الغدير في الكتاب والسنة (8)
الجزء الثامن

العلامة الشيخ عبدالحسين الاميني

بسم اللّه الرحمن الرحيم

فيه ابحاث قيمة ودروس دينية راقية لا منتدح لاي ديني ارتاد
مهيع الحق، وابتغى لاحب الحقيقة‏عن عرفانها والخوض فيها،

والبحث عنها بضمير حر غير جانح الى العصبية العمياء
والعاطفة الحمقاء.. واللّه ولي التوفيق
ادب امير المؤمنين (ع)
ادب الشيعة، ادب الاميني
قال مولانا امير المؤمنين لحجر بن عدي وعمرو بن الحمق:
«كرهت لكم ان تكونوا لعانين شتامين، تشتمون‏وتبرؤون، ولكن
لو وصفتم مساوئ اعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا وكذا، ومن
اعمالهم كذا وكذا، كان اصوب‏في القول، وابلغ في العذر، ولو
قلتم مكان لعنكم اياهم وبراءتكم منهم: اللهم احقن دماءهم
ودماءنا، واصلح‏ذات بينهم وبيننا، واهدهم من ضلالتهم، حتى
يعرف الحق منهم من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان‏منهم
من لهج به، لكان احب الي وخيرا لكم‏».
فقالا: يا امير المؤمنين نقبل عظتك، ونتادب بادبك ((1)).
وقال الاميني مثل ما قالا، وهو مقال الشيعة جمعاء.
والسلام على من اتبع الهدى
سبحانك ما يكون لي ان اقول ما ليس لي بحق، الذين آتيناهم
الكتاب يتلونه حق تلاوته‏اولئ‏ك‏يؤمنون به، وان الذين اوتوا
الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم، الذين آتيناهم
الكتاب‏ى‏عرفونه‏كما يعرف ون ابناءهم، ما فرطنا في الكتاب من
شي‏ء، وان فريقا منهم ليكتمون‏الح‏ق‏وهم‏يعلمون، اذ يقول
المنافقون وال ذين في قلوبهم مرض غر هؤلاء دينهم، كبرت
كلمة تخرج من افواههم ان يقولون الا كذبا، فورب السماء
والارض انه لحق مثل ما انكم تنطقون، قل اي وربي انه لحق،
وانا لما سمعنا اله دى آمنا به، ما كان حديثا يفترى ولكن
تصديق الذي بينى ديه،فهدى‏اللّهالذين آمن وا لما اختلفوا فيه
من الحق باذنه، فماذا بعد الحق الا الضلال، وقل الحق من‏ربكم
فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، قل الحمد للّه وسلام على
عباده الذين اصطفى.

ابو طالب في الذكر الحكيم
لقد اغرق القوم نزعا في الوقيعة والتحامل على بطل الاسلام
والمسلم الاول بعد ولده البار، وناصر دين اللّهالوحيد، فلم
يقنعهم ما اختلقوه من الاقاصيص حتى‏عمدوا الى كتاب اللّه
فحرفوا الكلم عن مواضعه،فافتعلوا في آيات ثلاث اقاويل نات
عن الصدق، وبعدت عن الحقيقة بعد المشرقين، وهي عمدة ما
استنداليه القوم في عدم تسليم ايمان ابي طالب، فاليك البيان:

الاية الاولى
قوله تعالى: (وهم ينهون عنه ويناون عنه وان يهلكون الا
انفسهم وما يشعرون) ((2)).
اخرج الطبري وغيره من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن
ابي ثابت عمن سمع ابن عباس انه قال: انهانزلت في ابي طالب،
ينهى عن اذى رسول اللّه (ص) ان يؤذى، ويناى ان يدخل في
الاسلام ((3)).
وقال القرطبي: هو عام في جميع الكفار، اي ينهون عن اتباع
محمد (ص) ويناون عنه، عن ابن عباس‏والحسن. وقيل: هو
خاص بابي طالب ينهى الكفار عن اذاية محمد (ص) ويتباعد
عن الايمان به، عن ابن‏عباس ايضا. روى اهل السير قال: كان
النبي(ص) قد خرج الى الكعبة يوما واراد ان يصلي، فلما دخل
في‏الصلاة قال ابو جهل لعنه اللّه : من يقوم الى هذا الرجل
فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعرى فاخذفرثا ودما فلطخ به
وجه النبي (ص) فانفتل النبي (ص) من صلاته، ثم اتى ابا
طالب عمه فقال: «يا عم الاترى الى ما فعل بي؟» فقال ابو
طالب: من فعل هذا بك؟ فقال النبي(ص): «عبداللّه بن
الزبعرى‏»، فقام ابوطالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه
حتى اتى القوم، فلما راوا ابا طالب قد اقبل جعل القوم
ينهضون،فقال ابو طالب: واللّه لئن قام رجل لجللته بسيفي.
فقعدوا حتى دنا اليهم، فقال: يا بني من الفاعل بك هذا؟فقال:
«عبداللّه بن الزبعرى‏». فاخذ ابو طالب فرثا ودما فلطخ به
وجوههم ولحاهم وثيابهم واساء لهم القول،فنزلت هذه الاية:
(وهم ينهون عنه ويناون عنه). فقال النبي (ص): يا عم نزلت
فيك آية. قال: وما هي؟قال تمنع قريشا ان تؤذيني، وتابى ان
تؤمن بي. فقال ابو طالب:
واللّه لن يصلوا اليك بجمعهم
حتى اوسد في التراب دفينا
الى آخر الابيات التي اسلفناها (7/334، 352). فقالوا: يا رسول
اللّه هل تنفع نصرة ابي طالب ((4))؟ قال:نعم دفع عنه بذاك
الغل، ولم يقرن مع الشياطين، ولم يدخل في جب الحيات
والعقارب، انما عذابه في نعلين‏من نار [في رجليه] ((5)) يغلي
منهما دماغه في راسه، وذلك اهون اهل النار عذابا ((6)).
قال الاميني: نزول هذه الاية في ابي طالب باطل لا يصح من
شتى النواحي:
1 ارسال حديثه بمن بين حبيب بن ابي ثابت وابن عباس،
وكم وكم غير ثقة في اناس رووا عن ابن‏عباس، ولعل هذا
المجهول احدهم.
2 ان حبيب بن ابي ثابت انفرد به ولم يروه احد غيره ولا يمكن
المتابعة على‏ما يرويه، ولو فرضناه ثقة في‏نفسه بعد قول ابن
حبان ((7)): انه كان مدلسا. وقول العقيلي ((8)): غمزه ابن
عون وله عن عطاء احاديث لايتابع عليها. وقول القطان: له غير
حديث عن عطاء لا يتابع عليه وليست بمحفوظة. وقول
الاجري عن‏ابي داود: ليس لحبيب عن عاصم بن ضمرة شي‏ء
يصح، وقول ابن خزيمة: كان مدلسا ((9)).
ونحن لا نناقش في السند بمكان سفيان الثوري، ولا نؤاخذه
بقول من قال: انه يدلس ويكتب عن‏الكذابين ((10)).
3 ان الثابت عن ابن عباس بعدة طرق مسندة يضاد هذه
المزعمة، ففيما رواه الطبري وابن المنذر وابن ابي‏حاتم وابن
مردويه من طريق علي بن ابي طلحة وطريق العوفي عنه انها
في المشركين الذين كانوا ينهون‏الناس عن محمد ان يؤمنوا به،
ويناون عنه يتباعدون عنه ((11)).
