكره فقال: ((1074))
كان‏يكذب. وذكر ابن حجر في اللسان ((1075)) (5/161)
حديثا في فضل علي امير المؤمنين فقال: هو من وضع
محمدبن داود بن دينار.
هذا شان هذه المكذوبة، غير ان اناسا من الغالين في الفضائل
كالسيوط‏ي‏والقرماني ((1076)) واحمد زيني
دحلان((1077))اتخذوها حجة عند ذكرهم فضائل عثمان
مرسلين‏اياها ارسال المسلم شانهم في الموضوعات المفتعلة
في‏الثناء على رجالاتهم.
15 واخرج الحاكم في المستدرك ((1078)) (3/103) من
طريق احمد بن كامل القاضي، عن احمد بن محمد بن
عبدالحميد الجعفي، عن الفضل بن جبير الوراق، عن خالد بن
عبداللّه الطحان المزني، عن عطاء بن السائب، عن‏سعيد بن
جبير، عن ابن‏عباس غ قال: كنت قاعدا عند النبي (ص) اذ اقبل
عثمان بن عفان(رضى‏ا...عنه)، فلما دنا منه، قال: يا عثمان
تقتل وانت تقرا سورة البقرة، فتقع قطرة من دمك
على(فسيكفيكهم اللّه وهو السميع العليم) ((1079)) وتبعث
يوم القيامة اميرا على كل مخذول، يغبطك اهل الشرق‏والغرب،
وتشفع في عدد ربيعة ومضر.
قال الاميني : سكت الحاكم عن صحة الحديث، وانصف الذهبي
فقال في تلخيصه: كذب بحت، وفي الاسناداحمد بن محمد بن
عبدالحميد الجعفي، وهو المتهم به. انتهى.
وشيخ الجعفي ايضا لا يتابع على حديثه، كما قاله ((1080))
العقيلي وحكاه عنه الذهبي في الميزان وابن حجر في‏لسانه
(4/438).
ان مما يقضى منه العجب ان احدا من الصحابة العدول لم
يسمع هذا الحديث عن النبي (ص)، كان المجلس‏الذي القى
(ص) فيه هذه الكلمة كان خلوا عنهم جميعا،ومن العجيب ايضا
انه لم يروه احد منهم لصاحبه آان كان سمعه احد حتى
تتداوله الالسن، فعسى ان يكون رادعا عن التجمهر على عثمان
والاتفاق على نبذه‏والجراة على قتله، نعم، لم يسمعه احد منه
(ص) عدا ابن عباس الذي كان صبيا في عهد النبوة لم
يبلغ‏الحلم، وقد توفي (ص) وابن عباس ابن ثلاث عشرة سنة
كما قاله الواقدي والزبير، وصححه ابو عمر في‏الاستيعاب، او
عشر سنين كما روي عن ابن عباس نفسه من وجوه ((1081))
او اكثر منها، وربما يشك في انه هل‏كان يحسن التحمل عندئذ
او لا؟ ولعله هو ايضا كان شاكا في تحمله هذا الحديث حيث
جاءته استغاثة‏عثمان((1082)) وهو يخطب الحاج يوم عرفة
فتلاها نافع بن طريف، فلما اتمها مضى ابن عباس في خطبته
غير مكترث‏لاستغاثة الخليفة وهو بين الناب والمخلب، على
حين‏انه كان منصوبا من قبله لامارة الحاج، فلم يعرض‏لشي‏ء
من شانه ولا للزوم الدفاع عنه، وما ذلك الا لاصفاقه مع
المجهزين عليه في الراي والالكان من واجبه‏الحث على الذب
عنه، وبيان وجوب اغاثته، ومل‏ء سمعه هذا الحديث الذي عزي
اليه ومل‏ء فيه روايته آوحاشاه عن روايته وكان الحضرة
النبوية نصب عينيه يتلقى منه الرواية، وهو الذي يقتضيه
عدله‏وتقواه.
