حديث شجاعته
لم نعهد لابن النابغة موقفا مشهودا في المغازي والحروب، سواء في ذلك العهد الجاهلي ودور النبوة. واما وقعة صفين فلميؤثر عنه سوى مخزاة سواته مع امير المؤمنين وفراره من الاشتر، وقد بقي عليه عار الاولى مدى الحقب والاعوام، وجرىبها المثل، وغنى بها اهل الحجاز، وجاء في شعر عتبة بن ابي سفيان:
سوى عمرو وقته خصيتاه / نجا ولقلبه منه وجيب ((2-693))
وفي شعر معاوية بن ابي سفيان يذكر عمرا وموقفه، كما ياتي:
فقد لاقى ابا حسن عليا / فب الوائلي مب خازي
فلو لم يبد عورته للاقى / به ليثا يذلل كل غازي
وفي شعر الحارث بن نصر السهمي:
فقولا لعمرو وابن ارطاة ابصرا / سبيلكما لا تلقيا الليث ثانيه
ولا تحمدا الا الحيا وخصاكما / هما كانتا للنفس واللّه واقيه
وفي شعر الامير ابي فراس:
ولا خير في دفع الردى بمذلة / كما ردها يوما بسواته عمرو
وفي شعر الزاهي البغدادي:
وصد عن عمرو وبسر كرما / اذ لقيا بالسواتين من شخص
وقال آخر:
ولا خير في صون الحياة بذلة / كما صانها يوما بذلته عمرو
وقال عبد الباقي الفاروقي العمري:
وليلة الهرير قد تكشفت / عن سواة ابن العاص لما غلبا
فحاد عنه مغضبا حيدرة / وعف والعفو شعار النجبا
ولو يشا ركب فيه زجة / تركيب مزجي كمعدي كربا
وكان قد تكرر منه هذا العمل المخزي كما سياتي، ولو كان للرجل شيء من البسالة لجبه معيريه بتعداد مشاهده، وسلقهمبلسان حديد، وهو ذلك الصلف المفوه، وفيما امر من الحروب كان الزحف للجيش الباسل دونه، فلم يسط امامه، وانما كانرئيا في امرهم يدير وجه الحيلة فيه، كما انه كان في صفين كذلك، لم يبارح سرادق معاوية، وطفق يبديه دهاءه الا فيموقفين سيوافيك تفصيلهما، ولذلك كله اشتهر بالدهاء دون الشجاعة. قال البيهقي في المحاسن والمساوئ ((2-694))(1/39): قال عمرو بن العاص لابنه عبداللّه يوم صفين: تبين لي هل ترى علي بنابي طالب(رض)؟ قال عبداللّه: فنظرت اليه فرايته، فقلت: يا ابه هاهو ذاك على بغلة شهباء، عليه قباء ابيضوقلنسوةبيضاء. قال: فاسترجع وقال: واللّه ما هذا بيوم ذات السلاسل ولا بيوم اليرموك ولا بيوم اجنادين، وددت انبيني وبين موقفي بعد المشرقين.
هذا هوالذي عرفه منه معاصروه، وستقف على احاديثهم، نعم جاء ابن عبدالبر بعد لاي من عمر الدهر، فتهجس في الاستيعاب ((2-695)) فعده من فرسان قريش وابطالهم في الجاهلية، مذكورا بذلك فيهم. ولعل ابن منير ((2-696)) المولود بعد ابنعبد البر بعشر سنين وقف على كلامه في الاستيعاب وحكمه ببطولة الرجل، فقال في قصيدته التترية:
واقول ان اخطا معا وية / فما اخطا القدر
هذا ولم يغدر معا / وية ولا عمرو مكر
بطل بسواته يقاتل / لابصارمه الذكر
فاليك ما يؤثر في مواقفه، حتى ترى عيه عن القحوم الى الفوارس في مضمار النضال، والدنو من نقع الحومة، وتقف علىحقيقته من هذه الناحية ايضا، وتعرف قيمة كلام ابن حجر في الاصابة (3/2): من ان النبي(ص) كان يقربه ويدنيه، لمعرفتهوشجاعته. ولا نسائله متى قربه وادناه.