وهما اللذان اذا اقاما دولة
دانت وكان لامرها استمرار
واذا هما افترقا ولم يتناصرا
عز العدو وذلت الانصار
يا خير من نقضت له عقد الحبى
وغدا اليه النقض والامرار
ومضت اوامره المطاعة حسبما
يقضى به الايراد والاصدار
ان الكفالة والوزارة لم يزل
يومى اليك بفضلها ويشار
كانت مسافرة اليك وتبعد ال
اخطار ما لم تركب الاخطار
حتى اذا نزلت عليك وشاهدت
ملكا لزند الملك منه اوار
القت عصاها في ذراك وعريت
عنها السروج وحطت الاوكار
للّه سيرتك التي اطلقتها
وقيودها التاريخ والاشعار
جلت فصلى خاطري في مدحها
وكبت ورائي قرح ومهار
والخيل لا يرضيك منها مخبر
الا اذا ما لزها المضمار
ومدائحي ما قد علمت وطالما
سبقت ولم يبلل لهن عذار
ان اخرتني عن جنابك محنة
باقل منها تبسط الاعذار
فلدي من حسن الولاء عقيدة
يرضيك منها الجهر والاسرار
وقال يرثيه ويمدح ولده الملك الناصر العادل بن الصالح،
وانشدها في مشهده بالقرافة‏في شعبان سنة سبع وخمسين
وخمسمائة:
ارى كل جمع بالردى يتفرق
وكل جديد بالبلى يتمزق
وما هذه الاعمار الا صحائف
تؤرخ وقتا ثم تمحى وتمحق
ومنها:
ولما تقضى الحول الا لياليا
تضاف الى الماضي قريبا وتلحق
وعجنا بصحراء القرافة والاسى
يغرب في اكبادنا ويشرق
عقدنا على رب القوافي عقائلا
تغر اذا هانت جياد واينق
وقلنا له خذ بعض ما كنت منعما
به وقضاء الحق بالحر اليق
عقود قواف من قوافيك تنتقى
ودر معان من معانيك يسرق
نثرنا على حصباء قبرك درها
صحيحا ودر الدمع في الخد يفلق
ويقول فيها:
وجدناكم يا آل رزيك خير من
تنص اليه اليعملات وتعنق
وفدنا اليكم نطلب الجاه والغنى
فاكرم ذو مثوى واغني مملق
وعلمتمونا عزة النفس بالندى
وملقى وجوه لم يشنها التملق
وصيرتم الفسطاط بالجود كعبة
يطوف بركنيها العراق وجلق((1064))
فلا ستركم عن مرتج قط مرتج
ولا بابكم عن معلق الحظ مغلق
وليس لقلب في سواكم علاقة
ولا ليد الا بكم متعلق
نماذج من شعر الملك الصالح
ذكر ابن شهر آشوب كثيرا من شعره في كتابه مناقب آل ابي
طالب، منه قوله((1065)):
محمد خاتم الرسل الذي سبقت
به بشارة قس وابن ذي يزن
وانذر النطقاء الصادقون بما
يكون من امره والطهر لم يكن
الكامل الوصف في حلم وفي كرم
والطاهر الاصل من ذم ومن درن
ظل الاله ومفتاح النجاة وين
بوع الحياة وغيث العارض الهتن
فاجعله ذخرك في الدارين معتصما
به وبالمرتضى الهادي ابي الحسن
وله((1066)):
ولايتي لامير المؤمنين علي
بها بلغت الذي ارجوه من املي
ان كان قد انكر الحساد رتبته
في جوده فتمسك يا اخي بهل((1067))
وله((1068)):
كاني اذا جعلت اليك قصدي
قصدت الركن بالبيت الحرام
وخيل لي باني في مقامي
لديه بين زمزم والمقام
ايا مولاي ذكرك في قعودي
ويا مولاي ذكرك في قيامي
وانت اذا انتبهت سمير فكري
كذلك انت انسي في مقامي((1069))
وحبك ان يكن قد حل قلبي
ففي لحمي استكن وفي عظامي
فلولا انت لم تقبل صلاتي
ولولا انت لم يقبل صيامي
عسى اسقى بكاسك يوم حشري
ويبرد حين اشربها اوامي
وله((1070)):
يا عروة الدين المتين
وبحر علم العارفينا
يا قبلة للاوليا
ء وكعبة للطائفينا
من اهل بيت لم يزالوا
في البرية محسنينا
التائبين العابدين ال
صائمين القائمينا
العالمين الحافظين ال
راكعين الساجدينا
يا من اذا نام الورى
باتوا قياما ساهرينا
وله((1071)):
قوم علومهم عن جدهم اخذت
عن جبرئيل وجبريل عن اللّه
هم السفينة ما كنا لنطمع ان
ننجو من الهول يوم الحشر لولا هي
الخاشعون اذا جن الظلام فما
تغشاهم سنة تنفي بانباه
ولا بدت ليلة الا وقابلها
من التهجد منهم كل اواه
وليس يشغلهم عن ذكر ربهم
تغريد شاد ولا ساق ولا طاه
سحائب لم تزل بالعلم هامية
اجل من سحب تهمي بامواه
وله((1072)):
ان النبي محمدا ووصيه
وابنيه وابنته البتول الطاهره
اهل العباء فانني بولائهم
ارجو السلامة والنجا في الاخره
وارى محبة من يقول بفضلهم
سببا يجير من السبيل الحائره
ارجو بذاك رضا المهيمن وحده
يوم الوقوف على ظهور الساهره((1073))
وله يمدح امير المؤمنين (ع)((1074)):
هو النور نور اللّه والنور مشرق
علينا ونور اللّه ليس يزول
سما بين املاك السماوات ذكره
نبيه فما ان يعتريه خمول
وله((1075)):
لا تعذلني انني لا اقتفي
سبل الضلال لقول كل عذول
عند التباهل ما علمنا سادسا
تحت الكسا منهم سوى جبريل
وله في امير المؤمنين واولاده الائمة الطاهرين (ع)((1076)):
بحب علي ارتقي منكب العلى
واسحب ذيلي فوق هام السحائب
امامي الذي لما تلفظت باسمه
غلبت به من كان بالكثر غالبي
ائمة حق لو يسيرون في الدجى
بلا قمر لاستصحبوا بالمناسب
بهم تبلغ الامال من كل آمل
بهم تقبل التوبات من كل تائب
وله في زهد امير المؤمنين (ع)((1077)):
ذاك الذي طلق الدنيا لعمري عن
زهد وقد سفرت عن وجهها الحسن
واوضح المشكلات الخافيات وقد
دقت عن الفكر واعتاصت على الفطن
وله في العترة الطاهرة صلوات اللّه عليهم((1078)):
آل رسول الاله قوم
مقدارهم في العلى خطير
اذ جاءهم سائل يتيم
وجاء من بعده اسير
اخافهم في المعاد يوم
معظم الهول قمطرير