وهناك شاهد آخر لعدم اخباته الى مضمون هذه الرواية وهو انه
لما بعثه عثمان اميرا على الحاج لقيته عائشة‏في بعض المنازل
فقالت له: يابن عباس ان اللّه قد آتاك عقلا وفهما وبيانا فاياك
ان ترد الناس عن هذاالطاغية ((1083)) تعني عثمان، فلم يبد
ابن عباس لها تجاه تلك الشدة تجهما ولا قولا لينا كمن يوافقها
على النزعة، كمارد عليها في حثها على عدم التخذيل عن
طلحة وجنوحها الى توليه الامر، فلو كان ابن عباس‏يعرف
في‏شان عثمان شيئا من هذه الرواية لرواه لها واتخذه مستندا
في الدفاع عنه، فجامع القول ان الحبر لم يسمع مماتقول عليه
شيئا، وانما هو من مواليد العهد الاموي بعد عهد ابن عباس.
وليس من المستسهل الكشف عن امارة المخذولين يوم
القيامة، كما ان من المستصعب جدا عرفان
اعيانهم‏واشخاصهم، افيهم اولئك الصفوة الابرار من الصحابة
والتابعين امثال ابي ذر وعمار وابن مسعود ومالك‏الاشتر وزيد
وصعصعة ابني صوحان وكعب بن عبدة وعامر بن عبدقيس
وآخرين من صلحاء المدينة‏والكوفة والبصرة الذين خذلهم
عثمان وابناء بيته؟
ولعل في المخذولين الحكم ومروان وآلهما وعبداللّه بن ابي
سرح وابا سفيان وولده واضرابهم الذين خذلهم‏الاسلام وآواهم
عثمان وعززهم وسلطهم على صلحاء الامة من الصحابة
الاولين والتابعين لهم باحسان.
ونحن على يقين من ان الشفاعة المزعومة التي لا تصدقها
سيرة عثمان ولا تساعدها البرهنة ويضادها نداءالكتاب الكريم
ان حققت تدنس ساحة الجنة المقدسة بادخال عثمان ارجاس
آل امية فيها كما يعرب عنه‏قوله الثابت المذكور في الجزء
الثامن (ص‏291):
لو ان بيدي مفاتيح الجنة لاعطيتها بني امية حتى يدخلوا من
عند آخرهم.
16 اخرج الحاكم في المستدرك ((1084)) (3/103)، عن
عبداللّه بن اسحاق بن‏ابراهيم العدل ((1085))، عن يحيى بن
ابي‏طالب، عن بشار بن موسى الخفاف البصري، عن الحاطبي
عبدالرحمن ((1086)) بن محمد، عن ابيه، عن جده، قال:لما
كان يوم الجمل خرجت انظر في القتلى. قال: فقام علي
والحسن بن علي وعمار بن ياسر ومحمد بن ابي‏بكر وزيد بن
صوحان يدورون في القتلى. قال: فابصر الحسن بن علي قتيلا
مكبوبا على وجهه فقلبه على‏قفاه ثم صرخ ثم قال: انا للّه وانا
اليه راجعون فرخ قريش واللّه. فقال[له] ((1087)) ابوه: من هو
يا بني؟ قال:محمد بن طلحة بن عبيداللّه. فقال: انا للّه وانا اليه
راجعون، اما واللّه لقد كان شابا صالحا، ثم قعد كئيباحزينا، فقال
له الحسن: يا ابت قد كنت انهاك عن هذا المسير فغلبك على
رايك فلان وفلان. قال: قد كان ذاك يابني ولوددت اني مت
قبل هذا بعشرين سنة. قال محمد بن‏حاطب: فقمت فقلت: يا
امير المؤمنين انا قادمون‏المدينة والناس سائلونا عن عثمان
فماذا نقول فيه؟ قال: فتكلم عمار بن ياسر ومحمد بن ابي بكر
فقاما وقالا،فقال لهما علي : يا عمار ويا محمد تقولان: ان
عثمان استاثر واساء الاثرة وعاقبتم واللّه فاساتم
العقوبة،وستقدمون على حكم عدل يحكم بينكم، ثم قال: يا
محمد بن حاطب اذا قدمت المدينة وسئلت عن عثمان‏فقل:
كان واللّه من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم
اتقوا واحسنوا واللّه يحب‏المحسنين وعلى‏اللّه فليتوك ل
المؤمنون.
