قال محمد بن مسلمة: فدخلوا يومئذ فما سلموا عليه بالخلافة،
فعرفت انه الشر بعينه، قالوا: سلام عليكم،فقلنا: وعليكم السلام.
قال: فتكلم القوم وقد قدموا في كلامهم ابن عديس، فذكر ما
صنع ابن سعد بمصروذكر تحاملا منه على المسلمين واهل
الذمة وذكر استئثارا منه في غنائم المسلمين، فاذا قيل له في
ذلك قال:هذا كتاب‏امير المؤمنين الي، ثم ذكروا اشياء مما
احدث بالمدينة وما خالف به صاحبيه، قال: فرحلنا من‏مصر
ونحن لا نريد الا دمك او تنزع، فردنا علي ومحمد بن مسلمة
وضمن لنا محمد النزوع عن كل ماتكلمنا فيه، ثم اقبلوا على
محمد بن مسلمة فقالوا: هل قلت ذاك لنا؟ قال محمد: فقلت:
نعم. ثم رجعنا الى‏بلادنا نستظهر باللّه عز وجل عليك ويكون
حجة لنا بعد حجة، حتى اذا كنا بالبويب ((663)) اخذنا
غلامك‏فاخذنا كتابك وخاتمك الى عبداللّه بن سعد تامره فيه
بجلد ظهورنا، والمثل بنا في اشعارنا، وطول الحبس لنا،وهذا
كتابك، قال: فحمد اللّه عثمان واثنى عليه ثم قال: واللّه ما
كتبت ولا امرت ولا شوورت ولا علمت،قال: فقلت وعلي
جميعا: قد صدق. قال: فاستراح اليها عثمان، فقال المصريون:
فمن كتبه؟ قال: لا ادري. قال:افيجترا عليك فيبعث غلامك
وجمل من صدقات المسلمين، وينقش على خاتمك، ويكتب
الى عاملك بهذه‏الامور العظام وانت لا تعلم؟ قال: نعم. قالوا.
فليس مثلك يلي، اخلع نفسك من هذا الامر كما خلعك اللّه
منه.قال: لا انزع قميصا البسنيه اللّه عز وجل. قال: وكثرت
الاصوات واللغط فما كنت اظن انهم يخرجون حتى‏يواثبوه قال:
وقام علي فخرج، فلما قام علي قمت وقال للمصريين: اخرجوا،
فخرجوا، ورجعت الى منزلي‏ورجع علي الى منزله فما برحوا
محاصريه حتى قتلوه.
واخرج الطبري من طريق عبدالرحمن بن يسار ان الذي كان
معه هذه الرسالة من جهة عثمان الى مصر ابوالاعور السلمي
((664)) وهو الذي كان يدعو عليه امير المؤمنين (ع) في
قنوته مع اناس كما مر حديثه في(2/132)، وذكره ابن ابي
الحديد في شرحه ((665)) (1/165).
واخرج من طريق عثمان بن محمد الاخنسي قال: كان حصر
عثمان قبل قدوم اهل مصر، فقدم اهل مصريوم الجمعة، وقتلوه
في الجمعة الاخرى. تاريخ الطبري ((666)) (5/132).

الخليفة تواب عواد
اخرج الطبري من طريق سفيان بن ابي العوجاء، قال: قدم
المصريون القدمة الاولى، فكلم عثمان محمد بن‏مسلمة، فخرج
في خمسين راكبا من الانصار، فاتوهم بذي خشب فردهم،
ورجع القوم حتى اذا كانوابالبويب وجدوا غلاما لعثمان معه
كتاب الى عبداللّه بن سعد، فكروا وانتهوا الى المدينة وقد
تخلف بها من‏الناس الاشتروحكيم بن جبلة فاتوا بالكتاب، فانكر
عثمان ان يكون كتبه، وقال: هذا مفتعل. قالوا:فالكتاب كتاب
كاتبك؟ قال: اجل، ولكنه كتبه بغير اذني. قالوا: فالجمل
جملك؟ قال: اجل، ولكنه اخذ بغيرعلمي. قالوا: ما انت الا
صادق او كاذب، فان كنت كاذبا فقد استحققت الخلع لما امرت
به من سفك دمائنابغير حقها، وان كنت صادقا فقد استحققت
ان تخلع لضعفك وغفلتك وخبث بطانتك، لانه لا ينبغي لنا
ان‏نترك على رقابنا من يقتطع مثل [هذا] ((667)) الامر دونه
لضعفه وغفلته، وقالوا له: انك ضربت رجالامن‏اصحاب النبي
(ص) وغيرهم حين يعظونك ويامرونك بمراجعة‏الحق عندما
يستنكرون من اعمالك، فاقدمن نفسك من ضربته وانت له
ظالم، فقال: الامام يخطئ ويصيب فلا اقيد من نفسي، لاني لو
اقدت كل من‏اصبته بخطا آتي على نفسي. قالوا: انك قد
احدثت احداثا عظاما فاستحققت بها الخلع، فاذا كلمت
فيهااعطيت التوبة، ثم عدت اليها والى مثلها، ثم قدمنا عليك
فاعطيتنا التوبة والرجوع الى الحق، ولامنا فيك‏محمد بن
مسلمة، وضمن لنا ما حدث من امر، فاخفرته فتبرا منك وقال:
لا ادخل في امره، فرجعنا اول مرة‏لنقطع حجتك ونبلغ اقصى
الاعذار اليك، نستظهر باللّه عز وجل عليك، فلحقنا كتاب منك
الى عاملك عليناتامره فينا بالقتل والقطع والصلب. وزعمت انه
كتب بغير علمك وهو مع غلامك وعلى جملك
وبخطكاتبك‏وعليه خاتمك، فقد وقعت عليك بذلك التهمة
القبيحة، مع ما بلونا منك قبل ذلك من الجور في
الحكم‏والاثرة في القسم والعقوبة للامر بالتبس ط من الناس،
والاظهار للتوبة، ثم الرجوع الى الخطيئة، ولقدرجعنا عنك وما
كان لنا ان نرجع حتى نخلعك ونستبدل بك من اصحاب
رسول اللّه (ص) من لم يحدث‏مثل ما جربنا منك، ولم يقع عليه
من التهمة ما وقع عليك، فاردد خلافتنا واعتزل امرنا، فان
ذلك اسلم لنامنك، واسلم لك منا، فقال عثمان: فرغتم من
جميع ما تريدون؟ قالوا: نعم. قال:
الحمد للّه احمده واستعينه، واومن به واتوكل عليه، واشهد ان
لا اله الا اللّه وحده لا شريك له، وان محمداعبده ورسوله،
ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره
المشركون، اما بعد، فانكم لم تعدلوافي المنطق ولم تنصفوا في
القضاء، اما قولكم: تخلع نفسك، فلا انزع قميصا قمصنيه اللّه عز
وجل‏واكرمني به‏وخص ني به على غيري، ولكني اتوب وانزع
ولا اعود لشي‏ء عابه المسلمون، فاني واللّه الفقير الى اللّهالخائف
منه.
قالوا: ان هذا لو كان اول حدث احدثته ثم تبت منه ولم تقم
عليه، لكان علينا ان نقبل منك، وان ننصرف‏عنك، ولكنه قد
كان منك من الاحداث قبل هذا ما قد علمت، ولقد انصرفنا
عنك في المرة الاولى ومانخشى ان تكتب فينا، ولا من اعتللت
به بما وجدنا في كتابك مع غلامك، وكيف نقبل توبتك؟ وقد
بلونامنك انك لا تعط‏ي من نفسك التوبة من ذنب الا عدت
اليه، فلسنا منصرفين حتى نعزلك ونستبدل بك، فان‏حال من
معك من قومك وذوي رحمك واهل الانقطاع اليك دونك
بقتال قاتلناهم، حتى نخلص اليك‏فنقتلك، او تلحق ارواحنا
باللّه.
