وقيل: الغناء جاسوس القلب، وسارق المروءة والعقول، يتغلغل
في سويداء القلوب، ويطلع على سرائرالافئدة، ويدب الى بيت
التخييل، فينشر ما غرز فيها الهوى والشهوة والسخافة
والرعونة، فبينما ترى الرجل‏وعليه سمت الوقار، وبهاء العقل،
وبهجة الايمان، ووقار العلم، كلامه حكمة، وسكوته عبرة، فاذا
سمع الغناءنقص عقله وحياؤه، وذهبت مروءته وبهاؤه،
فيستحسن ما كان قبل السماع يستقبحه، ويبدي من اسراره
ماكان يكتمه، وينتقل من بهاء السكوت والسكون الى‏كثرة
الكلام والهذيان والاهتزار كانه جان وربما صفق‏بيديه، ودق
الارض برجليه، وهكذا تفعل الخمر الى غير ذلك.
((330)) : سنن البيهقي (10/223)، نقد العلم والعلماء راجع
لابن الجوزي (ص‏250)، تفسير الزمخشري(2/411)، تفسير
القرطبي (14/52)، ارشاد الساري (9/164)، الدر المنثور
(5/159، 160)، كنز العمال(7/333)، تفسير الخازن (3/46)،
تفسير الشوكاني (4/228)، نيل الاوطار (8/264)، تفسير
الالوسي(21/67، 68).

نظرة في الاحاديث المعنونة
هذا شان‏الغناءوالملاهي، وتلك ما يؤثر عن‏نبي‏الاسلام(ص)
افمن‏المعقول‏اذا ان
تعزى اليه تلك المسامحة المزرية بعصمته، المسقطة لمحله،

المسفة به الى هوة الجهل؟ ثم يحسب ان الذي تذمر منهما
وتجهم امام الباطل ودحضه هو عمر فحسب دون
رسول‏اللّه(ص)؟ وما هذا الشيطان الذي كان يفرق ((331)) من
عمر وماكان يخاف رسول‏اللّه(ص)؟
اي نبي هذا وهو يسمع الملاهي، وترقص بين يديه الرقاصة
الاجنبية، وتضرب بالدف وتغني، او يوقف هوحليلته على تلك
المواقف المخزية، ثم يقول: «لست من دد ولا الدد ((332))
مني. او يقول: لست من ددولاددمني. او يقول: لست من
الباطل ولا الباطل مني‏» ((333))؟
اي عظيم هذا يرى في بيته غناء الجواري وضربهن بالدف ولا
ينبس ببنت شفة غير ان عمر يغضبه ذلك‏ويقول: امزمار
الشيطان في بيت رسول اللّه؟ اليس هذا النبي هو الذي كان اذا
سمع مزمارا يضع اصبعيه على‏اذنيه وناى عن الطريق؟
قال نافع: سمع عبداللّه بن عمر مزمارا فوضع اصبعيه على
اذنيه وناى عن الطريق وقال لي: يا نافع هل‏تسمع شيئا؟ فقلت:
لا، فرفع اصبعيه من اذنيه وقال: كنت مع رسول‏اللّه(ص)
فسمع مثل هذا فصنع مثل‏هذا ((334)). اليس ابن عباس قال
اخذا بالسنة الشريفة: الدف حرام، والمعازف حرام، والكوبة
حرام، والمزمارحرام؟
الا تعجب من رسول اللّه (ص) والحبشة تلعب في مسجده
الشريف اشرف بقاع الدنيا وتزفن وتغني وهو(ص) وحليلته
ينظران اليها، وعمر ينهاهن، ويقول النبي (ص): دعهن يا عمر؟
اصحيح ما جاء عن النبي الاقدس (ص) من قوله بعدة طرق:
«جنبوا مساجدكم صبيانكم، ومجانينكم،وشراءكم، وبيعكم،
وخصوماتكم، ورفع اصواتكم، واقامة حدودكم‏»؟
وقوله (ص): «من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا
ردها اللّه عليك. فان‏المساجد لم تبن‏لهذا»؟اخرجه ((335))
مسلم وابو داود وابن ماجة والترمذي.
وما اخرجه ((336)) مسلم والنسائي وابن ماجة عن بريدة: ان
رجلا نشد في المسجد الجمل، فقال رسول اللّه(ص): «لا
وجدت، انما بنيت المساجد لما بنيت له‏»؟
وقوله (ص): «سيكون في آخر الزمان قوم يكون حديثهم في
مساجدهم ليس للّه فيهم حاجة‏»؟ اخرجه ابن‏حبان في صحيحه
. ((337))
وقوله (ص): «لا تتخذوا المساجد طرقا الا لذكر او صلاة‏»
؟ ((338))
وما ظنك بنبي العصمة يحول المولى سبحانه بينه وبين ما
يهمه من سماع المعازف والمزامير قبل بعثته‏تشريفاوتعظيما
لمكانته من القداسة، ويخليه واسع السرب رخي البال بعد
مبعثه الشريف يسمع غناءالاجنبيات وهي تزفن ((339))؟
اخرج الحفاظ بالاسناد عن امير المؤمنين (ع) قال: سمعت
رسول اللّه (ص)يقول: ما هممت بشي‏ء مما كان في الجاهلية
يعملون به غير مرتين، كل ذلك يحول اللّه تعالى بيني وبين
مااريد، فاني قلت ليلة لغلام من قريش كان يرعى معي باعلى
مكة: لو ابصرت الى غنمي حتى ادخل مكة‏فاسمر بها ما
يسمرالشباب. فقال: ادخل. فخرجت اريد ذلك حتى‏اذا جئت
اول دار من دور مكة سمعت‏عزفا بالدفوف والمزامير، فقلت: ما
هذا؟ قالوا: فلان ابن فلان تزوج فلانة ابنة فلان، فجلست انظر
اليهم‏فضرب اللّه على اذني فنمت فما ايقظني الا مس الشمس،
قال: فجئت صاحبي فقال: ما فعلت؟ فقلت: ماصنعت شيئا،
واخبرته الخبر. قال: ثم قلت له ليلة اخرى مثل ذلك، فقال:
افعل، فخرجت فسمعت حين‏جئت مكة مثل ما سمعت ودخلت
مكة تلك الليلة فجلست انظر فضرب اللّه على اذني فواللّه ما
ايقظني‏الامس الشمس، فرجعت الى صاحبي فاخبرته الخبر، ثم
ما هممت بعدهما بسوء حتى اكرمني اللّه برسالته((340)).
قال الماوردي في اعلام النبوة ((341)) (140): هذه احوال
عصمته قبل الرسالة، وصده عن دنس الجهالة،فاقتضى ان
يكون بعد الرسالة اعظم، ومن الادناس اسلم، وكفى بهذه الحال
ان يكون من الاصفياء الخيرة‏ان امهل، ومن الاتقياء البررة ان
اغفل، ومن اكبر الانبياء عند اللّه تعالى من ارسل مستخلص
الفطرة،علي‏النظرة، وقد ارسله اللّه تعالى بعد الاستخلاص،
وطهره من الادناس، فانتفت عنه تهم الظنون، وسلم‏من ازدراء
العيون، ليكون الناس الى اجابته اسرع، والى الانقياد له اطوع.
انتهى.