قال الاميني : سكت الحاكم عما في اسناد هذه الاكذوبة من
العلل ولم يصححه ولم ينبس فيه بكلمة غمز ولاتصحيح،
واكتفى الذهبي فيه بقوله: بشاربن موسى واه. ونحن نقول:
عبداللّه بن اسحاق بن ابراهيم، قال الدارقطني: فيه لين، وذكره
بذلك الخطيب البغدادي في تاريخه(9/414).
ويحيى بن ابي طالب، قال فيه موسى بن هارون: اشهد انه
يكذب عني. وقال مسلمة بن قاسم: تكلم فيه‏الناس. لسان
الميزان ((1088)) (6/262).
وبشار بن موسى البصري، قال ابن معين ((1089)): ليس بثقة،
وقال: انه من الدجالين. وقال ابو حفص: ضعيف‏الحديث. وقال
البخاري ((1090)): منكر الحديث، وقد رايته وكتبت عنه
وتركت حديثه. وقال ابوداود: ضعيف.وقال النسائي ((1091)):
ليس بثقة. وقال ابوزرعة: ضعيف. وقال ابو احمد الحاكم: ليس
بالقوي عندهم. وذكرعندالفضل بن سهل، فاساء القول فيه
. ((1092))
وعبدالرحمن الحاطبي، ضعفه ((1093)) ابو حاتم الرازي كما
في ميزان الاعتدال للذهبي. ووالده عثمان لم اقف على‏ثناء
عليه في معاجم التراجم.
فاي عبرة بما يرويه او يرتئيه امثال هؤلاء الدجالين؟ على ان
مولانا امير المؤمنين (ع) كان على بصيرة من‏مسيره الى حروبه
كلها ومنقلبه عنها وفي جميع ما ارتكبه فيها او تركه، وكل
ذلك كان بامر من رسول اللّه(ص) وعهد منه اليه (ع)، وقد عد
ذلك من فضائله، وكان (ص) يحث اصحابه على مناصرته
يومئذ كمامر تفصيله في الجزء الثالث (ص‏188 195) وكان
(ص) يقول: «سيكون بعدي قوم يقاتلون علياعلى اللّهجهادهم
فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه
فبقلبه، ليس وراء ذلك شي‏ء» ((1094)). وكان‏ابو ايوب
الانصاري وغيره من الصحابة يقول: عهد الينا رسول اللّه (ص)
ان نقاتل مع علي‏الناكثين ((1095)).
وكان رسول اللّه (ص) يحذر ام المؤمنين عائشة عن ذلك
التبرج تبرج الجاهلية الاولى ويقول لها: «ياحميراء كاني بك
تنبحك كلاب الحواب تقاتلين عليا وانت له ظالمة‏» ((1096)).
وقد صح عنه (ص) كما مر في(3/191) قوله للزبير: «انك تقاتل
عليا وانت ظالم له‏».
فكان مولانا امير المؤمنين صلوات اللّه عليه مندفعا الى ماناء به
من اعباء تلكم الحروب بالامر النبوي، ولم‏يكن قط قد غلب على
رايه فلان وفلان، ولم يكن‏الامام المجتبى المعصوم عن كل زلة
وهفوة بالذي ينهى اباه‏عما امر به جده الذي لا ينطق عن
الهوى ان هو الا وحي يوحى، ولا امير المؤمنين (ع) بالذي يندم
على مانهض به من قم جذور الفساد وقلع جذومه، ولو سوغنا
عليه الندم في هذه لسوغنا عليه فيمن قتله في‏مغازي الرسول
(ص) من اشياع الكفر وزبانية الشرك والالحاد، فاذ كان سلام
اللّه عليه في المقامين‏جميعامنبعثا بباعث الهي ومصلحة دينية
من استئصال شافة العيث وقطع جراثيم الالحاد، فلا يطرق
ساحته‏المقدسة الندم في اي من الحالين.