فقال عثمان: اما ان اتبرا من الامارة، فان تصلبوني احب الي من
ان اتبرا من امر اللّه عز وجل وخلافته. واماقولكم: تقاتلون من
قاتل دوني، فاني لا آمر احدا بقتالكم ((668))، فمن قاتل دوني
فانما قاتل بغير امري، ولعمري‏لو كنت اريد قتالكم، لقد كنت
كتبت الى الاجناد ((669)) فقادوا الجنود وبعثوا الرجال، او
لحقت ببعض اطرافي‏بمصر او عراق، فاللّه اللّه في انفسكم فابقوا
عليها ان لم تبقوا علي، فانكم مجتلبون بهذا الامر ان قتلتموني
دما.قال: ثم انصرفوا عنه وآذنوه بالحرب، وارسل الى محمد
بن‏مسلمة فكلمه ان يردهم، فقال: واللّه لا اكذب‏اللّه في سنة
مرتين. تاريخ الطبري ((670)) (5/120، 121).

نظرة في احاديث الحصارين
اول ما يقع عليه النظر من هذه الاحاديث : ان المجهزين على
عثمان هم المهاجرون والانصار من الصحابة ولم‏يشذ عنهم
الا اربعة اسلفنا ذكرهم في صفحة (ص‏163) وهم الذين
اصفقوا مع اهل مصر والكوفة‏والبصرة على مقت الخليفة وقتله
بعد ان اعيتهم الحيل، واعوزهم السعي في استتابته، واكفائه
عن‏الاحداث، ونزوعه عما هو عليه من الجرائم وان في
المقبلين من تلكم البلاد من عظماء الصحابة، ومن
رجال‏الفضيلة والفقه والتقى من التابعين جماعات لا يستهان
بعدتهم، ولا يغمز في دينهم، وهم رؤساء هاتيك‏الجماهير
والمؤلبين لهم على عثمان:
فمن الكوفيين :
1 زيد الخير، له ادراك اثنى عليه النبي الاعظم، وانه من
الخيار الابرار.
2 مالك بن الحارث الاشتر، له ادراك، اوقفناك على عظمته
وفضله وموقفه من الايمان، ومبلغه من الثقة‏والصلاح.
3 كعب بن عبدة النهدي، وقد سمعت عن البلاذري انه كان
ناسكا.
4 زياد بن النضر الحارثي، له ادراك.
5 عمرو بن الاهتم، صحابي خطيب بليغ شريف في قومه،
ترجمه ((671)) ابن عبدالبر في الاستيعاب، وابن الاثيرفي اسد
الغابة، وابن حجر في الاصابة.
وفي المصريين :
6 عمرو بن الحمق الخزاعي، صحب النبي وحفظ عنه
احاديث، وحظ‏ي بدعائه (ص) له كما مر تفصيله(ص‏45).
7 عمرو بن بديل الخزاعي، صحابي عادل مترجم في معاجم
الصحابة.
8 عبداللّه بن بديل الخزاعي، قال ابو عمر: كان سيد خزاعة
وخزاعة عيبة رسول اللّه (ص)، وشهد حنيناوالطائف وتبوك،
وكان له قدر وجلالة، وكان من وجوه الصحابة.
راجع ((672)) : الاستيعاب، واسد الغابة، والاصابة.
9 عبدالرحمن بن عديس ابو محمد البلوي، صحب النبي
وسمع منه، وكان‏ممن بايع تحت الشجرة من الذين‏رضي اللّه
عنهم ورضوا عنه.
10 محمد بن ابي بكر، وحسبك فيه ما في الاستيعاب
((673)) من ان عليا امير المؤمنين كان يثني‏عليه والاصابة
ويفضله وكانت له عبادة واجتهاد، وكان من افضل اهل زمانه.
ورئيس البصريين :
11 حكيم بن جبلة العبدي، قال ابو عمر في الاستيعاب
((674)): ادرك النبي(ص) وكان رجلا صالحا له دين،مطاعا
في قومه. وقال المسعودي في المروج ((675)) (2/7): كان من
سادات عبد القيس وزهادها ونساكها. واثنى‏عليه مولانا امير
المؤمنين بقوله كما في الكامل ((676)) (3/96):
دعا حكيم دعوة سميعه
نال بها المنزلة الرفيعه
يالهف ما نفسي على ربيعه
ربيعة السامعة المطيعه
قد سبقتني فيهم الوقيعه وان ما جرى في غضون تلكم
المعامع، وتضاعيف ذلك الحوار من اخذ ورد وهتاف‏وقول، كلها
تنم عن صلاح القوم وتقواهم، وانهم لم يغضبوا الا للّه، ولا
دعواالا الى امره، ولا نهضواالالاقامة الامت والعوج، وتقويم دين
اللّه وتنزيهه عن المعرات والاحداث، ولم يجلبهم الى ذلك
الموقف‏مطمع في امارة، او نزوع الى حكم او هوى في
مال، ولذلك كان يرضيهم كل ما يبديه الخليفة من النزول على
رغباتهم، والنزوع عن احداثه، والانابة الى‏اللّه مما نقموا به عليه،
غير انه كان يثيرهم في الاونة بعد الاخرى ما كانوا يشاهدونه
من المقام على الهنات،ونقض العهد مرة بعد مرة حتى اذا
اطمانوا الى ان الرجل غير منكفئ عما كان يقترفه، ولا مطمئن
عما كان‏يفعله، فاطمانوا الى بقاء التكليف عليهم بالوثوب،
فوقفوا لازالة ما راوه منكرا ذلك الموقف الشديد حتى‏قضى من
الامر ما كان مقدورا.
ولو كان للقوم غاية غيرما وصفناه لما اثنى مولانا امير المؤمنين
(ع) على المصريين منهم بقوله من كتاب‏كتبه الى اهل مصر:
«الى القوم الذين غضبوا للّه حين عصي في ارضه، وذهب بحقه‏»،
الى آخر ما مر في‏صفحة (74). ولما كانوا مذكورين في المعاجم
والكتب بالثناء الجميل عليهم بعد تلكم المواقف المشهودة،ولو
صدر عن اي احد اقل مما صدر من اولئك الثائرين على عثمان
في حق فرد من افراد المسلمين فضلا عن‏الخليفة لعد جناية لا
تغفر، وذنبا لا يبرر، وسقط صاحبه الى هوة الضعة، ولا تبقى له
بعد حرمة ولا كرامة،غير ان....
الثاني من مواقع النظر في الاحاديث المذكورة : ان الخليفة
كانت عنده جرائم يستنكرها المسلمون‏وينكرونها عليه وهو
يعترف بها فيتوب عنها، ثم يروغ عن التوبة فيعود اليها، ولا
ادري انه في اي الحالين‏اصدق؟ احين اعترف بالاحداث فتاب؟
ام حين عبث به مروان فرقى المنبر وقال: ان هؤلاء القوم من
اهل‏مصر كان بلغهم عن امامهم امر فلما تيقنوا انه باطل ما
بلغهم عنه رجعوا الى بلادهم؟
الثالث : انه اعط‏ى العهود والمواثيق المؤكدة على النزوع عما
كان يرتكبه مما ينقمونه عليه وسجل ذلك في‏صكوك يبثها في
البلاد بايدي الناهضين عليه، اذ كان على علم بان البلاد قد
تمخضت عليه كما مر في كلام‏لمولانا امير المؤمنين (ع) ثم لم
يلبث حتى نكثها بعد ما ضمن له العمل على ذلك مثل مولانا
امير المؤمنين‏ومحمد ابن مسلمة ذلك الصحابي العظيم، وقد
شهدت ذلك الضمان امة كبيرة من الصحابة،فكانه ما كان
يرى‏للعهد لزوما، ولا للضمان حرمة، ولا للضامنين مكانة، ولا
لنكث العهد معرة، ولعله كان يجد مبررا لتلكم‏الفجائع او
الفضائح، وعلى اي فالمسلمون ويقدمهم الصحابة العدول
لم يرقهم ذلك المبرر ولا اعترفوابه، فمضوا الى ما فعلوه قدما
غير متحوبين ولا متاثمين.
