سيره مع الخلفاء والوزراء

  الغدير

سيره مع الخلفاء والوزراء

فهذه ناحية واسعة النطاق، طويلة الذيل، يجد الباحث في طيات كتب التاريخ ومعاجم الادب المفصلة حولها كراريس‏مسطرة، فيها لغو الحديث، نضرب عنها صفحا ونقتطف منها النزر اليسير.

1 عن يحيى بن اكثم قال: ان المامون اقدم دعبلا(ره) وآمنه على نفسه، فلما مثل بين يديه وكنت جالسا بين يدي المامون،قال له: انشدني قصيدتك الرائية، فجحدها دعبل وانكر معرفتها، فقال له: لك الامان عليها كما امنتك على نفسك. فانشده:

تاسفت جارتي لما رات زوري / وعدت الحلم ذنبا غير مغتفر

ترجو الصبا بعد ما شابت ذوائبها / وقد جرت طلقا في حلبة الكبر

اجارتي ان شيب الراس يعلمني / ذكر المعاد وارضاني عن القدر

لو كنت اركن للدنيا وزينتها / اذا بكيت على الماضين من نفر

اخنى الزمان على اهلي فصدعهم / تصدع الشعب لاقى صدمة الحجر

بعض اقام وبعض قد اصات به / داعي المنية والباقي على الاثر

اما المقيم فاخشى ان يفارقني / ولست اوبة من ولى بمنتظر

اصبحت اخبر عن‏اهلي وعن ولدي / كحالم قص رويا بعد مدكر

لولا تشاغل عيني بالالى سلفوا / من اهل بيت رسول اللّه لم اقر

وفي مواليك للمحزون مشغلة / من ان تبيت لمشغول على اثر

كم من ذراع لهم بالطف بائنة / وعارض بصعيد الترب منعفر

امسى الحسين ومسراهم لمقتله / وهم يقولون: هذا سيد البشر

يا امة السوء ما جازيت احمد في / حسن البلاء على التنزيل والسور

خلفتموه على الابناء حين مضى / خلافة الذئب في ابقار ذي بقر

قال يحيى: وانفذني المامون في حاجة، فقمت فعدت اليه وقد انتهى الى قوله:

لم يبق حي من الاحياء نعلمه / من ذي يمان ولا بكر ولا مضر

الا وهم شركاء في دمائهم / كما تشارك ايسار ((2-1564)) على جزر

قتلا واسرا وتخويفا ومنهبة / فعل الغزاة بارض الروم والخزر

ارى امية معذورين ان قتلوا / ولا ارى لبني العباس من عذر

قوم قتلتم على الاسلام اولهم / حتى اذا استمكنوا جازوا على الكفر

ابناء حرب ومروان واسرتهم / بنو معيط ولاة الحقد والزعر ((2-1565))

اربع ((2-1566)) بطوس على قبر الزكي بها / ان كنت تربع من دين على وطر

قبران في طوس: خير الناس كلهم / وقبر شرهم هذا من العبر

ما ينفع الرجس من قبر الزكي ولا / على الزكي بقرب الرجس من ضرر

هيهات كل امرى‏ء رهن بما كسبت / له يداه، فخذ ما شئت او فذر

قال: فضرب المامون عمامته الارض، وقال: صدقت واللّه يا دعبل ((2-1567)).

روى شيخنا الصدوق في اماليه ((2-1568)) (ص‏390) باسناده عن دعبل انه قال: جاءني خبر موت الرضا(ع) وانا مقيم بقم‏فقلت القصيدة الرائية، ثم ذكر ابياتا منها.

2 دخل ابراهيم بن المهدي على المامون فشكا اليه حاله، وقال: يا امير المؤمنين ان اللّه سبحانه وتعالى فضلك في نفسك‏علي، والهمك الرافة والعفو عني، والنسب واحد، وقد هجاني دعبل فانتقم لي منه، فقال: وما قال؟ لعل قوله:

نعر ابن شكلة بالعراق واهله / فهفا اليه كل اطلس مائق

وانشده الابيات فقال: هذا من بعض هجائه، وقد هجاني بما هو اقبح من هذا، فقال المامون: لك اسوة بي فقد هجاني‏واحتملته، وقال في ((2-1569)):

ايسومني المامون خطة جاهل / او ماراى بالامس راس محمد

اني من القوم الذين سيوفهم / قتلت اخاك وشرفتك بمقعد ((2-1570))

شادوا بذكرك بعد طول خموله / واستنقذوك من‏الحضيض الاوهد

فقال ابراهيم: زادك اللّه حلما يا امير المؤمنين وعلما، فما ينطق احدنا الا عن فضل علمك، ولا يحلم الا اتباعال حلمك ((2-1571)).

