(8) محاضرات تاريخ الامم الاسلامية
تاليف: الشيخ محمد الخضري
لقد اخرج الرجل هذا الكتاب بصفة التاريخ، لكنه لم يجر على بساطته، وانما اودع فيه نزعاته الاموية، فترى في كل ثنيةمنه هملجة، وفي كل فجوة منه تركاضا، فلا هو كتاب تاريخ يسكن الى نقله، ولا كتاب عقيدة ينظر في نقده، وانما هو هياجولغط يعكر الصفو، ويقلق الطمانينة، فكان الاحرى بنا الاعراض عنه وعن اغلاطه، لكن لم نجد بدا من لفت القارئالىنزر من سقطاته.
فرية ان حرب صفين لم تكن دينية. و جوابها
1 قال في (2/67): ومما يزيد الاسف ان هذه الحرب صفين لم يكن المراد منها الوصول الى تقرير مبدا ديني، او رفعحيف حل بالامة، وانما كانت لنصرة شخص على شخص. فشيعة علي تنصره لانه ابن عم رسول اللّه (ص) واحق الناس بولاية الامر، وشيعة معاوية تنصره لانه ولي عثمان،واحقالناس بطلب دمه المسفوك ظلما، ولا يرون انه ينبغي لهم مبايعة من آوى اليه قتلته.
الجواب : ليت الرجل بين لنا المبادئ الدينية عنده حتى ننظر في انطباقها على هذه الحرب، وحيث لم يبين فنحن نقول: اي مبدا ديني هو اقوى من ان تكون الحرب والمناصرة لتنفيذ كلمة رسول اللّه يوم امر امير المؤمنين (ع) بقتال القاسطينوهم اصحاب معاوية وامر اصحابه بمناصرته يومئذ ((3-1084)) ، وراى من واجبهم جهاد مقاتليه وقال: «سيكون بعديقوميقاتلون عليا على اللّه جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك شيء » ((3-1085)) ؟
واي مبدا ديني هو اقوى من نصرة الرجل من يراه اولى الناس بالامر، كما يلهج به الخضري نفسه؟ واي مبدا ديني هو اقوى من مناصرة امير المؤمنين الذي قال رسول اللّه فيه وفي آله وذويه: «حربكم حربي» ((3-1086)) ، وقالله: «يا علي ستقاتلك الفئة الباغية وانت على الحق، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني» ((3-1087)) ؟ وهل يسع المسلم التقاعد عننصرته(ع) بعد ما سمع قول نبيه (ص)؟
واي مبدا ديني هو اقوى من مقاتلة الفئة الباغية بنص من الرسول الامين يوم قال لعمار: «تقتلك الفئة الباغية» ((3-1088)) ، ويومقال: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية يدعوهم الى الجنة ويدعونه الى النار» ((3-1089)) ؟
واي مبدا ديني هو اقوى من المقاتلة تحت راية خليفة الوقت الذي انعقدت له بيعة اهل الحل والعقد، وتمت شروطها عندمن يرى الخلافة بالاختيار، وثبت له النص الجلي، وتواتر عند من لا يختار الا المنصوص عليه؟ وبطبع الحال ان الخارجعليه خارج على امام الوقت، باغ عليه، يجب مقاتلته بنص من الكتاب المبين، حيث قال: (وان طائفتان من المؤمنيناقتتلوا فاصلحوا بينهما فان بغت احداهما على الاخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى امر اللّه) ((3-1090)) .
وليت شعري اي حيف يحل بالامة اعظم من تغلب مثل معاوية على بيضة الاسلام ورئاسة اهله واستحوازه الخلافة التيليست له، لا بنص ولا بيعة ممن تقرر بيعته الخليفة؟ فلم يعقد له اجماع، ولا اثبتته شورى او وصية، ولا هو ولي دم عثمانحتى ينهض بثاره ان لم نقل هو المثبط جند الشام، والمتثاقل عن نصره حتى قتل، ولم يكن له سابقة في الاسلام تشرفه،ولا علم يسدده، ولا تقوى تكبحه عن مساقط الشهوات، وانما هي ملوكية ارتادها ليملك الازمة وتلقى عنده الاعنة،ويحتنك امر الامة، وفي الاخير تم له ذلك تحت رواعد الارهاب ولوائح الاطماع في منتاى عن الدين والاصلاح، فثبتعرش ملوكيته بين مهراق الدماء، ومنتهك الشرائع، ومضلا ت الفتن، ولو لم يكن له بائقة الا استخلاف يزيد الفجور علىالامة بالترهيب والاطماع، لكفاه حيفا يجب ان يكتسح عن مستوى الاسلام وبلاد المسلمين.
علي ومعاوية سيان في النسب. وجوابه
2 قال: اما معاوية فانه بدون ريب يرى نفسه عظيما من عظماء قريش، لانه ابن شيخها ابي سفيان بن حرب، واكبر ولدامية بن عبد شمس بن عبد مناف، كما ان عليا اكبر ولد هاشم بن عبدمناف، فهما سيان في الرفعة النسبية (2/67).
