الغدير في الكتاب والسنة والادب
الجزء الخامس

العلامة الشيخ عبدالحسين الاميني

بسم اللّه الرحمن الرحيم

بقية شعراء الغدير في القرن السادس وشعراؤه في القرن السابع
وهم اثناعشر شاعرا
واللّه المستعان
وفي هذا الجزء من اهم الابحاث العلمية الدينية ما لا غنى عنه
لكل ديني ابتغى الحق وارتاد الحقيقة
وهم: اثنا عشر شاعرا
واللّه المستعان
احمدك اللهم يا من تجليت للقلوب بالعظمة، واحتجبت عن
الابصار بالعزة، واقتدرت على الاشياء بالقدرة،فلا الابصار تثبت
لرؤيتك ولا الاوهام تبلغ كنه عظمتك، ولا العقول تدرك غاية
قدرتك.
حمدا لك يا سبحان على ما مننت به علينا من النعم الجسيمة
واسبغتها، وتفضلت بالالاء الجمة، والحمت مااسديت، واجبت ما
سئلت، وهي كما تقول:
(وآتاكم من كل ما سالتموه وان تعدوا نعمة اللّه لا تحصوها
). ((1))
حمدا لك يا متعال على ما طهرتنا به من دنس الكفر ودرن
الشرك، واوضحت به لنا سبل الهداية، ومناسك‏الوصول اليك،
من بعث افضل رسلك واعظم سفرائك وخاتم انبيائك (ص)
بكتابك العزيز (لقد من اللّه على‏المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا
من انفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب
والحكمة وان كانوا من‏قبل لفي ضلال مبين) ((2)).
حمدا لك يا ذا الجلال على ما اتممت به نعمك، واكملت به
دين نبيك من ولاية امير المؤمنين اخي رسولك، وابي ذريته،
وسيد عترته، وخليفته من بعده، وانزلت فيها القرآن وقلت:
(اليوم اكملت لكم دينكم واتممت‏عليكم نعمتي ورضيت لكم
الاسلام دينا) ((3)).
حمدا لك يا عزيز على ما وفقتنا له من اتباع نبيك المصطفى
(ص) وخليفتيه في امته: كتابك الكريم، وعترته‏اهل بيته الذين
فرضت علينا طاعتهم، وامرتنا بمودتهم وجعلتها اجر الرسالة
الخاتمة وسميتها بالحسنة،وقلت: (ومن يقترف حسنة نزد له
فيها حسنا ان اللّه غفور شكور) ((4)).
(رب اوزعني ان اشكر نعمتك التي انعمت علي وعلى والدي
وان اعمل صالحا ترضاه واصلح لي في ذريتي‏اني تبت اليك
واني من المسلمين) ((5))
الاميني

بقية شعراء الغدير في القرن السادس

1 السيد محمد الاقساسي
2 قطب الدين الراوندي
3 سبط ابن التعاويذي

(53) السيد محمد الاقساسي
المتوفى (حدود 575)
وحق علي خير من وطئ
الثرى‏وافخر من بعد النبي قد افتخر
خليفته حقا ووارث علمه
به شرفت عدنان وافتخرت مضر
ومن قام في يوم الغدير بعضده
نبي الهدى حقا فسائل به عمر
ومن كسر الاصنام لم يخش عارها
وقد طال ما صلى لها عصبة اخر
وصهر رسول اللّه في ابنته التي
على فضلها قد انزل الاي والسور
الية عبد حق من لا يرى له
سوى حبه يوم القيامة مدخر
لاحزنني يوم الوداع وسرني
قدومك بالجلى من الامن والظفر
عارض الشاعر بهذه الابيات بيتين لبعض العامة وهما:
وحق ابي بكر الذي هو خير من
على الارض بعد المصطفى سيد البشر
لقد احدث التوديع عند وداعنا
لواعجه بين الجوانح تستعر ((6))

الشاعر
محمد بن علي بن فخر الدين ابي الحسين ((7)) حمزة بن
كمال الشرف ابي الحسن محمد بن ابي القاسم الحسن‏الاديب
ابن ابي جعفر محمد بن علي الزاهد ابن محمد الاصغر
الاقساسي ابن يحيى بن الحسين ذي العبرة ابن‏زيد الشهيد ابن
الامام علي بن الحسين (ع).

آل الاقساسي
من ارفع البيوت العلوية، لها اغصان باسقة موصولة بالدوح
النبوي اليانع،بزغت بهم العراق‏عصورامتطاولة، وان كان
منبعث غرسهم الزاكي الكوفة، من قرية كبيرة او كورة يقال لها:
اقساس‏مالك ((8))، وهم بين عالم متبحر، ومحدث ثقة،
ولغوي متضلع، وشاعر متانق، وامير ظافر، ونقيب فاضل.اول
من عرف بهذه النسبة السيد محمد الاصغر ابن يحيى، واولاده
تتشعب عدة شعب منهم:
بنو جوذاب: وهم اولاد علي بن محمد الاصغر.
وبنو الموضح: اولاد احمد بن محمد الاصغر.
وبنو قرة العين: اولاد احمد بن علي الزاهد ابن محمد الاصغر.
وبنو صعوة: اولاد احمد بن محمد بن علي الزاهد ابن محمد
الاصغر.
ومن بني صعوة طاهر بن احمد، ذكره السمعاني في الانساب
((9)) فقال: طاهر بن احمد بن محمد بن‏علي‏الاقساسي كان
يلقب بصعوة، وكان دينا ثقة يروي عن ابي علي الحسن بن
محمد بن سليمان العربي‏العدوي، عن حراش، عن انس بن
مالك.
والاقساسيون هم سلسلة المترجم، جده الاعلى ابو القاسم
الحسن الاقساسي المعروف بالاديب ابن ابي‏جعفر محمد،
ترجمه ابن عساكر في تاريخ الشام ((10))(4/247)، فقال: انه
قدم دمشق، وكان اديبا شاعرا،دخل دمشق في المحرم سنة
(347) ونزل في الحرمين، وكان شيخا مهيبا نبيلا حسن الوجه
والشيبة، بصيرابالشعر واللغة، يقول الشعر، من اجود آل ابي
طالب حظا، واحسنهم خلقا، وكان يعرف بالاقساسي نسبة‏الى
موضع نحو الكوفة.