وقد تاكد ذلك ما اخرجه الطبري وابن ابي شيبة وابن المنذر
وابن ابي حاتم وعبد بن حميد من طريق وكيع‏عن سالم عن
ابن الحنفية، ومن طريق الحسين بن الفرج عن ابي معاذ، ومن
طريق بشر عن قتادة.
واخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم وابو
الشيخ عن قتادة والسدي والضحاك، ومن‏طريق ابي نجيح عن
مجاهد، ومن طريق يونس عن ابن زيد قالوا: ينهون عن القرآن
وعن النبي، ويناون‏عنه يتباعدون عنه ((12)).
وليس في هذه الروايات اي ذكر لابي طالب، وانما المراد فيها
الكفار الذين كانوا ينهون عن اتباع رسول اللّهاو القرآن، ويناون
عنه بالتباعد والمناكرة، وانت جد عليم بان ذلك كله خلاف ما
ثبت من سيرة شيخ‏الابطح الذي آواه ونصره وذب عنه ودعا
اليه الى آخر نفس لفظه.
4 ان المستفاد من سياق الاية الكريمة انه تعالى يريد ذم اناس
احياء ينهون عن اتباع نبيه ويتباعدون‏عنه، وان ذلك سيرتهم
السيئة التي كاشفوا بها رسول‏اللّه(ص) وهم متلبسون بها عند
نزول الاية، كما هوصريح ما اسلفناه من رواية القرطبي وان
النبي (ص) اخبر ابا طالب بنزول الاية.
لكن نظرا الى ما ياتي عن الصحيحين فيما زعموه من ان قوله
تعالى في سورة القصص: (انك لا تهدي من‏احبب‏ت ولكن اللّه
يهدي من يشاء). نزلت في ابي طالب بعد وفاته. لا يتم نزول آية
ينهون عنه ويناون النازلة في‏اناس احياء في ابي طالب، فان
سورة الانعام التي فيها الاية المبحوث عنها نزلت جملة واحدة
بعد سورة‏القصص بخمس سور كما في الاتقان ((14)) ((13))
(1/17) فكيف يمكن تطبيقها على ابي طالب وهو رهن
اطباق‏الثرى، وقد توفي قبل نزول الاية ببرهة طويلة؟
5 ان سياق الايات الكريمة هكذا: (ومنهم من يستمع اليك
وجعلنا على قلوبهم اكنة ان يفقهوه وفي آذانهم‏وقرا وان يروا
كل آية لا يؤمنوا بها حتى اذا جاؤوك يجادلونك يقول الذين
كفروا ان هذا الا اساطير الاولين وهم ينهون عنه ويناون عنه
وان يهلكون الا انفسهم وما يشعرون) ((15)).
وهو كما ترى صريح بان المراد بالايات كفار جاؤوا النبي
فجادلوه وقذفوا كتابه المبين بانه من اساطيرالاولين، وهؤلاء
الذين نهوا عنه (ص) وعن كتابه الكريم، وناوا وباعدوا عنه، فاين
هذه كلها عن ابي‏طالب، الذي لم يفعل كل ذلك طيلة حياته،
وكان اذا جاءه فلكلاءته والذب عنه بمثل قوله:
واللّه لن يصلوا اليك بجمعهم
حتى اوسد في التراب دفينا
وان لهج بذكره نوه برسالته عنه بمثل قوله:
الم تعلموا انا وجدنا محمدا
رسولا كموسى خط في اول الكتب
وان قال عن كتابه هتف بقوله:
او يؤمنوا بكتاب منزل عجب
على نبي كموسى او كذي النون
وقد عرف ذلك المفسرون فلم يقيموا للقول بنزولها في ابي
طالب وزنا، فمنهم من عزاه الى القيل، وجعل‏آخرون خلافه
اظهر، وراى غير واحد خلافه اشبه، واليك جملة من نصوصهم:
قال الطبري في تفسيره ((16)) (7/109): المراد المشركون
المكذبون بيات اللّه ينهون الناس عن اتباع محمد(ص) والقبول
منه ويناون عنه ويتباعدون عنه. ثم رواه من الطرق التي
اسلفناها عن ابن الحنفية وابن‏عباس والسدي وقتادة وابي
معاذ، ثم ذكر قولا آخر بان المراد ينهون عن القرآن ان يسمع له
ويعمل بما فيه،وعد ممن قال به قتادة ومجاهد وابن زيد،
ومرجع هذا الى القول الاول، ثم ذكر القول بنزولها في ابي
طالب‏وروى حديث حبيب بن ابي ثابت عمن سمع ابن عباس
واردفه بقوله في (ص‏110): واولى هذه الاقوال‏بتاويل الاية قول
من قال: تاويل وهم ينهون عنه عن اتباع محمد (ص) من
سواهم من الناس ويناون عن‏اتباعه، وذلك ان الايات قبلها
جرت بذكر جماعة المشركين العادين به والخبر عن تكذيبهم
رسول اللّه(ص)والاعراض عما جاءهم به من تنزيل اللّه ووحيه،
فالواجب ان يكون قوله (وهم ينهون عنه) خبرا عنهم، اذلم ياتنا
ما يدل على انصراف الخبر عنهم الى غيرهم، بل ما قبل هذه
الاية وما بعدها يدل على صحة ما قلنامن ان ذلك خبر عن
جماعة مشركي قوم رسول اللّه (ص) دون ان يكون خبرا عن
خاص منهم، واذ كان‏ذلك كذلك فتاويل الاية: وان ير هؤلاء
المشركون يا محمد كل آية لا يؤمنوا [بها] ((17)) حتى اذا
جاؤوك‏يجادلونك يقولون ان هذا الذي جئتنا به الا احاديث
الاولين واخبارهم، وهم ينهون عن استماع التنزيل‏ويناون
عنك، فيبعدون منك ومن اتباعك، وان يهلكون الا انفسهم.
انتهى.
وذكر الرازي في تفسيره ((18)) (4/28) قولين: نزولها في
المشركين الذين كانوا ينهون الناس عن اتباع‏النبي‏والاقرار
برسالته. ونزولها في ابي طالب خاص ة، فقال: والقول الاول
اشبه لوجهين:
الاول: ان جميع الايات المتقدمة على هذه الاية تقتضي ذم
طريقتهم فكذلك قوله: (وهم ينهون عنه). ينبغي‏ان يكون
محمولا على امر مذموم، فلو حملناه على‏ان ابا طالب كان
ينهى عن ايذائه لما حصل هذا النظم.
والثاني: انه تعالى قال بعد ذلك (وان يهلكون الا انفسهم) يعني
به ما تقدم ذكره، ولا يليق ذلك بان يكون‏المراد من قوله وهم
ينهون عنه النبي عن اذيته، لان ذلك حسن لا يوجب الهلاك.