الجواب : ماذا اقول لمغفل يرى عنصر النبوة وآصرة القداسة المنتقلة بين اصلاب طاهرة وارحام زكية من نبي الى وصي الى ولي الى حكيم الى عظيم الى شريف، الى خاتم الرسالة، الى وصيه صاحب الولاية الكبرى، لدة العنصرالعبشمي ((3-1091)) ، ويراهما في الرفعة والشرف سيان؟ وشتان بين الشجرتين: شجرة طيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء،وشجرة خبيثة اجتثت من فوق الارض مالها من قرار. وما ابعد ما بين الشجرتين! شجرة مباركة زيتونة، والشجرةالملعونة في القرآن ((3-1092)) بتاويل من النبي الاعظم ((3-1093)) ، بلا اختلاف بين اثنين في انهم هم المراد من الشجرة الملعونة كما في تاريخالطبري (11/356).
وكيف يراهما الرجل سيان؟ والنبي الاعظم يقول: «ان اللّه اختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار منمضر قريشا، واختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم» ((3-1094)) .
وكيف يراهما سى ان؟ وقد استاء رسول اللّه (ص) من ثمار هذه الشجرة الملعونة طيلة حياته، فما رؤي ضاحكا من يومراى في منامه انهم ينزون على منبره نزو القردة والخنازير ((3-1095)) . فانزل اللّه: (وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للناس) ((3-1096)) .
وكيف يراهما سيان؟ وبنو امية هم الذين اتخذوا عباد اللّه خولا، ومال اللّه نحلا، وكتاب اللّه دغلا ((3-1097)) ، كما اخبر به النبي الصادق الامين ((3-1098)) .
وكيف يرى ابا سفيان شيخ قريش؟ وهو عارها وشنارها، وهو الملعون بنص النبي الاعظم بقوله: «اللهم العن التابعوالمتبوع، اللهم عليك بالاقيعس» ((3-1099)) يوم راى ابا سفيان ومعه معاوية. وبقوله: «اللهم العن القائد والسائق والراكب»يوم نظر اليه وهو راكب ومعه معاوية واخوه، احدهما قائد والاخر سائق ((3-1100)) .
وكيف يراه شيخ قريش لدة شيخ الابطح؟! وفيه قال علقمة:
ان ابا سفيان من قبله / لم يك مثل العصبة المسلمه
لكنه نافق في دينه / من خشية القتل على المرغمه
بعدا لصخر مع اشياعه / في جاحم النار لدى المضرمه ((3-1101))
وليت الخضري يقرا كلمة المقريزي في النزاع والتخاصم ((3-1102)) (ص28) وهي: ابو سفيان قائد الاحزاب، الذي قاتل رسول اللّه (ص) يوم احد، وقتل من خيار اصحابه سبعين ما بين مهاجريوانصاري، منهم: اسد اللّه حمزة بن عبدالمطلب بن هاشم، وقاتل رسول اللّه (ص) في يوم الخندق ايضا، وكتب اليه:
باسمك اللهماحلف باللا ت والعزى وساف ونائلة وهبل، لقد سرت اليك اريد استئصالكم، فاراك قد اعتصمت بالخندق، فكرهتلقائي، ولك مني كيوم احد.
وبعث بالكتاب مع ابي سلمة الجشمي، فقراه للنبي (ص) ابي بن كعب (رضىا… عنه) فكتب اليه رسول اللّه (ص): «قداتاني كتابك، وقديما غرك يا احمق بني غالب وسفيههم باللّه الغرور، وسيحولاللّه بينك وبين ماتريد، ويجعل لنا العاقبة،ولياتين عليك يوم اكسر فيه اللا ت والعزى وساف ونائلة وهبل يا سفيه بني غالب».
ولم يزل يحاد اللّه ورسوله، حتى سار رسول اللّه (ص) لفتح مكة، فاتى به العباس ابن عبدالمطلب (رضىا… عنه) رسول اللّه(ص) وقد اردفه، وذلك انه كان صديقه ونديمه في الجاهلية، فلما دخل به على رسول اللّه (ص) ساله ان يؤمنه، فلما رآهرسول اللّه (ص) قال له: «ويلك يا ابا سفيان الم يان لك ان تعلم ان لا اله الا اللّه؟»، فقال: بابي انت وامي ما اوصلكواجملك واكرمك! واللّه لقد ظننت انه لو كان مع اللّه غيره لقد اغنى عني شيئا. فقال: «يا ابا سفيان الم يان لك ان تعلم انيرسول اللّه؟»، فقال: بابي انت وامي ما اوصلك واجملك واكرمك، اما هذه ففي النفس منها شيء! فقال له العباس: ويلكاشهد بشهادة الحق قبل ان تضرب عنقك، فشهد واسلم. فهذا حديث اسلامه كما ترى، واختلف في حسن اسلامه فقيل: انه شهد حنينا مع رسول اللّه (ص)، وكانت الازلام معهيستقسم بها، وكان كهفا للمنافقين، وانه كان في الجاهلية زنديقا، وفي خبر عبداللّه بن الزبير: انه رآه يوم اليرموك، قال:فكانت الروم اذا ظهرت، قال ابو سفيان: ايه بني الاصفر! فاذا كشفهم المسلمون قال ابو سفيان:
وبنو الاصفر الملوك ملوك الر / وم لم يبق منهم مذكور ((3-1103))
فحدث به ابن الزبير اباه، فلما فتح اللّه على المسلمين، قال الزبير: قاتله اللّه يابى الا نفاقا، اولسنا خيرا من بني الاصفر؟
وذكر المدائني، عن ابي زكريا العجلاني، عن ابي حازم، عن ابي هريرة، قال: حج ابو بكر (رضىا… عنه) ومعه ابو سفيانبن حرب، فكلم ابو بكر ابا سفيان فرفع صوته، فقال ابو قحافة: اخفض صوتك يا ابا بكر عن ابن حرب. فقال ابو بكر:يا ابا قحافة ان اللّه بنى بالاسلام بيوتا كانت غير مبنية، وهدم به بيوتا كانت في الجاهلية مبنية، وبيت ابي سفيان مما هدم. انتهى.
