آخر خطبة خطبها عثمان (رضى‏ا...عنه) في جماعة: ان اللّه عز
وجل انما اعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الاخرة ولم‏يعطكموها
لتركنوا اليها، ان الدنيا تفنى والاخرة تبقى، فلا تبطرنكم
الفانية، ولا تشغلنكم عن الباقية، فثرواما يبقى على ما يفنى،
فان الدنيا منقطعة، وان المصير الى اللّه، اتقوا اللّه جل وعز فان
تقواه جنة من باسه،ووسيلة عنده، واحذروا من اللّه الغير،
والزموا جماعتكم، لا تصيروا احزابا، (واذكروا نعمة اللّهعليكم اذ
كنتم‏اعداء فالف بين قلوب كم فاصبحتم بنعمته اخوانا)
. ((775))
قالوا: لما قضى عثمان في ذلك المجلس حاجاته، وعزم له
المسلمون على الصبر والامتناع عليهم بسلطان اللّه،قال:
اخرجوا رحمكم اللّه فكونوا بالباب، وليجامعكم هؤلاء الذين
حبسوا عني، وارسل الى طلحة والزبيروعلي وعدة : ان ادنوا
فاجتمعوا فاشرف عليهم، فقال: يا ايها الناس اجلسوا، فجلسوا
جميعا، المحارب‏الطارئ، والمسالم المقيم، فقال: يا اهل
المدينة اني استودعكم اللّه واساله ان يحسن عليكم الخلافة من
بعدي،واني واللّه لا ادخل على احد بعد يومي هذا حتى يقضي
اللّه في قضاه، ولادعن هؤلاء وراء بابي غير معطيهم‏شيئا
يتخذونه عليكم دخلا في دين اللّه او دنيا حتى يكون اللّه عز
وجل الصانع في ذلك ما احب، وامر اهل‏المدينة بالرجوع واقسم
عليهم، فرجعوا الا الحسن ومحمد وابن الزبير واشباها لهم،
فجلسوا بالباب عن امرآبائهم، وثاب اليهم ناس كثير، ولزم
عثمان الدار.
6 وروى ((776)) (ص‏126) بالاسناد الشعيبي:
قالوا: كان الحصر اربعين ليلة والنزول سبعين، فلما مضت من
الاربعين ثماني عشرة قدم ركبان من الوجوه‏فاخبروا خبر من
قد تهيا اليهم من الافاق: حبيب من الشام، ومعاوية من مصر،
والقعقاع من الكوفة،ومجاشع من البصرة، فعندها حالوا بين
الناس وبين عثمان، ومنعوه كل شي‏ء حتى الماء، وقد كان
يدخل‏علي‏بالشي‏ء مم ايريد، وطلبوا العلل فلم تطلع عليهم
علة، فعثروا في داره بالحجارة ليرموا فيقولوا: قوتلناوذلك ليلا،
فناداهم، الا تتقون اللّه؟ الا تعلمون ان في الدار غيري؟ قالوا: لا
واللّه ما رميناك. قال: فمن‏رمانا؟ قالوا: اللّه. قال: كذبتم ان اللّه
عز وجل لو رمانا لم يخطئنا وانتم تخطئوننا، واشرف عثمان
على آل حزم‏وهم جيرانه، فسرح ابنا لعمرو الى علي بانهم قد
منعونا الماء، فان قدرتم ان ترسلوا الينا شيئا من الماءفافعلوا،
والى طلحة والزبير والى عائشة غ وازواج النبي (ص) فكان
اولهم انجادا له علي وام‏حبيبة، جاءعلي في الغلس فقال: يا ايها
الناس ان الذي تصنعون لا يشبه امر المؤمنين ولا امر الكافرين،
لا تقطعوا عن‏هذا الرجل المادة، فان الروم وفارس لتاسر
فتطعم وتسقي، وما تعرض لكم هذه الرجل، فبم
تستحلون‏حصره وقتله؟ قالوا: لا واللّه ولا نعمة عين، لا نتركه
ياكل ولا يشرب، فرمى بعمامته في الدار باني قدنهضت فيما
انهضتني، فرجع.
وجاءت ام حبيبة على بغلة لها برحالة مشتملة على اداوة،
فقيل: ام المؤمنين ام حبيبة، فضربوا وجه بغلتها،فقالت: ان
وصايا بني امية الى هذا الرجل، فاحببت ان القاه فاساله عن
ذلك كيلا تهلك اموال ايتام وارامل.قالوا: كاذبة واهووا لها
وقطعوا حبل البغلة بالسيف، فندت بام حبيبة فتلقاها الناس
وقد مالت رحالتها،فتعلقوا بها واخذوها وقد كادت تقتل،
فذهبوا بها الى بيتها.
وتجهزت عائشة خارجة الى الحج هاربة، واستتبعت اخاها،
فابى، فقالت: اما واللّه لئن استطعت ان يحرمهم‏اللّه ما يحاولون
لافعلن. وجاء حنظلة الكاتب حتى قام على محمد بن ابي بكر،
فقال: يا محمد تستتبعك ام‏المؤمنين فلا تتبعها وتدعوك
ذؤبان العرب الى ما لا يحل فتتبعهم؟ فقال: ما انت وذاك يابن
التميمية؟ فقال:يابن الخثعمية ان هذا الامر ان صار الى
التغالب غلبتك عليه بنو عبد مناف، وانصرف وهو يقول:
عجبت لما يخوض الناس فيه
يرومون الخلافة ان تزولا
ولو زالت لزال الخير عنهم
ولاقوا بعدها ذلا ذليلا
وكانوا كاليهود او النصارى
سواء كلهم ضلوا السبيلا
ولحق بالكوفة، وخرجت عائشة وهي ممتلئة غيظا على اهل
مصر، وجاءهامروان بن الحكم فقال: ياام‏المؤمنين لو اقمت كان
اجدر ان يراقبوا هذا الرجل. فقالت: اتريد ان يصنع بي كما صنع
بام حبيبة، ثم لااجد من يمنعني، لا واللّه ولا اعير ولا ادري الى
ما يسلم امر هؤلاء، وبلغ طلحة والزبير ما لقي علي‏وام‏حبيبة،
فلزموا بيوتهم، وبقي عثمان يسقيه آل حزم في الغفلات عليهم
الرقباء، فاشرف عثمان على الناس‏فقال: يا عبداللّه بن عباس،
فدعي له، فقال: اذهب فانت على الموسم. وكان ممن لزم الباب
فقال: واللّه ياامير المؤمنين، لجهاد هؤلاء احب الي من الحج،
فاقسم عليه لينطلقن، فانطلق ابن عباس على الموسم
تلك‏السنة، ورمى عثمان الى الزبير بوصيته فانصرف بها، وفي
الزبير اختلاف اادرك مقتله او خرج قبله؟ وقال‏عثمان: (ويا قوم
لا يجرمنكم شقاقي اءن يصيبكم مثل ما اءصاب قوم نوح)
((777)) الاية.اللهم حل بين الاحزاب‏وبين ما ياملون كما فعل
باشياعهم من قبل.
قال الاميني : هذه الرواية مفتعلة من شيعة عثمان المصطفين
في اسنادها تجاه ما ثبت عن عائشة وطلحة‏والزبير وغيرهم من
جهودهم المتواصلة في التضييق على الرجل، واسعار نار
الحرب والاجهاز عليه بمااسلفناه في هذا الجزء لكن اكدى
الظن واخفق الامل ان هاتيك الروايات اخرجها الاثبات من
حملة‏التاريخ، واصفق عليها المؤرخون وهذه تفرد بها هؤلاء
الوضاعون، ومن ذا الذي يعير سمعا لها بعدالاخبات الى التاريخ
الصحيح، ومل‏ء اذنه هتاف عائشة: اقتلوا نعثلا قتله اللّه فقد
كفر.الى كلمات اخرى لهامر مجملها في هذا الجزء (ص‏215)
وفصلناها في (ص‏77 86).