فقد وقوا شر ما اتقوه
وصار عقباهم السرور
في جنة لا يرون فيها
شمسا ولا ثم زمهرير
يطوف ولدانهم عليهم
كانهم لؤلؤ نثير
لباسهم في جنان عدن
سندسها الاخضر الحرير
جزاهم ربهم بهذا
وهو لما قد سعوا شكور
وله((1079))في المعنى((1080)):
ان الابرار يشربون بكاس
كان حقا مزاجها كافورا
ولهم انشا المهيمن عينا
فجروها عباده تفجيرا
وهداهم وقال يوفون بالنذ
ر فمن مثلهم يوفي النذورا
ويخافون بعد ذلك يوما
هائلا كان شره مستطيرا
يطعمون الطعام ذا اليتم والمس
كين في حب ربهم والاسيرا
انما نطعم الطعام لوجه
اللّه لا نبتغي لديكم شكورا
غير انا نخاف من ربنا يو
ما عبوسا عصبصبا قمطريرا
فوقاهم الههم ذلك اليو
م يلقون نضرة وسرورا
وجزاهم بانهم صبروا
في السر والجهر جنة وحريرا
متكئين لا يرون لدى الجنة
شمسا كلا ولا زمهريرا
وعليهم ظلالها دانيات
ذللت في قطوفها تيسيرا
وباكواب فضة وقواري
ر قوارير قدرت تقديرا
ويطوف الولدان فيها عليهم
فيخالون لؤلؤا منثورا
بكؤوس قد مزجت زنجبيلا
لذة الشاربين تشفي الصدورا
ويحلون بالاساور فيها
وسقاهم ربي شرابا طهورا
وعليهم فيها ثياب من السن
دس خضر في الخلد تلمع نورا
ان هذا لكم جزاء من اللّه
وقد كان سعيكم مشكورا
وله في المعنى ايضا((1081)):
واللّه اثنى عليهم
لما وفوا بالنذور
وخصهم وحباهم
بجنة وحرير
لا يعرفون بشمس
فيها ولا زمهرير
يسقون كاسا رحيقا
مزيجة الكافور
وله في المعنى ايضا((1082)):
في هل اتى ان كنت تقرا هل اتى
ستصيب سعيهم بها مشكورا
اذ اطعموا المسكين ثمة اطعموا
الطفل اليتيم واطعموا الماسورا
قالوا لوجه اللّه نطعمكم فلا
منكم جزاء نبتغي وشكورا
انا نخاف ونتقي من ربنا
يوما عبوسا لم يزل مجذورا
فوقوا بذلك شر يوم باسل
ولقوا بذلك نضرة وسرورا
وجزاهم رب العباد بصبرهم
يوم القيامة جنة وحريرا
وسقاهم من سلسبيل كاسها
بمزاجها قد فجرت تفجيرا
يسقون فيها من رحيق تختم
بالمسك كان مزاجها كافورا
فيها قوارير واكواب لها
من فضة قد قدرت تقديرا
يسعى بها ولدانها فتخالهم
للحسن منهم لؤلؤا منثورا
وله في المعنى المذكور((1083)):
هل اتى فيهم تنزل فيها
فضلهم محكما وفي السورات
يطعمون الطعام خوفا فقيرا
ويتيما وعانيا في العنات
انما نطعم الطعام لوجه
اللّه لا للجزاء في العاجلات
فجزاهم بصبرهم جنة الخل
د بها من كواعب خيرات
ومن شعر الملك الصالح قصيدته التي جارى بها قصيدة دعبل
الخزاعي الشهيرة التي‏اولها:
مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات((1084))
واول قصيدة الملك قوله:
الائم دع لومي على صبواتي
فما فات يمحوه الذي هو آت
وما جزعي من سيئات تقدمت
ذهابا اذا اتبعتها حسنات
الا انني اقلعت عن كل شبهة
وجانبت غرقى ابحر الشبهات
شغلت عن الدنيا بحبي معشرا
بهم يصفح الرحمن عن هفواتي
وقال في آخرها:
اعارض من قول الخزاعي دعبلا
وان كنت قد اقللت في مدحاتي
(مدارس آيات خلت من تلاوة
ومنزل وحي مقفر العرصات)((1085))
وفي انوار الربيع((1086)) (ص‏312): ومن الاستثناء الذي ما
خرج حجاب السمع الطف‏منه، قول الصالح طلائع وقد الزم
الامير ابن سنان بمال رفع عليه لكونه كان‏يتولى‏اموالا له
واعتقله، فارسل اليه يمت بقديم الخدمة والتشيع الموافق
لمذهبه، فقال‏الصالح:
اتى ابن سنان ببهتانه
يحصن بالدين ما في يديه
برئت من الرفض الا له
وتبت من النصب الا عليه
وكان قدر المال ستين الف دينار فاخذ منه اثني عشر الفا وترك
له الباقي.
كتب الملك الصالح الى صاحب الروم قلج ارسلان بن مسعود،
في تنافس وقع بينه‏وبين نور الدين محمود بن زنكي:
نقول ولكن اين من يتفهم
ويعلم وجه الراي والراي مبهم
وما كل من قاس الامور وساسها
يوفق للامر الذي هو احزم
وما احد في الملك يبقى مخلدا
وما احد مما قضى اللّه يسلم
امن بعد ما ذاق‏العدى طعم حربكم
بفيهم((1087)) وكانت وهي صاب وعلقم
رجعتم الى حكم التنافس بينكم
وفيكم من الشحناء نار تضرم
اما عندكم من يتقي اللّه وحده
اما في رعاياكم من الناس مسلم
تعالوا لعل اللّه ينصر دينكم((1088))
اذا ما نصرنا الدين نحن وانتم
وننهض نحو الكافرين بعزمة
بامثالها تحوى البلاد وتقسم
وياتي من شعر المترجم في ترجمة الفقيه عمارة اليمني،
ووقفت من شعر الملك الصالح‏على شطر مهم في اهل البيت
(ع) مدحا ورثاء يربو على الف واربعمائة بيت، وقدجمعها سيدنا
العلامة السيد احمد العطار في كتابه الرائق، ولعل ما فاته من
شعره في‏اهل البيت (ع) نزر يسير.
توجد ترجمة طلائع الملك الصالح في كثير من الكتب
والمعاجم منها((1089)):
وفيات الاعيان (1/259)، الكامل لابن الاثير (11/103)، الخطط
للمقريزي (4/81)،تاريخ ابن كثير (12/243)، روض المناظر
لابن شحنة، تاريخ ابي الفداء (3/40)، مرآة‏الجنان (3/310)، انوار
الربيع (ص‏312)، تحفة الاحباب للسخاوي (ص‏176)،شذرات
الذهب (4/177)، نسمة السحر الجزء الثاني، خواص العصر
الفاطمي(ص‏234)، دائرة المعارف لفريد وجدي (5/771)،
الاعلام للزركلي (2/449)، تاريخ‏مصر الحديث لجرجي زيدان
(1/298)، شهداء الفضيلة (ص‏57).
