وذكر ابو عمر في الاستيعاب ((1289)) وابن حجر في الاصابة
((1290)) حديث عبداللّه بن ارقم في ترجمته ورده مابعث اليه
عثمان من ثلاثمائة الف. وفي رواية الواقدي: قال عبداللّه: مالي
اليه حاجة وما عملت لان يثيبني‏عثمان، واللّه لئن كان هذا من
مال المسلمين ما بلغ قدر عملي ان اعط‏ى ثلاثمائة الف درهم،
ولئن كان من مال‏عثمان ما احب ان آخذ من ماله شيئا.
وقال اليعقوبي في تاريخه ((1291)) (2/145): زوج عثمان
ابنته من عبداللّه بن خالد بن اسيد وامر له بستمائة الف‏درهم،
وكتب الى عبداللّه بن عامر ان يدفعها اليه من بيت مال البصرة.
قال الاميني: انا لا ادري هل قررت الشريعة لبيت مال
المسلمين حسابا وعددا؟ او انها امرت ان يكال‏ويوزن لاي احد
بغير حساب؟ اذن فمن ذا الذي امرته بالقسمة على السوية،
والعدل في الرعية؟ لقد بلغ‏الفوضى في الاموال على عهد هذا
الخليفة حدا لم يسطع معه امناؤه على بيت المال ان يستمروا
على عملهم،فكانوا يلقون مفاتيحه اليه لما كانوا يجدونه من
عدم تمكنهم من الجري على النواميس المطردة في
الاموال‏الثابتة في السنة الشريفة، ولا على ما مضى الاولان عليه
من الحصول على مرضاة العامة في تقسيمها، فراواالتنصل من
هذه الوظيفة اهون عليهم من تحمل تبعاتها الوبيلة، وقد ناقشوا
الحساب فلم يجدوا لعبد اللّه بن‏خالد اي جدارة للتخصص بهذه
الكميات، فهو لو عد في عداد غيرهم لم يحظ بغير عطائه زنة
اعطيات‏المسلمين، لكن صهر الخلافة والاتصال بالنسب
الاموي لعلهما يبرران ما هو فوق الناموس المالي المطرد
في‏الشريعة!

(37) عطية الخليفة ابا سفيان
اعط‏ى ابا سفيان بن حرب مائتي الف من بيت المال في اليوم
الذي امر فيه لمروان بن الحكم بمائة الف من‏بيت المال قاله
ابن ابي الحديد في الشرح ((1292)) (1/67).
قال الاميني: لا ارى لابي سفيان المستحق للمنع عن كل خير
اي موجب لذلك العطاء الجزل من بيت مال‏المسلمين، وهو
كما في الاستيعاب لابي عمر عن طائفة كان كهفا للمنافقين
منذ اسلم وكان في الجاهلية‏ينسب الى الزندقة. قال الزبير يوم
اليرموك لما حدثه ابنه ان ابا سفيان كان يقول: ايه بني الاصفر:
قاتله اللّهيابى الا نفاقا اولسنا خيرا له من بني الاصفر؟ وقال له
علي (ع): «ما زلت عدوا للاسلام واهله‏». ومن‏طريق ابن
المبارك عن الحسن: ان ابا سفيان دخل على عثمان حين
صارت الخلافة اليه فقال: صارت اليك‏بعد تيم وعدي فادرها
كالكرة، واجعل اوتادها بني امية، فانما هو الملك ولا ادري ما
جنة ولا نار. فصاح به‏عثمان: قم عني فعل اللّه بك وفعل.
الاستيعاب ((1293)) (2/690).
وفي تاريخ الطبري ((1294)) (11/357): يا بني عبدمناف
تلقفوها تلقف الكرة، فما هناك جنة ولا نار.
وفي لفظ المسعودي: يا بني امية تلقفوها تلقف الكرة، فوالذي
يحلف به ابو سفيان ما زلت‏ارجوها لكم‏ولتصيرن الى‏صبيانكم
وراثة. مروج الذهب ((1295)) (1/440).
واخرج ابن عساكر في تاريخه ((1296)) (6/407) عن انس: ان
ابا سفيان دخل على عثمان بعدما عمي فقال: هل‏هنا احد
((1297))؟ فقالوا: لا. فقال: اللهم اجعل الامر امر جاهلية،
والملك ملك غاصبية، واجعل اوتاد الارض‏لبني امية.
وقال ابن حجر: كان راس المشركين يوم احد ويوم الاحزاب،
وقال ابن سعد في اسلامه: لما راى الناس‏يطؤون عقب رسول
اللّه (ص) حسده، فقال في نفسه: لو عاودت الجمع لهذا الرجل.
فضرب رسول اللّه في‏صدره ثم قال: «اذا يخزيك اللّه» وفي
رواية: قال في نفسه: ما ادري لم ((1298)) يغلبنا محمد؟
فضرب في ظهره وقال:«باللّه يغلبك‏». الاصابة (2/179).
وان سالت مولانا امير المؤمنين عن الرجل فعلى الخبير
سقطت، قال في حديث له: «معاوية طليق ابن‏طليق، حزب من
هذه الاحزاب، لم يزل للّه عز وجل ولرسوله (ص) وللمسلمين
عدوا هو وابوه حتى دخلافي الاسلام كارهين‏» ((1299)).
وحسبك ما في كتاب له الى معاوية بن ابي سفيان من قوله:
«يابن صخر يابن اللعين‏» ((1300)) ولعله (ع) يوعزبقوله هذا الى
ما رويناه من ان رسول اللّه (ص) لعنه وابنيه معاوية ويزيد لما
رآه راكبا واحد الولدين يقودوالاخر يسوق فقال: «اللهم العن
الراكب والقائد والسائق‏» ((1301)).
وذكر ابن ابي الحديد في الشرح ((1302)) (4/220) من كتاب
للامام (ع) كتبه الى معاوية قوله: فلقد سلكت‏طرائق ابي
سفيان ابيك وعتبة جدك وامثالهما من اهلك ذوي الكفر
والشقاق والاباطيل ((1303)).
ويعرفك ابا سفيان قول ابي ذر لمعاوية لما قال له: يا عدو اللّه
وعدو رسوله : ما انا بعدو للّه ولا لرسوله‏بل انت وابوك عدوان
للّه ولرسوله، اظهرتما الاسلام وابطنتما الكفر. الى آخر ما ياتي
في البحث عن مواقف‏ابي ذر مع عثمان.
هذا حال الرجل يوم كفره واسلامه ولم يغير ما هو عليه حتى
لفظ نفسه الاخير، فهل له في اموال المسلمين‏قطمير او نقير
((1304))((1304)) فضلا عن الالاف؟ لولا ان النسب الاموي برر للخليفة
ان يخصه بمنائحه الجمة من مال‏الناس، وافق السنة ام خالفها.

(38) عطاء الخليفة من غنائم افريقية
اعط‏ى عبداللّه بن سعد بن ابي سرح اخاه من الرضاعة الخمس
من غنائم افريقية في غزوها الاول كما مرفي‏صفحة (259)
وقال ابن كثير: اعطاه خمس الخمس. وكان مائة الف دينار
على ما ذكره ابو الفدا من تقديرذلك الخمس بخمسمائة الف
دينار. وكان حظ الفارس من تلك الغنيمة العظيمة ثلاثة آلاف
[مثقال]،ونصيب الراجل الف [مثقال]. كما ذكره ابن الاثير في
اسد الغابة ((1305)) (3/173)، وابن كثير في
تاريخه((1306))(7/152).
