فرجل يلوي بوجهه عنهم الى اناس مضطهدين مقهورين،
ويقاسي من جراء ذلك الخوف والاختفاء، تتقاذف به
المفاوزوالحزون، مفترعا ربوة طورا، ومسفا الى الاحضة تارة،
ووراءه الطلب الحثيث، وبمطلع الاكمة النطع والسيف، ليس
من‏الممكن ان يكون ما يتحراه الا خاصة في من يتولا هم، لا
توجد عند غيرهم، وهذا هو شان الكميت مع ائمة الدين(ع)،
فقدكان يعتقد فيهم انهم وسائله الى المولى سبحانه، وواسطة
نجاحه في عقباه، وان مودتهم اجر الرسالة الكبرى.
روى الشيخ الاكبر الصفار في بصائر الدرجات((888)) باسناده
عن جابر، قال: دخلت على الباقر(ع) فشكوت اليه الحاجة‏فقال:
((ماعندنا درهم))، فدخل الكميت فقال: جعلت فداك
انشدك؟ فقال: انشد، فانشده قصيدة. فقال: ((يا غلام اخرج‏من
ذلك البيت بدرة فادفعها الى الكميت)). فقال: جعلت فداك،
انشدك اخرى؟ فانشده. فقال: ((ياغلام اخرج
بدرة‏فادفعهااليه)). فقال: جعلت فداك، انشدك اخرى؟
فانشده. فقال: ((يا غلام اخرج بدرة فادفعها اليه)) فقال جعلت
فداك، واللّه مااحبكم لعرض الدنيا، وما اردت بذلك الا صلة
رسول اللّه وما اوجب اللّه علي من الحق، فدعا له الباقر(ع)
فقال: ((ياغلام‏ردها الى مكانها)). فقلت: جعلت فداك، قلت لي:
ليس عندي درهم، وامرت للكميت بثلاثين الفا!((889)).
فقال: ((ادخل ذلك البيت))، فدخلت فلم اجد شيئا، فقال: ((ما
سترنا عنكم اكثر مما اظهرنا)). الحديث.
قال صاعد: دخلنا مع الكميت على فاطمة بنت الحسين(ع)،
فقالت: هذا شاعرنا اهل البيت. وجاءت بقدح فيه سويق،فحركته
بيدها، وسقت الكميت فشربه، ثم امرت له بثلاثين دينارا
ومركب، فهملت عيناه وقال: لا واللّه لا اقبلها، اني لم‏احبكم
للدنيا. الاغاني((890)) (15/123).
وللكميت في رده الصلات الطائلة على سروات المجد من بني
هاشم، مكرمة ومحمدة عظيمة، ابقت له ذكرى خالدة،وكل‏من
تلكم المواقف شاهد صدق على خالص ولائه وقوة ايمانه، وصفاء
نيته، وحسن عقيدته، ورسوخ دينه، واباءنفسه، وعلو همته،
وثباته في مبدئه العلوي المقدس، وصدق مقاله للامام السجاد
زين العابدين(ع): اني قد مدحتك ان‏يكون لي وسيلة عند
رسول اللّه.
ويعرب عن ذلك كله صريح قوله للامام الباقر محمد بن
علي(ع): واللّه ما احبكم لعرض الدنيا، وما اردت بذلك الا
صلة‏رسول اللّه وما اوجب اللّه علي من الحق. وقوله الاخر له(ع):
لا واللّه لا يعلم احد اني آخذ منها حتى يكون اللّه غ
الذي‏يكافئني. وقوله للامامين الصادقين(ع): واللّه ما احببتكم
للدنيا، ولو اردتها لاتيت من هي في يديه، ولكني
احببتكم‏للاخرة. وقوله لعبد اللّه بن الحسن ابن علي(ع): واللّه
ما قلت فيكم الا للّه، وما كنت لاخذ على شي‏ء جعلته للّه مالا
ولاثمنا.وقوله لعبد اللّه الجعفري: ما اردت بمدحي اياكم الا اللّه
ورسوله، ولم اك لاخذ لذلك ثمنا من الدنيا، وقوله لفاطمة
بنت‏الامام السبط: واللّه اني لم احبكم للدنيا. وهذا شان الشيعة
سلفا وخلفا، وشيمة كل شيعي صميم، وادب كل
متضلع‏بالنزعات العلوية، وروح كل علوي جعفري، وهذا شعار
التشيع ليس الا ، وبمثل هذا فليعمل العاملون.
وكان ائمة الدين ورجالات بني هاشم يلحون في اخذ الكميت
صلاتهم، وقبوله عطاياهم، مع اكبارهم محله من
ولائه،واعتنائهم البالغ بشانه، والاحتفاء والتبجيل له، والاعتذار
منه بمثل قول الامام السجاد صلوات اللّه عليه له:
((ثوابك‏نعجز عنه ، ولكن ما عجزنا عنه فان اللّه لا يعجز عن
مكافاتك)). وهو مع ذلك كله كان على قدم وساق من
ابائه‏واستعفائه، اظهارا لولائه المحض لال اللّه، وقد مر انه رد
على الامام السجاد(ع) اربعمائة الف درهم، وطلب من ثيابه
التي‏تلي جسده ليتبرك بها، ورد على الامام الباقر مائة الف مرة
وخمسين الفا اخرى، وطلب قميصا من قمصه ورد على
الامام‏الصادق الف دينار وكسوة، واستدعى منه ان يكرمه
بالثوب الذي مس جلده. ورد على عبد اللّه بن الحسن ضيعته
التي‏اعط‏ى له كتابها، وكانت تسوى باربعة((891)) آلاف دينار،
ورد على عبد اللّه الجعفري ما جمع له من بني هاشم ما
كان‏يقدر بمائة الف درهم.
فكل من هذه خبر يصدق الخبر، بان مدح الكميت عترة نبيه
الطاهر وولاءه لهم، وتهالكه بكله في حبهم، وبذله
النفس‏والنفيس دونهم، ونيله من مناوئيهم، ونصبه العداء
لمخالفيهم، لم يكن الا للّه ولرسوله فحسب، وما كان له غرض
من حطام‏الدنيا وزخرفها، ولا مرمى من الثواب العاجل دون
الاجل، وكل واقف على شعره يراه كالباحث بظلفه عن حتفه،
ويجده‏مستقتلا بلسانه، قد عرض لبني امية دمه، مستقبلا
صوارمهم، كما نص عليه الامام زين العابدين(ع)، وقال:
((اللهم‏ان‏الكميت جاد في آل رسولك وذرية نبيك نفسه حين
ضن الناس، واظهر ما كتمه غيره)).
وقال عبداللّه الجعفري لبني هاشم: هذا الكميت قال فيكم
الشعر حين صمت الناس عن فضلكم، وعرض دمه لبني امية.
وخالد القسري لما اراد قتله راى في شعره غنى وكفاية عن اي
حيلة وسعاية عليه، فاشترى جارية وعلمها الهاشميات‏وبعثها
الى هشام بن عبد الملك، وهو لما سمعها منها، قال: استقتل
المرائي. وكتب الى خالد بقتله وقطع لسانه ويده.