3 حدث ميمون بن هارون ((2-1572))، قال: قال ابراهيم بن المهدي للمامون قولا في دعبل يحرضه عليه، فضحك المامون،وقال: انما تحرضني عليه لقوله فيك:

يا معشر الاجناد لا تقنطوا / وارضوا بما كان ولا تسخطوا

فسوف تعطون حنينية / يلتذها الامرد والاشمط

والمعبديات ((2-1573)) لقوادكم / لا تدخل الكيس ولا تربط

وهكذا يرزق قواده / خليفة مصحفه البربط ((2-1574))

فقال له ابراهيم: فقد واللّه هجاك انت يا امير المؤمنين، فقال: دع هذا عنك، فقد عفوت عنه في هجائه اياي لقوله هذاوضحك. ثم دخل ابو عباد، فلما رآه المامون من بعد قال لابراهيم: دعبل يجسر على ابي‏عباد بالهجاء ولا يحجم عن احد.فقال له: وكان ابا عباد ابسط يدا منك؟ قال: لا، ولكنه حديد جاهل لا يؤمن، وانا احلم واصفح، واللّه ما رايت ابا عبادمقبلا الا اضحكني قول دعبل فيه:

اولى ‏الامور بضيعة وفساد / امر يدبره ابو عباد ((2-1575))

4 حدث ابو ناجية ((2-1576)) قال: كان المعتصم يبغض دعبلا لطول لسانه، وبلغ دعبلا انه يريد اغتياله وقتله، فهرب الى ‏الجبل، وقال يهجوه:

بكى لشتات الدين مكتئب صب / وفاض بفرط الدمع من عينه غرب ((2-1577))

وقام امام لم يكن ذا هداية / فليس له دين وليس له لب

وما كانت الانباء تاتي بمثله / يملك يوما او تدين له العرب

ولكن كما قال الذين تتابعوا / من السلف‏الماضين اذ عظم الخطب

ملوك بني العباس في الكتب سبعة / ولم تاتنا عن ثامن لهم كتب

كذلك اهل الكهف في الكهف سبعة / خيار اذا عدوا وثامنهم كلب

واني لاعلي كلبهم عنك رفعة / لانك ذو ذنب وليس له ذنب

لقد ضاع ملك‏الناس اذ ساس ‏ملكهم / ‏وصيف واشناس وقد عظم الكرب ((2-1578))

وفضل بن مروان يثلم ثلمة / ‏يظل لها الاسلام ليس له شعب ((2-1579))

5 حدث ميمون بن هارون قال: لما مات المعتصم قال محمد بن عبدالملك الزيات يرثيه:

قد قلت اذ غيبوه وانصرفوا / في خير قبر لخير مدفون

لن يجبر اللّه امة فقدت / مثلك الا بمثل هارون

فقال دعبل يعارضه:

قد قلت اذ غيبوه وانصرفوا / في شر قبر لشر مدفون

اذهب الى‏النار والعذاب فما / خلتك الا من الشياطين

مازلت حتى عقدت بيعة من / اضر بالمسلمين والدين ((2-1580))

6 حدث محمد بن قاسم بن مهرويه قال: كنت مع دعبل بالصيمرة وقد جاء نعي المعتصم وقيام الواثق، فقال لي دعبل:امعك شي‏ء تكتب فيه؟ فقلت: نعم، واخرجت قرطاسا، فاملى علي بديها:

الحمد للّه لا صبر ولا جلد / ولا عزاء اذا اهل البلا رقدوا

خليفة مات لم يحزن له ‏احد / وآخر قام لم يفرح به احد ((2-1581))

7 حدث محمد بن جرير قال: انشدني عبيداللّه بن يعقوب هذا البيت وحده لدعبل يهجو به المتوكل، وما سمعت له غيره فيه:

ولست بقائل قذعا ولكن / لامر ما تعبدك العبيد

قال: يرميه في هذا البيت بالابنة.

8 دخل عبداللّه بن طاهر على المامون فقال له المامون: اي شي‏ء تحفظ يا عبداللّه لدعبل؟ فقال: احفظ ابياتا له في اهل‏بيت امير المؤمنين. قال: هاتها ويحك، فانشده عبداللّه قول دعبل:

سقيا ورعيا لايام الصبابات / ايام ارفل في اثواب لذاتي

ايام غصني رطيب من ليانته / اصبو الى غير جارات وكنات

دع عنك ذكر زمان فات مطلبه / واقذف برجلك عن متن‏ الجهالات

واقصد بكل مديح انت قائله / نحو الهداة بني بيت الكرامات

فقال المامون: انه قد وجد واللّه مقالا، ونال ببعيد ذكرهم ما لايناله في وصف غيرهم. ثم قال المامون: لقد احسن في وصف‏سفر سافره ، فطال ذلك السفر عليه ، فقال فيه :

الم يان للسفر الذين تحملوا / الى وطن قبل الممات رجوع

فقلت ولم املك سوابق عبرة / نطقن بما ضمت عليه ضلوع

تبين فكم دار تفرق شملها / وشمل شتيت عاد وهو جميع

كذاك الليالي ‏صرفهن كما ترى / لكل اناس جدبة وربيع

ثم قال: ما سافرت قط الا كانت هذه الابيات نصب عيني في سفري، وهجيري ((2-1582)) ومسليتي حتى اعود ((2-1583)).

9 حدث ميمون بن هارون قال: كان دعبل قد مدح دينار بن عبداللّه واخاه يحيى فلم يرض ما فعلاه، فقال يهجوهما:

ما زال عصياننا للّه يرذلنا / حتى دفعنا الى يحيى ودينار

وغدين علجين لم‏تقطع ثمارهما / قد طال ما سجدا للشمس والنار

قال: وفيهما وفي الحسن بن سهل والحسن بن رجاء وابيه يقول دعبل:

الا فاشتروا مني ملوك المخزم / ابع حسنا وابني رجاء بدرهم

واعط رجاء فوق ذاك زيادة / واسمح بدينار بغير تندم

فان رد من‏عيب علي جميعهم‏ / فليس يرد العيب يحيى بن اكثم ((2-1584))