(15) راي الخليفة في صيد الحرم((858))
اخرج امام الحنابلة احمد وغيره باسناد صحيح عن عبد اللّه بن
الحارث بن نوفل قال: اقبل عثمان الى مكة،فاستقبلته بقديد،
فاصطاد اهل الماء حجلا فطبخناه بماء وملح، فقدمناه الى
عثمان واصحابه فامسكوا، فقال‏عثمان: صيد لم نصده ولم نامر
بصيده اصطاده قوم حل فاطعموناه فما باس به. فبعث الى علي
فجاء، فذكر له‏فغضب علي وقال: «انشد رجلا شهد رسول اللّه
(ص) حين اتي بقائمة حمار وحش فقال رسول اللّه (ص) اناقوم
حرم فاطعموه اهل الحل‏» فشهد اثنا عشر رجلا من اصحاب
رسول اللّه (ص)، ثم قال علي: «انشد اللّهرجلا شهد رسول اللّه
(ص) حين اتي ببيض النعام فقال رسول اللّه (ص): انا قوم
حرم اطعموه اهل‏الحل‏» فشهد دونهم من العدة من الاثني عشر
قال: فثنى‏عثمان وركه من الطعام فدخل رحله، واكل
الطعام‏اهل الماء.
وفي لفظ آخر لاحمد عن عبد اللّه بن الحارث: ان اباه ولي طعام
عثمان، قال: فكاني انظر الى الحجل حوالي‏الجفان فجاء رجل
فقال: ان عليا (رضي اللّه عنه) يكره هذا، فبعث الى علي وهو
ملطخ يديه بالخبط فقال:انك لكثير الخلاف علينا، فقال علي:
«اذكر اللّه من شهدا النبي (ص) اتي بعجز حمار وحش وهو
محرم فقال:انا محرمون فاطعموه اهل الحل‏». فقام رجال
فشهدوا ثم قال: «اذكر اللّه رجلا شهد النبي (ص) اتي
بخمس‏بيضات بيض نعام فقال: انا محرمون فاطمعوه اهل
الحل‏» فقام رجال فشهدوا، فقام عثمان فدخل فسطاطه‏وتركوا
الطعام على اهل الماء.
وفي لفظ الامام الشافعي: ان عثمان اهديت له حجل وهو
محرم، فاكل القوم الا عليا فانه كره ذلك.
وفي لفظ لابن جرير: حج عثمان بن عفان فحج علي معه، فاتي
عثمان بلحم صيد صاده حلال، فاكل منه ولم‏ياكله علي، فقال
عثمان: واللّه ما صدنا ولا امرنا ولا اشرنا فقال علي (وحرم
عليكم صيد البر ما دمتم‏حرما) ((859)).
وفي لفظ: ان عثمان بن عفان (رضي اللّه عنه) نزل قديدا فاتي
بالحجل في الجفان شائلة بارجلها، فارسل الى‏علي (رضي اللّه
عنه) وهو يضفر ((860)) بعيرا له، فجاء والخبط ينحات من
يديه، فامسك علي وامسك الناس‏فقال علي: «من هاهنا من
اشجع؟ هل تعلمون ان النبي(ص) جاءه اعرابي ببيضات نعام
وتتمير ((861)) وحش‏فقال: اطعمهن اهلك فانا حرم؟» قالوا:
بلى. فتورك عثمان عن سريره ونزل فقال: خبثت علينا.
وفي لفظ البيهقي: كان الحارث خليفة عثمان (رضي اللّه عنه)
على الطائف، فصنع لعثمان (رضي اللّه عنه)طعاماوصنع فيه
من الحجل واليعاقيب ولحوم الوحش قال: فبعث الى علي بن
ابي طالب (رضي اللّه عنه)فجاءه الرسول وهو يخبط لاباعر له،
فجاءه وهو ينفض الخبط من يده فقالوا له: كل. فقال: «اطعموه
قوماحلالا فانا قوم حرم‏»، ثم قال علي (رضي اللّه عنه): «انشد
اللّه من كان هاهنا من اشجع، اتعلمون ان رسول‏اللّه (ص) اهدي
اليه رجل حمار وحش وهو محرم فابى ان ياكله؟» قالوا: نعم.
واخرج الطبري من طريق صبيح بن عبد اللّه العبسي قال: بعث
عثمان بن عفان ابا سفيان بن الحرث على‏العروض، فنزل قديدا
فمر به رجل من اهل الشام معه باز وصقر فاستعاره منه
فاصطاد به من اليعاقيب‏فجعلهن في حظيرة، فلما مر به
عثمان طبخهن ثم قدمهن اليه فقال عثمان: كلوا، فقال
بعضهم: حتى يجي‏ءعلي‏بن ابي طالب. فلم ا جاء فراى ما بين
ايديهم قال علي: «انا لا ناكل منه‏». فقال عثمان مالك لا
تاكل؟فقال: «هو صيد [و] ((862)) لا يحل اكله وانا محرم‏».
فقال عثمان: بين لنا. فقال علي: (يا ايها الذين آمنوا لا
تقتلواالصيد وانتم حرم) ((863)). فقال عثمان: او نحن قتلناه؟
فقرا عليه: (احل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم‏وللسيارة
وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما) ((864)).
واخرج سعيد بن منصور كما ذكره ابن حزم من طريق بسر بن
سعيد قال: ان عثمان بن عفان كان يصاد له‏الوحش على
المنازل ثم يذبح فياكله وهو محرم سنتين من خلافته، ثم ان
الزبير كلمه فقال: ما ادري ما هذايصاد لنا ومن اجلنا، لو تركناه،
فتركه.
قال الاميني: هذه القصة تشف عن تقاعس فقه الخليفة عن
بلوغ مدى هذه المسالة، او انه راقه اتباع الخليفة‏الثاني في
الراي حيث كان يامر المحرم باكل لحم الصيد، ويحذر اهل
الفتوى عن خلافه مهددا بالدرة ان فعل‏وسيوافيك تفصيله ان
شاء اللّه تعالى. غير ان عثمان افحمه مولانا امير المؤمنين (ع)
بالكتاب والسنة فلم يجدندحة من الدخول في فسطاطه
والاكتفاء بقوله: انك لكثير الخلاف علينا. وهذا القول ينم عن
توفرالخلاف‏بين مولانا امير المؤمنين (ع) وبين الخليفة، ومن
الواضح الجلي ان الحق كلما شجر خلاف بين مولانا علي(ع)
وبين غيره كائنا من كان لا يعدو كفة الامام صلوات عليه للنص
النبوي: «علي مع الحق والحق مع علي‏ولن يفترقا حتى يردا
علي الحوض يوم القيامة‏» ((865)) وقوله: «علي مع القرآن
والقرآن معه لا يفترقان حتى‏يردا علي الحوض‏» ((866)) وانه
باب مدينة علم النبي (ص)، ووارث علمه، وعيبة علمه، واقضى
امته ((867)) وكان‏سلام اللّه عليه منزها عن الخلاف لاتباع
هوى او احتدام بغضاء بينه وبين غيره، فان‏ذلك من الرجس
الذي‏نفاه اللّه عنه (ع) في آية التطهير. وقد طاطا كل عليم
لعلمه، وكان من المتسالم عليه انه اعلم الناس بالسنة،ولذلك
لما نهى عمر عبداللّه بن جعفر عن لبس الثياب المعصفرة في
الاحرام جابهه الامام (ع) بقوله: «مااخال احدا يعلمنا السنة‏»
((868))، فسكت عمر اذ كان لم يجد منتدحا عن الاخبات الى
قوله، ولو كان غيره (ع)لعلاه بالدرة، ولذلك كان عمر يرجع
اليه في كل امر عصيب، فاذا حله قال: لولا علي لهلك عمر
((869))، اونظير هذا القول. وسيوافيك عن عثمان نفسه قوله:
لولا علي لهلك عثمان.