الرابع : ان التزامه في كتاب عهده في الحصار الاول بالعمل
بالكتاب والسنة وهو في حيز النزوع عما كان‏يرتكبه قبل ذلك،
وقد اعتب بذلك المتجمهرين عليه المنكرين على احداثه
المنحازة عنهما، يرشدنا الى انه‏كان في اعماله قبل ذلك
الالتزام حائدا عن الكتاب والسنة، وحسب اي انسان من الضعة

ان تكون اعماله منتئية عنهما.
الخامس : ان الطريد ابن الطريد، او قل عن لسان النبي الامين
((677)): «الوزغ ابن‏الوزغ، اللعين ابن اللعين‏»،مروان بن الحكم
كان يؤثر في نفسيات الخليفة حتى يحوله كما قال مولانا امير
((678))عن دينه وعقله،ويجعله مثل جمل الظعينة المؤمنين
يقاد حيث يسار به. فلم يزل به حتى اربكه عند منتقض العهود
ومنتكث المواثيق،فاورده مورد الهلكة. وعجيب من الخليفة ان
يتاثر بتسويلات الرجل وهو يعلم محله من الدين وموقفه
من‏الايمان، ومبواه من الصدق والامانة، وهو يعلم انه هو
وزبانيته هم الذين جروا عليه الويلات واركبوه‏النهابير، وانهم
سيوردونه ثم لا يصدرونه، يعلم ذلك كله وهو بين الناب
والمخلب وفي منصرم الحياة، ومع‏ذلك كله لا يزال مقيما على
هاتيك الوساوس المروانية، فيا للعجب.
واعجب من ذلك انه مع هذا التاثر يتخذ نصح الناصحين له
كمولانا امير المؤمنين(ع) وكثير من الصحابة‏العدول باعتاب
الناس ورفض تمويهات مروان الموبقة له ظهريا فلا يعير لهم
بعد تمام الحجة وقطع سبل‏المعاذير اذنا واعية، وهو يعلم انهم
لا يعدون الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويدعونه الى ما
فيه نجاته ونجاح الامة.

لفت نظر
وقع في عد ايام حصار عثمان خلاف بين المؤرخين فقال
الواقدي: حاصروه تسعة واربعين يوما. وقال‏الزبير: حاصروه
شهرين وعشرين يوما. وفي‏رواية انهم حصروه اربعين ليلة.
وقال ابن كثير: استمرالحصراكثر من شهر. وقيل: بضعا
واربعين. وقال الشعبي: كانت مد ته اثنتين وعشرين ليلة. وفي
رواية للطبري:كان الحصر اربعين ليلة والنزول سبعين. وفي
بعض الروايات: حصروه عشرين يوما بعد قضية جهجاه‏المذكورة
(ص‏123) الى اقوال اخرى، ولعل كلا منها ناظر الى ناحية من
مدة ايام الحصارين او مدة‏احدهما، ومن مدة نزول
المتجمهرين حول داره، ومن ايام ضاق عليه الخناق، ومنع من
ادخال الماء عليه،وحيل بينه وبين اختلاف الناس اليه، ومن
حصار الثائرين عليه من الامصار، ومن اصفاق اهل
المدينة‏معهم على الحصار. الى تاويلات اخرى يتاتى بها الجمع
بين تلكم الاقوال.

كتب عثمان ايام الحصار ((678))
اخرج الطبري في تاريخه من طريق ابن الكلبي، قال: انما رد
اهل مصر الى عثمان بعد انصرافهم عنه انه‏ادركهم غلام لعثمان
على جمل له بصحيفة الى امير مصر ان يقتل بعضهم، وان
يصلب بعضهم. فلما اتوا عثمان،قالوا: هذا غلامك؟ قال: غلامي
انطلق بغير علمي، قالوا: جملك؟ قال: اخذه من الدار بغير
امري. قالوا:خاتمك؟ قال: نقش عليه. فقال عبدالرحمن بن
عديس التجيبي حين اقبل اهل مصر:
اقبلن من بلبيس والصعيد ((680))
خوصا كامثال القسي عود
مستحقبات حلق الحديد
يطلبن حق اللّه في الوليد
وعند عثمان وفي سعيد
يا رب فارجعنا بما نريد
فلما راى عثمان ما قد نزل به وما قد انبعث عليه من الناس،
كتب الى معاوية ابن ابي سفيان وهو بالشام:
اما بعد، فان اهل المدينة قد كفروا واخلفوا الطاعة ونكثوا
البيعة، فابعث الي من قبلك من مقاتلة اهل الشام‏على كل
صعب وذلول.فلماجاء معاوية الكتاب تربص به وكره اظهار
مخالفة اصحاب رسول‏اللّه(ص) وقد علم اجتماعهم، فلما
ابطاامره على عثمان كتب الى يزيد بن اسد بن كرز، والى اهل
الشام يستنفرهم ويعظم حقه عليهم، ويذكرالخلفاء وما امر اللّه
عز وجل به من طاعتهم ومناصحتهم، ووعدهم ان‏يجندهم
((681)) جندا وبطانة دون الناس،وذكرهم بلاءه عندهم
وصنيعه اليهم، فان كان عندكم غياث فالعجل العجل، فان
القوم معاجلي.
فلما قرئ كتابه عليهم قام يزيد بن اسد بن كرز البجلي ثم
القسري، فحمد اللّه واثنى عليه، ثم ذكر عثمان‏فعظم حقه،
وحضهم على نصره، وامرهم بالمسير اليه، فتابعه ناس كثير،
وساروا معه حتى اذا كانوا بوادي‏القرى ((682))، بلغهم قتل
عثمان (رضى‏ا...عنه)، فرجعوا.
واخرج البلاذري من طريق الشعبي قال: كتب عثمان الى
معاوية: ان امددني، فامده باربعة آلاف مع يزيد بن‏اسد بن كريز
((683))
البجلي، فتلقاه الناس بمقتل عثمان فرجع من
الطريق وقال: لو دخلت المدينة وعثمان حي‏ماتركت بها
محتلما الا قتلته، لان الخاذل والقاتل سواء.

كتابه الى اهل الشام
قال ابن قتيبة: وكتب الى اهل الشام عام ة والى معاوية واهل
دمشق خاصة:
اما بعد، فاني في قوم طال فيهم مقامي، واستعجلوا القدر في،
وقد خيروني بين ان يحملوني على شارف من‏الابل الى دحل
((684))، وبين ان انزع لهم رداء اللّه الذي كساني، وبين ان
اقيدهم ممن قتلت. ومن كان على سلطان‏يخطئ ويصيب،
فياغوثاه يا غوثاه، ولا امير عليكم دوني، فالعجل العجل يا
معاوية، وادرك ثم‏ادرك وما اراك تدرك.

كتابه الى اهل البصرة
وكتب الى عبداللّه بن عامر: ان اندب الي اهل البصرة نسخة
كتابه الى اهل الشام فجمع عبداللّه بن عامرالناس فقرا كتابه
عليهم، فقامت خطباء من اهل البصرة يحضونه على نصر
عثمان والمسير اليه، فيهم: مجاشع‏بن مسعود السلمي، وكان
اول من تكلم وهو يومئذ سيد قيس بالبصرة، وقام ايضا قيس بن
الهيثم السلمي،فخطب وحض الناس على نصر عثمان، فسارع
الناس الى ذلك، فاستعمل عليهم عبداللّه بن عامر مجاشع
بن‏مسعود فسار بهم، حتى اذا نزل الناس الربذة ونزلت مقدمته
عند صرار ناحية من المدينة اتاهم قتل‏عثمان.