وقال ابن الفوط‏ي كما في المحكي عن مجمع آدابه : سافر
الكثير، وكان قد تادب، وكتب مليحا، وله جماعة‏من الاصحاب،
قرات بخطه الى ابن نباتة السعدي:
ان العراق ولا اغشك ثلة
قد نام راعيها فاين الذيب
بنيانها نهب الخراب واهلها
سوط العذاب عليهم مصبوب
ملكوا وسامهم الدنية معشر
لا العقل راضهم ولا التهذيب
كل الفضائل عندهم مهجورة
والحر فيهم كالسماح غريب
وكمال الدين الشرف ابو الحسن ((11)) محمد بن ابي
القاسم الحسن المذكور،ولا ه الشريف علم الهدى آالمترجم في
شعراء القرن الخامس نقابة الكوفة وامارة الحاج، فحج بالناس
مرارا، وتوفي سنة (415) كمافي كتب التاريخ ((12))، ورثاه
الشريف المرتضى بقوله ((13)):
عرفت وياليتني ما عرفت
فمر الحياة لمن قد عرف
فها انا ذا طول هذا الزمان
بين الجوى تارة والاسف
فمن راحل لا اياب له
وماض وليس له من خلف
فلا الدهر يمتعني بالمقيم
ولا هو يرجع لي من سلف
اروني ان كنتم تقدرون
من ليس يكرع كاس التلف
ومن ليس رهنا لداعي الحمام
اذا ما دعا باسمه او هتف
وما الدهر الا الغرور الخدوع
فماذا الغرام به والكلف
وما هو الا كلمح البروق
والا هبوب خريف عصف
ولم ار يوما وان ساءني
كيوم حمام كمال الشرف
كاني بعد فراق له
وقطع لاسباب تلك الالف
اخو سفر شاسع ما له
من الزاد الا بقايا لطف ((14))
وعوضني بالرقاد السهاد
وابدلني بالضياء السدف
فراق وما بعده ملتقى
وصد وليس له منعطف
وعاتبت فيك صروف الزمان
ومن عاتب الدهر لم ينتصف
وقد خطف الموت كل الرجال
ومثلك من بيننا ما خطف
وما كنت الا ابي الجنان
على الضيم محتميا بالانف
خليا من العار صفر الازار
مدى الدهر من دنس او نطف
واذري الدموع ويا قلما
يرد الفوائت دمع ذرف
ومن اين ترنو اليك العيون
وانت ببوغائها في سجف
فبن ما مللت وكم بائن
مضى موسعا من قلى او شنف ((15))
وسقي ضريحك بين القبور
من البر ماشئته واللطف
ولا زال من جانبيه النسيم
يعاوده والرياض الانف
وصيرك اللّه من قاطني ال
جنان وسكان تلك الغرف
تجاور آباءك الطاهرين
ويتبع السالفين الخلف
قال ابن الاثير في الكامل ((16)) (9/121): حج بالناس ابو
الحسن الاقساسي سنة
(412) فلما بلغوا فيد ((17)) حصرهم العرب، فبذل لهم
الناصحي ((18)) ابو محمد قاضي القضاة خمسة‏آلاف دينار
فلم يقنعوا، وصمموا العزم على اخذ الحاج، وكان مقدمهم رجلا
يقال له حمار بن عدي بضم‏العين من بني نبهان، فركب
فرسه وعليه درعه وسلاحه وجال جولة يرهب بها، وكان من
سمرقند شاب‏يوصف بجودة الرمي، فرماه بسهم فقتله وتفرق
اصحابه وسلم الحاج، فحجوا وعادوا سالمين.
وقال ((19)) في (ص‏127): في هذه السنة يعني (415) عاد
الحجاج من مكة الى العراق على الشام لصعوبة‏الطريق المعتاد،
وكانوا لما وصلوا الى مكة بذل لهم الظاهر العلوي صاحب
مصر اموالا جليلة،وخلعانفيسة، وتكلف شيئا كثيرا
واعط‏ى‏لكل رجل في الصحبة جملة من المال ليظهر لاهل
خراسان ذلك،وكان على تسيير الحاج الشريف ابو الحسن
الاقساسي، وعلى حجاج خراسان حسنك نائب يمين
الدولة‏ابن سبكتكين ، فعظم ما جرى على الخليفة القادر باللّه،
وعبر حسنك دجلة وسار الى خراسان، وتهددالقادر باللّه ابن
الاقساسي فمرض ومات، ورثاه المرتضى وغيره.
لكمال الشرف شرح قصيدة السلامي ((20)) التي اولها:
سلام على زمزم والصفا
ينقل عنه سيدنا الحجة السيد ابن طاووس في كتاب اليقين،
في الباب الخامس والخمسين بعد المائة، والباب‏الذي بعده
. ((21))
وقال ابن الجوزي في المنتظم ((22)) (8/19): ولابي الحسن
الاقساسي شعر مليح، ومنه قوله في غلام اسمه‏بدر:
يا بدر وجهك بدر
وغنج عينيك سحر
وماء خديك ورد
وماء ثغرك خمر
امرت عنك بصبر
وليس لي عنك صبر
تامرني بالتسلى
ما لي من الشوق امر
وجد المترجم، فخر الدين ابو الحسين حمزة بن كمال الشرف
محمد، ذكره
النسابة العمري في المجدي ((23)) وقال: هو نقيب الكوفة،
كان صديقي، ذا فضل وحلم، ورئاسة ومواساة.
ولفخر الدين هذا اخ يسمى ابا محمد يحيى، ذكره السمعاني
في الانساب ((24))، وقال: كان ثقة نبيلا، سمع اباعبداللّه
محمد بن عبداللّه القاضي الجعفري، روى لنا عنه ابو القاسم
اسماعيل بن احمد السمرقندي ((25))، وابوالفضل محمد بن
عمر الارموي ((26)) ببغداد، وابو البركات عمر بن ابراهيم
الحسني ((27)) بالكوفة. وكانت‏ولادته في شوال سنة خمس
وتسعين وثلاثمائة، وتوفى سنة نيف وسبعين واربعمائة. وذكره
الحموي في معجم‏البلدان ((28)) (1/312).
واما شاعرنا المعني بالترجمة فذكره ابن الاثير في كامله
((29)) (11/174) وقال: وفيها يعني سنة 575 آتوفى محمد
بن علي بن حمزة الاقساسي نقيب العلويين بالكوفة، وكان
ينشد كثيرا:
رب قوم في خلائقهم
غرر قد صيروا غررا
ستر المال القبيح لهم
سترى ان زال ما سترا
وله اخوه علم الدين ابو محمد الحسن النقيب الطاهر بن علي
بن حمزة، ولد في الكوفة ونشا بها توفى (593)،ذكره ابن كثير
في البداية والنهاية ((30)) (13/16) فقال: كان شاعرا مطبقا،
امتدح الخلفاء والوزراء، وهو من‏بيت مشهور بالادب والرئاسة
والمروءة، قدم بغداد فامتدح المقتفي والمستنجد وابنه
المستضي‏ء وابنه الناصر،فولا ه الناصر النقابة، وكان شيخا مهيبا
جاوز الثمانين، وقد اورد له ابن الساعي قصائد كثيرة منها:
اصبر على كيد الزما
ن فما يدوم على طريقه
سبق القضاء فكن به
راض ولا تطلب حقيقه
كم قد تغلب مرة
واراك من سعة وضيقه
ما زال في اولاده
يجري على هذي الطريقه
وترجمه سيدنا القاضي المرعشي في مجالس المؤمنين ((31))
(ص‏211)، وقال الميرزا في رياض العلماء ((32)):كان من اجلة
السادات والشرفاء والعلماء والادباء والشعراء بالكوفة، يروي عنه
الشيخ علي بن علي بن نما،وهو من مشايخ اصحابنا.
ولعلم الدين مقرظا كتاب الافصاح عن شرح معاني الصحاح
، كما في تجارب السلف لابن سنجر(ص‏310) قوله: ((33))
ملك ملكه الفصاحة حتى
ما له في اقتنائها من ملاحي
وابان البيان حتى لقد
اخرس بالنطق كل ذي افصاح
وجلا كل غامض من معان
حملتها لنا متون الصحاح
في كتاب وحقه ما رعاه
قبله ذو هدى ولا اصلاح
وخلف علم الدين ولده قطب الدين ابا عبداللّه الحسين نقيب
نقباء العلويين في بغداد، وكان عالماشاعرامطلعا على السير
والتواريخ، قلد النقابة بعد عزل قوام الدين ابي علي الحسن بن
معد المتوفى (636) آعن النقابة سنة (624).