وقال ابن ابي الحديد في شرحه ((1307)) (1/67): اعط‏ى
عبداللّه بن ابي سرح جميع ما افاء اللّه عليه من فتح‏افريقية
بالمغرب، وهي من طرابلس الغرب الى طنجة، من غير ان
يشركه فيه احد من المسلمين.
وقال البلاذري في الانساب (5/26): كان عثمان كثيرا ما
يولي من بني امية من لم يكن له مع النبي (ص)صحبة، فكان
يجي‏ء من امرائه ما ينكره اصحاب محمد(ص) وكان يستعتب
فيهم فلا يعزلهم، فلما كان في‏الست الاواخر استاثر ببني عمه
فولاهم وولى عبداللّه بن ابي سرح مصر، فمكث عليها سنين
فجاء اهل‏مصر يشكونه ويتظلمون منه. الى ان قال: فلما جاء اهل
مصر يشكون ابن ابي سرح كتب اليه كتابا يتهدده‏فيه، فابى ان
ينزع عما نهاه عثمان عنه، وضرب بعض من كان شكاه الى
عثمان من اهل مصر حتى قتله،فخرج من اهل مصر سبع مائة
الى المدينة فنزلوا المسجد وشكوا ما صنع بهم ابن ابي سرح
في مواقيت‏الصلاة الى اصحاب محمد، فقام طلحة الى عثمان
فكلمه بكلام شديد، وارسلت اليه عائشة غ تساله ان‏ينصفهم من
عامله، ودخل عليه علي بن ابي طالب وكان متكلم القوم، فقال
له: «انما يسالك القوم‏رجلامكان رجل وقد ادعوا قبله دما
فاعزله عنهم واقض بينهم، فان وجب عليه حق فانصفهم منه‏».
فقال‏لهم: اختاروا رجلا اوليه عليكم مكانه. فاشار الناس عليهم
بمحمد بن ابي بكر الصديق، فقالوا: استعمل‏علينا محمد بن ابي
بكر، فكتب عهده على مصر ووجه معهم عدة من المهاجرين
والانصار ينظرون فيما بينهم‏وبين ابن ابي سرح. وسياتي تمام
الخبر وكتاب عثمان الى ابن ابي سرح يامره بالتنكيل بالقوم.
قال الاميني: ابن ابي سرح هذا هو الذي اسلم قبل الفتح وهاجر
ثم ارتد مشركا وصار الى قريش بمكة،فقال لهم: اني اضرب
محمدا حيث اريد. فلما كان يوم الفتح امر (ص) بقتله واباح دمه
ولو وجد تحت استارالكعبة، ففر الى عثمان فغيبه حتى اتى به
رسول اللّه بعدما اطمان اهل مكة فاستامنه له، فصمت رسول
اللّه(ص) طويلا. ثم قال: «نعم‏» فلما انصرف عثمان قال (ص)
لمن حوله: «ما صمت الا ليقوم اليه بعضكم‏فيضرب عنقه‏» وقال
رجل من الانصار: فهلا اومات الي يا رسول اللّه؟ فقال: «ان النبي
لا ينبغي ان يكون له‏خائنة الاعين‏» ((1308)).
ونزل القرآن بكفره في قوله تعالى: (ومن اظلم ممن افترى
على اللّه كذبا اوقال
اوحي الي ولم يوح اليه شي‏ء ومن قال سانزل مثل ما انزل اللّه)
الاية ((1309)).
اطبق المفسرون على ان المراد بقوله: سانزل مثل ما انزل اللّه
هو عبداللّه بن ابي سرح وسبب ذلك فيما ذكروه:انه لما نزلت
الاية التي في المؤمنين (ولقد خلقنا الانسان من سلالة من
((1310)). دعاه النبي (ص) فاملاهاعليه، فلما انتهى الى طين)
قوله: (ثم انشاناه خلقا آخر) ((1311)) عجب عبداللّه في تفصيل
خلق الانسان فقال: تبارك‏اللّه احسن الخالقين، فقال رسول اللّه
(ص): «هكذا انزلت علي‏»، فشك عبداللّه حينئذ وقال: لئن كان
محمدصادقا لقد اوحي الي كما اوحي اليه، وان كان كاذبا لقد
قلت كما قال. فارتد عن الاسلام ولحق بالمشركين‏فذلك قوله:
(ومن قال سانزل مثل ما انزل اللّه).
راجع ((1312)) الانساب للبلاذري(5/49)، تفسير
القرطبي(7/40)، تفسير البيضاوي (1/391)، كشاف‏الزمخشري
(1/461)، تفسير الرازي (4/96)، تفسير الخازن (2/37)، تفسير
النسفي هامش الخازن (2/37)،تفسير الشوكاني (2/133، 135)
نقلا عن‏ابن ابي‏حاتم، وعبدبن حميد، وابن المنذر، وابن جريج،
وابن جرير،وابي الشيخ.
كان الرجل اموي النزعة والنشاة، ارضعته وعثمان ثدي
الاشعرية فقربته الاخوة من الرضاعة الى الخليفة،وآثرته نزعاته
الاموية على المسلمين، واوصلته الى الحظوة والثروة من
حطام الدنيا، وحللت له تلك المنحة‏الطائلة وان لم تساعد
الخليفة على ذلك النواميس الدينية، اذ لم يكن امر الغنائم
مفوضا اليه وانما خمسها للّهولرسوله ولذي القربى، وادى الرجل
شكر تلكم الايادي بامتناعه عن بيعة علي امير المؤمنين بعد
قتل اخيه‏الخليفة، واللّه يعلم منقلبهم ومثواهم.
هذه سيرة عثمان وسنته في الاموال وفي لسانه قوله على
صهوة الخطابة: هذا مال اللّه اعطيه من شئت وامنعه‏من شئت،
فارغم اللّه انف من رغم. ولا يصيخ الى قوله عمار يوم ذاك:
اشهد اللّه ان انفي اول راغم من‏ذلك.
وبين شفتيه قوله: لناخذن حاجتنا من هذا الفي‏ء وان رغمت
انوف اقوام. ولا يعبا بقول مولانا امير المؤمنين‏في ذلك
الموقف: «اذا تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه‏» ((1313)).
نعم: هذا عثمان وهذا قيله، والمشرع الاعظم (ص) يقول فيما
اخرجه البخاري في صحيحه ((1314)) (5/15): «انماانا قاسم
وخازن واللّه يعط‏ي‏». ويقول: «ما اعطيكم ولا امنعكم انما انا
قاسم حيث امرت‏». وفي لفظ: «واللّه مااوتيكم من شي‏ء ولا
امنعكموه، ان انا الا خازن اضع حيث امرت‏» ((1315)). وقد
حذر (ص) امته من التصرف‏في مال اللّه بغير حق بقوله: «ان
رجالا يتخوضون في مال اللّه بغير حق فلهم النار يوم القيامة‏»
. ((1316))
(تلك حدود اللّه فلا تقربوها ومن يتعد حدود اللّه فاولئك هم

الظالمون) ((1317)).

(39) الكنوز المكتنزة ببركة الخليفة
اقتنى جماعة من رجال سياسة الوقت، واصحاب الفتن
والثورات من جراء الفوضى في الاموال‏ضياعاعامرة، ودورا
فخمة، وقصورا شاهقة، وثروة طائلة، ببركة تلك السيرة الاموية
في الاموال، الشاذة‏عن الكتاب والسنة الشريفة وسيرة السلف،
فجمعوا من مال المسلمين مالا جما، واكلوه اكلا لما.