فكان الكميت منذ غضاضة من شبيبته التي نظم فيها
الهاشميات خائفا يترقب طيلة عمره، مختفيا في زوايا الخمول،
الى ان‏اقام بقريضه الحجة، واوضح به المحجة، واظهر به الحق،
واتم به البرهنة، وبلغ ضالته المنشودة من بث الدعاية الى
العترة‏الطاهرة، فلما دوخ صيت شعره الاقطار، وقرطت به
الاذان، ودارت على الالسن، استجاز الامام ابا جعفر الباقر(ع)
ان‏يمدح بني امية صونا لدمه فاجاز له. رواه ابو الفرج في
الاغاني((892)) (15/126) باسناده عن ورد بن زيد اخي
الكميت‏قال: ارسلني الكميت الى ابي جعفر(ع) فقلت له: ان
الكميت ارسلني اليك وقد صنع بنفسه ما صنع، فتاذن له ان
يمدح بني‏امية؟
قال: نعم. هو في حل، فليقل ما شاء، فنظم قصيدته الرائية التي
يقول فيها:
فالان صرت الى امي
ة والامور الى المصائر
ودخل على ابي جعفر(ع) فقال له: ((يا كميت انت القائل:
فالان صرت الى امي
ة والامور الى المصائر؟))
قال: نعم. قد قلت، ولا واللّه ما اردت به((893)) الا الدنيا، ولقد
عرفت فضلكم، قال: ((اما ان قلت ذلك، ان التقية لتحل)).
وروى الكشي في رجاله((894)) (ص‏135) باسناده عن درست
بن ابي منصور، قال: كنت عند ابي الحسن موسى(ع)وعنده
الكميت بن زيد، فقال للكميت: ((انت الذي تقول:
فالان صرت الى امي
ة والامور الى المصائر))
قال: قد قلت ذلك فواللّه ما رجعت عن ايماني، واني لكم لموال،
ولعدوكم لقال، ولكني قلته على التقية.
قال: اما لئن قلت ذلك، ان التقية تجوز في شرب الخمر.
لفت نظر :
احسب ان الامام المذكور في حديث الكشي هو ابو عبداللّه
الصادق(ع)، ولا يتم ما فيه من ابي الحسن موسى(ع)،
اذالكميت توفي بلا اختلاف اجده سنة(126) قبل ولادة ابي
الحسن موسى بسنتين او ثلاث. كمالايتم القول باتحاده
مع‏حديث ابي الفرج المروي عن الامام ابي جعفر، اذ درست بن
ابي منصور لا يروي عنه(ع)، وليس من تلك الطبقة.
الكميت ودعاء الائمة له
من الواضح ان ادعية ذوي النفوس القدسية، والالسنة الناطقة
بالمشيئة الالهية المعبرة عن اللّه، من الذين يوحي اليهم‏ربهم،
ولا يتكلمون الا باذنه، وما ينطقون عن الهوى، ولا يشفعون الا
لمن ارتضى، ليست مجرد شفاعة لاي احد، ومسالة‏خير من
المولى لكل انسان كائنا من كان، بل فيها ايعاز بان المدعو له
من رجال الدين، وحلفاء الخير والصلاح، ودعاة‏الامة اليهما،
وممن قيضه المولى للدعوة اليه، والاخذ بناصر الهدى، رغما
على اباطيل الحياة واهوائها الضالة، الى فضائل لاتحصى على
اختلاف المدعو لهم فيها.
وقلما دعي لاحد مثلما دعي للكميت، وقد اكثر النبي الاعظم
والائمة من اولاده صلوات اللّه عليه وعليهم دعاءهم
له،فاسترحم له النبي(ص) مرة كما مر في حديث البياضي،
واستجزى له بالخير، واثنى عليه اخرى كما في منام نصر
بن‏مزاحم، وقال له ثالثة: ((بوركت وبورك قومك)) كما في
حديث السيوط‏ي، ودعا له الامام السجاد زين العابدين(ع)
بقوله:((اللهم احيه سعيدا وامته شهيدا، واره الجزاء عاجلا،
واجزل له جزيل المثوبة آجلا)). ودعا له ابو جعفر الباقر(ع)
في‏مواقف شتى في مثل ايام التشريق بمنى وغيرها، متوجها الى
الكعبة بالاسترحام والاستغفار له غير مرة، وبقوله: ((لا
تزال‏مؤيدا بروح القدس)) تارة اخرى، ومن دعائه(ع) له في ايام
البيض ما رواه الشيخ الاقدم ابو القاسم الخزاز القمي في
كفاية‏الاثر في النصوص على الائمة الاثني عشر((895))
باسناده عن الكميت، انه قال: دخلت على سيدي ابي جعفر
محمد بن‏علي الباقر، فقلت: ياابن رسول اللّه اني قد قلت فيكم
ابياتا، افتاذن لي في انشادها؟ فقال: ((«انها»((896)) ايام
البيض)).قلت: فهو فيكم خاصة. قال: ((هات)). فانشات اقول:
اضحكني الدهر وابكاني
والدهر ذو صرف والوان
لتسعة بالطف قد غودروا
صاروا جميعا رهن اكفان
فبكى(ع)، وبكى ابو عبداللّه(ع)، وسمعت جارية تبكي من وراء
الخباء، فلما بلغت الى قولي:
وستة لا يتجارى بهم
بنو عقيل خير فرسان
ثم علي الخير مولاهم
ذكرهم هيج احزاني
فبكى، ثم قال(ع): ((ما من رجل ذكرنا او ذكرنا عنده يخرج من
عينيه ماء ولو مثل جناح البعوضة الا بنى اللّه له بيتا في‏الجنة،
وجعل ذلك الدمع حجابا بينه وبين النار)). فلما بلغت الى
قولي:
من كان مسرورا بما مسكم
او شامتا يوما من الان
فقد ذللتم بعد عز فما
ادفع ضيما حين يغشاني
اخذ بيدي ثم قال: ((اللهم اغفر للكميت ما تقدم من ذنبه وما
تاخر)).
فلما بلغت الى قولي:
متى يقوم الحق فيكم متى
يقوم مهديكم الثاني
قال: ((سريعا ان شاء اللّه سريعا)). ثم قال: ((يا ابا المستهل ان
قائمنا هو التاسع من ولد الحسين، لان الائمة بعد رسول اللّهاثنا
عشر، الثاني عشر هو القائم)).
قلت: يا سيدي فمن هؤلاء الاثنا عشر؟ قال: ((اولهم علي بن ابي
طالب، وبعده الحسن والحسين، وبعد الحسين علي
بن‏الحسين، وبعده انا، ثم بعدي هذا، ووضع يده على كتف
جعفر)). قلت: فمن بعد هذا؟
قال: ((ابنه موسى، وبعد موسى ابنه علي، وبعد علي ابنه
محمد، وبعد محمد ابنه علي، وبعد علي ابنه الحسن، وهو ابو
القائم‏الذي يخرج فيملا الدنيا قسطا وعدلا كما ملئت ظلما
وجورا، ويشفي صدور شيعتنا)). قلت: فمتى يخرج يا ابن رسول
اللّه؟قال: ((لقد سئل رسول اللّه(ص) عن ذلك فقال: انما مثله
كمثل الساعة لا تاتيكم الا بغتة)).
وناهيك به فضلا دعاء الامام الصادق(ع) له في مواقفه
المشهودة في اشرف الايام رافعا يديه قائلا: ((اللهم اغفر
للكميت ماقدم واخر، وما اسر واعلن، واعطه حتى يرضى)).
وينم عن اجابة تلك الادعية الصالحة، الصادرة من النفوس
الطاهرة‏بالالسنة الصادقة، امر النبي(ص) ابا ابراهيم سعد
الاسدي في منامه بقراءة سلامه عليه، وانبائه بان اللّه قد غفر له.
