نعرات الجاهلية الاولى (نقد كتاب حياة محمد)
(ان الذين ارتدوا على ادبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم واملى لهم) ((3-29))
ربما يجد الباحث في بعض تليف المستشرقين في التاريخ الاسلامي رمزا من النزاهة في الكتابة والامانة في النقل، وخلوكل محكي عن اي مصدر هبه غير وثيق من التحريف والتصرف فيه، وتجرده عن سوء صنيع الكتبة، وبعده منالاستهتار، وهذا جمال كل تاليف وشان كل مؤلف مهما كان شريف النفس، وهو حق كل رائد، والرائد لا يكذب اهله.
غير ان في القوم من الف وسخف، (فما اغنى عنهم سمعهم ولا اءبصارهم ولا افئدتهم من شيء اذ كانوا يجحدون بياتاللّهوحاق ب هم ما كانوا به يستهزؤون) ((3-30)). فكان الجهل لم يمت بعد وقد مات ابو جهل، ولهب الضلال لم يخمد بعد وقداتقد ابو لهب في درك الجحيم، وكان الدنيا ترجع الى ورائها القهقرى، وعاد الاسلام كشمس كادت تكون صلاء ((3-31)).
جاء من القوم بعد لاي من الدهر من يدعو الناس الى الجاهلية الاولى، والى حميتها البائدة، ولا بقيا للحمية بعدالحرائم ((3-32))، نهض يبشر عن مسيح مركب من طبيعتين: الهية وبشرية، ويحسب نفسه قد ابهر في تاليفه واتى بامر جديد،فاخذ كالمتفلسف يتتعتع ويتلعثم، ويحرف الكلم عن مواضعه، ويؤول الكتاب الكريم برايه الضئيل، ويتحكم في الحديثبفكرته الخائرة، ويرى النبي الاعظم من المبشرين بنصرانيته الصحيحة التي ليست هي الا الضلال المحض، وهو مع ذلك مائن ((3-33)) في نقله، خائن في حكايته، غاش في نصحه، مدلس في كتابته، مهاجم قدس صاحب الرسالة، مجانب عنالحقوالحقيقة، كل ذلك باسم كتاب: حياة محمد.
الا وهو الاستاذ اميل درمنغم.
ان الرجل لما شاهد ان الاسلام علا هتافه اليوم، ودوخ ارجاء العالم صيته، واطلت سماؤه على الارض كلها شرقا وغربا،وشع نوره في كل طلل ووهد، وعمت اشعته كل طارف وتليد، وملا الكون صراخ قومه بالثناء البالغ على الاسلامالمقدس ونبيه الاقدس، وكثر اعجابهم بكتابه السماوي، وقانونه الاجتماعي، وشرعه السوي، وحكمه السياسي، ودستورهالاصلاحي، ومشعبه الحق المشعب.
عز عليه كما عز على سلفه الغوغاء ان يشاهد هذا السلطان العالمي العظيم، وهذه السيطرة الباهرة، وهذه الشرعة العادلةالجبارة القاهرة للاكاسرة، والتبابعة، والقياصرة، والفراعنة الحاكمة على آراء الاقباط، والاقسة، وآباء الكنائس، وزعماءالبيع ومعتقداتهم.
عز عليه ان يرى في بيئته الغربية بزوغ الاسلام الشرقي، وتنور افكار المثقفين من قومه بلمعات القرآن العربي المجيد،وانتشار معارف الاسلام الخالدة في عواصم اوربا كالسيل الجارف لاصول الضلال، واهواء الغرب، وما هناك من فسادالخلائق، ومضلات البدع.
عز عليه ان يسمع باذنيه من قلب العالم الاوربي بالسنة فلاسفتها نداء: ان محمدا قاوم الوثنية بعزم واحد طول الحياة، ولميتردد لحظة واحدة بينها وبين عبادة الواحد الاحد ((3-34)).
او ان يسمع عن آخر منهم وهو ينادي: ان القرآن هو القانون العام لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو صالح لكل مكان وزمان ((3-35)).
او ان يسمع عن ثالث من قومه، وقد ملا الدنيا صوته، وهو يقول: استقرت قواعد الاسلام على اساس مكين من الاياتالبينات التي انزلت تباعا وكان ختامها: (اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) ((3-36)).