وان تهالك طلحة دون التشديد عليه وقتله بكل ما تسنى له
مما لا يجهله ملم بالحديث والتاريخ، وكان يوم‏الدار مقنعا بثوب
يرميها بالسهام، وهو الذي منع منه الماء، وهو الذي حمل الناس
الى سطح دار ابن حزم‏فتسوروا منها دار عثمان، وهو الذي
منعه من ان يدفن في مقابر المسلمين، وهو الذي اقعد
لمجهزيه في الطريق‏ناسا يرمونهم بالحجارة، وهو الذي قتله
مروان ثم قال لابان بن عثمان: قد كفيتك بعض‏قتلة ابيك،
وهوالذي قال فيه وفي صاحبه مولانا امير المؤمنين (ع): «كان
طلحة والزبير اهون سيرهما فيه الوجيف ((778))،وارفق
حدائهما العنيف‏».
ولو كان طلحة كما زعمه الوضاعون فما معنى هتاف عثمان:
اللهم اكفني طلحة ابن عبيداللّه فانه حمل‏علي‏هؤلاء وال بهم.
وقوله: ويلي على ابن الحضرمية يعني طلحة اعطيته كذا
وكذا بهارا ذهبا وهو يروم‏دمي يحرض على نفسي، اللهم لا
تمتعه به ولقه عواقب بغيه.
والى الان يرن في الاسماع قول الزبير يومئذ: اقتلوه فقد بدل
دينكم. وقوله: ما اكره ان يقتل عثمان ولو بدئ‏بابني، ان عثمان
لجيفة على الصراط غدا. وقوله لعثمان: ان في مسجد رسول
اللّه (ص) جماعة يمنعون من‏ظلمك، وياخذونك بالحق. الخ.
والى الان في صفحات التاريخ قول سعد بن ابي وقاص: قتله
سيف سلته عائشة وشحذه طلحة، وسمه علي.قيل: فما حال
الزبير؟ قال: اشار بيده وصمت بلسانه. الى كلمات آخرين مرت
في هذا الجزء.
ولو كان ابن عباس كما اختلق عليه هؤلاء فلماذا لم يكترث
بكتاب عثمان واستغاثته به لما القي على الحجيج‏وهو اميرهم
وهو على منصة الخطابة، فمضى في خطبته من حيث
انقطعت، ولم يتعرض لذلك بشي‏ء، ولااعتد بخطابه حتى
جرى‏المقدور المحتم؟ ولماذا كان يحاذر بطش معاوية به على
مقتل عثمان لما اراد اميرالمؤمنين(ع) ان يرسله الى الشام.
راجع مصادر هذه كلها فيما مر من صفحات هذا الجزء.
7 واخرج ((779)) (ص‏128) بالاسناد الشعيبي:
قالوا: فلما بويع الناس السابق ((780)) فقدم بالسلامة فاخبرهم
من الموسم انهم يريدون جميعا المصريين‏واشياعهم، وانهم
يريدون ان يجمعوا ذلك الى حجهم، فلما اتاهم ذلك مع ما
بلغهم من نفور اهل الامصاراعلقهم الشيطان وقالوا: لا يخرجنا
مما وقعنا فيه الا قتل هذا الرجل، فيشتغل بذلك الناس عنا،
ولم يبق‏خصلة يرجون بها النجاة الا قتله، فراموا الباب فمنعهم
من ذلك الحسن وابن الزبير ومحمد بن‏طلحة‏ومروان بن
الحكم وسعيد بن العاص ومن كان من ابناء الصحابة اقام معهم،
واجتلدوا فناداهم عثمان:اللّه اللّه انتم في حل من نصرتي، فابوا،
ففتح الباب وخرج ومعه الترس والسيف لينهنههم، فلما راوه
ادبرالبصريون وركبهم هؤلاء ونهنههم فتراجعوا وعظم على
الفريقين، واقسم على الصحابة ليدخلن فابوا ان‏ينصرفوا،
فدخلوا فاغلق الباب دون المصريين، وقد كان المغيرة بن
الاخنس بن شريق فيمن حج ثم‏تعج ل‏في نفر حجوا معه،
فادرك عثمان قبل ان يقتل وشهد المناوشة ودخل الدار فيمن
دخل وجلس على الباب‏من داخل، وقال: ما عذرنا عند اللّه ان
تركناك ونحن نستطيع الا ندعهم حتى نموت؟ فاتخذ عثمان
تلك الايام‏القرآن نحبا يصلي وعنده المصحف فاذا اعيا جلس
فقرا فيه، وكانوا يرون القراءة في المصحف من العبادة،وكان
القوم الذين كفكفهم بينه وبين الباب، فلما بقي المصريون لا
يمنعهم احد من الباب ولا يقدرون على‏الدخول جاءوا بنار
فاحرقوا الباب والسقيفة، فتاجج الباب والسقيفة، حتى اذا
احترق الخشب خرت‏السقيفة على الباب، فثار اهل الدار
وعثمان يصلي حتى منعوهم الدخول، وكان اول من برز لهم
المغيرة بن‏الاخنس وهو يرتجز:
قد علمت جارية عطبول
ذات وشاح ولها جديل
اني بنصل السيف خنشليل
لامنعن منكم خليلي
بصارم ليس بذي فلول وخرج الحسن بن علي وهو يقول:
لا دينهم ديني ولا انا منهم
حتى اسير الى طمار شمام
وخرج محمد بن طلحة وهو يقول:
انا ابن من حامى عليه باحد
ورد احزابا على رغم معد
وخرج سعيد بن العاص وهو يقول:
صبرنا غداة الدار والموت واقب
باسيافنا دون ابن اروى نضارب
وكنا غداة الروع في الدار نصرة
نشافههم بالضرب والموت ثاقب
فكان آخر من خرج عبداللّه بن الزبير، امره عثمان ان يصير الى
ابيه في وصية بما اراد وامره ان ياتي اهل‏الدار فيامرهم
بالانصراف الى منازلهم، فخرج عبداللّه بن الزبير آخرهم فما
زال يدعي ويحدث الناس عن‏عثمان بخر ما مات عليه.