فراي الامام الطاهر هو المتبع وهو المعتضد بالكتاب بقوله
تعالى (وحرم عليكم صيد البر مادمتم حرما)، كمااستدل به (ع)
على عثمان، فبعمومه كما حكاه ابن حزم في المحلى (7/249)
عن طائفة ظاهر في ان الشي‏ءالمتصيد هو المحرم ملكه وذبحه
واكله كيف كان، فحرموا على المحرم اكل لحم الصيد وان
صاده لنفسه حلال،وان ذبحه الحلال ((870))، وحرموا عليه
ذبح شي‏ء منه وان كان قد ملكه قبل احرامه. وقال القرطبي في
تفسيره((871)) (6/321): التحريم ليس صفة للاعيان، وانما
يتعلق بالافعال. فمعنى قوله: (وحرم عليكم صيد البر) اي‏فعل
الصيد، وهو المنع من الاصطياد، او يكون الصيد بمعنى المصيد
على معنى تسمية المفعول بالفعل، وهوالاظهر لاجماع العلماء
على انه لا يجوز للمحرم قبول صيد وهب له، ولا يجوز له شراؤه
ولا اصطياده ولااستحداث ملكه بوجه من الوجوه، ولا خلاف
بين علماء المسلمين في ذلك لعموم قوله تعالى: (وحرم‏ع
ليكم‏صيد البر ما دمتم حرما) ولحديث الصعب بن جثامة. وقال
في (ص‏322): وروي عن علي بن ابي طالب‏وابن عباس وابن
عمر: انه لا يجوز للمحرم اكل صيد على حال من الاحوال سواء
صيد من اجله او لم يصدلعموم قوله تعالى (وحرم عليكم صيد
البر ما دمتم حرما): قال ابن عباس: هي مبهمة. وبه قال
طاووس،وجابر بن زيد وابو الشعثاء، وروي ذلك عن الثوري،
وبه قال اسحاق، واحتجوا بحديث ابن جثامة.انتهى.
ويعتضد راي الامام (ع) ومن تبعه بالسنة الشريفة الثابتة بما
ورد في الصحاح والمسانيد، واليك جملة منه:
1 عن ابن عباس قال: يا زيد بن ارقم هل علمت ان رسول اللّه
(ص) اهدي اليه عضد صيد فلم يقبله‏وقال: «انا حرم‏»؟ قال:
نعم.
وفي لفظ: قدم زيد بن ارقم فقال له ابن عباس يستذكره: كيف
اخبرتني عن لحم صيد اهدي لرسول اللّه(ص) وهو حرام؟ قال:
نعم اهدى له رجل عضوا من لحم صيد فرده وقال: «انا لا ناكل
انا حرم‏».
وفي لفظ مسلم ((872)): ان زيد بن ارقم قدم فاتاه ابن عباس
(رضي اللّه عنه) فاستفتاه في لحم الصيد فقال: اتي‏رسول اللّه
بلحم صيد وهو محرم فرده.
راجع ((873)) صحيح مسلم (1/450) سنن ابي داود (1/291)،
سنن النسائي (5/184)، سنن البيهقي (5/194)،المحلى لابن
حزم (7/250) وقال. رويناه من طرق كلها صحاح.
2 عن الصعب بن جثامة قال: مر بي رسول اللّه (ص) وانا
بالابواء او بودان ((874)) واهديت له لحم حماروحش فرده
علي، فلما راى في وجهي الكراهية قال: «انه ليس بنا رد عليك
ولكننا حرم‏».
وفي لفظ: ان النبي (ص) اتي بلحم حمار وحش فرده وقال: «انا
حرم لا ناكل الصيد».
راجع ((875)). صحيح مسلم (1/449)، مسند احمد (4/37)،
سنن الدارمي (2/39)، سنن ابن ماجة (3/262)،سنن النسائي
(5/184)، سنن البيهقي (5/192) بعدة طرق، احكام القرآن
للجصاص (2/586)، تفسيرالطبري (7/48)، تيسير الوصول
(1/272).
3 عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: اهدي للنبي (ص)
شق حمار وحش وهو محرم فرده.
وفي لفظ احمد: ان الصعب بن جثامة اهدى الى النبي (ص)
وهو محرم عجز حمار، فرده رسول اللّه (ص)وهو يقطر دما.
وفى لفظ طاووس في حديثه: عضدا من لحم صيد.
وفي لفظ مقسم: لحم حمار وحش.
وفي لفظ عطاء في حديثه: اهدي له صيد فلم يقبله وقال: «انا
حرم‏».
وفي لفظ النسائي: اهدى الصعب بن جثامة الى رسول اللّه (ص)
رجل حمار وحش تقطر دما وهو محرم‏وهو بقديد فردها عليه .
وفي لفظ ابن حزم: انه اهدى لرسول اللّه (ص) رجل حمار
وحش فرده عليه وقال: «انا حرم لا ناكل‏الصيد». وفي لفظ: «لولا
انا محرمون لقبلناه منك‏».
راجع ((876)): صحيح مسلم (1/449)، مسند احمد (1/290،
338، 341)، مسند الطيالسي (ص‏171)، سنن‏النسائي
(5/185)، سنن البيهقي (5/193)، المحلى لابن حزم (7/249)
وقال: رويناه من طرق كلها صحاح،احكام القرآن للجصاص
(2/586)، تفسير القرطبي (6/322).

لفت نظر
اخرج البيهقي في تجاه هذا الصحيح المتسالم عليه في السنن
الكبرى (5/193) من طريق عمرو بن امية‏الضمري: ان الصعب
بن جثامة اهدى للنبي عجز حمار وحش وهو بالجحفة فاكل
منه واكل القوم. ثم قال:وهذا اسناد صحيح، فان كان محفوظا
فكانه رد الحي وقبل اللحم واللّه اعلم. انتهى.
لا احسب هذا مبلغ علم البيهقي، وانما اعماه حبه لتبرير
الخليفة في رايه الشاذ عن الكتاب والسنة، فراى‏الضعيف
صحيحا، واتى في الجمع بينه وبين الصحيح المذكور بما ياباه
صريح لفظه، ولهذه الغاية اخرج‏البخاري ذلك الصحيح
المتسالم عليه في صحيحه ((877)) (3/165) وحذف منه
كلمة: الشق، والعجز، والرجل،والعضد، واللحم. وتبعه في ذلك
الجصاص في احكام القرآن ((878)) (2/586) حيا اللّه الامانة.
وعقب ابن التركماني راي البيهقي فيما اخرجه فقال في شرح
السنن الكبرى ((879)): قلت: هذا في سنده يحيى بن‏سليمان
الجعفي عن ابن وهب، اخبرني يحيى بن ايوب هو الغافقي
المصري، ويحيى بن سليمان ذكره الذهبي في‏الميزان
والكاشف ((881)) عن النسائي انه ليس بثقة. وقال ((880))
ابن حبان ((882)): ربما اغرب. والغافقي قال النسائي((883)):
ليس بذاك القوي. وقال ابو حاتم ((884)): لا يحتج به. وقال
احمد ((885)): كان سيئ الحفظ يخطئ خطاكثيرا ،وكذبه
مالك في حديثين، فعلى هذا لا يشتغل بتاويل هذا الحديث
لاجل سنده ولمخالفته للحديث الصحيح،وقول البيهقي: رد
الحي وقبل اللحم يرده ما في الصحيح انه (ع) رده. انتهى.