و قال البلاذري: وكتب عثمان الى عبداللّه بن عامر بن كريز
ومعاوية بن ابي سفيان يعلمهما ان اهل البغي والعدوان من اهل
العراق ومصر والمدينة قد احاطوا بداره فليس يرضيهم
بزعمهم شي‏ء دون قتله او يخلع‏السربال الذي سربله اللّه اياه،
ويامرهما باغاثته برجال ذوي نجدة وباس وراي، لعل اللّه ان
يدفع بهم عنه‏باس من يكيده ويريده، وكان رسوله الى ابن عامر
جبير بن مطعم، والى معاوية المسور بن مخرمة الزهري.فاما
ابن عامر فوجه اليه مجاشع بن مسعود السلمي في خمسمائة
اعطاهم خمسمائة خمسمائة درهم، وكان فيمن‏ندب مع
مجاشع زفر بن الحارث على مائة رجل. واما معاوية فبعث اليه
حبيب بن مسلمة الفهري في الف‏فارس، فقدم حبيب امامه
يزيد بن اسد البجلي جد خالد بن عبداللّه بن يزيد القسري من
بجيلة، وبلغ اهل‏مصر ومن معهم ممن حاصر عثمان ما كتب به
الى ابن عامر ومعاوية، فزادهم ذلك شدة عليه وجدا في‏حصاره
وحرصا على معاجلته بالقتل.

كتابه الى اهل الامصار
اخرج الطبري وغيره وقالوا: كتب عثمان الى اهل الامصار
يستمدهم:
اما بعد، فان اللّه عز وجل بعث محمدا بالحق بشيرا ونذيرا، فبلغ
عن اللّه ما امره به ثم مضى وقد قضى الذي‏عليه، وخلف فينا
كتابه فيه حلاله وحرامه، وبيان الامور التي قدر، فامضاها على
ما احب العباد وكرهوا،فكان الخليفة ابو بكر (رضى‏ا...عنه) وعمر
(رضى‏ا...عنه)، ثم ادخلت في الشورى عن غير علم ولا
مسالة‏عن ملا من الامة، ثم اجمع اهل الشورى عن ملا منهم
ومن الناس على غير طلب مني ولا محبة، فعملت‏فيهم ما
يعرفون ولا ينكرون، تابعا غير مستتبع، متبعا غير مبتدع،
مقتديا غير متكلف، فلما انتهت الامور،وانتكث الشر باهله ، بدت
ضغائن واهواء على غير اجرام ولا ترة فيما مضى الا امضاء
الكتاب، فطلبوا امراواعلنوا غيره بغير حجة ولا عذر، فعابوا علي
اشياء مما كانوا يرضون واشياء عن ملا من اهل المدينة لايصلح
غيرها، فصبرت لهم نفسي وكففتها عنهم منذ سنين، وانا ارى
واسمع، فازدادوا على اللّه عزوجل‏جراة، حتى اغاروا علينا في
جوار رسول اللّه (ص) وحرمه وارض الهجرة، وثابت اليهم
الاعراب، فهم‏كالاحزاب ايام الاحزاب او من غزانا باحد الا ما
يظهرون، فمن قدر على اللحاق بنا فليلحق.
فاتى الكتاب اهل الامصار، فخرجوا على الصعبة والذلول، فبعث
معاوية حبيب بن مسلمة الفهري، وبعث‏عبداللّه بن سعد معاوية
بن خديج السكوني، وخرج من اهل الكوفة القعقاع بن عمرو.
الحديث.

كتابه الى اهل مكة ومن حضر الموسم
ذكر ابن قتيبة قال: كتب عثمان‏كتابا بعثه معنافع بن طريف
الى اهل مكة ومن حضر الموسم يستغيثهم، فوافى به نافع يوم
عرفة بمكة وابن عباس يخطب، وهو يومئذ على الناس كان قد
استعمله عثمان على‏الموسم، فقام‏نافع ففتح‏الكتاب فقراه، فاذا
فيه:
من عبداللّه عثمان امير المؤمنين الى من حضر الحج من
المسلمين:
اما بعد، فاني كتبت اليكم كتابي هذا وانا محصور اشرب من بئر
القصر،
ولا آكل من الطعام ما يكفيني، خيفة ان تنفد ذخيرتي فاموت
جوعا انا ومن معي، لا ادعى الى توبة اقبلها،ولا تسمع مني حجة
اقولها، فانشد اللّه رجلا من المسلمين بلغه كتابي الا قدم علي
فاخذ الحق في، ومنعني‏من الظلم والباطل.
قال: ثم قام ابن عباس، فاتم خطبته ولم يعرض لشي‏ء من شانه.
قال الاميني : هذا ما يمكننا ان نؤمن به من كتاب عثمان الى
الحضور في الموسم، وهناك كتاب مفصل الى‏الحاج ينسب اليه
يتضمن آيا من الحكم والموعظة الحسنة يطفح عن جوانبه
الورع الشديد في دين اللّه،والاخذ بالكتاب والسنة، والاحتذاء
بسيرة الشيخين، يبعد جدا عن نفسيات عثمان وعما عرفته
الامة من‏تاريخ حياته، والكتاب اخرجه الطبري في تاريخه
(5/140 143)، وراق الدكتور طه حسين ما وجدفيه ((685))
من المعاني الراقية والجمل الرائقة، والفصول القيمة، فذكره
في ملحق كتابه الفتنة الكبرى ((686)) (ص‏227 آ231) ذاهلا
عن ان الكتاب لم يرو الا من طريق ابن ابي سبرة القرشي
العامري المدني الوضاع الكذاب‏السابق ذكره في سلسلة
الوضاعين في الجزء الخامس، قال الواقدي: كان كثير الحديث
وليس بحجة، وقال‏صالح بن احمد عن ابيه: كان يضع الحديث.
وقال عبداللّه بن احمد عن ابيه: ليس بشي‏ء كان يضع
الحديث‏ويكذب، وعن ابن معين ((687)): ليس حديثه بشي‏ء،
ضعيف الحديث، وقال ابن المديني: كان ضعيفا في‏الحديث،
وقال مرة: كان منكر الحديث. وقال الجوزجاني: يضعف حديثه.
وقال البخاري ((688)): ضعيف.وقال مرة: منكر الحديث. وقال
النسائي ((689)): متروك الحديث. وقال ابن عدي ((690)):
عامة ما يرويه غيرمحفوظ، وهو في جملة من يضع الحديث.
وقال ابن حبان ((691)): كان ممن يروي الموضوعات عن
الثقات لايجوز الاحتجاج به. وقال الحاكم ابو عبداللّه: يروي
الموضوعات عن الاثبات ((692)).