والي نسائل ذلك الحكيم المتاول الذي مر كلامه (ص‏65) عن
انه كيف خص محمدا (ص) بالنبوة، وابابكربالرحمة، وعمر
بالحق، وحسب انه فتح بابا مرتجا من المعضلات، او اتى بقرني
حمار، اي نبوة تفارق الحق؟واي نبي هو اوضع من صاحب
الحق؟ واي حق اقتناه عمر لنفسه وعزب عن الرسول
(ص)عرفانه؟
وهلم معي الى طامة اخرى من الزركشي في الاجابة ((342))
(ص‏67)، الذي عد فيها من خصائص عائشة:ان‏رسول اللّه (ص)
كان يتبع رضاها كلعبها باللعب، ووقوفه في وجهها لتنظر الى
الحبشة يلعبون. فقال:واستنبط العلماء من ذلك احكاما كثيرة
فما اعظم بركتها! انتهى.
او هل يريد هذا الرجل اثبات ماثرة لعائشة؟ او ذكر مزل ة
لبعلها؟ وهل كان(ص) يتبع رضاها في‏المشروع؟ او كان اتباعه
اعم من ذلك؟ معاذ اللّه وهل من الممكن ان يتبع رضاها
حتى في نقض ما جاءبه هو من الشريعة الالهية؟ واي حكم
يستنبط من مثل هذا المدرك الساقط؟ فمرحبا بالكاتب، وزه
بالعلماءالمستنبطين، وكثر اللّه امثال هذه البركات لاكثرها.
ثم هل النذر يبيح المحظور؟ وفي الحديث الشريف قوله (ص):
«لا نذر في معصية ولا نذر فيما لا يملك ابن‏آدم‏» ((343)).
وقوله (ص): «من نذر ان يطيع اللّه فليطعه، ومن نذر ان يعصي
اللّه فلا يعصه‏» ((344)).
وقال عقبة بن عامر: ان اخته نذرت ان تمشي حافية غير
مختمرة وانه ذكر ذلك لرسول اللّه (ص) فقال:«مرها فلتركب
ولتختمر» ((345)).
وعن ابن عباس قال: ان رسول اللّه (ص) مر برجل بمكة وهو
قائم في الشمس فقال: «ما هذا؟» قالوا: نذران يصوم ولا يستظل
الى الليل ولا يتكلم ولا يزال قائما. قال: «ليتكلم وليستظل
وليجلس وليتم‏صومه‏»((346)).
وقال (ص): «لا نذر الا فيما يبتغى به وجه اللّه تعالى‏» ((347)).
وقال (ص): «النذر نذران، فمن كان نذره في طاعة اللّه فذلك
للّه وفيه الوفاء، ومن كان نذره في معصية اللّهفذلك للشيطان
ولا وفاء فيه‏» ((348)).
اوليس من شرط انعقاد النذر على هذا الرجحان في متعلقه
وكونه مما يبتغى‏به وجه اللّه ليكون مقربا اليه‏سبحانه زلفى ،
فيصح للناذر ان يقول: للّه علي كذا؟ فاي رجحان في ضرب
المراة الاجنبية الدف بين يدي‏الرجل الاجنبي وفي غنائها
ورقصها امامه؟ الا ان يقول القائل: ان تلك الجارية او مسجد
النبي الاعظم‏اباحا تلكم المحظورات. او الغلو في الفضائل
فضائل الخليفة اباح ان تستساغ.

راي عمر في الغناء
ان تعجب فعجب ان هذه المهازئ تشعر بكراهة عمر للغناء وقد
عده العيني في عمدة القاري شرح صحيح‏البخاري ((349))
(5/160) نقلا عن كتاب التمهيد لابي عمر صاحب الاستيعاب
ممن ذهب الى اباحته في عدادعثمان، وعبد الرحمن بن عوف،
وسعد بن ابي وقاص، وعبداللّه بن عمر، ومعاوية، وعمرو بن
العاصي،والنعمان بن بشير، وحسان بن ثابت.
وقال الشوكاني في نيل الاوطار ((350)) (8/266): قد روي
الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين،فمن الصحابة:
عمر. كما رواه ابن عبدالبر ((351)) وغيره، ثم عد جمعا منهم:
عثمان، عبدالرحمن بن عوف، ابوعبيدة الجراح، سعد بن ابي
وقاص، عبداللّه بن عمر.
وروى المبرد والبيهقي في المعرفة كما في نيل الاوطار
((352)) (8/272) عن عمر: انه اذا كان داخلا في بيته
بالبيت والبيتين. واستدلال الشوكاني بهذا على اباحة الغناء
ترنم
في بعض المواقف يومي الى ان المراد من الترنم:التغني.
وقال ابن منظور في لسان العرب ((353))(19/374): قد
رخص عمر (رضي اللّه عنه) في غناء الاعراب.
ويعرب عن جلية الحال حديث خوات بن جبير الصحابي، قال:
خرجنا حجاجا مع عمر، فسرنا في ركب‏فيهم ابو عبيدة بن
الجراح وعبدالرحمن بن عوف، فقال القوم: غننا من شعر ضرار،
فقال عمر: دعوا اباعبداللّه فليغن من بنيات فؤاده ((354)). فما
زلت اغنيهم حتى كان السحر، فقال عمر: ارفع لسانك يا خوات
فقداسحرنا ((355)).
وزاد ابن عساكر في تاريخه ((356)) (7/163): فقال ابو عبيدة:
هلم الى رجل ارجو ان لا يكون شرا من عمر.قال: فتنحيت انا
وابو عبيدة فما زلنا كذلك حتى صلينا الفجر.
وفي كنز العمال ((357)) (7/336): كلم اصحاب النبي خوات
بن جبير ان يغنيهم فقال: حتى استاذن عمر.فاستاذنه فاذن له،
فغنى خوات، فقال عمر: احسن خوات، احسن خوات.
وفي حديث رباح بن المعترف: قال: انه كان مع عبدالرحمن بن
عوف يوما في سفر، فرفع صوته رباح يغني‏غناء الركبان، فقال له
عبد الرحمن: ما هذا؟ قال: غير ما باس نلهو ونقصر عنا السفر.
فقال عبدالرحمن: ان‏كنتم لا بد فاعلين فعليكم بشعر ضرار بن
الخطاب، ويقال: انه كان معهم في ذلك السفر عمر بن
الخطاب‏وكان يغنيهم غناء النصب ((358)). في تاج العروس
: النصب ضرب من اغاني الاعراب. ((359))
وعن عثمان بن نائل عن ابيه قال: قلنا لرباح بن المعترف: غننا
بغناء اهل بلدنا، فقال: مع عمر؟ قلنا: نعم،فان نهاك فانته.
وذكر الزبير بن بكار: ان عمر مر به ورباح يغنيهم غناء الركبان
((360)) فقال: ما هذا؟ قال عبدالرحمن: غير ماباس يقصر عنا
السفر، فقال: اذا كنتم فاعلين فعليكم بشعر ضرار بن الخطاب.
الاصابة (1/502).
وعن السائب بن يزيد قال: بينا نحن مع عبدالرحمن بن عوف
في طريق مكة اذ قال عبدالرحمن لرباح: غننا.فقال له عمر: ان
كنت آخذا فعليك بشعر ضرار بن الخطاب. الاصابة (2/209).
وفي لفظ ابن عساكر في تاريخه ((361)) (7/35): فقال عمر:
ما هذا؟ فقال عبدالرحمن: ما باس بهذا اللهوونقصر عنا سفرنا.
فقال عمر: ان كنت... الى آخره.
وعن العلاء بن زياد: ان عمر كان في مسير فتغنى فقال: هلا
زجرتموني اذا لغوت. كنز العمال ((362)) (7/335).