فان قيل: ان قوله: (وان يهلكون الا انفسهم) يرجع الى قوله:
(ويناون عنه) لا الى قوله (ينهون عنه).لان‏المراد بذلك انهم
يبعدون عنه بمفارقة دينه وترك الموافقة له وذلك ذم فلا
يصح ما رجحتم به هذا القول‏قلنا: ان ظاهر قوله: (وان يهلكون
الا انفسهم) يرجع الى كل ما تقدم ذكره لانه بمنزلة ان يقال:
ان فلانا يبعدعن الشي‏ء الفلاني وينفر عنه ولا يضر بذلك الا
نفسه، فلا يكون هذا الضرر متعلقا باحد الامرين دون‏الاخر.
انتهى.
وذكر ابن كثير في تفسيره (2/127) القول الاول نقلا عن ابن
الحنفية وقتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد،فقال: وهذا
القول اظهر واللّه اعلم، وهو اختيار ابن جرير.
وذكر النسفي في تفسيره ((19)) بهامش تفسير الخازن (2/10)
القول الاول ثم قال: وقيل: عني به ابو طالب:والاول اشبه.
وذكر الزمخشري في الكشاف ((20)) (1/448) والشوكاني في
تفسيره ((21)) (2/103) وغيرهما القول الاول‏وعزوا القول
الثاني الى القيل، وجاء الالوسي ((22)) وفصل في القول الاول
ثم ذكر الثاني واردفه بقوله: ورده‏الامام. ثم‏ذكر محص ل قول
الرازي.
وليت القرطبي لما جاءنا يخبط في عشواء وبين شفتيه رواية
التقطها كحاطب ليل دلنا على مصدر هذا الذي‏نسجه، ممن
اخذه؟ والى من ينتهي اسناده؟ ومن ذا الذي صافقه على
روايتها من الحفاظ؟ واي مؤلف دونه‏قبله، ومن الذي يقول: ان
ما ذكره من الشعر قاله ابو طالب يوم ابن الزبعرى؟ ومن الذي
يروي نزول الاية‏يوم ذلك؟ واي ربط وتناسب بين الاية
واخطارها النبي (ص) على ابي طالب وبين شعره ذاك؟ وهل
روى‏قوله في هذا النسيج: يا عم نزلت فيك آية. غيره من ائمة
الحديث ممن هو قبله او بعده؟ وهل وجد القرطبي‏للجزء
الاخير من روايته مصدرا غير تفسيره؟ وهل اطل على جب
الحيات والعقارب فوجده خاليا من‏ابي طالب؟ وهل شد الاغلال
وفكها هو ليعرف ان شيخ الابطح لا يغل بها؟ ام ان مدركه في
ذلك الحديث‏النبوي؟ حبذا لو صدقت الاحلام، وعلى كل فهو
محجوج بكل ما ذكرناه من الوجوه.

الاية الثانية والثالثة
1 قوله تعالى: (ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا
للمشركين ولو كانوا اولي قربى من بعد ما تبين لهم‏انهم
اصحاب الجحيم) ((23)).
2 قوله تعالى: (انك لا تهدي من احببت ولكن اللّه يهدي من
يشاء وهو اعلم بالمهتدين) ((24)).
اخرج البخاري في الصحيح في كتاب التفسير في القصص
((25)) (7/184)، قال: حدثنا ابو اليمان، اخبرناشعيب عن
الزهري قال: اخبرني سعيد بن المسيب عن ابيه قال: لما
حضرت ابا طالب الوفاة جاءه رسول‏اللّه (ص) فوجد عنده ابا
جهل وعبداللّه بن ابي امية بن المغيرة فقال: اي عم قل: لا اله
الا اللّه، كلمة احاج‏لك بها عند اللّه. فقال ابو جهل وعبداللّه بن
ابي امية: اترغب عن ملة عبدالمطلب؟ فلم يزل رسول
اللّه(ص)يعرضها عليه ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال ابو
طالب آخر ما تكلم ((26)) على ملة عبدالمطلب وابى ان‏يقول:
لا اله الا اللّه. فقال رسول اللّه (ص): واللّه لاستغفرن لك ما لم انه
عنك. فانزل اللّه: (ما كان ل لنبي‏والذين آمنوا ان يستغفروا
للمشركين). وانزل اللّه في ابي طالب فقال لرسول اللّه (ص):
(انك لا تهدي من‏اح‏ببت ولكن اللّه يهدي من يشاء.
وفي مرسلة الطبري ((27)): فنزلت: (ما كان للنبي) الاية.
ونزلت: (انك لا تهدي من احببت).
واخرجه مسلم في صحيحه ((28)) من طريق سعيد بن
المسيب، وتبع الشيخين جل المفسرين لحسن ظنهم
بهما وبالصحيحين.

مواقع النظر في هذه الرواية
1 ان سعيدا الذي انفرد بنقل هذه الرواية كان ممن ينصب
العداء لامير المؤمنين علي (ع) فلا يحتج بما يقوله‏او يتقوله فيه
وفي ابيه وفي آله وذويه، فان الوقيعة فيهم اشهى ماكلة له، قال
ابن ابي الحديد في الشرح((29))(1/370): وكان سعيد بن
المسيب منحرفا عنه (ع)، وجبهه عمر بن علي (ع) في وجهه
بكلام شديد،روى‏عبدالرحمن بن الاسود عن ابي داود
الهمداني قال: شهدت سعيد بن المسيب واقبل عمر بن علي
بن ابي‏طالب (ع) فقال له سعيد: يابن اخي ما اراك تكثر غشيان
مسجد رسول اللّه (ص)، كما يفعل اخوتك وبنواعمامك؟ فقال
عمر: يابن المسيب اكلما دخلت المسجد اجي‏ء، فاشهدك؟
فقال سعيد: ما احب ان تغضب‏سمعت اباك يقول: ان لي من اللّه
مقاما لهو خير لبني عبدالمطلب مما على الارض من شي‏ء.
فقال عمر: واناسمعت ابي يقول: ما كلمة حكمة في قلب منافق
فيخرج من الدنيا الا يتكلم بها. فقال سعيد: يابن اخي‏جعلتني
منافقا؟ قال: هو ما اقول لك. ثم انصرف.
واخرج الواقدي من ان سعيد بن المسيب مر بجنازة السجاد
علي بن الحسين ابن علي بن ابي طالب: ولم‏يصل عليها، فقيل
له: الا تصلي على هذا الرجل الصالح من اهل البيت الصالحين؟
فقال: صلاة ركعتين احب‏الي من الصلاة على الرجل الصالح!
ويعرفك سعيد بن المسيب ومبلغه من الحيطة في دين اللّه ما
ذكره ابن حزم في المحلى (4/214) عن قتادة قال:قلت
لسعيد: انصلي خلف الحجاج؟ قال: انا لنصلي خلف من هو شر
منه.
2 ان ظاهر رواية البخاري كغيرها تعاقب نزول الايتين عند
وفاة ابي طالب(ع)، كما ان صريح ما ورد في‏كل واحدة من
الايتين نزولها عند ذاك، ولا يصح ذلك لان الاية الثانية منهما
مكية والاولى مدنية نزلت بعدالفتح بالاتفاق وهي في سورة
براءة المدنية التي هي آخر ما نزل من القرآن ((30)) فبين
نزول الايتين ما يقرب‏من عشر سنين او يربو عليها.