نظرة في الكتب المذكورة
لقد تضمنت هذه الكتب اشياء هي كافية في اثارة عواطف
المؤمنين على من كتبها ولو لم يكن له سابقة سوءغيرها. منها:
قوله عن المهاجرين والانصار وليس في المدينة غيرهم: ان
اهل المدينة قد كفروا، واخلفوا الطاعة، ونكثواالبيعة. وقوله:
فهم كالاحزاب ايام الاحزاب او من غزانا باحد وهو يريد اصحاب
محمد (ص) المشهودلهم جمعاء بالعدالة عند قاطبة اهل
السنة، ولقد صعدوا وصوبوا في اثبات ذلك بما لا مزيد عليه
عندهم، ولايزالون يحتجون باقوالهم وما يؤثر عنهم من قول او
عمل في احكام الدين، كما يحتجون بمايؤثر عن رسول‏اللّه
(ص) من السنة، ثقة بايمانهم، وطمانينة بعدالتهم، ويرون انهم
لا ينبسون ببنت شفة ولا يخطون في امرالدين خطوة الا باثر
ثابت عن رسول اللّه(ص) مسموع او منقول او مشاهدة عمل
منه (ص) يطابق مايرتاونه او يعملون به، فهل على مؤمن هذا
شانه قذف اثقل عليه من هذا؟ او تشويه امس بكرامته من‏ذلك؟
ولعمر الحق ان من يغض عن مثله فلا يستثيره خلو عن
العاطفة الدينية، خلو عن الحماس‏الاسلامي، خلو عن الشهامة
المبدئية، خلو عن الغيرة على الحق، خلو وخلو ولذلك اشتدت
الصحابة عليه‏بعد وقوفهم على هذا وامثاله.
ثم انه ليس لاحد طاعة مفترضة في اعناق المسلمين بعد اللّه
ورسوله الا امام حق يعمل بكتاب اللّه وسنة‏رسول اللّه (ص)،
والمتجمهرون على عثمان وهم الصحابة اجمع كانوا يرون انه
تخطاهما، وان ما كان ينوء به‏من فعل او قول قد عديا الحق
منهما، فاي طاعة واجبة والحال هذه وحسبان القوم كما
ذكرناه حتى‏يؤاخذوا على الخلف؟
والبيعة انما لزمت ان كان صاحبها باقيا على ما بويع عليه،
والقوم انما بايعوه على متابعة الكتاب والسنة‏والمضي على
سيرة الشيخين، وبطبع الحال انها تنتكث عند نكوص صاحبها
عن الشروط. وهو الذي نقمه‏المسلمون على خليفتهم، فلا
موجب لمؤاخذتهم او منابذتهم، وهاهنا راى المسلمون ان
الرجل زاد ضغثاعلى ابالة، فهو على احداثه الممقوتة طفق
يستثير الجنود عليهم، ويحرضهم على القتل والنهب،
فتداركواالامر فاوردوه حياض المنية قبل ان يجلب اليهم
البلية، وتلافواالامر قبل ان يمسهم الشر، وما بالهم لاتستثيرهم
تلكم القذائف؟ وهم يرون انهم هم الذين آووا ونصروا ولم يالوا
جهدا في جهاد الكفار حتى‏ضرب الدين بجرانه، فمن العجيب
والحالة هذه ان يشبهوا بالاحزاب والكفرة يوم احد.
ومنها : تلونه في باب التوبة التي تظاهر بها على صهوة المنبر
بملا من الصحابة، وسجل ذلك بكتاب شهدعليه عدة من اعيان
الامة وفي مقدمهم سيدنا امير المؤمنين(ع)، وكتب ذلك الى
الامصار النائية كما تقدم في‏صفحة (176) وهو في كل ذلك
يعترف بالخطيئة ويلتزم بالاقلاع عنها، لكنه سرعان ما نكث
التوبة وابطل‏المواثيق المؤكدة بكتبه هذه، اذ حسب ان من
يكتب اليهم سينفرون اليه مقانب وكتائب وهم اولياؤه‏ومواليه،
فنفى عنه المثم التي شهد عليها اهل المدينة بل واهل الامصار
من خيرة الامة، وهو يريد ان يقلب‏عليهم ظهر المجن، فيؤاخذ
وينتقم وكانه نسي ذلك كله حتى قال في كتابه الى اهل مكة:
لا ادعى الى توبة‏اقبلها، ولا تسمع مني حجة اقولها.
يقول له المحامي عن المدنيين: او لم تدع ايها الخليفة الى
التوبة فتبت على الاعواد وعلى رؤوس الاشهاد مرة‏بعد اخرى؟
لكنهم وجدوك لا تقر على قرار، ولا تستمر على مبدا،
وشاهدوك تتلون تلون الحرباء((693))فجزموا بان التوبة لا
تردعك عن الاحداث، وان النزوع لايزعك عن الخطايا، وجئت
تماطل القوم بذلك‏كله حتى يوافيك جيوشك فتهلك الحرث
والنسل، وتمكن من اهل دار الهجرة مثل يزيد بن كرز الذي
يقول:لو دخلت المدينة وعثمان حي ما تركت بها محتلما الا
قتلته. الخ.
عرف القوم ايها الخليفة نواياك السيئة فيهم، وعرفوا انحرافك
عن الطريقة المثلى بابعاد مروان اياك عنها كماقال مولانا امير
المؤمنين (ع) وهو يخاطبك: اما رضيت من مروان ولا رضي
منك الا بتحرفك عن دينك‏وعن عقلك؟ وان مثلك مثل
الظعينة يقاد حيث يسار به ((694))، فنهضوا للدفع عنهم وعن
بيضة الاسلام من قبل‏ان يقعوا بين الناب والمخلب، فوقع ما
وقع وكان امر اللّه قدرا مقدورا.
ولنا هاهنا مناقشة اخرى في حساب الخليفة فنقول له: ما بالك
تكرر ايها الخليفة قولك عن الخلافة: انهارداء اللّه الذي كساني،
او انها قميص سربلنيه اللّه. او ما يماثل ذلك؟ تطفح به كتبك او
يطفو على خطبك،ويلوكها فمك بين كلمك، كانك قد
حفظتها كلمة ناجعة لدينك ودنياك، واتخذتها وردا لك كانك
تحاذر في‏تركها النسيان غير انه عزب عنك محاسبة من
تخاطبهم بها اياك، فما جواب قومك ان قالوا لك متى
سربلك‏اللّه بهذا القميص؟ وقد مات من سربلك، وانقلب عليك
بعد قبل موته وعددته لذلك منافقا، واوصى ان لاتصلي عليه
انت، وكان يقول لعلي امير المؤمنين: خذ سيفك وآخذ سيفي
انه قد خالف ما اعطاني، وكان‏يحث الناس عليك ويقول:
عاجلوه قبل ان يتمادى في ملكه، وحلف ان لا يكلمك ابدا، وقد
دخلت عليه‏عائدا في مرضه فتحول الى الحائط ولم يكلمك
((695)) وهاجرك الى آخر نفس لفظه. وتبعه على خلافك
الباقون‏من اهل الشورى.
وكنا نحسب ان نصب الخليفة لا يجب على اللّه سبحانه ان كنا
مقتفين اثر الشيخين وانما هو مفوض الى الامة‏تختار عليها من
شاءت، وان حدنا في ذلك عن قول اللّه تعالى: (وربك يخلق ما
يشاء ويختار ما كان لهم‏الخيرة ) ((696)) (وما كان لمؤمن ولا
مؤمنة اذا قضى اللّه ورسوله امرا ان يكون لهم الخيرة من
امرهم) ((697)) وعن‏نصوص النبي الاعظم وقد مر شطر منها
في غضون اجزاء كتابنا هذا.
فهل ترى ايها الخليفة انه كان يجب على اللّه سبحانه ان يمضي
خيرة الامة؟ اكان في راي الجليل اعواز في‏تقييض الامام
بنفسه حتى ينتظر في ذلك مشتبك آراء الامة او مرتبك
اهوائهم فيمضي ما ارتاوه؟ وبهذه‏المناسبة تنسب ذلك السربال
اليه، لا اظنك ايها الخليفة يسعك ان تقرر ما استفهمناه، غير
ان آخر دعواك‏بعد العجز عن الجواب: لا انزع قميصا البسنيه
اللّه.