الملك العادل
خلف الملك الصالح ولده رزيك بن طلائع الملقب بالملك
الناصر والعادل، ولي الوزارة‏بعد والده الصالح ستة عشر شهرا
وعدة ايام، وكان والده قد اوصاه بان لايتعرض‏شاور ولا يغير
عليه حاله، فانه لا يامن عصيانه والخروج عليه، وكان كما
اشار،فان‏العادل حس ن له اهله عزل شاور واستعمال بعضهم
مكانه، وخوفوه منه ان اقره‏على عمله، فارسل اليه بالعزل،
فجمع جموعا كثيرة وسار بهم الى القاهرة ودخلها يوم‏الاحد
الثاني والعشرين من المحرم سنة(558)، وهرب العادل بن
الصالح واهله من‏القاهرة ليلة العشرين من المحرم، فاخذ وقتل
واخذ موضعه من الوزارة واستولى‏شاورعلى ديار مصر،
ودفن‏العادل في تربة الملك‏الصالح وبها جماعة اخرى.
ترجمه الفقيه عمارة في كتابه النكت العصرية (ص‏53) وقال
في (ص‏66):
دخلت قاعة السر من دار الوزارة فيها ط‏ي بن شاور وضرغام
وجماعة من الامراءمثل عز الزمان، ومرتفع الظهير، وراس
رزيك بن الصالح بين ايديهم في طست، فما هوالا ان لمحته
عيني ورددت كمي على وجهي ورجعت على عقبي، وماملات
عيني من‏صورة الراس، وما من هؤلاء الجماعة الذين كان الراس
بين ايديهم الا من مات‏قتيلاوقطعت راسه عن جسده، فامر
ط‏ي من ردني فقلت: واللّه ما ادخل حتى تغيب‏الراس عن
عيني، فرفع الطست وقال لي ضرغام: لم رجعت ؟ قلت:
بالامس هوسلطان الوقت الذي نتقلب في نعمته. قال: لو ظفر
رزيك بامير الجيوش او بنا ماابقى‏علينا.
قلت: لا خير في شي‏ء يؤول الامر بصاحبه من الدست الى
الطست، ثم خرجت‏وقلت:
اعزز علي ابا شجاع ان ارى
ذاك الجبين مضرجا بدمائه
ما قلبته سوى رجال قلبوا
ايديهم من قبل في نعمائه
وللفقيه عمارة اليمني شعر كثير يمدح به الملك العادل رزيك
بن طلائع، ذكره في كتابه‏النكت العصرية وفي ديوانه، منه
قصيدة اولها:
جاور بمجدك انجم الجوزاء
وازدد علوا فوق كل علاء
وقصيدة اخرى مستهلها:
تبسم في ليل الشباب مشيب
فاصبح برد الهم وهو قشيب
وثالثة مطلعها:
دانت لامرك طاعة الاقدار
وتواضعت لك عزة الاقدار
ورابعة اولها:
في مثل مدحك شرح القول مختصر
وفي طوال القوافي عنده قصر
وخامسة مبدؤها:
لما اراد مدامة الاحداق
دبت حميا نشوة الاخلاق
وسادسة مطلعها:
لكل مقام في علاك مقال
يصدقه بالجود منك فعال
وسابعة اولها:
فقت الملوك مهابة وجلالا
وطرائقا وخلائقا وخلالا
وثامنة مطلعها:
لك ان تقول اذا اردت وتفعلا
ولمن سعى في ذا المدى ان يخجلا
وتاسعة اولها:
للّه من يوم اغر محجل
في ظل محترم الفناء مبجل
وعاشرة مستهلها:
لولا جفون ومقل
مكحولة من الكحل
ولحظات لم تزل
ارمى نبالا من ثعل((1090))
وبرد((1091)) رضابه
الذ من طعم العسل
يظما الى بروده
من عل منه ونهل
لما وصلت قاطعا
اذا راى جدي هزل
مخالف لو انه
اضمر هجري لوصل
واغيد منعم
يميل كلما اعتدل
يهتز غصن قده
لينا اذا ارتج الكفل
غر اذا جمشته
اطرق من فرط الخجل((1092))
اريعن مدلل
غزيل يابى الغزل
سالته في قبلة
من ثغره فما فعل
راضته لي مشمولة
ترمي النشاط بالكسل
حتى اتاني صاغرا
يحدوه سكر وثمل
امسى بغير شكره
ذاك المصون يبتذل
وبات بين عقده
وبين قرطيه جدل
وكدت امحو لعسا
في شفتيه بالقبل((1093))
فديته من مبسم
الثمه فلا امل
كانه انامل
لمجد الاسلام الاجل
معروفهن ابدا
يضحك في وجه الامل
وقال يمدحه من قصيدة اولها:
ايا اذن الايام ان قلت فاسمعي
لنفثة مصدور وانة موجع
وعي كل صوت تسمعين نداءه
فلا خير في اذن تنادى فلا تعي
ويقول فيها:
ملوك رعوا لي حرمة صار نبتها
هشيما رعته النائبات وما رعي
وردت بهم شمس العطايا لوفدهم
كما قال قوم في على وتوسع
قال الاميني: كذا يوجد البيت الاخير في مختار ديوانه المطبوع
في المانيا (ص‏288)، وهوتصحيف غريب مع التشكيل لحروفه،
والصحيح:
كما قال قوم في علي ويوشع وهذا ينم عن ضؤولة امر
المتطفلين على موائد العربية‏وذهولهم عن معنى البيت الذي
لا يستقيم الا على ما ذكرناه، وقد اوعز الشاعر الى‏حديث رد
الشمس لمولانا علي امير المؤمنين ويوشع (ع) من قبله. هذا
احسن‏الاحتمالين دعانا اليه حسن ظننا بالقوم وان كان بعيدا
جدا، والاقرب ما لا يفوتك‏عرفانه، واللّه اعلم.
