درس دين واخلاق

  الغدير
درس دين واخلاق

لعل الباحث لا يخفى عليه ان كل سواة وعورة ذكر بها المترجم له في التاريخ الصحيح، وما يعزى اليه وعرف به من‏المساوئ في طيات تلكم الكلمات الصادقة المذكورة، من الوضاعة، والغواية، والغدر، والمكر، والحيلة، والخدعة، والخيانة،والفجور، ونقض العهد، وكذب القول، وخلف الوعد، وقطع الال، والحقد، والوقاحة، والحسد، والرياء، والشح، والبذاء،والسفه، والوغادة، والجور، والظلم، والمراء، والدناءة، واللؤم، والملق، والجلافة، والبخل، والطمع، واللدد، وعدم الغيرة على‏حليلته، الى غير ذلك من المعاير النفسية واضداد مكارم الاخلاق، ليست هذه كلها الا من علائم النفاق، ومن رشحات‏عدم الاسلام المستقر، وانتفاء الايمان باللّه وبما جاء به النبي الاقدس، اذ الاسلام الصحيح هو المصلح الوحيد للبشر،ومهذب النفس بمكارم الاخلاق، ومجتمع الفضائل، واساس كل فضل وفضيلة، واصل كل محمدة ومكرمة، وبه يتاتى‏الصلاح في النفوس مهما سرى الايمان من عاصمة مملكة البدن القلب الى سائر الاعضاء والجوارح واحتلهاواستقربها.

وذلك ان مثل الايمان في المملكة البدنى ة الجامعة لشتات آحاد الجوارح والاعضاء كمثل دستور الحكومات في الممالك‏الجامعة لافراد الاشخاص، فكما ان القوانين المقررة في الحكومات والدول مبثوثة في الافراد، وكل فرد من المجتمع له‏تكليف يخص به، وواجب يحق عليه ان يقوم به، وحد محدود يجب عليه رعايته، وبصلاح الافراد وقيام كل فرد منهم‏بواجبه يتم صلاح المجتمع، ويحصل التقدم والرقي في الحكومات، كذلك الايمان في المملكة البدنية فانه قوانين مبثوثة في‏الاعضاء والجوارح العاملة فيها، ولكل منها بنص الذكر الحكيم تكليف يخص به، وحد معين في السنة يجب عليه رعايته‏والتحفظ به، واخذ كل بما وجب عليه هو ايمانه وبه يحصل صلاحه، فواجب القلب غير فريضة اللسان، وفريضته غيرواجب الاذن، وواجبها غير ما كلف به البصر، وفرضه غير واجب اليدين وواجبهما غير تكليف الرجلين وهكذا وهكذا،وان السمع والبصر والفؤاد كل اولئك كان عنه مسؤولا، وهذا البيان يستفاد من قول النبي(ص) فيما اخرجه الحافظ ابن‏ماجة في سننه ((2-770))(1/35): ((الايمان معرفة بالقلب، وقول باللسان، وعمل بالاركان)) ((2-771)). وقوله(ص): ((الايمان بضع وسبعون شعبة، فافضلها لا اله الا اللّه، وادناها اماطة الاذى عن الطريق، والحياء شعبة من‏الايمان)) ((2-772)). ومن هنا يقبل الايمان ضعفا وقوة، وزيادة ونقصا، ويتصف الانسان في آن واحد بطرفي السلب والايجاب باعتبارين،فيثبت له الايمان من جهة وينفى عنه باخرى، ومن هنا يعلم معنى قوله(ص): ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولايسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) ((2-773)). فلا يتاتى صلاح المملكة البدنية الا بالسلم العام وقيام جميع اجزائها بواجبها، وامتثال كل فرد منها فيما فرض عليه، ولايكمل الايمان الا بتحقق شعبه.