واي صلاح في محمد بن طلحة؟ وقد شهر سيفه يحارب امام
المسلمين وقد امر بنصرته والجهاد معه، فحاله‏حال ابيه في
الزيغ والنكوص عن السنن اللاحب. هذه حقيقة الامر لكن
مهملجة الخلاف الوضاعين شاؤواان يختلقوا ما يبرر اعمال
الواثبين مع الهودج فقالوا. ولكن اين؟ وانى؟...
وكيف يصح عن مولانا امير المؤمنين ما اختلقوا عليه من قوله
لمحمد بن حاطب؟ وقد صدر عنه من فعل‏وقول قبل هذا
الموقف وبعده ما يعرب عن رايه في عثمان، ولا يصدق الخبر
الخبر، راجع ما مر في هذا الجزء(ص‏69 77)، وفي الجزء
الثامن (ص‏287 298، 300، 301)، وفي الجزء السابع (ص‏81).
وهل تساعد سيرة الرجل ان يراه امير المؤمنين من الذين آمنوا
وعملوا الصالحات (ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقواواحسنوا) ((1097))
الاية؟ وهي التي اركبته النهابير، وسقته كاس المنية، وكانت
تخالف الكتاب والسنة،والصحابة الاولون وفي مقدمهم سيدنا
الامام (ع) كانوا مطبقين على النكير والنقمة عليها،
ولاجلهاتمخضت البلاد عليه، وهي التي اقعدت الصحابة عن
نصرته والذب عنه، وهي التي زحزحت الامة الصالحة‏عن
تجهيزه وتكفينه والصلاة عليه، وهي التي دفنته في مقابر
اليهود بعد ما بقي جثمانه في مزبلة اياماوليالي تمربه عواصف
الذل والهوان والملا الديني ينظر اليه من كثب، والناس قد
بايعوا امير المؤمنين عليا (ع) وبيده‏مقاليد الامور يسمع قوله
ويطاع، وهو الذي يتحمس لامر ما، يراه الناس هينا وهو عنده
عظيم، فيعاتب‏اصحابه ويقول في خطبته له: «لقد بلغني ان
الرجل منهم كان يدخل على المراة المسلمة، والاخرى
المعاهدة،فينتزع حجلها وقلبها وقلائدها ورعاثها ((1098)) ما
تمتنع منه الا بالاسترجاع والاسترحام ثم انصرفواوافرين، ما نال
رجلا منهم كلم، ولا اريق لهم دم، فلو ان امرا مسلما مات من
بعد هذا اسفا ما كان به ملوما،بل كان به عندي جديرا»
((1099))((1099)). هذا امير المؤمنين وهذا مبلغ غيرته على الاسلام
واهله ولكن:
وابن عفان حوله لم يجهز
ه ولا كف عنه كف اذاها
لست ادري اكان ذلك مقتا
من علي ام عفة ونزاها
(فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل
((1100))((1100))، (ولئن اتبعت اءهواءهم بعد الذي جاءك من‏العلم اللّه)
ما لك من اللّه من ولي ولا نصير) ((1101)).
17 اخرج ابن ابي الدنيا، من طريق فرج بن فضالة الدمشقي،
عن مروان بن ابي امية، عن عبداللّه بن‏سلام، قال: اتيت عثمان
لاسلم عليه وهو محصور فدخلت عليه فقال: مرحبا باخي،
مرحبا باخي، رايت‏رسول اللّه (ص) الليلة في هذه الخوخة
قال: وخوخة في البيت فقال: يا عثمان حصروك؟ قلت:
نعم.قال: عطشوك ؟ قلت: نعم، فادلى دلوا فيه ماء، فشربت
حتى رويت حتى اني لاجد برده‏بين ثديي وبين‏كتفي، وقال
لي: ان شئت نصرت عليهم، وان شئت افطرت عندنا، فاخترت
ان افطر عنده. فقتل ذلك اليوم((1102)).