(48) ابن العودي النيلي
المولود (478)
المتوفى (حدود558)
متى يشتفي من لاعج القلب مغرم
وقد لج في الهجران من ليس يرحم
اذا هم ان يسلو ابى عن سلوه
فؤاد بنيران الاسى يتضرم
ويثنيه عن سلوانه لفضيلة
عهود التصابي والهوى المتقدم
رمته بلحظ لا يكاد سليمه
من الخبل والوجد المبرح يسلم
اذا ما تلظت في الحشا منه لوعة
طفتها دموع من اماقيه تسجم
مقيم على اسر الهوى وفؤاده
تغور به ايدي الهموم وقتهم((1094))
يجن الهوى عن عاذليه تجلدا
فيبدي جواه ما يجن ويكتم
يعلل نفسا بالاماني سقيمة
وحسبك من داء يصح ويسقم
وقد غفلت عنا الليالي واصبحت
عيون العدى عن وصلنا وهي نوم
فكم من غصون قد ضممت ثديها
الي وافواه بها كنت الثم
اجيل ذراعي لاهيا فوق منكب
وخصر غدا من ثقله يتظلم
وامتاح راحا من شنيب كانه
من الدر والياقوت في السلك ينظم
فلما علاني الشيب وابيض عارضي
وبان الصبا واعوج مني المقوم
واضحى مشيبي للعذار ملثما
به ولراسي بالبياض يعمم
وامسيت من وصل الغواني ممنعا
كاني من شيبي لديهن مجرم
بكيت على ما فات مني ندامة
كاني خنس في البكا او متمم((1095))
واصفيت مدحي للنبي وصنوه
وللنفر البيض الذين هم هم
هم التين والزيتون آل محمد
هم شجر الطوبى لمن يتفهم
هم جنة الماوى هم الحوض في غد
هم اللوح والسقف الرفيع المعظم
هم آل عمران هم الحج والنسا
هم سبا والذاريات ومريم
هم آل ياسين وطه وهل اتى
هم النحل والانفال ان كنت تعلم
هم الاية الكبرى هم الركن والصفا
هم الحج والبيت العتيق المكرم
هم في غد سفن النجاة لمن وعى
هم العروة الوثقى التي ليس تفصم
هم‏الجنب جنب اللّه في البيت والورى
هم العين عين اللّه في الناس تعلم
هم الال فينا والمعالي هم العلى
ييمم في منهاجهم حيث يمموا
هم الغاية القصوى هم منتهى المنى
سل النص في القرآن ينبئك عنهم
هم في غد للقادمين سقاتهم
اذا وردوا والحوض بالماء مفعم
فلولاهم لم يخلق اللّه خلقه
ولا هبطا للنسل حوا وآدم
هم باهلوا نجران من داخل العبا
فعاد المناوي فيهم وهو مفحم
واقبل جبريل يقول مفاخرا
لميكال من مثلي وقد صرت منهم
فمن مثلهم في العالمين وقد غدا
لهم سيد الاملاك جبريل يخدم
ومن ذا يساويهم بفضل ونعمة
من الناس والقرآن يؤخذ عنهم
ابوهم امير المؤمنين وجدهم
ابو القاسم الهادي النبي المكرم
هم شرعوا الدين الحنيفي والتقى
وقاموا بحكم اللّه من حيث يحكم
وخالهم ابراهيم والام فاطم
وعمهم الطيار في الخلد ينعم
الى اللّه ابرا من رجال تتابعوا
على قتلهم يا للورى كيف اقدموا
حموهم لذيذ الماء والورد مفعم
واسقوهم كاس الردى وهو علقم
وعاثوا بل المصطفى بعد موته
بما قتل الكرار بالامس منهم
وثاروا عليه ثورة جاهلية
على انه ما كان في القوم مسلم
والقوهم في الغاضريات صرعا
كانهم قف على الارض جثم((1096))
تحاماهم وحش الفلا وتنوشهم
بارياشها طير الفلا وهي حوم((1097))
باسيافهم اردوهم ولدينهم
اريق باطراف القنا منهم الدم
وما قدمت يوم الطفوف امية
على السبط الا بالذين تقدموا
وانى لهم ان يبرؤوا من دمائهم
وقد اسرجوها للخصام والجموا
وقد علموا ان الولاء لحيدر
ولكنه ما زال يؤذى ويظلم
تعدوا عليه واستبدوا بظلمه
واخر وهو السيد المتقدم
وقد زعموها فلتة كان بدؤها
وقال اقتلوا من كان في ذاك يخصم
وافضوا الى الشورى بها بين ستة
وكان ابن عوف منهم المتوسم
وما قصدوا الا ليقتل بينهم
علي وكان اللّه للطهر يعصم
والا فليث لا يقاس باضبع
واين من الشمس المنيرة انجم
فواعجبا من اين كانوا نظائرا
وهل غيره طب من الغي فيهم
ولكن امور قدرت لضلالهم
وللّه صنع في الارادة محكم
عصوا ربهم فيه ضلالا فاهلكوا
كما هلكت من قبل عاد وجرهم
فما عذرهم للمصطفى في معادهم
اذا قال لم خنتم عليا وجرتم
وما عذرهم ان قال ماذا صنعتم
بصنوي من بعدي وماذا فعلتم
عهدت اليكم بالقبول لامره
فلم حلتم عن عهده وغدرتم
نبذتم كتاب اللّه خلف ظهوركم
وخالفتموه بئس ما قد صنعتم
وخلفت فيكم عترتي لهداكم
فكم قمتم في ظلهم وقعدتم
قلبتم لهم ظهر المجن وجرتم
عليهم واحساني اليكم كفرتم
وما زلتم بالقتل تطغون فيهم
الى ان بلغتم فيهم ما اردتم
كانهم كانوا من الروم فالتقت
سراياكم صلبانهم وظفرتم
ولكن اخذتم من بني بثاركم
فحسبكم خزيا على ما اجتراتم
منعتم تراثي ابنتي لا ابا لكم
فلم انتم آباءكم قد ورثتم
وقلتم نبي لا تراث لولده
اللاجنبي الارث فيما زعمتم
فهذا سليمان لداود وارث
ويحيى لزكريا فلم ذا منعتم
فان كان منه للنبوة وارثا
كما قد حكمتم في الفتاوى وقلتم
فقد ينبغي نسل النبيين كلهم
ومن جاء منهم بالنبوة يوسم
وقلتم حرام متعة الحج والنسا
اعن ربكم ام عنكم ما شرعتم
زناتكم تعفون عنهم ومن اتى
اليكم من المستمتعين قتلتم
الم يات ما استمتعتم من حليلة
فتوا لها من اجرها ما فرضتم
فهل نسخ القرآن ما كان قد اتى
بتحليله ام انتم قد نسختم
وكل نبي جاء قبل وصيه
مطاع وانتم للوصي عصيتم
ففعلكم في الدين اضحى منافيا
لفعلي وامري غير ما قد امرتم
وقلتم مضى عنا بغير وصية
الم يوص لو طاوعتم وامتثلتم
وقد قال من لم يوص من قبل موته
يمت جاهلا بل انتم قد جهلتم
نصبت لكم بعدي اماما يدلكم
على اللّه فاستكبرتم وظلمتم
وقد قلت في تقديمه وولائه
عليكم بما شاهدتم وسمعتم
علي غدا مني محلا وقربة
كهارون من موسى فلم عنه حلتم
شقيتم به شقوى ثمود بصالح
وكل امرئ يبقى له ما يقدم
وملتم الى الدنيا فضلت عقولكم
الا كل مغرور بدنياه يندم
لحى اللّه قوما اجلبوا وتعاونوا
على حيدر فيما اساؤوا واجرموا
زووا عن امير النحل بالظلم حقه
عنادا له والطهر يغضي ويكظم
وقد نصها يوم الغدير محمد
وقال الا يا ايها الناس فاعلموا
لقد جاءني في النص بلغ رسالتي
وها انا في تبليغها المتكلم
علي وصيي فاتبعوه فانه
امامكم بعدي اذا غبت عنكم
فقالوا رضيناه اماما وحاكما
علينا ومولى وهو فينا المحكم
راوا رشدهم في ذلك اليوم وحده