3 ان آية الاستغفار نزلت بالمدينة بعد موت ابي طالب بعدة
سنين تربو على ثمانية اعوام، فهل كان‏النبي(ص) خلال هذه
المدة يستغفر لابي طالب (ع) اخذا بقوله (ص): واللّه لاستغفرن
لك ما لم‏انه عنك؟وكيف كان‏يستغفر له؟ وكان هو(ص)
والمؤمنون ممنوعين عن موادة المشركين والمنافقين
وموالاتهم‏والاستغفار لهم الذي هو من اظهر مصاديق الموادة
والتحابب منذ دهر طويل بقوله تعالى: (لا تجدقومايؤمنون
باللّه واليوم الاخر يوادون من حاد اللّه ورسوله ولو كانوا آباءهم او
ابناءهم او اخوانهم اوعشيرتهم اولئك كتب في قلوبهم الايمان
وايدهم بروح منه) الاية.
هذه آية (22) من سورة المجادلة المدنية النازلة قبل سورة
براءة التي فيها آية الاستغفار بسبع سور كما في‏الاتقان ((31))
(1/17)، واخرج: ((32)) ابن ابي حاتم، والطبراني، والحاكم، وابو
نعيم، والبيهقي، وابن كثير كما في‏تفسيره (4/329)، وتفسير
الشوكاني (5/189)، وتفسير الالوسي (28/37) ان هذه الاية
نزلت يوم بدروكانت في السنة الثانية من الهجرة الشريفة، او
نزلت على ما في بعض التفاسير في احد وكانت في السنة‏الثالثة
باتفاق الجمهور كما قاله الحلبي في السيرة ((33))، فعلى هذه
كلها نزلت هذه الاية قبل آية الاستغفاربعدة سنين.
وبقوله تعالى (يا ايها آلذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين اولياء من
دون المؤمنين اتريدون ان تجعلوا للّه عليكم‏سلطانا مبينا).
هذه الاية (144) من سورة النساء وهي مكية على قول النحاس
وعلقمة وغيرهما ممن قالوا: ان قوله‏تعالى: (يا ايها الناس).
حيث وقع انما هو مكي ((34))، وان اخذنا بما صححه القرطبي
في تفسيره (5/1) وذهب‏اليه الاخرون من انها مدنية اخذا بما
في صحيح البخاري ((35)) من حديث عائشة: ما نزلت سورة
النساءالاوانا عند رسول اللّه (ص)، فانها نزلت في اوليات الهجرة
الشريفة بالمدينة، وعلى اي من التقديرين نزلت‏قبل سورة آية
الاستغفار البراءة باحدى وعشرين سورة كما في الاتقان
(1/17). ((36))
وبقوله سبحانه: (الذين يتخذون الكافرين اولياء من دون
المؤمنين ايبتغون عندهم العزة).
هذه الاية (139) من سورة النساء وقد عرفت انها نزلت قبل
براءة.
وبقوله تعالى: (لا يتخذ المؤمنون الكافرين اولياء من دون
المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من اللّه في شي‏ءالاان تتقوا
منهم تقاة ويحذركم اللّه نفسه والى اللّه المصير).
هذه الاية (28) من آل عمران، نزل صدرها الى بضع وثمانين
آية في اوائل الهجرة الشريفة يوم وفد نجران‏كما في سيرة ابن
هشام ((37)) (2/207)، واخذا بما رواه القرطبي وغيره ((38))
نزلت هذه الاية في عبادة بن‏الصامت يوم الاحزاب كانت في
الخمس من الهجرة، وعلى اي من التقديرين وغيرهما نزلت آل
عمران قبل‏براءة سورة آية الاستغفار باربع وعشرين سورة
كما في الاتقان ((39)) (1/17).
وبقوله تعالى: (سواء عليهم استغفرت لهم ام لم تستغفر لهم لن
يغفر اللّه لهم) وهي الاية السادسة من‏المنافقين نزلت عام غزوة
بني المصطلق سنة ست، وهو المشهور عند اصحاب المغازي
والسير كما قاله ابن‏كثير ((40))، ونزلت قبل براءة بثماني سور
كما في الاتقان (1/17).
وبقوله تعالى: (يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم واخوانكم
اولياء ان
استحبوا الكفر على الايمان ومن يتولهم منكم فاولئك هم
الظالمون). وبقوله تعالى: (استغفر لهم او لاتستغفرلهم ان
تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر اللّه لهم).
وهذه وما قبلها الايتان (23 و 80) من سورة التوبة نزلتا قبل آية
الاستغفار.
اترى النبي (ص) مع هذه الايات النازلة قبل آية الاستغفار كان
يستغفر لعمه طيلة سنين وقد مات كافرا آالعياذ باللّه وهو
ينظر اليه من كثب؟ لاها اللّه، حاشا نبي العظمة.
ولعل لهذه كلها استبعد الحسين بن الفضل نزولها في ابي
طالب وقال: هذا بعيد لان السورة من آخر ما نزل‏من القرآن،
ومات ابو طالب في عنفوان الاسلام والنبي(ص) بمكة، وذكره
القرطبي واقره في تفسيره((41))(8/273).
4 ان هناك روايات تضاد هذه الرواية في مورد نزول آية
الاستغفار من سورة براءة، منها: صحيحة‏اخرجها ((42)):
الطيالسي، وابن ابي شيبة، واحمد، والترمذي، والنسائي، وابو
يعلى، وابن جرير وابن المنذر،وابن ابي حاتم، وابو الشيخ،
والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في شعب الايمان،
والضياء في المختارة‏عن علي قال: «سمعت رجلا يستغفر لابويه
وهما مشركان فقلت: تستغفر لابويك وهما مشركان؟ فقال:
اولم‏يستغفر ابراهيم؟ فذكرت ذلك للنبي (ص) فنزلت: (ما
كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين ولوكانوا اولي
قربى من بعد ما تبين لهم انهم اصحاب الجحيم - وما كان
استغفار ابراهيم لابيه الا عن موعدة‏وعدها اياه فلما تبين له انه
عدو للّه تبرا منه ان ابراهيم لا واه حليم) ((43))».
يظهر من هذه الرواية ان عدم جواز الاستغفار للمشركين كان
امرا معهودا قبل نزول الاية ولذلك ردع عنه‏مولانا امير
المؤمنين الرجل، وقوله (ع) هذا لا يلائم استغفار النبي (ص)
لعمه على تقدير عدم اسلامه،وترى الرجل ما استند في تبرير
عمله الى استغفار رسول اللّه (ص) لعمه علما بانه (ص) لم
يستغفر لمشرك‏قط.
قال السيد زيني دحلان في اسنى المطالب ((44)) (ص‏18):
هذه الرواية صحيحة وقد وجدنا لها شاهدا برواية‏صحيحة من
حديث ابن عباس غ قال: كانوا يستغفرون لابائهم حتى نزلت
هذه الاية، فلما نزلت امسكواعن الاستغفار لامواتهم ولم ينهوا
ان يستغفروا للاحياء حتى يموتوا ثم انزل اللّه تعالى: (وما
كان‏استغفارابراهيم) الاية يعني استغفر له ما دام حيا فلما مات
امسك عن الاستغفار له، قال: وهذا شاهد صحيح‏فحيث كانت
هذه الرواية اصح كان العمل بها ارجح، فالارجح انها نزلت في
استغفار اناس لابائهم‏المشركين لا في ابي طالب. انتهى.