منهم ، الزبير بن العوام: خلف كما في صحيح البخاري في
كتاب الجهاد باب بركة الغازي في ماله ((1318))
(5/21):احدى عشرة دارا بالمدينة، ودارين بالبصرة، ودارا
بالكوفة، ودارا بمصر، وكان له اربع نسوة، فاصاب‏كل‏امراة بعد
رفع الثلث الف الف ومائتا الف. قال البخاري: فجميع ماله
خمسون الف الف ومائتا الف. وقال‏ابن الهائم: بل الصواب ان
جميع ماله حسبما فرض: تسعة وخمسون الف الف وثمانمائة
الف ((1319)) وصرح ابن‏بطال والقاضي عياض وغيرهما: بان
الصواب ما قاله ابن الهائم، وان البخاري غلط في الحساب.
كذا نجدها في صحيح البخاري وغيره من المصادر غير مقيدة
بالدرهم او الدينار، غير ان في تاريخ ابن‏كثير ((1320))
(7/249) قيدها بالدرهم.
وقال ابن سعد في الطبقات ((1321)) (3/77) طبع ليدن: كان
للزبير بمصر خطط، وبالاسكندرية خطط، وبالكوفة‏خطط،
وبالبصرة دور، وكانت له غلات تقدم عليه من اعراض المدينة.
وقال المسعودي في المروج ((1322)) (1/434)، خلف الف
فرس والف عبد والف امة وخططا.
ومنهم، طلحة بن عبيداللّه التيمي: ابتنى دارا بالكوفة تعرف
بالكناس بدار الطلحتين، وكانت غلته من‏العراق كل يوم الف
دينار، وقيل اكثر من ذلك وله بناحية سراة ((1323)) اكثر مما
ذكر، وشيد دارا بالمدينة وبناهابالاجر والجص والساج.
وعن محمد بن ابراهيم قال: كان طلحة يغل بالعراق ما بين
اربعمائة الف الى خمسمائة الف، ويغل بالسراة‏عشرة آلاف دينار
او اكثر او اقل.
وقال سفيان بن عيينة: كان غلته كل يوم الف واف. والوافي
وزنه وزن الدينار، وعن موسى بن طلحة: انه‏ترك الفي الف
درهم ومائتي الف درهم ومائتي الف دينار، وكان ماله قد
اغتيل.
وعن ابراهيم بن محمد بن طلحة قال: كان قيمة ما ترك
طلحة من العقار والاموال وما ترك من الناض((1324))ثلاثين
الف الف درهم، ترك من العين الفي الف ومائتي الف درهم
ومائتي الف دينار والباقي عروض.
وعن سعدى ام يحيى بن طلحة: قتل طلحة وفي يد خازنه الفا
الف درهم ومائتا الف درهم، وقومت اصوله‏وعقاره ثلاثين الف
الف درهم.
وعن عمرو بن العاص: ان طلحة ترك مائة بهار في كل بهار
ثلاثة قناطير ذهب. وسمعت ان البهار ((1325)) جلدثور. وفي
لفظ ابن عبدربه من حديث الخشني: وجدوا في تركته ثلاثمائة
بهار من ذهب وفضة.
وقال ابن الجوزي: خلف طلحة ثلاثمائة جمل ذهبا.
واخرج البلاذري من طريق موسى بن طلحة قال: اعط‏ى
عثمان طلحة في خلافته مائتي الف دينار.
راجع ((1326)) طبقات ابن سعد (3/158) طبع ليدن،
الانساب للبلاذري (5/7)، مروج الذهب (1/434)، العقدالفريد
(2/279)، الرياض النضرة (2/258)، دول الاسلام للذهبي
(1/18) الخلاصة للخزرجي (ص‏152).
وسياتي عن عثمان قوله: ويلي على ابن الحضرمية يعني
طلحة اعطيته كذا وكذا بهارا ذهبا، وهو يروم‏دمي يحرض
على نفسي.
ومنهم، عبدالرحمن بن عوف الزهري: قال ابن سعد: ترك
عبدالرحمن الف بعير، وثلاثة آلاف شاة، ومائة‏فرس ترعى
بالبقيع، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحا.
وقال: وكان فيما خلفه ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت
((1327)) ايدي الرجال منه، وترك اربع نسوة فاصاب‏كل‏امراة
ثمانون الفا. وعن صالح بن ابراهيم بن عبدالرحمن قال: صالحنا
امراة عبدالرحمن التي طل قها في‏مرضه من ربع الثمن بثلاثة
وثمانين الفا.
وقال اليعقوبي: ورثها عثمان فصولحت عن ربع الثمن على
مائة الف دينار. وقيل: ثمانين الف. وقال المسعودي:ابتنى داره
ووسعها وكان على مربطه مائة فرس، وله الف بعير، وعشرة
آلاف من الغنم، وبلغ بعد وفاته ثمن‏ماله اربعة وثمانين الفا.
راجع ((1328)) طبقات ابن سعد (3/96) طبع ليدن، مروج
الذهب (1/434)، تاريخ اليعقوبي (2/146)، صفة‏الصفوة لابن
الجوزي (1/138)، الرياض النضرة لمحب الطبري (2/291).
ومنهم، سعد بن ابي وقاص، قال ابن سعد: ترك سعد يوم مات
مائتي الف وخمسين الف درهم، ومات في‏قصره بالعقيق. وقال
المسعودي: بنى داره بالعقيق فرفع سمكها ووسع فضاءها
وجعل اعلاها شرفات ((1329)).طبقات ابن سعد (3/105)،
مروج الذهب (1/434).
ومنهم، يعلى بن امية ((1330)): خلف خمسمائة الف دينار،
وديونا على الناس وعقارات وغير ذلك من التركة ماقيمته مائة
((1331)) الف دينار. كذا ذكره المسعودي في مروج الذهب
(1/434). ((1332))
ومنهم، زيد بن ثابت المدافع الوحيد عن عثمان ، قال
المسعودي: خلف من الذهب والفضة ما كان يكسربالفؤوس غير
ما خلف من الاموال والضياع، بقيمة مائة الف دينار. مروج
الذهب ((1333)) (1/434).
هذه نبذ مما وقع فيه التفريط المالي على عهد عثمان، ومن
المعلوم ان التاريخ لم يحص كل ما كان هناك من‏عظائم، شانه
في اكثر الحوادث والفتن ولا سيما المتدرجة منها في الحصول.
واما ما اقتناه الخليفة لنفسه فحدث عنه ولا حرج، كان ينضد
اسنانه بالذهب ويتلبس باثواب الملوك. قال‏محمد بن ربيعة:
رايت على عثمان مطرف خز ثمن مائة دينار فقال: هذا لنائلة
((1334)) كسوتها اياه، فانا البسه‏اسرها به. وقال ابو عامر سليم:
رايت على عثمان بردا ثمنه مائة دينار ((1335)).
قال البلاذري: كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي
وجواهر فاخذ منه عثمان ما حلى به بعض اهله،فاظهر الناس
الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكلام شديد حتى اغضبوه
فقال: هذا مال اللّه اعطيه من شئت‏وامنعه من شئت فارغم اللّه
انف من رغم. وفي لفظ: لناخذن حاجتنا من هذا الفي‏ء وان
رغمت انوف اقوام،فقال له علي: «اذا تمنع من ذلك ويحال
بينك وبينه‏» الى آخر الحديث الاتي في مواقف الخليفة مع
عمار.