ولكنهم عن رشدهم في غد عموا
فلما توفي المصطفى قال بعضهم
ايحكم فينا لا وباللات نقسم
ونازعه فيها رجال ولم يكن
لهم قدم فيها ولا متقدم
وظلوا عليها عاكفين كانهم
على غرة كل لها يتوسم
يقيم حدود اللّه في غير حقها
ويفتي اذا استفتي بما ليس يعلم
يكفر هذا راي هذا بقوله
وينقض هذا ما له ذاك يبرم
وقالوا اختلاف الناس في الفقه رحمة
فلم يك من هذا يحل ويحرم
اربان للانسان ام كان دينهم
على النقص من دون الكمال فتمموا
ام اللّه لا يرضى بشرع نبيه
فعادوا وهم في ذاك بالشرع اقوم
ام المصطفى قد كان في وحي ربه
ينقص في تبليغه ويجمجم
ام القوم كانوا انبياء صوامتا
فلما مضى المبعوث عنهم تكلموا
ام الشرع فيه كان زيغ عن الهدى
فسووه من بعد النبي وقوموا
ام الدين لم يكمل على عهد احمد
فعادوا عليه بالكمال واحكموا
اما قال اني اليوم اكملت دينكم
واتممت بالنعماء مني عليكم
وقال اطيعوا اللّه ثم رسوله
تفوزوا ولا تعصوا اولي الامر منكم
فلم حرموا ما كان حلا وحللوا
بفتواهم ما جاز وهو محرم
ترى اللّه فيما قال قد زل ام هذى
نبي الهدى ام كان جبريل يوهم
لقد ابدعوا مما نووا من خلافهم
وقال اقبلوا مما يقول وسلموا
والا تركتم ان ابيتم رماحنا
واسيافنا فيكم تسدى وتلحم
وما مات حتى اكمل اللّه دينه
ولم يبق امر بعد ذلك مبهم
ولكن حقود اظهرت وضغائن
وبغي وجور بين الظلم منهم
يقرب مفضول ويبعد فاضل
ويسكت منطيق وينطق ابكم
وما اخروا فيها عليا لموجب
ولكن تعد منهم وتظلم
وكم شرعوا في نقض ما شاد احمد
ولكن دين اللّه لا يتهدم
وحاشا لدين شيد الحق ركنه
بسيف علي يعتريه التهدم
فحسبهم في ظلم آل محمد
من اللّه في العقبى عقاب وماثم
فان غصبوهم امر دنيا دنية
فما لهم في الحشر ابقى وادوم
فهل عظمت في الدهر قط مصيبة
على الناس الا وهي في الدين اعظم
تولى باجماع على الناس اول
ونص على الثاني بها وهو مغرم
وقال اقيلوني فلست بخيركم
فلم نصها لو صح ما كان يزعم
واثبتها في جوره بعد موته
صهاكية خشناء للخصم تكلم
ولو ادرك الثاني لمولى حذيفة
لولاه دون الغير والانف يرغم
وقد نالها شورى من القوم ثالث
وجرد سيف للوصي ولهذم
اشورى واجماع ونص خلافة
تعالوا على الاسلام نبكي ونلطم
وصاحبها المنصوص عنها بمعزل
يديم تلاوات الكتاب ويختم
ولو انه كان المولى عليهم
اذن لهداهم فهو بالامر اعلم
هو العالم الحبر الذي ليس مثله
هو البطل القرم الهزبر الغشمشم
وما زال في بدر واحد وخيبر
يفل جيوش المشركين ويحطم
يكر ويعلوهم بقائم سيفه
الى ان اطاعوا مكرهين واسلموا
وما دخلوا الاسلام دينا وانما
منافقة كي يرفع السيف عنهم
وقالوا علي كان في الحكم ظالما
ليكثر بالدعوى عليه التظلم
وقالوا دماء المسلمين اراقها
وقد كان في القتلى بري‏ء ومجرم
فقلت لهم مهلا عدمتم صوابكم
وصي النبي المصطفى كيف يظلم
اراق دماء المسلمين فوالذي
هدانا به ما كان في القوم مسلم
ولكنه للناكثين بعهده
وممن تعدى منهم كان ينقم
اما قال اقضاكم علي محمد
كذا قد رواه الناقد المتقدم
فان جار ظلما في القضايا بزعمكم
علي فمن زكاه لا شك اظلم
فيا ليتني قد كنت بالامس حاضرا
فاشركه في قتلهم واصمم
والقى الهي دونهم بدمائهم
فننظر عند اللّه من يتندم
فمن كعلي عند كل ملمة
اذا ما التقى الجمعان والنقع مفعم
ومن ذا يساميه بعلم ولم يزل
يقول سلوني ما يحل ويحرم
سلوني ففي جنبي علم ورثته
عن المصطفى ما فاه مني به الفم
سلوني عن طرق السموات انني
بها من سلوك الارض والطرق اعلم
ولو كشف اللّه الغطا لم ازد به
يقينا على ما كنت ادري واعلم
وكاين له من آية وفضيلة
ومن مكرمات ما تعم وتكتم
فمن ختمت اعماله عند موته
بخير فاعمالي بحبيه تختم
فيا رب بالاشباح آل محمد
نجوم الهدى للناس والافق مظلم
وبالقائم المهدي من آل احمد
وآبائه الهادين والحق معصم
تفضل على العودي منك برحمة
فانت اذا استرحمت تعفو وترحم
تجاوز بحسن العفو عن سيئاته
اذا ما تلظت في المعاد جهنم
ومن عليه من لدنك برافة
فانك انت المنعم المتكرم
فان كان لي ذنب عظيم جنيته
فعفوك والغفران لي منه اعظم
وان كنت بالتشبيب في الشعر ابتدي
فاني بمدح الصفوة الزهر اختم
وله قصيدة اخرى يذكر فيها حديث الغدير ويراه نصا على
الامامة والخلافة لاميرالمؤمنين (ع) بعد النبي الاعظم
صلوات اللّه عليه وآله اولها:
بفنا الغري وفي عراص العلقم
تمحى الذنوب عن المسي‏ء المجرم
قبران قبر للوصي وآخر
فيه الحسين فعج عليه وسلم
هذا قتيل بالطفوف على ظما
وابوه في كوفان ضرج بالدم
واذا دعا داعي الحجيج بمكة
فاليهما قصد التقي المسلم
فاقصدهما وقل السلام عليكما
وعلى الائمة والنبي الاكرم
انتم بنو طه وقاف والضحى
وبنو تبارك والكتاب المحكم
وبنو الاباطح والمسلخ والصفا
والركن والبيت العتيق وزمزم
بكم النجاة من الجحيم وانتم
خير البرية من سلالة آدم
انتم مصابيح الدجى لمن اهتدى
والعروة الوثقى التي لم تفصم
واليكم قصد الولي وانتم
انصاره في كل خطب مولم
وبكم يفوز غدا اذا ما اضرمت
في الحشر للعاصين نار جهنم
من مثلكم في العالمين وعندكم
علم الكتاب وعلم ما لم يعلم
جبريل خادمكم وخادم جدكم
ولغيركم في ما مضى لم يخدم
ابني رسول اللّه ان اباكم
من دوحة فيها النبوة ينتمي
آخاه من دون البرية احمد
واختصه بالامر لو لم يظلم
نص الولاية والخلافة بعده
يوم الغدير له برغم اللوم
ودعا له الهادي وقال ملبيا
يا رب قد بلغت فاشهد واعلم
حتى اذا قبض النبي واصبحوا
مثل الذباب تلوح حول المطعم
نكثت ببيعته رجال اسلمت
افواههم وقلوبهم لم تسلم
وتداولوها بينهم فكانها
كاس تدور على عطاش حوم
القصيدة (57) بيتا
الشاعر
الربيب ابو المعالي سالم بن علي بن سلمان بن علي المعروف
بابن العودي العودي((1098))آالتغلبي النيلي، نسبة الى بلدة
النيل على نهر النيل المستمد من الفرات الممتد نحوالشرق
الجنوبي، وكانت ولادته بها سنة (478).