وعن الحارث بن عبد اللّه بن عباس: انه بينا هو يسير مع عمر
في طريق مكة في خلافته ومعه المهاجرون‏والانصار فترنم
عمر ببيت، فقال له رجل من اهل العراق ليس معه عراقي غيره:
غيرك فليقلها يا اميرالمؤمنين، فاستحيا عمر وضرب راحلته
حتى انقطعت من الركب. اخرجه الشافعي والبيهقي كما في
الكنز((363)) (7/336).
هذا عمر وهذا رايه وهذه سيرته في الغناء، فهل من المعقول ان
يهابه المغنون فيجفلون عما كانوا يقترفونه،ويسمعه النبي
(ص) ولا يتحرج؟ ويرى ان الشيطان يفرق من عمر، ولا يفرق
منه؟ المستعاذ بك يااللّه.
وقد تروى هذه المنقبة الموهومة لعثمان فيما اخرجه احمد في
مسنده ((364)) (4/353) من طريق ابن ابي اوفى قال:استاذن
ابو بكر (رضي اللّه عنه) على النبي (ص) وجارية تضرب بالدف
فدخل، ثم استاذن عمر (رضي اللّهعنه) فدخل، ثم استاذن
عثمان (رضي اللّه عنه) فامسكت. قال: فقال رسول اللّه (ص):
ان عثمان رجل حيي.
واخرجه في (ص‏354) باسناد آخر بلفظ: كانت جارية تضرب
بالدف عند رسول اللّه (ص) فجاء ابو بكرثم جاء عمر، ثم جاء
عثمان غ فامسكت، فقال: الى‏آخره. وسنوقفك على حياء عثمان
حتى تعرف صحة‏هذا الحديث ايضا.
ثم لنتوجه الى شاعر النيل المشبه درة عمر بعصا موسى التي
كانت معجزة قاهرة لنبي معصوم ابطل بهاالباطل، واقام الحق،
فقال كما مر في (ص‏66):
اغنت عن الصارم المصقول درته
فكم اخافت غوي النفس عاتيها
كانت له كعصا موسى لصاحبها
لا ينزل البطل مجتازا بواديها
فنسال الرجال عن وجه الشبه بين تلك العصا وبين هذه الدرة
التي قيل فيها:
لعل درته لم يسلم من خفقتها الا القلائل من كبار الصحابة،
وكانت الدرة في يده على الدوام انى سار، وكان‏الناس يهابونها
اكثر مما تخيفهم السيوف، وكان يقول: اصبحت اضرب الناس
ليس فوقي احد الارب‏العالمين ((365))، فقيل بعده: لدرة
عمر اهيب من سيف الحجاج كما في محاضرة السكتواري
(ص‏169).
فما وجه الشبه بين عصا نبي معصوم وبين درة انسان لم يسلم
منها الا القلائل من كبار الصحابة؟ اهي‏تشبهها حين ضرب
صاحبها النساء الباكيات على بنت رسول اللّه (ص) واخذ (ص)
بيده وقال: «مه ياعمر»؟ (غ) (6/159) ((366)).
ام حين ضرب ام فروة بنت ابي قحافة حين بكت على ابيها؟
(غ) (6/161).
ام حين ضرب تميم الداري لاتيانه الصلاة بعد العصر وهي
سنة؟ (غ) (6/183 184).
ام حين ضرب المنكدر وزيد الجهني وآخرين للصلاة بعد
العصر؟ (غ) (6/184).
ام حين ضرب في المجزرة كل من اشترى اللحم لاهله يومين
متتابعين؟ (غ) (6/267).
ام حين ضرب رجلا اتى بيت المقدس واتيانه سنة؟ (غ)
(6/278).
ام حين ضرب الصائمين في رجب وصومه سنة مؤكدة؟ (غ)
(6/282).
ام حين ضرب سائلا عن آية من القرآن لا يعرف مغزاها؟ (غ)
(6/290).
ام حين ضرب مسلما اصاب كتابا فيه العلم؟ (غ) (6/297).
ام حين ضرب مسلما اقتنى كتابا لدانيال؟ (غ) (6/298).
ام حين ضرب من كني بابي عيسى؟ (غ) (6/308).
ام حين ضرب سيد ربيعة من غير ذنب اتى به؟ (غ) (6/157).
ام حين ضرب معاوية من دون ان يقترف اثما؟ كما في تاريخ
ابن كثير ((367)) (8/125).
ام حين ضرب ابا هريرة لابتياعه افراسا من ماله؟ (غ) (6/271).
ام حين ضرب من صام دهرا؟ (غ) (6/322).
الى مواقف لا تحصى. فانظر الى من تتوجه قارصة الرجل في
قوله: فكم اخافت غوي النفس عاتيها.
(ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد اللّه على
ما في قلبه وهو الد الخصام) ((368)).

(4) كرامات عمر الاربع
1 لما فتح عمر مصر اتى اهلها الى عمرو بن العاص حين دخل
بؤنة من اشهر العجم، فقالوا له: ايها الاميران لنيلنا هذا سنة لا
يجري الا بها. فقال لهم: وما ذاك؟ فقالوا له: انا اذا كانت ثلاث
عشرة ليلة نحوا ((369)) من‏هذا الشهر عمدنا الى جارية بكر
بين ابويها، فارضينا اباها وحملنا عليها من الحلي والثياب افضل
ما يكون‏ثم القيناها في النيل، فقال لهم عمرو: ان هذا شي‏ء لا
يكون في الاسلام وان الاسلام يهدم ما كان قبله،فاقاموا بؤنة
وابيب ومسرى ((370))، لا يجري قليلا ولا كثيرا، فكتب الى
عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه)،فكتب اليه عمر: انك قد
اصبت بالذي فعلت، ان الاسلام يهدم ما قبله، وكتب الى عمرو
اني قد بعثت اليك‏بطاقة داخل كتابي هذا اليك فالقها في
النيل اذا وصل كتابي اليك، فلما قدم كتاب عمر (رضي اللّه
عنه) الى‏عمرو بن العاص فاذا فيها مكتوب:
من عبد اللّه عمر امير المؤمنين الى نيل مصر: اما بعد: فان كنت
انما تجري من قبلك فلا تجر، وان كان اللّهالواحد القهار هو
مجريك فنسال اللّه الواحد القهار ان يجريك.
وفي لفظ الواقدي: فان كنت مخلوقا لا تملك ضرا ولا نفعا وانت
تجري من قبل نفسك وبامرك فانقطع ولاحاجة لنا بك، وان
كنت تجري بحول اللّه وقوته فاجر كما كنت، والسلام.
فالقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بشهر فقد تهيا اهل
مصر للجلاء والخروج فانه لا تقوم مصلحتهم‏فيها الا بالنيل،
فلما القى البطاقة اصبحوا يوم الصليب وقد اجراه اللّه تعالى ستة
عشر ذراعا في ليلة واحدة،فقطع اللّه تلك السنة عن اهل مصر
الى اليوم.
2 قال الرازي في تفسيره: وقعت الزلزلة في المدينة فضرب
عمر الدرة على الارض وقال: اسكني باذن‏اللّه. فسكنت وما
حدثت الزلزلة بالمدينة بعد ذلك.
3 في تفسير الرازي: وقعت النار في بعض دور المدينة فكتب
عمر على‏خرقة: يا نار اسكني باذن اللّه.فالقوها في النار فانطفات
في الحال.