قال الاميني : هذه السفسطة من آفات فرج بن فضالة
الدمشقي. قال احمد: يحدث عن الثقات احاديث‏مناكير
((1103)). وقال ابن معين: ضعيف الحديث. وقال ابن المديني:
ضعيف لا احدث عنه. وقال البخاري((1104))ومسلم: منكر
الحديث. وقال النسائي ((1105)): ضعيف. وقال ابو حاتم
((1106)): لا يحتج به. وقال ابو احمد:حديثه ليس بالقائم. وقال
الدارقطني: ضعيف الحديث. وذكر البرقاني حديثا للدارقطني
من طريق فرج بن‏فضالة فقال الدارقطني: هذا باطل. فقال
البرقاني: من جهة الفرج؟ قال: نعم. وقال عبدالرحمن بن
مهدي:حدث باحاديث منكرة مقلوبة. وقال الساجي: ضعيف
الحديث. وقال الخطيب: لا يغتر ((1107)) احد بالحكاية‏المروية
في توثيقه عن ابن مهدي فانها من رواية سليمان بن احمد وهو
الواسط‏ي وهو كذاب، وقد قال‏البخاري:تركه ابن مهدي. وقال
ابن حبان ((1108)): فرج بن فضالة يقلب الاسانيد ويلزق
المتون الواهية‏بالاسانيد الصحيحة لا يحل الاحتجاج به. وقال
الحاكم: هو ممن لا يحتج به ((1109)).
هذا فرج بن فضالة، واما شيخه مروان فلست ادري اي هي بن
((1110))، لم اقف في المعاجم على ترجمته ولم‏اجد له بي هو
ذكرا لا في مشايخ ابن فضالة ولا فيمن يروي عن ابن سلام
ولعله لم يولد بعد، وكم في سلسلة اسانيدالفضائل امثاله من
اناس لاتعرفهم ام الدنيا، وما صورهم قلم التصوير، وانما اختلق
اسماءهم الغلوفي‏الفضائل.
ولست ادري هل اسر عثمان بهذه المكرمة الى ابن سلام
فحسب؟ او اخبر بها هو او ابن سلام جمهورالصحابة فوجدوها
رؤيا لا تنهض للحجة؟ او بلغتهم حينما مس الحزام الطبيين،
وبلغ السيل الزبى، واتسع‏الخرق على الراقع؟ حينما فاتت
الخليفة نهزة الحجاج، وتمت عليه الحجة واصبح محجوجا،
والامة مجتمعة‏على مقته وقطع اصول حياته، وهي لا تجتمع
على خطا.
وفي الرواية موقع نظر ايضا من ناحية صوم عثمان عند من ارخ
قتله بثاني ايام التشريق كما في رواية ابي‏عثمان النهدي في
انساب البلاذري (5/86)، وقد رواه الواقدي ايضا، واختاره
المبرد في الكامل ((1111)) (2/241)،وذكره ((1112)) ابو عمر
في الاستيعاب (2/477)، وابن الجوزي في صفة الصفوة
(1/117)، وابن حجر الهيتمي في‏الصواعق (ص‏66)، والعسقلاني
في تهذيب التهذيب (7/141)، والسيوط‏ي في تاريخ الخلفاء
(ص‏109)والديار بكري في‏تاريخ الخميس (2/258، 264)، ومن
مؤلفي اليوم الاستاذ علي فكري في احسن القصص(3/164)
وذلك ان الصوم في ايام التشريق محظور عند القوم، وهو قول
ابي حنيفة والشافعي وعند مالك‏لغير المتمتع ((1113)).
وقال‏ابن العماد الحنبلي في الشذرات ((1114)) (1/41): قوله:
قال لي النبي (ص) : وتفطر عندنا، معناه‏اول شي‏ء تستعمله
على الريق يكون عندنا لا انه فطر صائم ، اذ لم يكن يومئذ
صائما، فان يوم قتله كان‏ثاني ايام التشريق، ولا يجوز صومه.