4 عن عبد اللّه بن الحارث، عن ابن عباس، عن علي بن ابي
طالب قال: «اتي النبي (ص) بلحم صيد وهومحرم فلم ياكله‏»
. ((886))
مسند احمد (1/105)، سنن ابن ماجة (2/263).
5 عن هشام بن عروة، عن ابيه، عن عائشة ام المؤمنين انها
قالت له: يابن اختي انما هي عشر ليال فان‏يختلج في نفسك
شي‏ء فدعه. يعني اكل لحم الصيد ((887)).
موطا مالك (1/257)، سنن البيهقي (5/194)، تيسير الوصول
(1/273).
6 عن نافع قال: اهدي الى ابن عمر ظبي مذبوحة بمكة فلم
يقبلها، وكان ابن عمر يكره للمحرم ان ياكل‏من لحم الصيد
على كل حال.
رواه ابن حزم في المحلى (7/250) من طريق رجاله كلهم
ثقات.
ولو كان عند الخليفة علم بسنة نبيه لعله لم يك يخالفها، ولو
كان عنده ما يجد به في الحجاج تجاه هذه السنة‏الثابتة لافاضه
وما ترك النوبة لاتباعه ليحتجوا له بعد لاي من عمر الدهر بما
لا يغني من الحق شيئا، قال‏البيهقي في سننه (5/194): اما
علي وابن عباس غ فانهما ذهبا الى تحريم اكله على المحرم
مطلقا، وقدخالفهما عمر وعثمان وطلحة والزبير وغيرهم
ومعهم حديث ابي قتادة وجابر واللّه اعلم. انتهى.
اما حديث ابي قتادة قال: انطلقت مع رسول اللّه (ص) عام
الحديبية فاحرم اصحابي ولم احرم، فانطلق النبي(ص) وكنت
مع اصحابي فجعل بعضهم يضحك الى بعض، فنظرت فاذا
حمار وحش فحملت عيه فطعنته‏فاثبته، فاستعنت بهم فابوا ان
يعينوني فاكلنا منه، فلحقت برسول اللّه وقلت: يا رسول اللّه اني
اصبت حماروحش ومعي منه فاضلة. فقال النبي (ص) للقوم:
«كلوا» وهم محرمون ((888)).
فهو غير واف بالمقصود لان قصته كانت عام الحديبية السادس
من الهجرة كما هو صريح لفظه، وكثير من‏احكام الحج شرعت
في عام حجة الوداع السنة العاشرة ومنها تعيين‏المواقيت
ولذلك ما كان‏ابو قتادة‏محرماعند ذاك،مع احرام‏رسول‏اللّه
واحرام اصحابه. قال ابن‏حجر في فتح‏الباري ((889))(4/19):
قيل: كانت‏هذه‏القصة قبل ان يوقت النبي المواقيت. وقال
السندي في شرح سنن النسائي (5/185) عند ذكر حديث
ابي‏قتادة: قوله عام الحديبية بهذا تبين ان تركه الاحرام
ومجاوزته الميقات بلا احرام كان قبل ان تقرر المواقيت،فان
تقرير المواقيت كان سنة حج الوداع كما روي عن احمد.
ومنها احكام الصيد النازلة في سورة المائدة التي هي آخر ما
نزل من القرآن، وروي عن النبي (ص) انه‏قراها في حجة الوداع
وقال: «يا ايها الناس ان سورة المائدة من آخر ما نزل فاحلوا
حلالها وحرمواحرامها». وروي نحوه عن عائشة موقوفا وصححه
الحاكم واقره ابن كثير، واخرجه ابو عبيد من طريق‏ضمرة بن
حبيب، وعطية بن قيس مرفوعا ((890)).
فليس من البدع ان يكون غير واحد من مواضيع الحج لم يشرع
لها حكم في عام الحديبية ثم شرع بعده‏ومنها هذه المسالة،
وكان مولانا امير المؤمنين (ع) حاضرا في عام الحديبية وقد
شاهد قصة ابي قتادة كماشاهدها غيره على فرض صحتها
ومع ذلك انكر على عثمان وكذلك الشهود الذين استنشدهم
صلوات‏اللّه عليه فشهدوا له لم يعزب عنهم ما وقع في ذلك
العام، لكنهم شهدوا على التشريع الاخير الثابت.
ولو كان لقصة ابي قتادة مقيل من الصحة او وزن يقام لما ترك
عثمان الاحتجاج بها لكنه كان يعلم ان الشان‏فيها كما ذكرناه،
وان العمل قبل التشريع لا حجية له، وافحمه الامام (ع) بحجته
الداحضة، فتوارى عن‏الحجاج في فسطاطه وترك الطعام على
اهل الماء.
واما حديث جابر فقد اخرجه غير واحد من‏ائمة الفقه والحديث
ناصين على ضعفه من طريق عمرو بن ابي‏عمرو، عن المطلب
بن حنطب، عن جابر بن عبداللّه قال: قال‏رسول‏اللّه(ص): صيد
البر لكم‏حلال‏وانتم‏حرم الا ما اصطدتم‏وصيد لكم ((891)).
قال النسائي في سننه: ابو عبدالرحمن عمرو بن ابي عمرو
ليس بالقوي في الحديث وان كان قد روى عنه‏مالك.
وقال ابن حزم في المحلى: اما خبر جابر فساقط لانه عن عمرو
بن ابي عمرو وهو ضعيف.
وقال ابن التركماني في شرح سنن البيهقي ((892)) عند قول
الشافعي: ان ابن ابي يحيى احفظ من الدراوردي((893)):
قلت: الدراوردي احتج به الشيخان وبقية الجماعة، وقال ابن
معين ((894)): ثقة حجة، ووثقه القطان وابوحاتم ((895))
وغيرهما، واما ابن ابي يحيى فلم يخرج له في شي‏ء من الكتب
الخمسة، ونسبه الى الكذب جماعة‏من الحفاظ كابن حنبل
وابن معين وغيرهما، وقال بشر بن المفضل: سالت فقهاء
المدينة عنه فكلهم يقولون:كذاب او نحو هذا، وسئل مالك:
اكان ثقة؟ فقال: لا ولا في دينه، وقال ابن حنبل ((896)): كان
قدريامعتزلياجهميا كل بلاء فيه، وقال البيهقي ((897)) في
التيمم والنكاح: مختلف في عدالته. ومع هذا كله كيف يرجح
على‏الدراوردي؟
قال: ثم لو رجح عليه هو ومن معه فالحديث في نفسه معلول
عمرو بن ابي عمرو مع اضطرابه في هذاالحديث متكلم فيه.
قال ابن معين ((898)): وابو داود ليس بالقوي. زاد يحيى:
وكان مالك يستضعفه. وقال‏السعدي: مضطرب الحديث.
قال: والمطلب قال فيه ابن سعد ((899)): ليس يحتج بحديثه
لانه يرسل عن النبي(ص) كثيرا، وعامة اصحابه‏يدلسون، ثم
الحديث مرسل، قال الترمذي ((900)): المطلب لا يعرف له
سماع من جابر. فظهر بهذا ان الحديث‏فيه اربع علل: احداها:
الكلام في المطلب. ثانيتها: انه ولو كان ثقة فلا سماع له من
جابر فالحديث مرسل.ثالثتها: الكلام في عمرو. رابعتها: انه ولو
كان ثقة فقد اختلف عليه فيه كما مر. انتهى.
ثم ذكر ما استشكل به الطحاوي في الحديث من جهة النظر
من قوله: ان الشي‏ء لا يحرم على انسان بنية‏غيره ان يصيد له.