وفي الحوادث الجامعة ((34)) (ص‏220): توفى فيها يعني
سنة (645) النقيب قطب الدين ابو عبداللّه الحسين‏بن
الحسن بن علي المعروف بابن الاقساسي العلوي ببغداد، وكان
اديبافاضلا يقول شعرا جيدا، بدرت منه‏كلمة في ايام الخليفة
الناصر على وجه التصحيف، وهي (اردنا خليفة جديدا) فبلغت
الناصر، فقال: لا يكفي‏حلقة لكن حلقتين، وامر بتقييده وحمله
الى الكوفة، فحمل وسجن‏فيها، فلم يزل محبوسا الى ان
استخلف‏الظاهر سنة (623) فامر باطلاقه، فلما استخلف
المستنصر باللّه (624) رفق عليه فقربه وادناه، ورتبه
نقيباوجعله من ندمائه، وكان ظريفا خليعا طيب الفكاهة حاضر
الجواب.
وصل الملك الناصر ناصر الدين داود بن عيسى في المحرم
سنة (633) الى بغداد واجتاز بالحلة السيفية وبهاالامير شرف
الدين علي، ثم توجه منها الى بغداد، فخرج الى‏لقائه النقيب
الطاهر قطب الدين ابو عبداللّهالحسين ابن الاقساسي، وفي
سلخ ربيع الاول من السنة المذكورة وصل الامير ركن الدين
اسماعيل آصاحب الموصل الى بغداد، وخرج الى لقائه النقيب
الحسين ابن الاقساسي وخادمان من خدم الخليفة.
قصد الخليفة المستنصر باللّه سنة (634) مشهد الامام موسى
بن جعفر (ع) في ثالث رجب، فلما عاد ابرزثلاثة آلاف دينار الى
ابي عبد اللّه الحسين ابن الاقساسي نقيب الطالبيين وامره
ان يفرقها على العلويين‏المقيمين في مشهد امير المؤمنين
علي ابن ابي طالب والحسين وموسى بن جعفر (ع) ((35)).
حضر في سنة (637) ((36)) الامير سليمان بن نظام الملك
متولى المدرسة النظامية مجلس ابي الفرج‏عبدالرحمن ابن
الجوزي بباب بدر، فتاب وتواجد وخرق ثيابه وكشف راسه، وقام
واشهد الواعظ والجماعة‏على انه قد اعتق جميع ما يملكه من
رقيق، ووقف املاكه، وخرج [من] ما يملكه، فكتب اليه النقيب
الطاهرابو عبداللّه الحسين ابن الاقساسي ابياتا طويلة، يقول
فيها ((37)):
يابن نظام الملك يا خير من
تاب ومن لاقى به الزهد
يابن وزير الدولتين الذي
يروح للمجد كما يغدو
يابن الذي انشا من ماله
مدرسة طالعها سعد
قد سرني زهدك عن كل ما
يرغب فيه الحر والعبد
بان لك الحق وابصرت ما
اعيننا عن مثله رمد
وقلت للدنيا اليك ارجعي
ما عن نزوعي عنك لي بد
ما لذ لي بعدك حتى استوى
في في منك الصاب والشهد
شيمتك الغدر كما شيمتي
حسن الوفاء المحض والود
الى ان قال:
لا يقصد الناس الى دورهم
لكن الى منزلك القصد
وخدمة الناس لها حرمة
وكان ما تفعله يبدو
والناس قد كانوا رقودا وقد
ايقظتهم فانتبه الضد
وقسمت فيك ظنون الورى
وكلهم للقول يعتد
فبعضهم قال يدوم الفتى
وبعضهم قد قال يرتد
وقد اتى تشرين وهو الذي
اليه عين العيش تمتد
ما يسكن البيت وقد جاءه
الا مريض مسه الجهد
وكل ما يفعله حيلة
منه ونصب ما له حد
فقلت لا واللّه ما رايه
هذا ولا فيكم له ند
وانما هذا سليمان قد
صفا له في زهده الورد
مثل سليمان الذي اعرضت
يوما عليه الضمر الجرد
فعاف ان يدخلها قلبه
والهزل لا يشبهه الجد
ويقول فيها:
ليهنك الرشد الى كل ما
يضل عنه الجاهل الوغد
اسقطت من جيش ابي مرة ((38))
واكثر الناس له جند
وقمت للّه بما يرتجى
بمثله الجنة والخلد
فاصبر فما يدرك غايات ما
يطلب الا الحازم الجلد
وفي سنة (643) ((39)) تقدم الخليفة المستعصم ابو احمد
عبداللّه بارسال طيور من الحمام الى اربع جهات‏لتصنف اربعة
اصناف، منها: مشهد حذيفة بن اليمان بالمدائن، ومشهد
العسكري بسر من راى، ومشهد غني‏بالكوفة، والقادسية، وانفذ
مع كل عدة من الطيور عدلين ووكيلا. وكتب بذلك سجل
شهد فيه العدول على‏القاضي بثبوته عنده، وسميت هذه
الاصناف باليمانيات، والعسكريات، والغنويات، والقادسيات،
ونظم‏النقيب الطاهر قطب الدين الحسين ابن الاقساسي في
ذلك ابياتا وعرضها على الخليفة، اولها:
خليفة اللّه يا من سيف عزمته
موكل بصروف الدهر يصرفها
ويقول فيها:
ان الحمام التي صنفتها شرفت
على الحمام التي من قبل نعرفها
والقادسيات اطيار مقدسة
اذ انت يا مالك الدنيا مصنفها
وبعدها غنويات تنال بها
غنى الحياة وما يهوى مؤلفها
والعسكريات اطيار مشرفة
وليس غيرك في الدنيا يشرفها
ثم الحمام اليمانيات ما جعلت
الا سيوفا على الاعداء ترهفها
لا زلت مستعصما باللّه في نعم
يهدى لمجدك اسناها والطفها
ثم سال ان يقبض منها من يد الخليفة، فاجاب سؤاله واحضره
بين يديه وقبضه، فلما عاد الى داره نظم‏ابياتا اولها:
امام الهدى اوليتني منك انعما
رددن علي العيش فينان اخضرا
واحضرتني في حضرة‏القدس ناظرا
الى خير خلق اللّه نفسا وعنصرا
وعليت قدري بالحمام وقبضها
مناولة من كف ابلج ازهرا
رفعت بها ذكري واعليت منصبي
فحزت بها عزا ومجدا على الورى
حمام اذا خفت الحمام ذكرتها
فصرت بذاك الذكر منها معمرا
ويقول في آخرها:
قضى اللّه ان يبقى اماما معظما
مدى الدهر ما لاح الصباح واسفرا
فدم يا امير المؤمنين مخلدا
على الملك منصور الجيوش مظفرا
في المحرم من سنة (630) ((40)) قلد العدل مجد الدين ابو
القاسم هبة الدين بن المنصوري الخطيب نقابة نقباءالعباسيين
والصلاة والخطابة، وخلع عليه قميص اطلس بطراز مذهبا
ودراعة خارا اسود، وعمامة ثوب‏خارا اسود مذهب بغير ذؤابة،
وطيلسان قصب كحلي، وسيف محلى بالذهب، وامتط‏ى فرسا
بمركب ذهبا،وقرئ بعض عهده في دار الوزارة وسلم اليه،
وركب في جماعة الى دار انعم عليه بسكناها في‏المطبق من
دارالخلافة، وانعم عليه بخمسمائة دينار، وهو من اعيان عدول