8 واخرج ((781)) (ص‏129) بالاسناد الشعيبي:
قالوا: واحرقوا الباب وعثمان في الصلاة، وقد افتتح (طه # ما
انزلنا عليك القرآن لتشقى) ((782))، وكان سريع‏القراءة، فما
كرثه ما سمع، وما يخطئ وما يتتعتع حتى اتى عليها قبل ان
يصلوا اليه، ثم عاد فجلس الى عندالمصحف وقرا: (الذين قال
لهم الناس ان الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا
وقالوا حسبنااللّهونعم‏الو كيل) ((783)). وارتجز المغيرة بن
الاخنس وهو دون الدار في اصحابه:
قد علمت ذات القرون الميل
والحلي والانامل الطفول
لتصدقن بيعتي خليلي
بصارم ذي رونق مصقول
لا استقيل ان اقلت قيلي واقبل ابو هريرة والناس محجمون عن
الدار الا اولئك العصبة، فدسروا ((784))فاستقتلوا،فقام معهم
وقال: انا اسوتكم. وقال: هذا يوم طاب امضرب يعني انه حل
القتال وطاب، وهذه لغة حمير آونادى: يا قوم مالي ادعوكم الى
النجاة وتدعونني الى النار، وبادر مروان يومئذ ونادى: رجل
رجل. فبرزله رجل من بني ليث يدعى النباع ((785))، فاختلفا
ضربتين، فضربه مروان اسفل رجليه وضربه الاخر على‏اصل
العنق فقلبه، فانكب مروان واستلقى، فاجتر هذا اصحابه، واجتر
الاخر اصحابه، فقال المصريون: اماواللّه لا ان ((786)) تكونوا
حجة علينا في الامة لقد قتلناكم بعد تحذير. فقال المغيرة: من
بارز؟ فبرز له رجل‏فاجتلدا وهو يقول:
اضربهم باليابس ضرب غلام بائس من الحياة آيس فاجابه
صاحبه... وقال الناس: قتل المغيرة بن‏الاخنس، فقال الذي
قتله: انا للّه. فقال له عبدالرحمن بن عديس: مالك؟ قال: اني
اتيت فيما يرى النائم، فقيل‏لي: بشر قاتل المغيرة بن الاخنس
بالنار، فابتليت به. وقتل قباث الكناني نيار بن عبداللّه الاسلمي،
واقتحم‏الناس الدار من الدور التي حولها حتى ملؤوها، ولا يشعر
الذين بالباب، واقبلت القبائل على ابنائهم،فذهبوا بهم اذ غلبوا
على اميرهم، وندبوا رجلا لقتله، فانتدب له رجل، فدخل عليه
البيت، فقال: اخلعهاوندعك. فقال: ويحك واللّه ما كشفت امراة
في جاهلية ولا اسلام ولا تغنيت ولا تمنيت، ولا وضعت
يميني‏على عورتي مذ بايعت رسول اللّه (ص)، ولست خالعا
قميصا كسانيه اللّه عز وجل، وانا على مكاني حتى‏يكرم اللّه اهل
السعادة ويهين اهل الشقاء.
فخرج وقالوا: ما صنعت؟ فقال: علقنا واللّه، واللّه ما ينجينا من
الناس الا قتله وما يحل لنا قتله، فادخلواعليه رجلا من بني
ليث، فقال: ممن الرجل؟ فقال: ليثي. فقال: لست بصاحبي.
قال: وكيف؟ فقال: الست‏الذي دعا لك النبي (ص) في نفر ان
تحفظوا يوم كذا وكذا؟ قال: بلى. قال: فلن تضيع. فرجع وفارق
القوم،فادخلوا عليه رجلا من قريش، فقال: يا عثمان اني قاتلك.
قال: كلا يا فلان لا تقتلني. قال: وكيف؟ قال: ان‏رسول اللّه
استغفر لك يوم كذا وكذا، فلن تقارف دما حراما، فاستغفر
ورجع وفارق اصحابه، فاقبل عبداللّهبن سلام حتى قام على باب
الدار ينهاهم عن قتله، وقال: يا قوم لا تسلوا سيف اللّه عليكم
فواللّه ان‏سللتموه لا تغمدوه، ويلكم ان سلطانكم اليوم يقوم
بالدرة، فان قتلتموه لا يقيم الابالسيف،ويلكم ان‏مدينتكم
محفوفة بملائكة اللّه، واللّه لئن قتلتموه لتتركنها. فقالوا: يابن
اليهودية وما انت وهذا؟ فرجع‏عنهم.
قالوا: وكان آخر من دخل عليه ممن رجع الى القوم محمد بن
ابي بكر، فقال له عثمان: ويلك اعلى اللّهتغضب؟ هل لي اليك
جرم الا حقه اخذته منك، فنكل ورجع. قالوا: فلما خرج محمد
بن ابي بكر وعرفواانكساره ثار قتيرة وسودان بن حمران
السكونيان والغافقي فضربه الغافقي بحديدة معه، وضرب
المصحف‏برجله فاستدار المصحف، فاستقر بين يديه وسالت
عليه الدماء، وجاء سودان بن حمران ليضربه، فانكبت‏عليه نائلة
ابنة الفرافصة واتقت السيف بيدها، فتعمدها ونفح اصابعها،
فاطن اصابع يدها وولت فغمزاوراكها، وقال: انها لكبيرة
العجيزة. وضرب عثمان فقتله، ودخل غلمة لعثمان مع القوم
لينصروه، وقد كان‏عثمان اعتق من كف منهم، فلما راوا سودان
قد ضربه، اهوى له بعضهم فضرب عنقه فقتله، ووثب
قتيرة‏على الغلام فقتله، وانتهبوا ما في البيت واخرجوا من فيه،
ثم اغلقوه على ثلاثة قتلى، فلما خرجوا الى الداروثب غلام
لعثمان آخر على قتيرة فقتله، ودار القوم فاخذوا ماوجدوا حتى
تناولوا ما على النساء، واخذرجل ملاءة نائلة والرجل يدعى
كلثوم بن تجيب فتنحت نائلة، فقال: ويح امك من عجيزة ما
اتمك! وبصربه غلام لعثمان فقتله وقتل، وتنادى القوم: ابصر
رجل من صاحبه، وتنادوا في الدار: ادركوا بيت المال لاتسبقوا
اليه، وسمع اصحاب بيت المال اصواتهم وليس فيه الا غرارتان
((787))، فقالوا: النجاء، فان القوم انمايحاولون الدنيا فهربوا،
واتوا بيت المال فانتهبوه، وماج الناس فيه، فالتانئ ((788))
يسترجع ويبكي، والطارئ‏يفرح، وندم القوم، وكان الزبير قد
خرج من المدينة، فاقام على طريق مكة لئلا يشهد مقتله، فلما
اتاه الخبربمقتل عثمان وهو بحيث هو قال: انا للّه وانا اليه
راجعون، رحم اللّه عثمان وانتصر له. وقيل: ان‏القوم
نادمون.فقال: دبروا دبروا: (وحيل بينهم وبين ما يشتهون)
((789)) الاية. واتى الخبر طلحة فقال: رحم اللّه عثمان‏وانتصر
له وللاسلام وقيل له: ان القوم نادمون. فقال: تبا لهم وقرا: (فلا
يستطيعون توصية ولا الى اهلهم‏يرجعون) ((790)). واتى علي
فقيل: قتل‏عثمان، فقال: رحم اللّه عثمان وخلف علينا بخير.
وقيل: ندم القوم. فقرا:(كمثل الشيطان اذ قال للانسان اكفر)
((791)) الاية. وطلب سعد، فاذا هو في حائطه، وقد قال: لا
اشهد قتله. فلماجاءه قتله قال: فررنا الى المدنية فدنينا وقرا:
(الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون
انهم‏يحسنون صنعا ) ((792)). اللهم اندمهم ثم خذهم.
9 واخرج ((793)) (ص‏131) بالاسناد الشعيبي:
قال المغيرة بن شعبة لعلي: ان هذا الرجل مقتول، وانه ان قتل
وانت بالمدينة اتخذوا فيك، فاخرج فكن بمكان‏كذا وكذا، فانك
ان فعلت وكنت في غار باليمن طلبك الناس. فابى وحصر
عثمان اثنين وعشرين يوماثم‏احرقوا الباب، وفي الدار اناس
كثير، فيهم عبداللّه بن الزبير ومروان، فقالوا: ائذن لنا. فقال:
ان‏رسول اللّه(ص) عهد الي عهدا فانا صابر عليه، وان القوم لم
يحرقوا باب الدار الا وهم يطلبون ما هو اعظم منه،فاحرج على
رجل يستقتل ويقاتل، وخرج الناس كلهم ودعا بالمصحف يقرا
فيه والحسن عنده، فقال: ان‏اباك الان لفي امر عظيم،
فاقسمت عليك لما خرجت. وامر عثمان ابا كرب رجلا من
همدان وآخر من‏الانصار ان يقوما على باب بيت المال، وليس
فيه الا غرارتان من ورق، فلما اطفئت النار بعدما ناوشهم
ابن‏الزبير ومروان وتوعد محمد بن ابي بكر ابن الزبير ومروان،
فلما دخل على عثمان هربا، ودخل محمد ابن ابي‏بكر على
عثمان، فاخذ بلحيته، فقال: ارسل لحيتي فلم يكن ابوك
ليتناولها، فارسلها، ودخلوا عليه، فمنهم من‏يجؤه بنعل سيفه
وآخر يلكزه، وجاءه رجل بمشاقص معه، فوجاه في ترقوته، فسال
الدم على المصحف وهم‏في ذلك يهابون في قتله، وكان كبيرا،
وغشي عليه ودخل آخرون، فلما راوه مغشيا عليه‏جروا
برجله،فصاحت نائلة وبناته، وجاء التجيبي مخترطا سيفه
ليضعه في بطنه، فوقته نائله، فقطع يدها، واتكا بالسيف‏عليه
في صدره، وقتل عثمان (رضى‏ا...عنه) قبل غروب الشمس،
ونادى مناد: ما يحل دمه ويحرج ماله،فانتهبوا كل شي‏ء، ثم
تبادروا بيت المال، فالقى الرجلان المفاتيح ونجوا، وقالوا:
الهرب الهرب، هذا ما طلب‏القوم.