وجاء اليه ابو موسى بكيلة ذهب وفضة، فقسمها بين نسائه
وبناته، وانفق اكثر بيت المال في عمارة ضياعه‏ودوره
. ((1336))
وقال ابن سعد في الطبقات ((1337)) (3/53) طبع ليدن:
كان لعثمان عند خازنه يوم قتل ثلاثون الف الف
درهم‏وخمسائة الف درهم، وخمسون ومائة الف دينار فانتهبت
وذهبت.
وترك الف بعير بالربذة وصدقات ببراديس وخيبر ووادي القرى
قيمة مائتي الف دينار.
وقال المسعودي في المروج ((1338)) (1/433): بنى داره في
المدينة وشيدها بالحجر والكلس وجعل ابوابها من‏الساج
((1339))، واقتنى اموالا وجنانا وعيونا بالمدينة، وذكر والعرعر
عبداللّه بن عتبة: ان عثمان يوم قتل كان‏عند خازنه من المال
خمسون ومائة الف دينار والف الف درهم، وقيمة ضياعه بوادي
القرى وحنين‏وغيرهما مائة الف دينار، وخلف خيلا كثيرا وابلا.
وقال الذهبي في دول الاسلام ((1340)) (1/12): كان قد صار
له اموال عظيمة (رضي اللّه عنه) وله الف مملوك.

«صورة متخذة من اعطيات الخليفة والكنوز العامرة ببركته»

الاعلام الدينار
مروان‏000/500
ابن ابي سرح‏000/100
طلحة‏000/200
عبدالرحمن‏000/2560
يعلى بن امية‏000/500
زيد بن ثابت 000/100
عثمان الخليفة‏000/150
عثمان الخليفة‏000/200
000/310/4 الجمع اربعة ملايين وثلاثمائة وعشرة آلاف دينار.
اقرا ولا تنس قول مولانا امير المؤمنين في عثمان: «قام نافجا
حضنيه بين نثيله ومعتلفه، وقام معه بنو ابيه‏يخضمون مال اللّه
خضمة الابل نبتة الربيع‏».
وقوله الاتي بعيد هذا: «الا ان كل قطيعة اقطعها عثمان، وكل
مال اعطاه من مال اللّه فهو مردود في بيت‏المال‏».
الدرهم‏الاعلام
300000الحكم
2020000آل الحكم
300000الحارث
100000سعيد
100000الوليد
300000عبداللّه
600000عبداللّه
200000ابو سفيان
100000مروان
2200000طلحة
30000000طلحة
59800000الزبير
250000ابن ابي وقاص
30500000عثمان الخليفة
000/770/126 المجموع مائة وستة وعشرون مليونا وسبعمائة
وسبعون الف درهم.
بقي هنا ان نسال الخليفة عن علة قصر هذه الاثرة على
المذكورين ومن جرى مجراهم من زبانيته، اهل‏خلقت الدنيا
لاجلهم؟ او ان الشريعة منعت عن الصلات واعطاء الصدقات
للصلحاء الابرار من امة محمد(ص) كابي ذر الغفاري، وعمار بن
ياسر، وعبداللّه بن مسعود الى نظرائهم؟ فيجب عليهم ان
يقاسوا الشدة،ويعانوا البلاء، ويشملهم المنع بين منفي
ومضروب ومهان، وهذا سيدهم امير المؤمنين يقول: «ان بني
امية‏ليفوقونني تراث محمد (ص) تفويقا» ((1341)) اي
يعطونني من المال قليلا قليلا كفواق الناقة ((1342)).
وهل الوجود هو بذل الرجل ماله وما تملكه ذات يده؟ او جدحه
من سويق غيره ((1343)) كما كان يفعل‏الخليفة؟ ليتني
وجدت من يحير جوابا عن مسالتي هذه. اما الخليفة فلم ادركه
حتى استحفي منه الخبر،ولعله لو كنت مستحفيا منه لسبقت
الدرة الجواب.
نعم يعلم حكم تلكم الاعطيات والقطائع وقد اقطع اكثر
اراضي بيت المال ((1344)) من خطبة لمولانا
اميرالمؤمنين، ذكرها الكلبي مرفوعة الى ابن عباس قال: ان
عليا(ع) خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة‏فقال: «الا ان
كل قطيعة اقطعها عثمان، وكل مال اعطاه من مال اللّه، فهو
مردود في بيت المال، فان الحق القديم‏لا يبطله شي‏ء، ولو
وجدته قد تزوج به النساء، وفرق في البلدان، لرددته الى حاله،
فان في العدل سعة، ومن‏ضاق عنه الحق فالجور عنه اضيق‏»
. ((1345))
قال الكلبي: ثم امر (ع) بكل سلاح وجد لعثمان في داره مما
تقوى به على المسلمين فقبض، وامر بقبض‏نجائب كانت في
داره من ابل الصدقة فقبضت، وامر بقبض سيفه ودرعه، وامر ان
لا يعرض لسلاح وجد له‏لم يقاتل به المسلمين، وبالكف عن
جميع امواله التي وجدت في داره وغير داره، وامر ان ترجع
الاموال التي‏اجاز بها عثمان حيث اصيبت او اصيب اصحابها،
فبلغ ذلك عمرو بن العاص، وكان بايلة من ارض الشام‏اتاها
حيث وثب الناس على عثمان فنزلها، فكتب الى معاوية:
ما كنت صانعا فاصنع اذ قشرك ابن ابي طالب من كل مال
تملكه كما تقشر عن العصا لحاها. وقال الوليد بن‏عقبة
المذكور آنفا يذكر قبض علي (ع) نجائب عثمان وسيفه
وسلاحه:
بني هاشم ردوا سلاح ابن اختكم
ولا تنهبوه لا تحل مناهبه
بني هاشم كيف الهوادة بيننا
وعند علي درعه ونجائبه
بني هاشم كيف التودد منكم
وبز ابن اروى فيكم وحرائبه
بني هاشم الا تردوا فاننا
سواء علينا قاتلاه وسالبه
بني هاشم انا وما كان منكم
كصدع الصفا لا يشعب الصدع شاعبه
قتلتم اخي كيما تكونوا مكانه
كما غدرت يوما بكسرى مرازبه
فاجابه عبداللّه بن ابي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب
بابيات طويلة من جملتها:
فلا تسالونا سيفكم ان سيفكم
اضيع والقاه لدى الروع صاحبه
وشبهته كسرى وقد كان مثله
شبيها بكسرى هديه وضرائبه
قال: اي كان كافرا كما كان كسرى كافرا، وكان المنصور رحمه
اللّه تعالى اذا انشد هذا البيت يقول: لعن اللّهالوليد هو الذي فرق
بين بني عبدمناف بهذا الشعر ((1346)).