مدينة السلام، وافاضل ارباب الطريقة المتكلمين‏بلسان اهل
الحقيقة، كان يصحب الفقراء دائما وياخذ نفسه بالرياضة
والسياحة والصوم الدائم والتخشن‏والتباعد من العالم، وكان
الموفق عبد الغافر ابن الفوط‏ي من جملة تلامذته، فعمل فيه
ابياتاطويلة، ولما انتهى‏حالها الى الديوان انكر ذلك عليه، ووكل
به اياما ولم يخرج الا بشفاعته، واول الابيات:
ناديت شيخي من شدة الحرب
وشيخنا في الحرير والذهب
في دسته جالسا ببسملة
بين يديه من قام في ادب
وركبة منه كنت اعهده
يذم اربابها على الرتب
وكان ابناؤها لديه على
سخط من اللّه شامل الغضب
اصاب في الراي من دعاك لها
وانت لما اجبت لم تصب
اول صوت دعاك عن عرض
لبيته مقبلا على السبب
ويقول فيها:
قد كنت ذاك الذي تظن به
لو لم تكن مسرعا الى الرتب
شيخي اين الذي يعلمنا الزه
د ويعتده من القرب
اين الذي لم يزل يسلكنا
الى خروج عن كل مكتسب
اين الذي لم يزل يعرفنا
فضل التمري بالجوع والتعب
ومنها:
اين الذي لم يزل يرغبنا
في الصوف لبسا له وفي الجشب
واين من غرنا بزخرفة
متى اعتقدناه زاهد العرب
واين ذاك التجريد يشعرنا
ان سواه في السعي لم يخب
واين من لم يزل يذم لنا
الدنيا وقول المحال والكذب
واين من لم يزل بادمعه
يخدعنا باكيا على الخشب
واين من كان في مواعظه
يصول زجرا عن كل مجتنب
ويقطع القول لا يتممه
منغلبا بالسماع والطرب
ويقسم الغمر انه رجل
ليس له في الوجود من ارب
لو كانت الارض كلها ذهبا
اعرض عنها اعراض مكتئب
اسفر ذاك الناموس مختيلا
عن راغب في التراث مستلب
وكان ذاك الصراخ يزعجنا
شكوى فقير على الدنا وصب
شيخي بعد الذم الصريح لما
ابيته جئته على طلب
نسيت ما قلته على ورع
عنى لما اكتسبت بالداب
ويل له ان يمت بخدمته
يمت كفورا وليس بالعجب
ما كان مال السلطان مكتسبا
لمسلم سالم من العطب ((41))
فكتب النقيب قطب الدين الحسين ابن الاقساسي الى النقيب
مجد الدين المذكور ابياتا كالمعتذر عنه والمسلى‏له، يقول في
اولها:
ان صحاب النبي كلهم
غير علي وآله النجب
مالوا الى الملك بعد زهدهم
واضطربوا بعده على الرتب
وكلهم كان زاهدا ورعا
مشجعا في الكلام والخطب
فاخذ عليه مخذ فيما يرجع الى ذكر الصحابة والتابعين،
وتصدى له جماعة وعملوا قصائد في الرد عليه،وبالغوا في
التشنيع عليه، حتى ان قوما استفتوا عليه الفقهاء ونسبوه الى
انه طعن في الصحابة والتابعين‏ونسبهم الى قلة الدين، فافتاهم
الفقهاء بموجب ما صدرت به الفتيا.
وقال ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ((42)) (2/45):
سالت بعض من اثق به من عقلاء شيوخ اهل‏الكوفة عما ذكره
الخطيب ابو بكر في تاريخه (1/138) ان قوما يقولون: ان هذا
القبر الذي تزوره الشيعة الى‏جانب الغري هو قبر المغيرة بن
شعبة، فقال: غلطوا في ذلك، قبر المغيرة وقبر زياد بالثوية من
ارض‏الكوفة، ونحن نعرفهما وننقل ذلك عن آبائنا واجدادنا،
وانشدني قول الشاعر يرثي زيادا، وقد ذكره ابو تمام‏في
الحماسة:
صلى الاله على قبر وطهره
عند الثوية يسفي فوقه المور ((43))
زفت اليه قريش نعش سيدها
فالحلم والجود فيه اليوم مقبور
ابا المغيرة والدنيا مفجعة
وان من غرت الدنيا لمغرور
وسالت قطب الدين نقيب الطالبيين ابا عبداللّه الحسين ابن
الاقساسي (رضى‏ا...عنه) عن ذلك فقال: صدق‏من اخبرك،
نحن واهلها كافة نعرف مقابر ثقيف الى الثوية، وهي الى اليوم
معروفة، وقبر المغيرة فيها، الا انها لا تعرف قد ابتلعها السبخ
وزبد الارض وفورانها فطمست واختلط بعضها ببعض، ثم قال:
ان شئت ان‏تتحقق ان قبر المغيرة في مقابر ثقيف فانظر الى
كتاب الاغاني لابي الفرج علي بن الحسين ((44))، والمح
ماقاله في ترجمة المغيرة وانه مدفون في مقابر ثقيف، ويكفيك
قول ابي الفرج فانه الناقد البصير والطبيب‏الخبير. فتصفحت
ترجمة المغيرة في الكتاب المذكور فوجدت الامر كما قاله
النقيب.
توجد ترجمة قطب الدين الاقساسي في‏تاريخ ابن كثير ((45))
(13/173)، قد اثنى عليه وقال: اورد له ابن‏الساعي اشعارا كثيرة
(رضى‏ا...عنه).
افرد العلا مة سيدنا المرعشي في مجالس المؤمنين ((46))
(ص‏212) ترجمة باسم عزالدين ابن الاقساسي وقال:انه من
اشراف الكوفة ونقبائها، كان فاضلا اديبا، له في قرض الشعر يد
غير قصيرة، روي ان الخليفة‏المستنصر العباسي خرج يوما
الى‏زيارة قبر سلمان الفارسي سلام اللّه عليه ومعه السيد
المذكور ابن‏الاقساسي، فقال له الخليفة في الطريق: ان من
الاكاذيب ما يرويه غلاة الشيعة من مجي‏ء علي بن ابي
طالب(ع) من المدينة الى المدائن لما توفى سلمان، وتغسيله
اياه ومراجعته في ليلته‏الى المدينة، فاجابه ابن‏الاقساسي
بالبديهة بقوله:
انكرت ليلة اذ صار الوصي الى
ارض المدائن لما ان لها طلبا
وغسل الطهر سلمانا وعاد الى
عراص يثرب والاصباح ماوجبا
وقلت ذلك من قول الغلاة وما
ذنب الغلاة اذا لم يوردوا كذبا
فصف قبل رد الطرف من سبا
بعرش بلقيس وافى يخرق الحجبا
فانت في آصف لم تغل فيه بلى
في حيدر انا غال ان ذا عجبا
ان كان احمد خير المرسلين فذا
خير الوصيين او كل الحديث هبا
هذه الابيات ذكرها العلا مة السماوي في الطليعة، ونسبها
الى‏شاعرنا في الغدير السيد محمد الاقساسي،وحسب انه هو
صاحب المستنصر، ذاهلا عن تاريخي ولادة المستنصر ووفاة
السيد صاحب الغديرية، فان‏السيد توفى كما مر سنة (575)،
والخليفة المستنصر ولد سنة (589) بعد وفاة السيد باربع
عشرة سنة،واستخلف فيه سنة (624).