هذا مجمل القول في حديث ابي قتادة وجابر، فلا يصلحان
للاعتماد ورفع اليد عن تلكم الصحاح المذكورة‏الثابتة، ولا
يخصص بمثلهما عموم، ولا يتم بهما تقييد مطلقات الكتاب،
والمعول عليه في المسالة هو كتاب اللّهالعزيز والسنة الشريفة
الثابتة، وما شذ عنهما من راي اي بشر يضرب به عرض الجدار
(فاتبعها ولا تتبع‏اه‏واء الذين لا يعلمون) ((901)).

(16) خصومة يرفعها الخليفة الى علي (ع)
اخرج احمد والدورقي من طريق الحسن بن سعد عن ابيه: ان
يحيس ((902)) وصفية كانا من سبي الخمس،فزنت صفية
برجل من الخمس وولدت غلاما، فادعى الزاني ويحيس
فاختصما الى عثمان، فرفعهما عثمان الى‏علي بن ابي طالب،
فقال علي: «اقضي فيهما بقضاءرسول‏اللّه(ص)«الولد
للفراش‏وللعاهر الحجر»وجلدهماخمسين‏خمسين ((903)).
قال الاميني: هل علمت انه لماذا رد الخليفة الحكم الى امير
المؤمنين (ع)؟ لقد رفعه اليه ان كنت لا تدري‏لانه لم يكن
عنده ما يفصل به الخصومة، ولعله كان مل سمعه قوله تعالى:
(الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدمنهما مئة جلدة) ((904))
ويعلم في الجملة ان هناك فرقا في كثير من الاحكام بين
الاحرار والمملوكين، لكن‏عزب عنه ان مسالة الحد ايضا من
تلكم الفروع، فكانه لم يلتفت الى قوله تعالى: (ومن لم
يستطع منكم طولا ان ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما
ملكت ايمانكم من فتياتكم المؤمنات واللّهاعلم‏بايمانكم بعضكم
من بعض فانكحوهن باذن اهلهن وآتوهن اجورهن بالمعروف
محصنات غيرمسافحات ولا متخذات اخدان فاذا احصن فان
اتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من
العذاب)الاية ((905)).
او ان الاية الكريمة كانت نصب عينيه لكن لم يسعه فهم
حقيقتها، لان قيد ذاكرته ان حد المحصنات هوالرجم، غير انه
لم يتسن له تعرف ان الرجم لا يتبعض فالذي يمكن تنصيفه
من العذاب هو الجلد، فالاية‏الشريفة دالة بذلك على سقوط
الرجم‏عن‏المحصنات من‏الاماء وانما عليهن نصف‏الجلد
الثابت‏عليهافي‏السنة‏الشريفة ((906)).
واخرج احمد في مسنده ((907)) (1/136) من طريق ابي
جميلة عن علي (ع) قال: «ارسلني رسول اللّه (ص) الى‏امة له
سوداء زنت لاجلدها الحد، قال: فوجدتها في دمائها فاتيت النبي
(ص) فاخبرته بذلك فقال لي: اذاتعالت من نفاسها فاجلدها
خمسين‏» وذكره ابن كثير في تفسيره (1/476) وفيه: «اذا
تعافت من نفاسهافاجلدها خمسين‏». وذكره الشوكاني في نيل
الاوطار ((908)) (7/292) باللفظ المذكور. واخرجه ((909))
مسلم وابوداود والترمذي وصححه وليس في لفظهم
(خمسين).
هب ان الخليفة نسيها لبعد العهد، لكنه هل نسي ما وقع بمطلع
الاكمة منه على العهد العمري؟ من جلده‏المحصنات من الاماء
خمسين جلدة كما اخرجه الحفاظ ((910))، او ان الخليفة وقف
على مغازي الايات الكريمة،ولم تذهب عليه السنة النبوية،
وكان على ذكر مما صدر على عهد عمر لكن اربكه حكم العبد،
لانه راى‏الاية الكريمة نصا في الاماء، وكذلك نصوص الاحاديث،
ولم يهتد الى اتحاد الملاك بين العبيد والاماء من‏المملوكية،
وهو الذي اصفق عليه ائمة الحديث والتفسير كما في ((911))
كتاب الام للشافعي (6/144)، احكام‏القرآن للجصاص (2/206)،
سنن البيهقي (8/243)، تفسير القرطبي (5/146، 12/159)،
تفسير البيضاوي(1/270)، تيسير الوصول (2/4)، فيض الاله
المالك للبقاعي (2/311)، فتح الباري (12/137)، فتح
القدير(1/416)، تفسير الخازن (1/360)، وقال الشوكاني في نيل
الاوطار (7/292): لا قائل بالفرق بين الامة‏والعبد كما حكى
ذلك صاحب البحر ((912)).
او ان الخليفة حسب ان ولد الزانية لا بد وان يكون للزاني، ولم
يشعر بمقاربة زوجها اياها او امكان مقاربته‏منذ مدة يمكن ان
ينعقد الحمل فيها، وبذلك يتحقق الفراش الذي يلحق الولد
بصاحبه، كما حكم به مولاناامير المؤمنين (ع) والاصل فيه
قوله (ص): «الولد للفراش وللعاهر الحجر».
لقد انصف الخليفة في رفع حكم هذه المسالة الى من عنده
علم الكتاب والسنة، فانه كان يعلم علم اليقين ان‏ذلك عند
العترة الطاهرة لا البيت الاموي، وليته انصف هذا الانصاف في
كل ما يرد عليه من المسائل، وليته‏علم ان حاجة الامة انما هي
الى امام لا يعدوه علم الكتاب والسنة فانصفها، غير ان.....
اذا لم تستطع شيئا فدعه
وجاوزه الى ما تستطيع

(17) راي الخليفة في عدة المختلعة ((913))
عن نافع، انه سمع ربيع بنت معوذ بن عفراء وهي تخبر عبداللّه
بن عمر انها اختلعت من زوجها على عهدعثمان فجاء معاذ بن
عفراء الى عثمان فقال: ان ابنة معوذ اختلعت من زوجها اليوم
اتنتقل؟ فقال له عثمان:تنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدة عليها
الا انها لا تنكح حتى تحيض حيضة، خشية ان يكون بها حبل.
فقال‏عبداللّه عند ذلك: عثمان خيرنا واعلمنا. وفي لفظ آخر:
قال عبداللّه: اكبرنا واعلمنا.
وفي لفظ عبد الرزاق ((914)) عن نافع، عن الربيع بنة معوذ
انها قالت: كان لي زوج يقل الخير علي اذا حضرويحزنني اذا
غاب
((915))، فكانت مني زلة يوما فقلت له: اختلعت منك
بكل شي‏ء املكه فقال: نعم. ففعلت،فخاصم عمي معاذ بن عفراء
الى عثمان فاجاز الخلع وامره ان ياخذ عقاص راسي فما دونه،
او قالت: دون‏عقاص الراس.
وفي لفظ عن نافع: انه زوج ابنة اخيه رجلا فخلعها، فرفع ذلك
الى عثمان فاجازه فامرها ان تعتد حيضة.وفي لفظ ابن ماجة
من طريق عبادة بن الصامت: قالت: الربيع : اختلعت من
زوجي ثم جئت عثمان‏فسالت ماذا علي من العدة؟ فقال: لا
عدة عليك الا ان يكون حديث عهد بك فتمكثين عنده حتى
تحيضي‏حيضة. انتهى.