10 واخرج ((794)) (ص‏135) بالاسناد الشعيبي:
لما حدثت الاحداث بالمدينة خرج منها رجال الى الامصار
مجاهدين، وليدنوا من العرب، فمنهم من اتى‏البصرة، ومنهم
من اتى الكوفة، ومنهم من اتى الشام. فهجموا جميعا من ابناء
المهاجرين بالامصار على مثل‏ما حدث في ابناء المدينة، الا ما
كان من ابناء الشام، فرجعوا جميعا الى المدينة الا من كان
بالشام، فاخبرواعثمان بخبرهم، فقام عثمان في الناس خطيبا،
فقال:
يا اهل المدينة انتم اصل الاسلام، وانما يفسد الناس بفسادكم،
ويصلحون بصلاحكم،واللّه واللّه واللّه لايبلغني عن احد منكم
حدث احدثه الا سيرته، الا فلا اعرفن احدا عرض دون اولئك
بكلام ولا طلب،فان من كان قبلكم كانت تقطع اعضاؤهم دون
ان يتكلم احد منهم بما عليه ولا له. وجعل عثمان لا ياخذاحدا
منهم على شر او شهر سلاح عصا فما فوقها الا سيره. فضج
آباؤهم من ذلك حتى بلغه انهم يقولون:ما احدث التسيير الا ان
رسول اللّه (ص) سير الحكم بن ابي العاص، فقال: ان الحكم
كان مكيا، فسيره‏رسول اللّه (ص) منها الى الطائف، ثم رده الى
بلده، فرسول اللّه(ص) سيره بذنبه ورسول اللّه (ص) رده‏بعفوه،
وقد سيره الخليفة من بعده، وعمر (رضى‏ا...عنه) من بعد
الخليفة، وايم اللّه لاخذن العفو من اخلاقكم، ولابذلنه لكم من
خلقي، وقد دنت امور، ولا احب ان تحل بنا وبكم وانا
على‏وجل‏وحذر،فاحذروا واعتبروا.
قال الاميني : هذه سلسلة بلاء وحلقة اكاذيب جاء بها ابو جعفر
الطبري في تاريخه باسناد واحد ابطلناه‏وزيفناه واوقفناك عليه
وعلى ترجمة رجاله في الجزء الثامن(ص‏84، 140،141،333)،
اضف اليها ما ذكره‏المحب‏الطبري مما اسلفنا صدره في هذا
الجزء صفحة (179) من طريق سعيد بن المسيب مما اتفق
الرواة‏والحفاظ والمؤرخون على نقله وجاء بعض بزيادة مفتعلة
وتبعه المحب الطبري واليك نصها:
ثم بلغ عليا انهم يريدون قتل عثمان، فقال: انما اردنا منه
مروان فاما قتل عثمان فلا. وقال للحسن والحسين:اذهبا
بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا احدا يصل اليه،
وبعث الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه،وبعث عدة من اصحاب
النبي(ص) ابناءهم يمنعون الناس ان يدخلوا على عثمان
ويسالونه اخراج مروان،فلما راى الناس ذلك رموا باب عثمان
بالسهام حتى خضب الحسن بن علي بدمائه واصاب مروان
سهم وهوفي الدار وكذلك محمد بن طلحة، وشج قنبر مولى
علي، ثم ان بعض من حصر عثمان خشي ان يغضب بنوهاشم
لاجل الحسن والحسين فتنتشر الفتنة، فاخذ بيد رجلين فقال
لهما: ان جاء بنو هاشم فراوا الدم على‏وجه الحسن كشفوا الناس
عن عثمان وبطل ما تريدون، ولكن اذهبوا بنا نتسور عليه الدار
فنقتله من غيران يعلم احد، فتسوروا من دار رجل من الانصار
حتى دخلوا على عثمان، وما يعلم احد ممن كان معه،لان‏كل
من كان معه كان فوق البيت ولم يكن معه الا امراته، فقتلوه
وخرجوا هاربين من حيث دخلوا،وصرخت امراته فلم يسمع
صراخها من الجلبة، فصعدت الى الناس فقالت: ان امير
المؤمنين قتل. فدخل‏عليه الحسن والحسين ومن كان معهما
فوجدوا عثمان مذبوحا فانكبوا عليه يبكون، ودخل الناس
فوجدواعثمان مقتولا فبلغ عليا وطلحة والزبير وسعدا ومن
كان بالمدينة فخرجوا وقد ذهبت عقولهم حتى دخلواعلى
عثمان فوجدوه مقتولا فاسترجعوا، وقال علي لابنيه: كيف قتل
امير المؤمنين وانتما على الباب؟ ورفع‏يده فلطم الحسن
وضرب صدر الحسين، وشتم محمد بن طلحة، ولعن عبداللّه
بن الزبير، وخرج‏علي‏وهو غضبان، فلقيه طلحة فقال: مالك يا ابا
الحسن ضربت الحسن والحسين؟ وكان يرى انه اعان على‏قتل
عثمان. فقال: عليك كذا وكذا، رجل من اصحاب رسول
اللّه(ص) بدرى لم تقم عليه بينة ولا حجة.فقال طلحة: لو دفع
مروان لم يقتل. فقال علي: لو اخرج اليكم مروان لقتل قبل ان
تثبت عليه حكومة.وخرج علي فاتى منزله وجاء الناس كلهم الى
علي ليبايعوه، فقال لهم: ليس هذا اليكم انما هو الى اهل
بدر،فمن رضي به اهل بدر فهو الخليفة. فلم يبق احد من اهل
بدر الا قال: ما نرى احق لها منك، فلما راى علي‏ذلك جاء
المسجد فصعد المنبر، وكان اول من صعد اليه وبايعه طلحة
والزبير وسعد واصحاب محمد(ص)، وطلب مروان فهرب،
وطلب نفرا من ولد مروان وبني ابي معيط فهربوا ((795)).