انتهى.
وهذا التاويل يخالف ما اثنى به المؤرخون على عثمان من انه
كان يوم قتله صائما، وهو من المتسالم عليه عندالقوم سلفا
وخلفا حتى اليوم كما ذكره الاستاذ علي فكري في احسن
القصص (3/164). ويضادايضاصريح‏ما اخرجه ابن كثير في
تاريخه (7/182) من طريق ابن عمر عن عثمان قال: رايت
النبي (ص) في المنام‏فقال: يا عثمان افطر عندنا، فاصبح صائما
وقتل من يومه.
وكذلك لا يلتئم هو وما اخرجه الهيثم بن كليب بالاسناد عن
نائلة بنت الفرافصة امراة عثمان قالت: لم احصر عثمان ظل
اليوم الذي كان فيه قتله صائما، فلما كان عند افطاره سالهم
الماء العذب فابوا عليه، وقالوا:دونك ذلك الركي ((1115))
والركي في الدار الذي يلقى فيه النتن قالت: فلم يفطر، فرايت
جارا على احاجيرمتواصلة وذلك في السحر فسالتهم الماء
العذب، فاعطوني كوزا من ماء فاتيته فقلت: هذا ماء عذب‏اتيتك
به، قالت: فنظر فاذا الفجر قد طلع فقال: اني اصبحت صائما،
قالت: فقلت: ومن اين [اكلت] ((1116)) ولم‏ار احدا اتاك بطعام
ولا شراب؟ فقال: اني رايت رسول اللّه (ص) اطلع على من هذا
السقف ومعه دلو من‏ماء فقال: اشرب يا عثمان، فشربت حتى
رويت، ثم قال: ازدد، فشربت حتى نهلت، ثم قال: اما ان
القوم‏سينكرون عليك، فان قاتلتهم ظفرت، وان تركتهم
افطرت عندنا. قالت: فدخلوا عليه من يومه فقتلوه((1117)).
نعم، ان الحديثين لا يعول عليهما ايضا لما في اسنادهما من
داعية الى الارجاء يبغض اهل بيت نبيه، ومن‏مجهول منكر لا
يعرف، ومن متحامل على امير المؤمنين من الفئة الباغية،
فالحديثان كرواية ابن ابي الدنياباطلان، وما ذهب اليه القوم
من ان الرجل كان يوم قتله صائمامنقبة مفتعلة لا تصح
لاستنادهم فيها الى‏تلكم الاباطيل التي اختلقتها يد الغلو في
الفضائل.
18 اخرج الحاكم وابن عساكر ((1118)) وغيرهما من طريق
محمد بن يونس الكديمي ابي العباس البصري، عن‏هارون بن
اسماعيل الخزاز ابي الحسن البصري، عن قرة بن خالد
السدوسي البصري، قال: سمع الحسن‏البصري، عن قيس بن
عباد البصري، قال: شهدت عليا (رضى‏ا...عنه) يوم الجمل يقول
كذا: اللهم اني ابرااليك من دم عثمان، ولقد طاش عقلي يوم
قتل عثمان وانكرت نفسي وارادوني على البيعة، فقلت:واللّه
اني‏لاستحيي من اللّه ان ابايع قوما قتلوا رجلا قال له رسول
اللّه(ص): الا استحيي ممن تستحيي منه الملائكة.واني
لاستحيي من اللّه ان ابايع وعثمان قتيل على الارض لم يدفن
بعد فانصرفوا، فلما دفن رجع الناس الي‏فسالوني البيعة، فقلت:
اللهم اني مشفق لما اقدم عليه ثم جاءت عزيمة فبايعت، فلقد
قالوا: يا امير المؤمنين‏فكانما صدع قلبي، فقلت: اللهم خذ مني
لعثمان حتى ترضى. وفي لفظ ابن كثير: فلما قالوا: امير
المؤمنين. كان‏صدع قلبي وامسكت ((1119)).