لم اقف على ترجمة ابي المعالي ابسط مما نشرته مجلة الغري
النجفية الغراء في العدد الآ(22 و 23) من السنة السابعة بقلم
الدكتور مصطفى جواد البغدادي، ذلك البحاثة‏المنقب، واليك
نصه، قال:
كان ابو المعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلت اخبار
سيرهم، فهو كوكب من‏كواكب الادب، ومشاهد نوره مجهولة
حقيقته او حقائق اوصافه، وكان في الايام التي‏جمع فيها عماد
الدين الاصفهاني اخبار الشعراء ، ولذلك قال في نعته: شاب
شبت له‏نار الذكاء، وشاب لنظمه صرف الصهباء بصافي الماء،
ودر من فيه شؤبوب الفصاحة،يسقي من ينشده شعره راح
الراحة، وردت واسطا سنة خمسين يعني خمسين‏وخمسمائة
فذكر لي انه كان بها للاسترفاد، وقام في بعض الايام ينشد
خادم الخليفة آفاتنا((1099)) فسبقه غيره الى الانشاد، فقعد
ولم يعد اليه وسلم على رفده وعليه، وصمم‏عزم الرحيل الى
وطنه بالنيل، ولقيته بعد ذلك في سنة اربع وخمسين
بالهمامية. انتهى.
واشارة العماد الى انه كان شابا من فلتات الشباب.
ويلوح لنا من اثناء هذا الخبر ان ابن العودي كان مع تحريره
انشاده لاسترفاده‏آابي‏النفس، معتد ا بشعره، والشاعر الابي
المسترفد لا يورثه اباؤه الا الحرمان واساءة‏الزمان.
ومن شعره الذي نقله قطب الدين ابو يعلى محمد بن علي بن
حمزة العلوي الاقساسي،تغزله بامراة نصف اي متوسطة العمر
:
ابى القلب الا ام فضل وان غدت
تعد من النصف الاخير لداتها
لقد زادها عندي المشيب ملاحة
وان زعم الواشي وساء عداتها
فان غيرت منها الليالي ففي الحشا
لها حرق ما تنطفي زفراتها
فما نال منها الدهر حتى تكاملت
كمالا واعيى الواصفين صفاتها
سبتني بفرع فاحم وبمقلة
لها لحظات ما تفك عناتها
وثغر زهت فيه ثنايا كانها
حصى برد تشفي الصدار((1100)) شفاتها
ولما التقينا بعد بعد من النوى
وقد حان نحوي بالسلام التفاتها
رايت عليها للجمال بقية
فعاد لنفسي في الهوى نشواتها
وانشد القاضي عبدالمنعم بن مقبل الواسط‏ي له:
هم اقعدوني في الهوى واقاموا
وابلوا جفوني بالسهاد وناموا
وهم تركوني للعتاب دريئة
اؤنب في حبيهم والام
ولو انصفوا في الحب قسمة بيننا((1101))
لهاموا كما بي صبوة وهيام
ولكنهم لما استدر لنا الهوى
كرمت بحفظ‏ي للوداد ولاموا
ولما تنادوا للرحيل وقوضت
لبينهم بالابرقين خيام
رميت بطرفي نحوهم متاملا
وفي القلب مني لوعة وضرام
وعدت وبي مما اجن صبابة
لها بين اثناء الضلوع كلام
اذا هاج بي وجد وشوق كانما
تضمر اعشار الفؤاد سهام
ولائمة في الحب قلت لها اقصري
فمثلي لا يسلي هواه ملام
ااسلو الهوى بعد المشيب ولم يزل
يصاحبني مذ كنت وهو غلام
ولما جزعنا الرمل رمل عنيزة
وناحت باعلى الدوحتين حمام
صبوت اشتياقا ثم قلت لصاحبي
الا انما نوح الحمام حمام
تجهز لبين او تسل عن الهوى
فما لك من ليلي الغداة لمام
وكيف يرجى النول عند بخيلة
تروم الثريا وهي ليس ترام
مهفهفة الاعطاف اما جبينها
فصبح واما فرعها فظلام
فيا ليت لي منها بلوغا الى المنى
حلالا فان لم يقض لي فحرام
وهذه المعاني التي اودعها ابن العودي قصيدة مالوفة متعالمة
بين الشعراء، الا ان نسج‏شعره عربي بحت يضفي على تلك
المعاني ما لا يستطيعه النسج السابري ، وقد نقل‏الصفدي ابياتا
من هذه القصيدة((1102)) ومن غيرها من شعر ابن العودي
وذكر: ان شعره‏متوسط. ولا نرى في هذا الحكم حنقا فانه
متوسط حقا من حيث المعاني، ولكنه في‏حبكه وتاليفه من
الطبقة الاولى ، فان العرب تنظر الى المباني قبل المعاني،
بحكم ما في‏لغتها من موسيقى وجرس ورنين، وهذا لا يعني
انها تقر من النظم ما لا
معنى له ، لان شرط صحة المباني احتواؤها على صحة المعاني
كائنة ما كانت.
وقد نظم ابن العودي في الشعر المذهبي الذي اكثر منه: السيد
الحميري، وابن حماد،والعوني، والناشي‏ء الاصغر، وابن علويه
الاصفهاني((1103))، والوراق القمي. ولما دخل‏ابن شهرآشوب
العراق في اواسط القرن السادس الفى شعر ابن العودي في
المذهب‏تستهديه الاذان افواه الشداة والمنشدين، فضمن كتابه
مناقب آل ابي طالب‏شيئامنه((1104)) وكثيرا من شعر
الناظمين في المذهب. وبعد ترك ابن شهرآشوب العراق‏الى
الشام حدثت ببغداد فتن مذهبيه ووثب الحنابلة كعادتهم
باعدائهم في المذهب،فاحرقوا كتبهم وفيها دواوين شعرائهم
واضطهدوهم اضطهادا فظيعا، فضاع كل ذلك‏الادب غثه
وسمينه وصار طعمة للنار، والظاهر ان ذلك الضرب من النظم
في شعر ابن‏العودي هو الذي حمل محب الدين محمدا
المعروف بابن النجار البغدادي على ان يقول‏في ترجمة ابن
العودي: كان رافضيا خبيثا يهجو الصحابة.