هذه الابيات المعزوة الى عبداللّه نسبها المسعودي في مروج
الذهب ((1347)) (1/443) الى الفضل بن العباس بن‏ابي لهب
وذكر منها:
سلوا اهل مصر عن سلاح ابن اختنا
فهم سلبوه سيفه وحرائبه
وكان ولي العهد بعد محمد
علي وفي كل المواطن صاحبه
علي ولي اللّه اظهر دينه
وانت مع الاشقين فيما تحاربه
وانت امرؤ من اهل صيفور مارح ((1348))
فما لك فينا من حميم تعاتبه
وقد انزل الرحمن انك فاسق
فما لك في الاسلام سهم تطالبه

(40) الخليفة والشجرة الملعونة في القرآن
كان مزيج نفس الخليفة حب بني ابيه آل امية الشجرة الملعونة
في القرآن وتفضيلهم على الناس، وقد تنشب‏ذلك في قلبه
وكان معروفا منه من اول يومه، وعرفه بذلك من عرفه. قال
عمر بن الخطاب لابن عباس: لووليها عثمان لحمل بني ابي
معيط على رقاب الناس ولو فعلها لقتلوه ((1349)).
وفي لفظ الامام ابي حنيفة: لو وليتها عثمان لحمل آل ابي
معيط على رقاب الناس، واللّه لو فعلت لفعل، ولوفعل لاوشكوا
ان يسيروا اليه حتى يجزوا راسه. ذكره القاضي ابو يوسف في
الاثار ((1350)) (ص‏217).
ووصى الى عثمان بقوله: ان وليت هذا الامر فاتق اللّه ولا تحمل
آل ابي معيط على رقاب الناس ((1351)).
وبهذه الوصية اخذه علي وطلحة والزبير لما ولى الوليد بن
عقبة على الكوفة وقالوا له: الم يوصك عمرالاتحمل آل ابي
معيط وبني امية على رقاب الناس؟ فلم يجبهم بشي‏ء. انساب
البلاذري (5/30).
كان يبذل كل جهده في تاسيس حكومة اموية قاهرة في
الحواضر الاسلامية كلها تقهر من عداهم، وتنسي‏ذكرهم في
القرون الغابرة، غير ان القدر الحاتم راغمه على منوياته فجعل
الذكر الجميل الخالد والبقية‏المتواصلة في الحقب والاجيال
كلها لال علي عليه وعليهم السلام، واما آل حرب فلا تجد من
ينتمي اليهم‏غير متوار بانتسابه، متخافت عند ذكر نسبه،
فكانهم حديث امس الدابر، فلا ترى لهم ذكرا، ولا تسمع‏لاحد
منهم ركزا.
كان الخليفة يمضي وراء نيته هاتيك قدما، وراء امل ابي سفيان
فيما قال له يوم استخلف: فادرها كالكرة‏واجعل اوتادها بني
امية. فولى على الامر في المراكز الحساسة والبلاد العظيمة
اغلمة بني امية، وشبابهم‏المترف المتبختر في شرخ الشبيبة
وغلوائها.
وامر فتيانهم الناشطين للعمل، الذين لم تحنكهم الايام ولم
يؤدبهم الزمان، وسلطهم على رقاب الناس، ووطدلهم السبل،
وكسح عن مسيرهم العراقيل، وفتح باب الفتن والجور
بمصراعيه على الجامع الصالح في الامصارالاسلامية، وجر
الويلات بيد اولئك الطغام على نفسه وعلى الامة المرحومة من
يومه وهلم جرا.
قال ابو عمر ((1352)): دخل شبل بن خالد على عثمان (رضي
اللّه عنه) حين لم يكن عنده غير اموي فقال: مالكم معشر
قريش؟ اما فيكم صغير تريدون ان ينبل؟ او فقير تريدون غناه؟
او خامل تريدون التنويه‏باسمه؟ علام اقطعتم هذا الاشعري
يعني ابا موسى العراق ياكلها هضما؟ فقال عثمان: ومن لها؟
فاشاروابعبد اللّه ((1353)) بن عامر وهو ابن ست عشرة سنة
فولاه حينئذ. ((1354))
وكان هؤلاء الاغلمة لا يبالي احدهم بما يفعل، ولا يكترث لما
يقول، والخليفة لا يصيخ الى شكاية‏المشتكي، ولا يعي عذل اي
عاذل، ومن اولئك الاغلمة والي الكوفة سعيد بن العاص ذاك
الشاب المترف،كان يقول كما مر في (ص‏270) على صهوة
المنبر: ان السواد بستان لاغيلمة من قريش.
وهؤلاء الاغيلمة هم الذين اخبر عنهم رسول اللّه (ص) بقوله:
«ان فساد امتي على يدي غلمة سفهاء من‏قريش‏» ((1355)).
وبقوله (ص): «هلاك هذه الامة على يد اغيلمة من قريش‏»
. ((1356))
واولئك السفهاء الامراء هم المعنيون بقوله (ص) لكعب بن
عجرة: «اعاذك اللّه يا كعب من امارة السفهاء».قال: وما امارة
السفهاء يا رسول اللّه؟ قال: «امراء يكونون بعدي لا يهدون بهديي
ولا يستنون بسنتي‏».الحديث مر في صفحة (256).
واولئك هم المعنيون بقوله (ص): «اسمعوا هل سمعتم؟ انه
سيكون بعدي امراء فمن دخل عليهم فصدقهم‏بكذبهم،
واعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه وليس بوارد علي
الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم‏يصدقهم بكذبهم ولم يعنهم
على ظلمهم فهو مني وانا منه وسيرد علي الحوض‏»، وفي لفظ:
«سيكون امراءيكذبون ويظلمون فمن صدقهم بكذبهم...»
. ((1357))
وفي لفظ احمد في المسند ((1358)) (4/267): «الا انه
سيكون بعدي امراء يكذبون ويظلمون، فمن صدقهم
بكذبهم‏ومالاهم على ظلمهم فليس مني ولا انا منه، ومن لم
يصدقهم بكذبهم ولم يمالئهم على ظلمهم فهو مني وانامنه‏».
وهم المعنيون بقوله (ص): «سيكون امراء بعدي يقولون ما لا
يفعلون، ويفعلون مالا يؤمرون‏» مسند احمد((1359)) (1/456).
يستعملهم عثمان وهو اعرف بهم من اي ابن انثى وقد جاء عن
رسول اللّه(ص) قوله: «من استعمل عاملامن‏المسلمين وهو
يعلم ان فيهم اولى بذلك منه واعلم بكتاب اللّه وسنة نبيه فقد
خان اللّه ورسوله وجميع‏المسلمين‏» ((1360)) وفي تمهيد
الباقلاني (ص‏190): «من تقدم على قوم من المسلمين وهو
يرى ان فيهم من هوافضل منه خان اللّه ورسوله والمسلمين‏».
فعهد اولئك الاغيلمة عهد هلاك امة محمد ودور فسادها،
منهم بدات الفتن وعليهم عادت، فترى الولاة يوم‏ذاك من
طريد لعين الى وزغ مثله، ومن فاسق مهتوك بالذكر الحكيم
الى طليق منافق، ومن شاب‏مترف الى‏اغيلمة سفهاء.
وكان للخليفة وراء ذلك كل ه امل بانه لو بيده مفاتيح الجنة
ليعطيها بني امية حتى يدخلوها من عندآخرهم، اخرج احمد
في المسند ((1361)) (1/62) من طريق سالم بن ابي الجعد
قال: دعا عثمان (رضي اللّه عنه)ناسا من اصحاب رسول اللّه
(ص) فيهم عمار بن ياسر فقال: اني سائلكم واني احب ان
تصدقوني،نشدتكم اللّه اتعلمون ان رسول اللّه(ص) كان يؤثر
قريشا على سائر الناس، ويؤثر بني هاشم على سائرقريش؟
فسكت القوم، فقال عثمان (ص): لو ان بيدي مفاتيح الجنة
لاعطيتها بني امية حتى يدخلوا من عندآخرهم. اسناده صحيح
رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح.