وكذلك‏نهيه(ص) دعبل الخزاعي في الطيف عن معارضة
الكميت، وقوله له: ان اللّه قد غفر له. وكان بنو اسد قبيلة
الكميت آيحسون بركة دعاء النبي له ولهم بقوله: ((بوركت
وبورك قومك)). ويشاهدون آثار الاجابة فيهم، ويجدون في
انفسهم‏نفحاتها، وكانوا يقولون: ان فينا فضيلة ليست في العالم،
ليس منا الا وفيه بركة وراثة الكميت((897)).
ومن تلك الادعية المستجابة التي شوهدت آثارها، وابقت
للكميت فضيلة مع الابد، ما رواه شيخنا قطب الدين
الراوندي‏في الخرائج والجرائح((898)): ان محمد بن علي
الباقر(ع) دعا للكميت لما اراد اعداء آل محمد اخذه وهلاكه
وكان متواريا،فخرج في ظلمة الليل هاربا، وقد اقعدوا على كل
طريق جماعة لياخذوه اذا ما خرج في خفية، فلما وصل
الكميت الى‏الفضاء واراد ان يسلك طريقا جاء اسد يمنعه من ان
يسري منها، فسلك جانبا آخر فمنعه منه ايضا، كانه اشار الى
الكميت‏ان يسلك خلفه، ومضى الاسد في جانب الكميت، الى
ان امن وتخلص من الاعداء.
وفي معاهد التنصيص((899)) (2/28): قال المستهل: اقام
الكميت مدة متواريا، حتى اذا ايقن ان الطلب خف عنه
خرج‏ليلافي جماعة من بني اسد على خوف ووجل، وفيمن معه
صاعد غلامه، واخذ الطريق على القطقطانة، وكان عالما
بالنجوم‏مهتديا بها، فلما صار سحيرا صاح بنا: هوموا((900))
يافتيان. فهومنا، وقام فصلى. قال المستهل: فراينا
شخصا،فتضعضعت له. فقال: ما لك؟ قلت: ارى شخصا مقبلا.
فنظر اليه، فقال: هذا ذئب قد جاء يستطعمكم، فجاء الذئب
فربض‏ناحية، فاطعمناه يد جزور فتعرقها، ثم اهوينا له باناء فيه
ماء فشرب منه، فارتحلنا، وجعل الذئب يعوي، فقال
الكميت:ماله ويله، الم نطعمه ونسقه؟! وما اعرفني بما يريد، هو
يدلنا انا لسنا على الطريق! تيامنوا يا فتيان. فتيامنا، فسكن
عواؤه،فلم نزل نسير حتى جئنا الشام، فتوارى في بني اسد
وبني تميم.
وهذا جانب عظيم من نواحي مكرمات الكميت وفضائله، لو
اضيف الى ما يظهر من كلماته المعربة عن نفسياته،
ومواقفه‏الكاشفة عن خلائقه الكريمة، وما قيل فيه وفي مثره
الجمة يمثله بين يدي القارئ بمظاهر روحياته، ونصب عينيه
مجالي‏نفسياته، وامثلة مكارم اخلاقه، وما كان يحمله بين
جنبيه من العلم، والفقه، والادب، والاباء، والشمم، والحماسة،
والهمة،واللباقة، والفصاحة، والبلاغة، والخلق الكامل، وقوة
القلب، والدين الخالص، والتشيع الصحيح، والصلاح المحض،
والرشدوالسداد، الى فضائل تكسبه فوز النشاتين لا تحصى.
الكميت وهشام بن عبد الملك
كان خالد بن عبداللّه القسري قد انشد قصيدة الكميت التي
يهجو فيها اليمن، وهي التي اولها:
الا حييت عنا يا مدينا
وهل ناس تقول مسلمينا
فقال: واللّه لاقتلنه. ثم اشترى ثلاثين جارية باغلى ثمن،
وتخيرهن نهاية في الحسن والكمال والادب، فرواهن
الهاشميات،ودسهن مع نخاس الى هشام بن عبدالملك
فاشتراهن جميعا، فلما انس بهن واستنطقهن، راى منهن
فصاحة وادبا،فاستقراهن القرآن فقران، واستنشدهن الشعر
فانشدن قصائد الكميت الهاشميات فقال هشام: ويلكن من
قائل هذاالشعر؟ قلن: الكميت بن زيد الاسدي. قال: في اي بلد
هو؟ قلن: بالعراق ثم بالكوفة.
فكتب الى خالد عامله في العراق: ابعث الي براس الكميت بن
زيد. فلم يشعر الكميت الا والخيل محدقة بداره، فاخذوحبس
في الحبس.
وكان ابان بن الوليد عاملا على واسط، وكان الكميت صديقه،
فبعث اليه بغلام على بغل، وقال له: انت حر ان لحقته‏والبغل
لك. وكتب له:
اما بعد: فقد بلغني ما صرت اليه وهو القتل، الا ان يدفع اللّه غ،
وارى لك ان تبعث الى حبى يعني زوجة الكميت‏وكانت ممن
تتشيع ايضا فاذا دخلت عليك، تنقبت نقابها، ولبست ثيابها
وخرجت، فاني ارجو الاوبة لك.
قال: فركب الغلام البغل، وسار بقية يومه وليلته من واسط الى
الكوفة فصبحها، فدخل الحبس متنكرا، واخبر الكميت‏بالقصة،
فبعث الى امراته وقص عليها القصة، وقال لها: اي ابنة عم ان
الوالي لا يقدم عليك ولا يسلمك قومك، ولوخفت‏عليك ما
عرضت ك له. فالبسته ثيابها وازارها وخمرته، وقالت له: اقبل
وادبر، ففعل، فقالت: ما انكر منك شيئا الا يبسا في كتفيك،
فاخرج على اسم اللّه تعالى. واخرجت معه جاريتين لها.
فخرج وعلى باب السجن ابو الوضاح حبيب بن بدير ومعه فتيان
من اسد فلم يؤبه له، ومشى الفتيان بين يديه الى سكة‏شبيب
بناحية الكناس، فمر بمجلس من مجالس بني تميم، فقال
بعضهم: رجل ورب الكعبة، وامر غلامه فاتبعه، فصاح به‏ابو
الوضاح يا كذا وكذا اراك تتبع هذه المراة منذ اليوم، واوما اليه
بنعله فولى العبد مدبرا، وادخله ابو الوضاح منزله.
ولما طال على السجان الامر نادى الكميت فلم يجبه، فدخل
ليعرف خبره، فصاحت به المراة: وراءك، لا ام لك. فشق
ثوبه‏ومضى صارخا الى باب خالد، فاخبر الخبر، فاحضر المراة،
فقال لها: يا عدوة اللّه احتلت على امير المؤمنين‏واخرجت‏عدو
امير المؤمنين، لانك لن بك، ولاصنعن، ولافعلن. فاجتمعت
بنو اسد عليه، وقالوا له: ما سبيلك على امراة‏منا خدعت.
فخافهم، فخلى سبيلها.
وسقط غراب على الحائط ونعب، فقال الكميت لابي الوضاح:
اني لماخوذ، وان حائطك لساقط. فقال: سبحان اللّه! هذا
مالايكون ان شاء اللّه تعالى، وكان الكميت خبيرا بالزجر الكهانة
فقال له: لابد ان تحولني. فخرج به الى بني علقمة آوكانوا
يتشيعون فاقام فيهم، ولم يصبح حتى سقط الحائط الذي
سقط عليه الغراب.