ومن شعر ابن العودي في اقامته مدة بواسط:
يؤرقني في واسط كل ليلة
وساوس هم من نوى وفراق
فيا للهوى هل راحم لمتيم
يعل بكاس للفراق دهاق
خليلي هل ما فات يرجى وهل لنا
على الناي من بعد الفراق تلاقي
فان كنت ابدي سلوة عن هواكم
فان صباباتي بكم لبواقي
الا يا حمامات على نهر سالم
سلمت ووقاك التفرق واقي
تعالين نبد النوح كل بشجوه
فان اكتتام الوجد غير مطاق
على ان وجدي غير وجدك في‏الهوى
فدمعي مهراق ودمعك راقي
وما كنت ادري بعد ما كان بيننا
من الوصل اني للفراق ملاقي
فها انت قد هيجت لي حرق الجوى
وابديت مكنون الهوى لوفاقي
واسهرتني بالنوح حتى كانما
سقاك بكاسات التفرق ساقي
فلا تحسبي اني نزعت عن الهوى
وكيف نزوعي عنه بعد وفاقي
ولكنني اخفيت ما بي من الجوى
لكي لا يرى الواشون ما انا لاق
قال الشريف قطب الدين ابو يعلى محمد بن علي بن حمزة:
انشدني الربيب ابو المعالي‏سالم بن العودي في منزلي مستهل
صفر سنة خمسين وخمسمائة:
ما حبست الكتاب عنك لهجر
لا ولا كان ذاكم عن تجافي
غير ان الزمان يحدث للمر
ء امورا تنسيه كل مصافي
شيم مرت الليالي عليها
والليالي قليلة الانصاف
وهذه ابيات حكمية كريمة منتزعة معانيها من صميم الحقيقة
الحيوية.
وقال الحسن بن هبة اللّه التغلبي المعروف بابن مصري
الدمشقي: انشدني ابو المعالي‏سالم بن علي العودي لنفسه:
دع الدنيا لمن امسى بخيلا
وقاطع من تراه لها وصولا
ولا تركن الى الايام واعلم
بان الدهر لا يبقي جليلا
فكم قد غرت الدنيا اناسا
وكم قد اقنت الدنيا قبيلا
وما هذي الحياة وان تراخت
بممتعة بها الا قليلا
فويل لابن آدم من مقام
يكون به العزيز غدا ذليلا
قال: وانشدني ابو المعالي لنفسه:
ااخي انك ميت
فدع التعلل بالتمادي
لا تركنن الى الحيا
ة فان عزك في نفاد
ازف الرحيل فلا تكن
ممن يسير بغير زاد
يا غافلا والموت يق
دح في سنيه بلا زناد
لا بد يوما للنبا
ت اذا تكامل من حصاد
وانشدني لنفسه:
لا اقتضيك على السماح فانه
لك عادة لكنني انا مذكر
ان السحاب اذا تمسك بالندى
رغبوا اليه بالدعاء فيمطر
وانشدني لنفسه:
سيدي عد الى الوصا
ل فقد شفني الضنا
وترفق بعاشق
ما له عنك من غنى
ان تكن تطلب الصوا
ب بوصل فها انا
او ترد بالنوى دنو حمامي فقد دنا
وانشد:
يا عاتبين على عان يحبكم
لا تجمعوا بين عتب في الهوى وعنا
ان كان صدكم عني حدوث غنى
فما لنا عنكم حتى الممات غنى
ومن شعره قوله:
يقولون لو داويت قلبك لارعوى
بسلوانه عن حب ليلى وعن جمل
وهيهات يبرا بالتمائم والرقى
سليم الثنايا الغر والحدق النجل
ولم اقف على سنة وفاة ابن العودي، الا ان سنة ولادته اعني
سنة (478) ورؤية‏عماد الدين الاصفهاني له سنة (554)
بالهمامية قرب واسط، لا تتركان للظن ان‏يغالى‏في بقائه طويلا
بعد سنة (554) المذكورة، بل لا اراه قد جاوز سنة (558)
فانهاتجعل عمره ثمانين سنة، وذلك من نوادر الاعمار في هذه
الديار. انتهى .
(49) القاضي الجليس
المتوفى (561)
1
دعاه لوشك البين داع فاسمعا
واودع جسمي سقمه حين ودعا
ولم يبق في قلبي لصبري موضعا
وقد سار طوع الناي والبعد موضعا
اجن اذا ما الليل جن كبة
وابدي اذا ما الصبح ازمع ادمعا
وما انقدت طوعا للهوى قبل هذه
وقد كنت الوى عنه لينا واخدعا
الى ان يقول:
تصاممت عن داعي‏الصبابة‏والصبا
ولبيت داعي آل احمد اذ دعا
عشوت بافكاري الى ضوء علمهم
فصادفت منه منهج الحق مهيعا
علقت بهم فليلح في ذاك من لحا
توليتهم فلينع ذلك من نعى
تسرعت في مدحي لهم متبرعا
واقلعت عن تركي له متورعا
هم الصائمون القائمون لربهم
هم الخائفوه خشية وتخشعا
هم القاطعو الليل البهيم تهجدا
هم العامروه سجدا فيه ركعا
هم الطيب الاخيار والخير في الورى
يروقون مراى او يشوقون مسمعا
بهم تقبل الاعمال من كل عامل
بهم ترفع الطاعات ممن تطوعا
باسمائهم يسقى الانام ويهطل ال
غمام وكم كرب بهم قد تقشعا
هم القائلون الفاعلون تبرعا
هم العالمون العاملون تورعا
ابوهم وصي المصطفى حاز علمه
واودعه من قبل ما كان اودعا
اقام عمود الشرع بعد اعوجاجه
وساند ركن الدين ان يتصدعا
وواساه بالنفس النفيسة دونهم
ولم يخش ان يلقى عداه فيجزعا
وسماه مولاهم وقد قام معلنا
ليتلوه في كل فضل ويشفعا
فمن كشف الغماء عن وجه احمد
وقد كربت اقرانه ان يقطعا
ومن هز باب الحصن في يوم خيبر
فزلزل ارض المشركين وزعزعا
وفي يوم بدر من احن قليبها
جسوما بها تدمي وهاما مقطعا
وكم حاسد اغراه بالحقد فضله
وذلك فضل مثله ليس يدعى
لوى غدره يوم الغدير بحقه
واعقبه يوم البعير واتبعا
وحاربه القرآن عنه فما ارعوى
وعاتبه الاسلام فيه فما وعى
اذا رام ان يخفي مناقبه جلت
وان رام ان يطفي سناه تشعشعا
متى هم ان يطوي شذى المسك كاتم
ابى عرفه المعروف الا تضوعا
ومنها:
ايا امة لم ترع للدين حرمة
ولم تبق في قوس الضلالة منزعا
باي كتاب ام باية حجة
نقضتم بها ما سنه اللّه اجمعا
غصبتم ولي الحق مهجة نفسه
وكان لكم غصب الامامة مقنعا
والجمتم آل النبي سيوفكم
تفري من السادات سوقا واذرعا
وحللتم في كربلاء دماءهم
فاضحت بها هيم الاسنة شرعا
وحرمتم ماء الفرات عليهم
فاصبح محظورا لديهم ممنعا
القصيدة (56) بيتا
2
وله في رثاء السبط الامام الشهيد (ع) قوله:
ان خانها الدمع الغزير
فمن الدماء لها نصير
دعها تسح ولا تشح
فرزؤها رزء كبير