وكان يوم بويع ابو بكر يثير الفتن، ويقول: اني لارى عجاجة لا يطفئها الا دم، يا آل عبدمناف فيم ابو بكر من اموركم؟اين المستضعفان؟ اين الاذلا ن علي وعباس؟ ما بال هذا الامر في اقل حي من قريش؟ ثم قال لعلي: ابسط يدك ابايعك،فواللّه لئن شئت لاملانها عليه خيلا ورجلا. فابى علي (ع) عليه، فتمثل بشعر المتلمس ((3-1104)) :
ولن يقيم على خسف يراد به / الا الاذلا ن عير الحي والوتد
هذا على الخسف مربوط برمته / وذا يشج فلا يبكي له احد
فزجره علي، وقال: «واللّه ما اردت بهذا الا الفتنة، وانك واللّه طالما بغيت للاسلام شرا، لا حاجة لنا في نصحك» ((3-1105)) .وجعل يطوف في ازقة المدينة، ويقول:
بني هاشم لاتطمعوا الناس فيكم / ولا سيما تيم بن مرة او عدي
فما الامر الا فيكم واليكم / وليس لها الا ابو حسن علي
فقال عمر لابي بكر: ان هذا قد قدم وهو فاعل شرا، وقد كان النبي (ص) يستالفه على الاسلام فدع له ما بيده من الصدقة. ففعل، فرضي ابو سفيان وبايعه ((3-1106)) .
وقد سبق الخضري في رايه هذا معاوية، فقال فيما كتب الى علي امير المؤمنين: نحن بنو عبدمناف، ليس لبعضنا على بعضفضل. فاجاب عنه امير المؤمنين، بقوله: «لعمري انا بنو اب واحد، ولكن ليس امية كهاشم، ولا حرب كعبدالمطلب، ولاابو سفيان كابي طالب، ولا المهاجر كالطليق، ولا الصريح كاللصيق، ولا المحق كالمبطل، ولا المؤمن كالمدغل، ولبئسالخلف خلف يتبع سلفا هوى في نار جهنم، وفي ايدينا بعد فضل النبوة» ((3-1107)) .
قال الاميني : (الم ياتهم نبا الذين من قبلهم) ((3-1108)) (قل هو نبا عظيم # انتم عنه معرضون) ((3-1109)) .
استحسان فكرة معاوية في اختيار يزيد. و جوابها
3 قال: نقول ان فكر معاوية في اختيار الخليفة بعده حسن جميل، وانه ما دام لم توضع قاعدة لانتخاب الخلفاء، ولم يعيناهل الحل والعقد الذين يرجع اليهم، فاحسن ما يفعل هو ان يختار الخليفة ولي عهده قبل ان يموت، لان ذلك يبعدالاختلاف الذي هو شر على الامة من جور امامها (2/119).
وقال: ومما انتقد الناس معاوية انه اختار ابنه للخلافة، وبذلك سن في الاسلام سنة الملك المنحصرة في اسرة معينة، بعد انكان اساسه الشورى ويختار من عامة قريش، وقالوا: ان هذه الطريقة التي سنها معاوية تدعو في الغالب الى انتخاب غيرالافضل الاليق من الامة، وتجعل في اسرة الخلافة الترف، والانغماس في الشهوات والملاذ، والرفعة على سائر الناس.
اما راينا في ذلك فان هذا الانحصار كان امرا حتما لا بد منه لصلاح امر المسلمين والفتهم ولم شعثهم، فانه كلما اتسعتالدائرة التي منها يختار الخليفة كثر الذين يرشحون انفسهم لنيل الخلافة، واذا انضم الى ذلك اتساع المملكة الاسلامية،وصعوبة المواصلات بين اطرافها، وعدم وجود قوم معينين يرجع اليهم الانتخاب، فان الاختلاف لا بد واقع. ونحننشاهد انه مع تفوق بني عبدمناف على سائر قريش، واعتراف الناس لهم بذلك وهم جزء صغير من قريش، فانهمتنافسوا الامر واهلكوا الامة بينهم، فلو رضي الناس عن اسرة ودانوا لها بالطاعة، واعترفوا باستحقاق الولاية، لكان هذاخير ما يفعل لضم شعث المسلمين.