قال المستهل: واقام الكميت مدة متواريا، حتى اذا ايقن ان
الطلب خف عنه، خرج ليلا في جماعة من بني اسد وبني
تميم،وارسل الى اشراف قريش، وكان سيدهم يومئذ عنبسة بن
سعيد بن العاص، فمشت رجالات قريش بعضها الى بعض‏واتوا
عنبسة فقالوا: يا ابا خالد هذه مكرمة اتاك بها اللّه تعالى، هذا
الكميت بن زيد لسان مضر، وكان امير المؤمنين قدكتب في
قتله، فنجا حتى تخلص اليك والينا. قال: فمروه ان يعوذ بقبر
معاوية بن هشام بدير حنيناء.
فمضى الكميت فضرب فسطاطه عند قبره، ومضى عنبسة
فاتى مسلمة بن هشام، فقال: يا ابا شاكر مكرمة اتيتك بها
تبلغ‏الثريا ان اعتقدتها، فان علمت انك تفي بها والا كتمتها.
قال: وما هي؟ فاخبره الخبر، وقال: انه قد مدحكم عامة
واياك‏خاصة بما لم يسمع بمثله، فقال: علي خلاصه.
فدخل على ابيه هشام وهو عند امه في غير وقت دخول، فقال
له هشام: اجئت لحاجة؟ قال: نعم. قال: هي مقضية الا ان‏تكون
الكميت. فقال: ما احب ان تستثني علي في حاجتي، وما انا
والكميت! فقالت امه: واللّه لتقضين حاجته كائنة ماكانت، قال:
قد قضيتها ولو احاطت بما بين قطريها. قال: «هي
الكميت‏»((901)) يا امير المؤمنين! وهو آمن بامان اللّه غ‏واماني،
وهو شاعر مضر، وقد قال فينا قولا لم يقل مثله. قال: قد امنته،
واجزت امانك له، فاجلس له مجلسا ينشدك فيه‏ما قال فينا،
فعقد مجلسا وعنده الابرش الكلبي، فتكلم بخطبة ارتجلها ما
سمع بمثلهاقط، وامتدحه بقصيدته الرائية، ويقال:انه قالها
ارتجالا، وهي قوله:
قف بالديار وقوف زائر
فمضى فيها حتى انتهى الى قوله:
ماذا عليك من الوقو
ف بها وانك غير صاغر
درجت عليك الغاديا
ت الرائحات من الاعاصر
ويقول فيها:
فالان صرت الى امي
ة والامور الى المصائر فجعل هشام يغمز مسلمة بقضيب في
يده فيقول: اسمع، اسمع.
ثم استاذنه في مرثية ابنه معاوية، فاذن له فيها، فانشده قوله:
سابكيك للدنيا وللدين انني
رايت يد المعروف بعدك شلت
ادامت عليكم بالسلام تحية
ملائكة اللّه الكرام وصلت
فبكى هشام بكاء شديدا، فوثب الحاجب فسكته.
ثم جاء الكميت الى منزله آمنا، فحشدت له المضرية بالهدايا،
وامر له مسلمة بعشرين الف درهم، وامر له هشام باربعين‏الف
درهم، وكتب الى خالد بامانه وامان اهل بيته، وانه لا سلطان له
عليهم. قال: وجمعت له بنو امية فيما بينها مالا كثيرا،ولم
يجمع من قصيدته تلك يومئذ الا ما حفظه الناس منها فالف،
وسئل عنها فقال: ما احفظ منها شيئا، انما هو كلام‏ارتجلته.
وفي رواية: انه لما اجاره مسلمة بن هشام وبلغ ذلك هشاما، دعا
به، وقال له: اتجير على امير المؤمنين بغير امره؟ فقال:كلا
ولكني انتظرت سكون غضبه. قال: احضرنيه الساعة فانه لا
جوار لك. فقال مسلمة للكميت: يا ابا المستهل ان
اميرالمؤمنين قد امرني باحضارك. قال: اتسلمني يا ابا شاكر؟
قال: كلا ، ولكني احتال لك، ثم قال له: ان معاوية بن هشام
مات‏قريبا، وقد جزع عليه جزعا شديدا، فاذا كان من الليل
فاضرب رواقك على قبره، وانا ابعث اليك بنيه يكونون معك
في‏الرواق، فاذا دعا بك تقدمت اليهم ان يربطوا ثيابهم بثيابك،
ويقولون: هذا استجار بقبر ابينا ونحن احق باجارته.
فاصبح هشام على عادته متطلعا من قصره الى القبر، فقال: ما
هذا؟ فقالوا: لعله مستجير بالقبر. فقال: يجار من كان الا
الكميت، فانه لا جوار له. فقيل فانه الكميت. فقال: يحضر اعنف
احضار.
فلما دعي به ربط الصبيان ثيابهم بثيابه، فلما نظر هشام اليهم
اغرورقت عيناه واستعبر، وهم يقولون: يا امير المؤمنين‏استجار
بقبر ابينا وقد مات ومات حظه من الدنيا، فاجعله هبة له ولنا،
ولا تفضحنا في من استجار به.
فبكى هشام حتى انتحب، ثم اقبل على الكميت فقال له: يا
كميت انت القائل:
والا فقولوا غيرها تتعرفوا
نواصيها تروى بنا وهي شزب((902))
فقال: لا واللّه، ولا اتان من اتن الحجاز وحشية. فقال الكميت:
الحمد للّه. قال هشام: نعم الحمد للّه، ما هذا؟
قال الكميت: مبتدئ الحمد ومبتدعه، الذي خص بالحمد
نفسه، وامر به ملائكته، وجعله فاتحة كتابه، ومنتهى
شكره،وكلام اهل جنته، احمد حمد من علم يقينا، وابصر
مستبينا، واشهد له بما شهد لنفسه، قائما بالقسط وحده لا
شريك له،واشهد ان محمدا عبده العربي، ورسوله الامي، ارسله
والناس في هفوات حيرة، ومدلهمات ظلمة، عند استمرار
ابهة‏الضلال، فبلغ عن اللّه ما امر به، ونصح لامته، وجاهد في
سبيله، وعبد ربه حتى اتاه اليقين(ص). ثم تكلم واعتذر
عن‏هجائه بني امية، وانشد ابياتا من رائيته في مدحهم.
فقال له هشام: ويلك يا كميت من زين لك الغواية، ودلا ك في
العماية؟ قال: الذي اخرج ابانا من الجنة، وانساه العهد فلم‏يجد
له عزما. فقال له: ايه يا كميت الست القائل؟:
فيا موقدا نارا لغيرك ضوؤها
ويا حاطبا في غير حبلك تحطب
فقال: بل انا القائل:
الى آل بيت ابي مالك
مناخ هو الارحب
الاسهل
نمت بارحامنا الداخلا
ت من حيث لا ينكر
المدخل بمرة والنضر
والمالكين رهط هم الانبل الانبل
وجدنا قريشا قريش البطاح‏على ما بنى الاول الاول
بهم اصلح اللّه بعد الفساد وحيص من الفتق
مارعبلوا((903))
قال له: وانت القائل:
لا كعبد المليك او كوليد
او سليمان بعد او كهشام
من يمت لا يمت فقيدا ومن يح
ي فلا ذو ال ولا ذو ذمام
ويلك يا كميت جعلتنا ممن لا يرقب في مؤمن الا ولا ذمة.