فكان الخليفة يحسب ان الهرج الموجود في العطاء عنده سوف
يتسرب معه الى باب الجنة يحابي قومه‏بالنعيم كما حاباهم في
الدنيا بالاموال، فما حظ‏ى الخليفة بما احب لهم في الدنيا يوم
طحنهم بكلكله البلا،واجهزت عليهم المثم والجرائم، واما
الاخرة فان بينهم وبين الجنة لسدا بما اقترفوه من الاثام، فلا
ارى‏الخليفة يحظ‏ى بامنيته هنالك، ونحن لا نعرف نظرية
الخليفة في امر الثواب والعقاب، ولا ما يؤول به الاي‏الواردة
فيهما في الذكر الحكيم، ولا رايه في الجنة والنار واهلهما،
(ايطمع كل امرئ منهم ان يدخل جنة‏ن عيم)((1362)) (ام
حسب الذين اجترحوا السيئات ان نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا
الصالحات سواء) ((1363))(كلاان‏الابرارلفي نعيم # وان الفجار
لفي جحيم # يصلونها يوم الدين) ((1364)) (كلا ان كتاب
الفجار لفي سجين) ((1365)) (كلا لينبذن في الحطمة # وما
ادراك ما الحطمة # نار اللّه الموقدة # التي تطلع على الافئدة)
((1366))
(وازلفت الجنة للمتقين # وبرزت الجحيم للغاوين) ((1367))
(ان الذين آمنوا وعملوا الصالحات واخبتوا الى ربهم‏اولئك
اصحاب الجنة) ((1368)).
فهؤلاء الامويون لم يكونوا في امل الخليفة ولا اغنوا عنه شيئا
يوم ضحى بنفسه وجاهه وملكه لاجلهم‏حتى قتل من جراء
ذلك، ولا احسب انهم مغنون عنه شيئا غدا عند اللّه يوم لا يغني
عنه مال ولا بنون.
الا تعجب من خليفة لا يروقه ايثار نبيه بني هاشم على سائر
قريش، وتدعوه عصبيته العمياء الى ان‏يعارض بمثل هذا التافه
المخزي قوله (ص) فيما اخرجه احمد ((1369)): «يا معشر بني
هاشم والذي بعثني بالحق‏نبى‏ا لو اخذت بحلقة الجنة ما بدات
الا بكم‏» ((1370))؟

(41) تسيير الخليفة ابا ذر الى الربذة
روى البلاذري ((1371)): لما اعط‏ى عثمان مروان بن الحكم
ما اعطاه، واعط‏ى الحارث ابن الحكم بن ابي العاص‏ثلاثمائة الف
درهم، واعط‏ى زيد بن ثابت الانصاري مائة الف درهم جعل ابو
ذر يقول: بشر الكانزين‏بعذاب اليم، ويتلو قول اللّه عز وجل:
(والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل اللّه
فبشرهم‏بعذاب اليم) ((1372))
فرفع ذلك مروان بن الحكم الى عثمان، فارسل الى ابي ذر ناتلا
مولاه ان انته عما يبلغني عنك، فقال: اينهاني‏عثمان عن قراءة
كتاب اللّه، وعيب من ترك امر اللّه؟ فواللّه لان ا رضي اللّه بسخط
عثمان احب الي‏وخير لي‏من ان اسخط اللّه برضاه. فاغضب
عثمان ذلك واحفظه فتصابر وكف ، وقال عثمان يوما: ايجوز
للامام ان‏ياخذ من المال فاذا ايسر قضى؟ فقال كعب الاحبار: لا
باس بذلك. فقال ابو ذر: يابن اليهوديين اتعلمناديننا؟ فقال
عثمان: ما اكثر اذاك لي واولعك باصحابي! الحق بمكتبك،
وكان مكتبه بالشام الا انه كان يقدم‏حاجا ويسال عثمان الاذن
له في مجاورة قبر رسول اللّه(ص) فياذن له في ذلك، وانما
صار مكتبه بالشام لانه‏قال لعثمان حين راى البناء قد بلغ سلعا:
اني سمعت رسول اللّه (ص) يقول: «اذا بلغ البناء سلعا
فالهرب‏»فاذن لي آتي الشام فاغزو هناك فاذن له، وكان ابو ذر
ينكر على معاوية اشياء يفعلها، وبعث اليه معاوية‏بثلاثمائة دينار،
فقال: ان كانت من عطائي‏الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها،
وان كانت صلة فلا حاجة لي‏فيها. وبعث اليه حبيب بن مسلمة
الفهري بمائتي دينار فقال: اما وجدت اهون عليك مني حين
تبعث الي‏بمال؟ وردها.
وبنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال: يا معاوية ان كانت هذه
الدار من مال اللّه فهي الخيانة، وان كانت من‏مالك فهذا
الاسراف، فسكت معاوية. وكان ابو ذر يقول: واللّه لقد حدثت
اعمال ما اعرفها، واللّه ماهي في‏كتاب اللّه ولا سنة نبيه، واللّه اني
لارى حقا يطفا، وباطلا يحيى، وصادقا يكذب، واثره بغير
تقى،وصالحامستاثرا عليه. فقال حبيب بن مسلمة لمعاوية: ان
ابا ذر مفسد عليك الشام فتدارك اهله ان كانت‏لكم به حاجة.
فكتب معاوية الى عثمان فيه، فكتب عثمان الى معاوية: اما بعد،
فاحمل جندبا الي على اغلظ‏مركب واوعره، فوجه معاوية من
سار به الليل والنهار، فلما قدم ابو ذر المدينة جعل يقول:
تستعمل‏الصبيان، وتحمي الحمى، وتقرب اولاد الطلقاء. فبعث
اليه عثمان: الحق باي ارض شئت. فقال بمكة. فقال:لا. قال:
فبيت المقدس. قال: لا. قال: فباحد المصرين. قال لا: ولكني
مسيرك الى الربذة. فسيره اليها فلم‏يزل بها حتى مات.
ومن طريق محمد بن سمعان قال: قيل لعثمان: اءن اءبا ذر
يقول: انك اءخرجته الى الربذة. فقال: سبحان اللّه ماكان من
هذا شي‏ء قط، واني لاعرف فضله، وقديم اسلامه، وما كنا نعد
في اصحاب النبي (ص) اكل شوكة‏منه.
ومن طريق كميل بن زياد قال: كنت بالمدينة حين امر عثمان
ابا ذر باللحاق بالشام، وكنت بها في العام‏المقبل حين سيره الى
الربذة.
ومن طريق عبدالرزاق عن معمر عن قتادة قال: تكلم ابو ذر
((1373))
((1373)) عثمان فكذبه ((1374)) فقال: ماظننت بشي‏ء كرهه
ان احدا يكذبني بعد قول رسول اللّه (ص): «ما اقلت الغبراء وما
اطبقت الخضراء على ذي لهجة‏اصدق من ابي ذر»، ثم سيره الى
الربذة فكان ابو ذر يقول: ما ترك الحق لي صديقا. فلما سار الى
الربذة قال:ردني عثمان بعد الهجرة اعرابيا.
