عبد اللّه المرقال وعمرو

  الغدير
عبد اللّه المرقال وعمرو

كان في نفس معاوية من يوم صفين احن على هاشم بن عتبة بن ابي وقاص المرقال وولده عبد اللّه، فلما استعمل معاوية‏زيادا على العراق كتب اليه: اما بعد: فانظر عبد اللّه بن هاشم، فشد يده الى عنقه، ثم ابعث به الي، فحمله زياد من البصرة مقيدا مغلولا الى دمشق،وقد كان زياد طرقه بالليل في منزله بالبصرة، فادخل الى معاوية وعنده عمرو بن العاص، فقال معاوية لعمرو بن العاص:هل تعرف هذا؟ قال: لا. قال: هذا الذي يقول ابوه يوم صفين:

اني شريت النفس لما اعتلا / واكثر اللوم وما اقلا

اعور يبغي اهله محلا / قد عالج الحياة حتى ملا

لابد ان يفل او يفلا / اسلهم بذي الكعوب سلا

لا خير عندي في كريم ولى

فقال عمرو متمثلا:

وقد ينبت المرعى على دمن الثرى / وتبقى حزازات النفوس كماهيا

وانه لهو، دونك يا امير المؤمنين الضب المضب ((2-755))، فاشخب اوداجه على اسباجه اثباجه ولا ترجعه الى اهل‏العراق فانهم اهل فتنة ونفاق، وله مع ذلك هوى يرديه وبطانة تغويه، فوالذي نفسي بيده لئن افلت من حبائلك‏ليجهزن‏اليك جيشا تكثر صواهله لشر يوم لك. فقال عبد اللّه وهو المقى د: يا ابن الابتر هلا كانت هذه الحماسة عندك يوم صفين؟ ونحن ندعوك الى البراز، وانت تلوذبشمائل الخيل كالامة السوداء والنعجة القوداء، اما انه ان قتلني قتل رجلا كريم المخبرة، حميد المقدرة، ليس بالحبس‏المنكوس، ولا الثلب ((2-756)) المركوس ((2-757)). فقال عمرو: دع كيت وكيت، فقد وقعت بين لحيي لهذم ((2-758)) فروس‏للاعداء، يسعطك اسعاط ((2-759)) الكودن ((2-760)) الملجم. قال عبد اللّه: اكثر اكثارك، فاني اعلمك بطرا في الرخاء، جبانا في اللقاء، عيابة عند كفاح الاعداء، ترى ان تقي مهجتك بان‏تبدي سواتك، انسيت صفين وانت تدعى الى النزال؟ فتحيد عن القتال، خوفا ان يغمرك رجال لهم ابدان شداد، واسنة‏حداد، ينهبون السرح، ويذلون العزيز. فقال عمرو: لقد علم معاوية اني شهدت تلك المواطن، فكنت فيها كمدرة الشوك،ولقد رايت اباك في بعض تلك المواطن تخفق احشاؤه، وتنق امعاؤه. قال: اما واللّه لو لقيك ابي في ذلك المقام، لارتعدت منه‏فرائصك، ولم تسلم منه مهجتك، ولكنه قاتل غيرك، فقتل دونك. فقال معاوية: الا تسكت؟! لا ام لك. فقال: يا ابن هنداتقول لي هذا؟ واللّه لئن شئت لاعرقن جبينك، ولاقيمنك وبين عينيك وسم يلين له خدعاك، اباكثر من الموت تخوفني؟فقال معاوية: اوتكف يا ابن اخي؟ وامر باطلاق عبد اللّه، فقال عمرو لمعاوية:

امرتك امرا حازما فعصيتني / وكان من التوفيق قتل ابن هاشم

اليس ابوه يا معاوية‏الذي / اعان عليا يوم حز الغلاصم ((2-761))

فلم ينثني حتى جرت من دمائنا / بصفين امثال البحور الخضارم ((2-762))

وهذا ابنه والمرء يشبه شيخه ((2-763)) / ويوشك ان تقرع به سن نادم

فقال عبد اللّه يجيبه:

معاوي ان المرء عمرا ابت له / ضغينة صدر غشها غير نائم

يرى لك قتلي يا ابن هند وانما / يرى ما يرى عمرو ملوك الاعاجم

على انهم لا يقتلون اسيرهم / اذا كان منه بيعة للمسالم

وقد كان منا يوم صفين نقرة / عليك جناها هاشم وابن هاشم

قضى ما انقضى‏منها وليس‏الذي مضى / ولا ماجرى الا كاضغاث حالم

فان تعف عني تعف عن ذي قرابة / وان تر قتلي تستحل محارمي

فقال معاوية:

ارى العفو عن عليا قريش وسيلة / الى اللّه في اليوم العصيب القماطر ((2-764))

ولست ارى قتل العداة ابن هاشم / بادراك ثاري في لؤي وعامر

بل العفو عنه بعدما بان جرمه / وزلت به احدى الجدود العواثر

فكان ابوه يوم صفين جمرة‏ / علينا فاردته رماح النهابر ((2-765))

كتاب صفين لابن مزاحم ((2-766))(ص‏182)، كامل المبرد ((2-767))(1/181)، مروج الذهب ((2-768))(2/57 59)، شرح ابن ‏ابي الحديد ((2-769))(2/176).