فقال: بل انا القائل يا امير المؤمنين:
فالان صرت الى امي
ة والامور الى المصائر
والان صرت بها الى الم
صيب كمهتد بالامس حائر
فقال: ايه فانت القائل:
فقل لبني امية حيث حلوا
وان خفت المهند والقطيعا
اجاع اللّه من اشبعتموه
واشبع من بجوركم اجيعا
بمرضي السياسة هاشمي
يكون حيا لامته ربيعا
فقال: لا تثريب يا امير المؤمنين ان رايت ان تمحو عني قولي
الكاذب. قال: بماذا؟ قال: بقولي الصادق:
اورثته الحصان ام هشام
حسبا ثاقبا ووجها نضيرا
وتعاط‏ى به ابن عائشة البد
ر فامسى له رقيبا نظيرا
وكساه ابو الخلائف مروا
ن سناء المكارم الماثورا
لم تجهم((904)) له البطاح ولكن
وجدتها له معانا((905)) ودورا
وكان هشام متكئا فاستوى جالسا، وقال: هكذا فليكن الشعر.
يقولها لسالم ابن عبد اللّه بن عمر وكان الى جانبه.
ثم قال: قد رضيت عنك يا كميت! فقبل يده وقال: يا امير
المؤمنين ان رايت ان تزيد في تشريفي فلا تجعل لخالد
علي‏امارة.قال: قد فعلت، وكتب بذلك. وامر له باربعين الف
درهم وثلاثين ثوبا هشامية، وكتب الى خالد: ان يخلي سبيل
امراته،ويعطيها عشرين الف درهم وثلاثين ثوبا. ففعل ذلك.
الاغاني((906)) (15/115 119)، العقد الفريد((907))
(1/189).
كان هشام بن عبدالملك مشغوفا بجارية له يقال لها صدوف
مدنية، اشتريت له بمال جزيل، فعتب عليها ذات يوم في
شي‏ءوهجرها، وحلف ان لا يبداها بكلام، فدخل عليه الكميت
وهو مغموم بذلك، فقال: مالي اراك مغموما يا امير المؤمنين
لاغمك اللّه؟ فاخبره هشام بالقصة، فاطرق الكميت ساعة، ثم
انشا يقول:
اعتبت ام عتبت عليك صدوف
وعتاب مثلك مثلها تشريف
لا تقعدن تلوم نفسك دائبا
فيها وانت بحبها مشغوف
ان الصريمة لا يقوم بثقلها
الا القوي بها وانت ضعيف
فقال هشام: صدقت واللّه، ونهض من مجلسه فدخل اليها،
ونهضت اليه فاعتنقته، وانصرف الكميت، فبعث اليه هشام
بالف‏دينار، وبعثت اليه بمثلها. الاغاني((908)) (15/122)
الكميت ويزيد بن عبدالملك
حدث حبيش بن الكميت قال: وفد الكميت على يزيد بن
عبدالملك، فدخل عليه يوما وقد اشتريت له سلا مة
القس،فادخلت اليه والكميت حاضر، فقال له: يا ابا المستهل
هذه جارية تباع، افترى ان نبتاعها؟ فقال: اي واللّه يا امير
المؤمنين‏وما ارى ان لها مثيلا فلا تفوتنك. قال: فصفها لي في
شعر حتى‏اقبل رايك. فقال الكميت:
هي شمس النهار في الحسن الا
انها فضلت بفتك الطراف
غضة بضة رخيم لعوب‏وعثة المتن ثخنة
الاطراف((909))
زانها دلها وثغر نقي
وحديث مرتل غير جافي
خلقت فوق منية المتمني
فاقبل النصح يا ابن عبد مناف
قال: فضحك يزيد، وقال: قد قبلنا نصحك يا ابا المستهل. فامر
له بجائزة سنية. الاغاني((910)) (15/122)
وللكميت مع خالد بن عبداللّه القسري اخبار عند قدومه
الكوفة، منها: انه مر يوما وقد تحدث الناس بعزله عن
العراق،فلما جاز تمثل الكميت، وقال:
اراها وان كانت تحب كانها
سحابة صيف عن قليل تقشع
فسمعه خالد فرجع، وقال: اما واللّه لا تنقشع حتى يغشاك منها
شؤبوب برد، ثم امر به فجرد وضرب مائة سوط، ثم خلى‏عنه
ومضى. رواه ابن حبيب. الاغاني((911)) (15/119)
ومن ملح الكميت: ان الفرزدق مر به وهو ينشد، والكميت
يومئذ صبي، فقال له الفرزدق: ايسرك اني ابوك؟. فقال:
لا،ولكن يسرني ان تكون امي! فحصر الفرزدق فاقبل على
جلسائه، وقال: ما مر بي مثل هذا قط.الاغاني((912))(15/123)
ولادته وشهادته
ولد الكميت في سنة ستين عام شهادة الامام السبط الشهيد
صلوات اللّه عليه وعاش عيشة مرضية سعيدا في دنياه،باذلا
كله في سبيل ما اختاره له ربه، داعيا الى سنن الهدى، حتى
اتيحت له الشهادة ببركة دعاء الامام زين العابدين(ع) له‏بها،
وبعين اللّه ما هريق من دمه الطاهر، وذلك بالكوفة في خلافة
مروان بن محمد سنة(126).
وكان سبب موته ما حكاه حجر بن عبدالجبار قال: خرجت
الجعفرية((913)) على خالد القسري وهو يخطب على
المنبرولا يعلم بهم، فخرجوا في التبابين((914)) ينادون:
لبيك جعفر، لبيك جعفر، وعرف خالد خبرهم وهو يخطب،
فدهش‏بهم، فلم يعلم ما يقول فزعا فقال: اطعموني ماء! ثم
خرج الناس اليهم فاخذوا، فجعل يجي‏ء بهم الى المسجد،
ويؤخذطن‏قصب فيطلى بالنفط، ويقال للرجل منهم: احتضنه.
ويضرب حتى يفعل. ثم يحرق، فحرقهم جميعا، فلما عزل خالد
عن‏العراق ووليه يوسف بن عمر دخل‏عليه‏الكميت، وقد
مدحه‏بعد قتله زيد بن علي، فانشده‏قوله‏فيه:
خرجت لهم تمشي البراح ولم تكن
كمن حصنه فيه الرتاج المضبب
وما خالد يستطعم الماء فاغرا
بعدلك والداعي الى الموت ينعب
قال: والجند قيام على راس يوسف بن عمر وهم ثمانية
فتعصبوا لخالد، فوضعوا نعال سيوفهم في بطن
الكميت،فوجؤوه بها وقالوا: اتنشد الامير ولم تستامره؟ فلم يزل
ينزف الدم حتى مات.الاغاني((915)) (15/121)
وحدث المستهل((916)) بن الكميت قال: حضرت ابي عند
الموت وهو يجود بنفسه، واغمي عليه ثم افاق، ففتح
عينيه‏ثم‏قال: اللهم آل محمد، اللهم آل محمد، اللهم آل محمد
ثلاثا . ثم‏قال: يا بني وددت‏اني لم‏اكن هجوت نساء بني كلب
بهذاالبيت وهو:
مع العضروط والعسفاء القوا
برادعهن غير محصنينا((917))
فعممتهن قذفا بالفجور، واللّه ما خرجت ليلا قط الا خشيت ان
ارمى بنجوم السماء لذلك.