وجعل العلا مة السيد الامين في اعيان الشيعة في الجزء
الحادي والعشرين ((47))(ص‏233) ترجمة تحت عنوان‏ابي
محمد عز الدين الحسن بن حمزة الاقساسي، وذكر القصة
والابيات له ولم يعلم هو من اين نقله، والحسن‏بن حمزة يكون
عم شاعرنا فيتقدم على المستنصر باكثر من صاحب الغديرية.
وذكر ابن شهرآشوب في المناقب ((48)) (1/449) هذه الابيات
بتغيير يسير وزيادة، ونسبها الى ابي الفضل‏التميمي ((49))،
واليك لفظها:
سمعت منى يسيرا من عجائبه
وكل امر علي لم يزل عجبا
ادريت في ليلة سار الوصي الى
ارض المدائن لما ان لها طلبا
فالحد الطهر سلمانا وعاد الى
عراص يثرب والاصباح ما قربا
كصف قبل رد الطرف من سبا
بعرش بلقيس وافى يخرق الحجبا
فكيف في آصف لم تغل انت بلى
بحيدر انا غال اورد الكذبا
ان كان احمد خير المرسلين فذا
خير الوصيين او كل الحديث هبا
وقلت ما قلت من قول الغلاة فما
ذنب الغلاة اذا قالوا الذي وجبا
فرواية ابن شهرآشوب هذه الابيات تثبت عدم كونها من نظم
السيد قطب الدين الاقساسي ايضا، اذ ابن‏شهرآشوب توفى سنة
(588) قبل ولادة المستنصر بسنة، وقبل وفاة السيد القطب
بسبع وخمسين سنة،ولعلهالابي الفضل التميمي او لغيره من
اسلاف آل الاقساسي الاولين، وانشدها قطب الدين للمستنصر.

لفت نظر
يبلغني من وراء حجب البغضاء والاحن تكذيب هذه المكرمة
الباهرة لمولانا امير المؤمنين (ع) وعزوها الى‏الغلو، مستندا الى
احالة ط‏ي هذه المسافة البعيدة في هذا الوقت اليسير، ولو عقل
المسكين ان هاتيك الاحالة‏على فرضها عادية لا عقلية، والا لما
صح حديث المعراج ولم يكن الا جسمانيا المتواتر المعدود
من‏ضروريات الدين، ولا صحت قصة آصف بن برخيا المحكية
في القرآن الكريم، ولما تمكن عفريت من الجن‏من ان ياتي
بعرش بلقيس قبل ان يقوم سليمان من مقامه، ولم يرده
سليمان ولا الذكر الحكيم، غير ان سليمان‏اراد ذلك باسرع منه،
وشمول القدرة الالهية على التسيير الحثيث والبط‏ي‏ء شرع
سواء، كما انها بالنسبة الى‏كلية الامور الصعبة والسهلة كذلك،
فقد يكرم اللّه الولي المقرب باقداره على اشياء لم يقدر عليه من
هودونه، وقد خلق اللّه الناس اطوارا، فتراهم متفاوتين في
القدرة، فيقوى هذا على ما لا يقوى عليه ذاك،وليس لقدرة اللّه
سبحانه حد محدود.
ومن هنا وهناك اختلفت عاديات الموجودات في شؤونها
واطوارها، فالمسافة التي يطويها الفارس في امدمحدود غيرما
يطويه الراجل، وللسيارات البخارية عدو مرب على الجميع،
وانك تستصغر ذلك العدو اذاقسته بالطائرات الجوية لانك
تجدها تطوي في خمس ساعات مثلا ما تطويه الناس في
خمسة اشهر.
وهذه طيارة مستكشفة (بريجيه‏19)، تحركت من باريس في
صباح (24) ابريل سنة (1924) فوصل في‏المساء الى بخارست
بعد ان قطع (1250) ميلا في (11) ساعة، وفي اليوم التالي
اضاف اليها (770)ميلااخرى، ولم تمض عليه خمسة ايام حتى
كان قد وصل الى الهند، وقطع مسافة قدرها (3730) ميلا،
وقدوصلت سرعة الطيارات الى ما فوق (150) ميلا في الساعة
الواحدة، وتحارب البعض منها في ارتفاع‏بلغ(22000) قدم
. ((50))
ومن الممكن ان يكشف لنا العلم في مستقبله ما هو اسرع سيرا
من هاتيك كلها ((51)).
اذن فاي وازع من ان يكون من عاديات الولي مهما اراد التمكن
من امثال هذا السير؟ وما ذلك على اللّهبعزيز، على انا لا نساوي
مولانا امير المؤمنين ومن جرى مجراه من ائمة الهدى (ع)
بغيرهم من افراد الرعية،ولا باحد من اولياء اللّه المقربين ولا
باحد من حملة العلم والمكتشفين، فنجوز فيهم صدور المعجز
متى‏اقتضته المصلحة، بل هو من واجب مقامهم.
وان تعجب فعجب ان فئة ممن ران على قلوبهم ما كانوا
يعملون تحاول دحض هذه المكرمة في مولانا اميرالمؤمنين،
وهم يخضعون لمثلها في غيره ممن هو دونه من دون اي غمز
ونكير.
1 روى الحافظ ابن عساكر في تاريخه ((52)) (4/33) عن
السري بن يحيى قال: كان حبيب بن محمدالعجمي البصري
يرى يوم التروية بالبصرة ويوم عرفة بعرفات.
2 قال الحافظ ابن كثير في تاريخه ((53)) (13/94): ذكروا ان
الشيخ عبداللّه اليونيني المتوفى (617) كان يحج‏في بعض
السنين في الهواء، وقد وقع هذا لطائفة كبيرة من الزهاد
وصالحي العباد، ولم يبلغنا هذا عن احد من‏اكابر العلماء، واول
من يذكر عنه هذا: حبيب العجمي، وكان من اصحاب الحسن
البصري ثم من بعده من‏الصالحين.
3 كان احمد بن محمد ابو بكر الغساني الصيداوي: المتوفى
(371) ينام بعدما صلى العصر الى ما قبل صلاة‏المغرب، فجاءه
رجل ذات يوم يزوره بعد العصر فغفل، فتحدث معه وترك عادة
النوم، فلما انصرف ساله‏الخادم عنه فقال: هذا عريف الابدال
يزورني في السنة مرة. قال: فلم ازل ارصده الى مثل ذلك
الوقت حتى‏جاء الرجل فوقفت حتى فرغ من حديثه ثم ساله
الشيخ: اين تريد؟ فقال: ازور ابا محمد الضرير في مغار،قال
الخادم: فسالته ان ياخذني معه فقال: باسم اللّه، فمضيت معه،
فخرجنا حتى صرنا عند قناطر الماء فاذن‏المؤذن المغرب، قال:
ثم اخذ بيدي وقال:
قل: باسم اللّه، قال: فمشينا دون العشر خط‏ى فاذا نحن عند
المغارة وهي مسير الى مابعد الظهر قال:فسلمنا على الشيخ
وصلينا عنده وتحدثنا عنده، فلما ذهب ثلث الليل قال لي:
تحب ان تجلس هاهنا اوترجع الى بيتك؟ فقلت: ارجع. فاخذ
بيدي وسمى بباسم اللّه ومشينا نحو العشر خط‏ى، فاذا نحن
على باب‏صيدا، فتكلم بشي‏ء فانفتح الباب ودخلت، ثم عاد
الباب. تاريخ ابن عساكر ((54)) (1/443).