ان اعظم من ينتقد معاوية في تولية ابنه هم الشيعة، مع انهم يرون انحصار ولاية الامر في آل علي، ويسوقون الخلافة فيبنيه، يتركها الاب منهم للابن، وبنو العباس انفسهم ساروا على هذه الخطة (2/120).
الجواب: لم ينتقد معاوية من ينتقده لمحض اختياره، وانما انتقده من ناحيتين: الاولى: عدم لياقته للتفرد، وهو كما قال امير المؤمنين في كلام له: «لم يجعل اللّه عز وجل له سابقة في الدين، ولا سلفصدق في الاسلام، طليق ابن طليق، حزب من هذه الاحزاب، لم يزل للّه عز وجل ولرسوله (ص) وللمسلمينعدواهو وابوه حتى دخلا في الاسلام كارهين» ((3-1110)) ، وفي الامة اهل الحل والعقد الذين اختاروا خلافة ابي بكر، ثم وافقواعلى الوصية الى عمر واقروها، واصفقوا مع اهل الشورى على خلافة عثمان، واطبقوا على البيعة طوعا ورغبة لمولانا اميرالمؤمنين، فثبتت خلافته، ووجبت طاعته، ولزمت معاوية بيعته، فكان هؤلاء موجودين باعيانهم او بنظرائهم وهم الذيننقموا على معاوية ذلك العقد المشؤوم.
الثانية: عدم لياقة من عينه من بعده، وهو ذلك الماجن المتخلع المتظاهر بالفجور، ان لم نقل بالكفر والالحاد.
اما عدم تعيين اهل الاختيار، فان اراد عدم تعينهم فذلك بهتان عظيم، لان الموجودين في الصدر الاول في عاصمةالاسلام المدينة المنورة الذين تصدوا لتعيين الخليفة هم اهل الحل والعقد، وكان اكثرهم موجودين الى ذلك العهد، واما منتوفي منهم فقد قيضت الظروف من بعدهم من يسد مسدهم، فان يكن هؤلاء مفوضا اليهم امر الخلافة بادئ بدء، فهمالمفوض اليهم امرها مهما تناقلت الخلافة، فليس لاحد ان يختار من دون رضا منهم، وان هؤلاء القوم تعينهم الظروفوالاحوال والمقتضيات المكتنفة بهم، ولا يعينهم نص من الكتاب او السنة.
وان اراد عدم تعيين هؤلاء الخليفة من بعد معاوية، فان ظرف التعيين ساعة موت الخليفة لا قبله. نعم، قد تنعقد الضمائرعلى انتخاب من يرون له الاهلية في ابان الانتخاب، وما ادرى معاوية انهم سوف يهملون امر الامة ساعة هلاكه؟ ولماذاتفرد بالانتخاب من دون رضا منهم؟ ولماذا خضع افرادا من القوم بالتخويف وآخرين بالتطميع؟ ومتى ابعد انتخابهالاختلاف الذي هو شر على الامة؟ وفي الملا الديني امم ينقمون منه ذلك، وجموع ينتقدونه، وشراذم يضمرون السخطولايتظاهرون به حذار بادرته. نعم، هناك زعانفة اشتروا رضا المخلوق بسخط الخالق، واعمتهم الصرر والبدر، فابدواالرضا.
ولو كانت هذه الفكرة حسنة جميلة، فلماذا فاتت رسول اللّه (ص) حين دنت منه الوفاة؟ فلم يرحض عن امته معرةالخلاف، وترك المراجل تغلي حتى اليوم. وهل ترى لو كان اوصى الى معين من امته بالخلافة يوجد هناك لاحد مطمعغير المنصوص عليه؟ ودعا سعد بن عبادة الى نفسه؟ وقال قائل الانصار: منا امير، ومنكم امير؟ وهتف هاتف: اناجذيلها المحكك ((3-1111)) وعذيقها المرجب ((3-1112)) ؟ وازدلف المهاجرون الى ابي بكر؟ واجتمع ناس الى العباس؟ وبنو هاشم ومنيمتبهم وينتمي اليهم يقولون: انها لامير المؤمنين صلوات اللّه عليه ؟ هذه اسئلة حافلة ليس للخضري عنها جواب، الا ان يدعي ان معاوية كان اشفق بالامة من رسول اللّه(ص).
واي خلاف رفعه تعيين يزيد وعلى عهده كانت واقعة الطف، وتلاها فاجعة الحرة، واعقبهما امر ابن الزبير وقصة البيتالمعظم؟ كل ذلك من جراء ذلك الاختيار، وثمرة تلك الفكرةالفاسدة، وفي الناقمين سبط النبوة حسين العظمة صلواتاللّهعليه وبقية بني عبدمناف، وعامة المهاجرين والانصار في المدينة المنورة.
ثم ان كان معاوية لم يجد بدا من الاختيار، فلماذا لم يختر صالحا من صلحاء الصحابة؟ وفي مقدمهم سبط رسول اللّه الامامالطاهر، ولا معدل عنه في حنكة او علم او تقوى او شرف.