قال الاميني: (والمطلقات يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء)
((916)) نصا من اللّه العزيز الحكيم من غير فرق بين‏اقسام
الطلاق المنتزعة من شقاق الزوج والزوجة، فان كان الكره من
قبل الزوج فحسب فالطلاق رجعي.او من قبل الزوجة فقط فهو
خلعي. او منهما معا فمباراة. فليس لكل من هذه الاقسام حكم
خاص في العدة‏غير ما ثبت لجميعها بعموم الاية الكريمة
المنتزع من الجمع المحلى باللام المطلقات وعلى هذا
تطابقت‏فتاوى الصحابة والتابعين والعلماء من بعدهم وفي
مقدمهم ائمة المذاهب الاربعة. قال ابن كثير في
تفسيره(1/276): مسالة: وذهب مالك وابو حنيفة والشافعي
واحمد واسحاق بن راهويه في رواية عنهما وهي‏المشهورة الى
ان المختلعة عدتها عدة المطلقة بثلاثة قروء ان كانت ممن
تحيض، وروي ذلك عن عمروعلي‏وابن عمر، وبه يقول سعيد
بن المسيب، وسليمان بن يسار، وعروة، وسالم، وابو سلمة،
وعمر بن عبدالعزيز، وابن شهاب، والحسن، والشعبي، وابراهيم
النخعي، وابو عياض، وخلاس بن عمر، وقتادة، وسفيان‏الثوري،
والاوزاعي، والليث بن سعد، وابو عبيد، وقال الترمذي ((917)):
وهو قول اكثر اهل العلم من الصحابة‏وغيرهم، وماخذهم في
هذا ان الخلع طلاق فتعتد كسائر المطلقات. انتهى.
هذه آراء ائمة المسلمين عند القوم وليس فيها شي‏ء يوافق ما
ارته عثمان وهي مصافقة للقرآن الكريم كماذكرناه.
وقد احتج لعثمان بما رواه الترمذي في صحيحه ((918))
(1/142) من طريق عكرمة عن ابن عباس: ان امراة‏ثابت بن
قيس (رضي اللّه عنه) اختلعت منه فجعل النبي (ص) عدتها
حيضة.
وهذه الرواية باطلة، اذ المحفوظ عند البخاري ((919))
والنسائي ((920)) من طريق ابن عباس في قصة امراة ثابت‏ما
لفظه: قال ابن عباس: جاءت امراة ثابت بن قيس الى رسول اللّه
(ص) فقالت: يا رسول اللّه اني مااعتب عليه في خلق ولا دين
ولكني اكره الكفر في الاسلام. فقال رسول اللّه (ص) «اتردين
عليه حديقته؟» وكانت صداقها » قالت: نعم. فقال رسول اللّه
(ص): «اقبل الحديقة وطلقها تطليقة‏».
فامراة ثابت نظرا الى هذه اللفظة مطلقة تطليقة والمطلقات
يتربصن بانفسهن ثلاثة قروء.
على ان الاضطراب الهائل في قصة امراة ثابت يوهن الاخذ بما
فيها، ففي لفظ: انها جميلة بنت سلول. كما في‏سنن ابن ماجة
((921)). وفي لفظ ابي الزبير: انها زينب. وفي لفظ: انها بنت
عبداللّه. وفي لفظ لابن ماجة‏والنسائي: انها مريم العالية. وفي
موطا مالك ((922)): انها حبيبة بنت سهل. وذكر البصريون:
انها جميلة بنت‏ابي ((923)). وجل هذه الالفاظ كلفظ البخاري
والنسائي يخلو عن ذكر العدة بحيضة، فلا يخصص حكم
القرآن الكريم بمثل هذا.

على انه لو كان لها مقيل في مستوى الصدق والصحة لما
اصفقت الائمة على خلافها كما سمعت من كلمة ابن‏كثير.
وقد يعاضد راي الخليفة بما اخرجه الترمذي في صحيحه
(1/142) عن الربيع بنت معوذ صاحبة عثمان آانها اختلعت
على عهد رسول اللّه (ص) فامرها النبي(ص) او امرت ان تعتد
بحيضة. قال الترمذي: حديث‏الربيع الصحيح انها امرت ان تعتد
بحيضة. وبهذا اللفظ جاء في حديث سليمان بن يسار عن الربيع
قالت: انهااختلعت من زوجها فامرت ان تعتد بحيضة.
وقال البيهقي بعد رواية هذا الحديث: هذا اصح وليس فيه من
امرها ولا على عهد النبي، (ص) وقد روينا في‏كتاب الخلع انها
اختلعت من زوجها زمن عثمان بن عفان(رضي اللّه عنه). ثم
اخرج حديث نافع المذكور في‏صدر العنوان فقال: هذه الرواية
تصرح بان عثمان (رضي اللّه عنه) هو الذي امرها بذلك، وظاهر
الكتاب في‏عدة المطلقات يتناول المختلعة وغيرها، فهو اولى
وباللّه التوفيق. انتهى ((924)).
فليس للنبي (ص) في قصة بنت معوذ حكم وما رفعت اليه
(ص)، وانما وقعت في عصر عثمان وهو الحاكم‏فيها، وقد
حرفتها عن موضعها يد الامانة على ودائع العلم والدين لتبرير
ساحة عثمان عن لوث الجهل، ولوكان لتعدد القصة وزن يقام
عند الفقهاء وروايتها بمشهد منهم ومراى لما عدلوا عنها على
بكرة ابيهم الى‏عموم الكتاب ولما تركوها متدهورة في هوة
الاهمال.
وعلى الباحث ان ينظر نظرة عميقة الى قول ابن عمر وقد كان
في المسالة اولا مصافقا في رايه الكتاب ومن‏عمل به من
الصحابة وعد في عدادهم، ثم لمحض ان بلغه راي الخليفة
المجرد عن الحجة عدل عن فتواه فقال:عثمان خيرنا واعلمنا.
او قال: اكبرنا واعلمنا. هكذا فليكن المجتهدون، وهكذا فلتصدر
الفتاوى.

(18) راي الخليفة في امراة المفقود
اخرج مالك من طريق سعيد بن المسيب ان عمر بن الخطاب
(رضي اللّه عنه) قال: ايما امراة فقدت زوجهافلم تدر اين هو
فانها تنتظر اربع سنين، ثم تنتظر اربعة اشهر وعشرا، ثم تحل.
وقضى بذلك عثمان بن عفان‏بعد عمر.
واخرج ابو عبيد بلفظ: ان عمر وعثمان (رضي اللّه عنه) قالا:
امراة المفقود تربص اربع سنين، ثم تعتد اربعة‏اشهر وعشرا، ثم
تنكح.
وفي لفظ الشيباني: ان عمر (رضي اللّه عنه) اجل امراة المفقود
اربع سنين. وفي لفظ شعبة من طريق عبدالرحمن بن ابي
ليلى قال: قضى عمر (رضي اللّه عنه) في المفقود تربص امراته
اربع سنين ثم يطلقهاولي‏زوجها، ثم تربص بعد ذلك اربعة
اشهر وعشرا ثم تزوج.
ومن طريق ابن شهاب الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر
(رضي اللّه عنه) في امراة المفقود قال: ان جاءزوجها وقد
تزوجت خير بين امراته وبين صداقها، فان اختار الصداق كان
على زوجها الاخر، وان اختارامراته اعتدت حتى تحل، ثم ترجع
الى‏زوجها الاول وكان لها من زوجها الاخر مهرها بما استحل
من‏فرجها. قال ابن شهاب: وقضى بذلك عثمان بعد عمر غ.
وفي لفظ الشافعي: اذا تزوجت فقدم زوجها قبل ان يدخل بها
زوجها الاخر كان احق بها، فان دخل بهازوجها الاخر
فالاول‏المفقود بالخيار بين‏امراته والمهر ((925)).