وعلى كل لقد اوقفنا موقف الحيرة في امر هذا السربال ومن
حاكه والنول الذي حيك عليه، فقد وجدنا اول‏الخلفاء تسربله
بانتخاب غير دستوري، بانتخاب جر الويلات على الامة حتى
اليوم، بانتخاب سودصحيفة التاريخ وشوه سمعة السلف، وقد
تقمصه ابن ابي قحافة وهو يعلم ان في الامة من محله من
الخلافة‏محل القطب من الرحى، ينحدر عنه السيل ولا يرقى
اليه الطير، كما قاله مولانا امير المؤمنين ثم مضى الاول‏لسبيله
فادلى بها الى ابن الخطاب بعده، فيا عجبا يستقيلها في حياته
اذ عقدها لاخر بعد وفاته ((698)) فتقمصه‏الثاني بالنص ممن
قبله وهو يعلم ان في‏الامة من هو اولى منه كما قال مولانا امير
المؤمنين ((699)) وسربلك اياه‏ايها الخليفة عبدالرحمن بن
عوف وفي لسانه قوله لعلي: بايع والا ضربت عنقك، ولم يكن
مع احد يومئذسيف غيره، فخرج علي مغضبا فلحقه اصحاب
الشورى قائلين: بايع والا جاهدناك ((700)). فاي من
هذه‏السرابيل منسوج بيد الحق حتى يصح عزوه اليه سبحانه؟
ولهذا البحث ذيول ضافية حولها ابحاث مترامية‏الاطراف، حول
خلافة الخلفاء من بني امية وغيرهم يشبه بعضها بعضا، ولعلك
في غنى عن التبسط في ذلك‏والاسترسال حول توثبهم على
عرش الامامة.
نعم، الخلافة التي يصح فيها ان يقال: انها سربال من اللّه
سبحانه هي التي‏قيض صاحبها المولى جلت‏قدرته، وبلغ عنه
نبيه الامين (ص)، هي التي اخبر به النبي الاعظم من اول يومه
فقال: «ان الامر الى اللّهيضعه حيث يشاء ((701)) فهي امرة
الهية لا تتم الا بالنص وليس لصاحبها ان ينزعها»، هي التي
قرنت بولاية‏اللّه ورسوله في قوله تعالى: (انما وليكم اللّه ورسوله
والذين آمنوا) ((702)) وهي التي اكمل اللّه بها الدين واتم
بهاالنعمة ((703)) وشتان بينها وبين رجال الانتخاب وان كان
دستوريا.
واما ما ارته المتجمهرون وعبثت به الميول والشهوات، فهي
سلطة عادية يفوز بها المتغلبون، وبيد الامة‏حلها وعقدها،
والغاية منها عند من يحذو حذو الخليفة في جملة من
الصولات: كلاءة الثغور، واقتصاص‏القاتل، وقطع المتلصص، الى
آخر ما مر تفصيله في الجزء السابع (صفحة 131 152) وليس
في عهدة‏المتسلق على عرشه تبليغ الاحكام، وترويض النفوس،
وتهذيب الاخلاق، وتعليم الملكات الفاضلة، وتربية‏الملا في
عالم النشوء والارتقاء، فان تلكم الغايات في تلكم السلطات
تحصل بمن هو خلو عن ذلك كله كماشوهد فيمن فاز بها عن
غير نص الهي.

يوم الدار والقتال فيها
اخرج ابن سعد في طبقاته ((704)) (5/25) طبع ليدن، من
طريق ابي حفصة مولى مروان، قال: خرج مروان بن‏الحكم
يومئذ يرتجز ويقول: من يبارز؟ فبرز اليه عروة ابن شييم بن
البياع الليثي فضربه على قفاه بالسيف‏فخر لوجهه، فقام اليه
عبيد بن رفاعة بن رافع الزرقي بسكين معه ليقطع راسه،
فقامت اليه امه التي ارضعته‏وهي فاطمة الثقفية وهي جدة
((705)) ابراهيم بن العربي صاحب اليمامة فقالت: ان كنت
تريد قتله فقد قتلته، فماتصنع بلحمه ان تبضعه؟ فاستحيا
عبيد بن رفاعة منها فتركه.
وروى عن عياش بن عباس، قال: حدثني من حضر ابن البياع
يومئذ يبارز مروان بن الحكم، فكاني انظرالى قبائه قد ادخل
طرفيه في منطقته وتحت القباء الدرع، فضرب مروان على قفاه
ضربة فقطع علابي رقبته‏ووقع لوجهه، فارادوا ان يذففوا عليه
فقيل: تبضعون اللحم؟ فترك.
واخرج البلاذري ((706)) من طريق خالد بن حرب قال: لجا
بنو امية يوم قتل عثمان الى ام حبيبة ((707))
فجعلت‏آل‏العاص وآل حرب وآل ابي العاص وآل اسيد في
كندوج ((708)) وجعلت سائرهم في مكان آخر، ونظر
معاوية‏يوما الى عمرو بن سعيد يختال في مشيته فقال: بابي
وامي ام حبيبة، ما كان اعلمها بهذا الحي حين جعلتك‏في
كندوج!
قال: ومشى الناس الى عثمان وتسلقوا عليه من دار بني حزم
الانصاري، فقاتل دونه ثلاثة من قريش:عبداللّه بن وهب بن
زمعة بن الاسود ((709))، وعبداللّه بن عوف ابن السباق
، وعبداللّه ((711)) بن عبدالرحمن بن‏العوام، وكان ((710))
عبداللّه بن عبدالرحمن بن‏العوام يقول: يا عباد اللّه بيننا وبينكم
كتاب اللّه. فشد عليه‏عبدالرحمن بن عبداللّه الجمحي وهو
يقول:
لاضربن اليوم بالقرضاب ((712))
بقية الكفار والاحزاب
ضرب امرى ليس بذي ارتياب
اانت تدعونا الى الكتاب
نبذته في سائر الاحقاب‏فقتله، وشد جماعة من الناس على
عبداللّه بن وهب بن زمعة، وعبداللّه بن عوف بن‏السباق،
فقتلوهما في جانب الدار.
جاء مالك الاشتر حتى انتهى الى عثمان، فلم ير عنده احدا
فرجع، فقال له مسلم بن كريب القابضي‏من همدان: ايا اشتر
دعوتنا الى قتل رجل فاجبناك حتى اذا نظرت اليه نكصت عنه
على عقبيك. فقال له‏الاشتر: للّه ابوك اما تراه ليس له مانع ولا
عنه وازع؟ فلما ذهب لينصرف قال ناتل مولى عثمان: واثكلاه
هذاواللّه الاشتر الذي سعر البلاد كلها على امير المؤمنين،
قتلني اللّه ان لم اقتله. فشد في اثره فصاح به عمرو بن‏عبيد
الحارثي من همدان: وراءك الرجل يا اشتر، فالتفت الاشتر الى
ناتل فضربه بالسيف فاطار يده‏اليسرى ونادى الاشتر: يا عمرو
بن عبيد اليك الرجل، فاتبع عمرو ناتلا فقتله.
وقال مروان في يوم الدار:
وما قلت يوم الدار للقوم حاجزوا
رويدا ولا اختاروا الحياة على القتل
ولكنني قد قلت للقوم قاتلوا
باسيافكم لا يوصلن الى الكهل
وفي رواية ابي مخنف: تهيا مروان وعدة معه للقتال فنهاهم
عثمان فلم يقبلوا منه‏وحملوا على من دخل الدارفاخرجوهم.
