9 الامام الحسن الزكي وعمرو

  الغدير
9 الامام الحسن الزكي وعمرو

روى الزبير بن بكار في كتاب المفاخرات قال: اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص، والوليد بن عقبة بن ابي معيط، وعتبة‏بن ابي سفيان بن حرب، والمغيرة بن شعبة، وقد كان بلغهم عن الحسن بن علي(ع) قوارص ((2-606))، وبلغه عنهم مثل ذلك،فقالوا: يا امير المؤمنين ان الحسن قد احيا اباه وذكره، وقال فصدق، وامر فاطيع، وخفقت له النعال، وان ذلك لرافعه الى‏ما هو اعظم منه، ولا يزال يبلغنا عنه ما يسوؤنا. قال معاوية: فما تريدون؟ قالوا: ابعث عليه فليحضر لنسبه ونسب اباه! ونعيره، ونوبخه، ونخبره ان اباه‏قتل عثمان، ونقرره بذلك، ولا يستطيع ان يغير علينا شيئا من ذلك. قال معاوية: اني لا ارى ذلك ولا افعله. قالوا: عزمناعليك يا امير المؤمنين لتفعلن. فقال: ويحكم لاتفعلوا، فواللّه ما رايته قط جالسا عندي الا خفت مقامه وعيبه لي. قالوا:ابعث اليه على كل حال. قال: ان بعثت اليه لانصفنه منكم. فقال عمرو بن العاص: اتخشى ان ياتي باطله على حقنا؟! اويربي قوله على قولنا؟ قال معاوية: اما اني ان بعثت اليه لامرنه ان يتكلم بلسانه كله. قالوا: مره بذلك. قال: اما اذاعصيتموني وبعثتم اليه وابيتم الا ذلك، فلا تمرضوا له في القول، واعلموا انهم اهل بيت لا يعيبهم العائب، ولا يلصق بهم‏العار، ولكن اقذفوه بحجره، تقولون له: ان اباك قتل عثمان، وكره خلافة الخلفاء من قبله.

فبعث اليه معاوية، فجاءه رسوله، فقال: ان امير المؤمنين يدعوك. قال: ((من عنده؟)) فسماهم، فقال الحسن(ع): ((ما لهم؟خر عليهم السقف من فوقهم واتاهم العذاب من حيث لا يشعرون)). ثم قال: ((يا جارية ابغيني ثيابي، اللهم اني اعوذ بك‏من شرورهم، وادرا بك في نحورهم، واستعين بك عليهم، فاكفنيهم كيف شئت، وانى شئت، بحول منك وقوة يا ارحم‏الراحمين)). ثم قام فدخل على معاوية. الى ان قال: فتكلم عمرو بن العاص، فحمد اللّه وصلى على رسوله، ثم ذكر عليا(ع) فلم يترك‏شيئا يعيبه به الا قاله، وقال: انه شتم ابا بكر، وكره خلافته، وامتنع من بيعته ثم بايعه مكرها، وشرك في دم عمر، وقتل‏عثمان ظلما، وادعى من الخلافة ما ليس له. ثم ذكر الفتنة يعيره بها، واضاف اليه مساوئ.

وقال: انكم يا بني عبدالمطلب لم‏يكن اللّه ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء، واستحلالكم ما حرم اللّه من الدماء، وحرصكم على الملك، واتيانكم ما لايحل! ثم انك يا حسن تحدث نفسك ان الخلافة صائرة اليك، وليس عندك عقل ذلك ولا لبه، كيف ترى اللّه سبحانه سلبك‏عقلك، وتركك احمق قريش، يسخر منك ويهزا بك! وذلك لسوء عمل ابيك، وانما دعوناك لنسبك واباك. فاما ابوك فقدتفرد اللّه به وكفانا امره، واما انت فانك في ايدينا نختار فيك الخصال، ولو قتلناك ما كان علينا اثم من اللّه، ولا عيب من‏الناس، فهل تستطيع ان ترد علينا وتكذبنا؟ فان كنت ترى انا كذبنا في شي‏ء فاردده علينا فيما قلنا، والا فاعلم انك واباك ‏ظالمان.

فتكلم الحسن بن علي(ع) فحمد اللّه واثنى عليه وصلى على رسوله الى ان قال لعمرو بعد جمل ذكرت (ص‏122) : ((وقاتلت رسول اللّه(ص) في جميع المشاهد، وهجوته وآذيته بمكة، وكدته كيدك كله، وكنت من اشد الناس له‏تكذيباوعداوة ، ثم خرجت تريد النجاشي مع اصحاب السفينة، لتاتي بجعفر واصحابه الى اهل مكة، فلما اخطاك مارجوت، ورجعك اللّه خائبا، واكذبك واشيا. جعلت حسدك على صاحبك عمارة بن الوليد، فوشيت به الى النجاشي،حسدا لما ارتكب من حليلته، ففضحك اللّه وفضح صاحبك، فانت عدو بني هاشم في الجاهلية والاسلام، ثم انك تعلم،وكل هؤلاء الرهط يعلمون: انك هجوت رسول اللّه(ص) بسبعين بيتا من الشعر، فقال رسول اللّه: اللهم اني لا اقول الشعرولا ينبغي لي، اللهم العنه بكل حرف الف لعنة. فعليك اذن من اللّه ما لا يحصى من اللعن.

واما ما ذكرت من امر عثمان، فانت سعرت عليه الدنيا نارا، ثم لحقت بفلسطين، فلما اتاك قتله قلت: انا ابو عبداللّه اذانكات اي: قشرت قرحة ادميتها. ثم حبست نفسك الى معاوية، وبعت دينك بدنياه، فلسنا نلومك على بغض، ولانعاتبك على ود، وباللّه ما نصرت عثمان حيا، ولا غضبت له مقتولا. ويحك يا ابن العاص الست القائل في بني هاشم لما خرجت من مكة الى النجاشي:

تقول ابنتي اين هذا الرحيل / وما السير مني بمستنكر

فقلت ذريني فاني امرو / اريد النجاشي في جعفر

لا كويه عنده كية / ‏اقيم بها نخوة الاصعر ((2-607))

وشانى‏ء احمد من بينهم / واقولهم فيه بالمنكر

واجري الى عتبة جاهدا / ولو كان كالذهب الاحمر

ولا انثني عن بني هاشم / وما اسطعت في الغيب والمحضر

فان قبل ‏العتب مني له / ‏والا لويت له مشفري)) ((2-608))

تذكرة سبط ابن الجوزي ((2-609)) (ص‏14)، شرح ابن ابي الحديد ((2-610)) (2/103)، جمهرة الخطب ((2-611)) (2/12).