وفي لفظ المسعودي في مروج الذهب ((796)) (1/441): لما
بلغ عليا انهم يريدون قتله بعث بابنيه الحسن والحسين‏ومواليه
بالسلاح الى بابه لنصرته، وامرهم ان يمنعوه منهم، وبعث الزبير
ابنه عبداللّه، وبعث طلحة ابنه‏محمدا، واكثر ابناء الصحابة
ارسلهم آباؤهم اقتداء بمن ذكرنا، فصدوهم عن الدار، فرمي من
وصفنابالسهام، واشتبك القوم، وجرح الحسن، وشج قنبر،
وجرح محمد بن طلحة، فخشي القوم ان يتعصب بنوهاشم وبنو
امية، فتركوا القوم في القتال على الباب، ومضى نفر منهم الى
دار قوم من الانصار فتسورواعليها، وكان ممن وصل اليه محمد
بن ابي بكر ورجلان آخران، وعند عثمان زوجته، واهله ومواليه
مشاغيل‏بالقتال، فاخذ محمد بن ابى بكر بلحيته، فقال: يا
محمد واللّه لو رآك ابوك لساءه مكانك، فتراخت يده‏وخرج عنه
الى الدار، ودخل رجلان فوجداه فقتلاه، وكان المصحف بين
يديه يقرا فيه، فصعدت امراته‏فصرخت وقالت: قد قتل امير
المؤمنين.
فدخل الحسن والحسين ومن كان معهما من بني امية،
فوجدوه وقد فاضت نفسه (رضى‏ا...عنه) فبكوا. فبلغ‏ذلك عليا
وطلحة والزبير وسعدا وغيرهم من المهاجرين والانصار،
فاسترجع القوم، ودخل علي الدار وهوكالواله الحزين، فقال
لابنيه: كيف قتل‏اميرالمؤمنين وانتما على‏الباب، ولطم الحسن
وضرب الحسين وشتم‏محمد بن طلحة ولعن عبداللّه بن الزبير،
فقال له طلحة: لا تضرب يا ابا الحسن ولا تشتم ولا تلعن، ولو
دفع‏مروان [اليهم] ((797)) ما قتل، وهرب مروان وغيره من
بني امية، وطلبوا ليقتلوا فلم يوجدوا. وقال‏علي‏لزوجته نائلة
بنت الفرافصة: من قتله وانت كنت معه؟ فقالت: دخل اليه
رجلان، وقص ت خبر محمدبن ابي بكر، فلم ينكر ما قالت،
وقال: واللّه لقد دخلت [عليه] ((798)) وانا اريد قتله، فلما
خاطبني بما قال‏خرجت، ولا اعلم بتخلف الرجلين عني، واللّه
ما كان لي في قتله [من] ((799)) سبب، ولقد قتل وانا لا
اعلم بقتله.
وروى ابن الجوزي في التبصرة ((800)) من طريق ابن عمر،
قال: جاء علي الى عثمان‏غ يوم الدار وقد اغلق‏الباب ومعه
الحسن بن علي وعليه سلاحه فقال للحسن: ادخل الى امير
المؤمنين فاقراه السلام وقل له: انماجئت لنصرتك فمرني
بامرك، فدخل‏الحسن ثم خرج فقال‏لابيه: ان اميرالمؤمنين
يقرئك‏السلام ويقول لك: لاحاجة لي بقتال واهراق الدماء، قال:
فنزع علي عمامة سوداء ورمى بها بين يدي الباب وجعل
ينادي:(ذلك‏ليعلم اني لم اخنه بالغيب وان اللّه لا يهدى كيد
الخائنين) ((801)).
وعن شداد بن اوس نزيل الشام والمتوفى بها في عهد معاوية
انه قال: لما اشتد الحصار بعثمان(رضى‏ا...عنه) يوم الدار رايت
عليا خارجا من منزله معتما بعمامة رسول اللّه متقلدا سيفه
وامامه ابنه الحسن‏والحسين وعبداللّه بن عمر في نفر من
المهاجرين والانصار، فحملوا على الناس وفرقوهم ثم دخلوا
على‏عثمان.
فقال علي: السلام عليك يا امير المؤمنين ان رسول اللّه (ص)
لم يلحق هذا الامر حتى ضرب بالمقبل‏المدبر، واني واللّه لا ارى
القوم الا قاتليك فمرنا فلنقاتل. فقال عثمان: انشد اللّه رجلا
راى للّه عز وجل عليه‏حقا واقر ان لي عليه حقا ان يهريق في
سببي مل‏ء محجمة من دم او يهريق دمه فى. فاعاد
علي(رضى‏ا...عنه)القول فاجاب عثمان بمثل ما اجاب، فرايت
على ا خارجا من الباب وهو يقول: اللهم‏ان ك تعلم انا قد
بذلناالمجهود. ثم دخل المسجد وحضرت الصلاة فقالوا له: يا ابا
الحسن تقدم فصل‏بالناس، فقال: لا اصل ي بكم‏والامام محصور
ولكن اصلي وحدي، فصلى وحده‏وانصرف الى منزله فلحقه
ابنه وقال: واللّه يا ابت قداقتحموا عليه الدار، قال: انا للّه وانا اليه
راجعون، هم واللّه قاتلوه، قالوا: اين هو يا ابا الحسن؟ قال: في
الجنة‏واللّه زلفى، قالوا: واين هم يا ابا الحسن؟ قال: في النار واللّه
ثلاثا.
الرياض النضرة ((802)) (2/127)، تاريخ الخميس (2/262).
ومن طريق محمد بن طلحة عن كناسة ((803)) مولى صفية،
قال: شهدت مقتل عثمان فاخرج من الدار امامي‏اربعة من
شباب قريش مضرجين بالدم محمولين كانوا يدرؤون عن
عثمان وهم: الحسن بن علي وعبداللّه بن‏الزبير ومحمد بن
حاطب ومروان، فقلت له: هل تدري محمد بن ابي بكر بشي‏ء
من دونه ((804))؟ قال: معاذ اللّه،دخل عليه فقال له عثمان:
يابن اخي لست بصاحبي. وكلمه بكلام فخرج ((805)).
في الاسناد كنانة: ذكره الازدي في الضعفاء، وقال: لا يقوم
اسناد حديثه. وقال الترمذي: ليس اسناده بذاك.وقال ايضا:
ليس اسناده بمعروف ((806)).
وروى البخاري في تاريخه (4 قسم‏1 ص‏237)، من طريق كنانة
مولى صفية، قال: كنت اقود بصفية لتردعن‏عثمان، فلقيها
الاشتر فضرب وجه بغلتها حتى قالت: رد وني ولا يفضحني هذا
الكلب، وكنت فيمن حمل‏الحسن جريحا، ورايت قاتل عثمان
من اهل مصر يقال له: جبلة.
وقال سعيد المقبري عن ابي هريرة: كنت محصورا مع عثمان
في الدار، فرمي رجل منا، فقلت: يا امير المؤمنين‏الان طاب
الضراب، قتلوا رجلا منا. قال: عزمت عليك يا ابا هريرة الا رميت
بسيفك، فانما تراد نفسي،وساقي المؤمنين بنفسي اليوم، قال
ابو هريرة: فرميت بسيفي، فلا ادري اين هو حتى الساعة
. ((807))
لم اقف على رجال اسناد هذه الاسطورة غير سعيد المقبري،
وهو سعيد بن ابي سعيد ابو سعد المدني،والمقبري نسبة الى
مقبرة بالمدينة كان مجاورا لها. قال يعقوب بن شيبة والواقدي
وابن حبان ((808)): انه تغيروكبر واختلط قبل موته باربع
سنين. راجع تهذيب التهذيب ((809)) (4/38)، ومتن الرواية
اقوى شاهد على‏اختلاطالرجل، فان اول من رمى يوم الدار هو
رجل من اصحاب عثمان، رمى نيار بن‏عياض الاسلمي‏وكان
شيخا كبيرا فقتله الرجل، كما مر في (ص‏201) ومضى في
(ص‏200): ان ابا حفصة مولى مروان هوالذي انشب القتال
ورمى نيارا الاسلمي، ولعلك تعرف ابا هريرة ومبلغه من الصدق
والامانة على ودائع‏العلم والدين، وان كنت في جهل من هذا
فراجع كتاب ابي هريرة لسيدنا الحجة شرف الدين العاملي
حياه‏اللّه وبياه، ولعل تقاعد ابي هريرة عن نصرة الامام امير
المؤمنين علي (ع) في حروبه الدامية كان لانه لم يك‏يدري
اين سيفه.