4 في محاضرة الاوائل للسكتواري: اول زلزلة كانت في
الاسلام سنة عشرين من الهجرة في خلافة عمر(رضي اللّه عنه)
فضرب امير المؤمنين (رضي اللّه عنه) برمحه قائلا: يا ارض
اسكني، الم اعدل عليك؟فسكنت. فكان من جملة كرامته،
فظهرت له كرامات اربعة في العناصر الاربعة: تصرف في عنصر
التراب،والماء في قصة رسالته الى نيل مصر، وفي الهواء في قصة
سارية الجبل، وفي النار في قصة احتراق قرية رجل‏حين كلفه
ان يغير اسمه فابى، وكان اسمه يتعلق بالنار كالشهاب والقبس
والثاقب كما ذكر في تبصرة الادلة‏ودلائل النبوة.
راجع ((371)): فتوح الشام للواقدي (2/44)، تفسير الرازي
(5/478)، سيرة عمر لابن الجوزي (ص‏150)،الرياض النضرة
(2/12)، تاريخ ابن كثير (7/100)، تاريخ الخلفاء للسيوط‏ي
(ص‏86)، محاضرة الاوائل‏للسكتواري (ص‏168)، خزانة الاسرار
(ص‏132) تاريخ القرماني هامش الكامل (1/203)، الروض
الفائق(ص‏246)، الفتوحات الاسلامية (2/437)، نور الابصار
(ص‏62)، جوهرة الكلام للقراغولي الحنفي(ص‏44).
قال الاميني: اما رواية النيل فراويها الوحيد هو عبداللّه بن صالح
المصري احد الكذابين الوضاعين كما مر في‏الجزء الخامس
(ص‏239) قال احمد بن حنبل ((372)): كان اول امره متماسكا
ثم فسد بخره، وقال احمد بن‏صالح: متهم ليس بشي‏ء، وقال
صالح جزرة: كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في
الحديث، وقال‏النسائي ((373)): ليس بثقة، وقال ابن المديني:
لا اروي عنه شيئا، وقال ابن حبان ((374)): كان في نفسه
صدوقا انماوقعت المناكير في حديثه من قبل جار له [رجل
سوء] ((375)) فسمعت ابن خزيمة يقول: كان له جار كان
بينه‏وبينه عداوة كان يضع الحديث على شيخ ابي ((376))
صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبداللّه [بن
صالح]
((377))ويرميه في داره بين كتبه فيتوهم عبداللّه انه
خطه فيحدث به، وقال ابن عدي ((378)): يقع في
اسانيده‏ومتونه غلط ولا يتعمد.
قامت القيامة على عبداللّه بهذا الخبر الذي قال عن جابر
مرفوعا: ان اللّه اختار اصحابي على العالمين سوى‏النبيين
والمرسلين، واختار من اصحابي اربعة: ابا بكر وعمر وعثمان
وعليا فجعلهم خير اصحابي واصحابي‏كلهم خير. ثم ذكر اقوال
الحفاظ في بطلان هذا الحديث وانه موضوع. راجع ميزان
الاعتدال ((379)) (2/46).
فالرواية مكذوبة اختلقتها يد الغلو في الفضائل، وان كنا لا
نناقش في امكان خضوع النيل لتلكم الكتابة،فيكون معجزة
للاسلام لمسيس حاجة القوم الى مثلها لحداثة عهدهم
بالاسلام.
واما ما جاء به الرازي من حديث الزلزلة فلم يوجد في حوادث
عهد عمر لا مسندا ولا مرسلا، ولم يذكره‏قط مؤرخ ضليع، ولم
يخرجه الحفاظ حتى ينظر في اسناده. وقوله: وما حدثت الزلزلة
بالمدينة بعد ذلك،فكرامة مكذوبة يكذبها التاريخ، وقد وقعت
الزلزلة بعد ذلك غير مرة فقد وقعت زلزلة عظيمة بالحجاز
سنة(515) فتضعضع بسببها الركن اليماني وتهدم بعضه،
وتهدم بها شي‏ء من مسجد رسول اللّه (ص) كما ذكره‏ابن كثير
في تاريخه ((380)) (12/188).
وحدثت بالمدينة زلزلة عظيمة ليلا واستمرت اياما، وكانت
تزلزل كل يوم وليلة قدر عشر نوبات. وذلك‏سنة (654) وقصتها
طويلة توجد في تاريخ ابن كثير ((381)) (13/188، 190، 191،
192).
واعطف على ما قاله الرازي قول السكتواري من انها اول زلزلة
كانت في الاسلام سنة عشرين من الهجرة.فقد وقعت سنة ست
من الهجرة الشريفة كما في تاريخ الخميس ((382)) (1/565)
فقال النبي (ص): ان اللّهعزوجل يستعتبكم فاعتبوه.
واما حديث قول عمر: يا سارية الجبل الجبل، فقال السيد محمد
بن درويش الحوت في اسنى المطالب((383))(ص‏265): هو
من كلام عمر قاله على المنبر حين كشف له عن سارية
((378)) وهو بنهاوند من ارض‏فارس، روى قصته الواحدي
والبيهقي بسند ضعيف وهم في المناقب يتوسعون. انتهى.
كنا نرى السيد ابن الحوت غير منصف في حكمه على الحديث
بالضعف وانه كان حقا عليه الحكم بالوضع‏الى ان اوقفنا السير
على تصحيح ابن بدران المتوفى(1346) اياه فيما علق عليه
في تاريخ ابن عساكر (6/46)بعد ذكر الحديث من طريق سيف
بن عمر، فوجدنا ابن الحوت عندئذ انه جاء باحدى بنات طبق
((385))في‏حكمه ذلك، ما اجرا ابن بدران على هذا التمويه
والدجل! اليست بين يديه اقوال اعلام قومه حول سيف بن‏عمر؟
ام ليسوا اولئك الحفاظ رجال الجرح والتعديل في كل اسناد؟
قال ابن حبان ((386)): كان سيف بن عمريروي الموضوعات
عن الاثبات.
وقال: قالوا: انه كان يضع الحديث واتهم بالزندقة. وقال الحاكم:
اتهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط، وقال‏ابن عدي ((387)):
بعض احاديثه مشهورة وعامتها منكرة لم يتابع عليها. وقال ابن
عدي: عامة حديثه منكر.وقال البرقاني عن الدارقطني
((388)): متروك. وقال ابن معين ((389)): ضعيف الحديث
فليس خير منه. وقال ابوحاتم ((390)): متروك الحديث يشبه
حديثه حديث الواقدي. وقال ابو داود: ليس بشي‏ء. وقال
النسائي ((391)):ضعيف. وقال السيوط‏ي: وضاع، وذكر حديثا
من طريق السري بن يحيى عن شعيب بن ابراهيم عن
سيف‏فقال: موضوع، فيه ضعفاء اشدهم سيف.
راجع ((392)): ميزان الاعتدال (1/438)، تهذيب التهذيب
(4/295)، اللالئ المصنوعة (1/157، 1990، 429).
واما احتراق القرية باباء الرجل تغيير اسمه فخرافة ياباها الشرع
والعقل والمنطق. ان ما تقدم في الجزءالسادس (ص‏308
315) من آراء الخليفة الخاصة به في الاسماء والكنى ومن
جرائها غير كنى رجال‏كناهم رسول اللّه (ص) واسماء آخرين
سماهم بها هو (ص) بحجة داحضة من ان رسول اللّه (ص)
مات‏وغفر له ونحن لا ندري ما يفعل بنا يستدعي الا يمتثل
في امثال ذلك لا ان يعذب اللّه قرية آمنة مطمئنة‏لعدم امتثال
صاحبها بما يقوله الخليفة دون امر مباح، وهو من الظلم
الفاحش لما احترق فيها من ابرياءوتلفت من اموال، ولو وقفت
بمطلع الاكمة من تلك القرية المضطرمة لبكيت على الرضع
والبهائم بكاءالثكلى، نحاشي ربنا الحكم العدل عن مثل ذلك،
ونحاشي اعلام الامة عن قبول هذه المخاريق المخزية. قاتل‏اللّه
الحب، ماذا يفعل ويفتعل ويختلق!