ومنها: ما اخرجه ((45)) في سبب نزول آية الاستغفار مسلم
في صحيحه، واحمد في مسنده، وابو داود في‏سننه، والنسائي،
وابن ماجة عن ابي هريرة (رضي اللّه عنه) ان رسول اللّه (ص)
اتى قبر امه فبكى وابكى‏من حوله، فقال رسول اللّه (ص):
استاذنت ربي في ان استغفر لها فلم ياذن لي، واستاذنته ان
ازور قبرهافاذن لي. فزوروا القبور فانها تذكرة الاخرة ((46)).
واخرج: الطبري، والحاكم ((47))، وابن ابي حاتم، والبيهقي
عن ابن مسعود وبريدة، والطبراني ((49))، ((48))
وابن‏مردويه، والطبري من طريق عكرمة عن ابن عباس:
انه(ص) لما اقبل من غزوة تبوك اعتمر فجاء قبر امه‏فاستاذن
ربه ان يستغفر لها، ودعا اللّه تعالى ان ياذن له في شفاعتها يوم
القيامة فابى ان ياذن فنزلت الاية((50)).
واخرج الطبري في تفسيره ((51)) (11/31) عن عطية: لما قدم
رسول اللّه (ص) مكة وقف على قبر امه حتى‏سخنت عليه
الشمس رجاء ان يؤذن له فيستغفر لها حتى‏نزلت: (ما كان
للنبي) الى قوله: (تبرا منه).
وروى الزمخشري في الكشاف ((52)) (2/49) حديث نزول
الاية في ابي طالب، ثم ذكر هذا الحديث في سبب‏نزولها
واردفها بقوله: وهذا اصح لان موت ابي طالب كان قبل الهجرة
وهذا آخر ما نزل بالمدينة.
وقال القسطلاني في ارشاد الساري ((53)) (7/270): قد ثبت
ان النبي (ص) اتى قبر امه لما اعتمر فاستاذن ربه‏ان يستغفر
لها فنزلت هذه الاية. رواه الحاكم ((54)) وابن ابي حاتم عن
ابن مسعود، والطبراني ((55)) عن ابن‏عباس، وفي ذلك دلالة
على تاخر نزول الاية عن وفاة ابي طالب والاصل عدم تكرار
النزول.
قال الاميني: هلا كان رسول اللّه (ص) يعلم الى يوم تبوك بعد
تلكم الايات النازلة التي اسلفناها في (ص‏10 12)، انه غير
مسوغ له وللمؤمنين الاستغفار للمشركين والشفاعة لهم، فجاء
يستاذن ربه ان يستغفر لامه‏ويشفع لها؟ او كان يحسب ان لامه
حسابا آخر دون سائر البشر؟ او ان الرواية مختلقة تمس
كرامة‏النبي‏الاقدس، وتدن س ذيل قداسة امه الطاهرة عن
الشرك.
ومنها: ما اخرجه الطبري في تفسيره ((56)) (11/31) عن
قتادة قال: ذكر لنا ان رجالا من اصحاب النبي(ص) قالوا: يا نبي
اللّه ان من آبائنا من كان يحسن الجوار، ويصل الرحم، ويفك
العاني، ويوفي بالذمم، افلانستغفر لهم؟ فقال النبي (ص):
[بلى] ((57)) واللّه لاستغفرن لابي كما استغفر ابراهيم لابيه،
فانزل اللّه: (ما كان‏للنبي)، ثم‏عذر اللّه ابراهيم عليه الصلاة
والسلام فقال: (وما كان استغفار ابراهيم لابيه) الى قوله:
(تبرامنه).
واخرج الطبري من طريق عط‏ى ة العوفي عن ابن عباس قال:
ان النبي (ص) اراد ان يستغفر لابيه فنهاه اللّهعن ذلك بقوله:
(ما كان للنبي والذين آمنوا ان
يستغفروا للمشركين) الاية. قال: فان ابراهيم قد استغفر لابيه،
فنزلت (وما كان استغفار ابراهيم لا بيه‏الاعن موعدة) الاية: الدر
المنثور ((58)) (3/283).
وفي هاتين الروايتين نص على ان نزول الاية الكريمة في ابيه
وآباء رجال من اصحابه (ص) لا في عمه ولافي امه.
ومنها: ما جاء به الطبري في تفسيره ((59)) (11/33) قال: قال
آخرون: الاستغفار في هذا الموضع بمعنى‏الصلاة. ثم اخرج من
طريق المثنى عن عطاء بن ابي رباح قال: ما كنت ادع الصلاة
على احد من اهل هذه‏القبلة ولو كانت حبشية حبلى‏من الزنا،
لاني لم اسمع اللّه يحجب الصلاة الا عن المشركين يقول اللّه:
(ما كان‏للنبي‏والذين آمنوا ان يستغفروا للمشركين) الاية.
وهذا التفسير ان صح فهو مخالف لجميع ما تقدم من الروايات
الدالة على ان المراد من الاية هو طلب المغفرة‏كما هو الظاهر
المتفاهم من اللفظ.
ونفس هذا الاضطراب والمناقضة بين هذه المنقولات وبين ما
جاء به البخاري مما يفت في عضد الجميع،وينهك من اعتباره،
فلا يحتج بمثله ولا سيما في مثل المقام من تكفير مسلم بار،
وتبعيد المتفاني دون الدين‏عنه.
5 ان المستفاد من رواية البخاري نزول آية الاستغفار عند
موت ابي طالب كما هو ظاهر ما اخرجه‏اسحاق بن بشر وابن
عساكر عن الحسن، قال: لما مات ابو طالب قال النبي: (ص) ان
ابراهيم استغفر لابيه‏وهو مشرك وانا استغفر لعمي حتى‏ابلغ،
فانزل اللّه (ما كان للنبي والذين آمنوا ان يستغفروا
للمشركين)الاية. يعني به ابا طالب، فاشتد على النبي (ص)
فقال اللّه لنبيه (ص) (وما كان استغفار
ابراهيم لا بيه الا عن موعدة وعدها اى اه) الدر المنثور ((60))
(3/283). وان ناقضها ما اخرجه ابن سعد وابن‏عساكر عن علي
قال: اخبرت رسول اللّه (ص) بموت ابي طالب فبكى فقال:
اذهب فغسله وكفنه وواره غفراللّه له ورحمه. ففعلت وجعل
رسول اللّه (ص) يستغفر له اياما ولا يخرج من بيته حتى نزل
جبريل (ع) بهذه‏الاية (ما كان للنبي والذين آمنوا) الاية ((61)).
ولعله ظاهر ما اخرجه ابن سعد وابو الشيخ وابن عساكر من
طريق سفيان بن عيينة عن عمر قال: لما مات‏ابو طالب قال له
رسول اللّه (ص): رحمك اللّه وغفر لك، لا ازال استغفر لك حتى
ينهاني اللّه، فاخذ المسلمون‏يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا
وهم مشركون فانزل اللّه (ما كان للنبي والذين آمنوا ان
يستغفرواللمشركين). الدر المنثور (3/283).
لكن الامة اصفقت على ان نزول سورة البراءة التي تضمنت الاية
الكريمة آخر ما نزل من القرآن كما مر في(ص‏10) وكان ذلك
بعد الفتح، وهي هي التي بعث بها رسول اللّه (ص) ابا بكر
ليتلوها على اهل مكة‏ثم‏استرجعه بوحي من اللّه سبحانه وقى
ض لها مولانا امير المؤمنين فقال: «لا يبلغها عني الا انا او
رجل‏مني‏» ((62)) وقد جاء في صحيحة مرت من عدة طرق في
(ص‏13) من ان آية الاستغفار نزلت بعد ما اقبل‏رسول اللّه (ص)
من غزوة تبوك وكانت في سنة تسع فاين من هذه كلها نزولها
عند وفاة ابي طالب اوبعدها بايام؟ وانى يصح ما جاء به البخاري
ومن يشاكله في رواية البواطيل.
6 ان سياق الاية الكريمة آية الاستغفار سياق نفي لا نهي
فلا نص فيها على ان رسول اللّه (ص)استغفر فنهي عنه، وانما
يلتئم مع استغفاره لعلمه بايمان عمه، وبما ان في الحضور من
كان لا يعرف ذلك من‏ظاهر حال ابي طالب الذي كان يماشي
به قريشا، فقالوا في ذلك او اتخذوه مدركا لجواز
الاستغفارللمشركين، كما ربما احتجوا بفعل ابراهيم (ع)، فانزل
اللّه سبحانه الاية وما بعدها من قوله تعالى (وما كان‏استغفار
ابراهيم). الاية. تنزيها للنبي (ص) وتعذيرا لابراهيم (ع)، وايعازا
الى‏ان من استغفر له النبي (ص)لم يكن مشركا كما حسبوه،
وان مرتبة النبوة تابى عن الاستغفار للمشركين، فنفس صدوره
منه (ص)برهنة كافية على ان ابا طالب لم يكن مشركا، وقد
عرفت ذلك افذاذ من الامة فلم يحتجوا بعمل
النبي(ص)لاستغفارهم لابائهم المشركين، وان ما اقتصروا في
الاحتجاج بعمل ابراهيم (ع) كما مر في صحيحة عن‏مولانا امير
المؤمنين (ع) قال: «سمعت رجلا يستغفر لابويه وهما مشركان
فقلت: تستغفر لابويك وهمامشركان؟ قال: او لم يستغفر
ابراهيم؟». الحديث. راجع صفحة (12) من هذا الجزء.
ولو كان يعرف هذا الرجل ابا طالب مشركا لكان الاستدلال
لتبرير عمله باستغفار نبي الاسلام له ولم‏يكن يخفى على اي
احد اولى من استغفار ابراهيم لابيه لكنه اقتصر على ما
استدل به.
7 انا على تقدير التسليم لرواية البخاري وغض الطرف عما
سبق عن العباس من ان ابا طالب لهج‏بالشهادتين، وقال رسول
اللّه (ص): الحمد للّه الذي هداك يا عم وما مر عن مولانا امير
المؤمنين من انه مامات حتى اعط‏ى رسول اللّه من نفسه الرضا،
وما مر من قوله (ص): «كل الخير ارجو من ربي لابي طالب‏».وما
مر من وصية ابي طالب عند الوفاة لقريش وبني عبدالمطلب
باطاعة محمد (ص) واتباعه والتسليم‏لامره وان فيه الرشد
والفلاح، وانه (ص) الامين في قريش والصديق في العرب. الى
تلكم النصوص الجمة‏في نثره ونظمه، فبعد غض الطرف عن
هذه كلها لا نسلم ان ابا طالب (ع) ابى عن الايمان في ساعته
الاخيرة‏لقوله: على ملة عبدالمطلب. ونحن لا نرتاب في ان
عبدالمطلب سلام اللّه عليه كان على المبدا الحق، وعلى‏دين
اللّه الذي ارتضاه للناس رب العالمين يومئذ، وكان معترفا
بالمبدا والمعاد، عارفا بامر الرسالة، اللائح‏على اساريره نورها،
الساكن في صلبه صاحبها، وللشهرستاني حول سيدنا
عبدالمطلب كلمة ذكرنا جملة‏منها في الجزء السابع (ص‏346 و
353) فراجع الملل والنحل ((63)) والكتب التي الفها
السيوط‏ي ((64)) في آباءالنبي(ص) حتى تعرف جلية الحال،
فقول ابي طالب (ع): على ملة عبدالمطلب. صريح في انه
معتنق تلكم‏المبادئ كلها، اضف الى ذلك نصوصه المتواصلة
طيلة حياته على صحة الدعوة المحمدية.
8 نظرة في الثانية من الايتين، ولعلك عرفت بطلان دلالتها
على ما ارتاوه من كفر شيخ الاباطح سلام‏اللّه عليه من بعض
ما ذكرناه من الوجوه، فهلم معي لننظر فيها خاصة وفيما جاء
فيها بمفردها، فنقول:
اولا : ان هذه الاية متوسطة بين آي تصف المؤمنين، واخرى
يذكر سبحانه فيها الذين لم يؤمنوا حذار ان‏يتخطفوا من مكة
المعظمة، فمقتضى سياق الايات انه سبحانه لم يرد بهذه الاية
الا بيان ان الذين اهتدوا من‏المذكورين قبلها لم تستند
هدايتهم الى‏دعوة الرسول (ص) فحسب، وانما الاستناد
الحقيقي الى مشيئته‏وارادته سبحانه على وجه لا ينتهي الى
الالجاء بنحو من التوفيق، كما ان استناد الاضلال اليه سبحانه
بنحومن الخذلان، وان كان النبي (ص) وسيطا في تبليغ
الدعوة (فان تولوا
فانما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وان تطيعوه تهتدوا وما
على الرسول الا البلاغ المبين) ((65)). وفي الذكرالحكيم (انما
امرت ان اعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شي‏ء وامرت
ان اكون من المسلمين - وان اتلوالقرآن فمن اهتدى فانما
يهتدي لنفسه
ومن ضل فقل انما انا من المنذرين) ((66))، كما ان ابليس
اللعين يزين للعاصي عمله (اولو كان الشيطان‏يدع‏وهم الى
عذاب السعير) ((67))، (وزين لهم الشيطان اعمالهم فصدهم
عن السبيل) ((68))، (استحوذعليهم‏الشيطان فانساهم ذك ر
اللّه) ((69)) (ان الذين ارتدوا على ادبارهم من بعد ما تبين لهم
الهدى الشيطان‏سول لهم واملى لهم) ((70)) وقد جاء فيما
اخرجه العقيلي ((71)) وابن عدي ((72)) وابن مردويه
والديلمي ((73)) وابن‏عساكر وابن النجار عن عمر بن الخطاب
(رضي اللّه عنه) قال: قال رسول اللّه (ص): «بعثت
داعياومبلغاوليس الي من الهدى شي‏ء، وخلق ابليس مزينا
وليس اليه من الضلالة شي‏ء» ((74)).
فهذه الاية الكريمة كبقية ما جاء في الذكر الحكيم من اسناد
كل من الهداية والضلال اليه سبحانه كقوله‏تعالى:
1 (ليس عليك هداهم ولكن اللّه يهدي من يشاء) البقرة: 272.
2 (ان تحرص على هداهم فان اللّه لا يهدي من يضل) النحل:
37.
3 (افانت تسمع الصم او تهدي العمي ومن كان في ضلال
مبين) الزخرف:40.
4 (وما انت بهادي العمي عن ضلالتهم) النمل:81.
5 (اتريدون ان تهدوا من اضل اللّه) النساء: 88.
6 (افانت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون) يونس: 43.
7 (من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا
مرشدا) الكهف: 17.
8 (ان اللّه يضل من يشاء ويهدي اليه من اناب) الرعد: 27.
9 (فيضل اللّه من يشاء ويهدي من يشاء وهو العزيز الحكيم)
ابراهيم: 4.
10 (ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء) النحل: 93.
الى آيات كثيرة مما يدل على استناد الهداية والضلال الى اللّه
تعالى على وجه لا ينافي اختيار العبد فيهما،ولذلك اسندا اليه
والى مشيئته ايضا في آي اخرى كقوله تعالى:
1 (فمن‏اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل
عليها) يونس:108.
2 (وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)
الكهف: 29.
3 (ان هو الا ذكر للعالمين - لمن شاء منكم ان يستقيم)
التكوير: 27، 28.
4 (من اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل
عليها) الاسراء: 15.
5 (فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل انما انا من
المنذرين) النمل:92.
6 (اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم)
البقرة: 16.
7 (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة) الاعراف: 30.
8 (ربي اعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين)
القصص: 85.
9 (ان احسنتم احسنتم لا نفسكم وان اساتم فلها) الاسراء: 7.
10 (فان اسلموا فقد اهتدوا وان تولوا فانما عليك البلاغ) آل
عمران: 20.
الى آيات اخرى، ولا مناقضة بين هذين الفريقين من الاي
الكريمة بما قدمناه وبما ثبت من صحة اسنادالفعل الى الباعث
تارة والى المباشر المختار اخرى.
فيتنا هذه صاحبة البحث والعنوان من الفريق الاول، وقد سيق
بيانها بعد آيات المؤمنين لافادة ما اريدت‏افادته من لداتها،
ولبيان ان هؤلاء المذكورين من المهتدين هم على شاكلة
غيرهم في اسناد هدايتهم اليه‏سبحانه، فلا صلة لها باي انسان
خاص ابي طالب او غيره، وان ماشينا القوم على وجود الصلة
بينها وبين‏ابي طالب (ع) فانها بمعونة سابقتها على ايمانه ادل.
هكذا ينبغي ان تفسر هذه الاية غير مكترث لما جاءحولها من
التافهات مما سبق وياتي.
وثانيا: ان ما روي فيها بمفردها كلها مراسيل، فان منها: ما رواه
عبد بن حميد ومسلم ((75)) والترمذي((76))وغيرهم عن
ابي هريرة عنه قال: لما حضرت وفاة ابي طالب فقال رسول اللّه
(ص): يا عماه قل: لا اله‏الااللّه، اشهد لك بها عند اللّه يوم
القيامة، فقال: لولا ان تعيرني قريش يقولون: ما حمله عليها الا
جزعه من‏الموت لاقررت بها عينك فانزل اللّه عليه: (انك لا
تهدي من احببت) الاية ((77)).
كيف يرويه ابو هريرة وكان يوم وفاة ابي طالب شحاذا من
متكففي دوس باليمن الكفرة، يسال الناس الحافا،ويكتنفه
البؤس من جوانبه، وما الم بالاسلام الا عام خيبر سنة سبع من
الهجرة الشريفة باتفاق من‏الجمهور؟ فاين كان هو من وفاة ابي
طالب، وما دار هنالك من الحديث؟ فان صدق في روايته فهو
راو عمن‏لم ينوه باسمه، وان كان تدليس ابي هريرة قد اطرد
في موارد كثيرة، روى اشياء ادعى فيها المشاهدة او دل‏عليها
السياق لكنه لم يشاهد شيئا منها، ومن اراد الوقوف على هذه
وغيرها من امر ابي هريرة فليراجع‏كتاب ابو هريرة لسيدنا
المصلح الشريف الحجة السيد عبد الحسين شرف الدين
العاملي حياه اللّه وبياه فقدجمع ذلك فاوعى.
ومنها: ما اخرجه ابن مردويه وغيره من طريق ابي سهل السري
بن سهل بالاسناد عن عبد القدوس، عن‏ابي صالح، عن ابن
عباس قال: نزلت (انك لا تهدي من احببت) الاية، في ابي
طالب الح عليه النبي (ص) ان‏يسلم فابى، فانزل اللّه (انك لا
تهدي). الحديث ((78)).
ابو سهل السري احد الكذابين وضاع كان يسرق الحديث كما مر
في سلسلة الكذابين (5/231)، وعبدالقدوس ابو سعيد
الدمشقي احد الكذابين كما اسلفناه في الجزء الخامس
(ص‏238).
وظاهر هذه الرواية كسابقتها هو المشاهدة، والاثبت على ما قاله
ابن حجر في الاصابة (2/331): ان ابن‏عباس ولد قبل الهجرة
بثلاث. فهو عند وفاة عمه ابي طالب كان يرضع ثدي امه فلا
يسعه الحضور في ذلك‏المشهد.
وان صدقت الرواية عنه وانى تصدق؟ فان ابن عباس اسند ما
يقوله الى‏من لا نعرفه، ولعل رواة السوءحذفوه لضعفه، كما
حذف غير واحد من المؤلفين ابا سهل السري وعبد القدوس
ونظراءهما من اسانيد هذه‏الافائك سترا على عللها.
والقول الفصل: ان حبر الامة لم يلهج بتلكم الخزاية، وان لهج
بشي‏ء من امر ذلك المشهد عن احد فاولى له‏ان يقول ما قاله
ابوه من انه سمع ابا طالب يشهد بالشهادتين عند وفاته ((79)).
او يفوه بما اسلفناه عن ابن عمه‏الاقدس رسول‏اللّه(ص) ((80))،
او يروي ما جاء عن ابن عمه الطاهر امير المؤمنين ((81))،
اليس ابن عباس‏راوي ما ثبت عنه من قول ابي طالب لرسول
اللّه (ص) كما مر في (7/355): قم يا سيدي فتكلم بما
تحب‏وبلغ رسالة ربك فانك الصادق المصدق؟
ومنها: ما اخرجه ابو سهل السري الكذاب المذكور من طريق
عبد القدوس الكذاب ايضا، عن نافع، عن‏ابن عمر قال: (انك لا
تهدي من احببت): الاية. نزلت في ابي طالب عند موته، والنبي
(ص) عند راسه وهويقول: يا عم قل لا اله الا اللّه اشفع لك بها
يوم القيامة، قال ابو طالب: لاتعيرني نساء قريش بعدي
اني‏جزعت عند موتي، فانزل اللّه تعالى: (انك لا تهدي من
احببت) الحديث ((82)).
لعل ابن عمر لا يدعي في روايته الحضور في ذلك المحضر.
وليس له ان يدعي ذلك لانه كان وقتئذ ابن سبع‏سنين تقريبا،
فان مولده كان بعد البعثة بثلاث ((83))، ومن طبع‏الحال ان
من‏هو بهذا السن لا يطلق‏سراحه الى‏ذلك المنتدى الرهيب،
والمسجى فيه سيد الاباطح ويلي امره نبي العظمة، ويحضره
مشيخة قريش، فلا بدمن‏ان ه سمع من يقول ذلك ممن حضر
واطلع، ولا يخلو ان يكون ذلك اما ولد المتوفى وهو مولانا امير
المؤمنين‏والثابت عنه ما مر في الجزء السابع، او عن بقية اولاده
من طالب وجعفر وعقيل ولم ينبسوا في هذا الامرببنت شفة، او
عن اخيه العباس وقد صح عنه ما اسلفناه في الجزء السابع، او
عن ابن اخيه الرسول الاعظم(ص) فقد عرفت قوله فيه فيما
مر، فممن اخذ ابن عمر؟ ولماذا حذف اسمه؟ ولما شرك ابا
جهل مع ابي طالب‏في احدى روايتيه، ولم يقل به احد غيره؟
وهل في الرواة من تقول عليه كل ذلك؟
فظن خيرا ولا تسال عن الخبر.