ثم قال: يا بني انه بلغني في الروايات انه يحفر بظهر الكوفة
خندق، ويخرج فيه الموتى من قبورهم، وينبشون منها
فيحولون‏الى قبور غير قبورهم، فلا تدفني في الظهر، ولكن اذا
مت فامض بي الى موضع يقال له مكران، فادفني فيه، فدفن
في ذلك‏الموضع، وكان اول من دفن فيه، وهو مقبرة بني اسد
الى الساعة. الاغاني((918)) (15/130)، المعاهد((919))
(2/131).
7 السيد الحميري
المتوفى(173)
1
يا بائع الدين بدنياه
ليس بهذا امر اللّه
من اين ابغضت علي الوصي
واحمد قد كان يرضاه
من الذي احمد من بينهم
يوم غدير الخم ناداه
اقامه من بين اصحابه
وهم حواليه فسماه
هذا علي بن ابي طالب
مولى لمن قد كنت مولاه
فوال من والاه ياذا العلا
وعاد من قد كان عاداه
2
هلا وقفت على المكان المعشب
بين الطويلع فاللوى من كبكب
ويقول فيها:
وبخم اذ قال الاله بعزمه
قم يا محمد في البرية فاخطب
وانصب ابا حسن لقومك انه
هاد وما بلغت ان لم تنصب
فدعاه ثم دعاهم فاقامه
لهم فبين مصدق ومكذب
جعل الولاية بعده لمهذب
ما كان يجعلها لغير مهذب
وله مناقب لا ترام متى يرد
ساع تناول بعضها بتذبذب
انا ندين بحب آل محمد
دينا ومن يحببهم يستوجب
منا المودة والولاء ومن يرد
بدلا بل محمد لا يحبب
ومتى يمت يرد الجحيم ولا يرد
حوض الرسول وان يرده يضرب
ضرب المحاذر ان تعر ركابه
بالسوط سالفة البعير الاجرب
وكان قلبي حين يذكر احمدا
ووصي احمد نيط من ذي مخلب
بذرى القوادم من جناح مصعد
في الجو او بذرى جناح مصوب
حتى يكاد من النزاع اليهما
يفري الحجاب عن الضلوع القلب
هبة وما يهب الاله لعبده
يزدد ومهما لا يهب لا يوهب
يمحو ويثبت ما يشاء وعنده
علم الكتاب وعلم مالم يكتب
هذه القصيدة ذات (112) بيتا تسمى بالمذهبة، شرحها سيد
الطائفة الشريف المرتضى((920)) ، علم الهدى، وطبعت
بمصر(1313)، وقال في شرح قوله:
وانصب ابا حسن لقومك انه
هاد وما بلغت ان لم تنصب
هذا اللفظ يعني النصب لا يليق الا بالامامة والخلافة دون
المحبة والنصرة، وقوله: جعل الولاية بعده لمهذب صريح
في‏الامامة، لان الامامة هي التي جعلت له بعده، والمحبة
والنصرة حاصلتان في الحال وغير مختصتين بعد الوفاة.
وشرحها ايضا الحافظ النسابة الاشرف ابن الاغر المعروف بتاج
العلى الحسيني المتوفى(610).
3
خف يا محمد فالق الاصباح
وازل فساد الدين بالاصلاح
اتسب صنو محمد ووصيه
ترجو بذاك الفوز بالانجاح
هيهات قد بعدا عليك وقربا
منك العذاب وقابض الارواح
اوصى النبي له بخير وصية
يوم الغدير بابين الافصاح
من كنت مولاه فهذا واعلموا
مولاه قول اشاعة وصراح
قاضي الديون ومرشد لكم كما
قد كنت ارشد من هدى وفلاح
اغويت امي وهي جد ضعيفة
فجرت بقاع الغي جري جماح
بالشتم للعلم الامام ومن له
ارث النبي باوكد الايضاح
اني اخاف عليكما سخط الذي
ارسى الجبال بسبسب صحصاح
ابوي فاتقيا الاله واذعنا
للحق((921))
هذه الابيات رواها المرزباني((922))، كتبها السيد الى والديه
يدعوهما الى التشيع وولاء امير المؤمنين، وينهاهما عن
سبه،وكانا اباضيين.
4
اذا انا لم احفظ وصاة محمد
ولا عهده يوم الغدير المؤكدا
فاني كمن يشري الضلالة بالهدى
تنصر من بعد الهدى او تهودا
ومالي وتيما او عديا وانما
اولو نعمتي في اللّه من آل احمدا
تتم صلاتي بالصلاة عليهم
وليست صلاتي بعد ان اتشهدا
بكاملة ان لم اصل عليهم
وادع لهم ربا كريما ممجدا
بذلت لهم ودي ونصحي ونصرتي
مدى الدهر ما سميت يا صاح سيدا
وان امرا يلحي على صدق ودهم
احق واولى فيهم ان يفندا
فان شئت فاختر عاجل الغم ضلة
والا فامسك كي تصان وتحمدا
هذه القصيدة يوجد منها (25) بيتا. روى ابو الفرج في
الاغاني((923)) (7/262):
ان ابا الخلا ل العتكي دخل على عقبة بن سلم، والسيد عنده
وقد امر له بجائزة، وكان ابو الخلا ل شيخ العشيرة
وكبيرها،فقال له: ايها الامير اتعط‏ي هذه العطايا رجلا ما يفتر
من سب ابي بكر وعمر؟ فقال له عقبة: ما علمت ذاك، وما
اعطيته‏الا على العشرة والمودة القديمة، وما يوجبه حقه
وجواره مع ما هو عليه من موالاة قوم يلزمنا حقهم ورعايتهم.
فقال له‏ابو الخلا ل: فمره ان كان صادقا ان يمدح ابا بكر وعمر
حتى نعرف براءته مما ينسب اليه من الرفض. فقال: قد سمعك
فان‏شاء فعل. فقال السيد:
اذا انا لم احفظ وصاة محمد
ولا عهده يوم الغدير المؤكدا
الى آخر الابيات، ثم نهض مغضبا.
فقام ابو الخلا ل الى عقبة فقال: اعذني من شره اعاذك اللّه من
السوء ايها الامير، قال: قد فعلت على ان لا تعرض له‏بعدها.