قال: وشيع علي ابا ذر، فاراد مروان منعه منه فضرب علي
بسوطه بين اذني راحلته، وجرى بين علي‏وعثمان‏في ذلك
كلام حتى قال عثمان: ما انت بافضل عندي منه. وتغالظا فانكر
الناس قول عثمان ودخلوا بينهما حتى‏اصطلحا.
وقد روي ايضا: انه لم ا بلغ عثمان موت ابي ذر بالربذة قال:
رحمه اللّه. فقال عمار بن ياسر: نعم، فرحمه اللّهمن كل انفسنا.
فقال عثمان: يا عاض اير ابيه اتراني ندمت على تسييره؟ ياتي
تمام الحديث في ذكر مواقف‏عمار.
ومن طريق ابن حراش الكعبي ((1375)) قال: وجدت ابا ذر
بالربذة في مظلة شعر فقال: ما زال بي الامربالمعروف والنهي
عن المنكر حتى لم يترك الحق لي صديقا.
ومن طريق الاعمش عن ابراهيم التيمي عن ابيه قال: قلت
لابي ذر: ما انزلك الربذة؟ قال: النصح لعثمان‏ومعاوية.
ومن طريق بشر بن حوشب الفزاري عن ابيه قال: كان اهلي
بالشربة ((1376)) فجلبت غنما لي الى المدينة فمررت‏بالربذة
واذا بها شيخ ابيض الراس واللحية. قلت: من هذا؟ قالوا: ابو ذر
صاحب رسول اللّه (ص). واذا هوفي حفش ((1377)) ومعه
قطعة من غنم فقلت: واللّه ما هذا البلد بمحلة لبني غفار. فقال:
اخرجت كارها. فقال‏بشر بن حوشب: فحدثت بهذا الحديث
سعيد بن المسيب فانكر ان يكون عثمان اخرجه وقال: انما خرج
ابوذر اليها راغبا في سكناها ((1378)).
واخرج البخاري في صحيحه ((1379)) من حديث زيد بن
وهب قال: مررت بالربذة فقلت لابي ذر: ما انزلك[منزلك]
هذا؟ قال: كنت بالشام فاختلفت انا ومعاوية في هذه الاية:
(والذين يكنزون الذهب والفضة)فقال: نزلت في اهل الكتاب.
فقلت: [نزلت] فينا وفيهم. فكتب يشكوني الى عثمان، فكتب
عثمان: اقدم‏المدينة. فقدمت فكثر الناس علي كانهم لم يروني
قبل ذلك، فذكر[ت] ذلك لعثمان فقال: ان شئت تنحيت‏فكنت
قريبا. فذلك الذي انزلني هذا المنزل.
قال ابن حجر في فتح الباري ((1380)) في شرح الحديث: وفي
رواية الطبري انهم كثروا عليه يسالونه عن سبب‏خروجه من
الشام، فخشي عثمان على اهل المدينة ما خشيه معاوية على
اهل الشام. وقال بعد قوله: ان‏شئت تنحيت. في رواية الطبري:
تنح قريبا. قال: واللّه لن ادع ما كنت اقوله. ولابن مردويه: لا ادع
ماقلت.
وذكر المسعودي امر ابي ذر بلفظ هذا نصه قال: انه حضر
مجلس عثمان ذات يوم، فقال عثمان: ارايتم من‏زكى ماله هل
فيه حق لغيره؟ فقال كعب: لا يا امير المؤمنين. فدفع ابو ذر في
صدر كعب وقال له: كذبت‏يابن اليهودي ثم تلا: (ليس البر ان
تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن باللّه
واليوم‏الاخروالملائ كة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه
ذوي القربى واليتامى والمساكين‏وابن‏السبيل‏والسائ لين وفي
الرقاب واقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم اذا عاهدوا)
الاية ((1381)).
فقال عثمان: اترون باسا ان ناخذ مالا من بيت مال المسلمين
فننفقه فيما ينوبنا من امورنا ونعطيكموه؟ فقال‏كعب: لا باس
بذلك. فرفع ابو ذر العصا فدفع بها في صدر كعب وقال: يابن
اليهودي ما اجراك على القول‏في ديننا! فقال له عثمان: ما اكثر
اذاك لي، غيب وجهك عني فقد آذيتني. فخرج ابو ذر الى الشام
فكتب‏معاوية الى عثمان: ان ابا ذر تجتمع اليه الجموع ولا آمن
ان يفسدهم عليك، فان كان لك في القوم حاجة‏فاحمله اليك.
فكتب اليه عثمان بحمله، فحمله على بعير عليه قتب يابس
معه خمسة من الصقالبة يطيرون به‏حتى اتوا به المدينة قد
تسلخت بواطن افخاذه وكاد ان يتلف، فقيل له: انك تموت من
ذلك فقال: هيهات لن‏اموت حتى انفى، وذكر جوامع ما نزل به
بعد ومن يتولى دفنه، فاحسن اليه [عثمان] ((1382)) في داره
اياما،ثم‏دخل اليه فجلس على ركبتيه وتكل م باشياء، وذكر
الخبر في ولد ابي العاص: «اذا بلغوا ثلاثين رجلااتخذوا عباد اللّه
خولا». ومر في الخبر بطوله وتكلم بكلام كثير، وكان في ذلك
اليوم قد اتي عثمان بتركة‏عبدالرحمن بن عوف الزهري من
المال فنضت ((1383)) البدر حتى حالت بين عثمان وبين
الرجل القائم، فقال‏عثمان: اني لارجو لعبد الرحمن خيرا لانه
كان يتصدق ويقري الضيف وترك ما ترون. فقال كعب
الاحبار:صدقت يا امير المؤمنين، فشال ابو ذر العصا فضرب بها
راس كعب ولم يشغله ما كان فيه من الالم وقال:يابن
اليهودي‏تقول لرجل مات وترك هذا المال ان اللّه اعطاه خير
الدنيا وخير الاخرة، وتقطع على اللّهبذلك وانا سمعت رسول اللّه
(ص) يقول: «ما يسرني ان اموت وادع ما يزن قيراطا» فقال له
عثمان: وار عني‏وجهك. فقال: اسير الى مكة. قال لا واللّه. قال:
فتمنعني من بيت ربي اعبده فيه حتى اموت؟ قال: اي
واللّه.قال: فالى الشام. قال: لا واللّه. قال: البصرة. قال: لا واللّه
فاختر غير هذه البلدان. قال: لا واللّه ما اختارغير ما ذكرت لك،
ولو تركتني في دار هجرتي ما اردت شيئا من البلدان، فسيرني
حيث شئت من البلاد.قال: فاني مسيرك الى الربذة. قال: اللّه
اكبر صدق رسول اللّه (ص) قد اخبرني بكل ما انا لاق. قال
عثمان:وما قال لك؟ قال: اخبرني باني امنع عن مكة والمدينة
واموت بالربذة، ويتولى مواراتي نفر ممن يردون من‏العراق نحو
الحجاز. وبعث ابو ذر الى جمل له فحمل عليه امراته وقيل
ابنته، وامر عثمان ان يتجافاه الناس‏حتى يسير الى الربذة. فلما
طلع عن المدينة ومروان يسيره عنها، اذ طلع عليه علي بن