(5) تسمية عمر بامير المؤمنين
قال الواقدي: حدثنا ابو حمزة ((393)) يعقوب بن مجاهد، عن
محمد بن ابراهيم، عن ابي عمرو قال: قلت لعائشة:من سمى
عمر الفاروق امير المؤمنين؟ قالت: النبي(ص) قال: امير
المؤمنين هو. ذكره ابن كثير في تاريخه((394))(7/137).
قال الاميني: كان ابو حزرة قاصا يقص، فراقه ان يكذب على
رسول‏اللّه (ص) وعلى حليلته ام المؤمنين،لارضاء مستمعيه
بافتعال منقبة لعمر ذاهلا عن ان التاريخ يكذبه ويكشف عن
سواته ولو بعد حين.
اخرج الحاكم من طريق ابن شهاب قال: ان عمر بن عبدالعزيز
سال ابا بكر ابن سليمان بن ابي خيثمة: لاي‏شي‏ء كان يكتب:
من خليفة رسول اللّه (ص) في عهد ابي بكر (رضي اللّه عنه) ثم
كان عمر يكتب اولا: من‏خليفة ابي بكر؟ فمن اول من كتب:
من امير المؤمنين؟ فقال: حدثتني الشفاء وكانت من
المهاجرات الاول:ان عمر بن الخطاب (رضي اللّه عنه) كتب
الى عامل العراق بان يبعث اليه رجلين جلدين يسالهما
عن‏العراق واهله، فبعث عامل العراق بلبيد بن ربيعة وعدي بن
حاتم، فلما قدما المدينة اناخا راحلتيهما بفناءالمسجد ثم دخلا
المسجد فاذا هما بعمرو بن العاص فقالا: استاذن لنا يا عمرو
على امير المؤمنين، فقال‏عمرو: انتما واللّه اصبتما اسمه، هو
الامير ونحن المؤمنون، فوثب عمرو فدخل على امير المؤمنين.
فقال: السلام‏عليك يا امير المؤمنين، فقال عمر: ما بدا لك في
هذا الاسم يابن العاص، ربي يعلم لتخرجن مما قلت. قال:ان
لبيد بن ربيعة وعدي بن حاتم قدما فاناخا راحلتيهما بفناء
المسجد ثم دخلا علي‏فقالا لي: استاذن لناياعمرو على امير
المؤمنين فهما واللّه اصابا اسمك، نحن المؤمنون وانت اميرنا،
قال: فمضى به الكتاب من‏يومئذ.
اخرجه الحاكم في المستدرك ((395)) وصححه. وقال الذهبي
في تلخيص المستدرك: صحيح. وقال السيوط‏ي في‏شرح
شواهد المغني ((396)) (ص‏57): روينا بسند صحيح ان لبيد
بن ربيعة وعدي بن حاتم هما اللذان سمياعمر بن الخطاب
امير المؤمنين حين قدما عليه من العراق. وذكر القصة في
تاريخ الخلفاء ((397)) (ص‏94).
واخرج الطبري في تاريخه ((398)) (5/22) بالاسناد عن
حسان الكوفي قال: لما ولي عمر قيل: يا خليفة خليفة‏رسول
اللّه، فقال عمر (رضي اللّه عنه): هذا امر يطول، كل ما جاء
خليفة قالوا: يا خليفة خليفة خليفة‏رسول اللّه، بل انتم
المؤمنون وانا اميركم، فسمي امير المؤمنين.
وقال ابن خلدون في مقدمة تاريخه ((399)) (ص‏227): اتفق
ان دعا بعض الصحابة عمر (رضي اللّه عنه): ياامير المؤمنين
فاستحسنه الناس واستصوبوه ودعوه به، يقال: ان اول من دعا
بذلك عبد اللّه بن جحش،وقيل: عمرو بن العاصي، والمغيرة بن
شعبة، وقيل: بريد جاء بالفتح من بعض البعوث ودخل المدينة
وهويسال عن عمر ويقول: اين امير المؤمنين؟ وسمعها اصحابه
فاستحسنوه وقالوا: اصبت واللّه اسمه، انه واللّهامير المؤمنين
حقا، فدعوه بذلك وذهب لقبا له في الناس، وتوارثه الخلفاء من
بعده سمة لا يشاركهم فيهااحد سواهم الا سائر دولة بني امية.
انتهى.
فصريح هذه النقول ان عمر نفسه ما كانت له سابقة علم بهذا
اللقب لا عن رسول اللّه (ص) ولا عن غيره،ولذلك استغربه
وقال: ربي يعلم لتخرجن مما قلت. ولا كان عمرو بن العاصي
يعلم ذلك ولذلك نسب‏الاصابة بالتسمية الى الرجلين ونحت
لها من عنده ما يبررها. ولا كانت عند الرجلين اللذين صح
كمامران هما هما اللذان سمياه اثارة من علم بما جاء به ابن
كثير وانما هو شي‏ء جرى على لسانهما، ثم اعطف‏نظرة ثانية
على كلمة ابن خلدون المقررة للخلاف في اول من سماه بامير
المؤمنين ولم يذكر فيه‏قولابان‏الرسول (ص) هو الذي سم اه،
وصريح رواية الطبري ان عمر هو الذي راى هذه التسمية.
نعم، ان الذي سماه رسول اللّه (ص) امير المؤمنين هو مولانا
علي (ع). اخرج ابو نعيم في حلية الاولياء(1/63) باسناده عن
انس قال: قال رسول اللّه (ص): «يا انس اسكب لي وضوءا ». ثم
قام فصلى ركعتين. ثم‏قال: «يا انس اول من يدخل عليك من
هذا الباب امير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر
المحجلين،وخاتم الوصيين‏»، قال انس: قلت: اللهم اجعله رجلا
من الانصار وكتمته اذ جاء علي، فقال: «من هذا ياانس؟» فقلت:
علي، فقام مستبشرا فاعتنقه ثم جعل يمسح عرق وجهه
بوجهه، ويمسح عرق علي بوجهه.قال علي: «يا رسول اللّه لقد
رايتك صنعت شيئا ما صنعت بي من قبل؟ قال: وما يمنعني
وانت تؤدي عني،وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه
بعدي‏».
واخرج ابن مردويه من طريق ابن عباس قال: كان رسول اللّه
(ص) في بيته فغدا عليه علي بن ابي طالب آكرم اللّه وجهه
بالغداة ان لا يسبقه اليه احد، فدخل فاذا النبي(ص) في صحن
البيت، فاذا راسه في حجردحية بن خليفة الكلبي فقال:
«السلام عليك، كيف اصبح رسول اللّه؟» قال: بخير يا اخا رسول
اللّه، فقال‏علي «جزاك اللّه عنا خيرا اهل البيت‏» فقال له دحية:
اني لاحبك وان لك عندي مدحة ازفها لك، انت اميرالمؤمنين،
وقائد الغر المحجلين الى آخره. وفيه: فاخذ راس النبي(ص)
فوضعه في حجره فقال النبي (ص):«ما هذه الهمهمة؟» فقال
علي بما جرى، فقال: «يا علي لم يكن دحية ولكن كان جبرائيل
سماك باسم سماك اللّهبه‏».
واخرج الحافظ ابو العلا الحسن بن احمد العطار من طريق ابن
عباس في حديث: قال (ص): «يا ام سلمة‏اشهدي واسمعي هذا
علي بن ابي طالب امير المؤمنين‏». الحديث مر بتمامه في الجزء
السادس (ص‏80).
واخرج الطبراني في معجمه ((400)) من طريق عبد اللّه بن
عليم الجهني مرفوعا: «ان اللّه عز وجل اوحى الي في‏علي ثلاثة
اشياء ليلة اسري بي: انه سيد المؤمنين، وامام المتقين، وقائد
الغر المحجلين‏».
وتعضد هذه الاحاديث وتؤكدها عدة احاديث، منها ما اخرجه ابو
نعيم في حلية الاولياء من طريق ابن‏عباس قال: قال رسول اللّه
(ص): «ما انزل اللّه آية فيها يا ايها الذين آمنوا الا وعلي راسها
واميرها».
وفي لفظ الطبراني ((401)) وابن ابي حاتم: «الا وعلي اميرها
وشريفها» ولقد عاتب اللّه اصحاب محمد في غيرمكان وما ذكر
عليا الا بخير ((402)).
ومنها ما اخرجه الخطيب والحاكم وصححه من طريق جابر بن
عبداللّه، قال: سمعت رسول اللّه (ص) يوم‏الحديبية وهو آخذ بيد
علي يقول: «هذا امير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره،
مخذول من خذله‏»((403)).
واخرجه ابن ابي حاتم من طريق ابن عباس كما في تاريخ
الخلفاء للسيوط‏ي (ص‏115)، ونور الابصار((404))(ص‏80)،
واخرجه شيخ الاسلام الحموئي ((405)) من طريق
عبدالرحمن بن سهمان في فرائد السمطين،وذكره ابن حجر
في الصواعق ((406)) نقلا عن الحاكم وحرفه وجعل مكان امير
البررة: امام البررة. حيا اللّهالامانة.
ومنها ما اخرجه ابن عدي في كامله ((407)) من طريق علي:
ان النبي (ص) قال: «علي يعسوب ((408)) المؤمنين،والمال
يعسوب المنافقين‏»، وفي رواية: «يعسوب الظلمة‏» وفي رواية
«يعسوب الكفار» ذكره الدميري في حياة‏الحيوان ((409))
(2/412)، وابن حجر في الصواعق ((410)) (ص‏75)، وقال
الدميري: ومن هنا قيل لاميرالمؤمنين علي كرم اللّه وجهه:
امير النحل.
ومنها قول علي: «انا يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب الكفار»
وفي لفظ: «المنافقين‏»، وفي لفظ: «الفجار» نهج‏البلاغة ((411))
(2/211)، تاج العروس (1/381).
هذه هي الحقيقة الراهنة لكن القوم نحتوا تجاهها بقضاء من
الغلو في الفضائل ما عرفته من رواية القصاص‏ابي حزرة.

(6) عمر لا يحب الباطل
اخرج ابو نعيم في حلية الاولياء (2/46) من طريق الاسود بن
سريع قال: اتيت النبي (ص) فقلت: قدحمدت ربي بمحامد
ومدح واياك. فقال: ان ربك عزوجل يحب الحمد. فجعلت
انشده، فاستاذن رجل طويل‏اصلع، فقال لي رسول‏اللّه(ص):
اسكت، فدخل فتكلم ساعة ثم خرج فانشدته، ثم جاء فسكتني
النبي(ص) فتكلم ثم خرج، ففعل ذلك مرتين او ثلاثا فقلت: يا
رسول اللّه من هذا الذي اسكتني له؟ فقال: هذاعمر، رجل لا
يحب الباطل.
ومن طريق آخر عن الاسود التميمي قال: قدمت على النبي
(ص) فجعلت انشده فدخل رجل اقنى ((412))فقال‏لي:
امسك. فلما خرج قال: هات. فجعلت انشده فلم البث ان عاد
فقال لي: امسك. فلما خرج قال: هات.فقلت: من هذا يا نبي اللّه
الذي اذا دخل قلت: امسك، واذا خرج قلت: هات؟ قال: هذا
عمر بن الخطاب،وليس من الباطل في شي‏ء.
ومن طريق آخر عن الاسود قال: كنت انشده (ص) ولا اعرف
اصحابه حتى جاء رجل بعيد ما بين‏المناكب اصلع، فقيل: اسكت
اسكت: قلت: واثكلاه، من هذا الذي اسكت له عند النبي (ص)؟
فقيل: عمربن الخطاب، فعرفت واللّه بعد انه كان يهون عليه لو
سمعني ان لا يكلمني حتى ياخذ برجلي فيسحبني الى‏البقيع.
قال الاميني: هل علمت رواة السوء بالذي تلوكه بين اشداقها؟
ام درت فتعمدت؟ ام ان حب عمر والمغالاة‏في فضائله
اعمياهم عن تبعات هذه القول الشائن (فانها لا تعمى الابصار
ولكن تعمى القلوب التي في‏الصدور) ((413)).
يقول القائل: ان ما اراد انشاده محامد ومدح للّه ولرسوله
فيجيزه رسول اللّه(ص) ويقول: ان ربك عز وجل‏يحب الحمد.
فاي باطل في هذا حتى يبغضه عمر؟ ولو كان باطلا لمنعه
رسول اللّه (ص) قبل عمر، واي نبي‏هذا يتقي رجلا من امته ولا
يتقي اللّه؟ وكيف خشي الرجل ان يسحبه عمر برجله الى البقيع
ولم يخش رسول‏اللّه (ص) ان يفعل به ذلك او يامر فيفعل به؟ او
ان عمر ما كان يميز بين الحق والباطل فيحسب ان كل ماينشد
من الباطل، فيجاريه النبي (ص) على مزعمته؟ فهل علم
الراوي او المؤلف بهذه المفاسد، او لا؟
فان كان لا يدري فتلك مصيبة
وان كان يدري فالمصيبة اعظم

(7) الملائكة تكلم عمر بن الخطاب
اخرج البخاري في كتاب المناقب ((414)) باب مناقب عمر عن
ابي هريرة قال: قال النبي (ص): لقد كان فيمن‏قبلكم من بني
اسرائيل رجال يكلمون من غير ان يكونوا انبياء، فان يكن من
امتي منهم احد فعمر.
واخرج في الصحيح ((415)) بعد حديث الغار عن ابي هريرة
قال: قال النبي (ص): انه قد كان فيما مضى قبلكم‏من الامم
محدثون، ان كان في امتي هذه منهم فانه عمر ابن الخطاب.
اسلفنا الفاظ هذه الرواية في الجزءالخامس (42 46)، ومر
هناك عن القسطلاني قوله: ليس قوله فان يكن للترديد بل
للتاكيد كقولك: ان‏يكن لي صديق ففلان، اذ المراد الاختصاص
بكمال الصداقة لا نفي الاصدقاء. الى آخره.
قال الاميني: انا لست ادري ما الغاية في حديث الملائكة مع
عمر؟ اهي محض ايناسه باختلاف الملك اليه‏وتكليمه اياه؟ ام
هي اقالة عثراته، وتسديد خطاه، ورد اخطائه وتعليمه ما لم
يعلم؟ حتى لا يكون خليفة‏المسلمين خلوا عن جواب مسالة،
صفرا عن حل معضلة، ولا يفتي بخلاف الشريعة المطهرة، ولا
يرمي‏القول على‏عواهنه، ان كانت للمحادثة المزعومة غاية
معقولة فهي هذه لا غيرها، اذا فراجع الجزء السادس‏وتتبع
الخط‏ى ، وترو في الاخطاء، واسمع مالا يعني، وانظر الى
التافهات، وعندنا اضعاف ما هنالك لعل بعض‏الاجزاء الاتية
يتكفل بعضها ان شاء اللّه تعالى، فهل هذا الملك طيلة صدور ما
في نوادر الاثر في الجزءالسادس منه كان في سنة عن اداء
وظيفته؟ او كان ما يصدر خافيا عليه؟ او ان الاستبداد في الراي
كان‏يحول بينهما؟ او ان الملك في حله وترحاله قد يتاخر عن
الاوبة اليه، فيقع ما يقع في غيبته، او ان القصة‏مفتعلة لا مقيل
لها في مستوى الصحة؟ وهذه اقوى الوجوه ولعله غير خاف
على البخاري نفسه لكنه...

(8) قرطاس في كفن عمر
ان الحسن والحسين دخلا على عمر بن الخطاب وهو مشغول،
ثم‏انتبه لهما فقام فقبلهما ووهب لكل واحدمنهما الفا، فرجعا
فاخبرا اباهما فقال: سمعت رسول‏اللّه(ص) يقول: عمر نور
الاسلام في الدنيا وسراج اهل‏الجنة في الجنة. فرجعا الى عمر
فحدثاه فاستدعى دواة وقرطاسا وكتب: حدثني سيدا شباب
اهل الجنة عن‏ابيهما عن رسول اللّه (ص) انه قال كذا وكذا،
فاوصى ان يجعل في كفنه ففعل ذلك، فاصبحوا واذا
القرطاس‏على القبر وفيه: صدق الحسن والحسين وصدق
رسول اللّه!
قال الاميني: بلغ هذه القصة الخيالية من الخرافة حدا ذكرها
ابن الجوزي في الموضوعات كما في تحذيرالخواص للسيوط‏ي
((416))صفحة (53) فقال: والعجب من هذا الذي بلغت به
الوقاحة الى ان يصنف مثل هذاوما كفاه حتى عرضه على اكابر
الفقهاء فكتبوا عليه تصويب هذا التصنيف. انتهى.
قاتل اللّه الغلو في الفضائل فانه شوه سمعة اكابر الفقهاء، كما
سود صحيفة التاريخ، وقبح وجه التاليف.

(9) لسان عمر وقلبه
اخرج امام الحنابلة احمد في‏المسند ((417))(2/401) عن نوح
بن ميمون، عن عبداللّه ابن عمر العمري، عن جهم‏بن ابي
الجهم، عن مسور بن المخرمة عن ابي هريرة قال: قال رسول
اللّه (ص): ان اللّه جعل الحق على لسان‏عمر وقلبه.
قال الاميني: اما قلب الرجل فلا صلة لنا به لان ما فيه من
السرائر لا يعلمه الا اللّه، نعم ربما ينم عنه ماجرى على لسانه،
وان شئت فسائل الامام احمد اكان الحق على لسان عمر لما
جابه رسول اللّه (ص) بقوله‏الفظ حين اراد الكتف والدواة
ليكتب للمسلمين كتابا لا يضلون بعده؟ فحال بينه وبين ما
اراده من هداية‏الامة. ومهما كانت الكلمة القارصة فان رسول
اللّه (ص) منزه عنها في كل حين فلا يغلبه الوجع، ولا يهجرمن
شدة ما به، ولا سيما وهو في صدد تبليغ ما به من الهداية
والصون عن الضلال (وما ينطق عن الهوى -ان‏هو الا وح ي
يوحى) ((418)). وانتظر لهذه الجملة بحثا ضافيا ان شاء اللّه
تعالى.
ام كان الحق على لسانه في المائة مورد التي اخطا فيها جمعاء؟
وقد فصلناها تفصيلا في نوادر الاثر من الجزءالسادس، وقد
اتخذناها مقياسا لمعرفة حال هذه الرواية وامثالها مما نسجته
يد الغلو في الفضائل.
اضف الى هذا ما في سنده من الضعف فان فيه: نوح بن ميمون،
قال ابن حبان ((419)): ربما اخطا ((420)).
وفيه: عبد اللّه بن عمر العمري. قال ابو زرعة عن احمد امام
الحنابلة: انه كان يزيد في الاسانيد ويخالف.وقال علي بن
المديني: ضعيف. وقال يحيى بن سعيد: لايحدث عنه. وقال
يعقوب بن شيبة: في حديثه‏اضطراب. وقال صالح جزرة: لين
مختلط الحديث. وقال النسائي ((421)): ضعيف الحديث. وقال
ابن سعد ((422)):كثير الحديث يستضعف. وقال ابو حاتم
: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن حبان ((424)): ((423))
كان ممن‏غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط فاستحق
الترك. وقال البخاري في التاريخ ((425)): كان يحيى بن‏سعيد
يضعفه. وقال ابو احمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم.
وقال المروزي: ذكره احمد ((426)) فلم يرضه ((427)).
وفيه: جهم بن ابي الجهم، قال الذهبي في ميزان الاعتدال
: لا يعرف. ((428))

(10) رؤيا رسول اللّه (ص) في علم عمر
اخرج البخاري في صحيحه ((429)) (5/355) في مناقب عمر،
عن عبداللّه بن عمر، عن رسول اللّه (ص) انه‏قال: بينا انا نائم
شربت يعني اللبن حتى انظر الى الري يجري في ظفري او
في اظفاري، ثم ناولت عمر.فقالوا: فما اولته؟ قال: العلم.
واخرجه ((430)) الحكيم الترمذي في نوادر الاصول (ص‏119)،
والبغوي في المصابيح (2/270)، وابن عبدالبرفي الاستيعاب
(2/429)، والمحب الطبري في الرياض (2/8). وفي لفظهم:
بينا انا نائم اتيت بقدح لبن فشربت حتى رايت الري يخرج من
اظفاري ثم اعطيت فضلي عمر.الحديث.
قال الحافظ ابن ابي جمرة الازدي الاندلسي في بهجة النفوس
(4/244) عند شرحه الحديث: فانظر بنظرك‏الى الذي شرب
فضله (ع) كيف كان قوة علمه الذي لم يقدر احد من الخلفاء
يماثله فيه؟ فكيف بغيرهم من‏الصحابة غ؟ وكيف ممن بعد
الصحابة؟ الى آخر ما جاء به من التافهات.
قال الاميني: ان طبع الحال يستدعي ان تكون هذه الرؤيا بعد
اسلام عمر وبعد مضي سنين من البعثة، وهل‏كان (ص) طيلة
هذه المدة خلوا من العلم؟ وهو في دور الرسالة، او كان في
علمه اعواز اكمله هذا اللبن‏الساري ريه في ظفره او اظفاره؟ او
كان فيها اعلام بمبلغ علم عمر فحسب، وكناية عن انه من
مستقى‏الوحي؟ فهل تخفى‏على من هو هذا شانه جلية المسائل
فضلا عن معضلاتها؟ وهل يسعه ان يعتذر في الجهل‏بكتاب اللّه
بقوله: الهاني عنه الصفق بالاسواق؟
وهلا تاثرت نفس الرجل بالعلم لما شرب من منهل علم النبي
العظيم؟ فما معنى قوله: كل الناس افقه من‏عمر حتى ربات
الحجال؟ وامثاله ((431))، وما الوجه في اخطائه التي لا تحصى
في الفتيا وغيرها؟ مما سبق‏وياتي ان شاء اللّه تعالى.