ما غصب فاطمة تراث
محمد خطب يسير
كلا ولا ظلم الوصي و
حقه الحق الشهير
نطق النبي بفضله
وهوالمبشر والنذير
جحدوه عقد ولاية
قد غر جاحده‏الغرور
غدروا به حسدا له
وبنصه شهد الغدير
حظروا عليه ما حبا
ه بفخره وهم حضور
يا امة رعت السها
وامامها القمر المنير
ان ضل بالعجل اليهو
د فقد اضلكم البعير
لهفي لقتلى الطف اذ
خذل المصاحب والعشير
وافاهم في كربلا
يوم عبوس قمطرير
دلفت لهم عصب الضلا
ل كانما دعي النفير
عجبا لهم لم يلقهم
من دونهم قدر مبير
ايمار فوق الارض في
ض دم الحسين ولا تمور
اترى الجبال درت ولم
تقذفهم منها صخور
ام كيف اذ منعوه ور
د الماء لم تغر البحور
حرم الزلال عليه لما حللت لهم الخمور
القصيدة (36) بيتا
3
وله من قصيدة تناهز (29) بيتا مطلعها:
كم قد عصيت مقال الناصح الناهي
ولذت منكم بحبل واهن واه
ويقول فيها:
حبي لال رسول اللّه يعصمني
من كل اثم وهم ذخري وهم جاهي
يا شيعة الحق قولي بالوفاء لهم
وفاخري بهم من شئت او باهي
اذا علقت بحبل من ابي حسن
فقد علقت بحبل في يد اللّه
حمى الاله به الاسلام فهو به
يزهي على كل دين قبله زاه
بعل البتول وما كنا لتهدينا
ائمة من نبي اللّه لولا هي
نص النبي عليه في الغدير فما
زواه الا ظنين دينه واه
الشاعر
ابو المعالي عبدالعزيز بن الحسين بن الحباب الاغلبي((1105))
السعدي الصقلي المعروف‏بالقاضي الجليس، من مقدمي شعراء
مصر وكتابهم، ومن ندماء الملك الصالح طلائع‏بن رزيك الذي
مرت ترجمته (ص‏344)، واحسب ان تلقيبه بالجليس كان
لمجالسته‏اياه متواصلا، وهو ممن اغرق نزعا في موالاة العترة
الطاهرة كما ينم عنه شعره،ولمعاصره الفقيه عمارة اليمني
الاتي ذكره شعر يمدحه، منه قصيدة في كتابه النكت‏العصرية
(ص‏158) قالها سنة احدى وخمسين وخمسمائة، اولها:
هي سلوة حلت عقود وفائها
مذ شف ثوب الصبر عن برحائها
ومنها:
لم اسال الركبان عن اسمائها
كفلا بها لولا هوى اسمائها
وسالت ايامي صديقا صادقا
فوجدت ما ارجوه جل رجائها
ومنها:
ولقد هجرت الى الجليس مهاجرا
عصبا يضيم الدهر جار فنائها
مستنجدا لابي المعالي همة
تغدو المعالي وهي بعض عطائها
لما مدحت علاه ايقنت العدى
ان الزمان اجار من عدوائها
واغد سعدي الاوامر ابلج
يلقى سقيمات المنى بشفائها
ومنها:
نذرت مصافحة الغمام اناملي
فوفت غمائم كفه بوفائها
وقال،كما في نكته العصرية (ص‏252)، وقد حدث للقاضي
الجليس مرض اخره عن‏حضور مجلس الملك الصالح طلائع
بن رزيك:
وحق المعالي يا اباها وصنوها
يمين امرئ عاداته القسم البر
لقد قصرت عما بلغت من العلى
واحرزته ابناء دهرك والدهر
متى كنت يا صدر الزمان بموضع
فرتبتك العليا وموضعك الصدر
ولما حضرنا مجلس الانس لم يكن
على وجهه اذ غبت انس ولا بشر
فقدناك فقدان النفوس حياتها
ولم يك فقد الارض اعوزها القطر
واظلم جو الفضل اذ غاب بدره
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
ترجمه العماد في الخريدة واثنى عليه بالفضل المشهور، وابن
كثير في‏تاريخه((1106))(12/251)، وابن شاكر في فوات
الوفيات (1/278) فقال: تولى ديوان‏الانشاء للفائز مع((1107))
الموفق بن الخلال، ومن شعره:
ومن عجبي ان الصوارم والقنا
تحيض بايدي القوم وهي ذكور
واعجب من ذا انها في اكفهم
تاجج نارا والاكف بحور
وله في طبيب:
واصل بليتي من قد غزاني
من السقم الملح بعسكرين
طبيب طبه كغراب بين
يفرق بين عافيتي وبيني
اتى الحمى وقد شاخت وباخت
فعاد لها الشباب بنسختين
ودبرها بتدبير لطيف
حكاه عن سنان او حنين
وكانت نوبة في كل يوم
فصيرها بحذق نوبتين
وله في طبيب ايضا:
يا وارثا عن اب وجد
فضيلة الطب والسداد
وحاملا رد كل نفس
همت عن الجسم بالبعاد
اقسم لو قد طببت دهرا
لعاد كونا بلا فساد
وله:
حيا بتفاحة مخضبة
من شفني حبه وتيمني
فقلت ما ان رايت مشبهها
فاحمر من خجلة فكذبني
وله:
رب بيض سللن باللحظ بيضا
مرهفات جفونهن جفون
وخدود للدمع فيها خدود
وعيون قد فاض فيها عيون
وقال ايضا:
المت بنا والليل يزهي بلمة
دجوجية لم يكتهل بعد فوداها
فاشرق ضوء الصبح وهو جبينها
وفاحت ازاهير الربى وهي رياها
اذا ما اجتنت من وجهها العين روضة
اسالت خلال الروض بالدمع امواها
واني لاستسقي السحاب لربعها
وان لم تكن الا ضلوعي ماواها
اذا استعرت نار الاسى بين اضلعي
نضحت على حر الحشا برد ذكراها
وما بي ان يصلى الفؤاد بحرها
ويضرم لولا ان في القلب سكناها
كان القاضي الجليس كبير الانف، وكان الخطيب ابو القاسم
هبة اللّه بن البدر المعروف‏بابن الصياد مولعا بانفه وهجائه،
وذكر انفه في اكثر من الف مقطوع، فانتصر له ابوالفتح ابن
قادوس المترجم في هذا الجزء (ص‏338) فقال:
يا من يعيب انوفنا الشم التي ليست تعاب
الانف خلقة ربنا
وقرونك الشم اكتساب
وله شعر في رثاء والده وقد غرق في البحر بريح عاصف. انتهى.
والمترجم هو الذي قرظ ابا محمد بن الزبير الحسن بن علي
المصري المتوفى سنة(561) عند الملك الصالح حتى قدمه،
فلما مات شمت به ابن الزبير ولبس في جنازته‏ثيابا مذهبة،
فنقص عند الناس بهذا السبب واستقبحوا فعله، ولم يعش بعد
الجليس‏الا شهرا واحدا((1108)).
كان الملك الصالح طلائع لا يزال يحضر، في ليالي الجمع،
جلساؤه وبعض امرائه لسماع‏قراءة صحيح مسلم والبخاري
وامثالهما من كتب الحديث، وكان الذي