5
قد اطلتم في العذل والتنقيد
بهوى السيد الامام السديد
يقول فيها:
يوم قام النبي في ظل دوح
والورى في وديقة صيخود((924))
رافعا كفه بيمنى يديه
بائحا باسمه بصوت مديد
ايها المسلمون هذا خليلي
ووزيري ووارثي وعقيدي
وابن عمي الا فمن كنت مولاه
فهذا مولاه فارعوا عهودي
وعلي مني بمنزل هارون
بن عمران من اخيه الودود
6
اجد بل فاطمة البكور
فدمع العين منهل غزير
يقول فيها:
لقد سمعوا مقالته بخم
غداة يضمهم وهو الغدير
فمن اولى بكم منكم فقالوا
مقالة واحد وهم الكثير
جميعا انت مولانا واولى
بنا منا وانت لنا نذير
فان وليكم بعدي علي
ومولاكم هو الهادي الوزير
وزيري في الحياة وعند موتي
ومن بعدي الخليفة والامير
فوالى اللّه من والاه منكم
وقابله لدى الموت السرور
وعادى اللّه من عاداه منكم
وحل به لدى الموت الثبور
7
الا الحمد للّه حمدا كثيرا
ولي المحامد ربا غفورا
هداني اليه فوحدته
واخلصت توحيده المستنيرا
ويقول فيها:
لذلك ما اختاره ربه
لخير الانام وصيا ظهيرا
فقام بخم بحيث الغدير
وحط الرحال وعاف المسيرا
وقم له الدوح ثم ارتقى
على منبر كان رحلا وكورا
ونادى ضحى باجتماع الحجيج
فجاءوا اليه صغيرا كبيرا
فقال وفي كفه حيدر
يليح اليه مبينا مشيرا
الا ان من انا مولى له
فمولاه هذا قضا لن يجورا
فهل انا بلغت قالوا نعم
فقال اشهدوا غيبا او حضورا
يبلغ حاضركم غائبا
واشهد ربي السميع البصيرا
فقوموا بامر مليك السما
يبايعه كل عليه اميرا
فقاموا لبيعته صافقين
اكفا فاوجس منهم نكيرا
فقال الهي وال الولي
وعاد العدو له والكفورا
وكن خاذلا للالى يخذلون
وكن للالى ينصرون نصيرا
فكيف ترى دعوة المصطفى
مجابا بها او هباء نثيرا
احبك يا ثاني المصطفى
ومن اشهد الناس فيه الغديرا
واشهد ان النبي الامين
بلغ فيك نداء جهيرا
وان الذين تعادوا عليك
سيصلون نارا وساءت مصيرا
8
قف بالديار وحيهن ديارا
واسق الرسوم المدمع المدرارا
كانت تحل بها النوار وزينب
فرعى الهي زينبا ونوارا
قل للذي عادى وصي محمد
وابان لي من لفظه انكارا
يقول فيها:
من خاصف نعل النبي محمد
يرضي بذاك الواحد الغفارا
فيقول فيه معلنا خير الورى
جهرا وما ناجى به اسرارا
هذا وصيي فيكم وخليفتي
لا تجهلوه فترجعوا كفارا
وله بيوم الدوح اعظم خطبة
ادى بها وحي الاله جهارا
9
بلغ سوار بن عبداللّه العنبري قاضي البصرة قول شاعرنا السيد
الحميري في حديث الطائر المشوي المتفق عليه:
لما اتى بالخبر الانبل
في طائر اهدي الى المرسل
في خبر جاء ابان به
عن انس في الزمن الاول
هذا وقيس الحبر يرويه عن
سفينة ذي القلب الحول
سفينة يمكن من رشده
وانس خان ولم يعدل
في رده سيد كل الورى
مولاهم في المحكم المنزل
فصده ذو العرش عن رشده
وشانه بالبرص الانكل
فقال سوار: ما يدع هذا احدا من الصحابة الا رماه بشعر يظهر
عواره، وامر بحبسه، فاجتمع بنو هاشم والشيعة، وقالوا له:واللّه
لئن لم تخرجه والا كسرنا الحبس واخرجناه، ايمتدحك شاعر
فتثيبه ويمتدح اهل البيت شاعر فتحبسه؟ فاطلقه على‏مضض،
فقال يهجوه:
قولا لسوار ابي شملة
يا واحدا في النوك والعار
ما قلت في الطير خلاف الذي
رويته انت بثار
وخبر المسجد اذ خصه
محللا من عرصة الدار
ان جنبا كان وان طاهرا
في كل اعلان واسرار
واخرج الباقين منه معا
بالوحي من انزال جبار
حبا عليا وحسينا معا
والحسن الطهر لاطهار
وفاطما اهل الكساء الالى
خصوا باكرام وايثار
فمبغض اللّه يرى بغضهم
يصير للخزي وللنار
عليه من ذي العرش في فعله
وسم يراه العائب الزاري
وانت يا سوار راس لهم
في كل خزي طالب الثار
تعيب من آخاه خير الورى
من بين اطهار واخيار
وقال في خم له معلنا
ما لم يلقوه بانكار
من كنت مولاه فهذا له
مولى فكونوا غير كفار
فعولوا بعدي عليه
ولا تبغوا سراب المهمه الجاري((925))
وقال يهجو سوار القاضي بعد موته((926)):
يا من غدا حاملا جثمان سوار
من داره ظاعنا منها الى النار
لا قدس اللّه روحا كان هيكلها
لقد مضت بعظيم الخزي والعار
حتى هوت قعر برهوت معذبة
وجسمه في كنيف بين اقذار
لقد رايت من الرحمن معجبة
فيه واحكامه تجري بمقدار
فاذهب عليك من الرحمن بهلته((927))يا شر حي يراه
الواحد الباري
يا مبغضا لامير المؤمنين وقد
قال النبي له من دون انكار
يوم الغدير وكل الناس قد حضروا
من كنت مولاه في سر واجهار
هذا اخي ووصيي في الامور ومن
يقوم فيكم مقامي عند تذكاري
يا رب عاد الذي عاداه من بشر
واصله في جحيم ذات اسعار
وانت لاشك عاديت الاله به
فيا جحيم الا هبي لسوار
10
لام عمرو باللوى مربع
طامسة اعلامها بلقع
تروع عنها الطير وحشية
والوحش من خيفته تفزع
رقش يخاف الموت من نفثها
والسم في انيابها منقع
برسم دار ما بها مؤنس
الا صلال في الثرى وقع
لما وقفت العيس في رسمها
والعين من عرفانه تدمع
ذكرت من قد كنت الهو به
فبت والقلب شج موجع
كان بالنار لما شفني
من حب اروى كبدي تلذع
عجبت من قوم اتوا احمدا
بخطة ليس لها موضع
قالوا له لو شئت اعلمتنا
الى من الغاية والمفزع
اذا توفيت وفارقتنا
وفيهم في الملك من يطمع
فقال لو اعلمتكم مفزعا
كنتم عسيتم فيه ان تصنعوا
صنيع اهل العجل اذ فارقوا
هارون فالترك له اوسع
وفي الذي قال بيان لمن
كان اذا يعقل او يسمع
ثم اتته بعد ذا عزمة
من ربه ليس لها مدفع
بلغ والا لم تكن مبلغا
واللّه منهم عاصم يمنع
فعندها قام النبي الذي
كان بما يؤمر به يصدع
يخطب مامورا وفي كفه
كف علي ظاهر تلمع
رافعها اكرم بكف الذي
يرفع والكف التي ترفع
يقول والاملاك من حوله
واللّه فيهم شاهد يسمع
من كنت مولاه فهذا له
مولى فلم يرضوا ولم يقنعوا
فاتهموه وحنت فيهم
على خلاف الصادق الاضلع
وضل قوم غاظهم فعله
كانما آنافهم تجدع
حتى اذا واروه في لحده
وانصرفوا عن دفنه ضيعوا
ما قال بالامس واوصى به
واشتروا الضر بما ينفع
القصيدة (54) بيتا
ما يتبع الشعر
عن فضيل الرسان قال: دخلت على جعفر بن محمد(ع) اعزيه
عن عمه زيد، ثم قلت: الا انشدك شعر السيد؟ فقال:((انشد))،
فانشدته قصيدة يقول فيها:
فالناس يوم البعث راياتهم
خمس فمنها هالك اربع
قائدها العجل وفرعونهم
وسامري الامة المفظع
ومارق من دينه مخرج
اسود عبد لكع اوكع
وراية قائدها وجهه
كانه الشمس اذا تطلع
فسمعت نحيبا من وراء الستور، فقال: ((من قائل هذا الشعر؟)).