ولقد تلطف المولى سبحانه على الامة المرحومة انه ولي امرها
بعد شرب تلك الكاس. وانا لا ادري لو كان‏وليه قبل ذلك ماذا
كان يصدر من ولائد الجهل؟ واي حد كانت تبلغ نوادر الاثر في
علمه؟
وليت مصطنع هذه المهزاة اصطنعها على وجه ينطبق حكمها
على رسول اللّه(ص) وعلى الخليفة، لكنه لاينطبق على اي
منهما كما بيناه، غير ان وظيفة المائن ان ياتي باساطيره على
كل حال، وانما العتب على‏البخاري الذي يعتبرها ويدرجها في
الصحيح غلوا منه في الفضائل، واشد منه واعظم على امثال ابن
ابي‏جمرة الازدي من الذين يموهون الحقائق بزخرف القول
على اغرار الامة، ويحسبونه هينا وهو عند اللّه عظيم.

(11) عمر وفرق الشيطان منه
اخرج البخاري في صحيحه ((432)) في كتاب بدء الخلق باب
صفة ابليس وجنوده (5/89)، وفي كتاب المناقب‏باب مناقب
عمر (5/256) عن سعد بن ابي وقاص قال: استاذن عمر على
رسول اللّه (ص) وعنده نساء من‏قريش يكلمنه ويستكثرنه،
عالية اصواتهن، فلما استاذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فاذن
له رسول اللّه(ص)، ورسول اللّه(ص) يضحك، فقال عمر:
اضحك اللّه سنك يا رسول اللّه، قال: عجبت من هؤلاء اللاتي‏كن
عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب. قال عمر: فانت يا
رسول اللّه كنت احق ان يهبن، ثم قال آعمر : اي عدوات
انفسهن، اتهبنني ولا تهبن رسول اللّه(ص)؟ قلن: نعم، انت افظ
واغلظ من رسول اللّه(ص). قال رسول اللّه (ص): والذي نفسي
بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا الا سلك فجا غير فجك.
قال الاميني: ما اوقح هذا الراوي الذي ساق هذا الحديث في
عداد الفضائل وهو بعده عند سياق السفاسف‏اولى، حسب اولا
ان النساء لم يكن يهبن رسول اللّه(ص) وهبن عمر، فعلى هذا
نسائله: اكن هذه النسوة‏نساءه (ص)؟ كما ذكره شراح الحديث
((433))سترا لعوار الرواية، ام كن اجنبيات عنه (ص)؟ وعلى
الاول فلاوجه لهيبتهن اياه على الاسفار او الاكثار امامه، فان
للحلائل مع ازواجهن شؤونا خاصة، فتسترهن عن‏عمر لكونه
اجنبيا عنهن لا هيبة له.
وعلى الثاني وهو الذي يعطيه سياق الحديث كقوله: وعنده
نساء من قريش. وقوله (ص): عجبت من‏هؤلاء اللاتي كن عندي.
الى آخره. وقول عمر: فانت يا رسول اللّه كنت. الى آخره. وقوله:
يا عدوات‏انفسهن الى آخره. فكل هذه لا يلتئم مع كونهن نساءه
لتنكير النساء في الاول، وظهور قوله: كن عندي في‏ان
حضورهن لديه من ولائد الاتفاق لا انهن نساؤه الكائنات معه
اطراف الليل وآناء النهار، وقلنا ايضا:انه‏لا وجه للهيبة
مع‏كونهن‏ازواجه، ولاهن‏على‏ذلك عدوات‏انفسهن، فان ابداء
الزينة‏والجمال‏للزوجة عبادة‏لا معصية، فجلوسهن
وهن‏اجنبيات‏عند رسول‏اللّه (ص) سافرات على هذا الوجه اما
لانه (ص) لم يحرم‏السفور، واما لانه حرمه ونسيه، او انه (ص)
تسامح في النهي عنه، او انه هابهن وان لم يهبن، وكان مع
ذلك يروقه ان ينتهين عما هن عليه، ولذلك استبشر لما بادرن

الحجاب واثنى على عمر، ولازم هذا ان يكون عمرافقه من
رسول اللّه (ص)، او اثبت منه على المبدا، او اخشن منه في ذات
اللّه، او اقوى منه نفسا. اعوذ باللّهمن التقول بلا تعقل.
واما ما عزي اليه (ص) ثانيا من قوله: والذي نفسي بيده ما
لقيك الشيطان قط سالكا فجا الا سلك فجاغيرفجك، فما بال
الشيطان يهاب الخليفة فيسلك فجا غير فجه ولا تروعه عظمة
النبي (ص) ولا قوة ايمانه؟فيسلك في فجه فلا يدعه ان ينهى
عن المنكر، ويحدو بصواحب المنكر الى ان يتظاهرن به امامه.
بل‏الشيطان لعنه اللّه يعرض له (ص) ليقطع عليه صلاته وان
رجع عنه خائبا، كما اخرجه البخاري في‏صحيحه ((434))
(1/143) في كتاب الصلاة باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة.
ومسلم في صحيحه((435))(1/204) باب جواز لعن الشيطان
في الصلاة، اخرجا بالاسناد عن ابي هريرة قال: صلى رسول
اللّهصلاة فقال: ان‏الشيطان عرض لي فشد علي ليقطع الصلاة
علي، فامكنني اللّه منه فذعته ((436)). الحديث.
هب ان اللعين في هذه المرة لم يصب من رسول اللّه (ص) لكنه
تجرا على مقامه الاسمى، وقد جاء في‏الصحيحين ((437)) عن
ابي هريرة: ان الشيطان اذا سمع الاذان للصلاة من اي مسلم
كان ادبر هاربا وولى فرقا،وله ضراط هلع جزع.
كيف يجرؤ اللعين على رسول اللّه حتى في حال صلاته؟ ولم
يتجرا قط على عمر لانه يسلك فجا غير فجه.وجاء فيما اخرجه
((438)) احمد والترمذي وابن حبان عن بريدة: ان الشيطان
ليفرق منك يا عمر ((439))، وفيمااخرجه الطبراني ((440))
وابن مندة وابو نعيم، عن سديسة مولاة حفصة، عن حفصة بنت
عمر مرفوعا: ان‏الشيطان لم يلق عمر منذ اسلم الا خر لوجهه
. ((441))
اني وان لا يروقني خدش العواطف بذكر مواقف الرجل التي لم
يكن العامل الوحيد فيها الا الشيطان، غيراني لست ادري هل
الشيطان كان يفرق ويفر منه، ويخر على وجهه، ويسلك فجا
غير فجه ايضا منذ اسلم‏الى سنة الفتح الثامنة من الهجرة
النبوية؟ الى نزول آية (فهل انتم منتهون)؟ الى يوم قول الرجل:
انتهيناانتهينا؟ الى يوم النادي في دار ابي طلحة الانصاري
((442))؟ فعلى الباحث الوقوف على ما اسلفناه في
الجزءالسادس (ص‏251 261) وفي الجزء السابع (ص‏95
102).
ثم اين كانت تلك البسالة من رسول اللّه الحاجزة بين
الشيطان الرجيم وبين صلاته (ص) لما عرض له‏وشد عليه
يوم كانت عنده نساء قريش فتخنقه وتردع النسوة؟
فبهذه كلها تعلم مقدار هذه الرواية ومقيلها من الصدق، ومبلغ
صحيح البخاري من الاعتبار، وتعرف مايفعله الغلو في الفضائل
والحب المعمي والمصم.
اضف الى هذه المخاريق ما اسلفناه في الجزء الخامس في
سلسلة الموضوعات مما وضعته يد الغلو في فضائل‏عمر.
(كذلك نقص عليك من انباء ما قد سبق وقد آتيناك من لدنا
ذكرا - من اعرض عنه فانه يحمل يوم القيامة‏وزرا) ((443)).