تضلعه في العلم والتاريخ
ان من يقف على موارد حجاج السيد الحميري والمعاني التي طرقها في شعره ومحاوراته مع من عاصره من رجالالفريقين، جد عليم بما له من الخطوات الواسعة والشوط البعيد في فهم مغازي الكتاب الكريم وفقه السنة الشريفة،وانتهالكه في ولاء اهل البيت(ع) كان على بصيرة من امره عن علم متدفق ومعرفة ناضجة لا كمن يتلقى المبدا عن تقليدبحت ومدرك بسيط، ويغلب على فكره الجلبة والصخب. فمن نماذج علمه ما مر (ص258) من حجاجه مع القاضي سوار في مجلس المنصور حول القول بالرجعة وافحامه اياه بالكتاب والسنة. وما مر (ص264).
قال المرزباني في اخبار السيد ((2-1133)): قيل: ان السيد حج ايام هشام فلقي الكميت فسلم عليه، وقال: انت القائل:
ولا اقول اذا لم يعطيا فدكا / بنت الرسول ولا ميراثه كفرا
اللّه يعلم ماذا ياتيان به / يوم القيامة من عذر اذا حضرا
قال: نعم قلته تقية من بني امية، وفي مضمون قولي شهادة عليهما انهما اخذا ما كان في يدها. فقال السيد: لولا اقامة الحجة لوسعني السكوت، لقد ضعفت يا هذا عن الحق. يقول رسول اللّه(ص): ((فاطمة بضعة منييريبني ما رابها، وان اللّه يغضب لغضبها ويرضى لرضاها)) فخالفت رسول اللّه(ص). وهب لها فدكا بامر اللّه له، وشهد لهاامير المؤمنين والحسن والحسين وام ايمن، بان رسول اللّه(ص) اقطع فاطمة فدكا فلم يحكما لها بذلك، واللّه تعالى يقول: (يرثني ويرث من آل يعقوب) ((2-1134)). ويقول: (وورث سليمان داود) ((2-1135)). وهم يجعلون سبب مصير الخلافة اليهمالصلاة وشهادة المراة لابيها، ان رسول اللّه(ص) قال: ((مروا فلانا بالصلاة بالناس)) فصدقت المراة لابيها ولا تصدق فاطمةوعلي والحسن والحسين وام ايمن في مثل فدك، وتطالب مثل فاطمة بالبينة على ما ادعت لابيها، وتقول انت مثل هذاالقول. وبعد: فما تقول في رجل حلف بالطلاق ان الذي طلبت فاطمة(ع) هو حق، وان عليا والحسن والحسين وام ايمن ما شهدواالا بحق، ما تقول في طلاقه؟ قال: ما عليه طلاق. قال: فان حلف بالطلاق انهم قالوا غير الحق؟ قال: يقع الطلاق لانهم لميقولوا الا الحق. قال: فانظر فيامرك. فقال الكميت: انا تائب الى اللّه مما قلت، وانت يا ابا هاشم اعلم وافقه منا.
وهو مع تضلعه في علمي الكتاب والسنة ومعرفته بالحجج الدينية وبصيرته بمناهج الحجاج في المذهب واقامة الحجةعلى من يضاده فيالمبدا كان له يد غير قصيرة في التاريخ، وله كتاب تاريخ اليمن، ذكره له الصفدي في الوافي بالوفيات(1/49).
وفي شعره الطافح بمعاني الكتاب والسنة شهادة صادقة على احاطته بما فيها من مرام واشارات ونصوص وتصريحات.وكلما ازدادت الفضيلة قوة والبرهان وضوحا، وكانت الحجة بالغة كان اعتناوه بسرد القريض فيها اكثر كحديث الغديروالمنزلة والتطهير والراية والطير وامثالها، ومنها: حديث العشيرة الوارد في قوله تعالى: (وانذر عشيرتك الاقربين) ((2-1136)) في بدء الدعوة النبوية، فقد اشار اليه في عدة قصائد منها قوله:
بابي انت وامي / يا امير المؤمنينا
بابي انت وامي / وبرهطي اجمعينا
وباهلي وبمالي / وبناتي والبنينا
وفدتك النفس مني / يا امام المتقينا
وامين اللّه والوا / رث علم الاولينا
ووصي المصطفى / احمد خير المرسلينا
وولي الحوض والذا / ئد عنه المحدثينا
انت اولى الناس بالنا / س وخير الناس دينا
كنت في الدنيا اخاه / يوم يدعو الاقربينا
ليجيبوه الى اللـ / ـه فكانوا اربعينا
بين عم وابن عم / حوله كانوا عرينا
فورثت العلم منه / والكتاب المستبينا
طبت كهلا وغلاما / ورضيعا وجنينا
ولدى الميثاق طينا / يوم كان الخلق طينا
كنت مامونا وجيها / عند ذي العرش مكينا
في حجاب النور حيا / طيبا للطاهرينا ((2-1137))
وقوله من قصيدة لم نقف على تمامها:
من فضله انه قد كان اول من / صلى وآمن بالرحمن اذ كفروا
سنين سبعا واياما محرمة / مع النبي على خوف وما شعروا
ويوم قال له جبريل قد علموا / انذر عشيرتك الادنين ان بصروا
فقام يدعوهم من دون امته / فما تخلف عنه منهم بشر
فمنهم آكل في مجلس جذعا / وشارب مثل عس ((2-1138)) وهو محتضر
فصدهم عن نواحي قصعة شبعا / فيها من الحب صاع فوقه الوذر ((2-1139))
فقال يا قوم ان اللّه ارسلني / اليكم فاجيبوا اللّه وادكروا
فايكم يجتبي قولي ويؤمن بي / اني نبي رسول فانبرى غدر
فقال تبا اتدعونا لتلفتنا / عن ديننا ثم قام القوم فاشتمروا
من الذي قال منهم وهو احدثهم / سنا وخيرهم في الذكر اذ سطروا
آمنت باللّه قد اعطيت نافلة / لم يعطها احد جن ولا بشر
وان ما قلته حق وانهم / ان لم يجيبوا فقد خانوا وقد خسروا
ففاز قدما بها واللّه اكرمه / وكان سباق غايات اذا ابتدروا ((2-1140))
وقوله من قصيدة لم توجد بتمامها:
علي عليه ردت الشمس مرة / بطيبة يوم الوحي بعد مغيب
وردت له اخرى ببابل بعدما / عفت وتدلت عينها لغروب
وقيل له انذر عشيرتك الاولى / وهم من شباب اربعين وشيب
فقال لهم اني رسول اليكم / ولست اراني عندكم بكذوب
وقد جئتكم منعند رب مهيمن / جزيل العطايا للجزيل وهوب
فايكم يقفو مقالي فامسكوا / فقال: الا من ناطق فمجيبي
ففاز بها منهم علي وسادهم / وما ذاك من عاداته بغريب