وعن اشعب بن حنين مولى عثمان: انه كان مع عثمان في
الدار، فلما حصر جرد مماليكه السيوف فقال لهم‏عثمان: من
اغمد سيفه فهو حر. فلما وقعت في اذني كنت واللّه اول من
اغمد سيفه، فاعتقت.
قال الذهبي: هذا الخبر باطل لانه يقتضي ان لاشعب صحبة
وليس كذلك. لسان الميزان ((810)) (4/126).

صورة مفصلة
عن ابي امامة الباهلي (رضى‏ا...عنه)، قال: كنا مع عثمان
(رضى‏ا...عنه) وهو محصور في الدار، فقال: وبم‏يقتلونني؟ وقد
سمعت رسول اللّه (ص) يقول: «لا يحل دم امرى مسلم الا
باحدى ثلاث: رجل كفر بعداسلام، او زنى بعد احصان، او قتل
نفسا بغير حق فيقتل بها»، فواللّه ما احببت لديني بدلا منذ
هداني اللّهتعالى، ولا زنيت في جاهلية ولا اسلام، ولا قتلت نفسا
بغير حق، فبم يقتلونني؟ فلما اشتد عطشه اشرف‏على الناس
فقال: افيكم علي؟ فقالوا: لا. فقال: افيكم سعد؟ فقالوا: لا.
فسكت ثم قال: الا احد يبلغ عليافيسقينا ماء؟ فبلغ ذلك عليا،
فبعث اليه بثلاث قرب مملوءة ماء، فما وصل اليه حتى جرح
بسببها عدة من‏بني هاشم وبني امية، فلما بلغ عليا ان عثمان
محاصر يراد قتله قام خارجا من منزله معتما بعمامة رسول
اللّه(ص) متقلدا سيفه وامامه ابنه الحسن وعبداللّه بن عمر في
نفر من الصحابة والمهاجرين والانصارغ،ودخلوا على عثمان
وهو محصور فقال له علي كرم اللّه وجهه: السلام عليك يا امير
المؤمنين، انك امام العامة‏وقد نزل بك ما ترى، وانني اعرض
عليك خصالا ثلاثااختر احداهن: اما ان تخرج فتقاتلهم ونحن
معك‏وانت على الحق وهم على الباطل، واما ان تخرق بابا سوى
الباب الذي هم عليه، فتركب رواحلك وتلحق‏بمكة فانهم لن
يستحلوك وانت بها، واما ان تلحق بالشام فانهم اهل الشام
وفيهم معاوية، فقال عثمان: اما ان‏اخرج الى مكة فاني سمعت
رسول اللّه (ص) يقول: «يلحد رجل من قريش بمكة يكون عليه
نصف عذاب‏العالم‏». فلن اكون انا، واما ان الحق بالشام فلن
افارق دار هجرتي ومجاورة رسول اللّه (ص)، قال: فاذن لناان
نقاتلهم ونكشفهم عنك، قال: فلا اكون اول من ياذن في
محاربة امة محمد (ص)، فخرج علي‏وهويسترجع وقال للحسن
والحسين: اذهبا بسيفكما حتى تقوما على باب عثمان فلا تدعا
احدا يصل اليه، وبعث‏الزبير ابنه، وبعث طلحة ابنه، وبعث عد ة
من اصحاب محمد ابناءهم يمنعون الناس ان يدخلوا على
عثمان‏ويسالونه اخراج مروان. فلما راى ذلك محمد بن ابي بكر
وقد رمى الناس عثمان بالسهام حتى خضب‏الحسن بالدماء على
بابه وغيره، فخشي محمد بن ابي بكر ان يغضب بنو هاشم لحال
الحسن ويكشفواالناس عن عثمان، فاخذ بيد رجلين من اهل
مصر فدخلوا من بيت كان بجواره، لان كل من كان مع
عثمان‏كانوا فوق البيوت ولم يكن في الدار عند عثمان الا
امراته، فنقبوا الحائط فدخل عليه محمد بن ابي بكرفوجده يتلو
القرآن فاخذ بلحيته، فقال له عثمان: واللّه لو رآك ابوك لساءه
فعلك، فتراخت يده ودخل‏الرجلان عليه فقتلاه، وخرجوا
هاربين من حيث دخلوا، قيل: جلس عمرو بن الحمق على
صدره وضربه‏حتى مات، ووطئ عمير بن ضابئ على بطنه
فكسر له ضلعين من اضلاعه، وصرخت امراته فلم
يسمع‏صراخها لما كان حول الدار من الناس، وصعدت امراته
فقالت: ان امير المؤمنين قد قتل، فدخل الناس‏فوجدوه
مذبوحا، وانتشر الدم على المصحف على قوله تعالى:
(فسيكفيكهم اللّه وهو السميع العليم) ((811))،وبلغ الخبر عليا
وطلحة‏والزبير وسعدا ومن كان بالمدينة، فخرجوا وقد ذهبت
عقولهم للخبر الذي اتاهم،حتى دخلوا على عثمان فوجدوه
مقتولا فاسترجعوا، وقال علي لابنيه: كيف قتل امير المؤمنين
وانتما على‏الباب؟ ورفع يده فلطم الحسن، وضرب على صدر
الحسين، وشتم محمد بن طلحة وعبداللّه بن الزبير،وخرج وهو
غضبان حتى اتى منزله، وجاء الناس يهرعون اليه فقالوا له:
نبايعك فمد يدك فلابد لنا من امير.فقال علي: واللّه اني
لاستحي ان ابايع قوما قتلوا عثمان، واني لاستحي من اللّه تعالى
ان ابايع وعثمان لم يدفن‏بعد، فافترقوا ثم رجعوا فسالوه البيعة،
فقال: اللهم اني مشفق مما اقدم عليه، ثم قال ((812)) لهم:
ليس ذلك‏اليكم، انما ذلك لاهل بدر فمن رضي به اهل بدر
فهو خليفة، فلم يبق احد من اهل بدر حتى اتى عليا،فقالوا: ما
نرى احدا احق بها منك، مد يدك نبايعك. فبايعوه، فهرب
مروان وولده، وجاء علي وسال امراة‏عثمان، فقال لها: من قتل
عثمان؟ قالت: لا ادري دخل عليه محمد بن ابي بكر ومعه
رجلان لا اعرفهما، فدعامحمدا فساله عما ذكرت امراة عثمان،
فقال محمد: لم تكذب، واللّه دخلت عليه وانا اريد قتله، فذكر
لي ابي‏فقمت عنه وانا تائب الى اللّه تعالى، واللّه ما قتلته ولا
امسكته. فقالت امراته: صدق ولكنه ادخلهما عليه.
راجع اخبار الدول للقرماني ((813)) هامش الكامل لابن‏الاثير
(1/210 213).

نظرة فى الموضوعات
هذه الموضوعات اختلقت تجاه التاريخ الصحيح المتسالم عليه
الماخوذ من مئات الاثار الثابتة المعتضد بعضهاببعض، فيضادها
ما اسلفناه في البحث عن آراء اعاظم الصحابة في عثمان وما
جرى بينهم وبينه من سيئ‏القول والفعل، وفيهم بقية‏اصحاب
الشورى وغير واحد من العشرة المبشرة وعدة من البدريين،
وقد جاءفيه ما يربو على مائة وخمسين حديثا راجع (ص‏69
157) من هذا الجزء.
وتكذبها احاديث جمة مما قدمنا ذكرها (ص‏157 163) من
حديث المهاجرين والانصار وانهم هم قتلة‏عثمان.
