(43) الجبري المصري
يا دار غادرني جديد بلاك / رث الجديد فهل رثيت لذاك
ام انت عما اشتكيه من الهوى / عجماء مذ عجم البلى مغناك
ضفناك نستقري الرسوم فلم نجد / الا تباريح الهموم قراك
ورسيس شوق تمتري زفراته / عبراتنا حتى تبل ثراك
ما بال ربعك لا يبل كانما / يشكو الذي انا من نحولي شاك
طلت طلولك دمع عيني مثلما / سفكت دمي يوم الرحيل دماك
وارى قتيلك لا يديه قاتل / وفتور الحاظ الظباء ظباك
هيجت لي اذ عجت ساكن لوعة / بالساكنيك تشبها ذكراك
لما وقفت مسلما وكانما / ريا الاحبة سفت من رياك ((4-936))
وكفت عليك سماء عيني صيبا / لو كف صوب المزن عنك كفاك
سقيا لعهدي والهوى مقضية / اوطاره قبل احتكام نواك
والعيش غض والشباب مطية / للهو غير بطيئة الادراك
ايام لا واش يطاع ولا هوى / يعصى فنقصى عنك اذ زرناك
وشفيعنا شرخ الشبيبة كلما / رمنا القصاص من اقتناص مهاك
ولئن اصارتك الخطوب الى بلى / ولحاك ريب صروفها فمحاك
فلطالما قضيت فيك مربي / وابحت ريعان الشباب حماك
ما بين حور كالنجوم تزينت / منها القلائد للبدور حواكي
هيف الخصور من القصور بدت لنا / منها الاهلة لا من الافلاك
يجمعن من مرح الشبيبة خفة الـ / ـمتغزلين وعفة النساك
ويصدن صادية القلوب باعين / نجل كصيد الطير بالاشراك
من كل مخطفة الحشا تحكي الرشا / جيدا وغصن البان لين حراك
هيفاء ناطقة النطاق تشكيا / من ظلم صامتة البرين ضناك ((4-937))
وكانما من ثغرها من نحرها / در تباكره بعود اراك
عذب الرضاب كان حشو لثاتها / مسك يعل به ذرى المسواك
تلك التي ملكت علي بدلها / قلبي فكانت اعنف الملاك
ان الصبا يا نفس عز طلابه / ونهتك عنه واعظات نهاك
والشيب ضيف لا محالة مؤذن / برداك فاتبعي سبيل هداك
وتزودي من حب آل محمد / زادا متى اخلصته نجاك
فلنعم زاد للمعاد وعدة / للحشر ان علقت يداك بذاك ((4-938))
والى الوصي مهم امرك فوضي / تصلي بذاك الى قصي مناك
وبه ادرئي في نحر كل ملمة / واليه فيها فاجعلي شكواك
وبحبه فتمسكي ان تسلكي / بالزيغ عنه مسالك الهلاك
لا تجهلي وهواه دابك فاجعلي / ابدا وهجر عداه هجر قلاك
فسواء انحرف امرؤ عن حبه / او بات منطويا على الاشراك
وخذي البراءة من لظى ببراءة / من شانئيه وامحضيه هواك
وتجنبي ان شئت ان لا تعطبي / راي ابن سلمى فيه وابن صهاك
واذا تشابهت الامور فعولي / في كشف مشكلها على مولاك
خير الرجال وخير بعل نسائها / والاصل والفرع التقي الزاكي
وتعوذي بالزهر من اولاده / من شر كل مضلل افاك
لا تعدلي عنهم ولا تستبدلي / بهم فتحظي بالخسار هناك
فهم مصابيح الدجى لذوي الحجا / والعروة الوثقى لذي استمساك
وهم الادلة كالاهلة نورها / يجلو عمى المتحير الشكاك
وهم الصراط المستقيم فارغمي / بهواهم انف الذي يلحاك
وهم الائمة لا امام سواهم / فدعي لتيم وغيرها دعواك
يا امة ضلت سبيل رشادها / ان الذي استرشدته اغواك
لئن ائتمنت على البرية خائنا / للنفس ضيعها غداة رعاك
اعطاك اذ وطاك عشوة رايه / خدعا بحبل غرورها دلاك
فتبعته وسخيف دينك بعته / مغترة بالنزر من دنياك
لقد اشتريت به الضلالة بالهدى / لما دعاك بمكره فدهاك
واطعته وعصيت قول محمد / فيما بامر وصيه وصاك
خلفت واستخلفت من لم يرضه / للدين تابعة هوى هواك
خلت اجتهادك للصواب مؤديا / هيهات ما اداك بل ارداك
لقد اجتريت على اجتراح عظيمة / جعلت جهنم في غد مثواك
ولقد شققت عصا النبي محمد / وعققت من بعد النبي اباك
وغدرت بالعهد المؤكد عقده / يوم الغدير له فما عذراك
فلتعلمن وقد رجعت به على الا / عقاب ناكصة على عقباك
اعن الوصي عدلت عادلة به / من لا يساوي منه شسع شراك
ولتسالن عن الولاء لحيدر / وهو النعيم شقاك عنه ثناك ((4-939))
قست المحيط بكل علم مشكل / وعر مسالكه على السلاك
بالمعتريه كما حكى شيطانه / وكفاه عنه بنفسه من حاك