واعطف على هذه ما عزوه الى مجاهد وقتادة في شان نزول
((84))، فان مستند اقوالهما اما هذه الروايات‏او انهما الاية
سمعاها من اناس مجهولين، فمراسيل كهذه لا يحتج بها على
امر خطير مثل تكفير ابي طالب بعدثبوت ايمانه بما صدع به
الصادع الكريم وتفانيه دونه والذب عنه بالبرهنة القاطعة.
ومن التفسير بالراي والدعوى المجردة ما عن قتادة ومن
يشاكله مرسلا من تبعيض الاية بين ابي طالب‏والعباس، فجعل
صدرها لابي طالب وذيلها للعباس ((85)) الذي اسلم بعد
نزول الاية بعدة سنين كما هوالمتسالم عليه عنه الجمهور.
وانت تعرف بعد هذه كلها قيمة قول الزجاج: اجمع المسلمون
على انها نزلت في ابي طالب. وما عقبه به‏القرطبي من قوله:
والصواب ان يقال: اجمع جل المفسرين على انها نزلت في شان
ابي طالب ((86)).
(انظر كيف يفترون على اللّه الكذب وكفى به اثما مبينا)
((87))

حديث الضحضاح
الى هنا انتهى كل ما للقوم من نبل تقله كنانة الاحقاد، او
ذخيرة في علبة الضغائن رموا بها ابا طالب، وقداتينا عليها
فجعلناها هباء منثورا، ولم يبق لهم الا رواية الضحضاح، وما
لاعداء ابي طالب حولها من مكاءوتصدية، وهي على مايلي:
اخرج البخاري ومسلم من طريق سفيان الثوري عن
عبدالملك بن عمير، عن عبداللّه بن الحارث قال:حدثنا العباس
بن عبدالمطلب انه قال: قلت للنبي (ص): ما اغنيت عن عمك
فانه كان يحوطك ويغضب‏لك. قال: هو في ضحضاح من نار،
ولولا انا لكان في الدرك الاسفل.
وفي لفظ آخر: قلت: يا رسول اللّه ان ابا طالب كان يحفظك
وينصرك فهل نفعه ذلك؟ قال: نعم وجدته في‏غمرات من النار
فاخرجته الى ضحضاح.
ومن حديث الليث حدثني ابن الهاد عن عبداللّه بن خباب، عن
ابي سعيد انه سمع النبي (ص) ذكر ابو طالب‏عنده فقال: لعله
تنفعه شفاعتي يوم القيامة، فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ
كعبيه يغلي منه دماغه.
وفي صحيح البخاري من طريق عبدالعزيز بن محمد
الدراوردي عن يزيد بن الهاد نحوه، غير ان فيه تغلي‏منه ام
دماغه.
راجع ((88)): صحيح البخاري في ابواب المناقب باب قصة ابي
طالب (6/33، 34)، وفي كتاب الادب باب كنية‏المشرك
(9/92)، صحيح مسلم كتاب الايمان، طبقات ابن سعد (1/106)
طبعة مصر، مسند احمد (1/206،207)، عيون الاثر (1/132)،
تاريخ ابن كثير (3/125).
قال الاميني: نحن لا تروقنا المناقشة في الاسانيد لمكان
سفيان الثوري وما مر فيه (ص‏4) من انه كان يدلس‏عن الضعفاء
ويكتب عن الكذابين. ولا لمكان عبدالملك بن عمير اللخمي
الكوفي الذي طال عمره

وساءحفظه، قال ابو حاتم ((89)):
ليس بحافظ تغير حفظه، وقال احمد ((90)): ضعيف، وقال ابن
معين ((91)) مخلط، وقال ابن خراش: كان شعبة لايرضاه،
وذكر الكوسج عن احمد انه ضعفه جدا ((92)).
ولا لمكان عبدالعزيز الدراوردي، قال احمد بن حنبل: اذا حدث
من حفظه يهم ليس هوبشي‏ء، واذا حدث‏من كتابه فنعم، واذا
حدث جاء ببواطيل، وقال ابو حاتم ((93)): لا يحتج به، وقال ابو
زرعة: سيئ الحفظ((94)).
كما انا لا نناقش بتضارب متون الرواية بان قوله: لعله تنفعه
شفاعتي يوم القيامة، يعط‏ي ان الضحضاح‏مؤجل له الى يوم
القيامة بنحو من الرجاء المدلول عليه لقوله: لعله. وان قوله:
وجدته في غمرات النارفاخرجته الى ضحضاح. هو واضح في
تعجيل الضحضاح له وثبوت الشفاعة قبل صدور الكلام.
لكن لنا هاهنا كلمة واحدة وهي ان رسول اللّه (ص) اناط
شفاعته لابي طالب عند وفاته بالشهادة بكلمة‏الاخلاص بقوله
(ص): يا عم قل لا اله الا اللّه كلمة استحل لك بها الشفاعة يوم
القيامة ((95))، كما انه (ص)اناطها بها في مطلق الشفاعة،
وجاء ذلك في اخبار كثيرة جمع جملة منها الحافظ المنذري
في الترغيب‏والترهيب ((96)) (4/150 158) منها في حديث
عن عبداللّه بن عمر مرفوعا: قيل لي: «سل فان كل نبي قدسال
فاخرت مسالتي الى يوم القيامة فهي لكم ولمن شهد ان لا اله
الا اللّه» فقال: رواه احمد ((97)) باسنادصحيح.
ومنها: عن ابي ذر الغفاري مرفوعا في حديث: «اعطيت الشفاعة
وهي نائلة من امتي من لا يشرك باللّهشيئا»: فقال: رواه البزار
واسناده جيد الا ان فيه انقطاعا.
ومنها: عن عوف بن مالك الاشجعي في حديث: «ان شفاعتي
لكل مسلم‏» فقال: رواه الطبراني ((98)) باسانيداحدها جيد،
وابن حبان في صحيحه ((99)) وفي لفظه: «الشفاعة لمن مات
لا يشرك باللّه شيئا».
ومنها: عن انس في حديث: اوحى اللّه الى جبريل (ع) ان اذهب
الى محمد فقل له: ارفع راسك سل تعط‏واشفع تشفع الى
قوله : ادخل من امتك من خلق اللّه من شهد ان لا اله الا اللّه
يوما واحدا مخلصا ومات‏على ذلك.
فقال المنذري ((100)): رواه احمد ((101)) ورواته محتج بهم
في الصحيح.
ومنها: عن ابي هريرة مرفوعا في حديث: «شفاعتي لمن شهد
ان لا اله الا اللّه مخلصا، وان محمدا رسول اللّه،يصدق لسانه قلبه
وقلبه لسانه‏». رواه احمد ((102)) وابن حبان في صحيحه
. ((103))