ومن حديث كتاب اهل المدينة الى الصحابة في الثغور من ان
الرجل افسد دين محمد فهلموا واقيموا دين‏محمد (ص).
ومن حديث كتاب اهل المدينة الى عثمان يدعونه الى التوبة
ويقسمون له باللّه انهم لا يمسكون عنه ابدا حتى‏يقتلوه او
يعطيهم ما يلزمه من اللّه.
ومن حديث كتاب المهاجرين الى مصر ان تعالوا الينا وتداركوا
خلافة رسول اللّه قبل ان يسلبها اهلها،فان‏كتاب اللّه قد بد ل
وسنة رسوله قد غيرت. الى آخر ما مر في (ص‏161، 162).
ومن حديث الحصار الاول المذكور في صفحة (168 177).
ومن حديث كتاب المصريين الى عثمان: انا لن نضع سيوفنا
عن عواتقنا حتى تاتينا منك توبة مصرحة، اوضلالة مجلحة
مبلجة. الى آخر ما مر (ص‏170).
ومن حديث عهد الخليفة على نفسه ان يعمل بالكتاب والسنة
سنة (35) كما مر (ص‏170 172).
ومن حديث توبته مرة بعد اخرى كما فصلناه (ص‏172 177).
ومن حديث الحصار الثاني الذي اسلفناه (ص‏177 189).
ومن حديث كتاب عثمان الى معاوية في ان اهل المدينة قد
كفروا واخلفوا الطاعة. الى آخر ما سبق في‏صفحة (190).
ومن حديث كتابه الى الشام عامة: اني في قوم طال فيهم
مقامي واستعجلواالقدر في. وخيروني بين ان‏يحملوني على
شارف من الابل الدحيل، وبين ان انزع لهم رداء اللّه. الى آخر ما
مر (ص‏190).
ومن حديث كتابه الى اهل البصرة المذكور صفحة (191).
ومن حديث كتابه الى اهل الامصار مستنجدا يدعوهم الى
الجهاد مع اهل المدينة واللحوق به لنصره كمامر(ص‏191).
ومن حديث كتابه الى اهل مكة ومن حضر الموسم ينشد اللّه
رجلا من المسلمين بلغه كتابه الا قدم عليه.الخ.
ومن حديث يوم الدار والقتال فيه، وحديث من قتل في ذلك
المعترك مم ا مضى في (ص‏198 203).
ومن حديث مقتل عثمان وتجهيزه ودفنه بحش كوكب بدير
سلع مقابر اليهود المذكور (ص‏204 آ217).
ومما ثبت من احوال هؤلاء الذين زعموا انهم بعثوا ابناءهم
للدفاع عن عثمان، وانهم لم يفتاوا مناوئين له الى‏ان قتل، وبعد
مقتله الى ان قبر في اشنع الحالات. اما علي امير المؤمنين
فمن المتسالم عليه انه لم يحضر مقتل‏الرجل في المدينة فضلا
عن دخوله عليه قبيل ذلك واستئذانه منه للذب عنه وبعد
مقتله وبكائه عليه‏وصفعه‏ودفعه وسبه ولعنه وحواره حول
الواقعة، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/230) ردا على
الحديث:الظاهر ان هذا ضعيف لان عليا لم يكن بالمدينة حين
حصر عثمان ولا شهد قتله.
وقد ساله عثمان ان يخرج الى ماله بينبع ليقل هتف الناس
باسمه للخلافة، وكان ذلك مرة بعد اخرى، وفي‏احداهما قال لا
بن عباس: قل له فليخرج الى ماله بينبع فلا اغتم به ولا يغتم
بي. فاتى ابن عباس‏عليافاخبره فقال (ع): «يابن عباس ما يريد
عثمان الا ان يجعلني جملا ناضحا بالغرب اقبل وادبر، بعث
الي‏ان اخرج، ثم بعث الي ان اقدم، ثم هو الان يبعث الي ان
اخرج‏».
وعلي (ع) هو الذي مر حديث رايه في عثمان، فراجع حتى
ياتيك اليقين بانه صلوات اللّه عليه لم يكن‏كالواله الحزين، ولم
يكن ذاهبا عقله يوم الدار، ولا يقذفه بهذه الفرية الشائنة الا من
ذهبت به الخيلاء،وتخبطه الشيطان من المس، وخبل حب آل
امية قلبه واختبله، فلا يبالي بما يقول، ولا يكترث لما يتقول.

واما طلحة فحدث عنه ولا حرج، كان اشد الناس على عثمان
نقمة، وله ايام الحصارين وفي يومي الدار والتجهيز خطوات
واسعة ومواقف هائلة خطرة ثائرة على الرجل كما مر تفصيل
ذلك كله، وان كنت في‏ريب من ذلك فاسال عنه مولانا امير
المؤمنين (ع) لتسمع منه قوله: «واللّه ما استعجل متجردا
للطلب بدم‏عثمان الا خوفا من ان يطالب بدمه لانه مظنته،
ولم يكن في القوم احرص عليه منه، فاراد ان يغالط ممااجلب
فيه ليلبس الامر ويقع الشك‏» وقوله: «لحا اللّه ابن الصعبة اعطاه
عثمان ما اعطاه وفعل به ما فعل‏». الى‏اقواله الاخرى التي
اوقفناك عليها.
وسل عنه عثمان نفسه وقد مرت فيه كلماته المعربة عن جلية
الحال، وسل عنه مروان لماذا قتله؟ وما معنى‏قوله حين قتله
لابان بن عثمان: قد كفيتك بعض قتلة ابيك؟ وسل عنه سعدا
ومحمد بن طلحة وغيرهما ممن‏مر حديثهم.
واما الزبير فان سالت عنه مولانا امير المؤمنين (ع) فعلى
الخبير سقطت قال(ع) له: «اتطلب مني دم عثمان‏وانت قتلته؟
سلط اللّه على اشدنا عليه اليوم ما يكره‏»، وقال فيه وفي طلحة:
«انهم يطلبون حقا هم تركوه،ودما هم سفكوه، فان كنت
شريكهم فيه فان لهم نصيبهم منه، وان كان ولوه دوني فما
الطلبة الاقبلهم‏». الى‏آخر ما اسلفناه من كلماته (ع).
وقد مر قول ابن عباس: اما طلحة والزبير فانهما اجلبا عليه
وضيقا خناقه. وقول عمار بن ياسر في خطبة‏له: ان طلحة
والزبير كانا اول من طعن وآخر من امر.وقول سعيد بن العاص
لمروان: هؤلاء قتلة عثمان معك‏ان هذين الرجلين قتلا عثمان:
طلحة والزبير، وهما يريدان الامر لانفسهما، فلما غلبا عليه قالا:
نغسل الدم‏بالدم والحوبة بالحوبة.
واما سعد بن ابي وقاص فهو القائل كما مر حديثه: وامسكنا نحن
ولو شئنا دفعنا عنه ولكن عثمان غيروتغير، واحسن واساء فان
كنا احسنا فقد احسنا، وان كنا اسانا فنستغفر اللّه.
واعطف على هؤلاء بقية الصحابة الذين حسب واضعو هذه
الروايات انهم بعثوا ابناءهم للدفاع عن عثمان،وقد اسلفنا
اجماعهم عدا ثلاثة رجال منهم على مقته المفضي الى قتله،
وهل ترى من المعقول ان يمقته الاباءالى هذا الحد الموصوف
ثم يبعثوا ابناءهم للمجالدة عنه؟ ان هذا الا اختلاق.