4 كان ببغداد رجل من التجار قال: انى صليت يوما الجمعة،
وخرجت فرايت بشرا الحافي يخرج من‏المسجد مسرعا، فقلت
في نفسي: انظر الى هذا الرجل الموصوف بالزهد لا يستقر في
المسجد، ثم انني اتبعته‏فرايته تقدم الى الخباز واشترى‏بدرهم
خبزا فقلت: انظر الى الرجل يشتري خبزا، ثم اشترى‏شواء
بدرهم‏فازددت عليه غيظا، ثم تقدم الى الحلوائي فاشترى
فالوذجا، فقلت: واللّه لا اتركه حتى يجلس وياكل، ثم‏انه‏خرج الى
الصحراء، فقلت: ان ه يريد الخضرة، فما زال يمشي الى العصر
وانا امشي خلفه، فدخل قرية، وفي‏القرية مسجد وفيه رجل
مريض، فجلس عند راسه وجعل يلقمه، فقمت لانظر في القرية
وبقيت ساعة ثم‏رجعت، فقلت للعليل: اين بشر؟ فقال: ذهب
الى بغداد، فقلت: كم بينى وبين بغداد؟ قال: اربعون
فرسخا،فقلت. انا للّه وانا اليه راجعون، ايش عملت في نفسي؟
وليس معي ما اكتري ولا اقدر على المشي، فقال لي:اجلس
حتى يرجع، فجلست الى الجمعة القابلة، فجاء بشر في ذلك
الوقت ومعه شي‏ء، فاعطاه الى المريض‏فاكله، فقال له العليل: يا
ابا نصر هذا الرجل صحبك من بغداد وبقي عندي منذ الجمعة
فرده الى موضعه،فنظر الي كالمغضب وقال: لم صحبتني؟
فقلت: اخطات، فقال: قم فامش، فمشيت معه الى قرب
المغرب، فلماقربنا قال: اين محلتك من بغداد؟ فقلت: في
موضع كذا، قال: اذهب ولا تعد. تاريخ ابن‏عساكر
(3/236). ((55))
5 قال الشيخ الجليل ابو الحسن علي: كنت يوما جالسا عند
باب خلوة خالي الشيخ احمد الرفاعي المتوفى(587)
(رضى‏ا...عنه) وليس فيها غيره، وسمعت عنده حسا، فنظرت،
فاذا عنده رجل ما رايته قبل، فتحدثاطويلا ثم خرج الرجل من
كوة في حائط الخلوة، ومر في الهواء كالبرق الخاطف، فدخلت
على خالي وقلت‏له: من الرجل؟ فقال: اورايته؟ قلت: نعم، قال:
هو الرجل الذي يحفظ اللّه به قطر البحر المحيط، وهو
احدالاربعة الخواص، الا انه هجر منذ ثلاث وهو لا يعلم.
فقلت له: يا سيدي ما سبب هجره؟ قال: انه مقيم بجزيرة في
البحر المحيط، ومنذ ثلاث ليال امطرت جزيرته‏حتى سالت
اوديتها، فخطر في نفسه: لو كان هذا المطر في العمران. ثم
استغفر اللّه تعالى، فهجر بسبب‏اعتراضه، فقلت له: اعلمته؟ قال:
لا، انى استحييت منه، فقلت له: لو اذنت لي لاعلمته، فقال:
اوتفعل ذلك؟قلت: نعم، فقال: رنق، فرنقت ((56))، ثم سمعت
صوتا: يا علي ارفع راسك، فرفعت راسي من رنقي فاذا انابجزيرة
في البحر المحيط، فتحيرت في امري وقمت امشي فيها، فاذا
ذلك الرجل، فسلمت عليه واخبرته،فقال:
ناشدتك اللّه الا فعلت ما اقول لك، قلت: نعم. قال: ضع خرقتي
في عنقي واسحبني على وجهي وناد علي:هذا جزاء من تعرض
على اللّه سبحانه.
قال: فوضعت الخرقة في عنقه وهممت بسحبه، واذا هاتف
يقول: يا علي دعه، فقد ضجت عليه ملائكة‏السماء باكية عليه
وسائلة فيه، وقد رضي اللّه عنه. قال: فاغمي علي ساعة ثم سري
عنى، واذا انا بين يدي‏خالي في خلوته، واللّه ما ادري كيف
ذهبت ولا كيف جئت. مرآة الجنان (3/411).
6 حكى الشيخ الصالح غانم بن يعلى التكريتي، قال: سافرت
مرة من اليمن في‏البحر المالح، فلما توسطنا بحرالهند وغلب
علينا الريح، اخذتنا الامواج من كل جانب، وانكسرت بنا السفينة
فنجوت على لوح منها،فالقاني الى جزيرة فطفت فيها فلم ار
فيها احدا، واذا هي كثيرة الخيرات، رايت فيها مسجدافدخلته،
فاذافيه اربعة نفر فسلمت عليهم، فردوا علي السلام، وسالوني
عن قصتي فاخبرتهم، وجلست عندهم بقية‏يومي ذلك، فرايت
من توجههم وحسن اقبالهم على اللّه تعالى امرا عظيما، فلما
كان وقت العشاء دخل الشيخ‏حيوة الحراني، فقاموا يبادرون الى
السلام عليه، فتقدم وصلى بهم العشاء، ثم استرسلوا في الصلاة
الى‏طلوع الفجر، فسمعت الشيخ حيوة يناجي ويقول: الهي لا
اجد لي في سواك مطمعا... الى آخر الدعاء.
ثم قال: بكى بكاء شديدا، ورايت الانوار قد حفت بهم، واضاء
ذلك المكان كاضاءة القمر ليلة البدر،ثم‏خرج الشيخ حيوة من
المسجد وهو يقول:
سير المحب الى المحبوب اعجال
والقلب فيه من الاحوال بلبال
اطوي‏المحانة من قفر على قدم
اليك يدفعني سهل واجبال
فقال لي اولئك النفر: اتبع الشيخ، فتبعته، وكانت الارض بر ها
وبحرها وسهلها وجبلها يطوى تحت اقدامناطيا، كنت اسمعه
كلما خطا خطوة يقول: يارب حيوة كن لحيوة، واذا نحن بحران
في اسرع وقت، فوافيناالناس يصلون بها صلاة الصبح. مرآة
الجنان (3/421).
7 ذكر محمد بن علي الحباك خادم الشيخ جلال الدين
السيوط‏ي المتوفى(911) : ان الشيخ قال له‏يوماوقت القيلولة
وهو عند زاوية الشيخ عبداللّه الجيوشي بمصر بالقرافة: اتريد
ان تصلى العصر بمكة‏بشرط ان تكتم ذلك علي حتى اموت؟
قال: فقلت: نعم. قال: فاخذ بيدي وقال: غمض
عينيك‏فغمضتها،فرحل بي نحو سبع وعشرين خطوة، ثم قال
لي: افتح عينيك. فاذا نحن بباب المعلا ة، فزرنا امنا
خديجة،والفضل بن عياض، وسفيان بن عيينة، وغيرهم
ودخلت الحرم فطفنا، وشربنا من ماء زمزم، وجلسناخلف المقام
حتى صلينا العصر، وطفنا وشربنا من ماء زمزم، ثم قال لي: يا
فلان ليس العجب من‏ط‏ي‏الارض لنا، وان ما العجب من كون
احد من اهل مصر المجاورين لم يعرفنا.