او ان يسمع باذنيه القرآن العزيز وهو يتلى في الاذاعات كل يوم بكرة وعشيا، وتقرع آيه مسامع خلق الدنيا دون كتابقومه وكتاب اي ملة.
ونادى لسان الكون في الارض رافعا / عقيرته في الخافقين ومنشدا
اعباد عيسى ان عيسى وحزبه / وموسى جميعا يخدمون محمدا ((3-37))
فهناك تعصب الرجل وتشزر، وشزر الى الاسلام وكتابه ونبيه، ونظر اليها بصدر عينه ((3-38)) وتشذر ((3-39)) للدفاع عن نحلته،والذب عن مبدئه الباطل، فعلا نحيمه((3-40)) بصدر واغر على الحق، وهو يشوب ولا يروب ((3-41)) وشرع يدعو الى النصرانيةباسم الاسلام وحياة محمد ((3-42))، ويرى النبي محمدا جاء بكتاب عربي كما لو كان نصرانيا، ذاكرا انه واحد من الانبياء(ص100).
ويرى للنصرانية اثرا في محمد، ويزعم ان النصارى قد ايقظت شعور النبي الديني قبل بعثه (ص100)، ويجد في القرآن اصول النصرانية (ص106).
ويرى تاييد روح القدس لعيسى ذاتيا دون موسى ومحمد.
ويعتقد لعيسى من العصمة ما لم تكن لمحمد، ويراه قد جاء في القرآن ((3-43)).
ويرى النصرانية تشمل الاسلام وتضيف اليه بعض الشيء (ص118).
ويرى المسيح ابن اللّه الوحيد بمعنى عرفاني يلائم الذوق الخرافي (ص110).
ويرى القرآن يدعو الى النصرانية الصحيحة، وهو القول بالوهيته وبشريته، وكون الطبيعتين في شخص واحد (ص107،112).
ويعزو آراءه السخيفة جلها الى القرآن المقدس، ويرى القرآن لم يحط بكل ماهو حق في الامر (ص109).
ويرى آخر مصحف اعتمد عليه صنع الحجاج بن يوسف الثقفي، وامكان تلاوة المصحف الشريف على غير ما هوعليه.
ويرى علماء التوحيد قائلين بالوهية المسيح (ص109).
ويرى الهوة بين المسلمين والنصارى نتيجة سوء التفاهم.
ويرى التباعد بين الملتين من فكرة مفسري القرآن وعلماء الاسلام.
ويرى العقل والتاريخ يستغربان عدم صلب المسيح.
ويرى اعتقاد المسلمين بعدم صلب المسيح باطلا، والاية الدالة عليه غامضة(ص111).
ويؤول قوله تعالى: (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) ((3-44)) بما يلائم تعاليم النصرانية(ص112).
ويعد من ضلال جزيرة العرب انكار الوهية المسيح والقول ببشريته فحسب (ص113)،
ويرى النبي قد وضع نفسه فوقجميع المعتقدات مادام على غير علم بالنصرانية الصحيحة (ص114).
ويعبر عن النبي الاعظم بالبدوي الحمس ((3-45)) (ص115).
فهذه جملة من خرافاته الراجعة الى التبشير والدعوة الى النصرانية، وبها يقف الباحث على غاية الكاتب وقيمة كتابه،ويعرف انه يحط في هواه، ويحطب في حبله ((3-46))، جاهلا بان حماة الدين دين البدوي الحمس نابهون يحومون حولالحمى، ويعرفون حول الصلبان الزمزمة ((3-47)) ويدافعون عن بيضة الاسلام المقدسة كل سخب ((3-48))، وصخب، ولغط،وكذب، وافك، وقول زور، وينزهون ساحته عن ارجاس الجاهلية وانجاسها (انما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بياتاللّهواولئك هم الكاذبون) ((3-49)).
ولو اردت الوقوف على الحقيقة في كل ما لفقه الرجل من افك شائن، فعليك بكتاب الهدى الى دين المصطفى، وكتابالرحلة المدرسية وغيرهما، من تاليف شيخنا العلم المجاهد الحجة الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي، وما الفه غيره من اعلام الامة.