وكيف راق الخضري ان يرى هذا الاختيار حسنا جميلا صالح الامة، ولم يره حيفا وجناية عليها وعلى اسلامها ورسولهاوكتابها وسنتها؟ ورسول اللّه (ص) يوقظ شعور امته قبل ذلك باعوام بقوله: «ان اول من يبدل سنتي رجل من بنيامية». وقوله: «لا يزال هذا الامر معتدلا قائما بالقسط، حتى يثلمه رجل من بني امية يقال له يزيد» ((3-1113)) .
واخرج ابن ابي شيبة ((3-1114)) وابو يعلى: ان يزيد لما كان ابوه امير الشام غزا المسلمون فحصل لرجل جارية نفيسة فاخذهامنه يزيد، فاستعان الرجل بابي ذر، فمشى معه اليه وامره بردها ثلاث مرات وهو يتلكا، فقال: اما واللّه لئن فعلت، فقدسمعت رسول اللّه (ص) يقول: «اول من يبدل سنتي لرجل من بني امية» ثم ولى، فتبعه يزيد فقال: اذكرك باللّه انا هو؟فقال: لا ادري، وردها يزيد.
قال ابن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ((3-1115)) (ص145): لا ينافي هذا الحديث المذكور المصرح بيزيد، اما لانهبفرض كلام ابيذر على حقيقته لكون ابي ذر لم يعلم بذلك المبهم، فقوله: لا ادري اي في علمي وقد بين ابهامه في الروايةالاولى، والمفسر يقضي على المبهم. واما لان ابا ذر علم انه يزيد ولكنه لم يصرح له بذلك خشية الفتنة، لا سيما وابو ذركانبينه وبين بني امى ة امور تحملهم على انهم ينسبونه الى التحامل عليهم.
واما رايه في حصر الخلافة باسرة فانا لا نناقشه الا من عدم جدارة الاسرة التي يجنح اليها الخضري للخلافة. نعم، لاباس به اذا حصرت باسرة كريمة تتحلى باللياقة والحذق من الناحية الدينية والسياسية، ونحن لا نقول بلزوم الحصرالمذكور مع عدم اللياقة، فانه غير واف لقم جذور الفساد، وقمع جذوم الاختلاف، فالامة متى وجدت من خليفتها الحيفوالجنف تثور عليه وتخلعه، وبطبع الحال يطمع في الخلافة عندئذ من هو ازكى منه نفسا، واطيب ارومة، واكرم خلقا،وحتى من يساويه في الغرائز، فاي مفسدة اكتسحها حصر الخلافة والحالة هذه؟ جير ((3-1116)) ،
اذا حصرت بمن ذكرناه وشاهدت الامة منهم التاهل، فان فيه منقطع اطماع الخارجين عن الاسرة من ناحيةخروجهم عن البيت المعين لها، ودحض معاذير الثوار والمشاغبين من ناحية عدم وجود احداث توجب الثورة والخروج،وعندئذ يتاكد خضوع الامة لخليفة شانه ما ذكرناه، فتعظم شوكته، وتتسق اموره، وتمتثل اوامره، فلا يدع معرة الا اكتسحها، ولا صلاحا الا بثه، والشيعة لا تقول بحصر الخلافة في آل علي: الا بعد اخباتها الى سريان ناموس العصمة فيرجالات بيتهم المعينين للخلافة المدعومة بالنصوص النبوية المتواترة. راجع (ص79 82) من هذا الجزء.
تخطئة الحسين (ع) في نهضته. وجوابها
4 قال: وعلى الجملة فان الحسين اخطا خطا عظيما في خروجه هذا، الذي جر على الامة وبال الفرقة والاختلاف،وزعزع عماد الفتها الى يومنا هذا، وقد اكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة لا يريدون بذلك الا ان تشتعل النيران فيالقلوب، فيشتد تباعدها. غاية ما في الامر ان الرجل طلب امرا لم يهيا له، ولم يعد له عدته، فحيل بينه وبين ما يشتهيوقتل دونه، وقبل ذلك قتل ابوه، فلم يجد من اقلام الكاتبين ومن يبشع امر قتله ويزيد به نار العداوة تاجيجا، وقد ذهبالجميع الى ربهم يحاسبهم على ما فعلوا، والتاريخ ياخذ من ذلك عبرة وهي: انه لا ينبغي لمن يريد عظائم الامور ان يسيراليها بغير عدتها الطبيعية، فلا يرفع سيفه الا اذا كان معه من القوة ما يكفل النجاح او يقرب من ذلك، كما انه لا بد انتكون هناك اسباب حقيقية لمصلحة الامة، بان يكون جور ظاهر لا يحتمل، وعسف شديد ينوء الناس بحمله، اما الحسينفانه خالف يزيد وقد بايعه الناس، ولم يظهر منه ذلك الجور ولا العسف عند اظهار هذا الخلاف (2/129 130). وقبلهذه الجمل يبرئ ساحة يزيد عن الظلم والجور، ويراه قرب علي بن الحسين اليه واكرمه ونعمه.