ثم قال لي: ان شئت تمضي معي وان شئت تقيم حتى ياتي
الحاج. قال: فقلت: اذهب مع سيدي، فمشينا الى‏باب المعلا ة،
وقال لي: غمض عينيك فغمضتها، فهرول بي سبع خطوات ثم
قال لي: افتح عينيك فاذا نحن‏بالقرب من الجيوشي، فنزلنا الى
سيدي عمر بن الفارض. شذرات الذهب ((57)) (8/50).
8 ذكر السخاوي في طبقاته: ان الشيخ معالي سال الشيخ
سلطان بن محمود البعلبكي، المتوفى (641) فقال:يا سيدي
كم مرة رحت الى مكة في ليلة؟ قال: ثلاث عشرة مرة، قلت:
قال الشيخ عبداللّه اليونيني: لو ارادان لا يصلى فريضة الا في
مكة لفعل. شذرات الذهب ((58)) (5/211).
9 ذكر الحافظ ابن الجوزي في صفة الصفوة ((59)) (4/228)
عن سهل بن عبداللّه، قال: لقد رايت رجلا يقال‏له مالك بن
القاسم جبلي، وقد جاء ويده غمرة ((60))، فقلت له: انك قريب
عهد بالاكل؟ فقال لي: استغفراللّه فاننى منذ اسبوع لم آكل،
ولكن: اطعمت والدتي واسرعت لالحق صلاة الفجر، وبينه
وبين الموضع الذي‏جاء منه سبعمائة فرسخ فهل انت مؤمن
بذلك؟ فقلت: نعم. فقال: الحمد للّه الذي اراني مؤمنا موقنا.
10 روى ابن الجوزي في صفة الصفوة ((61)) (4/293) عن
موسى بن هارون،قال: رايت الحسن بن الخليل‏بن مرة بعرفات
وكلمته، ثم رايته يطوف بالبيت فقلت: ادع اللّه لي ان يقبل
حجي. فبكى ودعا لي.
ثم اتيت مصر فقلت: ان الحسن كان معنا بمكة، فقالوا: ما حج
العام، وقد كان يبلغني انه يمر الى مكة في‏كل‏ليلة فما كنت
اصدق حتى رايته، فعاتبني وقال: شهرتني ما كنت احب ان
تحدث بها عنى، فلا تعد بحقى‏عليك.
قال الاميني: في وسع الباحث ان يؤلف من امثال هذه القصص
المبثوثة في ط‏ي الكتب والمعاجم تاليفاحافلا،ونحن اقتصرنا
بالمذكور روما للاختصار، ويستفاد منها ان الولي الذي من عليه
بط‏ي الارض له ان ياخذمعه من شاء واراد من اخلا ئه وخدمه،
فتطوى لصاحبه الارض ايضا كرامة لذلك الولي الصالح فضلا
عن‏نفسه، وهذه كلها لا يناقش فيها مهما لم يكن الولي
الموصوف من العترة الطاهرة، والا فهناك كل
الجدال‏والمناقشة، وكل الهوس والهياج.

ما عشت اراك الدهر عجبا
لم يكن هذا النكير بدعا مما جاء به القوم في كثير من فضائل
مولانا امير المؤمنين وآله العترة الطاهرة(ع)،فان هناك شنشنة
مطردة في واحد واحد منها بالتهكم تارة، وبالتفنيد اخرى،
وبالوقيعة في السند طورا،وبالاستبعاد المجرد آونة، وبالمناقشة
في‏الدلالة مرة، ففي كل يوم يطرق سمعك هتاف معتوه، او
عقيرة‏متعصب، او ضوضاء من حانق، او لغط من معربد، وهم
يحسبون انهم يحسنون صنعا، مع ان القوم يثبتون‏امثال هاتيك
الفضائل لغير رجالات اهل البيت (ع)، من غير ان يضطرب لهم
بال، او تغلي عليها مراجل‏الاحقاد، او تمد اليها يد الجرح
والتعديل، او تتبعها كلمة الغمز بالرمي‏بالغلو او الافتعال، واليك
نبذا منها:

1 حديث رد الشمس
مرت في الجزء الثالث (ص‏126 141) طرف من اسانيد حديث
رد الشمس لمولانا امير المؤمنين (ع) بدعاءالنبي الاقدس
(ص)، وشواهد صحته وكلمات العلماء في ذلك وهي اربعون
كلمة، فانك تجد هناك طنيناوهمهمة في صحة الحديث،
وعدم وقوع الواقعة، وعدم امكانها، ولكن السبكي، واليافعي،
وابن حجر،وصاحب شذرات الذهب وغيرهم ذكروا مثل هذه
الماثرة لاسماعيل بن محمد الحضرمي، المتوفى (676)
من‏دون اي‏غمز ونكير.
قال السبكي في طبقات الشافعى ين ((62)) (5/51): مما حكي
من كرامات الحضرمي واستفاض، انه قال‏يومالخادمه وهو في
سفر: قل للشمس تقف حتى‏نصل الى المنزل. وكان في مكان
بعيد وقد قرب غروبها،فقال لها الخادم: قال لك الفقيه
اسماعيل: قفي. فوقفت حتى‏بلغ مكانه، ثم قال للخادم: اما
تطلق ذلك‏المحبوس؟ فامرها الخادم بالغروب فغربت، واظلم
الليل في الحال.
وقال اليافعي في مرآة الجنان (4/178): من كرامات اسماعيل
الحضرمي وقوف الشمس له، حتى بلغ مقصده‏لما اشار اليها
بالوقوف في آخر النهار، وهذه الكرامة مما شاع في بلاد اليمن
وكثر فيها الانتشار. ومنها: انه‏نادته سدرة والتمست منه ان
ياكل هو واصحابه من ثمرها، واليه اشرت بقولي:
هو الحضرمي نجل الولي محمد
امام الهدى نجل الامام الممجد
ومن جاهه اومى الى الشمس ان قفي
فلم تمش حتى انزلوه بمقصد
ومن بعض قصائد اليافعي ايضا قوله في الحضرمي:
هو الحضرمي المشهور من وقفت له
بقول قفي شمس لابلغ منزلي
وقال ابن العماد في شذرات الذهب ((63)) (5/362): له
للشيخ اسماعيل الحضرمي كرامات، قال المطري:كادت تبلغ
التواتر الى ان قال ومنها: انه قصد بلدة زبيد فكادت الشمس
تغرب وهو بعيد عنها فخاف‏ان تغلق ابوابها، فاشار الى الشمس
فوقفت حتى دخل المدينة، واليه اشار الامام اليافعي بقوله:
هو الحضرمي نجل الولي محمد
......
الى آخر البيتين المذكورين.
وقال ابن حجر في الفتاوى الحديثية ((64)) (ص‏232): ومن
كراماته يعني الحضرمي : انه كان داخلا لزبيدوقد دنت
الشمس للغروب فقال لها: لا تغربي حتى ندخلها. فوقفت ساعة
طويلة، فلما دخلها اشار اليهافاذا الدنيا مظلمة، والنجوم ظاهرة
ظهورا تاما.