ابي طالب (رضي اللّهعنه) ومعه ابناه وعقيل اخوه وعبداللّه بن
جعفر وعمار بن ياسر، فاعترض مروان فقال: يا علي ان
اميرالمؤمنين قد نهى الناس ان يصحبوا ابا ذر في مسيره
ويشيعوه، فان كنت لم تدر بذلك فقد اعلمتك. فحمل‏عليه
علي بن ابي طالب بالسوط [وضرب] ((1384)) بين اذني
راحلته وقال: «تنح نحاك اللّه الى النار» ومضى مع‏ابي ذر فشيعه
ثم ودعه وانصرف. فلما اراد الانصراف بكى ابو ذر وقال: رحمكم
اللّه اهل البيت اذا رايتك ياابا الحسن وولدك ذكرت بكم رسول
اللّه (ص). فشكا مروان الى عثمان ما فعل به علي بن ابي طالب،
فقال‏عثمان: يا معشر المسلمين من يعذرني من علي؟ رد
رسولي عما وجهته له وفعل كذا واللّه لنعطينه حقه. فلمارجع
علي استقبله الناس ((1385)) فقالوا: ان امير المؤمنين عليك
غضبان لتشييعك ابا ذر. فقال علي: «غضب‏الخيل على اللجم‏»
((1386)). ثم جاء. فلما كان بالعشي جاء الى عثمان فقال له: ما
حملك على ما صنعت بمروان‏واجترات علي ورددت رسولي
وامري؟ قال: «اما مروان فانه استقبلني يردني فرددته عن
ردي؟ واما امرك‏فلم ارده‏» قال عثمان: اولم يبلغك اني قد
نهيت الناس عن ابي ذر وعن تشييعه؟ فقال علي: «اوكل ما
امرتنا به‏من شي‏ء نرى طاعة للّه والحق في خلافه اتبعنا فيه
امرك؟ باللّه لا نفعل‏». قال عثمان: اقد مروان. قال: «ومااقيده‏»؟
قال: ضربت بين اذني راحلته ((1387)) قال علي: «اما راحلتي
فهي تلك فان اراد ان يضربها كما ضربت‏راحلته فليفعل، واما انا
فواللّه لئن شتمني لاشتمنك انت مثلها بما لا اكذب فيه ولا
اقول الاحقا» قال عثمان:ولم لا يشتمك اذا شتمته، فواللّه ما
انت عندي بافضل منه. فغضب علي بن ابي طالب وقال: «الي
تقول هذاالقول؟ وبمروان تعدلني؟ فانا واللّه افضل منك، وابي
افضل من ابيك، وامي افضل من امك، وهذه نبلي قدنثلتها
وهلم فاقبل بنبلك‏». فغضب عثمان واحمر وجهه فقام ودخل
داره وانصرف علي فاجتمع اليه اهل بيته‏ورجال من المهاجرين
والانصار، فلما كان من الغد واجتمع الناس الى عثمان شكا
اليهم عليا وقال: انه‏يعيبني ويظاهر من يعيبني يريد بذلك ابا
ذر وعمار بن ياسر وغيرهما، فدخل الناس بينهما، وقال له
علي:«واللّه ما اردت تشييع ابي ذر الا اللّه».
وفي رواية الواقدي من طريق صهبان مولى الاسلميين قال:
رايت ابا ذر يوم دخل به على عثمان فقال له:انت الذي فعلت ما
فعلت ((1388))؟ فقال له ابو ذر: نصحتك فاستغششتني
ونصحت صاحبك فاستغشني. فقال‏عثمان: كذبت ولكنك تريد
الفتنة وتحبها قد انغلت ((1389)) الشام علينا، فقال له ابو ذر:
اتبع سنة صاحبيك لايكن لاحد عليك كلام. قال عثمان: مالك
وذلك لا ام لك؟ قال ابو ذر: واللّه ما وجدت لي عذرا الا
الامربالمعروف والنهي عن المنكر. فغضب عثمان وقال: اشيروا
علي في هذا الشيخ الكذاب، اما ان اضربه اواحبسه او اقتله، فانه
قد فرق جماعة المسلمين، او انفيه من ارض الاسلام. فتكلم
علي (ع) وكان‏حاضراوقال: اشير عليك بما قاله مؤمن آل
فرعون: (وان يك كاذبا فعليه كذبه وان يك صادقا يصبكم
بعض‏الذي يعدكم ان اللّه لا يهدي من هو مسرف كذاب)
((1390)) قال: فاجابه عثمان بجواب غليظ لا احب ذكره
واجابه‏علي‏بمثله.
قال: ثم ان عثمان حظر على الناس ان يقاعدوا ابا ذر او يكلموه،
فمكث كذلك اياما، ثم امر ان يؤتى به فاتي‏به، فلما وقف بين
يديه قال: ويحك يا عثمان اما رايت رسول اللّه(ص) ورايت ابا
بكر وعمر؟ هل رايت هذاهديهم؟ انك لتبطش بي بطش جبار،
فقال: اخرج عنا من بلادنا. فقال ابو ذر: ما ابغض الي جوارك!
فالى‏اين اخرج؟ قال: حيث شئت. قال: فاخرج الى الشام ارض
الجهاد. قال: انما جلبتك من الشام لما قدافسدتها، افاردك
اليها؟ قال: فاخرج الى العراق. قال: لا.
قال: ولم ؟ قال: تقدم على قوم اهل شبه وطعن في الامة؟ قال:
فاخرج الى مصر. قال: لا . قال: فالى اين‏اخرج؟ قال: حيث شئت.
قال ابو ذر: فهو اذن التعرب بعد الهجرة ااخرج الى نجد؟ فقال
عثمان: الشرف‏الابعد اقصى فاقصى، امض على وجهك هذا ولا
تعدون الربذة فسر اليها. فخرج اليها.
وقال اليعقوبي: وبلغ عثمان ان ابا ذر يقعد في مجلس رسول
اللّه (ص) ويجتمع اليه الناس فيحدث بما فيه‏الطعن عليه، وانه
وقف بباب المسجد فقال: ايها الناس من عرفني فقد عرفني،
ومن لم يعرفني فانا ابو ذرالغفاري، انا جندب بن جنادة الربذي،
(ان اللّه اصطفى آدم ونوحا وآل ابراهيم وآل عمران على
العالمين #ذرية بعضها من بعض واللّه سميع عليم) ((1391)).
محمد الصفوة من نوح، فالاول من ابراهيم، والسلالة
من‏اسماعيل، والعترة الهادية من محمد، انه شرف شريفهم
واستحقوا الفضل في قوم هم فينا كالسماء المرفوعة،وكالكعبة
المستورة، او كالقبلة المنصوبة، او كالشمس الضاحية، او
كالقمر الساري، او كالنجوم الهادية، اوكالشجر الزيتونية اضاء
زيتها وبورك زيدها ((1392)) ومحمد وارث علم آدم وما
فضلت به النبيون. الى ان قال:
وبلغ عثمان ان ابا ذر يقع فيه ويذكر ما غير وبدل من سنن
رسول اللّه (ص) وسنن ابي بكر وعمر فسيره الى‏الشام الى
معاوية، وكان يجلس في المجلس ((1393)) فيقول كما كان
يقول، ويجتمع اليه الناس حتى كثر من يجتمع‏اليه ويسمع
منه، وكان يقف على باب دمشق اذا صلى صلاة الصبح فيقول:
جاءت القطار تحمل النار، لعن‏اللّه الامرين بالمعروف والتاركين
له، ولعن اللّه الناهين عن المنكر والاتين له. فقال: