تعليمه
ذلك كل ما استطعنا ان نجمعه من الاخبار النافعة عن نشاة الشاعر واهله، ولا فائدة من البحث في المصادر التي بين ايديناعن ايام صباه وتعليمه ومن حضر عليهم وتتلمذ له من العلماء والرواة، فان هذه المصادر خلو مما يفيد في هذا المقام الا ماجاء عرضا في الجزء السادس من الاغاني ((3-149)) ، حيث يروي ابن الرومي عن ابي العباس ثعلب، عن حماد بن المبارك، عنالحسين بن الضحاك. وحيث يروي في موضع آخر عن قتيبة، عن عمر السكوني بالكوفة، عن ابيه، عن الحسين بنالضحاك، فيصح ان تكون الرواية هنا رواية تلميذ عن استاذ، لان ثعلبا ولد سنة مائتين، فهو اكبر من الشاعر باحدى وعشرين سنة. اما قتيبة والمفهوم انه ابو رجاء قتيبة بن سعيد بن جميل الثقفي المحدث العالم المشهور فجائز ان يكون ممناملوا عليه وعلموه، لانه مات وابن الرومي يناهز العشرين.
وقد مر بنا انه كان يختلف الى محمد بن حبيب الراوية النسابة الكبير، وسنرى هنا انه كان يرجع اليه في بعض مفرداتهاللغوية، فيذكر شرحها في ديوانه معتمدا عليه، قال بعد قوله:
واصدق المدح مدح ذي حسد / ملان من بغضة ومن شنف
قال لي محمد بن حبيب: الشنف ما ظهر من البغضة في العينين، واشار اليه بعد بيت آخر وهو:
بانوا فبان جميل الصبر بعدهم / فللدموع من العينين عينان
اذ فسر كلمة (عينان)، فروى عن ابن حبيب انه قال: عان الماء يعين عينا وعينانا اذا ساح. فهؤلاء ثلاثة من اساتذة ابنالرومي على هذا الاعتبار، ولاعلم لنا بغيرهم فيما راجعناه، وحسبنا مع هذا ان الرجل كيفما كان تعليمه وايا كان معلموه قد نشا على نصيب واف من علوم عصره، وساهم في القديم والحديث منها بقسط وافر في شعره، فلو لم يقل المعري: انهكان يتعاطى الفلسفة، والمسعودي: ان الشعر كان اقل الاته لعلمنا ذلك من شواهد شتى في كلامه، فهي هناك كثيرةمتكررةلا يلم المتصفح ببعضها الا جزم باطلاع قائلها على الفلسفة، ومصاحبة اهلها، واشتغاله بها، حتى سرت في اسلوبهوتفكيره، وما كان متعلم الفلسفة في تلك الايام يصنع اكثر من ذلك ليتعلمها او ليعد من متعلميها، فانت لا تقرا لرجل غيرمشتغل او ملم بالفلسفة والقياس المنطقي والنجوم كلاما كهذا الكلام:
لما تؤذن الدنيا به من صروفها / يكون بكاء الطفل ساعة يولد
والا فما يبكيه منها وانها / لارحب مما كان فيه وارغد
وذكر ((3-150)) شواهد كثيرة على المامه بالعلوم ومعرفته بمصطلحاتها، غضضنا الطرف عنها اختصارا.