الجواب: ليت الرجل كتب ما كتب بعد الحيطة بشؤون الخلافة الاسلامية وشروطها، وما يجب ان يكتنفه الخليفة منحنكة لتدبير الشؤون، وملكة لتهذيب النفوس، ونزاهة عن الرذائل ليكون قدوة للامة، ولا ينقض ما يدعو اليه ببوائقه،الى امثالها من غرائز يجب ان يكون حامل ذلك العبء الثقيل متحليا بها، لكنه كتب وهو يجهل ذلك كله، وكتبه على حينانه لم يحمل الا نفسا ضئيلة تقتنع بما يحسبه دعة تحت نير الاضطهاد، وعلى حين ان ضعف الراي ودقة الخطر يحبذان لهراحة مزعومة في ظل الاستعباد، فلا نفس كبيرة تدفعه الى الهرب من حياة الذل، ولا عقل سليم يعرفه مناخ الضعة، ولااحاطة بتعاليم الاسلام تلقنه دروس الاباء والشهامة، ولا معرفة بعناصر الرجال ليعلم من نفسياتهم الكم والكيف، فلاعرف يزيد الطاغية حتى يعلم انه لا مقيل له في مستوى الخلافة، ولا عرف حسين السؤدد والشرف والاباء والشهامة،حسين المجد والامامة، حسين الدين واليقين، حسين الفضل والعظمة، حسين الحق والحقيقة، حتى يخبت الى ان من يحملنفسا كنفسه لا يمكنه البخوع ليزيد الخلاعة والمجون، يزيد الاستهتار والفسوق، يزيد النهمة والشره، يزيد الكفروالالحاد.
لم ينهض بضعة المصطفى الا بواجبه الديني، فان كل معتنق للحنيفية البيضاء يرى في اول فرائضه ان يدافع عن الدين بجهادمن يريد ان يعبث بنواميسه، ويعيث في طقوسه، ويبدل تعاليمه، ويعطل احكامه، وان اظهر مصاديق كلي تنطبق عليه هذهالجمل هو يزيد الجور والفجور والخمور، الذي كان يعرف بها على عهد ابيه، كما قال مولانا الحسين(ع) لمعاوية لما اراداخذالبيعةله: «تريد انتوهمالناس، كانك تصف محجوبا، او تنعت غائبا، او تخبر عما كان مما احتويته بعلم خاص، وقددل يزيد من نفسه على موقع رايه، فخذ يزيد فيما اخذ به من استقرائه الكلاب المهارشة ((3-1117)) عند التحارش، والحمام السبقلاترابهن، والقينات ذوات المعازف ((3-1118)) وضروب الملاهي، تجده ناصرا، دع عنك ما تحاول، فما اغناك ان تلقى اللّه بوزر هذاالخلق باكثر مما انت لاقيه» ((3-1119)) .
وقال (ع) لمعاوية ايضا: «حسبك جهلك! آثرت العاجل على الاجل». فقال معاوية: واما ما ذكرت من انك خير منيزيد نفسا، فيزيد واللّه خير لامة محمد منك. فقال الحسين: «هذا هو الافك والزور، يزيد شارب الخمر ومشترياللهو خير مني؟» ((3-1120)) .
وفي كتاب المعتضد الذي تلي على رؤوس الاشهاد في ايامه، ما نصه: الكلام حول معاوية ويزيد ومنه: ايثاره يعني معاوية بدين اللّه، ودعاؤه عباد اللّه الى ابنه يزيد المتكبر الخمير، صاحب الديوك والفهود والقرود،واخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر، والسطوة، والتوعيد، والاخافة، والتهدد، والرهبة، وهو يعلم سفهه، ويطلععلى خبثه ورهقه، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره. فلما تمكن منه ما مكنه منه، ووطاه له وعصى اللّه ورسوله فيه، طلببثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين، فاوقع باهل الحرة الوقيعة التي لم يكن في الاسلام اشنع منها، ولا افحش مماارتكب من الصالحين فيها، وشفى بذلك عبد نفسه وغليله، وظن ان قد انتقم من اولياء اللّه، وبلغ النوى لاعداء اللّه، فقالمجاهرا بكفره ومظهرا لشركه:
ليت اشياخي ببدر شهدوا / جزع الخزرج من وقع الاسل ((3-1121))
قد قتلنا القرم من ساداتهم / وعدلنا ميل بدر فاعتدل
فاهلوا واستهلوا فرحا / ثم قالوا يا يزيد لا تشل
لست من خندف ان لم انتقم / من بني احمد ما كان فعل
لعبت هاشم بالملك فلا / خبر جاء ولا وحي نزل
هذا هو المروق من الدين، وقول من لا يرجع الى اللّه والى دينه، ولا الى كتابه، ولا الى رسوله، ولا يؤمن باللّه ولا بما جاءمن عند اللّه. ثم من اغلظ ما انتهك واعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن علي، وابن فاطمة بنت رسول اللّه (ص)، مع موقعه منرسول اللّه (ص) ومكانه منه، ومنزلته من الدين والفضل، وشهادة رسول اللّه له ولاخيه بسيادة شباب اهل الجنة،اجتراءعلى اللّه وكفرا بدينه وعداوة لرسوله ومجاهدة لعترته واستهانة بحرمته، فكانما يقتل به وباهل بيته قوما من كفاراهل الترك والديلم، لا يخاف من اللّه نقمة، ولا يرقب منه سطوة، فبتر اللّه عمره، واجتث اصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده،واعد له من عذابه وعقوبته ما استحقه بمعصيته.. الخ. راجع تاريخ الطبري ((3-1122)) (11/358).