فقلت: السيد. فقال: ((رحمه اللّه)). فقلت: جعلت فداك،
اني‏رايته يشرب الخمر. فقال: ((رحمه اللّه فما ذنب على اللّه ان
يغفره لال علي، ان محب علي لا تزل له قدم الا تثبت له
اخرى)).الاغاني((928)) (7/251).
ورواه ايضا في الاغاني((929)) (7/241) وفيه: فسالني لمن
هي؟ فاخبرته انها للسيد، وسالني عنه فعرفته
وفاته((930)).فقال: ((رحمه اللّه)). قلت: اني رايته يشرب
النبيذ في الرستاق. قال: ((اتعني الخمر؟)). قلت: نعم. قال:
((وما خطر ذنب عنداللّه ان يغفره لمحب علي(ع)؟)).
وروى الحافظ المرزباني في اخبار السيد((931))، عن فضيل،
قال: دخلت على ابي عبداللّه(ع) بعد قتل زيد، فجعل
يبكي‏ويقول: ((رحم اللّه زيدا انه للعالم الصدوق، ولو ملك امرا
لعرف اين يضعه)).
فقلت: انشدك شعر السيد؟ فقال: ((امهل قليلا)). وامر بستور
فسدلت، وفتحت ابواب غير الاولى، ثم قال: ((هات ماعندك)).
فانشدته:
لام عمرو باللوى مربع
طامسة اعلامها بلقع
وذكر (13)بيتا.
فسمعت نحيبا من وراء الستور ونساء يبكين، فجعل يقول:
((شكرا لك يا اسماعيل قولك)). فقلت له: يا مولاي انه
يشرب‏نبيذ الرساتيق. فقال: ((يلحق مثله التوبة، ولا يكبر على
اللّه ان يغفر الذنوب لمحبنا و مادحنا)).
ورواه الكشي في رجاله((932)) (ص‏184) بتغيير يسير في
بعض الفاظه.
وروى ابو الفرج في الاغاني((933)) (7/251) عن زيد بن
موسى بن جعفر(ع) انه قال: رايت رسول اللّه(ص) في
النوم،وقدامه رجل جالس عليه ثياب بيض، فنظرت اليه فلم
اعرفه، اذ التفت اليه رسول اللّه فقال: يا سيد انشدني قولك:
لام عمرو باللوى مربع
طامسة اعلامها بلقع
فانشده اياها كلها ما غادر منها بيتا واحدا، فحفظتها عنه كلها
في النوم. قال ابو اسماعيل: وكان زيد بن موسى لحانة‏ردي‏ء
الانشاد، فكان اذا انشد هذه القصيدة لم يتتعتع فيها ولم يلحن،
وهذا الحديث رواه الحافظ المرزباني في اخبارالسيد((934)).
وفي الاغاني((935)) (7/279) عن ابي داود المسترق عن
السيد: انه راى النبي(ص) في النوم فاستنشده فانشد قوله:
لام عمرو باللوى مربع
طامسة اعلامها بلقع
حتى انتهى الى قوله:
قالوا له لو شئت اعلمتنا
الى من الغاية والمفزع
فقال: حسبك. ثم نفض يده وقال: قد واللّه اعلمتهم.
وقال الشريف الرضي في خصائص الائمة((936)): حكي ان زيد
بن موسى بن جعفر بن محمد(ع) راى رسول اللّه(ص)
في‏المنام كانه جالس مع امير المؤمنين(ع) في موضع عال
شبيه بالمسناة وعليها مراق، فاذا منشد ينشد قصيدة السيد بن
محمدالحميري هذه، واولها:
لام عمرو باللوى مربع
طامسة اعلامها بلقع
حتى انتهى الى قوله:
قالوا له لو شئت اعلمتنا
الى من الغاية والمفزع
قال: فنظر رسول اللّه(ص) الى امير المؤمنين(ع) وتبسم وقال:
اولم اعلمهم؟ اولم اعلمهم؟ اولم اعلمهم؟ ثم قال لزيد:
انك‏تعيش بعدد كل مرقاة رقيتها سنة واحدة.
قال: فعددت المراقي وكانت نيفا وتسعين مرقاة، فعاش زيد
نيفا وتسعين سنة، وهو الملقب بزيد النار.
قال العلا مة المجلسي في بحار الانوار((937)) (11/150):
وجدت في بعض تاليفات اصحابنا انه روى باسناده عن سهل
بن‏ذبيان، قال: دخلت على الامام علي بن موسى الرضا(ع) في
بعض الايام قبل ان يدخل عليه احد من الناس، فقال
لي:((مرحبا بك يا ابن ذبيان، الساعة اراد رسولنا ان ياتيك
لتحضر عندنا)). فقلت: لماذا ياابن رسول اللّه؟ فقال:
((لمنام‏رايته‏البارحة، وقد ازعجني وارقني)). فقلت: خيرا يكون
ان شاء اللّه تعالى. فقال: ((ياابن ذبيان، رايت كاني قد ن صب
لي‏سلم‏فيه مائة مرقاة فصعدت الى اعلاه)). فقلت: يا مولاي،
اهنيك بطول العمر، وربما تعيش مائة سنة. فقال(ع): ((ماشاء
اللّهكان)).
ثم قال: ((ياابن ذبيان، فلما صعدت الى اعلى السلم رايت كاني
دخلت في قبة خضراء يرى ظاهرها من باطنها، ورايت‏جدي
رسول اللّه جالسا والى يمينه وشماله غلامان حسنان يشرق
النور من وجههما، ورايت امراة بهية الخلقة، ورايت بين‏يديه
شخصا بهي الخلقة جالسا عنده، ورايت رجلا واقفا بين يديه
وهو يقرا:
لام عمرو باللوى مربع
طامسة اعلامها بلقع
فلما رآني النبي قال لي: مرحبا بك يا ولدي يا علي بن موسى
الرضا، سلم على ابيك علي. فسلمت عليه، ثم قال لي: سلم‏على
امك فاطمة الزهراء(ع)، فسلمت عليها، فقال لي: فسلم على
ابويك الحسن والحسين. فسلمت عليهما، ثم قال لي:وسلم
على شاعرنا ومادحنا في دار الدنيا السيد اسماعيل الحميري.
فسلمت عليه وجلست، فالتفت النبي الى السيداسماعيل، وقال
له: عد الى ما كنا فيه من انشاد القصيدة، فانشد يقول:
لام عمرو باللوى مربع
طامسة اعلامها بلقع
فبكى النبي(ص)، فلما بلغ الى قوله:
ووجهه كالشمس اذ تطلع
بكى النبي وفاطمة ومن معه، ولما بلغ الى قوله:
قالوا له لو شئت اعلمتنا
الى من الغاية والمفزع
رفع النبي(ص) يديه، وقال: الهي انت الشاهد علي وعليهم اني
اعلمتهم ان الغاية والمفزع علي بن ابي طالب، واشار بيده‏اليه
وهو جالس بين يديه.
قال علي بن موسى الرضا: فلما فرغ السيد اسماعيل الحميري
من انشاد القصيدة التفت النبي الي وقال لي: يا علي بن
موسى‏احفظ هذه القصيدة ومر شيعتنا بحفظها واعلمهم ان
من حفظها وادمن قراءتها ضمنت له الجنة على اللّه تعالى.
قال الرضا: ولم يزل يكررها علي حتى حفظتها منه، والقصيدة
هذه. ثم ذكرها برمتها)).