ورمي عثمان بالحجارة من دار بني حزم بن زيد الانصاري
ونادوا: لسنا نرميك، اللّه يرميك،فقال: لو رماني اللّه لم
يخطئني، وشد المغيرة بن الاخنس بالسيف وهو يقول:
قد علمت جارية عطبول
لها وشاح ولها جديل
اني لمن حاربت ذو تنكيل فشد عليه رفاعة بن رافع وهو يقول:
قد علمت خود سحوب للذيل
ترخي قرونا مثل اذناب الخيل
ان لقرني في‏الوغى مني‏الويل
فضربه على راسه بالسيف فقتله. ويقال: بل قتله رجل من
عرض الناس، وخرج مروان بن الحكم وهويقول:
قد علمت ذات القرون الميل
والكف والانامل الطفول
اني اروع اول الرعيل ثم ضرب عن يمينه وشماله فحمل عليه
الحجاج بن غزية وهو يقول:قد علمت بيضاء حسناء الطلل
واضحة الليتين قعساء الكفل
اني غداة الروع مقدام بطل
فضربه على عنقه بالسيف فلم يقطع سيفه، وخر مروان لوجهه،
وجاءت فاطمة بنت شريك الانصارية من‏بلي ((713)) وهي ام
((714))((714)) ابراهيم بن عربي الكناني الذي كان عبدالملك بن
مروان ولاه اليمامة، وهي التي كانت ربت‏مروان فقامت على
راسه ثم امرت به فحمل، وادخل بيتا فيه كنة ((715)) وشد
عامر بن بكير الكناني وهوبدري على سعيد بن العاص بن سعيد
بن العاص بن امية فضربة بالسيف على راسه، وقامت نائلة
بنت‏الفرافصة على راسه ثم احتملته فادخلته بيتا واغلقت بابه
. ((716))
وفي رواية الطبري ((717)) من طريق ابي حفصة مولى
مروان: لما حصر عثمان (رضى‏ا...عنه) شمرت معه بنو
امية،ودخل معه مروان الدار، فكنت معه في الدار، فانا واللّه
انشبت القتال بين الناس، رميت من فوق الدار رجلامن اسلم
فقتلته، وهو نيار الاسلمي فنشب القتال، ثم نزلت فاقتتل الناس
على الباب، فارسلوا الى عثمان ان‏امكنا من قاتله. قال: واللّه ما
اعرف له قاتلا، فباتوا ينحرفون علينا ليلة الجمعة بمثل النيران،
فلما اصبحواغدوا، فاول من طلع علينا كنانة بن عتاب في يده
شعلة من نار على ظهر سطوحنا، قد فتح له من دار آل‏حزم، ثم
دخلت الشعل على اثره تنضح بالنفط فقاتلناهم ساعة على
الخشب وقد اضطرم الخشب، فاسمع‏عثمان يقول لاصحابه: ما
بعد الحريق شي‏ء، قد احترق الخشب واحترقت الابواب، ومن
كانت لي عليه‏طاعة فليمسك داره، ثم قال لمروان: اجلس فلا
تخرج. فعصاه مروان، فقال: واللّه لا تقتل‏ولا يخلص اليك‏وانا
اسمع الصوت، ثم خرج الى الناس، فقلت: ما لمولاي مترك.
فخرجت معه اذب‏عنه ونحن قليل، فاسمع‏مروان يقول:
قد علمت ذات القرون الميل
والكف والانامل الطفول
اني اروع اول الرعيل
بفاره مثل قطا الشليل
وقال ابوبكر بن الحارث: كاني انظر الى عبدالرحمن بن عديس
البلوي وهو مسند ظهره الى مسجد نبي اللّه(ص) وعثمان
محصور، فخرج مروان فقال: من يبارز؟ فقال عبدالرحمن بن
عديس لفلان بن عروة ((718)): قم‏الى هذا الرجل. فقام اليه
غلام شاب طوال فاخذ رفيف الدرع فغرزه في منطقته، فاعور
له عن ساقه،فاهوى له مروان وضربه ابن عروة على عنقه،
فكاني انظر اليه حين استدار، وقام اليه عبيد بن رفاعة‏الزرقي
ليدفف عليه... الى آخر ما مر عن ابن سعد.
ومن طريق حسين بن عيسى، عن ابيه، قال: لما مضت ايام
التشريق اطافوا بدار عثمان (رضى‏ا...عنه)، وابى‏الا الاقامة على
امره، وارسل الى حشمه وخاصته فجمعهم. فقام رجل من
اصحاب النبي (ص) يقال له:نيار بن عياض ((719)) وكان
شيخا كبيرا فنادى: يا عثمان، فاشرف عليه من اعلى داره،
فناشده اللّه و ذكره اللّهلما اعتزلهم، فبينا هو يراجعه الكلام اذ
رماه رجل من اصحاب عثمان فقتله بسهم، وزعموا ان‏الذي
رماه‏كثير بن الصلت الكندي، فقالوا لعثمان عند ذلك: ادفع
الينا قاتل نيار بن عياض فلنقتله به. فقال: لم اكن‏لاقتل رجلا
نصرني وانتم تريدون قتلي، فلم ا راوا ذلك ثاروا الى بابه
فاحرقوه، وخرج عليهم مروان بن‏الحكم من دار عثمان في
عصابة، وخرج سعيد بن العاص في عصابة، وخرج المغيرة بن
الاخنس الثقفي في‏عصابة، فاقتتلوا قتالا شديدا، وكان الذي
حداهم على القتال انه بلغهم ان مددا من اهل البصرة قد
نزلواصرارا وهي من المدينة على ليلة ، وان اهل الشام قد
توجهوا مقبلين، فقاتلوهم قتالا شديدا على باب‏الدار، فحمل
المغيرة بن الاخنس الثقفي على القوم وهو يقول مرتجزا:
قد علمت جارية عطبول
لها وشاح ولها حجول
اني بنصل السيف خنشليل فحمل عليه عبداللّه بن بديل بن
ورقاء الخزاعي، وهو يقول:
ان تك بالسيف كما تقول
فاثبت لقرن ماجد يصول
بمشرفي حده مصقول
فضربه عبداللّه فقتله، وحمل رفاعة بن رافع الانصاري ثم
الزرقي على مروان ابن الحكم، فضربه فصرعه،فنزع عنه وهو
يرى انه قد قتله، وجرح عبداللّه بن الزبير جراحات وانهزم القوم
حتى لجاوا الى القصر،فاعتصموا ببابه، فاقتتلوا عليه قتالا
شديدا، فقتل في المعركة على الباب زياد بن نعيم الفهري
((720)) في ناس من‏اصحاب عثمان، فلم يزل الناس يقتتلون
حتى فتح عمرو بن حزم الانصاري باب داره وهو الى جنب
دارعثمان بن عفان، ثم نادى الناس، فاقبلوا عليهم ((721))
من داره، فقاتلوهم في جوف الدار حتى انهزموا، وخلي لهم‏عن
باب الدار فخرجوا هرابا في طرق المدينة، وبقي عثمان في
اناس من اهل بيته واصحابه فقتلوا معه، وقتل‏عثمان
(رضى‏ا...عنه) ((722)).
وفر خالد بن عقبة بن ابي معيط اخو الوليد يوم الدار، واليه اشار
عبدالرحمن ابن سيحان ((723)) بقوله:
يلومونني ان جلت في الدار حاسرا وقد فر منها خالد وهو دارع
((724))
فان كان نادى دعوة فسمعتها
فشلت يدي واستك مني المسامع
فقال خالد:
لعمري لقد ابصرتهم فتركتهم
بعينك اذ ممشاك في الدار واسع ((725))
وقال ابو عمر: قتل المغيرة بن الاخنس يوم الدار مع عثمان
(ره) وله يوم الدار اخبار كثيرة، ومنها: انه قال‏لعثمان حين
احرقوا بابه: واللّه لا قال الناس عنا انا خذلناك، وخرج بسيفه
وهو يقول:
لما تهدمت الابواب واحترقت
يممت منهن بابا غير محترق
حقا اقول لعبد اللّه آمره
ان لم تقاتل لدى عثمان فانطلق
واللّه لا اتركه ما دام بي رمق
حتى يزايل بين الراس والعنق
هو الامام فلست اليوم خاذله
ان الفرار علي اليوم كالسرق
وحمل على الناس فضربه رجل على ساقه فقطعها، ثم قتله.