قال الاميني: من لي بمتفقه في المسالة، يخبرني عن علة
تريث المفقود عنها زوجها اربع سنين، اهو ماخوذ من‏كتاب
اللّه؟ فاين هو منه؟ ام اخذ من سنة رسول‏اللّه(ص) فمن ذا الذي
رواها ونقلها؟ والصحاح والمسانيدللقوم خالية عنها، نعم ربما
يتشبث للتقدير بانها نهاية مدة الحمل. قال البقاعي في فيض
الاله المالك(2/263): وسبب التقدير باربع سنين انها نهاية مدة
الحمل وقد اخبر بوقوعه لنفسه الامام الشافعي وكذاالامام
مالك وحكي عنه ايضا انه قال: جارتنا امراة صدق وزوجها رجل
صدق حملت ثلاثة ابطن في اثنتي‏عشرة سنة، تحمل كل بطن
اربع سنين، وورد هذا عن غير تلك المراة ايضا. انتهى.
وهذا التعليل حكاه ابن رشد في مقدمات المدونة الكبرى
(2/101) عن ابي بكر الابهري ثم عقبه بقوله:وهو تعليل ضعيف
لان العلة لو كانت في ذلك هذا لوجب ان يستوي فيه الحر
والعبد ((926)) لاستوائهما في مدة‏لحوق النسب. ولوجب ان
يسقط جملة في الصغيرة التي لا يوطا مثلها اذا فقد عنها
زوجها فقام عنها ابوهافي ذلك، فقد قال: انها لو اقامت عشرين
سنة ثم رفعت امرها لضرب لها اجل اربعة اعوام وهذا
يبطل‏تعليله ابطالا ظاهرا. انتهى.
وليت هذا المتشبث ادلى في حجته بذكر اناس تريثوا في
الارحام النزيهة عن الخنا اربعا قبل فتيا الخليفتين،والا فما غناء
قصة وقعت بعدهما بردح طويل من الزمن ولا يدرى اصحيحة
هي ام مكذوبة؟ وعلى فرض‏الصحة فهل كان الخليفتان يعلمان
الغيب؟ وانه سينتج المستقبل الكشاف رجلا يكون حجة لما
قدراه من‏مدة التربص؟ او كان ما قد رآه فتوى مجرده؟ فنحتت
لها الايام علة بعد الوقوع.
على ان اقصى مدة الحمل محل خلاف بين الفقهاء، ذهب ابو
حنيفة واصحابه والثوري الى انه عامان،ومذهب الشافعي انه
اربعة اعوام، واختار ابن القاسم ان اكثره خمسة اعوام ((927))،
وروى اشهب عن مالك‏سبعة اعوام على ما روي ان امراة ابن
عجلان ولدت ولدا مرة لسبعة اعوام ((928)).
ولعل ابناء عجلان آخرين في ارجاء العالم لا يرفع امر حلائلهم
الى مالك والشافعي وقد ولدن اولادالثمانية‏او تسعة او عشرة
اعوام، دع العقل والطبيعة والبرهنة تستحيل ذلك كله، ماهي
وما قيمتها تجاه ما جاءت‏به امراة عجلان وحكم به مالك؟! او
وجاه ما اتت به ام الامام الشافعي فافتى به؟!
ونقل ابن رشد في سبب التقدير باربعة اعوام عللا غير هذا وان
ردها وفندها، منها: انها المدة التي تبلغهاالمكاتبة في بلد
الاسلام مسيرا ورجوعا، ومنها: انه جهل الى اي جهة سار من
الاربع جهات، فلكل جهة‏تربص سنة فهي اربع سنين. هذا مبلغ
علمهم بفلسفة آراء جاء بها عمر وعثمان فاين يقع هو من حكم
ماصدع به النبي الاقدس؟
ثم يخبرني هذا المتفقه عن هذه العدة التي اثبتها الخليفتان
لماذا هي؟ فان كانت عدة الوفا فانها غير جازمة‏بها، ولا تثبت
بمجرد مرور اربع سنين او اكثر، وفي رواية عن عمر كما
سمعت انه قضى في المفقود تربص‏امراته اربع سنين ثم يطلقها
ولي زوجها ثم تربص بعد ذلك‏الاربعة‏اشهر وعشر ثم تزوج
((929)). فعلى هذا انهاعدة الطلاق فيجب ان تكون ثلاثة قروء،
فما هذه اربعة اشهر وعشرا؟ وعلى فرض ثبوت هذه العدة
ولوبعد الطلاق من باب الاخذ بالحائطة فما علاقة الزوج بها؟
حتى انه اذا جاء بعد النكاح خير بين امراته وبين‏صداقها، وقد
قطع الشرع اي صلة بينهما ورخص في تزويجها، فنكحت على
الوجه المشروع، قال ابن رشد((930)): الا ترى‏انها لو ماتت بعد
العدة لم يوقف له ميراث منها، وان كان لو اتى في هذه الحالة
كان احق‏بها،ولو بلغ هو من الاجل ما لا يجي‏ء الى مثله من
السنين وهي حى ة لم تورث منه، وانما يكون لها الرضابالمقام
على العصمة ما لم ينقض الاجل المفروض، واما اذا انقضى
واعتدت فليس ذلك لها وكذلك ان مضت‏بعد العدة.
ثم ما وجه اخذ الصداق من الزوج الثاني عند اختيار الاول
الصداق ولم يات بماثم وانما تزوج بامراة اباحتهاله الشريعة؟
واعجب من كل هذه ان هذه الروايات بمشهد من الفقهاء كلهم
ولم يفت بمقتضاها ائمة المذاهب في باب‏الخيار. قال مالك في
الموطا ((931)) (2/28): ان تزوجت بعد انقضاء عدتها فدخل
بها زوجها او لم يدخل بهافلا سبيل لزوجها الاول اليها. وقال:
وذلك الامر عندنا، وان ادركها زوجها قبل ان تتزوج فهو احق
بها.
وقال الشافعي وابو حنيفة والثوري: لا تحل امراة المفقود حتى
يصح موته. قاله القاضي ابن رشد في بداية‏المجتهد (2/52)
فقال: وقولهم مروي عن علي وابن مسعود.
وقال الحنفية: يشترط لوجوب النفقة على الزوج شروط: احدها
ان يكون العقد صحيحا، فلو عقد عليهاعقدا فاسدا او باطلا
وانفق عليها ثم ظهر فساد العقد او بطلانه فان له الحق في
الرجوع عليها بما انفقه.
ومن ذلك ما اذا غاب عنها زوجها فتزوجت بزوج آخر ودخل بها
ثم حضر زوجها الغائب، فان نكاحهاالثاني يكون فاسدا، ويفرق
القاضي بينهما، وتجب عليها العدة بالوط‏ء الفاسد، ولا نفقة لها
على الزوج الاول‏ولا على الزوج الثاني ((932)).