وكما ان انتفاء الايمان عن كل عضو وجارحة مكلفة يكشف عن ضعف ايمان القلب وتضعضع حكومة الاسلام فيه، اذ هوامير البدن ولا ترد الجوارح ولا تصدر الا عن رايه وامره، كذلك الصفات النفسية، فان منها ما هو الكاشف عن قوة‏الايمان القلبي وضعفه كما ورد في النبوي الشريف، فيما اخرجه الحافظ المنذري في الترغيب والترهيب ((2-774))(3/171): ((ان المرء ليكون مؤمنا وان في خلقه شيئا فينقص ذلك من ايمانه)). ومنها ما يلازم النفاق ولا يفارقه ولا يجتمع مع شي‏ء من الايمان وان صلى صاحبه وصام، وبه عرف المنافق في القرآن‏العزيز. فاليك ما ورد عن النبي الاقدس في كثير من الصفات المذكورة المعزوة الى المترجم له، حتى تكون على بصيرة من الامر،فلا يغرنك تقلب الذين طغوا في البلاد واكثروا فيها الفساد.

1 ((آية المنافق ثلاث: اذا حدث كذب. واذا وعد اخلف. واذا ائتمن خان)). اخرجه: البخاري ومسلم، وفي رواية مسلم: ((وان صام وصلى وزعم انه مسلم)) ((2-775)).

2 ((اربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: اذا ائتمن‏خان، واذا حدث كذب، واذا عاهد غدر، واذا خاصم فجر)). اخرجه: البخاري، ومسلم، ابو داود، الترمذي، النسائي ((2-776)).

3 ((لا ايمان لمن لا امانة له، ولا دين لمن لا عهد له)). اخرجه: احمد، البزار، الطبراني، ابن حبان، ابو يعلى، البيهقي ((2-777)).

4 ((المسلم من سلم المسلمون من يده ولسانه)). متفق عليه.

5 ((الكذب مجانب للايمان)). ابن عدي، والبيهقي ((2-778)).

6 ((المكر والخديعة في‏النار)). الديلمي ((2-779))، القضاعي.

7 ((المؤمن ليس بحقود)). الغزالي، ابن الديبع ((2-780)).

8 ((لا ايمان لمن لا حياء له)). ابن حبان، ابن الديبع ((2-781)).

9 ((الحسد يفسد الايمان كما يفسد الصبر العسل)). الديلمي، ابن الديبع ((2-782)).

10 ((الغيرة من الايمان والبذاء من النفاق)). الديلمي، القضاعي، ابن الديبع ((2-783)).

11 ((اليسير من الرياء شرك، ومن عادى اولياء اللّه فقد بارز اللّه بالمحاربة)). ابن ماجة، الحاكم، البيهقي ((2-784)).

12 ((من ارضى سلطانا بما يسخط به ربه خرج من دين اللّه)). الحاكم ((2-785)).

13 ((الحياء من الايمان)) . البخاري، مسلم، ابو داود، الترمذي، النسائي، ابن ماجة ((2-786)).

14 ((سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر)). البخاري، مسلم، الترمذي، النسائي، ابن ماجة ((2-787)).

15 ((لا يجتمع في جوف عبد الايمان والحسد)). ابن حبان، البيهقي ((2-788)).

16 ((الشح والعجز والبذاء من النفاق)). الطبراني، ابو الشيخ ((2-789)).

17 ((لا يجتمع شح وايمان في قلب عبد ابدا)). النسائي، ابن حبان، الحاكم ((2-790)).

18 ((خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل، وسوء الخلق)). البخاري، الترمذي وغيرهما ((2-791)).

19 ((المؤمن غر كريم، والفاجر خب ((2-792)) لئيم)). ابو داود، الترمذي، احمد ((2-793)).

20 ((ان الرجل لا يكون مؤمنا حتى يكون قلبه مع لسانه سواء، ويكون لسانه مع قلبه سواء، ولا يخالف قوله عمله)).الاصبهاني ((2-794)).

21 ((الحياء والايمان قرناء جميعا، فاذا رفع احدهما رفع الاخر)). الحاكم، الطبراني ((2-795)).

22 ((ان اللّه عز وجل اذا اراد ان يهلك عبدا نزع منه الحياء، فاذا نزع منه‏الحياء لم تلقه الا مقيتا ممقتا نزعت منه الامانة، فاذانزعت منه الامانة لم تلقه الا خائنا مخونا، فاذا لم تلقه الا خائنا مخونا نزعت منه الرحمة، فاذا نزعت منه الرحمة لم تلقه الا رجيما ملعنا، فاذا لم تلقه‏الا رجيما ملعنا نزعت منه ربقة‏الاسلام)) ابن ‏ماجة، والمنذري ((2-796)).