وقبل هذه كلها ما مر (ص257) من قول رسول اللّه (ص) من ان اول من يبدل سنته رجل من بني امية، و«لا يزال هذاالامر معتد لا قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني امية يقال له يزيد».
اضرار خلافة مثل يزيد
والى مثل هذه كان يرمي كل من ينقم بيعة يزيد، فخلافة مثله وهو على هذه الحالة خطر عظيم على الدين والمسلمين منشتى النواحي:
1 فقوم تتضعضع ضمائرهم عن الدين لما تمركز في الادمغة من ان الخليفة يجب ان يكون مسانخا لمن يتخلف عنه،والناشئة الذين لم يدركوا عصر النبوة ولم تكهربهم التعاليم الصحيحة في العصور المظلمة، تخالجهم هذه الشبهة باسرع مايكون، فيحسبون ان قداسة النبي الاعظم كانت ملوثة العياذ باللّه بامثال هذه الادناس، من دون علم بان الرجلخليفة ابيه لا خليفة رسول اللّه، وانما سنمه ذلك العرش المطامع والشره من جانب، والتخويف والارهاب من جانب.
2 قوم يروقهم اقتصاص اثر الخليفة في تهتكه لميل النفوس الى الاستهتار ورفض القيود تارة، ومن جهة حب التشبهبالعظماء والساسة طورا والناس على دين مليكهم والناس اذا استهوتهم الشهوات لا يقفون على حد، فتكثر فيهمالموبقات، وتشيع الفواحش، فمن فجور الى مثله، ومن فاحشة الى اخرى، فلا يمر يسير من الزمن الا ومملكة الاسلاممباءة للمنكرات، ومستوى للفواحش، حتى لا تبقى من نواميس الدين عين ولا اثر.
3 وهناك اقوام ينكرون هذه المظاهر، وقد افلتت من ايديهم المظاهر الدينية، فهم بين حائر لا يدري اين يولي وجههوممن ياخذ معالم دينه، وبين من تتسرب اليه الشبه خلال هاتيك الظلمات الدامسة، فلا يشعر حتى يرى نفسه في هلكةالجاهلية الاولى.
4 اذا سادت الخلاعة بين اي امة من ملوكها وسوقتها وامرائها وزعمائها، فهي بطبع الحال تلتهي عن الشؤون الاجتماعيةوالادارية ودحض الفوضى ومقاومة القلاقل الداخلية، فهنالك يسود فيها الضعف اختلال نظامها، فتنبو عن الدفاع عنثغورها واستقلالها، فتطمع فيها الاجانب، وتكثر عليها الهجمات، فلا يمر عليها ردح قصير من الزمن الا وهي فريسةالضاري، واكلة الجشع، وطعمة كل مخالف.
5 ان نواميس الاسلام كانت بطبع الحال تبلغ الى امم نائية عن مملكته فيروقها جمالها البهيج، وحكمتها البالغة، وموافقتهاالعقل والمنطق، واعمال رجالها المخلصين فيكون فيهم من يتاثر بجاذبيتها، او يكون على وشك من اعتناقها، ولا اقل منالحب الممتزج لنفسياتهم، لكن بينما القوم على هذه الحالة، اذا تعاقب تلك الانباء ما يضادها من عادات هذا الدور الجديدالحالك، واخبارها الموحشة تحت راية تلك الخلافة الجائرة، وبلغهم ان هاتيك التعاليم الوضيئة قد هجرت، والمطرد فيمملكة الاسلام غيرها بشهوة من الخليفة، وانهماك من القواد، وتهالك من الزعامة، وتفان من السوقة، فسرعان ما تعودتلك السمعة مشوهة، ويعود ذلك الحب بغضا، من غير تمييز بين الاصيل والدخيل من الاعمال، فتكون الحالة معثرة فيسبيل سير الاسلام وتسريه الى الاجانب.
6 اضف الى هذه كلها ما كان يظهر من فلتات السنة الامويين، ويرى في فجوات اعمالهم من نواياهم السيئة على الدينوالمسلمين، وقد علمنا من ذلك انهم لم يقلعهم عن دينهم الوثني الاول الا خشية السيف والطمع في الزعامة، فاقلشيءينتظر منهم على ذلك عدم اهتمامهم بنشر معالم الدين، ان لم ترد الامة عن سيرها الديني القهقرى، فتبقىمرتطمةبينهذه وبين تهالكها في الفجور وسيئ الخلق، فتعود دولة قيصرية ومملكة جاهلية.
ثم ان نفس الخليفة اذا شاهد من استحوذ عليهم من الامم على هذه الاحوال، وعلم انه قد ملك الرقاب ولا منكر عليهمن بينهم، على مثم يرتكبها او سيئات يجترحها، فانه بالطبع يتوغل في غلوائه، ويزداد في انهماكه، ويشتد في التفرعن والاستعباد.