وقال الشافعي في كتاب الام ((933)) (5/221): لم اعلم مخالفا
في ان الرجل او المراة لو غابا او احدهما برا اوبحرا علم مغيبهما
او لم يعلم فماتا او احدهما فلم يسمع لهما بخبر او اسرهما
العدو فصيروهما الى حيث لا خبرعنهما لم نورث واحدا منهما
من صاحبه الا بيقين وفاته قبل صاحبه، فكذلك عندي امراة
الغائب اي‏غيبة‏كانت مما وصفت او لم اصف باسار عدو او
بخروج الزوج ثم خفي مسلكه، او بهيام من ذهاب عقل اوخروج
فلم يسمع له ذكر، او بمركب في بحر فلم يات له خبر، او جاء
خبر ان غرق كان يرون انه قد كان‏فيه ولا يستيقنون انه فيه، لا
تعتد امراته ولا تنكح ابدا حتى ياتيها بيقين وفاته، ثم تعتد من
يوم استيقنت‏وفاته وترثه، ولا تعتد امراة من وفاة ومثلها يرث الا
ورثت زوجها الذي اعتد ت من وفاته، ولو طلقهاوهو خفي
الغيبة بعد اي هذه الاحوال كانت، او آلى منها، او تظاهر، او
قذفها، لزمه ما يلزم الزوج الحاضرفي ذلك كله، واذا كان هذا
هكذا لم يجز ان تكون امراة رجل يقع عليها ما يقع على الزوجة
تعتد لا من‏طلاق ولا وفاة، كما لو ظنت انه طلقها او مات عنها
لم تعتد من طلاق الا بيقين، وهكذا لو تربصت سنين‏كثيرة بامر
حاكم واعتدت وتزوجت فطلقها الزوج الاول المفقود لزمها
الطلاق، وكذلك ان آلى منها، اوتظاهر، او قذفها، لزمه ما يلزم
الزوج، وهكذا لو تربصت بامر حاكم اربع سنين ثم اعتدت
فاكملت اربعة‏اشهر وعشرا ونكحت ودخل بها، او نكحت ولم
يدخل بها، او لم تنكح وطلقها الزوج الاول المفقود في
هذه‏الحالات لزمها الطلاق لانه زوج، وهكذا لو تظاهر منها او
قذفها او آلى منها لزمه ما يلزم المولى غير انه‏ممنوع من فرجها
بشبهة بنكاح غيره، فلا يقال له في‏ء حتى تعتد من الاخر اذا
كانت دخلت عليه، فاذااكملت عدتها اجل من يوم تكمل عدتها
اربعة اشهر، وذلك حين حل له فرجها وان اصابها فقد خرج
من‏طلاق الايلاء وكفر، وان لم يصبها قيل له: اصبها او طلق.
قال: وينفق عليها من مال زوجها المفقود من حين يفقد حتى
يعلم يقين موته، وان اجلها حاكم اربع سنين‏انفق عليها فيها
وكذلك في الاربعة الاشهر والعشر من مال زوجها، فاذا نكحت
لم ينفق عليها من مال‏الزوج المفقود لانها مانعة له نفسها،
وكذلك لا ينفق عليها وهي في عدة منه لو طلقها او مات عنها
ولا بعدذلك، ولم امنعها النفقة من قبل انها زوجة الاخر، ولا ان
عليها منه عدة، ولا ان بينهما ميراثا، ولا انه يلزمهاطلاقه، ولا
شي‏ء من الاحكام بين الزوجين الا لحوق الولد به ان اصابها،
وانما منعتها النفقة من الاول لانهامخرجة نفسها من يديه ومن
الوقوف عليه، كما تقف المراة على زوجها الغائب بشبهة،
فمنعتها نفقتها في الحال‏التي كانت فيها مانعة له نفسها
بالنكاح والعدة، وهي لو كانت في المصر مع زوج فمنعته نفسها
منعتها نفقتهابعصيانها، ومنعتها نفقتها بعد عدتها من زوجها
الاخر بتركها حقها من الاول واباحتها نفسها لغيره، على‏معنى
انها خارجة من الاول، ولو انفق عليها في غيبته ثم ثبتت البينة
على موته في وقت ردت كل ما اخذت‏من النفقة من حين مات
فكان لها الميراث.
ولو حكم لها حاكم بان تزوج فتزوجت فسخ نكاحها وان لم
يدخل بها فلا مهر لها، وان دخل بها فاصابهافلها مهر مثلها لا ما
سمي لها وفسخ النكاح وان لم يفسخ حتى مات او ماتت فلا
ميراث لها منه ولا له‏منها.
قال: ومتى طلقها الاول وقع عليها طلاقه، ولو طلقها زوجها
الاول او مات عنها وهي عند الزوج الاخركانت عند غير زوج،
فكانت عليها عدة الوفاة والطلاق ولها الميراث في الوفاة
والسكنى في العدة في الطلاق‏وفيمن رآه لها بالوفاة، ولو مات
الزوج الاخر لم ترثه وكذلك لا يرثها لو ماتت. الخ.
فانت بعد هذه كلها جد عليم بانه لو كان على ما افتى به
الخليفتان مسحة من اصول الحكم والفتيا لما عدل‏عنه هؤلاء
الائمة، ولما خالفهما قبلهم مولانا امير المؤمنين (ع)، ولما قال
(ع) في امراة المفقود اذا قدم وقدتزوجت امراته: «هي امراته ان
شاء طلق وان شاء امسك ولا تخير».
ولما قال (ع): «اذا فقدت المراة زوجها لم تتزوج حتى تعلم
امره‏».
ولما قال (ع): «انها لا تتزوج‏».
ولما قال (ع): «ليس الذي قال عمر (رضي اللّه عنه) بشي‏ء، هي
امراة الغائب حتى ياتيها يقين موته اوطلاقها، ولها الصداق من
هذا بما استحل من فرجها ونكاحه باطل‏».
ولما قال (ع): «هي امراة الاول دخل بها الاخر او لم يدخل بها».
ولما قال (ع): «امراة ابتليت فلتصبر لا تنكح حتى ياتيها يقين
موته‏» ((934)). قال الشافعي بعد ذكر الحديث:وبهذا نقول.
وامير المؤمنين كما تعلم افقه الصحابة على الاطلاق، واعلم
الامة باسرها، وباب مدينة العلم النبوي،ووارث علم النبي
الاقدس على ما جاء عنه (ص)، فليتهما رجعا اليه صلوات اللّه
عليه في حكم المسالة ولم‏يستبدا بالراي المجرد كما استعلماه
في كثير مما اربكهما من المشكلات، وانى لهما باقتحام
المعضلات وهما هما؟واي راي هذا [الذي] ضربت عنه الامة
صفحا؟ وكم له من نظير! وكيف اوصى النبي الاعظم باتباع
اناس‏هذه مقاييس آرائهم في دين اللّه، وهذا مبلغهم من العلم،
بقوله فيهم: عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين‏المهديين
فتمسكوا بها ((935))؟ (خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم
بيننا بالحق) ((936)).

(19) الخليفة ياخذ حكم اللّه من ابي
اخرج البيهقي في السنن الكبرى (7/417) بالاسناد عن ابي
عبيدة قال: ارسل عثمان (رضي اللّه عنه) الى‏ابي‏يساله عن
رجل طل ق امراته ثم راجعها حين دخلت في الحيضة الثالثة.
قال ابي: اني ارى انه احق بهاما لم تغتسل من الحيضة الثالثة،
وتحل لها الصلاة. قال: لا اعلم عثمان (رضي اللّه عنه) الا اخذ
بذلك.
قال الاميني: صريح الرواية ان الخليفة كان جاهلا بهذا الحكم
حتى تعلمه من ابي واخذ بفتياه، ولا شك‏ان‏الذي عل مه هو
خير منه، فهلا ترك المقام له او لمن هو فوقه؟ وفوق كل ذي
علم عليم، ولو ترك الامرلمن لا يسال غيره في اي من مسائل
الشريعة لدخل مدينة العلم من بابها.