قال العلا مة السماوي في العجب اللزومي:
واعجبا من فرقة قد غلت
من دغل في جوفها مضرم
تنكر رد الشمس للمرتضى
بامر طه العيلم الخضرم
وتدعي ان ردها خادم
لامر اسماعيل الحضرمي
وللباحث ان يستنتج من هذه القضية ان اخبت بها ان
اسماعيل الحضرمي اعظم عند اللّه تعالى من‏النبي‏الاعظم
ووصى ه امير المؤمنين، لان رد الشمس لعلي كان بدعائه تارة
وبدعاء النبي (ص) طورا، وامااسماعيل فقد امر خادمه ان يامرها
بالوقوف ثم امره بان يفك قيد اسارها بامرها بالانصراف، او اشار
هواليها بالوقوف فوقفت، هذه هي العظمة والزلفة ان صحت
الاحلام، لكن العقلاء يدرون ورواة القصة‏ايضايعلمون بانها متى
صيغت، ومهما لفقت، ولماذا نسجت.
(يريدون ان يطفئوا نور اللّه بافواههم ويابى اللّه الا ان يتم نوره)
((65))

2 صلاة الف ركعة
قد تضافر النقل بان كلا من مولانا امير المؤمنين، والامام
السبط الشهيد الحسين، وولده الطاهر علي زين‏العابدين كان
يصلى في اليوم والليلة الف ركعة ((66))، ولم تزل العقائد
متطامنة‏على ذلك، والعلماء متسالمين‏عليه، حتى جاء ابن
تيمية بهوسه وهياجه، فحسب تارة كراهة هذا العمل البار، وانه
ليس بفضيلة، وان‏القول بانها فضيلة يدل على جهل قائله، لان
رسول اللّه (ص) كان لا يزيد في الليل على‏ثلاث عشرة
ركعة،وفي النهار على‏عدة ركعات معينة، وانه (ص) كان لا
يقوم تمام الليل، كما كان لا يصوم كل يوم، فقال:فالمداومة
على قيام جميع الليل ليس بمستحب بل مكروه، وليس من
سنة النبي الثابتة عنه (ص)، وهكذامداومة صيام النهار.
وزعم تارة انه خارج عن نطاق الامكان، فقال: وعلي
(رضى‏ا...عنه) اعلم بسنته (ص) واتبع لهديه، وابعدمن ان
يخالف هذه المخالفة، لو كان ذلك ممكنا فكيف وصلاة الف
ركعة في اليوم والليلة مع القيام بسائرالواجبات غير ممكن، فانه
لابد من اكل ونوم... الخ.
ويرى آونة ان طبع عمل مثله، مبني على المسارعة
والاستعجال، يستدعي ان يكون عريا عن الخضوع،نقرا كنقر
الغراب، فلا يكون فيه كثير جدوى. ثم ختم كلامه بقوله: ثم
احياء الليل بالتهجد وقراءة القرآن في‏ركعة هو ثابت عن عثمان
(رضى‏ا...عنه)، فتهجده وتلاوته القرآن اظهر من غيره ((67)).
الجواب: اما حسبان كراهة ذلك العمل ومخالفة السنة النبوية
وخروجه بذلك عن الفضيلة، فيعرب عن‏جهله المطبق بشؤون
العبادات وفقه السنة، وتمويهه على الحقائق الراهنة جهلا او
عنادا، فان صلاة رسول‏اللّه (ص) ثلاث عشرة ركعة، وكذلك
صلاة نهاره، انما هي صلاة الليل والشفع والوتر ونافلة الصبح
ونافلة‏الصلوات اليومية،كما فصل في غير واحد من الاخبار،
وهي النوافل المرتبة المعينة في الليل والنهار، لا
ترتبط‏باستحباب مطلق الصلاة ومطلوبية نفسها، ولا تنافي ما
صح عنه (ص) من قوله: «الصلاة خير موضوع،استكثر او استقل‏»
. ((68))
وقوله (ص): «الصلاة خير موضوع، فمن استطاع ان يستكثر
فليستكثر» ((69)).
وقوله (ص): «الصلاة خير موضوع، من شاء اقل، ومن شاء اكثر»
. ((70))
وقوله (ص): «يا انس اكثر الصلاة بالليل والنهار تحفظك
حفظتك‏» ((71)).
وقوله (ص) لانس في حديث طويل: «ان استطعت ان لا تزال
تصلى فان الملائكة تصلي عليك ما دمت‏مصليا» ((72)).
وقوله (ص): «من اكثر صلاته او من كثرت صلاته بالليل
حسن وجهه بالنهار» ((73)).
وما روي عن نصر بن علي الجهضمي قال: رايت الحافظ يزيد
بن زريع في النوم فقلت: ما فعل اللّه لك؟قال: دخلت الجنة.
قلت، بماذا؟ قال: بكثرة الصلاة ((74)).
وصح عن‏البخاري ((75)) ومسلم: انه(ص) كان يقوم من الليل
حتى تنفطر قدماه.
وفي رواية لهما والترمذي: ان كان النبي ليقوم او ليصلى حتى
ترم قدماه او ساقاه. وفي رواية عن عائشة: حتى‏تفطرت قدماه.
وفي رواية عن ابي هريرة: حتى‏تزلع ((76)) قدماه. وفي
المواهب اللدنية ((77)): كان يصلى بعدكبره بعض ورده
جالسا بعد ان كان يقوم حتى تفطرت قدماه.
وقد جرت السنة المطردة بين العاملين في النسك والعبادات
من الصلاة والصوم والحج وقراءة القرآن‏وغيرها مما يقرب الى
اللّه زلفى، ان ياتي كل منهم بما تيسر له منها غير مقتصر بما
اتى به النبي (ص)، والناس‏متفاوتون في القدر، واللّه تعالى
يقول: (فاتقوا اللّه ما استطعتم) ((78)) و (لا يكلف اللّه نفسا الا
وسعها) ((79))فترى هذا يصلى كل يوم مائة ركعة ((80))،
والاخر يصلى مائتي ركعة مثل القاضي الفقيه ابي‏يوسف الكوفي
المتوفى (182) ((81))، والقاضي ابي عبداللّه محمد بن سماعة
البغدادي المتوفى (233) ((82))، وبشربن الوليد الكندي
المتوفى (238) ((83)).
ومنهم من كان يصلى ثلاثمائة ركعة، نظير:
امام الحنابلة احمد بن حنبل المتوفى (241) ((84))، وابي
القاسم الجنيد القواريري المتوفى (298) ((85))،والحافظ عبد
الغني المقدسي المتوفى (600) ((86)).
ومنهم من كان يصلى اربعمائة ركعة، نظراء:
بشر بن المفضل الرقاشي المتوفى (187) ((87))، وامام
الحنفية ابي حنيفة نعمان المتوفى (150) ((88))، وابي
قلابة‏عبدالملك بن محمد المتوفى (276) ((89))، وضيغم بن
مالك ابي مالك. صفة الصفوة ((90))(3/270)، وام طلق‏كانت
تصلى اربعمائة ركعة وتقرا من‏القرآن ماشاء اللّه. صفة الصفوة
((91)) (4/24)، واحمد بن مهلهل الحنبلي‏المتوفى(554)
. ((92))