وهل من المعقول ان القوم كانوا يمحضون له الولاء، وحضروا
للمناضلة عنه، فباغتهم الرجلان اللذان اجهزاعليه وفرا ولم
يعلم بهما احد الى ان اخبرتهم بهما بنت الفرافصة ولم تعرفهما
هي ايضا، وكانت الى جنب‏القتيل تراهما وتبصر ما ارتكباه منه؟
وهل عرف مختلق الرواية التهافت الشائن بين طرفي ما وضعه
من تحريه تقليل عدد المناوئين لعثمان المجهزين‏عليه حتى
كاد ان يخرج الصحابة الاباء منهم والابناء عن ذلك الجمهور،
ومما عزاه الى مولانا امير المؤمنين(ع) من قوله لما انثال اليه
القوم ليبايعوه: واللّه اني لاستحي ان ابايع قوما قتلوا عثمان. الخ.
وهو نص على ان‏مبايعيه اولئك هم كانوا قتلوا عثمان وهم هم
المهاجرون والانصار الصحابة الاولون الذين جاء عنهم
يوم‏صفين لما طلب معاوية من الامام (ع) قتلة عثمان وامر (ع)
بتبرزهم فنهض اكثر من عشرة آلاف قائلين:نحن قتلته،
يقدمهم عمار بن ياسر، ومالك الاشتر، ومحمد بن ابي بكر،
وفيهم البدريون. فهل الكلمة المعزوة‏الى الامام (ع)لمبايعيه
عبارة اخرى عن الرجلين المجهولين اللذين فرا ولم يعرف احد
خبرهما؟ او هماواخلاط من الناس الذين كانت الصحابة
تضادهم في المرمى؟ وهل في المعقول ان يلهج بهذا الامعتوه؟
وهل نحت هذا الانسان الوضاع ان صدق في احلامه عذرا
مقبولا لاولئك الصحابة العدول الذابين عن‏عثمان بانفسهم
وابنائهم الناقمين على من ناواه في تاخيرهم دفنه ثلاثا وقد
القي في المزبلة حتى زج بجثمانه الى‏حش كوكب، دير سلع،
مقبرة اليهود، ورمي بالحجارة، وشيع بالمهانة، وكسر ضلع من
اضلاعه، واودع‏الجدث باثيابه من غير غسل ولا كفن، ولم
يشيعه الا اربعة، ولم يمكنهم الصلاة عليه؟ فهل كل هذا
مشروع‏في الاسلام، والصحابة العدول يرونه ويعتقدون بانه
خليفة المسملين، وان من قتله ظالم، ولا ينبسون فيه‏ببنت
شفة، ولا يجرون فيه احكام الاسلام؟ او انهم ارتكبوا ذلك
الحوب الكبير وهم لا يتحوبون‏متعمدين؟ معاذ اللّه من ان يقال
ذلك. او ان هذا الانسان زحزحته بوادره عن مجاري تلكم
الاحكام،وحالت شوارده بينه وبين حرمات اللّه، وشرشرت منه
جلباب الحرمة والكرامة ومزقته تمزيقا، حتى وقعت‏الواقعة
ليس لوقعتها كاذبة؟
ومن الكذب الصريح في هذه الروايات عد سعد بن ابي وقاص
في الرعيل الاول ممن بايع عليا (ع)، وهومن المتقاعدين عن
بيعته الى آخر نفس لفظه، وهذا هو المعروف منه والمتسالم
عليه عند رواة الحديث‏ورجال التاريخ، وقد نحتت يد الافتعال
في ذلك له عذرا اشنع من العمل، راجع مستدرك
الحاكم((814))(3/116).
ومن المضحك جدا ما حكاه البلاذري في الانساب ((815))
(5/93) عن ابن سيرين من قوله: لقد قتل عثمان وان‏في‏الدار
لسبعمائة منهم الحسن وابن الزبير، فلو اذن لهم لاخرجوهم
من اقطار المدينة.
وعن الحسن البصري ((816)) قال: اتت الانصار عثمان فقالوا:
يا امير المؤمنين ننصر اللّه مرتين، نصرنا رسول اللّه(ص)
وننصرك. قال: لا حاجة لي في ذلك ارجعوا. قال الحسن: واللّه
لو ارادوا ان يمنعوه بارديتهم لمنعوه.
اي عذر معقول او مشروع هذا؟ يقتل خليفة المسلمين في عقر
داره بين ظهراني سبعمائة صحابي عادل وهم‏ينظرون اليه،
ومحمد بن ابي بكر قابض على‏لحيته عال بها حتى سمع وقع
اضراسه، وشحطه من البيت الى‏باب داره، وعمرو بن الحمق
يثب ويجلس على صدره، وعمير بن ضابئ يكسر اضلاعه،
وجبينه موجوءبمشقص كنانة بن بشر، وراسه مضروس بعمود
التجيبي، والغافقي يضرب فمه بحديد، وترد عليه طعنة
بعداخرى حتى اثخنته الجراح وبه حياة، فارادوا قطع راسه
فالقت زوجتاه بنفسهما عليه، كل هذه بين يدي‏اولئك المئات
العدول انصار الخليفة غير انهم ينتظرون حتى اليوم الى اذن
القتيل والا كانوا اخرجوهم من‏اقطار المدينة، ولو ارادوا ان
يمنعوه بارديتهم لمنعوه!! اين هذه الاضحوكة من الاسلام
والكتاب والسنة‏والعقل والعاطفة والمنطق والاجماع والتاريخ
الصحيح؟

نظرة فى المؤلفات
ان ما سطرناه في عثمان الى هذا الحد اساس ما علوا عليه بنيان
فضله، وتبرير ساحته عن لوث افعاله‏وتروكه، وتعذيره في
النهابير التي ركبها والدفاع عنه، وقد اوقفناك على الصحيح
الثابت مما جاء فيه، وعلى‏المزيف الباطل مما وضع له، ومن
جنايات المؤرخين ضربهم الصفح عن الاول، وركونهم الى
الفريق الثاني‏من الروايات فبنوا ما شادوه على شفا جرف هار،
فلم يات بغيرها اي عثماني في العقيدة، اموي في النزعة،ضع
يدك على اي كتاب لاحدهم في التاريخ والحديث مثل
تاريخ‏الامم والملوك للطبري، والتمهيد للباقلاني،والكامل
لابن الاثير، والرياض النضرة للمحب الطبري، وتاريخ ابي الفداء،
وتاريخ ابن خلدون، والبداية‏والنهاية لابن كثير، والصواعق لابن
حجر، وتاريخ الخلفاء للسيوط‏ي، وروضة المناظر لابن الشحنة
الحنفي،وتاريخ اخبار الدول للقرماني، وتاريخ الخميس للديار
بكري، ونزهة المجالس للصفوري، ونور الابصارللشبلنجي،
تجده مشحونا بتلكم الموضوعات المسلسلة، اتوا بها مرسلين
اياها ارسال المسلم، وشوهوا بهاصحيفة التاريخ بعد ما سودوا
صحائفهم، وموهوا بها على الحقائق الراهنة.
وجاء بعد هؤلاء المحدثون المتسرعون وهم يحسبون انهم
يمحصون التاريخ والحديث تمحيصا، ويحللون‏القضايا
والحوادث تحليلا صحيحا، متجردين عن الاهواء والنزعات غير
متحيزين الى فئة، ولا جانحين‏الى مذهب، لكنهم بالرغم من
هاتيك الدعوى وقعوا في ذلك وهم لا يشعرون، فحملوا الينا
كل تلكم‏الدسائس في صور مبهرجة رجاء ان تنطلي عند
الرجرجة الدهماء، لكن قلم التنقيب اماط الستار عن‏تمويههم،
وعرف الملا الباحث انهم انما ردوا ما هنالك من بوائق
ومخازي.
كما ردها يوما بسواته عمرو
واثبتوا فضائل بنيت على اساس منهدم، وربطوها بعرى
متفككة.