نهضة الامام المفدي
فاي خطر ايها الخضري اعظم على المجتمع الديني من هذه الاحوال؟ واي مصلحة اعظم من اكتساح هذه المعرة تدفع كلديني غيور الى النهوض في وجه هذه السلطة القاسية؟ واي عسف شديد ينوء الناس بحمله، او جور ظاهر لا يحتمل اشدمما ذكرنا، الذي يترك كل متدين ان يرى من واجبه الانكار عليه، والنهضة تجاهه ولو بمفرده؟ وان علم انه مقتول لامحالة، فانه وان يقتل في يومه لكن حياته الابدية في سبيل الدين والشريعة لا تزال مضعضعة لاركان الدولة الظالمة، وهوفيها يتلو على الملا صحيفة صاحبها السوداء، وانه كان مغتصبا ذلك العرش المقدس، وانه انما واد هذا الانسان دون انكارهعلى جرائمه، ويتخذ الملا الواقف على حديثه درسا راقيا من التضحية والمفاداة للمبدا الصحيح، فيقتصون اثره، ويحصلهناك قوم يرقون لهذا المضحي فينهضون لثاراته، وفي الامة بقية ساخطة لمثم المتغلب وفتكه بالمنكر عليه، فتلتقيالروحان: الثائرة والساخطة، فتنهك هذه قوى الدولة الغاشمة، وتتثبط الاخرى عن مناصرتها، فيكون هناك بوار الظلموظهور الصالح العام.
وهكذا اثرت نهضة الحسين المقدسة حتى اجهزت على دولة الامويين ايام حمارهم، وهكذا علمت الامة دروسها الراقية،لكن الخضري ومن يلف لفه قد اعشى الجهل ابصار بصائرهم.
لم يكن حسين التضحية يريد ملكا عضوضا، حتى كان خروجه قبلالاهبةخطا عظيما كما يحسبه الخضري، فيقول بملء فمه:فحيل بينه وبين ما يشتهي وقتل دونه!…
وانما اراد الفادي الكريم والمجاهد الظافر التضحية في سبيل الدين، ليعلم الامةبفظاظة الامويين وقسوة سياستهم، وابتعادهم عن الناموس البشري فضلا عن الناموس الديني، وتوغلهم في الغلظةالجاهلية وعادات الكفر الدفين، ليعلم الملا الديني كيف انهم لم يوقروا كبيرا ولم يرحموا صغيرا، ولم يرقوا على رضيع، ولميعطفوا على امراة، فقدم الى ساحات المفاداة اغصان الرسالة واوراد النبوة وانوار الخلافة، ولم يبق جوهرة من هاتيكالجواهر الفردة، فلم يعتم هو ولا هؤلاء الا وهم ضحايا في سبيل تلك الطلبة الكريمة.
سل كربلا كم من حشا لمحمد / نهبت بها وكم استجذت من يد
اقمار تم غالها خسف الردى / واغتالها بصروفه الزمن الردي
وما كان حسين العظمة بالذي تذهب اعماله ادراج الرياح، لما هو المعلوم بين امة جده من شموخ مكانته، ورفعة مقامه،وعلمه المتدفق، ورايه الاصيل، وعدله الواضح، وتقواه المعلومة، وانه ريحانة رسول اللّه (ص) المستقي من تيار فضله، فلنتجد بين المسلمين من ينكر عليه شيئا من هذه المثر وان كان ممن لا يدين بخلافته، فما كانت الامة تفوه بشيء حولنهضته القدسية قبل التنقيب والنظر، وقد نقبوا وترووا فيها، فوجدوها طبقا لصالح المجتمع، فلم يسمع من احدهم غيرتقديس او اكبار، ولذلك لم تسمع اذن الدهر من اي احد ما تجرا به الخضري بقوله: اخطا.
( انهم ليقولون منكرا من القول وزورا ) ((3-1123)) .
فالذي نستفيده من تاريخ السبط المفدى هو وجوب النهوض في وجه كل باطل ومناصرة كل حق، ولابقاء هيكل الدينونشر تعاليمه وبث اخلاقه. نعم، يعلمنا هذا التاريخ المجيد النزوع الى ايثار الخلود في البقاء ولو باعتناق المنية على الحياةالمخدجة تحت نير الاستعباد، والمبادرة الى الانتهال من مناهل الموت لتخليص الامة من مخالب الجور والفجور، ويلزمنابسلوك سنن المفاداة دون الحنيفية البيضاء، والنزول على حكم الاباء دون مهاوي الذل. هذا غيض من فيض من دروسسيدنا الحسين(ع) التيالقاها علىامة جده، لا ما جاء في مزعمةالخضري من ان التاريخ..الخ.
وللخضري من ضرائب ما ذكر بوائق جمة ضربنا عنها صفحا، وانما اردنا ايقاظ شعور الباحث بما ذكر الى سنخ آرائه الاموية.
(يستخفون من الناس ولا يستخفون من اللّه وهو معهم اذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان اللّه بما يعملون محيطا) ((3-1124))