والضارب الهامات في يوم الوغى / ضربا يقد به الى الاوراك
اذ صاح جبريل به متعجبا / من باسه وحسامه البتاك
لا سيف الا ذو الفقار ولا فتى / الا علي فاتك الفتاك
بالهارب الفرار من اقرانه / والحرب يذكيها قنا ومذاك
والقاطع الليل البهيم تهجدا / بفؤاد ذي روع وطرف باك
بالتارك الصلوات كفرانا بها / لولا الرياء لطال ما راباك
ابعد بهذا من قياس فاسد / لم تات فيه امة ماتاك
اوما شهدت له مواقف اذهبت / عنك اعتراك الشك حين عراك
من معجزات لا يقوم بمثلها / الا نبي او وصي زاكي
كالشمس اذ ردت عليه ببابل / لقضاء فرض فائت الادراك
والريح اذ مرت فقال لها احملي / طوعا ولي اللّه فوق قواك
فجرت رجاء بالبساط مطيعة / امر الاله حثيثة الايشاك ((4-940))
حتى اذا وافى الرقيم بصحبه / ليزيل عنه مرية الشكاك
قال السلام عليكم فتبادروا / بالرد بعد الصمت والامساك
عن غيره فبدت ضغائن صدر ذي / حنق لستر نفاقه هتاك
والميت حين دعا به من صرصر / فاجابه وابيت حين دعاك
لا تدعي ما ليس فيك فتندمي / عند امتحان الصدق من دعواك
والخف والثعبان فيه آية / فتيقظي يا ويك من عمياك
والسطل والمنديل حين اتى به / جبريل حسبك خدمة الاملاك
ودفاع اعظم ما عراك بسيفه / في يوم كل كريهة وعراك
ومقامه ثبت الجنان بخيبر / والخوف اذ وليت حشو حشاك
والباب حين دحا به عن حصنهم / سبعين باعا في فضا دكداك
والطائر المشوي نص ظاهر / لولا جحودك ما رات عيناك
والصخرة الصما وقد شف الظما / منها النفوس دحا بها فسقاك
والماء حين طغى الفرات فاقبلوا / ما بين باكية اليه وباكي
قالوا اغثنا يا ابن عم محمد / فالماء يؤذننا بوشك هلاك
فاتى الفرات فقال يا ارض ابلعي / طوعا بامر اللّه طاغي ماك
فاغاضه حتى بدت حصباؤه / من فوق راسخة من الاسماك
ثم استعادوه فعاد بامره / يجري على قدر ففيم مراك
مولاك راضية وغضبى فاعلمي / سيان سخطك عنده ورضاك
يا تيم تيمك الهوى فاطعته / وعن البصيرة ياعدي عداك
ومنعت ارث المصطفى وتراثه / ووليته ظلما، فمن ولاك
وبسطت ايدي عبدشمس فاغتدت / بالظلم جارية على مغناك
لا تحسبيك بريئة مما جرى / واللّه ما قتل الحسين سواك
يا آل احمد كم يكابد فيكم / كبدي خطوبا للقلوب نواكي
كبدي بكم مقروحة ومدامعي / مسفوحة وجوى فؤادي ذاكي
واذا ذكرت مصابكم قال الاسى / لجفوني اجتنبي لذيذ كراك
وابكي قتيلا بالطفوف لاجله / بكت السماء دما فحق بكاك
ان تبكهم في اليوم تلقاهم غدا / عيني بوجه مسفر ضحاك
يا رب فاجعل حبهم لي جنة / من موبقات الظلم والاشراك
واجبر بها الجبري رب وبره / من ظالم لدمائهم سفاك
وبهم اذا اعداء آل محمد / غلقت رهونهم فجد بفكاك ((4-941))
الشاعر
ابن جبر المصري احد شعراء مصر على عهد الخليفة الفاطمي المستنصر باللّه، المولودسنة (420) والمتوفى (487)، ذكر المقريزي في الخطط ((4-942)) (2/365) موسما من مواسمفتح الخليج في ايام المستنصر وقال: وتقدم شاعر يقال له ابن جبر، وانشد قصيدة منها:
فتح الخليج فسال منه الماء / وعلت عليه الراية البيضاء
فصفت موارده لنا فكانه / كف الامام فعرفها الاعطاء
فانتقد الناس عليه في قوله: فسال منه الماء وقالوا: اي شيء يخرج من البحر غير الماء؟ فضيع ما قاله بعد هذا المطلع.
وهناك قصائد غديرية لابن طوطي الواسطي، والخطيب المنبجي، وعلي بن احمدالمغربي، من شعراء القرن الخامس توجد مبثوثة في مناقب ابن شهرآشوب وتفسير ابي الفتوح الرازي، والصراط المستقيم للبياضي، والدر النظيم في الائمة اللهاميم لابن حاتم الدمشقي، وغيرها لم نذكرها لعدم عرفاننا بترجمة اولئك الشعراء و تاريخ حياتهم، غير انهم من شعراء هذه الاثارة ماثرة الغدير ومنضدي عقودها، وناظمي حديثها، من الذين استفادوا من لفظه معنى الامامة والمرجعية الكبرى في الدين، والاولوية بالناس من انفسهم.