فقال رجل من بني زهرة لطلحة بن عبيداللّه:قتل المغيرة بن
الاخنس، فقال: قتل سيد حلفاء قريش. راجع الاستيعاب
ترجمة المغيرة. ((726))
وقال ابن كثير في تاريخه ((727)) (7/188): ومن اعيان من
قتل من اصحاب عثمان زياد بن نعيم الفهري،والمغيرة بن
الاخنس بن شريق، ونيار بن عبداللّه الاسلمي، في اناس وقت
المعركة.
قال الاميني : لقد حدتني الى سرد هذه الاحاديث الدلالة بها
منضمة الى ما سبقها من الاخبار على انه لم‏يكن مع عثمان من
يدافع عنه غير الامويين ومواليهم وحثالة ممن كان ينسج على
نولهم تجاه هياج‏المهاجرين والانصار فقتل من اولئك من قتل،
وضم اليه كندوج ام حبيبة آخرين، وتفرق شذاذ منهم‏هاربين
في ازقة المدينة، فلم يبق الا الرجل نفسه واهله حتى انتهت
اليه نوبة القتل من دون اي مدافع عنه،فتحفظ على هذا، فانه
سوف ينفعك فيما ياتي من البحث عن سلسلة الموضوعات.

لفت نظر
عد نيار بن عبداللّه من اصحاب عثمان كما فعله ابن كثير غلط
فاحش دعاه اليه حبه اكثار عدد المدافعين عن‏الخليفة،
المقتولين دونه، وقد عرفت انه كان شيخا كبيرا حضر ذلك
الموقف للنصيحة والموعظة الحسنة‏لعثمان فقتله مولى مروان
بسهم، فشب به القتال، وطولب عثمان بقاتله ليقتص منه
وامتنع عن دفعه فهاج‏بذلك غضب الانصار عليه.

حديث مقتل عثمان
انا للّه وانا اليه راجعون
اخرج الطبري في تاريخه وغيره، من طريق يوسف بن عبداللّه
بن سلام، قال: اشرف عثمان على الناس وهومحصور وقد
احاطوا بالدار من كل ناحية، فقال: انشدكم باللّه جل وعز هل
تعلمون انكم دعوتم اللّه عندمصاب امير المؤمنين عمر بن
الخطاب (رضى‏ا...عنه) ان يخير لكم، وان يجمعكم على
خيركم؟ فما ظنكم‏باللّه؟ اتقولونه ((728)): لم يستجب لكم،
وهنتم على اللّه سبحانه؟ وانتم يومئذ اهل حقه من خلقه،
وجميع اموركم‏لم تتفرق، ام تقولون: هان على اللّه دينه فلم
يبال من ولاه؟ والدين يومئذ يعبد به اللّه ولم يتفرق
اهله،فتوكلوا او تخذلوا وتعاقبوا، ام تقولون: لم يكن اخذ عن
مشورة؟ وانما كابرتم مكابرة، فوكل اللّه الامة اذاعصته، لم
تشاوروا في الامام، ولم تجتهدوا في موضع كراهته، ام تقولون:
لم يدر اللّه ما عاقبة امري؟ فكنت في‏بعض امري محسنا ولاهل
الدين رضى فما احدثت بعد في امري ما يسخط اللّه وتسخطون
مما لم يعلم اللّه سبحانه يوم اختارني وسربلني سربال كرامته،

وانشدكم باللّه هل تعلمون لي من سابقة خير و سلف خيرقدمه
اللّه لي، واشهدنيه من حقه وجهاد عدوه، حق على كل من جاء
من بعدي ان يعرفوا لي فضلها؟ فمهلالا تقتلوني فانه لا يحل الا
قتل ثلاثة: رجل زنى بعد احصانه، او كفر بعد اسلامه، او قتل
نفسا بغير نفس‏فيقتل‏بها، فانكم ان‏قتلتموني وضعتم‏السيف
على‏رقابكم ثم لم يرفعه اللّه عز وجل عنكم الى يوم القيامة،
ولاتقتلوني فانكم ان قتلتموني لم تصلوا من بعدي جميعا ابدا،
ولم تقتسموا بعدي فيئا جميعاابدا ، ولن يرفع اللّهعنكم
الاختلاف ابدا.
قالوا له: اما ما ذكرت من استخارة اللّه عز وجل الناس بعد عمر
(رضى‏ا...عنه) فيمن يولون عليهم ثم ولوك‏بعد استخارة اللّه،
فان كل ما صنع اللّه الخيرة، ولكن اللّه سبحانه جعل امرك بلية
ابتلى بها عباده.
واما ما ذكرت من قدمك وسبقك مع رسول اللّه (ص) فانك قد
كنت ذا قدم وسلف وكنت اهلا للولاية‏ولكن بدلت بعد ذلك
واحدثت ما قد علمت.
واما ما ذكرت مما يصيبنا ان نحن قتلناك من البلاء فانه لا
ينبغي ترك اقامة الحق عليك مخافة الفتنة‏عاماقابلا.
واما قولك: انه لا يحل الا قتل ثلاثة فانا نجد في كتاب اللّه قتل
غير الثلاثة الذين سميت: قتل من سعى في‏الارض فسادا، وقتل
من بغى ثم قاتل على بغيه، وقتل من حال دون شي‏ء من الحق
ومنعه ثم قاتل دونه‏وكابر عليه، وقد بغيت، ومنعت الحق وحلت
دونه وكابرت عليه، تابى ان تقيد من نفسك من ظلمت
عمدا،وتمسكت بالامارة علينا، وقد جرت في حكمك وقسمك،
فان زعمت انك لم تكابرنا عليه وان الذين قاموادونك ومنعوك
منا انما يقاتلون بغير امرك فانما يقاتلون لتمسكك بالامارة، فلو
انك خلعت نفسك لانصرفواعن القتال دونك.
قال البلاذري وغيره: لما بلغ اهل مصر ومن معهم ممن حاصر
عثمان ما كتب به الى ابن عامر ومعاوية‏فزادهم ذلك شدة عليه
وجدا في حصاره وحرصا على معاجلته بالقتل.
وكان طلحة قد استولى على امر الناس في الحصار، وامرهم
بمنع من يدخل عليه والخروج من عنده، وان‏يدخل اليه الماء،
واتت ام حبيبة بنت ابي سفيان باداوة وقد اشتد عليه الحصار
فمنعوها من الدخول، فقالت:انه كان المتولي لوصايانا وامر
ايتامنا وانا اريد مناظرته في ذلك، فاذنوا لها فاعطته الاداوة.
وقال جبير بن مطعم: حصر عثمان حتى كان لا يشرب الا من
فقير ((729)) في داره فدخلت على علي فقلت: ارضيت بهذا
ان يحصر ابن عمتك حتى واللّه ما يشرب الا من فقير في داره؟
فقال: سبحان اللّه او قد بلغوا به‏هذه الحال؟ قلت: نعم، فعمد
الى روايا ماء فادخلها اليه فسقاه.
ولما وقعت الواقعة، وقام القتال، وقتل في المعركة زياد بن
نعيم الفهري في ناس من اصحاب عثمان، فلم يزل‏الناس
يقتتلون حتى فتح عمرو بن حزم الانصاري باب داره وهو الى
جنب دار عثمان بن عفان ثم نادى الناس فاقبلوا عليهم من
داره فقاتلوهم في جوف الدار حتى انهزموا وخلي لهم عن باب
الدار فخرجواهرابا في طرق المدينة. وبقي عثمان في اناس من
اهل بيته واصحابه فقتلوا معه وقتل عثمان (رضى‏ا...عنه).