وحسبك في مبلغ علم الخليفة قول العيني في عمدة القاري
((937)) (2/733): ان عمر كان اعلم وافقه من عثمان.وقد
اوقفناك على علم عمر في الجزء السادس وذكرنا نوادر الاثر في
علمه، فانظر ماذا ترى؟

(20) الخليفة ياخذ السنة من امراة
اخرج الامامان الشافعي ومالك وغيرهما بالاسناد عن فريعة
بنت مالك بن سنان اخبرت: انها جاءت‏النبي (ص) تساله ان
ترجع الى اهلها في بني خدرة وان زوجها خرج في‏طلب اعبد
له ابقوا حتى اذا كانوابطرف‏القدوم لحقهم فقتلوه، فسالت
رسول اللّه (ص) اني ارجع الى اهلي فان زوجي لم يتركني في
مسكن‏يملكه، قالت: فقال‏رسول‏اللّه(ص): «نعم‏»، فانصرفت
حتى‏اذا كنت في الحجرة او في المسجد دعاني او امر
بي‏فدعيت له قال: «فكيف قلت؟» فرددت عليه القصة التي
ذكرت له من شان زوجي فقال: «امكثي في بيتك‏حتى يبلغ
الكتاب اجله‏». قالت: فاعتددت فيه اربعة‏اشهر وعشرا، فلما كان
عثمان‏ارسل الي‏فسالني عن‏ذلك‏فاخبرته‏فاتبعه وقضى‏به.
قال الشافعي في الرسالة: وعثمان في امامته وفضله وعلمه
يقضي بخبر امراة بين المهاجرين‏والانصار.
وقال‏في‏اختلاف‏الحديث: اخبرت‏الفريعة بنت‏مالك عثمان‏بن
عفان ان‏النبي(ص) امرها ان تمكث في بيتها وهي‏متوفى عنها
حتى يبلغ الكتاب اجله، فاتبعه وقضى به.
قال ابن القيم في زاد المعاد: حديث صحيح مشهور في الحجاز
والعراق وادخله مالك في موطئه، واحتج به‏وبنى عليه مذهبه،
ثم ذكر تضعيف ابن حزم اياه وفنده وقال: ما قاله ابو محمد
فغير صحيح. وذكر قول ابن‏عبد البر في شهرته، وانه معروف
عند علماء الحجاز والعراق.
راجع ((938)) الرسالة للشافعي (ص‏116)، كتاب الام له
(5/208)، اختلاف الحديث له هامش كتاب الام(7/22)، موطا
مالك (2/36)، سنن ابي داود (1/362)، سنن البيهقي
(7/434)، احكام القرآن للجصاص(1/496)، زاد المعاد
(2/404)، الاصابة (4/386)، نيل الاوطار (7/100) وقال: رواه
الخمسة وصححه‏الترمذي ولم يذكر النسائي وابن ماجة ارسال
عثمان.
قال الاميني: هذه كسابقتها تكشف عن قصور علم الخليفة عما
توصلت اليه المراة المذكورة، وهاهنا نعيد ماقلناه هنالك،
فارجع البصر كرتين، واعجب من خليفة ياخذ معالم دينه من
نساء امته، وهو المرجع الوحيدللامة جمعاء يومئذ في كل ما جاء
به الاسلام المقدس كتابا وسنة، وبه سد فراغ النبي الاعظم،
وعليه يعول‏في مشكلات الاحكام وعويصات المسائل فضلا عن
مثل هذه المسالة البسيطة.
ثم اعجب من ابن عمر انه يرى من هذا مبلغ علمه اعلم
الصحابة في يومه، ما عشت اراك الدهرعجبا.

(21) راي الخليفة في الاحرام قبل الميقات
اخرج البيهقي في السنن الكبرى (5/31) بالاسناد عن داود بن
ابي هند ان عبداللّه ((939)) بن عامر بن كريزحين فتح
خراسان قال: لاجعلن شكري للّه ان اخرج من موضعي محرما،
فاحرم من نيسابور. فلما قدم‏على عثمان لامه على ما صنع
قال: ليتك تضبط من الوقت الذي يحرم منه الناس.
لفظ آخر من طريق محمد بن اسحاق قال: خرج عبد اللّه بن
عامر من نيسابور معتمرا قد احرم منها،وخلف على خراسان
الاحنف بن قيس، فلما قضى عمرته اتى عثمان بن عفان (رضي
اللّه عنه) وذلك في‏السنة التي قتل فيها عثمان (رضي اللّه عنه)
فقال له عثمان(رضي اللّه عنه): لقد غررت بعمرتك حين
احرمت‏من نيسابور.
وقال ابن حزم في المحلى (7/77): روينا من طريق عبد
الرزاق، حدثنا معمر عن ايوب السختياني، عن محمدبن سيرين
قال: احرم عبداللّه بن عامر من حيرب ((940)) فقدم على
عثمان بن عفان فلامه، فقال له: غررت‏وهان عليك نسكك.
وفي لفظ ابن حجر: غررت بنسكك.
فقال ابن حزم: قال ابو محمد يعني نفسه : وعثمان لا يعيب
عملا صالحا عنده ولا مباحا، وانما يعيب ما لايجوز عنده لا
سيما وقد بين انه هوان بالنسك، والهوان بالنسك لا يحل وقد
امر اللّه تعالى بتعظيم شعائرالحج.
وذكره ابن حجر في الاصابة (3/61) وقال: احرم ابن عامر من
نيسابور شكرا للّه تعالى وقدم على عثمان‏فلامه على تغريره
بالنسك. فقال: كره عثمان ان يحرم من خراسان او كرمان، ثم
ذكر الحديث من طريق‏سعيد بن منصور وابي بكر بن ابي شيبة
وفيه: ان ابن عامر احرم من خراسان. فذكره من طريق محمد
بن‏سيرين والبيهقي فقال: قال البيهقي: هو عن عثمان مشهور
. ((941))
وذكر هذه كلها في تهذيب التهذيب ((942)) (5/273) غير
كلمة البيهقي في شهرة الحديث. وفي تيسير الوصول((943))
(1/265): عن عثمان (رضي اللّه عنه): انه كره ان يحرم الرجل
من خراسان وكرمان. اخرجه البخاري((944)) ترجمة.
قال الاميني: ان الذي ثبت في الاحرام بالحج او العمرة ان هذه
المواقيت حد للاقل من مدى الاحرام، بمعنى‏انه لا يعدوها
الحاج وهو غير محرم، واما الاحرام قبلها من اي البلاد شاء او من
دويرة اهل المحرم، فان‏عقده باتخاذ ذلك المحل ميقاتا فلا
شك انه بدعة محرمة كتاخيره عن المواقيت، واما اذا جي‏ء به
للاستزادة‏من العبادة عملا باطلاقات الخير والبر، او شكرا على
نعمة، او لنذر عقده المحرم فهو كالصلاة والصوم وبقية‏القرب
للشكر او بالنذر او لمطلق البر، تشمله كل من ادلة هذه
العناوين ولم يرد عنه نهي من الشارع‏الاقدس، وانما الماثور عنه
وعن اصحابه ما يلي:
1 اخرج ائمة الحديث، باسناد صحيح من طريق الاخنسي، عن
ام حكيم، عن ام سلمة مرفوعا: «من اهل‏من المسجد الاقصى
بعمرة او بحجة غفر اللّه له ما تقدم من ذنبه‏». قال الاخنسي:
فركبت ام حكيم عند ذلك‏الحديث الى بيت المقدس حتى
اهلت منه بعمرة.
وفي لفظ ابي داود والبيهقي والبغوي: «من اهل بحجة او عمرة
من المسجد الاقصى الى المسجد الحرام غفر له‏ما تقدم من
ذنبه وما تاخر». او: «وجبت له الجنة‏» وفي لفظ: «ووجبت له
الجنة‏».
وفي لفظ ابن ماجة: «من اهل‏بعمرة من بيت المقدس غفر له‏».